رواية حبيبتي الكاذبة الفصل الحادي والاربعون41 والثاني والاربعون42 بقلم فاطمة حمدي

 

رواية حبيبتي الكاذبة الفصل التاسع والثلاثون

 رواية حبيبتي الكاذبة

 الفصل الحادي والأربعون 

والثاني والاربعون

بقلم فاطمة حمدي

( صدمة العمر ) 


آمر الرائد سليم ، العسكري بأن يأتي بسهيلة ، لكنه تفاجئ أنه آتي بمفرده ، فسأله سليم بصرامة : أنا قولت إيه يا عسكري ؟؟ فين البنت !! 

فقال العسكري بتوتر : هي عند حاتم بيه في المكتب 

قطب سليم ما بين حاجباه وتابع بحدة : بتعمل ايه عند حاتم ؟؟ 

تلعثم العسكري وهو يُجيبه : مـ معرفش يا فندم هو قالي إطلع بره ! 

هب سليم واقفا وقال وهو يتجه صوب الباب بغضب : تاني حاتم والقذارة تاني !! ماشي يا حاتم .. 

أسرع سليم خطواته وهو يكور قبضة يده بعصبية تامة ، وصل إلي مكتب حاتم ليفتح ويدلف وتتسع عينيه بصدمة ، فكانت سهيلة مازالت تقاومه .. 

فهتف سليم بصوتٍ جهوري : حاتم ! 

إنقض عليه مرة واحدة ليجذبه ويدفعه بقوة ويتراجع حاتم للخلف وهو يلتقط أنفاسه.. 

فتنهدت الصعداء ونهضت تعدل من هيئتها ، بينما قال سليم بغضب جلي : أنت مش هتبطل ال ***** بتاعتك دي ؟؟ هو أنا عشان تغاضيت عن المرة الي فاتت هتكررها تاني يا حاتم !! 

قال حاتم بضجر : يا سليم آآ ... 

قاطعه سليم بقتامة : إسمي الرائد سليم !! وآقف إنتباه وإنت بتكلمني يا حضرت الظابط !!! 

تأفف حاتم ثم وقف إنتباه كما آمره ، ليقول سليم بجمود : أنت موقوف عن العمل لحين تحويلك للتحقيق ! 

أنهي جملته ثم نظر إلي سهيلة وقال بصرامة مخيفة : تعالي ! 

خرجت خلفه من المكتب وهي منكمشة علي نفسها وتشهق عاليًا بمرارة ، ثم فتح سليم باب مكتبه ليدلف وينتصب جالسًا علي مقعده ، ثم أشار لها بيده وهو يقول بجدية : إقعدي ! 

جلست وجسدها يرتعش وهي تضم نفسها بذراعيها ، بينما تمعن سليم النظر إليها ثم أردف مستفسرا : قوليلي بقي أنتي إيه حكايتك ؟!! 

أخذت تتنفس سريعًا وهي تمسح دموعها براحة يدها ، بينما أزاح هو علبة المناديل الورقية في إتجاهها لتنتش منديلًا وتجفف دموعها بإرهاق ، فتنهد سليم وراح يسألها مجددًا : جاوبي عليا ؟! 

إبتلعت ريقها بتوتر ، وقالت بخفوت : أنـ أنا معملتش حاجة ، هو الي إعتدي عليا ! 

مسح سليم علي وجهه بكف يده ثم قال بثبات : مش قصدي علي حاتم ، تقرير الطب الشرعي أثبت إنك لسه عذراء إزاي فهميني ؟؟ 

إنفجرت باكية مجددا وتعالت شهقاتها فتعجب سليم لحالتها تلك ، فقال بتساؤل جادي : أنا عاوز أفهم ؟؟؟؟ وعاوز إجابة مش عياط ، إخلصي عشان معنديش صبر ! 

آتاه صوتها خافت جدا : هـ هي الي عملت فيا كده ! 

سليم بنفاذ صبر : مش سامع أي حاجه ، علي صوتك وبصيلي وأنتي بتكلميني 

رفعت سهيلة وجهها إليه ، ثم عادت تقول من بين بكاؤها المرير: هي الي عملت فيا كده وشغلتني معاها وأنا حاولت أحافظ علي نفسي بس 

سليم بجمود وقد إرتفع أحد حاجبيه : هي مين دي ؟! 

أجابته بخزي وهي تطرق رأسها للأسفل : أمي ! 

.........................


توقفت سيارة أمير أمام البناية المتواجد فيها منزل سهير ، فترجل من السيارة وكذلك فعلت أروي ، فأسرعت خطواتها لتصعد الدرج ركضًا وإتبعهـا أمير .. 

وصلت إلي الشقة وطرقت الباب عدة طرقات سريعة ، لكن دون جدوى والصمت مخيما علي المكان ، إزدادت قلقًا وهي تقول ببكاء : محدش بيفتح ! .. والظاهر إن مفيش حد جوه .. 

تنهد أمير وقال بجدية : يمكن الجيران إشتكوا فعزلوا من هنا لمكان تاني ! 

حركت أروي رأسها بيأس وهي تتابع مرددة : مش عارفه .. مش عارفه بس كانت سهيلة هتقولي علي الأقل إنما ليه تلفونها مقفول !! 

مط أمير شفتيه وتابع مردفًا : مش عارف ، خبطي علي حد من الجيران وإسأليهم .. 

أروي بضيق : مفيش جيران هنا كتير غير شقة بس في الدور الأرضي .. 

قال بنبرة جادة : يبقي تسأليهم .. تعالي ...! 

هبطا الدرج حتي وصلا إلي الطابق الأرضي ، فراحت أروي تطرق الباب ، ليفتح بعد قليل رجل في عقده الخمسون وسأل بجدية : نعم ؟؟ 

فقالت أروي بإيجاز : لو سمحت متعرفش حاجة عن الشقة الي فوق والناس الي فيها راحت فين ! 

مط الرجل شفتيه بإستنكار ، ثم تابع بضجر : لا معرفش ويارب ما يرجعوا ده حاجة تقرف أعوذ بالله من دي أشكال .. أنهي جملته ليصفع الباب في وجههما لتتسع عينا أروي وكذلك أمير ، ثم أغلق عينيه بغضب وأعاد فتحهما قائلًا بتأفف : يلا نمشي .. 

خرج من البناية وإتبعته أروي ولقد إنسابت العبرات فوق وجنتيها بغزارة وهي تقول من بين شهقاتها : أنا عاوزة أختي سهيلة فين فيييين ! 

