أخر الاخبار

رواية الشيطان شاهين الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر بقلم ياسمين عزيز

رواية الشيطان شاهين

الفصل الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر

بقلم ياسمين عزيز



الفصل الرابع عشر


"بقلك إيه يا هبة انا مش فاضي للكلام الفارغ بتاعك الحاجات اللي انا بعثتها تتلبس في الفرح و مش عاوز كلام ثاني في الموضوع داه ".

صرخ عمر بغضب بعد أن فلتت اعصابه بسبب عناد هبة التي رفضت قبول الأكياس التي بعثها لها عمر مع أحد الحراس....

لتجيبه بصراخ مماثل:"و انا حقبل منك الحاجات دي بصفتك مين؟؟ تعالى خذ الأكياس بتاعتك لحسن أرميها في الزبالة".

قهقهت نور بصخب على كذب هبة التي كانت تتحدث مع عمر و في نفس الوقت عيناها تكادان تخرجان من مكانها من شدة الإعجاب و هي تتلمس ذلك الفستان الذي أقل مايقال عنه انه رائع بلونه الوردي الهادئ و قماشه اللامع ليأتيها صوت عمر

الغاضب و هو يقول :" بصفتي خطيبك و حبقى جوزك قريب إنشاء الله...كز على أسنانه بغيظ قبل أن يكمل..و اتلمي يا هبة و بلاش تستفزيني انا على آخرى أيهم و شاهين حيتجوزوا و انا لسه معملتش حتى خطوبة و كله بسببك...

تجاهلت هبة مايلمح إليه لتهتف محاولة تشتيت أفكاره :" بس انا النهاردة الصبح خرجت انا و نور إشتريت فستان و....

تنهد الاخر بنفاذ صبر قبل أن يقاطعها بهدوء مصطنع:" قصدك الفستان الأحمر اللي انت بعثالي صورته من شوية ...داه تلبسهولي في قوضة النوم لما نتجوز يا حبيبتي...عريان من فوق و مبين ذراعاتك و كمان قصير و لونه ملفت.. هو انت عقلك كان فين و انت بتشتريه، وإزاي أصلا فكرتي إني حسمحلك تلبسي فستان زي داه... انا دلوقتي مشغول علشان الفرح يادوب بكرة و في حاجات كثير ناقصة لازم أهتم بيها ...و لو عاوزة عاوزة حسابك معايا يثقل إبقي متلبسيش الفستان اللي أنا جبتهولك، سلام....

أسقطت هبة الهاتف من أذنها بحركة درامية قائلة بمزاح:"تقريبا الخط إتقفل في وشي...انا تهزأت يا بنات...

قهقهت كاميليا و نور على تعبيرات وجهها المصدومة قبل أن تشاركهما الضحك... بعد لحظات أمسكت الفستان ثم وضعته على جسدها و كأنها ترتديه مردفة بتذمر:" الفستان داه يساوي ثروة داه غير العقد الألماس اللي معاه ...انا مش متعودة البس حاجات غالية و خايفة يضيع مني...

رمقتها نور بتعجب قبل أن تتحدث قائلة:" انت حتبقي حرم عمر الشناوى فلازم تتعودي على حياتك الجديدة من دلوقتي، كل حاجة حتتغير لبسك، أكلك، حتى مشيتك....على فكرة انت كمان يا كاميليا لازم تتغيري.

رمقتها كاميليا بحنق و هي تجيبها:" و على إيه كل داه...يعني لازم انسى اصلي عشان أعجب.. لا يا أختي أنا كده و مش حغير حاجة من نفسي...

حركت نور شفتيها بتقزز قبل أن تتكلم بنبرة مستهزءة:" إنت بالذات يا كامي لازم تغيري أسلوب كلامك البلدي داه...انت حتبقي أحدى سيدات المجتمع الراقي يعني ماينفعش تقولي يا اختي، و الكلام الغريب بتاعك داه... إترقي شوية يا حبيبتي و الا صدقيني حتبقي مسخرة...الكل حينبهر بشكلك الحلو و جمالك الملفت بس انا متأكدة ان انهم حينصدموا لما يسمعوا طريقة كلامك اللي شبه نسوان الحارة....

أمسكت كاميليا بوسادتها ثم رمتها على أختها التي كانت تتحدث و تلقي تعليماتها على الفتاتين بكل تكبر و غرور قائلة بتشمت عندما صرخت الأخرى بألم :"هيه تستاهلي عشان تحرمي تنكري في اصلك يا بنت سعيد... بقى علشان مسكتي في إيدك عشر الاف جنيه بقيتي تتكلمي زي نازك الصلحدار...مين اللي بقالها أسبوع مراحتش المدرسة علشان الجزمة الوحيدة اللي عندها متقطعةو عاوزة واحدة جديدة...

تأففت نور بغيظ من أختها قائلة :" الحمد لله أيام الفقر راحت و انا اشتريت بدل الجزمة عشرة و جبت هدوم ثانية كثير...و عقبال ماننتقل من الحارة الفقر دي على شقتنا الجديدة....و انت تسطفلي انشاء الله عنك ما نظفتي وش فقر بصحيح.. فخورة بأصلك على إيه فهميني... يكونش بابا تركي و انا مش عارفة ياشيخة إتنيلي...

صرخت كاميليا لتقاطع تذمرها :"هبة خوذي البنت دي من قدامي قبل ماأرميها من الشباك و أريح البشرية منها...

لم تهتم نور بكلام أختها كثيرا و هي تسير متجهة نحو باب الغرفة قائلة بتحدي:" انا نازلة انادي واحد من القاردز عشان ياخذ الشنط اللي برا...و لو انك متستاهليش".

ابتسمت كاميليا على أختها الصغيرة التي لم تخفي فرحتها بالحياة الجديدة التي قدمها لهم شاهين الألفي و لم تكن تعلم شيئا على الاتفاق او الصفقة التي عقدها مع كاميليا مقابل الزواج منه....مصدقة كلام أختها التي أخبرتهم بوقوعها في حبه سريعا و انه هو أيضا يبادلها نفس الشعور...فهي دائما ما كانت متأكدة ان أختها قادرة على الحصول على زوج مثالي بسبب جمالها الفتاك رغم هيئتها البسيطة و ملابسها القديمة التي ترتديها دائما....

ألقت نظرة أخيرة على غرفتها الصغيرة التي كانت ممتلئة منذ يومين بالاكياس و الحقائب لتجدها عادت كما كانت بعد أن رتبتها هي و هبة التي اظطرت المبيت معها منذ ثلاثة أيام عندما أخبرتها عن أمر زواجها....

تابعت صديقتها و هي تضع الفستان في الكيس بحرص قبل أن تضعه في خزانة كاميليا الفارغة بعد أن عمدت نور إلى رمي كل ملابسها القديمة في أكياس القمامة...

تنهدت بصوت مسموع لتلتفت إليها هبة قائلة :"لسة بتفكري في نفس الموضوع... يابنتي ريلاكس بكرة فرحك و لازم تكوني جاهزة كل الناس مستنية تشوف مين حرم شاهين الألفي الجديدة...

قالتها هبة بمزاج و لم تدري انها بذلك زادت من مخاوف كاميليا التي شحب وجهها فجأة و بدأت دقات قلبها بالتسارع دليلا على قلقها الشديد....

إكتفت بالايماء برأسها قبل أن تتمدد على سريرها الصغير و تضم ركبتيها إلى صدرها بحماية و هي تقول بصوت هامس:"هبة لو سمحتي انا عاوزة أنام شوية متخليش حد يصحيني ...

رمقتها هبة بنظرات مشفقة قبل أن تضع فوقها غطاءََ خفيفا و هي تجيبها :" طيب نامي شوية و انا حخرج برة مع نور و طنط...لو عزتي حاجة إندهيلي ".

أغمضت كاميليا عينيها بإرهاق فهي تقريبا لم تنم جيدا منذ أيام بسبب تفكيرها المتواصل في حياتها الجديدة....لم تكن تعلم هل ان قبولها للزواج منه كان أمرا صائبا اما أنه تذكرة مجانية للدخول إلى حجيم شاهين الألفي.. لكن هو حتى لم يترك لها خسارت... هو فقد أمرها و هددها بعائلتها التي لم تكن لترضى ان يمسهم أحد بسوء...لطالما تساءلت لماذا يلقبه الناس بالشيطان...حتى إكتشفت ذلك بنفسها و للأسف بعد فوات الأوان.

يوم جديد شمس، جديدة أشرقت على جميلتنا النائمة التي تململت في فراشها الصغير بانزعاج من الأصوات الصاخبة التي تتعالى حولها دون توقف... نفخت وجنتيها بضيق قبل أن تفتح عينيها الزرقاوتين و تتجول أنظارها بالغرفة...

وقع بصرها على هبة و نور اللتان كأننا تتشاجران و كأنهما الوحيدة في الغرفة غير مباليتين بوجودها...

تثاءبت كاميليا بكسل و هي تقاوم رغبة عارمة في العودة إلى النوم و التخلص من كل الالتزامات التي تنتظرها..


انتبهت لها نور لتهرع قافزة بجانبها على السرير و هي تهزها بلطف قائلة:"و أخيرا صحيتي...الساعة بقت تسعة و صاحبتك مكانتش عاوزاني أصحيكي...

نهرتها هبة قائلة بتوبيخ:" انا بس كنت عاوزاها تشبع نوم علشان شكلها كان مرهق جدا و النهاردة حيكون يوم طويل و متعب "

وقفت نور من مكانها جاذبة الغطاء من فوق أختها و هي تشجعها قائلة :" يلا يا كامي فوقي إحنا ورانا حاجات كثير السواق تحت مستنينا علشان نروح الاوتيل...

تجلست كاميليا على السرير مستندة بظهرها على حافته متسائلة:"أوتيل ؟؟؟ انت متأكدة؟؟؟

حركت الأخرى رأسها بإيجاب قبل أن تتجه إلى الشباك تفتحه لتدخل أشعة الشمس و تنير أرجاء الغرفة قائلة بتأكيد:" أيوا...هناك في اوضة عشان تجهزي نفسك .... حتى فستان الفرح وصل يلا بقى قومي بلاش كسل....

صفقت هبة يديها بحماس قائلة:"يا سلام...أنا حموت و اشوفك بفستان الفرح يا كامي...يلا انت فقتي خلاص... قومي إفطري و خذي شاور و انا حجهزلك هدومك علشان تلبسي و نروح...

_______________________

في شقة زكريا

صاح زكريا مناديا على زوجته نعمة و هو يقلب رفوف الخزانة رأسا على عقب و هو يبحث كالمجنرن عن شيئ ما... هرولت نعمة اليه و هي تنشف يديها بمنديل المطبخ قائلة:"مالك يا حج بتنده ليه... و إيه اللي قلب الأوضة كده انت بتدور على إيه؟؟؟

شهقت في أثناء كلامها و هي تتفاجئ بالملابس المرمية على الارضية باهمال و جميع الإدراج مفتوحة على مصراعيها.... توجه نحوها زكريا بعيون حمراء من شدة الغضب ليجذبها من ذراعيها و يهزها بعنف عدة مرات و هو يصرخ بقوة:"فين الشنطة السوداء اللي كانت في الدولاب... إنطقي قبل ما أقتلك و ادفنك مكانك....

أخفت نعمة ارتباكها ببراعة و هي تحاول التملص منه قائلة بثبات :" شنطة إيه يا حج... انت بتتكلم على إيه...

صرخ زكريا مجددا و رذاذ لعابه ينتشر على وجه تلك المسكينة التي انكمش وجهها بتقزز:" شنطة الفلوس... يانعمة إنطقي راحت فين انا كنت حاططها بإيدي في الخزنة اللي جوا الدولاب...

نعمة و هي مازالت تصارعه ليتركها دون جدوى:"يا حج صدقني انا معرفش حاجة عن الشنطة دي و انت أديك قلتها بنفسك انك حطيتها في الخزنة يعني مفيش حد غيرك يقدر يوصلها... انت يمكن أخذتها للبيت الثاني ...".

تركها زكريا عندما بدأ يقتنع بحديثها ليقول بتهديد :"انا دلوقتي حروح هناك و حدور و ياويلك لو ملقيتهاش....".

اومأت له نعمة بإيجاب و هي تفرك ذراعيها بألم ثم تبعته إلى باب المنزل لتتأكد من خروجه قبل أن تهرع إلى الهاتف لتهاتف ضرتها سنبل آغا كما تسميها....

بعد لحضات سمعت صوت جميلة على الجهة الأخرى للهاتف..

نعمة بلهفة:"جميلة... زكريا عرف بالشنطة و بيدور عليها زي المجنون و لما ملقاهاش هنا طلع علشان يدور عليها عندك... انت عارفة حتقولي إيه.

