أخر الاخبار

رواية طيف السلطان الفصل الاول1والثانى2بقلم قسمة الشبيني

رواية طيف السلطان

بقلم قسمه الشبيني

الفصل الأولى والثاني 


صباح جديد لا يحمل للبسطاء الكثير من التجديد . . مجرد يوم أخر يضيف    لمعاناة حياتهم المزيد من الضغوط والمزيد من الإجهاد لأبدان أنهكت كليا .



قرية صغيرة بأحد محافظات دلتا النيل تلك المنطقة التي تزدحم   بساكنيها بشكل    أرهق كليهما .. زاد الفقر ومد أذرعه لتصل إلى أقصى المنازل وأكثرها بؤسا .



إن صحت تسميته بمنزل فهو ليس بمنزل ، ربما يظن من يراه للوهلة الأولى أنه حظيرة للحيوانات الريفية المعروفة لا يعلم صاحبها شيئا عن اساسيات الأمان .



حوائط قصيرة يسهل تسلقها .. باب متهالك سيسقط لدفعة قوية من    الرياح دون أن يدفعه بشر .. وسقف تجمعت فوقه عيدان ا لخوص وبعض الألواح الخشبية متعدد الفتحات لا يقى حرارة شمس ولا يمنع خزات المطر .



مع الاقتراب قليلا لن تلحظ الروائح النابعة من أماكن مشابهة .. لا يسود هنا سوى     رائحة عبق الصباح الصيفى المحمل برطوبة خفيفة .


سعال متواصل يصدر عن شخص ما بالداخل لتتضح الرؤية اخيرا فهذا المكان اللاأدمى يعيش فيه بشر .


صوت يخرج من جسد اذابه المرض متحشرجا متقطعا : طيف .. يا طيف  كح كح 


ويظهر من بين الزراعات هذا !! هذه الطيف التى تهرول فور سماع صوت     والدها المريض غير عابئة بقطرات الماء التى تتساقط من ذلك الإناء الذى تحمله فوق رأسها دون أن    تؤثر الهرولة على توازنه .




دفعت هذا الباب المتهالك لتجيب : ايوه يا ابا انى جيت اهو .


ليس صعبا على الاب رؤيتها فالمكان كله غرفة واحدة فقط مقسمة بعدة خرق كادت أن تبلى كليا استخدمت كحوائط بها ومربعين    صغيرين يحوى

  أحدهما موقدا عفى عليه الزمن وعدة أوانى والآخر وهو المكان الوحيد الذى لازال بابه قائما مرحاض قديم الطراز لكن نظافته تجعله مقبولا .



دخلت لتضع الأنية أرضا فيتساءل : كنت فين يا طيف ؟

أشارت نحو حمولتها : الحكيم قال تشرب ميه نضيفة روحت جبت ميه     من الفلتر الجديد اللى عملته اسمه ايه ده بتاع الانتخابات على اول البلد .



ابتسم عبيد رغم ضعفه الشديد لتبدأ ملء المياة : هسيبلك القلة جارك على ما اجى .. مرات الشيخ يونس وانى جاية قالت لي اروح      اخبز معاها وهتدينى خمسين جنيه .. هعدى على السوق اجيب اى طبيخ واجى مش هتأخر .



اتجهت لذلك المطبخ لتعد بطبق يحوى قطعة من الجبن ورغيفا من الخبز وضعتهما أمامه : افطر علشان تاخد الدوا قبل ما اطلع 


أمسك عبيد الرغيف وكأنه يعلم أنه الأخير ، قسمه نصفين مقدما لها نصيبا منه : مش هاكل لو ماكلتيش .


ردت كفه : انا هفطر على الخبيز .. كل انت بس 


وضع القسمين رافضا لتجلس فورا وتتناول القسم الذى رفضته للتو فهى تعلم أنه لن يتناوله بدونها .


*************


وقفت السيارة الضخمة بجوار الطريق ليطل السائق من عليائها على ذلك      الجالس فوق مقعد خشبى بجوار بضاعته المكونة من العصى والسجاد وبعض مستلزمات سائقى سيارات النقل شديدة الضخامة .




رفع كفه ملقيا التحية ليقف الآخر مبادله تحيته ومتطلعا لبيع بعض من بضائعه .. ترجل السائق عن سيارته بيسر رغم صخامته     وبدانته الواضحة ليقول : عاوز عوجاية يا سلطان وكليم ناكل عليه وحاجة حلوة للتابلوه .