مسح أمير علي رأسه بحيره ثم قال بهدوء : ممكن يكون إتقبض عليهم علي فكرة ! 

لطمت أروي علي صدرها ، ثم هتفت بذعر : إيه !! يا حبيبتي يا سهيلة معقولة ، دي ممكن يجرالها حاجة !! 

أمير بتهكم : ولما تشتغل كده مجرلهاش حاجة ؟؟ حد قالها تعمل القرف الي بتعمله ده !! وجاية دلوقتي تزعلي عليها أنتي كمان ..

قالت أروي بغضب : أنت متعرفش حاجة ، متعرفش حاجة خالص ، سهيلة إتعذبت عشان تحميني ولا أنا ولا هي لينا ذنب في الارف ده ، كله من سهير أمنا هي الي عملت فينا كده ، سهيلة غلطت بس حافظت علي نفسها سهيلة متستاهلش كده متستاهلش أبدًااا !! 

عقد أمير ما بين حاجباه وتابع بتساؤل : حافظت علي نفسها إزاي ؟؟ 

فأجابته أروي وهي تجفف دموعها بأنامل يدها : يعني سهيلة لسه بنت زيها زي أي بنت بنوت لسه متجوزتش ! وإتعذبت عشان تبقي كده وعشاني .. 

إندهش أمير حين علم بذلك .. لكنه قال بجدية : إركبي .. 

ثم إستقل السيارة لتصعد بجواره قائلة بتوسل : أنا عاوزة أختي أرجوك ساعدني أنا مش عارفه ياتري هي فين دلوقتي ! 

أدار أمير محرك السيارة وقال بإيجاز : مفيش قدامنا حل غير إننا نروح نسأل في أقرب قسم للمنطقه دي يمكن إتقبض عليهم فعلا .. !! 


...........................


ذهل سليم حين قصت عليه سهيلة حياتها بالكامل ، وقالت له أن والدتها هي التي أجبرتهـا علي هذه الحياة الفاسدة ، تعجب سليم فأي أم فهذه الدنيا تفعل ذلك في فتياتها !! 

أنهت سهيلة حديثها وإنفجرت باكية مجددًا ، ثم قالت بتوسل : الله يخليك مترجعنيش الزنزانة دي تاني ، أرجوك مترجعنيش  .. 

أشفق سليم علي حالهـا ، فع علي مدار خبرته في مجال عمله أصبح يُفرق بين الصادق والكاذب ، ولقد لمس الصدق في حديثها الصريح معه ، فأردف بجدية : مش هرجعك الزنزانة ، بس إهدي ! 

أومأت له برأسها ، ثم قالت بخفوت : هو .. هو أنا كده هتسجن ؟ 

قال هادئًا : هو طبعا موقفك أنتي غير كل البنات الي جت معاكي بس عاوزينهم يشهدوا أن مكنش ليكي علاقة فعلا ، زائد إنك مكنتيش في وضع مُخل فتفائلي خير إن شاء الله ! 

تنهدت سهيلة بإرتياح قليلًا ، ثم قالت بتوتر : مـ ممكن حضرتك تخليني أكلم أختي ؟ .. 

صمت سليم لبرهه ثم تابع بجدية : ماشي ، بس مينفعش تقوللها إنك هنا ، لأن مينفعش تشوفك نهائي حاليا .. ! 

إبتلعت ريقها وقالت بحذر : بس هتسألني أنا فين ولازم أطمنها 

زمجر سليم قائلًا بحدة : دي التعليمات ياإما بلاش من المكالمة خالص !! 

أومأت سهيلة رأسها وقالت بخوف : حاضر .. 

أعطاها سليم الهاتف الخاص به ، وهو يقول بتنهيدة : إتفضلي .. 

أخذته منه بيد مرتعشه ، ثم ضغطت أزراره وهي تزدرد ريقها بتوتر ، ومن ثم وضعته علي آذنها منتظرة الرد من شقيقتها .. 


في السيارة تفاجئت أروي بهاتفها يصدر رنين ، فعقد أمير حاجباه وسألها : مين ؟ 

فقالت بخفوت : مش عارفه رقم غريب .. 

أجابت علي الإتصال وهي تضع الهاتف علي آذنها : ألو مين .. 

فقالت سهيلة بلهفة : أروي 

صاحت أروي بإشتياق : سهيلة .. سهيلة حبيبتي إنتي فين ؟؟؟ 

قالت سهيلة بصوتها الباكي : أنا كويسة يا حبيبتي متقلقيش عليا ، بس حبيت أطمنك عليا مدوريش عليا أنا هبقي أكلمك لما أعرف 

سألتها أروي بلهفه : يا سهيلة انتي فين وبتعيطي ليه بالله عليكي طمنيني وقوليلي أنتي فين أنا كنت هروح أسأل في القسم هو أنتي هناك ؟؟ 

سهيلة بنفي ؛ لا يا أروي متروحيش ، متخافيش عليا يا حبيبتي أنا كويسة مش هينفع أقولك أنا فين بس ، بس بقولك إطمني لما تتيح ليا الفرصة أكلمك هكلمك علي طول بس أنتي خلي بالك من نفسك ! 

أروي برجاء : قوليلي أنتي فين ، الله يخليكي يا سهيلة متسبنيش كده ، طب ليه مش عاوزة تقوليلي أنتي فين .. 

قالت سهيلة بإيجاز : معلش هقولك بعدين عشان خاطري متسألنيش دلوقتي بس أنا كويسة وهرجعلك قريب يا حبيبتي يلا سلام ! 

تفاجئت أروي أنها أغلقت الخط ، فزفرت بضيق وهي تقول بحيرة : ليه مش راضية تقولي مكانها ، ليه !! 

رد عليها أمير بإندهاش : يعني هي مش في القسم ؟! 

حركت أروي رأسها نافية وقالت بضيق : لأ ومش راضية تقولي مكانها ، بس قالتلي إنها كويسة ! 

أومأ أمير برأسه وقال بجدية : كويس إنك إطمنتي .. 

......................


في فيلا زياد .. 


قصت ماهيتاب علي شقيقها علاقتها بذاك الشاب ، كما أنها إعترفت بحبها له ، فقال زياد بعدم إقتناع : الي بتعمليه ده إسمه هبل وقلة أدب ، ده مش حب أبدا !! 

فصاحت ماهيتاب بتمرد : لأ حب ومش كل حاجه هتمانعوا فيها ، أنا حرة أنت ملكش كلمة عليا يا زياد ومش عشان مراتك قالتلك هتيجي تشوف نفسك عليا !!! 