جميلة بهدوء :" متخافيش انا حافظة درسي كويس

و عارفة حتصرف معاه إزاي.... المهم انت اوعي تعترفي بحاجة حتى لو قتلك دي فرصتنا يا نعمة و مش حتتعوض ثاني....إوعي يصعب عليكي داه سنة و الا إثنين و تلاقيه لقى بنت ثانية عشان يتجوزها".

نعمة بهمس :"عارفة، عارفة يا جميلة يلا إقغلي زمانه وصل عندك ".

أغلقت نعمة الهاتف متجهة إلى المطبخ.. أغلقت الباب بالمفتاح ثم صعدت على الكرسي لتصل إلى أحد الرفوف العلوية لتنزل كيسا بلاستيكيا اسود اللون كانت قد اخفته سابقا في إحدى حلل المطبخ حتى لايشك احد بمكانه....

تذكرت ذلك اليوم منذ اكثر من اسبوع عندما كانت تراقب تحركاته كما اوصتها ضرتها عندما دخل و في يده حقيبة جلدية سوداء اللون يخفيها بين ملابسه و هو يتسحب إلى غرفة النوم و يضعها في الخزنة ثم يغلقها بالأرقام السرية التي لا يعرفها سواه غافلا عن تلك التي تراقبه بحذر.... منتظرة الوقت المناسب

لتقوم بسرقتها و اقتسامها هي ضرتها.....

تلمست الكيس مرة أخيرة قبل أن ترجعه مكانه ثم تهرول خارجا للبحث عن مكان مناسب لتخفيه فيه خوفا من أن يقوم زكريا بتفتيش كامل المنزل عند عودته فالمبلغ لم يكن قليلا بل كان أكبر بكثير مما توقعته هي و جميلة لذلك هو لن يمرر ما حدث مرور الكرام و لكنها لم تكن تبالي كثيرا بما قد يفعله لها حتى و لو وصل الأمر إلى الطلاق .

________________

مساء في فيلا شاهين

نفخ أيهم دخان سيجارته بعنف و هو يرمق شاهين الذي كان يقف أمام المرآة منشغلا بربطة عنقه قبل أن يهتف بغيظ:"للدرجة دي مستعجل... مقدرتش تأجل جوازك اسبوع كمان،....


اجابه شاهين ببرود و هو يرتدي جاكيت بدلته السوداء :" إحضر الفرح و بعدين إرجع ثاني كمل شهر العسل بتاعك....

ضحك عمر بخفوت ليرسل له ايهم نظرة غاضبة قبل أن يعود لتدخين سيجارته بصمت...

(عمر)


بعد دقائق التفت لهما شاهين بطلته الرجولية المهلكة و قد انتهى من ارتداء بدلته الفخمة و ساعته و نثر عطره الفاخر لتزيد من وسامته و هالته الواثقة ...

ليصفر عمر مدعيا الإعجاب و هو يهتف بتسلية:" ممم

كالعادة مش بتلبس غير اللون الاسود بس بالرغم من داه لايق عليك يا عريس...

بدلةشاهين


لوى شاهين ثغره بتهكم و هو يهتف بجمود :" طب يلا انت و هو الوقت تأخر و لازم نروح الاوتيل دلوقتي...

اكمل كلامه متجها إلى خارج الفيلا ليتبعه ايهم و عمر للذهاب إلى الفندق لجلب العروس فحفل الزفاف سيقام بالفيلا .

____________________

في غرفة الفندق، انحنت كامليا بتعب لترتدي حذائها التابع للفستان بعد أن أمضت يومها كاملا بين الماسكات و الصبغات و المساجات تحت إشراف ماريان خبيرة الماكياج التي أحضرها شاهين لتهتم بالعروس هي و مساعدتيها سهيلة و منى....

أمسكتها ماريان من يدها لتساعدها على الوقوف من الكرسي و قد لمعت عيناها بنظرات الإعجاب بجمالها الذي تضاعف بفضل مساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها على وجهها و هي تقول:"مشاء الله يا كاميليا هانم زي القمر...انا من زمان ماشفتش عروسة بجمالك

أبتسمت لها كاميليا بخجل قبل أن تجيبها :" ميرسي جدا ليكي.. داه عشان انت شاطرة جدا في شغلك.

حركت ماريان رأسها بنفي و هي تقول :"انا مش بجاملك على فكرة انت فعلا ست حلوة و كل اللي انا عملته اني بينت جمالك أكثر... دلوقتي انا حنده لسهيلة علشان تفتح الباب عيلتك زمانهم مستنيين على نار علشان يشوفوكي....

أومأت لها بايجاب و هي تمسك بفستان الزفاف بيديها و تتحرك إلى الأمام بصعوبة...

فتح الباب لتخرج العروس لتجد هبة و نور ووالدتها بانتظارها و قد انتهوا من إرتداء فساتينهم...

فقد ارتدت نور فستانا رقيقا باللون الوردي الهادي عاري الكتفين بحزام في الوسط تناسب مع لون بشرتها الفاتحة و عمرها الصغير

و حذاء أنيق أبيض اللون اشترته مع الفستان

اما هبة فقد إرتدت الفستان الفخم الذي بعثه لها عمر

شهقت نور بخفة حالما رأت أختها تتهادى في فستانها الأبيض لتقفز عليها و تحضنها بقوة و هي تقول :"طالعة حلوة اوي يا كامي... زي القمر...

أدمعت عيني والدتها و هي ترى ابنتها الكبرى عروسا في غاية الجمال و الروعة لتبعد نور بخفة و تقبل جبينها و هي تتمتم بكلمات التهنئة تلتها ببعض النصائح كسائر الأمهات

بعد دقائق قليلة قرع الباب تلاه دخول شاهين بجسده الضخم و طوله الفارع... إقترب من كاميليا و هو يتفحص كل إنش في جسدها ووجهها بنظراته الجامدة  متجاهلا إبتسامة والدتها التي يراها للمرة الثانية بعد مجيئه إلى منزلهم و خطبة كاميليا قبل أيام قليلة...

تأبطت ذراعه بارتعاش و يدها الأخرى تمسك بها فستانها و هي تجاهد ان لا تتعثر به....

اما نور التي أفاقت من دهشتها و هي ترى شاهين أمامها الذي سيطر على من حوله بهيبته و حضوره الطاغي لتميل على هبة و تهمس في أذنها بارتباك :" الراجل داه شكله مرعب يا هبة انا لسه مستغربة إزاي كاميليا مش بتخاف منه...و كمان غامض جدا حتى شوفي ملامحه مفيهاش اي تعبيرات بتدل على أن العروسة عجبته او لا....

ضحكت هبة في داخلها بسخرية قائلة:" و مين قال إنها مش بتخاف منه...دي مش بعيد يغمى عليها في أي لحظة...

أفاقت من شرودها على جذب نور لها للنزول إلى الاسفل و الالتحاق بالعروسين و الحفل....

_

_____________________________________

في حديقة الفيلا.....

التي زينت بكل انواع الزهور الراقية و الشموع المختلفة و احجامها و ألوانها المتناسقة مع الوان الزهور و الطاولات و سائر الديكور الفخم الذي تراوحت ألوانه بين الأزرق الداكن و الأسود و الذهبي ... الوان غامقة غريبة تعبر عن قوة و غموض صاحبها....


بدأ المدعوون بالاقتراب من العروسين لتهنئنتهم بكلمات التهاني والتبريكات المنمقة و ليستطيعوا رؤية العروس عن قرب التي انبهر الجميع بجمالها الاخاذ وبراءة مظهرها و رقتها حتى أن البعض استغربوا في داخلهم كيف لهذا الملاك البريئ ان يقع في براثن الشيطان...

على إحدى الطاولات جلست ليليان مع عائلة عمها و قد تألقت في ثوب بني هادئ و حجاب خمري...استطاعت ان تلفت جميع انظار من حولها بجمالها الفتاك و طلتها الساحرة...


كانت تراقب بحزن زوجها أيهم الذي كان مشغولا كعادته بمغازلة الفتيات و النساء اللواتي ملأن الحفل بفساتينهم الراقية مستغلا وسامته و مكانته الاجتماعية التي جعلت كل الفتيات تتسابقن الإيقاع به بالرغم من كونه رجلا متزوجا.


على طاولة أخرى يجلس عمر مع عائلته و هو لايزيح عينيه عن هبة الذي كان يرمقها بنظرات عاشقة و كأنه لا يوجد غيرها في الحفل...

في منتصف الحفل حمل شاهين طفله فادي الذي الذي بدا أنيقا في بدلة زرقاء اللون شبيهة ببدلة والده ثم سلمه إلى إحدى الخادمات لتأخذه إلى غرفته بعد أن داهمه النعاس

داه فادي

👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇👇

 الفصل الخامس عشر

الفصل الخامس عشر


نزعت نور حذائها باهمال ثم ارتمت على الاريكة القديمة في صاله الشقة قائلة بتعب:"آه ياني يا رجلي حموت من التعب... مش قادرة حتى اروح أوضتي".

ضحك والدها سعيد الذي كان يحمل كريم النائم بين ذراعيه قبل أن يتوجه به إلى غرفته ليضعه على فراشه ليكمل نومة بينما جلست والدتها بجانبها تنزع حذائها و حجابها و هي تقول بسخرية :"طبعا حتتعبي ما أنت طول الليل مقضياها رقص و تنطيط ".

قطبت نور حاجبيها بانزعاج و هي تجيبها :"الله ياماما مش فرح أختي و بعدين لو انا مرقصتش مين حيرقص ها... دي حتى هبة رفضت انها ترقص معايا....حسابها معايا الكلبة لما اشوفها بس و عاملة نفسها صاحبة كاميليا...".

الام :" عشان عاقلة مش زيك مجنونة طول الفرح مقعدتيش على الكرسي".

نور و هي تدلك قدميها المتورمتين :"ما انا قعدت لما فتحوا البوفيه.... ياااع شفتي أكلهم يقرف زي أكل المستشفى اللي بيأكلوه للعيانين كله سلطات و شوربة و حاجات بيضاء مفيهاش لاطعم و لا ريحة انا مش عارفة هما معاهم فلوس كثير ليش مش بياكلوا أكل حلو...مفيش سمك و لا لحمة.. و لا حتى فراخ.....

الام بضحك :" داه أكل الناس الاغنياء هما بيحبوا الاكل الصحي مش زينا يا بنتي".

نور بلهفة و قد تذكرت شيئا مهما:"ماما هو احنا حننقل إمتى.... انا خلاص كرهت الشقة دي و الحارة خصوصا لما شفت الفيلا بتاعة جوز كاميليا.... دي تجنن ياماما ثلاث طوابق بحالها و فيها يجي مية أوضة و جنينة كبيرة أوسع من حارتنا كلها و فيها شجر كثير وورد و كمان في بيسين و ....

الام مقاطعة:" على مهلك يا بت بالراحة...كل داه شفتيه في الفرح....

نور بحماس:" أيوا ياماما و كمان شفت الفيلا من جوا لما ساعدت كاميليا انها تتطلع الأوضة... يااااه يا ماما داه جناح بحاله اكبر من شقتنا دي عندها أوضة كاملة فيها يجي ثلاث محلات لبس و حمام و جاكوزي...و تراس كبير مليان ورد و فيه قعدة كمان هو كان مقفول بس كان باين عشان الحيط كله قزاز لما توقفي قدامه بيبين كل حاجة تحت.... و السرير بتاعهم كبير اوي يكفي عيلة بحالها و الأثاث يا ماما يجنن انا عمري ماشفت الحجات دي غير في التلفزيون....كله كوم و جوزها داه كوم ثاني...كامي محظوظة اوي يا ماما هو آه شايف نفسه شوية بس

من حقه عشان غني ووسيم و.....

قاطعتها ظربة خفيفة من والدتها على كتفها لتشهق نور بألم قبل أن تسمع والدتها تعاتبها : إختشي يا بت داه جوز أختك... إيه الكلام اللي بتقوليه داه اخرسي قبل مايسمعك ابوكي".

نور بتأفف:" الله ياماما هو انا قلت حاجة غلط يعني ماهي دي الحقيقة.... الراجل مز أوي طول بعرض و هيبة كده زي الممثلين اللي بنشوفهم في التلفزيون داه أحلى حتى من أحمد عز و ميشيل موروني..

الام و هي تنهرها :"قومي يابت من قدامي على أوضتك قبل مايجي ابوكي و يمرر عيشتك قال موروني قال. مين داه".

