أخر الاخبار

رواية ذكريات امراه الفصل السادس عشر16بقلم هناء النمر


روايةذكريات إمرأة

 الفصل السادس عشر 

بقلم هناء النمر


مرت الأيام على سارة بدون اى أحداث جديدة ، المعتاد فى كل شئ ، ماعدا تفكيرها المستمر فيما حدث ، وفيما تقرره بهذا


 الموضوع ، لدرجة أنها بدأت تسخر من نفسها فى بعض الأوقات قائلة ...شكلها كدة لا هتكون انت ولا هو ....




كانت تتابع تركيب احد أجهزة التخدير فى حجرة العمليات ، أتت ها مكالمة من سناء . (الخادمة ) تخبرها أن والدتها حدث


 لها إغماء مفاجئ وطلبت لها الإسعاف ، وصلت سارة للمستشفى بأقصى سرعة وعقلها يكاد لا يعى فكرة التفكير فى الحياة بدون أمها .



عندما وصلت وجدتهم ادخلوها العناية المركزة بسبب هبوط حاد فى الدورة الدموية ، طلب منها الطبيب أخباره بتاريخها



 المرضى ، فأخبرته بكل التفاصيل عن رحلة علاجها من اللوكيميا والعلاج الكيميائى والجراحة التى أجرتها ، فى نفس


 الوقت الذى وصل الطبيب المتابع لحالتها بعدما اتصلت به سارة وهى فى طريقها للمستشفى ، وبعدما أجرى الكشف عليها



.....أنا آسف يادكتورة ، والدتك وصلت لمرحلة متأخرة جدا، ووللأسف يابنتى هى فى ايد ربنا دلوقتى ، ..


...ازاى ؟ لازم يكون فى حل يادكتور ، أعمل أى حاجة ، أرجوك ومتفكرش فى المصاريف ...



....أنتى عارفة حالتها كويس يادكتورة ، مش انا اللى هقوللك ، إحنا عملنا كل المحاولات من سنين ....



...يعنى خلاص هتموت ...

...الأعمار بيد الله ، ادعيلها يابنتى ، وأنا هفضل هنا شوية وهبلغ الدكاترة باللى هيعملوه وربنا معاها ....



وقفت سارة أمام الزجاج الخاص بغرفة العناية المركزة ، تراقب الأطباء والتمريض وهم يتابعون الحالة ، كانت رحلة علاج


 والدتها وكأنها رحلة عذاب منذ أكثر من 10 سنوات ، قبل حتى أن تسافر لتدرس بأمريكا ،،،، والآن ، ماذا تفعل من غيرها ، رغم


 أنها لم تكن سند مادى لسارة وإنما كانت سند معنوى لا مثيل له ، مجرد وجودها كان ملاذ الأمان الوحيد لها ، كان الكتف


 الوحيد الذى تبكى وهى متكئة عليه ، واليد الوحيدة التى تربط على ظهرها لتحثها على الاستمرار ،،،


كانت الصرخة وكأنها ستخرج من بين ضلوعها تستنجدها أن لا تتركها تواجه الحياة وحدها .


ثم سمعت ممرضة من خلفها تناديها ... حضرتك دكتورة سارة ؟

...أيوة انا ..


...والدتك عايزة تشوفك ..

مسحت دموعها وحاولت التماسك وقبل أن تدخل الغرفة نبهها الطبيب أن لا ترهقها بالكلام ، اومأت رأسها بالموافقة ثم دخلت


 فوجدتها مغمضة العين ، وعندما احست بوجودها فتحت عينها لتستقبلها بابتسامة حانية وبصوت متألم وضعيف قالت


 ....سارة ....

...ازيك دلوقتى ياماما. ...

....سامحينى يابنتى ...

...على ايه ياماما...

...كان نفسى أفضل معاكى ، هتبقى ولا أب ولا أم ، هتبقى لوحدك يابنتى ..



...هشششششش ، متفكريش فى الموضوع ده دلوقتى ، الدكتور قال بلاش كلام اصلا ....



...لا ياسارة ، لازم تسمعينى ، فى حاجات مهمة لازم تعرفيها ...

....بلاش ياماما ، ارجوكى ، بعدين هسمعك زى ما انتى عايزة ....



...اسمعى ياسارة ، متنهدنيش. ..