أنهت كلامها لتتلقي صفعة قوية علي وجهها ، ليباغتها زياد بالثانية وهو يقول بغضب عارم : إخرسي .. إخرسي يا سافلة يا قليلة الأدب !! بتقوليلي أنا الكلام ده !!! 

جذب خصلات شعرها بعنف وهو يقول جازا علي أسنانه : ده أنا هدفنك هنا ، وربنا لأربيكي يا ماهيتاب ! 

حاولت دارين تهدئته وهي تقول بخوف : يا زياد مش كده حرام عليك 

إلا أنه دفعها بيده وهو يقول بحدة : إخرسي أنتي يا دارين ، ثم قال وعينيه تتوهج نارا : بتقولي ايه بقي يا ست ماهيتاب ، مين الي ملوش كلمة عليكي ، أقسم بالله لا في جامعة ولا نت ولا موبايل ولا خروج ولا دخول هسجنك هنا في الأوضة يا فاشلة 

كادت أن تصيح به مرة أخري ليسكتها بصفعة مدوية وهو يقول صائحا : مسمعش حسك ده خالص ، فاهمة ولا لأ ؟!!!! 

إنفجرت ماهيتاب باكية فدفعها زياد لتهبط علي الفراش ، ثم فصل الحاسوب عن الكهرباء ونزع منه الأسلاك وأخذ الهاتف أيضا ليخرج من الغرفة وهو يقول بلهجة آمرة : دارين أخرجي من الأوضة .. 

دارين بإعتراض : لأ هقعد معاها شوية يا زي.. 

قاطعها بحدة : أنا قولت إيه ؟؟؟ 

تنهدت دارين بنفاذ صبر وخرجت خلفه ، تاركة ماهيتاب علي حالتها البائسة تبكي بإنهيار ، فدلفا إلي غرفتهما لتقول دارين بحنق : والله العظيم أنا غلطانة إني قولتلك أصلا !! شوف عملت إيه ليه العنف ده حرام ع...

صاح زياد بغضب : هتخرسي ولا لأ يا دارين والله هقلب عليكي أنتي كمان !! 

صمتت دارين وجلست إلي جواره وراحت تربت علي ظهره برفق وهي تقول بهدوء : طيب ممكن تهدي ، أرجوك إهدي يا زياد حل الموضوع بالعقل مش بالعنف والضرب كده هي هتعند معاك 

زياد بعصبية : خليها تعند وأنا هكسر عضمها !! 

دارين بجدية : مينفعش كده ، لازم تفهم منها ليه عملت كده تواصل إنت مع الواد الي هي بتكلمه ده وخليها تسمع رده عليك يا زياد حل الموضوع متعقدوش أكتر متبقاش همجي ! 

أنهت جملتها لينظر لها بغضب وهو يقول : همجي ! طب نامي يا دارين لحسن وربنا ما هيحصلك كويس 

أومأت دارين برأسهـا وقالت بتفهم : هنام حاضر ، آسفة يا زياد مكنش قصدي ! 

زفر زياد أنفاسه بضيق وهو يُفكر في إيجاد حل ، فمنذ متي وماهيتاب بهذه الأخلاق والتطاول ، لقد صُدم حين تلقي منها هذا الكلام !! 

.....................


في مركز الشرطة .. 


جلست سهيلة علي الأريكة منكمشة علي نفسها والإعياء واضحا عليها ، لم يعرف سليم لما شعر بالإشفاق عليها وقد رق قلبه لها ، فأنها قصت عليه معاناتها طوال سنوات متتالية ، يعلم أنها أخطأت تماما في حق ذاتها حين صمتت عن كل هذا الهراء حين وافقت علي فعل الكبائر من أجل والدتها التي ما كان منها إلا أن حطمتها تحطيما !! 

نهض عن كرسيه وإتجه إليها قائلًا بتساؤل : أنتي كويسة ؟؟ 

أومأت له برأسها في صمت ، بينما تعمق هو النظر في وجهها فكان ملئ بالكدمات أثر صفعات حاتم لها ، تنهد بضيق وراح يسألها بثبات : جعانة ؟؟ 

تفاجئت من سؤاله ذاك ، فصمتت وحملقت به ، فكرر هو بصلابة : ردي ؟؟! 

أومأت له وقد أطرقت رأسها بخجل ، فقال هو بجمود : أنا خارج وراجع في إزازة مية هناك إغسلي وشك علي ما أجي .. 

أنهي جملته وخرج مُغلقا الباب خلفه ، فتنهدت سهيلة بحزن وهي تتحس وجهها بيديها ثم قالت بخفوت : يارب ساعدني ! 


بعد مرور نصف ساعة .. 


عاد سليم ومعه الطعام ثم وضعه أمامها علي الأريكة وقال عابسا : كُلي ! 

إبتلعت ريقها بتوتر بالغ وفتحت الحقيبة البلاستيكية بيدين مرتجفتين ، فجلس هو علي كرسيه وهو يُتابعها بعينيه ثم قال بهدوء : تعرفي إني عمري ما عملت كده مع أي مسجون أو مسجونة ولو مأمور القسم شافني ممكن أتوقف عن العمل ! 

حملقت سهيلة به دون أن تتفوه بكلمة واحدة ، فتابع هو رافعا أحد حاجبيه : في العادة محدش بيصعب عليا نهائي لان كلهم زبالة ، بس أنا مصدقك وأنا نظرتي متخيبش !! 

ظلت سهيلة صامته وهي تستمع إليه ،فقال بإيجاز : كُلي بسرعة عشان عاوز أستدعي الي إسمها سهير دي وأفهم إيه حكايتها هي كمان ! 

شرعت سهيلة في الطعام فكانت جائعة جدا ، ومن حين لآخر كانت تختلس له النظرات فتراه محدقا بها فتتوقف عن الطعام ليأمرها بصرامة أن تستكمل ، إلي أن إنتهت وقالت بخفوت وتوتر : آآ الحمدلله .. شـ شكرا .. ! 

هتف سليم بصوتٍ قوي : يا عسكري .. 

آتي العسكري مؤديا التحية العسكرية : تمام يا فندم 

قال سليم بجدية : هاتلي الي إسمها سهير من الحجز .. 

أومأ العسكري بطاعة وخرج ليعود بعد قليل جاذبا سهير معه .. 

إشمئزت سهيلة مُجرد أن رأتها فأصبحت تبغضها بشدة وإزدادت كرها فيها فوق كُرهها ! 

أشار سليم لها وهو يقول بحدة : إقعدي ! 