نور بثرثرة:"داه ممثل أجنبى ياماما...حبقى اوريكي صورته بكرة داه داه شبه شاهين جوز كاميليا بالضبط بس مش مغرور زيه...تفتكري ياماما هو بيحب كاميليا بجد.. انا بصراحة حاسة بحاجة غريبة بينهم بس مش فاهمة إيه هيا".

الام بجدية و قد آثارها كلام إبنتها:" حاجة إيه يانور انت سمعتي حاجة حصلت بينهم...إحكي ".

بتعملوا إيه هنا لحد دلوقتي".

قاطعها زوجها الذي خرج للتو من غرفة كريم متجها إلى غرفته....

اجابته زوجته بارتباك :"و لا حاجة يابو كريم دي نور بتحكيلي على حاجات كانت فايتاني في الفرح ".

اومأ لهما بإيجاب قبل أن يدخل إلى غرفته... لتعود نور لثرثرتها المعتادة :" مفيش حاجة ياماما انا بس لاحظت انه مش بيتكلم كثير و كمان منزلش يرقص مع كامي زي كل العرايس داه حتى مسابهاش تنزل من الكرسي....

لم ترد نور ان تقلق والدتها أكثر بعد أن لاحظت تبدل حالتها لتعمد إلى تغيير الموضوع قائلة برجاء و هي تنظر لها بعيني جرو وديع:"

و النبي ياماما قولي لبابا خلينا ننقل على الشقة الجديدة....".

إبتسمت الأخرى و هي تشاهد حماس ابنتها الصغيرة التي نجحت في جعلها تنسى ما تفكر به منذ قليل قائلة :"متقلقيش هو قال انه كمان يومين و حننقل.... بس المشكلة في شغله انت عارفة الاستاذ مؤمن اللي بيشتغل معاه تقريبا هو معتمد عليه في كل حاجة و صعب انه يسيبه بعد السنين دي كلها".

نور بضيق :"و هو احنا حنأجل النقلة بتاعتنا عشان سي مؤمن داه...و بعدين هو بابا يقدر يشتري عربية و بكده يقدر ييجي المحل و يكمل شغله مش ضروري يسيبه دلوقتي بالرغم من انه مش محتاج شغل... متنسيش ان بابا تعبان و محتاج راحة و كمان الفلوس اللي إدتهالنا كاميليا يعيشونا بقية عمرنا ملوك يعني مفيش داعي للتعب داه كله ".


الام :" بس انت عارفة ابوكي مستحيل يقعد في البيت انا بس اقترحت عليه انه يعمل مشروع صغير خاص بيه و يشتغل براحته...مثلا يفتح محل او مكتبه... حاجة على قده ".

ضيقت نور عينيها بمكر ثم إقتربت من والدتها لتقبلها على وجنتها بقوة وهي تلف ذراعيها حول عنقها قائلة بترج:"طيب و بالنسبة لنور حبيبتك...مفيش عربية و الا....

دفعتها والدتها بلطف و هي تنهرها قائلة:"بت أنت إتلمي عربية إيه اللي انت عاوزاها....انت بجد اتهبلتي زي ما قالت أختك و بقيتي بتبصي لفوق أوي....انت كل اللي ليكي عندي انك تختاري الأثاث بتاع أوضتك الجديدة غير كده انسى...و ياريت تركزي في مذاكرتك و بس متنسيش انك في ثانوية عامة و اللي دي كمان حتنسيها....يلا الوقت متأخر و انا تعبانة حدخل انام و حسك عينك تجيبي موضوع العربية داه قدام ابوكي لحسن حيطين عيشتك...

تأففت نور من حديث والدتها و رفضها القاطع ان تلبي طلبها ثم انحنت لتلتقط حذائها متجهة إلى غرفتها و هي تتمتم بتذمر :"اوووف حتى بعد مابقى عندهم فلوس مصرين يحرموني من كل حاجة انا عاوزاها... بس انا مش حستسلم حبقى اقول لكامي اكيد هي اللي حتشتريلي العربية اللي انا عاوزاها".

قفزت نور فرحا بهذه الفكرة قبل أن تتجه إلى خزانتها لتخرج ملابسها البيتية و ترتديها و تغظ في نوم عميق مليئ بالاحلام و الامنيات بحياتها الجديدة.

____________________

في جناح العروسين...

دلف شاهين إلى غرفة النوم بتعابير وجهه الباردة ليجد كاميليا تجلس أمام التسريحة و هي تزيل عن وجهها مساحيق التجميل بمنديل مبلل و قد غيرت ملابسها إلى بيجامة نوم حريرية تتكون من قميص و بنطال باللون الوردي الهادي...

أكمل طريقه ليجلس بهدوء على الاريكة... نزع جاكيت البدلة و رماها بجانبه ثم اتكأ بظهره إلى الخلف واضعا قدمه فوق الأخرى


تابعت كاميليا تحركاته بترقب من خلال المرأة و هي تكمل تنظيف وجهها و نزع الدبابيس التي كانت تملأ شعرها ببطئ مخافة إحداث أي صوت....

راقبته و هو يغمض عينيه لدقائق طويلة حتى انها ظنت أنه قد نام مكانه.. أنهت ماكانت تفعله ثم جلست مكانها تنتظر أوامره...

طال صمته حتى شعرت بالملل و التعب الشديد.. تنهدت و هي تفرك رقبتها المتشنجة بسبب جلوسها طوال ساعات الحفل...لتقرر الوقوف أخيرا و الاتجاه إلى السرير للنوم....

:"قربي...".

اهتز جسدها بفزع و هي تسمع صوته الاجش يأمرها بالاقتراب ليتحرك جسدها نحوه لا إراديا و قلبها يكاد يخرج من مكانه من الخوف....

وقفت أمامه ليشير لها بإصبعه بالجلوس.. جلست على ركبتيها أمامه على الأرضية و هي تتذكر آخر مرة منذ أسبوع عندما أرغمها على الجلوس تحت قدميه كالجواري...إبتلعت ريقها بصعوبة و هي تدعو في سرها ان تمر هذه الليلة على خير....

فتح شاهين عينيه ليجدها تجلس أمامه مباشرة...تماما كما يريدها بالضبط... إبتسم بإنتشاء على مظهرها الخائف قبل أن يأمرها مجددا :"قلعيني الجزمة".

ظلت كاميليا متصنمة للحظات لا تصدق ما تسمعه منه...اتسع بؤبؤا عيناها بصدمة و هي ترفع رأسها إلى الأعلى بتردد لتتفرس ملامح وجهه الباردة لتجده يحدق بها بجمود جعلها ترتجف مكانها غير قادرة على التحرك...

انحنى شاهين إلى الأمام حتى أصبح و جهها قريبا منه، و بدون سابق إنذار وضع مقدمة أصابعه تحت ذقنها بحركة سريعة حتى إصطكت أسنانها ببعضها ليهدر بهدوء مخيف :"لما أقول حاجة تتنفذ... مفهوم...

أومأت كاميليا برأسها بإيجاب قبل أن تضع يدها على معصمه لتبعد كفه عن وجهها و هي تهمس باختناق:" مفهوم ....

أبعد يده لكنه ظل يراقب كل حركة صادرة منها كصقر يراقب فريسته و ينتظر الوقت المناسب للانقضاض عليها...

يدها البيضاء الصغيرة ببشرتها الشفافة التي أظهرت عروقها الخضراء تناقضت مع لون حذائه القاتم لتتحرك بنعومة و رقة رغم إرتعاشها لتزيح عنه الحذاء بصعوبة و تضعه جانبا قيل ان تعود لتخلع الفردة الأخرى غير مبالية بخصلات شعرها الحريري التي غطت جانبي وجهها...

انهت ما أمرها به ثم إستقامت بجسدها لتقف من أمامه... بحركة سريعة وجدت نفسها تجلس فوق ركبتيه و يده تقبض على خصرها بقوة مانعا أي حركة قد تقوم بها...لتشهق بفزع و عقلها لازال لم يستوعب ماحدث...تسارعت أنفاسها و تصلب جسدها عندما شعرت بأصابعه الخشنة تبعد شعرها عن عنقها الثلجي ببطئ ثم يقبله قبلة طويلة.. لم تدري ماذا تفعل و أنفاسه الحارقة تلفح بشرتها...

ابعدت رأسها إلى الوراء بحركة لا إرادية لتسمع زمجرة غاضبة صدرت منه و هو يعيد تثبيتها قبل أن يقول بصوت أجش:"متتحركيش.....

كلماته القليلة التي ينطق بها كفيلة بأن تبث الرعب بداخلها لتتجمد مكانها دون حراك...

عم الصمت أرجاء الغرفة لايسمع سوى صوت أنفاسها اللاهثة

التي تعبر عن ماتشعر به من خوف و ضياع... لاتدري كيف ستمر هذه الليلة الطويلة عليها...خاصة و ان تصرفات زوجها المجنون لايمكن التنبأ بها..

إبتلعت ريقها بصعوبة رغم جفافه عندما إمتدت يده لتحرر أزرار منامتها و شفتيه تقبلان كل جزء من عنقها و كتفها و أسفل فكيها بقبلات خفيفة.....

تحدث بصوت لاهث دون أن يرفع رأسه عنها :"حاسة بإيه....

قبضت كاميليا يديها بقوة لتمنع نفسها من إبعاده عنها مخافة غضبه قبل أن تجيبه بصوت ضعيف يكاد لايسمع :" خايفة اوي....

رمش عدة مرات قبل أن يعود بجسده إلى الوراء و هو يتفرس بتلذذ علاماته التي خلفها علي بشرتها التي إستحالت إلى اللون الأحمر...


أدار وجهها إليه لتفتح عينيها الزرقاء الدمعة بذعر و هي تتحاشى النظر إليه ليهتف بصوت أجش بفعل رغبته التي غزت أنحاء جسده :" حقك تخافي مني... في حالة واحدة بس...لما تخالفي أوامري....

تثاقلت أنفاسه ببطئ و اغمقت عيناه بمزيج من الرغبة و الشهوة التي إعترته عندما قضمت كاميليا شفتيها بحركة عفوية تدل على ارتباكها...

لم يستطع تمالك نفسه و هو يطبق على شفتيها في قبلة عنيفة شرسة تعبر عن مايجول داخله من صراعات....لم يعد يستطيع أن يكتم رغبته التي جاهد طويلا لإخفائها عن الجميع من خلال قناع الجمود و القسوة الذي يرتديه...

لم يخبر أحدا عما يشعر به تجاهها...والدته، أصدقائه... حتى نفسه... تجنب النظر إليها طوال الحفلة حتى لا يتهور و يفتعل فضيحة أمام الجميع

يريدها بكل قوة...

هذه الطفلة الفاتنة التي ظل لليال طويلة يحلم بها منذ أن رآها لأول مرة..كانت أجمل بكثير من تلك الصور....

جسدها الناعم الصغير الذي يرتعش بين يديه يجعله يفقد السيطرة على نفسه...شفتيها الطريتين اللتان تئنان تحت وطأة ضغط شفتيه القاسيتين الخبيرتين...لا يستطيع الإبتعاد عنهما طعمهما كحلوى لذيذة كلما تذوق منها أراد المزيد...

عيناها الفاتنتين اللتين تحدقان به بخوف كقطة صغيرة ضائعة...

صورتها و هي بالفستان الأبيض الذي إختاره لها خصيصا لا تغادر خياله...بدت كأميرة هاربة من إحدى القصص الخيالية....لوهلة لم يصدق انها حقيقية...و ان هذا الجمال كله سيصبح ملك بعد ساعات قليلة...

طالت القبلة و تاه شاهين في عالم آخر...و هو ينهل من نعيم شفتيها اللتين يقسم انه لم يتذوق أشهى منهما...

شعر بضربات خفيفة تضرب صدره و طعم الدماء في فمه ليشتم تحت أنفاسه و هو يسحب نفسه بصعوبه عنها.... لتشهق كاميليا بقوة و تسارع أنفاسها بصوت مسموع بعد أن كانت على وشك الاختناق...قبل أن تبدأ بالبكاء بصمت ....

ركز شاهين بصره على شفتيها النازفتين قائلا بلهاث :"ششش متبكيش... لسه الليلة في أولها....و انا لسه معملتش حاجة".

جاهدت كاميليا لتخرج صوتها لتترجاه عله يرحمها بعد أن إستشعرت الخطر في كلماته ليخرج صوتها على شكل همسات متقطعة:"أرجوك إرحمني... إن... إنت.... قلتل.... لي إن جواز... نا عشان... فادي.. و بس".

إنفجر شاهين في نوبة ضحك هستيرية إهتز لها جسده قبل أن يجيبها بنبرة خبيثة:"طب ينفع أسيب الجمال داه كله من... غير ما أذوقه انت مش متخيلة انا بقالي قد إيه مستني الليلة دي ".