تقدم سلطان نحو بضائعه المتراصة ليمسك أحد العصى فيعترض السائق : لاه هاتها بلوزة 



تركها والتقط أخرى عائدا إليه : دى الخبطة منها والقبر بلاش افترا يا مرعى على الخلق .


ضحك المدعو مرعى : مابفتريش غير على المفترى انت عارف الطريق وقرفه .


أمسك العصى يلفها بين أنامله ببراعة لتتسع ابتسامته : هو ده انا قولت مش هلاقى حاجة موزونة غير عندك .



بدأ يفحص كل ما يحتاجه ليتمكن سلطان من بيع بعض من بضائعه بسعر جيد وهذا أمر مستحب له فى الصباح .



غادر السائق لينظر نحو صاحب المقهى المجاور مناديا : يا حكيم راعى الفرشة على ما ارجع .


أشار له حكيم : عنيا يا سلطان بس ما تغبش دى ساعة استفتاح .


أومأ سلطان : استفتحت الحمد لله .. هطل على امى بس وجاى .


********


سارت طيف بين الزراعات مجددا حتى وصلت لطريق ممهد اتخذته     مباشرة نحو بيت ذاك الشيخ الذى استأجرتها زوجته للمساعدة فهى بحاجة ماسة للعمل .



يحصل والدها على عدة مئات من الجنيهات لا تتعدى اصابع الكف الواحد     ولا تصمد حتى ينتصف الشهر .. مرض أبيها الذى حال دون عمله زاد بؤسهما الذى لا يحتاج لزيادة .



وقفت بالباب ليفتح لها الحارس الذى أشار لها : روحى عند الفرن على ما الحجة تنزل قرصى العجين خامر .


اتجهت فى الاتجاه الذي تعرفه فعليا فقد قامت بهذا العمل عدة مرات ..


نزعت غطاء رأسها وحملت الإناء الضخم لتضعه أرضا ، استقامت مجددا لتجد من يحيطها من الخلف .



انتفضت ليحكم ذراعيه حولها فتنهره بخفوت : شيل ايدك يا ياسر احسن والله هقول لأمك ولا للشيخ يونس .



ضحك الشاب بسماجة : وهم هيصدقوا واحدة زيك بردو ؟؟ يا بت اسمعى الكلام ده انا هنغنغك 



عادت تدفعه بيأس فى التخلص منه : قولت لك أبعد عنى لاصوت وألم عليك الخلق 



عاد يضحك : صوتى انت اللى هتجرسى مش انا .. انا ابن الشيخ يونس يا بنت عبيد .


دفعها للأمام نحو ركن مستتر ثم رفع كفه مكمما فاها : مادام مالكيش      فى الذوق يبقى بالغصب يا حلوة انا فى كل الاحوال لازم اخد اللى انا عاوزه .



ادارت النشوة رأسه ليتخلى عن حرصه ويرفع كفه الذى يحتاجه      بشدة للمس مفاتنها عنوة لتجد هى فرصتها فتقف على أصابع قدميها حتى طالت رقبته لتطبق عليها أسنانها بما تملك من قوة .


نفضه الألم لينزعه من نشوته فيدفعها عنه ويبتعد للخلف .. رفع كفه لرقبته متوعدا لها : بقى كده يا بنت عبيد طب انا هوريكى .


رفع الكوفية التى تزين رقبته ليخفى أثر عضتها ثم يغادر مهرولا    قبل أن تلمحه الأعين .. تقدمت بأنفاس تلهث غضبا وقلبا يعتصره الألم .


بنت عبيد 

هذا هو اللقب الذى تنادى به فى مواقف مشابهة تتعرض لها بشكل شبه     يومي ورغم أنها تتصدى للجميع بقوة إلا أن الألم يترك أثرا بقلبها الذى تشوه من كثرة طعناتهم الغادرة .



الجميع ينهش فيها طمعا فى جمالها لضيق حالها وفقرها الذى زاد ذلها ذلا  ومرض أبيها الذى اقعده لتهون بأعينهم أكثر من ذى قبل .


أقبلت امرأة فى عقدها الخامس وكانت طيف تجلس أرضا وقد بدأت العمل     دون التوقف عن البكاء .. تساءلت المرأة : إيه يا بنتى ابوكى جرى له حاجة ؟؟



هزت رأسها نفيا لتجلس المرأة : يبقى واحد من البهايم اترازل عليكى وانت جاية .. ما أنا عارفة البلد واللى بيحصل فيها 



رفعت طيف رأسها تنوى أخبارها بفعلة ابنها لتتابع هى : الحمدلله ياسر ابنى متعلم ومتنور وعارف ربنا .. أما لو الشباب يعملوا زيه البلد هينصلح حالها .