جلست سهير أمامه وهي تبتسم لسهيلة ببرود مستفز ، فسأل سليم بجدية : إسمك وسنك ! 

أجابته بميوعة : سهير عبد الخالق ٥٥ سنة .. 

قال سليم بغضب : وأنتي بقي شغلتك الدعارة يا ***** !! 

قالت بشراسة : لأ مش شغلتي أنا كنت عاملة حافلة وعزمت فيها كل معارفي 

قهقه سليم وقال ساخرًا: ده علي أساس إنك كده هتنفي التهمة عن نفسك ! ده أنتوا إتمسكتوا متلبسين وفي أوضاع مُخلة ! التهمة لبساكي .. لبساكي ... الي عايز أعرفه منك دلوقتي ، إزاي في أم في الدنيا تشغل بنتها معاها وتعرضها للقرف ده !! 

صمتت سهير طويلًا ، ظلت تطلع إلي سهيلة بنظرات غريبة ، حتي قالت بعد موجة من الصمت بهدوء مُريب : دي مش بنتي ، لا هي ولا أختها !! 

إتسعت عيني سهيلة علي وسعهما بصدمة جلية ، ثم هزت رأسها بعدم تصديق ، بينما ذُهل سليم وهو يقول بإستفسار : مش ولادك إزاي ؟ 

قالت سهير بشراسة : واحدة جابتلهمي وهما صغيرين خالص كان عمرها تلات سنين وأختها كان عندها سنة !! يبقي ده جزاتي إني ربتهم !! 

شعرت سهيلة في هذه اللحظة أن العالم يدور بها لقد طغي الذهول علي ملامح وجهها يتبعه شراسة نبعت من عينيها ولم تشعر بنفسها إلي وهي تندفع نحوها بحركة مفاجئة لتخدشها في وجهها وكأنها تحولت إلي نمرة شرسة لقد عذبتها .. عذبتها عذاب دام لسنوات منذ أن نشأت حتي الآن وهي تعاني بسبب تلك المرآة التي أوهمتهما أنها أمهما !! .. وبالأخير لم تكن لها صلة قرابة بهما نهائيا .. !! 

أسرع سليم ليجذب سهيلة لكنها صاحت بها بغضب عارم : يعني كل السنين دي كنتي بتضحكي علينا ومعرفانا إنك أمنا ، اه يا حقيرة ده أنا هقتلك هقتلك !! 

سعلت سهير بشدة فلقد أطبقت سهيلة علي عنقها بحجم آلام السنين الماضية ، فجاهد سليم أن يبعدها حتي أبعدها عنها بصعوبة بالغة ، فوقفت سهيلة تلتقط أنفاسها وهي تهز رأسها بهستيرية !! ظلت تردد بعصبية: حقيرة .. حقيرة 

إبتدي صوتها يختفي رويدا رويدا إلي آن سقطت مغشيا عليها ... فتلك صدمة عمرها !! 




الفصل الثاني والأربعون 


 (الحقائق تتكشف ) 


أسرع سليم مُنحنيا بجزعه ليحمل سهيلة بين ذراعيه وهو يهتف عاليًا علي العسكري ، بينما آتي العسكري ليأمره سليم بأخذ سهير كما كانت علي الزنزانة .. 

أخذ سليم يضرب برفقٍ علي وجنتي سهيلة حتي أخذ زجاجة المياه ليفتحها ويقوم برش بضعة قطرات فوق وجهها ، فبعد عدة دقائق من محاولاته في إفاقتها إبتدت تفتح عينيها ببطئٍ حتي إتضحت الرؤية أمامها حملقت به لثوانِ ولا تزال في حالة ذهولٍ تــام ! 

آتاها صوته الأجش هامسًا : أنتي كويسة ؟ 

إنفجرت باكية بمرارة وتعالت شهقاتها التي كادت أن تشُق صدرها من شدة آلامها ! 

تعجب سليم ولقد شعر بشكٍ في أمرٍ ما راوده الآن ، عقد حاجباه ولقد إنتابته هو الآخر حالة من الذهول ... أخذ يرجع بذاكرته لسنوات عديدة والصدمة حلت علي ملامح وجهه فهل سهيلة وأروي هما ...... عند هذه اللحظة توقف عقله ليسألها بإستغراب تام : قولتيلي أختك إسمها إيه .. ؟؟ 

لم تجيبه بل ظلت تشهق ببكاء ، فأمسك ذراعيها وهو يجبرها علي الجلوس ليقول مُكررا بجدية : أختك إسمها إيه .. ؟!!!!!! 

أجابته من بين شهقاتها : أروي .. 

سهيلة وأروي !! لا .. أيعقل ..! 

تركها ليخرج من المكتب ذاهبا بأقصى سرعة إلي الزنزانة لتجيبه سهير علي أسألته حتي يقطع الشك باليقين !! 

فُتح باب الزنزانة ليدلف مصوبًا نظره عليها حتي وقف أمامها ، فوقفت هي بثبات .. 

قال سليم وعيناه لم يطرف لهما جفنا : سهيلة وأروي ولاد مين ؟؟؟؟ 

صمتت لعدة لحظات فهدر بها صائحا : إنطقي !!! 

حان الآن وقت الإعتراف فلا يوجد مجال للخفي أكثر من ذلك فإنها أدركت أنها النهاية لا محالة ، وبالأخير أردفت بنفس الثبات : ولاد دكتور مشهور في القاهرة إسمه مصطفي كارم ! 

إتسعت عينيه وهو يزدرد ريقه ، لقد تيقن الآن أنهما بنات عمه اللتين أختفتا منذ الصغر وعان الجميع من حينها وبالأخير فقدوا الأمل في إيجادهما فـ خيم الحزن عليهم حتي الآن .. 

ساد صمت قاتلا في المكان لم يصدق سليم أنهما علي قيد الحياة وبعد تلك الأعوام المتتالية تظهرا الأختان !! فهل هذا حلم أم حقيقة ؟!!!! 

لم يدري سليم بحاله إلي وهو يصفعها بقوة آلام السنين الماضية !! ثم هدر بها بإنفعال : كل السنين دي وهما عندك !!! إزاي ... إزاي قدرتي تخفيهم المدة دي كلها إزاي ... إزاي .. سينفجر عقله من الصدمة فكان أخر توقعاته أن يرى الفتاتان مجددًا بعد هذا العمر ولكن الآن عليه أن يعرف كيف أخفتهما وكيف تجرأت ، فراح يسألها مجددًا بشراسة : إنتي الي خليتي الخدامة تخطفهم من البيت وتهرب ؟!!!!!!! 