انهى كلماته الأخيرة و هو يقرب شفتيه من أذنها ليطبع عليها قبلة زادت من إنقباض قلبها...

ليواصل هو حديثه الذي لك يخلو من إيحاءات وقحة:" بس متخافيش...ححاول اتحكم في نفسي عشان عروسة و اول مرة ليكي...

اكمل فتح الزرين الأخيرين ثم ازاح قميصها بصعوبة بسبب تشبثها به.... ليكشف جسدها العلوي الذي لا يستره سوى ملابسها الداخلية بلونها الأسود التي تناقض مع لونها بشرتها الثلجية مما زاد في إشتعال جسده و غليان دمائه ليهدر تحت أنفاسه بغضب و هو يبعد ذراعيها الذين أحاطت بهما جسدها لإخفائه من نظراته الجائعة :"الظاهر انك مش بتفهمي بالذوق...و عاوزة الطريقة الصعبة و انا معنديش مانع...

كتف يدها وراء ظهرها بقبضته لتتلوي كاميليا بعنف و هي تفقد آخر ذرة هدوء على أعصابها التي إنهارت فجأة لم تعد تستطيع السيطرة على خوفها منه... لم تعد تطيق البقاء معه لحظة أخرى... تشعر بأن هذه الغرفة رغم كبرها إلا انها تطبق على أنفاسها تدريجيا حتى تزهق روحها تحت وطأة ضغطه عليها...

لتصرخ فجأة بكل قوتها :"إبعد عني مش عايزاك.. إنت بتعمل فيا كدة ليه...بتنتقم مني ليه؟؟ حرام عليك انا مش كده...انا عاوزة ماما رجعني بيتنا...

تلوت كاميليا بهستيرية تريد الفكاك منه بأي طريقة

تشعر بأن لمساته تحرقها و أنفاسه تسلب روحها منها حتى عطره الذي تغلغل إلى حواسها يخنقها بشدة ...ليس هذا ما أرادته ليلة زفافها التي لطالما حلمت بها..اللمسات الحنونة و الكلمات المطمئنة التي يبثها كل رجل لحبيبته ليلة زفافهما...ليهدئ من روعها في تلك الليلة المميزة لكل فتاة....لم تسمع منها سوى التهديد و الأوامر و الإهانة منذ وطئت قدماها هذا المكان الذي كرهته اكثر من أي شيئ في الحياة حتى انها أصبحت تتمنى إحراقه....

ظلت تصرخ و تبعده عنه دون جدوى ليحذبها هو بنفاذ صبر ليدفن وجهها و جسدها داخل صدره و هو يضغط عليها غير آبه بوجع ذراعيها حتى خبت مقاومتها شيئا فشيئا و سكنت حركاتها و لم يعد يسمع سوى صوت شهقاتها الخافتة....

ظل يمسح على ظهرها العاري بيديه صعودا و نزولا قبل أن يهدر بثبات :"اللي عملتيه داه مايتكررش ثاني عشان متتعرضيش للعقاب... انا إديتك عشرة مليون جنيه مقابل إتفاقنا، يعني انت بقيتي ملكي...انا أقدر أعمل فيكي اللي أنا عاوزه فمتخلينيش أفقد أعصابي من اول يوم....تسمعي كل اللي بقلك عليه بالحرف الواحد و مين غير دلع انا لسه بعاملك على إنك مراتي علشان لو عاملتك غير كده مش حتستحملي دقيقة...داه آخر تحذير ليكي ومتنسيش إن حياتك و حياة عيلتك كلها في إيدي.....

انا حدخل آخد شاور و اطلع الاقيكي على السرير... و بالملاية بس.... ..مفهوم.....

__________________________

بدلت هبة فستانها و ارتدت ملابس أخرى بيتية مريحة ثم طوت الفستان بعناية و وضعته بحرص في الكيس و معه الحذاء...إبتسمت بسعادة و هي تضم الكيس إلى صدرها متشبثة به بكلتا يديها.... أول هدية من حبيبها عمر، تذكرت ملامحه الحانقة في آخر الحفل عندما كانت على وشك المغادرة صحبة أخيها الذي أصر والدها على موافقته لها و لم يدعها تغيب عن ناظريه مما أثار غضب عمر الذي لم يستطع الاقتراب منها....

أمسكت بهاتفها الذي أضاء فجأة دون صوت بسبب مكالمة ما...و من غيره سيهاتفها في هذا الوقت المتأخر.

فتحت السماعة ليأتيها صوته المعاتب و هو يقول باندفاع :"

ملحقتش اشبع منك كنت عاوز أرقص معاكي و أعرفك على أصحابي و عيلتي....

تجهم وجه هبة عندما ذكر عائلته لتهتف متسائلة:" عيلتك...

عمر بتأكيد:"أيوا يا بيبة انا حكيتلهم على كل حاجة و هما عارفين...

هبة بترقب:" طيب َ مامتك قالت إيه...

عمر بعدم إهتمام:"إحنا تكلمنا قبل كده في موضوع عيلتي و انت عارفة رأيهم.... هبة انا زهقت من الوضع داه و انت مش بتساعديني بالعكس كل يوم بترجعينا خطوات لوراء بخوفك داه...ميهمناش حد لا عيلتي و او عيلتك يهمنا إحنا و بس...هبة انا بحبك أوي من زمان و انت عارفة كده كويس... انا معدتش مستحمل بعدك عني....أرجوكي حسي بيا بقى ".


أنصت له هبة بإهتمام و قد شعرت بالذنب تجاهه فبسبب ترددها و خوفها من مواجهة عائلتها جعلته يتألم كل يوم...و هو لايستحق ذلك فمنذ ذلك اليوم الذي وجدها فيه و هو يعاملها كأميرة، لم يدخر جهدا في إسعادها كل دقيقة و كأن حياته تعمتد عليها...

تنهدت بصوت مسموع قبل أن تقول بتصميم :"خلاص يا عمر انا بكرة حتكلم مع بابا و حبقى أقلك إيه اللي حيحصل....

تهللت أساريره بعد أن كاد ييأس ليهتف بلهفة حقيقية :" بجد يا بيبة حتتكلمي معاه...يعني أخيرا حنبقى مع بعض...بس يا حبيبتي لازم تحطي كل الاحتمالات يعني يمكن ابوكي يزعل منك أو يحبسك في البيت... او يمكن يمد إيده عليكي و انا بصراحة مش حقبل بداه".

أغمضت عيناها بخوف و هي تتخيل ماقد يحدث غدا مع والدها لكنها استطاعت السيطرة على نفسها و إخفاء قلقها ببراعة و هي تجيبه قائلة :" مش للدرجة دي... انا بقيت كبيرة دلوقتي و أكيد بابا..

قاطعها عمر و قد تفطن لمحاولتها إخفاء الحقيقة ليهدر بحزم:"هبة انا عارف كل حاجة فمفيش داعي تخبي عني.... أبوكي لسه زي ماهو...بيتعامل بإيده قبل لسانه مع أولاده و انا متخيل كويس حيحصل إيه... انت قبل ماتتكلمي معاه إبعثيلي رساله اوعي تنسي عشان لو حصلك حاجة حتصرف".

هبة باقتناع:"حاضر....حقلك قبل ما اتكلم معاه".

إبتسم عمر قائلا ليخفف قلقها الذي إستشعره من نبرة صوتها:" متقلقيش ياقلبي.... انا معاكي لأخر نفس ليا و مش حخلي حد يأذيكي او يلمس شعرة منك حتى لو كان أبوكي...دلوقتي يلا على النوم علشان عارف انك تعبتي اوي النهاردة...متنسيش تحلمي بيا زي ما انا بحلم بيكي كل ليلة...

ضحكت هبة على تصرفاته الطفولية التي تجعله قادرا على تغيير مزاجها ببراعة لتجيبه بخجل :"طيب تصبح على خير".

قاطعها عمر قائلا باندفاع:"لالا إستني رايحة فين؟ هو مفيش حاجة فوق تصبح على خير دي... دايما لوحدها كده".

تصنعت هبة الغباء رغم أنها قد فهمت مايرمي إليه:"تقصد إيه مش فاهمة".

عمر بخبث:"يعني مافيش بوسة بريئة من الخد كده تحت الحساب لغاية ما ربنا يسهل و نتجوز".

شهقت هبة من وقاحته التي فاجأتها لتصرخ به معاتبة:" عمر إحترم نفسك مش كفاية إني بكلمك من ورا أهلي و داه في حد ذاته غلط....

عمر بإعتذار و قد أيقن خطأه:" لالا خلاص يا حبيبتي خلاص أنا آسف و الله كنت بهزر معاكي متزعليش.... يلا تصبحي على خير و حكلمك بكرة الصبح ماشي ".

هبة بضيق :" ماشي سلام....

رمى عمر الهاتف من يده و هو يشد على خصلات شعره بضيق متمتما بحنق من نفسه:" غبي.. غبي.. إرتحت أهي زعلت... اوف لازم الاقي طريقة عشان أصالحها بيها.... تنهد طويلا قبل أن يكمل برجاء... إمتى حييجي اليوم اللي تبقى فيه مراتي و على إسمي ".

إبتسم بإتساع و هو يتخيل ذلك اليوم الذي أصبح يحلم به ليلا نهارا......

________________________

إستلقى أيهم على فراشه بعد أن أخذ حماما منعشا... إلتفت إلى ليليان التي كانت تنام بجانبه بعمق ليزفر بحنق من تصرفاتها الباردة معه....

تتعمد الإبتعاد عنه و تجاهله كلما سنحت لها الفرصة

تذكر فرحتها التي لم تستطع إخفائها عندما أخبرها بضرورة قطع شهر العسل و عودتهما إلى مصر بسبب زفاف صديقه....

نفورها منه و تصلب جسدها في كل مرة يقترب فيها منها...شعور التقزز و الرفض الذي يراه في عيناها كلما لمسها او قبلها...

استقام من مكانه متجها إلى الشرفة ليستنشق أنفاسها طويلة من الهواء النقي محاولا تمالك نفسه و المحافظة على رباطة جأشه فهو في الاخير أيهم البحيري.. القوي الصامد الذي لا يهمه سوى نفسه و من يفكر بها أصبحت زوجته... ملكه و تحت يديه و لايهمه ما تشعر به تجاهه....

_____________________

بعد دقائق خرج شاهين من الحمام يلف على جسده السفلي منشفة بيضاء اللون تاركا جزئه العلوي عاريا... كم بدا ضخما بكتفيه العريضين كالمصارعين... و طوله الفارع و عضلات صدره المنحوتة بدقة...

جال بعينيه أنحاء السرير ليجده فارغا ليقطب جبينه بحيرة كاتما غضبه الذي بدأ يتصاعد رويدا رويدا....

بسبب تلك الصغيرة التي رفضت الانصياع لأوامره، لم يكن يريد أن يؤذيها منذ الليلة الأولى، و ان ترى وجهه الاخر السادي الذي لايرحم كل من يتجرأ على عصيان أمره...و خاصة النساء.

افاق من تخيلاته على صوت خطواتها التي كانت تقترب ليلتفت وراءه ليجدها تخرج من غرفة الملابس و قد إرتدت روب حريري أبيض اللون

تقبض على جوانبه بكلتا يديها....

نمت على وجهه إبتسامة خبيثة و هو يتقدم نحوها ببطئ مستمتعا بملامحها الخائفة و جسدها الذي كان ينكمش كلما إقترب هو منها.... يقسم انها ستقع أرضا في أي لحظة من شدة خوفها....

انحنى ليحملها بخفة بين ذراعيه متجها بها إلى فراشه الوثير و هو يهمس في أذنها بغموض:"عاوزك دايما كده...خايفة مني عشان متبقيش زيها و تفكري تخونيني...



› الشيطان شاهين › الفصل السادس عشر

الفصل السادس عشر

 

لم يكن يشعر بها و هي تئن بين ذراعيه متألمة ترجوه بكل الطرق ان يرحمها و يتركها....مرت ساعات طويلة بدت لها و كأنها لن تنتهي أبدا و كان الوقت توقف و هو لا يتوقف يأخذها مرارا و تكرارا...لا يمل و لايكتفي منها و كأنه لم يلمس في حياته إمرأة قبلها....

كان في عالم آخر من النشوة و الاستمتاع ...حاولت دفعه لكنه ظل متحجرا مكانه... لمساته التي تتغير كل لحظة... ناعمة حنونة و مراعية في بعض الأحيان و خشنة قاسية أحيانا أخرى... شخصين يتصاراعان داخله بقوة أحدهم يعاملها كقطعة ألماس نادرة لا يوجد لها مثيل و أخر يذكره بالماضي...