نكست طيف رأسها مجددا واكتفت بالإستماع طيلة الساعات التالية      عن محاسن اخلاق هذا التالف الذى احسن ارتداء ثوب الفضيلة أمام الجميع مثل الكثيرين من أهل القرية دون أن تتفوه بكلمة واحدة .


*************


صعد سلطان الدرج نحو شقة فى الدور الثاني من بناية جيدة الحال .. فتح الباب يحمل عدة أرغفة وفطورا تقليديا .


المنزل مكون من ثلاثة غرف اتجه نحو أحدها وفتح الباب بهدوء ،       يعلم أنها مستيقظة وتجلس بجوار الشرفة تراقب صخب الصباح الذى تعشقه .


تقدم منها بود ليرفع كفها يقبله : اصباح الخير يا اماى .. كيفك النهاردة ؟؟


ابتسمت لتظهر تجاعيد وجهها الأسمر وهى تربت فوق رأسه : بخير يا ولدى طول ما انت وخواتك بخير .



وضع الطعام أمامها ثم اتجه للخارج .. عاد بصحن خزفى ليفرغ فيه محتويات كيس الفول الذى يتناولاه يوميا ثم بسط قرطاس ورقى يحوى حبات الفلافل المصرى الشهير .. قدم لها رغيفا : افطرى لأچل ارچع للنصبة .



تناولت الرغيف بود لتبدأ ككل يوم تقص عليه ذكريات حياتها بالماضى      حين كان والده حى يرزق وكانت تعيش مكرمة برعايته ثم تتخذ القصة مجراها الحزين بعد وفاته ونزوحها بأبنائها إلى الوجه البحري هربا من ضغوط الأسرة لزواجها مجددا .


يعلم سلطان القصة كاملة فقد عاشها منذ كان بالسابعة من عمره ورغم ذلك لا يمانع مشاركة أمه ذكرياتها خاصة بعد زواج شقيقاته الأربع ووحدتها الشديدة لظروف عمله الشاقة .


**********


أنهت طيف عملها وكانت الظهيرة شديدة الحر وتشعر بصداع شديد لبكائها المتواصل ، حاولت زوجة الشيخ منحها بعض الطعام لكنها رفضت بشدة فهى لا تأخذ إلا أجر عملها .


غادرت عازمة على عدم العودة لهذا المنزل مهما اشتدت بها الحاجة       .. هناك بعض الخيارات التى قد تحفظ كرامتها وتقيها تحرش هذا الحقير وأمثاله .


فكرت فى تفقد أبيها قبل التوجه لسوق المركز فقد تراءت لها فكرة يمكنها      أن تجرب القيام بها وإن أصابت فستعف نفسها من التردد على المنازل التى تضم بين جدرانها كلاب تترصد بها .


سارت وسط الزراعات ستتفقده وتخبره أنها ستتوجه للسوق ويمكنها العودة قبل حلول الظلام .


تلفتت حولها وقد تيقنت من متابعة أحدهم من خطواته وكان خلفها بعدة خطوات بالفعل .


ابتسم لها بتشف واضح : نعقل بقا انت رسيتى على الدور .. خليها بمزاجك      احسن وهنا هتضربى .. هتصرخى .. محدش هيغيتك منى .. الوحيد اللى ممكن يسمع ابوكى وانا ماعنديش مانع إنه يسمع ويتفرج كمان .


شعرت بالعجز والفزع فما تراه بعينيه وقسماته هلاكها المؤكد 




رواية طيف السلطان

بقلم قسمة الشبينى

الفصل  الثاني


تراجعت طيف للخلف وقد رأت أن مبادلته التهديد لن تجدى نفعا لكنها لا يجب أن تظهر بصورة المرتعبة الخائفة فيسعى لاستغلال ذلك .


عادت خطوة للخلف ليتقدم منها فتوقفه محذرة : أبعد عنى احسن لك يا ياسر .. انا لا يهمنى انت مين ولا ابن مين .


مسد صدره بوقاحة مقتربا : وهى واحدة زيك إيه يهمها ؟؟ وانا مش عاوز يهمك انا مين .. فكرى

  هتكسبى من ورايا إيه ؟؟ بدل القعدة     قدام الفرن وصهد النار والحطب .. معايا هترتاحى من كل ده وكمان تتبسطى انا هدلعك .