أومأت رأسها وأجابته ببرود قاتل : أيوة أيوة أنا بس أنا ربتهم .. ربتهم ودخلتهم مدارس كمان ! 

قبض علي ذراعيها بعنف شديد هاتفًا بعنف أشد : دخلتيهم مدارس إزاي والإسم ، إسم سهيلة في التقرير ملهوش علاقة بمصطفي كارم !!!!! 

ردت بنفس البرود : زورت شهادات ميلاد وغيرت الإسم عشان محدش يعرفهم ، وسمتهم علي أي إسم 

صاح صافعا إياها مجددا وهو يسبها بعنف ، ليجذبها من خصلات شعرها ويدفعها في إتجاه العسكري قائلًا بلهجة آمرة : حطهالي لوحدها في أي داهية ومتغبش عن عينك لحظة فاهم !!! 

أومأ العسكري ولقد نفذ آمره ، ليخرج سليم وهو يلهث ويمسح حبات العرق التي نبعت فوق جبهته بغزارة اثر إنفعاله الشديد ... إتجه إلي مكتبه ثم دخل وراح يحملق بها ، أهذه إبنة عمه سهيلة ... سهيلة مصطفي كارم !! 

إقترب منها ولقد شرد بذهنه عندما كانت صغيرة تبلغ من عمرها ثلاثة أعوام فقط ، وكان هو يبلغ عمره ثلاثة عشر عاما .. يتذكرها عندما كان يمرح معها ويحملها رغم كونه طفل  ... نفس العينان العسليتان .. ولون بشرتها ناصعة البياض ! 

ظل يتطلع إليها بصمت ولا تزال علامات الذهول طاغية علي وجهه !! 

حتي مسحت سهيلة دموعها بإستغراب وهي تطالعه بتوتر ، فإبتسم هو وقال في ذهول: زعلانة عشان طلعت مش أمك !؟ 

حركت رأسها لتردف بعصبية : زعلانة إنها دمرتني ... زعلانة علي العذاب الي شفته !! و.... 

- سهيلة ... قالها وكأنه يستشعر كل حرفا ، ثم كرر بعدم تصديق: سهيلة وأروي !! ... معقول أنتوا عايشين بعد عشرين سنة أنتوا عايشين ؟! 

عقدت سهيلة ما بين حاجباها في إستغراب .. فقال سليم بهدوء : سهير خطفتكم من أهلكم من عشرين سنة ! .. أنتي إسمك سهيلة مصطفي كارم ! ... ثم صمت ليستكمل : وأنا إسمي سليم محمد كارم !! ... 

حدقت به ولم تفهم ماذا يقصد أو بالأحرى لم تستوعب ، ما الذي يتفوه به ذاك ؟!؟؟؟ 

إستأنف هو بتوضيح : زمان لما كنت صغير كنا عايشين كلنا في بيت كبير أنا وأبويا وأمي وعمي ومرات عمي وبنات عمي سهيلة وأروي .. كانت مرات عمي بتشتغل وبتسيب سهيلة وأروي مع الدادة ، وفجأة في يوم رجعت ملقتش الدادة ولا سهيلة وأروي ، فضلت تدور وإحنا كمان ندور ملكمش أثر ، الكل إتصدم مخلناش قسم بوليس إلا ودورنا فيه ، ولا أي مكان قلبنا القاهرة حتة حتة وبرضو مفيش فايدة حتي عمي نزل إعلان في الجرنال إن الي هيلاقيكم ليه مكافأة كبيرة ولكن لا حياة لمن تنادي ! وعدت شهور وسنين فقدنا الأمل وبعد عشر سنين من غياب سهيلة وأروي ماتت أمهم بحسرتها عليهم والاب عاش حزين العمر كله ، علي فراق بناته ومراته ! وأنا حزنت وأبويا وأمي والبيت بقي كأنه مهجور وفقدنا الأمل في إننا نلاقيكم تاني ! 

لم يظهر أي تعبير علي وجه سهيلة ، فلم تستوعب من الأساس ما قاله !! هل لهما أهل .. أب و أم !! وعاشتا محرومتانِ طوال عمرهما !! 

كرر سليم بتفهم لحالتها : طبعا مش قادرة تستوعبي أنا زيك وأكتر .. بس دي الحقيقة أنتي بنت عمي .. بنت مصطفي كارم أكبر دكتور في القاهرة ..

.......................


في فيلا الأمير .. 


ما أن وصلا حتي تجاهلها أمير كعادته الأخيرة معها ، مما سبب لها يأس وفقدان أمل في أنه سيسامحها يومًا ما ، صعدت إلي غرفتها وإرتمت باكية علي الفراش ، فدلفت خلفها نجـاة وهي تسألها بقلق : مالك يا حبيبتي ، إطمنتي علي أختك ولا لاء ؟! 

قالت أروي من بين شهقاتها : مش عارفة هـ هي فين ، قالتلي أنا كويسة بس مرضيتش تقولي مكانها ! 

فردت نجاة بإستغراب : طب وليه معرفتكيش مكانها ، غريبة أوي ! 

ظلت أروي تبكي مرارًا حتي قالت نجاة بمواساة : معلش يا حبيبتي أكيد هترجع تتصل بيكي تاني وتعرفك مكانها ، بس إنتي إهدي ! 

إعتدلت أروي وراحت تمسح العبرات عن وجنتيها ثم قالت بمرارة : هي ليه الدنيا بتعمل فينا كده ، أنا تعبت 

تنهدت نجاة قائلة : ربنا كبير وبكرة الحياة تبقي حلوة بس إحنا نقول يارب وبلاش يأس 

أسندت أروي رأسها علي ظهر الفراش لتقول بيأس : لا أنا عارفة فين أختي ولا أمير هيسامحني .. وأنا خلاص مش قادرة أتحمل نظراته القاسية ليا مش قادرة أتحمل إني إقعد معاه في مكان واحد وهو مش طايقني أنا تعبت .. تعبت .. 

أخذتها نجـاة في أحضانها وربتت علي ظهرها برفق فإستكملت أروي ببكاء : والله أنا كمان إنجرحت زيه .. إتجرحت لأني جرحته ، أنا مخترتش حياتي ... حياتي هي الي إتفرضت عليا ، ويوم ما قابلته خوفت ومن خوفي كذبت .. كذبت كتير أوي 

ظلت نجاة تربت علي ظهرها بحنان ولقد تأثرت بكلامها ذاك ، فقالت بخفوت : هيسامحك .. هيسامحك يابنتي قولي يارب.... 