بتلك اللتي كان يخاف عليها من نسمة هواء، كيف سحقت حبه العظيم الذي كان يكنه لها تحت قدميها دون تردد...

إبتعد عنها أخيرا بأنفاس لاهثة لتشهق كاميليا بقوة كغريق كان يصارع بحرا هائجا لمدة ساعات حتى ظن انه سيلقى حتفه....

إنكمشت على نفسها تبكي بألم و هي تدثر جسدها العاري عن مرأى عينيه اللتين كأننا تتفرسان علاماته الحمراء التي إنتشرت على كامل بشرتها البيضاء اللامعة بأعين مستمتعة....

استند على السرير و هو يرسم ملامح الجمود على وجهه ببراعة... جذب علبة السجائر من جانبه ليشعل إحدى سجائرة و ينفث دخانها الذي انتشرت رائحته النفاذة في كامل أرجاء الغرفة ليزيد من إختناق أنفاس تلك المسكينة التي كانت ترتعش بجانبه من شدة الألم....

كتمت أنفاسها المختنقة بدموعها لتغلق عينيها بإرهاق لا ترغب في شيئ سوى في الموت لعل الحياة ترحمها مرة واحدة.. لم تعد تحتمل أكثر رغم انه لم يمضي على زواجها سوى ساعات قليلة فكيف بأيام او أشهر و ربما سنوات....

رفع شاهين سيجارته أمام لينظر لها بشرود قبل أن يسحقها داخل المطفئة الزجاجية و هو يراقب دخانها الذي إنطفئ رويدا رويدا...

التفت لكاميليا التي كانت بدورها غير واعية بما يحصل حولها تشعر بالخواء و الضعف...كل عضلة في جسدها تصرخ وجعا...لكن وجع قلبها أكبر، ليلة العمر التي مرت عليها و كأنها جحيم....

أغمضت عينيها بقوة و كأنها تمنع صوته من التسلل إلى أذنها...عندما قال بلهجة آمرة :"قومي عشان تاخذي شاور.. المية الدافية حتساعدك عشان ترتاحي...

تجاهلته بينما ظلت ساكنة مكانها لم تتحرك إنشا واحدا...لم تعد لها قوة لتحرك إصبعا واحدا فكيف ستحرك كامل جسدها لتصل إلى الحمام....

زفر شاهين أنفاسه الغاضبة و هو يتفرس ظهرها الساكن قبل أن يقوم من مكانه متجها  إلى الحمام لينعم بحمام دافئ....

دخل كابينة الاستحمام ثم فتح الصنبور لتتسابق قطرات المياه الباردة  نحو جسده الذي تمددت عضلاته باسترخاء....

أغمض عينيه لتتسلل صور ليلته معها  إلى مخيلته من جديد...لينفجر ضحكا بدون سبب و كأنه مختل عقلي...تذكر كم كانت هشةو  رقيقة... مستسلمة بين يديه دون مقاومة...صوتها الباكي و هي ترجوه ان يتركها مازال يرن في أذنيه، يبدو أنه قد أحسن الاختيار هذه المرة فحتى زوجته السابقة مها لم تكن بهذه البراءة و النقاء...

مرت سنوات كثيرة لم يلمس فيها فتاة عذراء..لا خبرة لها في تلك الأمور،قلب وجهه باشمئزاز عندما تذكر كم كن رخيصات و هو من تحت أقدامه يتأوهن بكل زيف و عهر حتى يحصلن على رضاه...

أغلق الصنبور لتتوقف المياه و يفتح عينيه القاتمة التي عاد لونها المتوهج، لف جسده بمنشفة سوداء كبيرة قبل أن يضع أخرى أصغر حجما على رأسه ثم خرج و هو يدندن باستمتاع لحنا إيطاليا قديم....

مكث عدة دقائق في غرفة الملابس قبل أن يخرج و هو يرتدي بنطالا قطنيا باللون الأسود...نظر إلى الساعة الفخمة  المعلقة على الجدار ليجدها تشير إلى الساعة الثالثة صباحا...

رمى المنشفة التي كانت على رقبته ثم دلف إلى الحمام مرة أخرى...ملأ الحوض بالماء الدافئ ثم سكب سائل الاستحمام برائحة اللافندر الذي إختاره لها لتنتشر رائحته المنعشة...

عاد إلى كاميليا التي كانت لاتزال متصنمة مكانها ترفض التحرك و لو إنشا واحدا مخافة ان يزيد ألمها...

صعد إلى الفراش بجانبها ليضع يده على ظهرها ليشعر بارتعاش جسدها و أنفاسها التي تسارعت حتى تحولت إلى سعال...

ربت على كتفيها حتى تهدأ و هو يقول بهدوء حتى لاتفزع منه اكثر:"انا حضرتلك الحمام...حتبقي كويسة بعد ماتاخذي شاور دافي.... يلا بلاش دلع هي اول مرة بتبقى كده صعبة شوية بس بعدين حتتعودي....


توقف عن الكلام عندما هزت كاميليا رأسها برفض و دموعها لا تكاد تتوقف عن النزول...ثم حركت ذراعيها بصعوبة تحتضن جسدها بحماية...سعلت بقوة مرة أخرى عندما إختنقت بشهقاتها مما جعل شاهين يتراجع بنفاذ صبر ثم يحسم أمره ليحملها بصعوبة بسبب مقاومتها الهستيرية و يتجه بها نحو الحمام....

وضعها بحرص في حوض الاستحمام الذي أعده سابقا لها و هو يهتف بتذمر بسبب تبلل ملابسه أثناء مقاومتها :"ما تهدي بقى احسنلك.... انا لسه مقدر الحالة اللي إنت فيها و الا كنت دفنتك مكانك... غبية".

رمقته كاميليا بعيون حمراء ذابلة و هو يغادر المكان

و يصفق الباب بعنف وراءه لترخي جسدها داخل الحوض و هي تطلق العنان لدموعها من جديد...

مظهرها كان كارثيا شعرها مبعثر و عيناها محمرة من البكاء و جسدها مليئ بالعلامات و الكدمات التي تبين عنف ماتعرضت له.

في اليوم التالي........

إستيقظت كاميليا على صوت فتحية التي كانت تهزها برفق و تنادي بإسمها :" كاميليا هانم....من فضلك إصحي الست ثريا و شاهين بيه مستنيينك تحت.... الساعة بقت واحدة و انت لسه نايمة...

فتحت عينيها بصعوبة ثم أغمضتها بسبب أشعة الشمس التي تسللت إلى كامل الغرفة... رمشت عدة مرات حتى تتعود عليها قبل أن تنظر إلى  فتحية التي كانت تقف أمامها قائلة بصوت مبحوح من أثار النوم و البكاء:" صباح الخير يا فتحية...

فتحية بلهفة :" صباح الخير يا كاميليا هانم.....

كاميليا بفتور :"إسمي كاميليا يا فتحية.... كاميليا بلاش هانم دي.....

فتحية بابتسامة :" ميصحش انت خلاص بقيتي مرات شاهين بيه و لو سمعني بناديكي باسمك حاف كده حيطين عيشتي....

تأوهت كاميليا بألم و هي تحاول التحرك من مكانها لتقول بصعوبة:"خلاص لما نبقى لوحدنا ناديني كاميليا و لما تبقي قدامه ناديني باللي إنت عاوزاه... آآآه".

عظت على شفتيها بألم و هي تحاول الاستناد على يديها للوقوف لتسارع فتحية نحوها بهلع و هي تتساءل:"فيكي إيه؟؟؟ مالك؟؟".

إستندت كاميليا على جانبها قبل أن تنزل قدميها لتغوصا داخل السجادة ذات الفراء الكثيف و هي تهتف بصعوبة :" ارجوكي يا فتحية ساعديني و بلاش أسئلة... انا مش قادرة أتحرك خطوة لوحدي....جسمي كله مكسر،

سكتت فتحية بعد أن فهمت لوحدها ما حصل لتلف ذراعها حول جسد كاميليا و  تساعدها للدخول إلى الحمام...

بعد نصف ساعة نزلت كاميليا الدرج بخطوات بطيئة بعد أن إرتدت روب ناعم من اللون الأبيض تتخلله بعض الورود الحمراء، بكم طويل حتى تخفي تلك العلامات التي إستحال لونها إلى الأزرق و البنفسجي أما بقية الآثار فقد حاولت إخفاءها بمساحيق التجميل...


توجهت إلى الصالون لتجد ثريا التي إبتسمت لها بحب حالما رأتها و هي تقول :"بسم الله مشاء الله..... قمر يا بنتي ربنا يحميكي ويحفظك".

عانقتها كاميليا ثم قبلت جبينها و هي تقول :"صباح الخير يا ثريا هانم...

أمسكت ثريا بيديها و هي تمسح على رأسها بحنان قائلة:" صباح الهناء يا حبيبتي...انا خلاص بقيت ماما ثريا بلاش هانم دي...

إبتسمت لها كاميليا و هي تومئ بطاعة :" حاضر...

تابعت طريقها لتجلس على طرف الكنبة بعيدا عن شاهين الذي كان يخفي نظرات الإعجاب بجمالها الساحر الذي يزداد يوما بعد يوم...

إبتسم بتسلية و هو يراقب تحركاتها الخجولة المرتبكة و هي تتناول كوب قهوتها و تترشفه بتردد... كاد ان ينفلت من يدها و ينسكب عليها عندما سمعت

ثريا تسأل شاهين :"هو انتو حتروحوا إمتى شهر العسل....


ليجيبها الآخر :" لا إحنا حنفضل هنا أحسن.....أنا عندي شغل و مش فاضي....

رمقت ثريا إبنها باستنكار و هي تهتف معترضة:"شغل إيه يا إبني انا بكلمك على شهر العسل... مراتك لسه عروسة و من حقها تخرج و تتفسح، من أولها حتقعدها في البيت ".

وضعت كاميليا كوبها على الطاولة ثم نظرت إلى شاهين الذي كان مشغولا بهاتفه قبل أن تحول نظراتها إلى ثريا و تبتسم لها برقة و هي تجيبها بهدوء محاولة تجنب وقوع مشكلة بينهما بسببها:" معلش يا ثريا هانم هو عنده حق...انا كمان ورايا دراسة و قريب جدا حتبدأ الامتحانات....

توقفت عن الكلام عندما سمعت ضحكات زوجها الساخرة قبل أن يهتف بلهجته الآمرة التي لا تفارقه:" أهو سمعتيها بنفسك يا ماما هي عندها دراسة و انا عندي شغل...مش فاضيين للكلام الفارغ داه....

وضع هاتفه في جيب سترته ثم إعتدل واقفا و هو يكمل :" كملي فطارك و تعالي على المكتب... عاوزك في حاجة مهمة".

تأففت ثريا بضيق من بروده لتتمتم  :" معلش يا بنتي بكره حيروق و حيرجع في قراره...كملي فطارك تلاقيكي مأكلتيش حاجة من إمبارح الصبح....

نفت كاميليا برأسها و هي تقف من أمامها :" لا معلش انا مليش نفس دلوقتي حبقى آكل بعدين... انا لازم أروح أشوفه عاوز إيه عن إذنك".

ثريا بنظرات عطوفة:" إذنك معاكي يا حبيبتي....

راقبتها و هي تتحرك ببطئ نحو المكتب و لم تخفى عنها نظراتها الخائفة التي تحاول إخفائها بابتساماتها المزيفة لتحدث نفسها متسائلة:"يا ترى عملت إيه البنت دي في دنيتها علشان توقع في إيد إبني....انا السبب انا اللي خليتها تشتغل هنا كان لازم أمشيها من يومها... انا إزاي عملت كده....ربنا يهديك يا شاهين يحنن قلبك عليها دي باين عليها غلبانة و مش حمل اللي بيعمله فيها....

ظلت تحدث نفسها طويلا إلى أن رأت فادي يطل من باب الفيلا و تتبعه زينب متجهين نحوها...

في المكتب......

دخلت كاميليا لتجد شاهين يجلس بشموخ وراء مكتبه الفاخر و هو يتابع بعض الأعمال بواسطة حاسوبه المحمول....

أشار لها بأن تجلس على الكرسي المقابل للمكتب...أخفت إستغرابها لأنه لم يطلب منها الجلوس تحت قدميه كعادته...و هي تتذكر كلام هبة عندما أخبرتها بإمكانية تغيير معاملته لها بعد أن أصبحت زوجته...

أخفضت رأسها بإرتباك بعد أن إنتبهت إلى نظراته الحادة التي تتفرس كل إنش منها و هو يقول بوقاحة :"حلو أوي الفستان...مغطي كل العلامات بتاعة إمبارح....