قاطعته بتهكم : قصدك هتوحلنى وتدوس عليا برجليك .. أبعد عنى يا ابن الشيخ إحنا بعيد عن داركم وهنا الناس هتصدقنى انا لانك انت اللى جاى ورايا .


ضحك ياسر : ناس هههههه بصى حواليكى كويس اقرب بيت بيتكم واول من هيسمعنا ابوكى .


ولم يرتجع ياسر عنها فهى بالنسبة له صيد سهل يحوى الكثير من المتعة      بلا مشقة ولا تكلفة .. فأى كان المبلغ الذى سيدفعه لها لن يوازى تكلفة المتعة المحرمة .



اقبل عليها لتتراجع استعدادا للركض والصراخ لكنه أسرع منها فتمكن من إسقاطها أرضا دون جهد يذكر .


ابتسم لها بتشف كما حدث صباحا لترى تلك اللمعة البغيضة بعينه .. مال عليها يبغى التمتع بما لا يحل له ليرتعد قلبها .. تحسست     الأرض و أمسكت اقرب حجر لكفها وضربت به رأسه بقوة كانت كافية لابعاده عنها وإصابته بجرح غائر ليصرخ ألما .



انتفضت واقفة والحجر لازال بكفها لتضربه مجددا بحقد : علشان تبقى تستقوى على الغلابة اللى زيى .. 


وضربته ثالثة : ربنا ينتقم منك على كل لمسة غصبانية وعلى كل كلمة كسرت بيها خاطرى .


احتفظت بالحجر وهى تنظر له يمسك رأسه صارخا ، تلفتت حولها بفزع واسرعت تركض محتفظة بالحجر الذى يحمل دماء هذا النجس .


دخلت المنزل بإندفاع ليفزع أبيها ، ورغم حملها الحجر إلا أنها اخفته     بحلبابها الفضفاض واتجهت تلقى على أبيها التحية متجهة نحو المرحاض حيث بزاوية بجانب الباب اخفته لتتمكن لاحقا من إخفائه عن أبيها .



غسلت وجهها وعادت إليه مبتسمة : جيت اطل عليك قبل ما انزل المركز .. هروح السوق هناك .


رفع أبيها رأسه : ليه يا بنتى ؟ ماتجيبى اى حاجة من هنا وخلاص .


جلست بجواره : عاوزة اجيب شوية دقيق غلة من اى فلاحة فى سوق     المركز هعمل العيش هنا وابيعه على السريع القريب هناك العربيات يامه وناس غرابة احسن من التلطيم فى بيوت الخلق ويوم فيه ويوم مفيش .



ابتسم عبيد : يعنى مش عاجبك تقعدى جارى يوم ؟؟ يا بنتى اهو بترتاحى الحمل تقل عليكى اوى .


أصرت على رأيها : بالعكس يا أبا كده اقعد معاك اكتر انى هخبز بالليل ومع ترقريق النهار أقف ساعة ولا اتنين بالكتير وارجع اقعد جارك طول اليوم .



استسلم عبيد سريعا : اللى يريحك يا بنتى اهم حاجة عندى ماحدش يضايقك ولا يجى عليك .


وقفت بنفس الابتسامة : ماتخافش محدش يقدر .. انا همشى علشان ألحق ارجعلك بسرعة .


واتجهت للخارج مجددا عازمة على تنفيذ فكرتها للوذ بالنفس من خبائث الأنفس .


اتخذت نفس الطريق ولم تر ياسر فى طريق عودتها ، ربما أنقذه أحدهم أو تحرك هو هربا .


لا يهمها بالواقع ما حدث له فهى تتمنى له الأسوأ وعدم النجاة بأفعاله    القذرة .. لابد أنه يقوم بالمثل مع غيرها من الفتيات .. كم تتمنى أن يزج به وبأمثاله لأشد العقوبة .



لكن للأسف فهو وأمثاله يرتدون ثياب الفضيلة أمام الناس وينأون بدنائة نفوسهم للخفاء .


هل الخفاء يمحى ذنبهم ؟؟

هل التفضل أمام الناس يغفر خطيئتهم ؟؟

كيف يفكر هؤلاء الأقذار ؟؟


اتخذت طريقا جانبيا خرجت منه مباشرة أمام العربة التى ينادى صاحبها الركاب ليقلهم للمركز .