......................


ظلت سهيلة صامتة من أثر الصدمة ، فقال سليم بهدوء : إتكلمي قولي أي حاجه ! 

آتاه صوتها خافت جدا بذهول تام : يـ يعني أحنا لينا أب و... وعايش علي وش الدنيا !! 

أومأ سليم برأسه قائلًا بتأكيد : أيوة عايش في القاهرة بس والدتكم هي الي ماتت من عشر سنين ... 

قالت سهيلة والدموع تنهمر من عينيها : أمنا !! أنا مش قادرة أصدق إني ليا أم غير سهير وكمان ليا أب .. أنا حاسه إني بحلم 

إبتسم سليم وقال هادئا : هي حاجة ميصدقهاش العقل إنما دي الحقيقة وبعد إعتراف سهير أكدتلي الي كنت شاكك فيه .. أنا مصدوم زي زيك بس في نفس الوقت فرحان إنكم هترجعوا لعمي تاني .. عمي تعب كتير في حياته .. سبحان الله ! ودلوقتي ربنا هيعوض صبره خير .. 

-بابا .. قالتها سهيلة بخفوت لتستشعر معناها .. هل لي أب !! 

قال سليم وهو ينهض : أنا مش هبلغه دلوقتي إلا لما أخرجك من هنا ، وبعدين هاخدك عشان تشوفي أمي أنا ...هو طبعا إحنا كلنا ساكنين في القاهرة بس أنا ٱتنقلت مؤخرا من شغلي علي إسكندرية هنا وماما بتصمم تيجي تقعد معايا وبعدين تسافر القاهرة وهكذا ! .. 

أومأت سهيلة برأسها محاولة إستيعاب ما يقوله ، فأردف هو بإبتسامة : شوية وراجعلك ! 

ثم خرج تاركا إياها تحملق في الفراغ وهي تتمتم بخفوت : يعني سهير كانت خطفانه وإحنا لينا أب وأم !! 

............................


في شركة سامي . 


-خلاص نزلتله الإعتذار ! 

أردفت هدي السكرتيرة بتلك الكلمات .. 

ليومئ سامي رأسه بعصبية ، وهو يهتف بحنق : أيوة إتزفت أما نشوف أخرتها إيه ! 

قالت هدي ببرود : وإفرض مرضيش يديلك الصور بعد كده ؟! 

صاح سامي بإنفعال : ده أنا أجيب خبره و ... 

قاطعه رنين هاتفه ليلتقطه ويجيب بحدة : خير ؟! 

فآتاه صوت أمجد وهو يقول بجدية : إزيك يا سامي ! 

سامي بهدوء : الحمدلله إيه أخبار الصفقه .. ؟ 

أجابه أمجد بتنهيدة : والله محتاج تمويل يا سامي الفلوس الي إدتهاني مش كفاية ! 

فرد عليه بعصبية : أنا حطيت فلوسي كلها في الصفقة دي ! 

أمجد ببرود : وأنا بقولك محتاج تمويل تاني ، إعمل أي حاجه ، خد قرض بضمان شركتك ! 

صمت سامي قليلًا ثم تابع بضجر : ماشي ، هاخد القرض بس لو حصل وخسرت الصفقه دي عليا وعلي أعدائي ما هرحم حد يا أمجد !! 

أمجد بجدية : أعتبر ده تهديد ؟! 

صاح سامي : إعتبره زي ما تعتبره أنا مش بسيب حقي ، سلام .. 

أغلق الخط وهو يزفر بضيق ، فقالت هدي بثبات : أنا عاوزة أقولك علي حاجة مهمة يا سامي ! 

نظر لها متساءلا بعينيه ، فصمتت هي لبرهه قبل أن تردف بحدة : أنا حامــل ! 

إتسعت عينيه وهب واقفًا قائلًا بصرامة : نعم ياختي ؟!!! حامل من مين أنتي كمان !!! 

صاحت هدي : منك أنت طبعا أنت إتجننت ولا إيه ؟!!! 

لوي سامي فمه بتهكم ثم تابع بغضب عارم :: روحي إرمي بلاكي علي حد غيري يا حبيبتي !! شوفي الزبالة الي تعرفيهم غيري 

صرت هدي علي أسنانهـا وراحت تنهره بشدة : محدش لمسني غيرك وأنت عارف كده كويس يا سامي والي في بطني ده منك أنت فاهم منك أنت !!! 

جلس سامي علي مقعده مرة ثانية ولقد اشعل أحد سجائره ثم أخذ نفسا عميقا ليزفره بشراسة ، ثم قال بهدوء مخيف : أنا ملمستكيش وإثبتي إني لمستك وإن الي في بطنك مني !! 

لتقول هدي وقد ترقرقت العبرات في عينيها : يعني إيه الكلام ده ، هتتخلي عني ؟؟! 

نفث دخان السيجارة من فمه ببرود قاتل ، ثم قال بلا مبالاه : حطي عقلك في راسك يا روحي هتنزلي الجنين هنفضل مع بعض زي العسل ، هتنشفي دماغك وتقوليلي إبنك والكلام الفارغ ده ولا أعرفك ومش بعيد كمان أتاويكي ولا حد يعرف عنك أي شئ !! وأنتي عارفاني لما بقلب ! 

عقدت هدي حاجباها وهتفت بآسي : ياااه للدرجة دي إنت عديم الإنسانية يا سامي !! 

إبتسم ساخرًا وهو يحك صدغه بإبهامه غير مباليا بما تقوله !! 

لتقول هي بشراسة أنثي : ماشي يا سامي وربي لأوريك !! أنهت كلامها وإتجهت خارج المكتب ركضا وهي في أشد حالات الإنهيار ، ليضحك سامي عاليًا وهو ينفث دخان سيجارته كأنه يتسلي ليس أكثر !!....... 

...............


في اليوم التالي .. 


في شركة الأمير .. 


جلس زياد قبالته بعد أن آتي لزيارته ، بينما كان أمير يقرأ الجريدة وهو يبتسم بإنتصار وهو يري الإعتذار الذي أنزله سامي له رغما عنه ، ولم ينتبه لزياد الذي كان يشرد بذهنه وكأنه في عالم آخر .. 

فهتف بإستغراب : مالك يا زياد .. ؟ 

إنتبه زياد له وقال بشرود : ها .. 