ظلت صامتة ليسترسل في حديثه :" طيب انا جبتك هنا عشان أقلك على شوية حاجات ياريت تنفذيهم بالحرف الواحد علشان حياتنا تستمر بهدوء و مين غير مشاكل...و مش عايز افكرك انا حعمل إيه لو خالفتي أوامري....

أومأت له برأسها و هي تتحاشى النظر إليه ليكمل....

أول حاجة ممنوع تخرجي من الفيلا لأي سبب من الأسباب...لا تقوليلي صاحبتي و لا عيلتي و لا أي حد أي حاجة انت عايزاها قوليلي و انا حجيبهالك لحد عندك ....ثانيا فادي... تهتمي كويس و مش عاوزه يزعل لأي سبب و انت فاهماني طبعا...ثالثا تلفونك....

انا حسيبهولك تتكلمي بيه براحتك بس مش عاوز اشوف فيه رقم غريب ".

تنحنحت كاميليا لتنظف حلقها لتردف بصوت متلعثم :" طيب و دراستي... انا عندي جامعة...

قاطعها بصوته القوي الذي أثار خوفها مرة أخرى قائلا بنبرة لا تحتمل النقاش :"قلتلك مفيش خروج من الفيلا... لأي سبب، انا إديتك عشرة مليون جنيه... متهيألي مبلغ زي داه حيخليكي تنسي الجامعة و الدراسة كلها....

كاميليا باستعطاف:" ارجوك انا حنفذ كل اللي انت عاوزه بس بلاش الجامعة....انا من حقي اكمل دراستي... انت مش عارف انا قد تعبت علشان اوصل...

رمى شاهين القلم على المكتب ثم مرر يديه على وجهه كاتما غضبه الذي بدأ يتصاعد بسبب عنادها...لتقرر كاميليا السكوت و تأجيل  حديثها في هذا الموضوع تجنبا لثورة أخرى من ثورات غضبه لتهتف بصعوبة :"حاضر انا حعمل كل اللي بتقول عليه بس بلاش تزعل...


رمقها الاخر بعدم رضا قبل أن يقول ببرود :" لعلمك دي آخر مرة...و دلوقتي تعالي....

انتفض جسدها و ازدردت ريقها بصعوبها قبل أن تتحرك نحوه بخطوات بطيئة ليزفر الاخر بملل و يصرخ بوجهها :"ساعة عشان تيجي....

توقفت مكانها من الرعب و هي تنكس رأسها و قد تسارعت دقات قلبها من الخوف و هي تتذكر ماحصل معها البارحة...لم تعي بعدها كيف طارت من مكانها و أصبحت تجلس على ركبتيه بعد أن حملها و جلس بها على الاريكة....

رفعت عيناها لتنظر له بخوف كقطة مذعورة في حضرة أسد شرس...

ملامح وجهها الطفولية ببشرة بيضاء نقية تذكره بطفله فادي و عينان زرقاوان ذات نظرات بريئة و جسدها الصغير الذي يضج إثارة و إغراء....

لم يستطع شاهين السيطرة على نفسه لينحني برأسه لا إراديا و يقبل رقبتها قبلات كثيرة و يتنفس بعمق رائحة اللافندر التي كانت تفوح منها...

لم يتوقف إلى هذا الحد و بدأ بالصعود إلى وجنتيها و شعرها و أخيرا شفتيها...بدا كالمغيب و هو يتمتم بخفوت :"مش قادر أكتفي منك يا كاميليا.... انت عملتي فيا إيه....

كان يعتصرها حرفيا بين يديه بينما ظلت كاميليا مستسلمة و تدعو في سرها ان يتركها.. لم تكن تستطيع التحدث مخافة ان تثير غضبه أكثر....

لم تشعر بكل هذا الضعف في حياتها كل ما تستطيع فعله هو الاستسلام و البكاء... و تحمل الألم مرة أخرى... إنعدمت الرؤية امامها بسبب دموعها التي إنهمرت كشلال...

شعرت به يتوقف عن تقبيلها لترفع عينيها الدامعتين ليقابلها وجهه المحمر و هو يلهث بشدة بسبب المشاعر المختلطة التي سيطرت على جسده...

لحظات مرت قبل أن يسيطر على نفسه و يعود لطبيعته من جديد و يضمها برفق غريب إلى صدره كطفلة صغيرة مما أثار دهشتها خاصة بعد أن سمعته يقول :"روحي كملي فطارك انا عارف انك مكلتيش و بعدها إطلعي نامي جسمك لسه تعبان...

ظلت جامدة مكانها حتى بعد أن أرخى ذراعيه حولها ليضحك شاهين بخفوت قبل أن يهتف بنبرة لعوبة :" إيه عجبك حضني للدرجة دي.... انا ممكن اغير رأيي على فكرة و مش حخبي عليكي انا ماسك نفسي عليكي بالعافية ".

قفزت كاميليا من أحضانه رغم دهشتها من نبرته المرحة التي لم تعتادها منها و هي تسترد انفاسها

المسلوبة بارتياح....قبل أن تتوجه سريعا إلى جناحهما لتنال قسطا من الراحة....

بينما بقى شاهين مكانه و هو ينظر إلى أثرها و يبتسم بشرود...و قد أحس أخيرا بدقات قلبه المتجر تعود رويدا رويدا إلى الحياة على يد هذه الطفلة التي لا يكاد يصل طولها إلى كتفه...


في فيلا البحيري...

دخلت ليليان غرفة نومها بعد تناول وجبة الغداء صحبة عائلة عمها ليلحقها أيهم و هو يصرخ عليها بغضب:"إنت ياهانم...إيه الكلام الفارغ اللي كنتي بتقوليه تحت داه..

جلست ليليان على طرف السرير و هي ترمقه بحدة قبل أن تهتف بجرأة:" انا مش بكذب على فكرة كل اللي قلته حصل.... إمبارح مفيش ست فلتت من إيدك في الفرح... عمال تضحك و معاهم و بتعملوا حركات مش بتاعة واحد متزوج و مراته جنبه....إيه مش قادر تعيش أسبوع ثاني بعيد على القرف اللي أنت كنت فيه....

فاجأها بصفعة قوية على وجنتها لتشهق ليليان بألم و لكنها لم تصمت بل تابعت شتمه بحدة أكبر و هي ترمقه باشمئزاز :" حتوقع من واحد زبالة زيك إيه... طول عمرك كده و مش حتتغير بس متقلقش قريب اوي  حيجي اليوم اللي اتخلص فيه منك.....


قاطعها أيهم صارخا بجنون :" إخرسي مش عاوز اسمع صوتك...

بدأ يدور داخل  الغرفة كالثور الهائج و قد إمتدت يداه لتكسر كل غرض يقع تحت يديه...

قاطع صراخه طرقات عنيفة على باب الغرفة و أصوات محمد و سيف و والدته في الخارج يدعونهم لفتح الباب...

تجاهلهم أيهم الذي إلتفت إلى ليليان لتتفاجئ بنظراته الحارقة و قد انتفخت أوداجه و ظهرت عروق رقبته التي تدل على غضبه العارم مما جعلها تتراجع إلى الخلف نحو الباب محاولة الهرب من بين براثنه.....انتبه لها ليقفز بخفة و يعترض طريقها ليمسك بذراعيها يهزها بقوة قبل أن يهتف متوعدا :"حقتلك يا ليليان لو فكرتي في يوم انك تبعدي عني...مش حسيبك يا بنت عمي لأخر نفس فيا...


في إحدى النوادي....

جففت ميرهان وجهها و رقبتها من العرق بعد أن ظلت حوالي ساعتين تقوم بتمارينها الرياضية المعتادة... نزعت سماعة الاغاني من أذنيها ثم نزلت من على آلة المشي و إتجهت نحو كرسي في جانب القاعة لتجلس عليه لترتاح قليلا من الوقت قبل أن تتجه إلى أحد الحمامات لتغير ملابسها الرياضية إلى أخرى مناسبة....

بعد حوالي نصف ساعة إتجهت إلى مقهى النادي لتناول مشروبا ما... إنتبهت إلى وجود صديقتها سيدرا و التي كانت تدخن سيجارتها و ملامح الضيق بادية على وجهها....

ميرهان و هي تجلس على الكرسي المقابل :"مالك يا بنتي وشك بيقول إن في مصيبة حصلت....

سيدرا بضيق:" يعني انت مش عارفة إن شاهين الألفي إتجوز إمبارح؟؟؟

مدت ميرهان يدها لتناول سيجارة من العلبة الفاخرة الموجودة على الطاولة و هي تقول :"عارفة.... و هو أصلا في حد في مصر معرفش بالخبر داه... دي كل السوشيال ميديا و الأخبار مقلوبة على الفرح الخرافي اللي عمله إمبارح....

صمتت قليلا لتشعل السيجارة و تنفث دخانها بغضب ثم تكمل :" و إلا مراته...بنت المحظوظة لفت عليه و وقعته واحدة زيها إزاي قدرت توقع شاهين الألفي أنا مش قادرة أفهم.... انا حتى عمري ماشفتها قبل كده، هي عرفته إزاي....

سيدرا :" مفيش حد يعرف غير إنها طالبة في كلية الهندسة...يعني هما الاثنين في نفس المجال...

ميرهان باستدراك:" صح هو كمان بيشتغل في مجال الهندسة و المباني...بس هي كده تبقى أصغر منه بكثير....

سيدرا و هي تقلب شفتيها بسخرية:"و لو...واحد زي شاهين داه مفيش بنت تقدر ترفضه و بعدين الفرق بينهم يعتبر عادي عشرة او إحداشر سنة مش كثير... مافي ياما بنات بيتجوزوا رجالة كبار في السن علشان الفلوس إنت ناسية سالي صحبتها اللي متجوزة فاروق بيه صاحب ابوكي....داه أكبر منها بأكثر من خمسة و عشرين سنة...و بيري و كارمن و كثير غيرهم...كله يهون علشان الفلوس يا قلبي".

ميرهان بتذكر:"أيوا عندك حق بس أنا حتجنن داه انا كنت خلاص حوقعه لولا الغبي فريد....

سيدرا بضحك :" فريد.... ما أنا قلتلك إنه صايع و مفيش في دماغه غير البنات... بس يستاهل العلقة اللي أخذها من البحيري...خليه يتربى... رايح يعاكس في خطيبته قدامه فاكره زيه معندوش أخلاق و نخوة....

ميرهان بضيق من تلميحات صديقتها :"سيبينا من فريد دلوقتي و بعدين انت متعرفيش أيهم كويس داه شبه فريد بالظبط واحد واطي و مفيش في دماغه غير السهر و النسوان و مش بعيد تلاقيه دلوقتي في حضن واحده من نسوانه....

سيدرا بتعجب :" بس داه لسه متجوز جديد و بعدين مراته زي القمر و دكتورة و كمان بنت عمه....

قاطعتها ميرهان و هي تنفث دخان سيجارتها قائلة بحقد:" الرجالة اللي زي أيهم و فريد دول ميملاش عينيهم غير التراب.... الخيانة بتجري في دمهم حتي لو الواحد منهم إتجوز ملكة جمال الكون بيفضل يدور على القرف و القذارة اللي زيه برا بيته...

سيدرا :" ماكل الرجالة كده...

نفت ميرهان مؤكدة:"لا طبعا انت غلطانة امال أنا متمسكة بشاهين الألفي ليه.... علشان مش زيهم داه ممكن يعمل كل حاجة إنت متخيلاها في دماغك إلا إنه يخون مراته...هو صحيح كانت عنده علاقات كثيرة و غريبة قبل الجواز بس بعد ما اتجوز مستحيل حيبص لست ثانية غير مراته علشان كده انا فقدت الأمل إني أوقعه....

حدقت بها سيدرا بتعجب قبل أن تهتف :"انا بصراحة مش مقتنعة بالكلام اللي انت بتقوليه و مفيش حل غير اننا نستنى شوية وقت و حنشوف صحة كلامك....

ميرهان بثقة :" و نستنى ليه... النهاردة بالليل حخليكي تتأكدي من الكلام داه بنفسك...

سيدرا :"إزاي...

ميرهان بغموض:" الليلة حتعرفي كل حاجة...بقلك إيه أنا جعت حطلب غداء تأكلي إيه....

_________________________

مساء ......

تعالت أصوات صراخ في تلك الحارة الشعبية و تحديدا في تلك الشقة القديمة التي تسكنها عائلة منصور والد هبة....

انتفض منصور من مكانه غاضبا ليصرخ في وجه زوجته المسكينة التي تولت مهمة إخباره:"إنت قلتي إيه؟؟ عمر إبن الدكتور عاوز يخطب مين؟؟ هبة بنتي...