جلست بمقعد منفرد حيث يمكنها أن تبتعد عمن يجاورها فهى لم تعد تشعر بالأمان لأى ذكر وإن رأته أمام الناس داعيا مدعيا .


الجولة بالسوق مرهقة لكنها لم تعد إلا بما أرادت وزادت بعض الخضر حيث يمكنها إعداد حساءها لأبيها المريض وإعداد وجبة غنية لها .



حملت مشترواتها فوق رأسها وسارت عائدة تجاه العربات تبحث عن سيارة لتعيدها لمشارف القرية وهذا يكفيها .


****


أنهت الممرضة سريان المحلول بعروقه وسحبت الخرطوم من كفه لتبتسم بتكلف : ألف سلامة .

أجابها أبيه بإكرامية ممتازة دستها بجيبها وسارت نحو فراش مريض اخر ورغم شعوره بالدوار وتورم عينيه تابع انصرافها مميزا تمايل خصرها الذى تبالغ فيه .



لقد نجى من موت أو إصابة بالعمى كما قال طبيب المشفى الذى حمله إليه الأهالى فور رؤيته مضرجا بدمائه قرب الزراعات .


أبيه يفخر به لصموده أمام ذلك اللص الذى ادعى أنه ضربه بعصى رغبة فى سرقته وأمه تتضرع إلى الله أن ينزل بهذا اللص أشد أنواع العقاب .




وصل ضابط شرطة لسؤاله حول واقعة إصابته ليدعى بثبات أن اللص      ضربه من الخلف ولم ير ملامحه لتأتى شهادة الطبيب مكذبة لإدعائه فقد أكد الأخير أن الضربات جاءته من الأمام وأنه يعلم جيدا شخصية الفاعل ويتستر عليه لسبب مجهول .



**************


عليها توفير الحطب لتضمن خبزا جيدا يمكنها بيعه بمقابل مرضى .. تحتاج لأخشاب لا تخبو جذوتها بسهولة .


أمسكت اناءا كبيرا وسارت نحو الإتجاه المعاكس ، بالقرب من الطريق الذى سيكون مورد رزقها قريبا .


عمليات الإنشاء هنا مكثفة لتطوير المنطقة ، تتعجب لما يكون التطوير دائما قرب الطرقات الرئيسية ؟؟


ربما لأنها محط أنظار الجميع !! 


ماذا إن تعمق هؤلاء المطورون قليلا فى الداخل ؟؟

لوجدوا حتما منزلهم المتهالك والذى هو أحق بالتطوير من تلك البنايات الضخمة .


سارت بالقرب بتؤدة لتتوقف اثر نداء أحدهم : بتعملى إيه الناحية دى يا حرمة ؟؟


دارت تنظر لمحدثها والذى كان فى عقده الخامس تقريبا .. غزا الشيب      مفارقه بكثافة وله من حدة الملامح نصيب كبير لكنها لم ترهبه بل أجابت بثبات : هعمل ايه يا عم الحج عاوزة شوية رايش اخبز بيه .


رفعت انائها : هملى الطشت وامشى ما انتو بترموه مالوش عوزة .


نظر لها الرجل ولم تتغير حدة قسماته : ما تيجى يوم الجمعة والرجالة إجازة بدل ما الكل يتفرج عليكى كده ! هو لازمك الخبيز اوى ؟


هزت راسها : اكل عيشى انا هبيع العيش مش هأكله .


أعاد النظر لها ولبساطة ملابسها ليرى الحاجة تستتر خلف تلك البساطة .. أشار نحو اتجاه جانبى : طب روحى خدى من اللى الرجالة لموه على جمب ده .. خدى يكفيكى ليوم الجمعة .



تهللت ملامحها وهى تطالع تلك الكومة من قطع الاخشاب الممتازة    لتأجج نيران مرجلها البسيط .. لقد رأتها وخجلت من الاقتراب منها ظنا أنها جمعت لغرض تجهله .


تسلم يا حج 


شكرته وهى تتجه نحوها فعليا لتملء هذا الوعاء .. كل الاخشاب برأيها قيمة فهى ستوقدها نيرانا ولا يهم حجمها أو شكلها لذا     ملئت الوعاء فى دقائق وكان هذا الرجل لا يزال بالقرب وهى لا تعلم أنه يتعجب حصولها على هذه الكمية .



اقترب منها حين وقفت إعلانا بإنتهاء ما تقوم به ليتساءل : هتخدى كل ده ازاى ؟ 


ابتسمت بثقة : هشيله .. عين عليا بس وكتر خيرك .