قطب أمير ما بين حاجباه وتابع : ها إيه ! بقولك مالك .. ؟ 

قال زياد وهو يفرك مقدمة رأسه بحيرة : ماهيتاب يا أمير ، مش عارف أعمل معاها إيه دي بقت واحدة تانية بترد عليا وعاملة راسها براسي ! 

سأل أمير بجدية : وإيه الي وصلها لكدة .. ؟ 

قص زياد عليه ما حدث بالتفاصيل ، فقال أمير متنهدا : ٱنسي الي فات وإبدأ معاها صفحة جديدة إملي وقت فراغها عشان متلجأش للحاجات دي تاني ! 

أردف زياد بحيرة : يعني أعمل إيه يا أمير اسيب شغلي وإقعد أرغي معاها ، ماهي معاها دارين وكمان كل شئ متوفرلها يعني مش ناقصها حاجة نهائيا .. ! 

قال أمير بإيجاز : طيب أنا محتاج سكرتيرة ، إيه رأيك تنزل تشتغل ومنها تنسي أي حاجه في دماغها وبرضو هتكون تحت عيني ! 

زياد بحماس : فكرة حلوة ، خلاص لما أروح هقولها وربنا يسهل .. 

أومأ أمير برأسه وقال بجدية : تمام ! 

نهض زياد قائلا بإيجاز : أنا ماشي بقي عشان عندي إجتماع مهم .. يلا سلام 

ليخرج من المكتب وبعد قليل يدلف طارق قائلًا بهدوء : في واحدة بره عاوزة تقابل حضرتك .. 

أمير بتساؤل : مين دي ؟ 

طارق بجدية : هدي سكرتيرة سامي ! 

رفع أمير حاجبيه بدهشة : سكرتيرة سامي ياتري عاوزة إيه دي ! .. خليها تدخل .. 

خرج طارق سامحا لها بالدخول ، فدخلت بخطوات مترددة حتي وقفت قبالة مكتبه ، فقال أمير متسائلا بحدة: خير ؟؟ 

هدي بتردد : في حاجات كتير لازم تعرفها ! عـ عن أروي مراتك ! 

أشار لها بأن تجلس علي المقعد المقابل ، وبلهجة جادة قال : سامعك ؟! 

قالت هي بثبات بعد أن أطلقت تنهيدة حارة : 

- أنا عارفة إن حياتك باظت أنا كنت متابعة في صمت ، عارفة إنك إكتشفت إن أروي مراتك خدعتك لكن مش دي الحقيقة ، الحقيقة إني كنت سبب من الدمار الي حصل لأروي يوم لما سمعت كلام سامي ! ... صمتت لبرهه ثم تابعت بتوضيح : 

- في يوم من الأيام أروي جات تشتغل عندنا في الشركة ، زيها زي أي موظفة وفجأة سامي إتفق معايا أخلع الخاتم الدهب بتاعي وأشغِلها وأحطه في شنطتها ساعتها سمعت كلامه وفعلا حطيته وبعد كده بلغنا البوليس وأروي دخلت القسم متهمة في سرقة الخاتم ، ولما سألت سامي ليه عملت كده ، قالي إنه حاول يلمسها لما كان بيروح عندهم في الشقة لكن هي ضربته بالقلم وهو حب ينتقم منها ! 

صر أمير علي أسنانه بشدة غاضبا وهو يستمع إلي حديثها ، فاستكملت هدي وقد إنسابت دموعها ندما : ساعتها مكنش عندي أي إحساس بيها ، وسمعت كلامه وطاوعته ، بعدين هو قالي أنه ساومها عشان يطلعها من السجن يإما تشتغل عندك وتسرق الملف يإما هيخليها في السجن وينهي حياتها ، وعشان يضمن حقه كتب عليها الشيك الي ادهولك ده وصور اختها كمان عشان تسكت وكان ديما يقولي إن محدش لمسها أبدا وإنها حبتك لما إشتغلت عندك بس هو كان عاوز ينتقم منك ومنها بأي طريقة ! 

صاح بها أمير ما أن أنهت كلامها وقد هب واقفا بغضب عارم : وجاية بعد كل ده تقوليلي الحقيقة ، جاية بعد الدمار الي حصلنا من تحت راسكم دلوقتي تقوليلي ، أنتوا ايه .. اييييه شيطاين !!! 

قالت هي بدموع نادمة : هو كان عامي عنيا بفلوسه بس هو كمان غدر بيا وضحك عليا وأنا لازم أنتقم منه... أنا آذيت أروي وربنا إنتقم مني! 

صاح بها مجددًا بإنفعال: إطلعي برة براااااا براااا 

خرجت من مكتبه ولقد إزداد بكاؤها ، ليرتمي أمير علي المقعد ضائعًا فأغلق عينيه بشدة ثم نهض عن مقعده تاركا الشركة بأكملها .. ! 

.....................


دلف سليم إلي مكتبه وبيده حقيبه بلاستيكية بها ملابس ، فمد يده في إتجاه سهيلة وهو يقول بنبرة جادة : دي هدوم إشترتها إن شاء الله تطلع مقاسك إلبسيها عشان هنخرج النهاردة .. 

فقالت سهيلة بإرتياح : يعني خلاص مفيش سجن وهمشي 

إبتسم وقال رافعا أحد حاجبيه بثقه : تبقي بنت عم الرائد سليم كارم وتتسجني دي حتي تبقي عيبة في حقي ! 

إبتسمت سهيلة بخجل ، ثم قالت بخفوت : طيب والمحضر ؟ 

أجابها بإيجاز : أنا شيلت إسمك من المحضر وكأنك مكنتيش معاهم أصلا كأن شيئا لم يكن !! 

تنهدت سهيلة بإرتياح شديد وهي تتفقد الحقيبه والملابس التي بداخلها .. فأردف سليم وهو يتجه صوب الباب : أنا مستنيكي برة يا بنت عمي ! 

خرج مغلقا الباب خلفه ، لتبتسم سهيلة غير مصدقة إلي الآن الذي يحدث من حولها .. إبن عمي ... وأبي  !! 

أردفت بخفوت : أنا حاسة إني هتجنن خلاص ، معقولة !!! 

................


عاد أميـر إلي الفيلا وهو في صراع مع قلبه وعقله ... دلف باحثا عنها بعينيه في الردهة لكنها لم تكن متواجدة ، فصعد درجات السلم داخلا إلي الغرفة التي إستقرت بها في الأيام الأخيرة أيضا لم يجدها .. دلف إلي غرفته لعله يجدها ولكن دون جدوى ... خرج ليتوجه إلي غرفة عمته ليدلف بعد أن طرق الباب وقال بثبات : فين أروي ؟ 

كانت الصدمة له حين أخبرته بهدوء حزين : أروي مشت يا أمير .. مشيت وسابت البيت بعد ما يأست وفقدت الأمل في إنك تسامحها ! 