نجوى بتلعثم:" أيوا يا خويا و مالو و هو انت حتلاقي أحسن منه فين لبنتك...داه كفاية ابوه اللي خيره مغرق الحارة كلها...

منصور بصراخ:"أديكي قلتيها ابوه.. طيب و أمه اللي جات زمان و فضحتنا في الحارة كلها و إتهمت بنتك إنها عاوزة توقع البيه إبنها و تتجوزه علشان تأخذ فلوسه....

نجوى وهي تحاول إختيار الكلمات المناسبة لإقناعه بهدوء:" زمان غير دلوقتي يا بو ثامر...و أكيد عيلته مش حتعارض جوازه من بنتنا...

هب منصور من مكانه خارجا من الغرفة متجها إلى غرفة هبة و زوجته تتبعه بخوف.. 

في هذه الاثناء كانت هبة تحادث عمر من خلال رسائل نصية... إنتفضت بهلع و سقط الهاتف من يدها عندما إنفتح باب غرفتها بعنف و رأت والدها أمامها و هيئته الغاضبة لا تبشر بالخير...

قفزت فوق سريرها عندما تقدم ناحيتها لكنه كان أسرع منها ليجذبها بعنف من ذراعها و يسقطها على الأرض بعد أن صفعها بقوة و هو يصرخ غضبا عليها :" قابلتيه فين إنطقي يا فا... يا قليلة الرباية و الله لقتلك و أشرب من دمك....

صاحت هبة بألم و هي تضع يديها على رأسها ووجهها لتحمي نفسها من صفعات والدها الذي ما انفك يصرخ قائلا:

:"بنتك عاوزة تجيبلي العار ... انا الغلطان الي سمعت كلامك زمان و رجعتها المدرسة يا ريتني كنت قتلتها بإيدي و إستريحت منها و من فضايحها....

صرخت نجوى زوجته بدورها و هي تحاول إنقاذ إبنتها من يدي زوجها الذي تملك منه الغضب الشديد حتى أصبح لا يرى أمامه..

يا راجل سيب البنت حتموت في إيدك... هي عملت إيه لكل داه؟؟ ".

دفعها على الأرض ثم بدأ بركلها و ضربها على كافة أنحاء جسدها و هو يصيح بهيجان و عيناه المحمرتان ترمقانها بحدة:" تستاهل القتل.. قليلة الرباية...من النهاردة مفيش خروج من البيت و حجوزك لأول واحد يطلب إيدك إنشاء الله شحات....

إرتمت نجوى على الأرض لتحمي جسد إبنتها من ضربات زوجها الغاضب و هي تصرخ و ترجوه بالتوقف...ليمسكها من شعرها بقوة محاولا إبعادها عن هبة ليعاود ضربها من جديد....لكنها تمسكت بها بقوة


توقف منصور مبتعدا عنها و هو يلهث بشدة متوعدا بشر:"  بنتك تنسى سيرة البني آدم داه خالص مش عاوز أسمع إسمه في للبيت داه ثاني أحسن و الله لقتلها و ارتاح منها.... كفاية فضايحها زمان....

هبة ببكاء :" حرام عليك يا بابا انا معملتش حاجة عيب...

منصور بجنون :"إخرسي يا كلبة... إخرسي خالص و ليكي عين تتكلمي بعد اللي عملتيه... البنات رايحة الجامعة علشان تتعلم و تدرس و إنت رايحة علشان تقابلي الرجالة....

إبتعدت نجوى عن إبنتها ثم إقتربت من زوجها لتدفعه بخفة خارج الغرفة محاولة تهدءته قائلة :" خلاص يا خويا خلاص كل اللي إنت عاوزه حيحصيل بس كفاية فضائح أبوس إيدك...  أصواتنا سمعت الحارة كلها...

نفض منصور يدها بعيدا و هو يرمقها بغضب قبل أن يهتف:" شفتي آخر دلعك فيها... كل ما أجي أربيها توقفي في وشي زي الحيطة...

لملمت نجوى شعرها و أعادت ترتيب ملابسها التي تمزق بعضها و هي تجيبه:" و هي كل حاجة حتتحل بالضرب...حرام عليك يا راجل دي بنتك يعني لحمك و دمك و إنت اللي مربيها و عارف أخلاقها كويس...مستحيل تغلط او تعمل حاجة من ورانا و بعدين إبن الدكتور كمان....

إرتشف منصور كوب الشاي الذي أعدته له زوجته قبل المشاجرة لتمتعض ملامح وجهه تقززا ليردف :"حتى الشاي برد و بقى يقرف...

وضعه على الطاولة بجانبه ثم قام من مكانه ليرتدي حذائه إستعدادا للخروج إلى المقهى و هو يحدث زوجته بلهجة آمرة:" بقلك إيه يا ولية كثرة كلام مش عاوز... هي كلمة واحدة و مش حكررها ثاني... عقلي بنتك و فهميها تبعد عن الجدع داه...إحنا ناس فقراء و على قد حالنا و محيلتناش غير شرفنا و سمعتنا و مش قد إبن الدكتور و عيلته....

هرولت نجوى لتلحقه أمام الباب متسائلة:" طيب إنت رايح فين دلوقتي....

منصور بلامبالاة:" و إنت مالك بتسألي ليه غوري جنب بنتك....

لوت الأخرى شفتيها بضيق من تصرفات زوجها الجافة معها و طباعه  الخشنة مع أفراد عائلته ثم أغلقت الباب و إستندت عليه قبل أن  تتنهد قائلة بدعاء:"أسترها معانا يا رب...

تحاملت هبة على نفسها و هي تجهش ببكاء أليم ثم إستندت يكفيها على حافة سريرها لترفع جسدها بألم لتصل إلى هاتفها الذي لم يتوقف عن الإهتزاز منذ دقائق طويلة ...

حمدت الله في سرها انها غيرت إعداداته و جعلته على وضع الإهتزاز و إلا لعلم والدها بإتصال عمر بها...

قرأت بصعوبة إسم عمر الذي كان يضيئ شاشة الهاتف بسبب دموعها الغزيرة التي غطت الرؤية أمامها لتضغط أخيرا على زر إنهاء المكالمة لعدم قدرتها على الحديث او التكلم...

رمت الهاتف بجانبها ثم رفعت اصابعها إلى وجهها لتتحسس موضع صفعات والدها  لتشعر بألم شديد جعل عبراتها تنهمر على وجنتيها بغزارة من جديد...

بعدة عدة دقائق من البكاء شعرت بألم شديد يكاد يفتك برأسها...جففت دموعها بحذر متجنبة موضع الكدمات التي إنتشرت على كامل وجهها و جسدها ثم أعادت ترتيب خصلات شعرها و أمسكت بهاتفها لتجدة عدة رسائل من عمر يطلب منها ان تجيبه... فتحت آخر رسالة لتتفاجئ به يخبرها أنه في طريقه إلى منزلها...

شهقت برعب و هي تفكر في حجم المصيبة التي سيتسبب فيها دون أن يشعر... لتعاود الاتصال به من جديد...

ثوان و جائها صوته المتلهف و هو يقول:"هبة... حبيبتي إنت فين و مش بتردي عليا ليه... إنت كويسة".

ضغطت على شفتيها بقوة رغم ألمها لتمنع بكائها من جديد و هي تجيبه بصوت مرتعش:"انا كويسة يا عمر....

إنتفض عمر بصدمة و هو يستمع إلى صوتها الضعيف ثم أوقف سيارته على حافة الطريق قبل أن يسألها من جديد:" ماله صوتك... إنت كنتي بتبكي؟؟؟ ابوكي عملك حاجة؟؟

أبعدت هبة الهاتف عن أدنها قليلا قبل أن يسمع شهقاتها المتألمة التي كانت تكتمها ثم أعادته لتقول  :" لا مفيش حاجة... صدقني انا بس كنت بعيط شوية.... عشان هو موافقش على جوازنا....

عمر بشك :"يعني ما عمليكيش حاجة...

هبة بنفي كاذب:"لا لا هو بس زعق شوية و بعدين خرج....

عمر بعدم تصديق :" طيب انا حشوفك بكرة علشان أتأكد...

هبة و هي تتحدث بصعوبة :"هو منعني إني أخرج...

قاطعها عمر بصراخ قائلا :"يعني إيه منعك إنك تخرجي.. هو ناوي يحبسك في البيت... ابوكي ضربك يا هبة بس إنت اللي مخبية عني....

هبة ببكاء :" حرام عليك يا عمر متضغطش عليا أكثر من كده انا مش ناقصة... قلتلك مضربنيش إنت مش عاوز تصدقني ليه؟؟؟

تنهد عمر بنفاذ صبر و هو يشتم والد هبة في سره و يتوعده بشدة لأنه أذى حبيبته...قبل أن يجيبها بصوت حنون:" طب خلاص يا قلبي متعطيش... انا بس زعلت علشان كنتي عاوزة تخبي عني إنه أذاكي....طب قوليلي انت كويسة....

زفر بضيق من غباء سؤاله قبل أن يضيف باستدراك:" طبعا مش كويسة انا حاجي دلوقتي حاخذك المستشفى...

صمت عندما قاطعته هبة و هي ترجوه بصوت باك:"لا يا عمر أرجوك متعملش كده.... عشان خاطري متجيش صدقني انا كويسة متقلقش عليا... إنت لو جيت دلوقتي حتزود المشكلة و حتخلي بابا يعند اكثر.....

ضرب عمر عجلة القيادة بقبضته و هو يحس بالعجز للمرة الثانية و لنفس السبب... المرة الأولى كانت قبل سنوات عندما وجد نفسه ضعيفا أمام رفض عائلته لعلاقته بحبيبته وقتها كان مازال  صغيرا و في بداية حياته و ما جعله يتخلى عنها هو معرفته بأنه لن يكون قادرا على تحمل المسؤولية إذا إرتبط بها...

لكن الآن كل شيئ تغير و لن يقف مكتوف الأيدي و هو يرى حبيبته تعاني بسببه و لا يستطيع مساعدتها....

همس بصوت حنون و مغمضا عينيه بألم و هو يتخيل حجم ما مرت به من معاناة :"طيب إهدي....بلاش تعيطي إنت مش عارفة انا بيحصل فيا إيه و انا شايف نفسي عاجز كده مش بإيدي حاجة أعملهالك...

هبة ببكاء :" متقلقش انا شوية و حبقى كويسة...المهم إنت متجيش هنا.... أوعدني يا عمر إنك مش حتيجي و مش حتكلم بابا....

عمر بصعوبة :"خلاص يا حبيبتي أوعدك...بس إنت خلي بالك من نفسك و لو حصلت حاجة كلميني و أنا إنشاء الله حلاقي حل في أسرع وقت.... إنت إرتاحي و حاولي تنامي شوية و متفكريش في حاجة....

هبة و هي تمسح دموعها :" حاضر أنا حنام شوية و لما حصحى حبقى أكلمك....

عمر بنبرة عاشقة :"ماشي و انا حستناكي...هبة.. بيبة...

نادى عمر عليها قبل أن تنهي المكالمة..

أيوا...ياعمر..

إبتسم بتلقائية و هو يتلذذ بسماع أحرف إسمه التي نطقتها من بين شفتيها قائلا بصدق:"بحبك أوي...


لم تجبه هبة فورا بل ظلت صامتة لبعض الوقت قبل أن تجيبه بتردد:" و انا كمان.....

رمى عمر الهاتف بجانبه على كرسي السيارة ثم قبض على المقود بيديه حتى كاد يقلعه من مكانه...

طوال المكالمة و هو يخفي غضبه الجحيمي عنها بعد أن علم بما تعرضت له من ضرب و إهانة...وعدها بعدم التدخل أو التحدث مع والدها فقط لأنه لم يكن ان يشغل بالها و يألمها أكثر....

لكن داخله كان يتوعد له بأسوأ العقاب يتمنى لو كان أمامه لكان قتله لتجرأه فقط على إيذائها...

قاد سيارته أخيرا عائدا إلى منزله بعد أن  حسم قراره......

.................

في نفس الوقت في فيلا الألفي ..

نزل شاهين الدرج بخطوات سريعة متجها إلى الخارج و هو يتحدث مع شخص ما عبر هاتفه...

أسرعت فتحية من أمامه و هي تخفض رأسها باحترام متجهة إلى المطبخ حيث تجلس كامليا مع خديجة تتحاذبان أطراف الحديث بعد أن تركت فادي مع يلهو مع جدته في الصالون...

جلست الأخرى قربها على أحد الكراسي المتحلقة على الطاولة الرخامية قائلة بهمس:"أنا شفت البيه من شوية طالع و كان بيزعق في التلفون...