...حاضر ...



...أهل ابوكى يابنتى ، خافى منهم ، قلبهم قاسى وممكن يأذوكى...



....هو أبويا له أهل اصلا ، هم فين دول ...



...أيوة يابنتى ، صعايدة ، فى بلد فى قنا ، طردونا وانتى صغيرة عشان سلوك ابوكى وفضايحه ، شرب وقمار ونسوان ...

...أبويا ومات خلاص ، مالهم ومالنا بقى ...



....من سنة جالى اتنين من اعمامك ، كانو عايزين يرجعونا البلد بحجة أن احنا ستات لوحدنا ، انا رفضت ويوميها هددتهم و


 طردتهم وقولتلهم أن مفيش حد هيمس ولادى طول ما انا عايشة ، خافى منهم يابنتى ، جدك ميعرفش ربنا ، والدم سهل


 عنده ، واعمامك ابوكى زييه ،، مكانش كويس فيهم غير عمك حمدى ، ابعدى عنهم يابنتى ...



...اهدى ياماما ارجوكى ، هعمل كل اللى انتى عايزاه بس كفاية كلام ، ضغطك بدأ يرفع ...




لكن يبدوا ان أمها كانت فى حالة من اللاوعي ، واستمرت فى الكلام بدون توقف ، 




....ابعدى عنهم ياسارة ، هيأذوكى زى ما أذونى ، عارفين مكانك ،،وعارفين اللى عندك انتى وابنك ، مش هيسيبوكى لحد ما ياخدوا اللى عندك زى ما عملوا معايا ، جدك قتل أبويا عشان


 ياخد ارضوا وفلوسه ، قتل أخوه ، وجوزونى غصب عنه ومضونى على أرضى غصب عنى ، بيعملوا كل حاجة وحشة يابنتى ، خدى بالك من نفسك ومن اخواتك ...



...كفاية ياماما ارجوكى ، يادكتور ، الحقنى ....


خرجت سارة بعدما دخل الطبيب والممرضة من خلفه ، وقفت


 خلف الزجاج مرة أخرى وشردت فيما قالت أمها لثوانى ثم انتبهت على صوت إنذار المونيتور و حالة من الإضطراب فى الغرفة ، فوجدتهم يحاولون افاقة والدتها بالصاعق ، 



رفعت عينها المملوؤة بالدموع للسماء تستنجد ربها ، ولكن فجأة سكن كل شئ وعم الهدوء فى المكان ، ووجدتهم يغطون


 وجهها ، كانت تشعر وكأنهم يغطون وجهها هى ، هى من ماتت ومازالت ستموت الف مرة ، هى من ضاعت ومازالت ستضيع ألف مرة ، 


حتى الدموع امتنعت عنها ، لا تريد النزول ، لا تريد مساعدتها فى تخفيف حزنها .


الآن تجلس فى عزاء أمها ، تأخذ أخواتها بين يديها وهم يبكون ويصرخوت ، ولكن هى جافاها البكاء والصراخ وهى فى أمس الحاجة له . 

العزاء مملوء بالنساء التى لا تعرفهم ، وبالأحرى لا تعرفهم كلهم ، فقد عاشت هى وامها وأخواتها بدون اتصال بجيران أو أصحاب ، بدون اى شبكة اجتماعية تذكر .

وقفت فى الشباك تنظر لعذاء الرجال المقام فى حديقة منزلها الوحيد ، وبنفس حال عذاء النساء ، لا أحد قريب منها ، كلهم زملاء عمل وأطباء وموظفين عندها ، 

رفعت عينيها لمن يسلمون على الناس ، كان طارق وهشام ووو ..... ، إنه هنا يأخذ عذاء والدتها ، إنه هنا ، كيف علم ؟ ولماذا أتى ؟ ،،،،لكن لا يهم ، المهم انه هنا .


لحظات ورأت ثلاث سيارات يقف أمام الباب ونزل منهم عدد الرجال لم تتعرف عليهم ،كان معظمهم يرتدى الجلباب الصعيدى ، انقبض قلبها بشدة وهى تراهم يقدمون العذاء ، وقفت تراقبهم طوال فترة مكوثهم وهى تعتقد أن هذه هى أول توابع وفاة والدتها .