إبتلع ريقه بمرارة وإحساس الضياع سيطر عليه ، ليقول بخفوت : مشيت ! .. إزاي تسمحلها تمشي !!! ٱزاي !! 

ردت عليه بثبات : حاولت أمنعها معرفتش ، قالتلي بلغيه إني بحبه وهفضل أحبه بس مقدرش أتحمل قسوته اكتر من كده .. بصراحة البنت تعبت .. كل يوم وهي بتطلب عفوك ومسامحتك وأنت قسيت أوي عليها يابني كان من حقها تعمل كده بعد ما شككت إن الي في بطنها مش إبنك كمان .. 

ظل صامتا وصدره يعلو ويهبط بألم ، والحزن خيم علي ملامح وجهه ، لم يريد يوما الفراق حتي وإن كان غاضبا لا يسامح لكن النظرة لها كانت تهون الكثير وها قد رحلت .. رحلت حبيبته التي أسماها هو في مخيلته حبيبتي الكاذبة .. فرغم كذبها مازالت تمتلك قلبه وتتربع علي عرشه ! 

بعد موجة من الصمت ، فتحت نجاة أحد الأدراج وأخرجت منها ورقة مطوية ثم مدت يدها له وقالت بجدية : أروي سابتلك الرسالة دي وبتتمني إنك تقراها ... ثم تركته وخرجت ، ليجلس هو علي طرف الفراش ويفتح الورقه بتلهف ، ثم أخذت عينيه تنظر إلي كلامها التي خطت أناملها كتابته ، إزدرد ريقه وهو يتلقي أول جملة كتبتها 

"أميري .. حبيبي" 

أقسملك إني عمري ما حبيت غيرك ، عمر قلبي ما كان لغيرك أول همسة ولمسه كانت منك إنت ، إنت الي طلعتني فوق لسابع سما وحسستني إني عايشة وإني إنسانة لي كيان ومشاعر وأحاسيس ، كان نفسي لو الظروف تبقي أحسن من كده وأقابلك في وقت وزمان غير .. بتمني لو كان عندي أهل تشرف وأنت تيجي وتطلبني زي .. زي أي بنت في سني ، لكن .. لكن للأسف إتولدت في بيئة فاسدة فضلت أعاني وأعاني لحد ما لقيتك وكنت إنت طوق النجاة الي ربنا بعتهولي كنت الأمان والسند .. فتتخيل إني كان ممكن أسيب طوق النجاة ده وأغرق من جديد ؟ أو أعرفك حقيقتي فتسيب إيدي وأقع علي جذور رقبتي ؟، أنا أقسمت ساعتها إني مش هتخلي عنك ، أقسمت إني همسك فيك بإيدي وسناني كنت عارفة إني بخدعك بس خوفت وكذبت .. والنتيجة هي إني إدمرت ودمرتك معايا ، سامحني ما أنا مكانش معايا حد يوجهني للصح والغلط فإتصرفت بعقلي المسكين ، لحد ما وجعتك وإتوجعت عليك .. بس إنت متعرفش أنا شوفت إيه في حياتي أنا وأختي .. متعرفش إني كنت بشوف أمي في أحضان الرجالة وكل ليلة راجل مختلف عن الراجل الي قبله .. كنت بسمع كلام صعب علي أي طفلة إنها تسمعه وأشوف قذارة محدش يقدر يستحمل يعيش فيها ، ولما كبرت بقيت أشتغل واتمرمط عشان أكل بالحلال وماكلش من الأكل بتاع سهير وياما قولت لسهيلة تعالي نهرب بس هي كانت خايفة نروح منرجعش ونتاوا ولا حد يعرف عننا حاجة وفعلا كان معاها حق ما احنا ملناش ضهر ولا سند بس حاولنا بكل جهدنا نحافظ علي نفسنا وممشناش ورا التيار وخلاص ، وعلي فكرة يوم ما قولتلك مليش أهل ما كنتش بكذب عليك لأن فعلا عمر ما حسيت أن سهير أمي ياما ضربتني ببشاعة عشان تخليني أشتغل معاها بالعافية بس كان ربنا مديني إرادة جامدة وعمري ما سمعت كلامها .. أقسملك إني شريفة ما حد لمسني .. أنا بحبك ومش زعلانة منك أنا زعلانة عليك وإخترت أمشي يمكن ترتاح وأنا كمان لأن نظراتك بتقتلني كل في اليوم ميت مرة سامحني .. أنا غلطت بس كان غصب عني ودلوقتي أنا هحترم قرارك أيا كان ، لو سامحتني هكون أسعد إنسانة في الدنيا ولو كان قرارك الإنفصال فأنا هخرج من حياتك للابد .. أنا سبتلك الشبكة الالماظ عشان أنا مش عاوزة لا فلوس ولا ألماظ بس معلش أخدت الدبلة بس عشان هعيش علي ذكراك وكل ما توحشني أحضن دبلتك الي لبستهالي بإيدك أيام ما كنت بتحبني " 


لأول مرة يشعر أن العبرات ستنهمر من عينيه بغزارة لقد تأثر بكل حرفا كتبته له ، شعر بوخزات تنغز قلبه المجروح ، لا .. لا ترحلي وتتركيني ..

نهض مسرعا خارج الغرفة هابطا الدرج ليهتف بإختناق : عمتي ... أروي راحت فين ؟؟؟؟ 

حركت نجاة رأسها بالنفي وقالت بجدية : معرفش يابني 

صاح أمير : يا عمتي قوليلي هي فين أنا مش مستحمل أرجوكي عرفيني مكانها .. ! 

تعجبت نجاة لحالته فلم تتوقع أن تأثير رحيلها سيكون هكذا عليه ، رق قلبها لحالته فقالت بتردد : طب عاوز تعرف مكانها ليه مش انت قولتلها بكرهك ليه دلوقتي عاوز تعرف مكانها ! 

قال بإصرار : فين أروي يا عمتي !! 

تنهدت نجاة بنفاذ صبر وأردفت : في البيت عندي ، هي كانت ماشية بس أنا منعتها ، وودتها البيت عندي .. 

إندفع هو خارج المنزل ليستقل سيارته وإنطلق بأعلي سرعة !!!

            الفصل الثالث والاربعون من هنا

تعليقات



<>