انحنى يرفع الوعاء فوق رأسها لتقف بثبات تضبطه قبل أن تتحرك مغادرة : كتر خيرك يا عم الحج .


أوقفها متسائلا : انت بتبيعى الرغيف بكام ؟ 


وقفت تنظر له : صراحة اول يوم ليا بكرة .. مش عارفة اللى يدفعه الناس هاخده .


رفع حاجبيه وابتسم لتلين حدة قسماته : يبقى هتتسرقى من اول يوم .. عدى عليا الصبح عشرين رغيف وانا اقولك بيعى بكام .


زاد تهلل وجهها وهى تغادر مجددا : بس كده من عنيا .. بالإذن .


غادرت ليتجه عائدا لمراقبة عماله وسير العمل هامسا لنفسه : ملعونة الحوجة اللى تبهدل الحريم بالشكل ده .


***********


كان العمل شاقا فهى تعمل بمفردها ، حصلت على قسط من الراحة ببداية الليل ثم نهضت بحماس للعمل الذى سيكفيها شر السؤال .


كانت تعمل بجوار المنزل حيث أقيم ذلك الفرن الفلاحى الذى بناه أبيها    منذ سنوات طويلة .. حين كان أبيها يملك من الصحة ما تكفيها شر الحاجة .



تعترف أنه بحاجة للترميم لكن لا بأس به حاليا .. ربما راج عملها وتمكنت من شراء ذلك الفرن الحديث الذى يعمل بالغاز .. حقا سيلزم     شراء اسطوانة غاز أيضا لكنها تحلم أن تتمكن يوما ما من حلمها البسيط ذا .



مع انشقاق الصباح كانت تعمل على التعبئة .. ألقت نظرة على أبيها آملة أن تعود سريعا بفضل دعواته التى لم تتوقف مطلقا .


حملت نفس الوعاء وقد جمعت به اكياس الخبز واتجهت نحو ذلك المكان مجددا .


وقفت تبحث بعينيها عنه ليأتيها صوته من الأعلى : نازل اهوه .


نظرت لتشهق بفزع لذلك الارتفاع الذى يطل منه ببساطة .


دقائق وكان أمامها متعجبا : ما شاء الله الرغيف ده يتباع بإتنين جنيه اوعى حد يضحك عليكى .


حذرها وهو يخرج ماله لينقدها أربعين جنيها كاملة لقاء الارغفة التى طلبها فعليا .


سارت بعد قليل غير مصدقة أنها ستجنى المال الوفير ببساطة .


وقفت بجانب الطريق الذى تمر عليه السيارات مسرعة .. وضعت حمولتها أرضا وحملت كيسا واحدا أثناء وقوفها عل أحدهم يطلب منها بعضا منه .


بعد نصف ساعة تقريبا وقفت سيارة حديثة ليتساءل صاحبها : بكام يا شاطرة ؟


أجابت دون أن تتقدم : الرغيف بإتنين جنيه يا بيه .


طب هاتى خمسة .


سعدت بطلبه ونفذته فورا وسرعان ما تحركت السيارة وحين عادت      نحو خبزها كان أحدهم يقف بجواره : انت مين يا بت ومين سمح لك تقفى هنا ؟


اقتربت تبعد خبزها عن مرماه : وانت مالك انت !! انا واقفة على طريق عمومى مش فى بيتكم .


رأت الغضب يستعر بملامحه ليصيح : وهتمشى من هنا حالا بدل ما امرمطك وافرج عليكى الرايح والجاى .


هيئته مخيفة لكنها لا تملك رفاهية الخوف .. عليها أن تحمى نفسها منه      ومن غيره .. لا مجال للتراجع .. لقد جمعت ببيع ربع الكمية رأس المال الذى تكلفته ولن تتخلى عن هذه الفرصة .


اقترب منها لتصيح : لو قربت منى هصوت وألم عليك الخلق ..


ابتسم بتهكم وقد نزع حمولتها كاملة : صوتى حد مسكك ؟


تمسكت بمصدر رزقها : سيب العيش بقولك هى بلطجة وخلاص .


جذب الإناء بقوة لينزعه عن كفيها : ايوه بلطجة .


ومفيش بلطجة وانا واقف يا نمر 


نظرت بإتجاه الصوت الذى    تابع : رجع لها العيش بالذوق احسن لك .


                      الفصل الثالث من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close