بعدما انتهى العذاء بدأ العمال يحملون المفروشات من الحديقة ، دخلت عليها مها ووجدتها تقف مستندة على عارضة الشباك كما تركتها منذ أكثر من ساعة 

.....سارة ، انتى كويسة ، ....

أمائت سارة برأسها للأمام دون أن تتحدث 

...أنا اتصلت عندى فى البيت واطمنت على النور ، والبنات فوق ناموا ، اجبلك حاجة تشربيها....

أمائت مرة أخرى بالنفى 

....لأ هروح اجبلك عصير ، وعلى فكرة أحمد برة وعايز يطمن عليكى ... 

لم تلتفت له عندما ظهر من خلف ، انسحبت مها متعللة بإحضار العصير لسارة 

ظلت سارة على حالها ولم تنظر له فى حين انه اقترب منها ووقف على الطرف الآخر من الشباك مستندا عليه بظهره وقال


....أنا طبعا مش هسألك عاملة ايه ، لأنى متخيل انتى حالتك ايه ، انا مش عايز أمشى ، لكن برة مصممين على أساس انهم يسيبوكوا ترتاحوا ، بس مش هينفع اسيبك لانى متأكد أنى اكتر مخلوق فى الدنيا انتى محتاجاه دلوقتى ، 

...

لمح دمعة وحيدة سقطت على خدها عند سماع ما قال ، اقترب منها بهدوء ومد يده ومسحها 

......دموعك غالية ياسارة ، غالية اوى ، .... ثم أشار بيده للبيت المقابل لبيتها قائلا


.....شايفة البيت ده ، انا هكون هناك عشان أكون قريب لو احتاجتينى. ....


عند هذه اللحظة فقط التفتت إليه ، وكأنها لا تصدق ما تسمع 


...أيوة ، ماهو مش هينفع اسيبك لوحدك وانتى كدة ، ومليش صفة أفضل بيها معاكى ، بس محدش يعرف ....

ووضع يده فى جيب سترته وأخرج تيليفونه وعبث فى بعض الأزرار ، فسمعت تيليفونها يرن من خلفها. 

....وده رقمى عشان لو احتاجتى حاجة ، أى حاجة ياسارة ، مهما كانت كبيرة أو صغيرة ، سامعانى ، انا همشى معاهم دلوقتى ، وهرجع فى خلال ساعة ، مش هتأخر ...


مال عليها وقبل جبهتها وتركها وخرج بهدوء ، وهى متجمدة تماما مكانها ، هل هو مهتم فعلا إلى هذا الحد ، أغمضت عينيها ، ما أشد حاجتها للبكاء فى هذه اللحظة ، ما أكثر ما خانتها دموعها فى مواقف كثيرة وهى لا تريدها ، أما الآن ، لماذا تجافيها الدموع ، وكأنها تريد أن تضاعف من عذابها ونار قلبها ولوعتها على أمها ووحدتها التى ستتضاعف بعدها . 


بعد أكثر من ساعتين كان يقف خلف الستار فى المنزل المقابل ، يتابع ما تفعل ، فهو اختار هذا المنزل بالذات لأنه مواجه لغرفتها الخاصة ، كان لديه فرص اخرى لشراء أكثر من منزل على نفس المسافة من بيتها ولكن لن يكون بهذا القرب منها ، فدفع لصاحبه أضعاف ثمنه ليوافق على بيعه ، وهاهو الآن يراها ولو من بعيد ، فقد علم أنها اختارت الدور الثالث كله كمكان خاص لها وامتدت غرفتها فقط على أكثر من مساحة نصف الطابق ، ابتسم عندما تذكر هذا ، فيوما ما أخبرته أنها تريد غرفة كغرف الاميرات فى الأساطير ، 

أاااااااه ، ماذا بها يجعلها مميزة عن كل النساء اللاتى اقترب منهن ، فهى متوسطة الجمال ، هادئة الطبع ، هل هى قدرتها على تحمل المسئولية واهتمامها بمن حولها ، أم رقتها القاتلة وضعفها الشديد المستتر تحت هالة القوة التى ترسمها حولها بحرص شديد .


....خدى وقتك ياسارة زى ماانتى عايزة ، لكن النهاية ليا انا ،،، انا وبس ....


                    الفصل السابع عشر من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close