طالعتها كامليا بنظرات متسائلة قبل أن تنطق:" هو خرج؟؟؟

فتحية بتأكيد :"أيوا طلع من شوية بس شكله كان بيخوف كأنه  ناوي يقتل حد...

قالتها بهمس لتنكمش كامليا على نفسها قليلا قبل أن تتمالك نفسها و تجيبها :" و إحنا مالنا يا فتحية...إوعي تعيدي الكلام داه ثاني لأحسن إنت عارفة كويس حيحصلك إيه...

إرتجفت فتحية خوفا دون شعور منها خاصة بعد أن تذكرت هيئته الغاضبة منذ قليل لتصمت و هي تومئ برأسها بإيجاب و تضع أصبعها على شفتيها كعلامة سكوت  قبل أن تنقل بصرها إلى خديجة التي كانت منشغلة بإخراج بعض الأغراض من الثلاجة العملاقة....

________________

بعد حوالي الساعة وصل شاهين إلى وجهته... مخزن قديم مهترئ يحتوي على آلات و قطع من الحديد القديمة... تملأه الحجارة و الاتربة و الغبار.... دلف شاهين إلى الداخل ليعترضه أحد الحراس و ينحني أمامه منتظرا أوامره بينما إنتشر عدة رجال آخرون في المكان....

شاهين بنبرة صارمة و هو يفتح أزرار كمي قميصه

متجاهلا برودة الطقس... فهو حرفيا كان يغلي من الغضب...:"هو فين؟؟

إرتجف الحارس من صوته قبل أن يجيبه بتوضيح:" هو جو يا شاهين بيه بس لسه مش عاوز يعترف....

أكمل شاهين سيره إلى الداخل بخطوات سريعة دون أن يلتفت إلى الحارس الذي تبعه في صمت...

دخل إلى حجرة جانبية ليجد رجلا يجلس على كرسي يظهر للوهلة الأولى انه ميت بسبب منظر الدماء الذي كان يغطي ملامحه و ثيابه....

أصدر الرجل أنينا خافتا بسبب الضرب المبرح و التعذيب الذي تعرض له على يد رجال شاهين ليعترف بمكان ماركوس(عشيق مها زوجته السابقة)

الذي يبحث عنه من سنوات دون ملل او تراجع...

ركله شاهين بخفة على ساقه لإفاقته...ليحرك الرجل رأسه بصعوبة و يفتح جفنيه المتورمين و ينظر ناحيته.... رمقه شاهين بسخرية عندما لاحظ توسع عينيه بخوف لمعرفته هوية الرجل الواقف أمامه...

صرخ الرجل ببكاء :"ارجوك يا بيه انا مليش دعوة... معرفش حاجة....

قاطعه شاهين ببرود و هو يشعل أحد سجائره قائلا ببرود قاتل :" شششش قلي انت إسمك إيه الأول؟؟؟

الرجل بارتجاف :"علي.. إسمي علي يا بيه

جلس شاهين على الكرسي أمامه ثم نظر له طويلا ليبتلع الاخر ريقه بصعوبة رغم الآلام المبرحة التي تأكل جسده....إلا أن نظرات الشيطان الذي أمامه أكثر رعبا و ألما و هو يرمقه بتفحص بعينيه الناريتين...

قطع شاهين الصمت ليسأله مجددا :" طيب يا علي... انت عارفني طبعا....

أومأ له المسكين بإيجاب غير قادر على النطق من شده هلعه و تفكيره في ما سيحصل....

شاهين ببرود أكثر عكس النيران التي كانت تعصف داخله :" طيب و لما إنت عارف انا مين مش راضي تتكلم ليه؟؟؟؟

علي ببكاء و هو يراقب كل تحركات شاهين بخوف :" و الله ماأعرف حاجة... انا بشتغل في شركة حراسة و كنت من ضمن طاقم الحراسة اللي عينته الشركة عشان حماية ماركوس... و الله يا بيه كان زيه زي أي زبون عادي....

قرب شاهين كرسيه فجأة من كرسي الرجل حتى أصبح أمامه مباشرة ليتصنم الاخر و يحاول التراجع إلى الوراء ليعجز عن التحرك إنشا واحدا بسبب الحبال التي كانت تربط جسده على الكرسي و تشله عن الحركة....تحركت مقلتيه برعب و هو يراقب شاهين الذي إنحنى برأسه ليهمس في أذنه قائلا ببساطة و كأنه يحكي حكاية ما :"عارف يا علي... من حوالي أسبوع زميلك كان ضيف عندي... زيك كده بس خسارة نهايته كانت تحت عجل العربية بتاعتي...عارف ليه عشان هو بردو قال نفس الكلام داه...

تجاهل ببرود تغير ملامح المسكين و هو يكمل بنبرة جحيمية:" ماركوس راح فين لما وصلتوه المطار....

أحابه سعيد بتلعثم و توهان :" مقدرش أقول يا بيه دي أسرار......

لما يستطع إكمال كلامه ليصرخ بأعلى صوته بسبب الألم القاتل الذي شعر به في عينه اليسرى بعد أن أطفأ شاهين سيجارته بها ثم ركله بقوة ليسقط على الأرض و يهو يتلوى من شدة الألم....

أشار الشيطان لأحد رجاله ليهرول مسرعا و يوقف على أمامه من جديد ثم تركه مبتعدا ليعود إلى مكانه من جديد....

تلفت شاهين إلى الجهة الأخرى و هو يزفر بقلة صبر قبل أن يصرخ فجأة :"على.....آخر فرصة ليك عشان تطلع من هنا عايش... الكلب ماركوس سافر على فين؟؟؟

روما.... إي.. طاليا؟ ؟؟

نطق على بهذه الكلمات قبل أن يغمى عليه من ألم عينيه... بينما إرتسمت على ثغر شاهين إبتسامة خبيثة و هو يتمتم بتوعد :" و أخيرا...قربت نهايتك يا ماركوس...

خرج سريعا من المخزن بعد أن أمر بعض رجاله بأخذ على إلى المستشفى...ثم ركب سيارته متجها إلى الفيلا...

دخلت نجوى غرفة هبة لتجدها  مازالت جالسة على الأرضية بجانب السرير.. أغلقت الباب ورائها ثم وضعت الكوب على الكومودينو لتجلس بجانب إبنتها و احتضنها برفق قائلة بحنان أموي:"حقك عليا يا ضنايا انا معرفتش أحوشه عنك...بس متزعليش دي آخر مرة إنشاء الله و مش حتتكرر ثاني".

رمقتها هبة بنظرات منكسرة و هي تجيبها بصوت مبحوح من كثرة بكائها:"إنت ملكيش ذنب يا ماما.... بس هو طول عمره كده مابيعرفش يتفاهم غير بالضرب....

إبتسمت نجوى بغير مرح و هي تربت على ظهر إبنتها قائلة :"ربنا يهديه و يحنن قلبه عليكي يا حبيبتي.... إنت إرتاحي و متفكريش في حاجة و انا إنشاء الله حقنعه...

إبتعدت عنها هبة ناظرة إليها بخوف :" لا ياماما و النبي كفاية لحد كده...متجيبيش سيرة عمر قدامه مرة ثانية لحسن يرجع يضربني و يبهدلني و مش بعيد يجوزني زي ماقال....

أعادتها نجوى من جديد إلى أحضانها محاولة تهدئتها من جديد :" لا طبعا داه هو قال كده بس عشان يخوفك... انا عملتلك كباية الشكلاطة السخنة اللي إنت بتحبيها عشان تروقي أعصابك....

إبتسمت هبة رغما عنها قبل أن تدفن وجهها من جديد لتنعم بحضن والدتها الآمن....

_________________________

ليلا......

في أحد الملاهي الليلية جلست صوفيا مكانها و هي تلهث بشدة بعد أن ظلت ترقص طويلا على موسيقى الاغاني الغربية التي كانت تصدح بصوت يصم الآذان...

أشارت للنادل ان يحظر لها مشروبا جديدا... قلبت عيناها بإهتمام في أرجاء المكان و كأنها تبحث عن شخص ما، إبتسمت بخفة ثم رفعت يدها إلى الأعلى لتشير إلى الفتاتين القادمتين من بعيد تعلمهما بمكانها بسبب الاضائة الخافتة للمكان....

سلمت عليهما بود زائف و هي تدعوهما إلى الجلوس...

:"تشربوا إيه يا بنات...انا طلبت كوكتيل...

وضعت ميرهان حقيبته الفاخرة بجانبها ثم رتبت فستانها المنفوش القصير


ثم أجابتها :" انا كمان حطلب زيك...

أومأت لها صوفيا بإيجاب ثم نقلت بصرها إلى سيدرا لتسألها...

سيدرا :"لا انا حطلب لمون....

بعد دقائق من الحديث الجانبي الغير مهم.....

وضع النادل الاكواب على الطاولة ثم إنصرف لتأخذ كل واحدة من الفتيات مشروبها و تترشفه باستمتاع...

تنحنحت ميرهان بعد أن غمزتها سيدرا دون أن تنتبه لهما صوفيا ثم قالت :" هو انت حتعملي إيه دلوقتي يا صوفي... قصدي بعد ما شاهين بيه  إتجوز... بصراحة انا متأكدة انه مستحيل حيستغنى عنك...

صوفيا بنفي :" لا انا دلوقتي مليش أي علاقة بشاهين بيه...من قبل ما يتجوز بأسبوع إتفقنا ان كل واحد حيروح لحاله و إن أنا حرة في تصرفاتي....

سيدرا و هي تكتم سخريتها :" واضح إنك مبسوطة بعد ما سابك....

رمقتها صوفيا بنظرة مطولة قبل أن تردف :"لا مش مبسوطة طبعا بس انا كنت عارفة من زمان إن علاقتنا حتنتهي في يوم من الايام.... لما يتجوز....

ميرهان بخبث:"طيب و إيه يعني إتجوز...انتم مع بعض بقالكم مدة طويلة يعني أكيد مش حيقدر يستغنى عنك بسهولة ".

صوفيا بضحكة تملؤها السخرية :" و أبقى مين انا عشان واحد زي شاهين بيه ميقدرش يستغنى عني....اتا عذراكي عشان إنت متعرفيهوش كويس... هو يقدر يستغني بسهولة و مين غير تفكير على أي حد مش من عيلته....

سيدرا بضيق:"طيب و انت حتستسلمي كده....داه شاهين الألفي انا لو  زيك مستحيل أفرط فيه لأي سبب و حعمل كل للي أقدر عليه علشان يفضل معايا....

صوفيا :" بس هو مش عاوز و مفيش ح  حيقدر يجبره إنه يعمل حاجة مش عايزها....

ميرهان :"يعني هو سابك علشان إتجوز....

نفخت صوفيا وجنتيها بضيق من أسئلة الفتاتين التي لا تكاد تنتهي و لم يخفى عليها طبعا مقصدهما من ذلك فهي على علم بمحاولات ميرهان البائسة للفت إنتباه عشيقها

لتقول بحدة :"أيوا شاهين مستحيل يخون مراته و انصحك تدوري على حد غيره علشان توقعيه يا ميرهان.... عشان اللي إنت بتفكري فيه مستحيل يحصل....

نظرت ميرهان لسيدرا بنظرات ذات مغزى و كأنها تخبرها بصحة كلامها صباحا...لتبادلها الأخرى بنظرات حائرة قبل أن تعود لارتشاف مشروبها.....

في فيلا شاهين...

تعالت ضحكات شاهين و هو يقرأ رسالة صوفيا التي أرسلتها له تخبره عن حوارها مع الفتاتين.... رمى هاتفه على المكتب ثم وقف من مكانه ليفتح الباب و ينادي على الخادمة زينب التي جاءته سريعا :"أيوا يا بيه....

شاهين و قد إرتسمت على شفتيه إبتسامة لعوبة :" نادي للهانم... قلها تيجي حالا....

اومأت له زينب بطاعة قبل أن تهرول إلى الصالون لإستدعاء كاميليا....

عاد شاهين إلى الداخل متجها إلى ناحية البار ليختار إحدى زجاجات النبيذ المعتق و معها كأسين ثم يعود إلى الاريكة.... وضع الزجاجة أمامه ليفتحها لتصدر صوتها المتعارف عليها و يتناثر القليل منها على الطاولة...

طرقات خفيفة على باب المكتب...تلاه صوت خطوات ناعمة متعثرة و عطر  هادئ تسلل إلى أرجاء الغرفة....

إبتسم شاهين داخله ثم أشار لها بالتقدم و هو يصب القليل من المشروب في كل كأس...

رفع رأسه ليجدها تنظر له بإستغراب لم يدم طويلا بعد أن جذبها فجأة ليجلسها  على ساقيه و يلصق شفتيه على شفتيها بقبلة طويلة عنيفة....


                  الفصل السابع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close