أخر الاخبار

رواية رحمه تقي الفصل الرابع4بقلم ساره مجدي


 رواية رحمه تقي

 الفصل الرابع 

بقلم ساره مجدي 


عاد تقِي إلى المنزل و بداخله قلق مخلوط بذنب لا يعلم كيف قام به ... و منذ متى يتصرف تلك التصرفات الهوجاء ... كيف يطيع قلبه و يسير خلف هواه ... ألم يكتفي بما حدث قديماً ... ألقى ما بيده فوق الطاولة و توجه مباشرة إلى غرفته و منها إلى الحمام

أخذ حمام دافىء  و مباشرة وقف بين يدي الله يصلى و يدعوا الله أن يغفر له ذنبه .. و أن لا يعاقبه فيها و لا يعيد عليه تلك الأيام القاسيه من جديد ... وقف يبكي كطفل صغير أمام والدته الغاضبة منه بشده يتوسلها الغفران و العفو .. هو لا يعلم متى أو كيف تعلق قلبه بها لكنه حين لمحها فى عربة المترو شعر أنها هي مفتاح توبته .. إذا قُبلت كانت له و إذا لم تُقبل فمازال عليه التوبة و طلب المغفرة  و حرم منها و خسر نفسه للمرة الثانية

حين أنتهى من أداء الصلاة ظل جالساً فى مكانه

و بين يديه سبحته الذي ورثها عن والده يذكر الله و هو بداخله يود لو يسامحه والده على كل ما بدر منه و إن يغفر له الله و أن لا يكون عقابه هو خسارة رحمه

التي يرى فيها بوابة جديدة لتوبته

~~~~~~~~~~~~~~~~

قصت رحمه كل ما حدث لتبتسم رُبىٰ و هي تضع يديها أسفل ذقنها و عيونها تخرج قلوب و قالت يابتسامة حالمه

- و لا الروايات يا بت يا رحمه ... أوعدنا يارب بس إزاى بسرعة كده أنتِ أتعلقتي بيه و هو كمان طيب على الأقل أنتِ سمعتي صوته و شوفتيه لكن هو بقى

ظلت رحمه صامته لعدة ثوانِ ثم حركت رأسها يميناً و يساراً بلا أعرف لتقول رُبىٰ من جديد

- مش مهم كل حاجة هتبان مع الوقت

لتتلون وجنتي رحمه باللون القاني لتكمل رُبىٰ كلماتها

- بس كان لازم تشوفي الدكتور إللى كل الطلبه بتخاف منه و هو واقف قدامي زي الطفل الصغير إللى عامل عمله

لتضع رحمه يديها على وجهها و هي تقول بخجل

- بس يا رُبىٰ حرام عليكي بقى

لتضحك رُبىٰ بصوت عالي و هي تقول بمرح

- خلاص خلاص يا بيضا ... بس هو أنا عايزه أفهم حاجة أنتِ حبتيه ؟

ظلت رحمه صامته تنظر إلى رُبىٰ و قالت بحيره

- معرفش .. بس من ساعة ما سمعت صوته و هو بيقرأ القرآن و كأن قلبي أتعلق بصوته ... أنا من يوم ما قررت ألبس النقاب و أنا بسمع إنتقادات و كلام يهد جبال حتى من أمي و حلمت أن ربنا يرزقني بزوج  يعنى و يقويني يساعدني على الثبات و يساعدني أقرب من ربنا أكثر و أكثر

- أنا كمان زيك .. بس مكنش عندي الشجاعة ألبس النقاب دلوقتي خالص

قال رُبىٰ ببعض الشرود لتبتسم رحمه و هي تقول

- أنتِ ما شاء الله عليكي لبسك محتشم و جميلة فى الخمار

لتبتسم رُبىٰ بسعادة و ظلوا  يتحدثوا  طويلاً دون أن ينتبهوا لذلك الذي يقف عند باب الغرفة ينظر إلى الخارج لكن قلبه يتلهف شوقًا إليها

~~~~~~~~~~~~~~~~~

مرت ثلاث أيام .... لم تغادر رحمه و والدتها أو عمها و غازي المستشفى

و كل يوم تذهب إليها رُبىٰ بالمحاضرات و تحكي  لها عن تصرفات دكتور تقِي ... شروده و تقطيبة جبينه حين تقع عيونه عليها و لا يجدها معها

خروجه من قاعة المحاضرات و على وجهه كل معالم الحزن

كانت رحمه تسعد كثيراً بكل هذا و لكن أيضاً كانت تشعر ببعض الضيق

فحالته تلك غريبة بالنسبه لها كيف هذا و هو لم يراها و لو لمره واحده فكيف تعلق بها بهذا الشكل

خرج والدها من المستشفي بعد أن أطمئن الطبيب على حالته و أخبرهم ببعض الضوابط فى الطعام و الراحة

و لم يتركهم راضي و غازي  طوال تلك الأيام

جلس عبد الرحمن و راضي و غازي فى الصالة الواسعه حين توجهت كريمة و رحمه إلى المطبخ لتحضير وجبه الغداء

بداء راضي الحديث وقال

- شوف يا اخوي علشان أنا مش همشي من هنا إلا لما أفهم كل حاجة .. بعد إللى حصل فى المستشفى و كلام رحمه معايا و الزعل إللى جوه القلوب لازم كل الحقايق تبان  

ربت عبدالرحمن على ساق أخيه و هو يقول

- مفيش مشاكل و لا زعل يا راضي و مفيش داعي لأي كلام

- لا يا عبدالرحمن كل الحقيقة لازم تبان و إبنك و بتك يعرفوا كل حاجة

قاطع راضي كلمات عبدالرحمن ثم نادا بصوته الحنون

- يا رحمه يا ست ام رحمه لو سمحتوا تعالوا شوية

خرجت رحمه و خلفها والدتها و هم يشعرون بالحيره و الخوف أيضاً لكن شعروا و لو قليلاً بالأطمئنان حين وجدوا عبدالرحمن هادئاً و لا يبدوا عليه ضيق أو إنزعاج

جلست رحمه جوار والدها و جوارها والدتها ليقول راضي دون مقدمات

- أبوكي فى ورث چدك ليه النص فى كل حاچة ... أنا أشتريت نصيبه فى الدوار بالتراضي و بعد فترة هو طلب أنه يبيع نص الأرض بتاعته و النص التاني ببعت الريع بتاعهم أول بأول

- و ليه أمي بتقول أن كل الأرض بأسمك يا حج

سأله غازي بحيره كبيرة ليقول راضي موضحاً

- يوم ما أشتريت نصيب عمك من البيت مكتبناش أوراق هو أخذ الفلوس و قالي البيت بقى ملكك و  أنا مفرقش معايا يا ولدي الورق و لا المال مفيش فرق بيني و بين أخويا الوحيد و لا حتى فرق بينك أنت و أخوك و رحمه

كان الجميع صامتاً تماماً يستمعون إلى الحقائق التي لا يعرفها أحد ... و التي تفتح أبواب علاقه جديدة بها الكثير من  الود

أكمل راضي كلماته إجابه على سؤال غازي

- لما عمك قرر يبيع نص أرضه وقتها كتبنا الأوراق ... أوراق بيع الأرض و بيع البيت .. و من وقتها الست أمك فاكره إني أشتريت نصيب عمك كله .. لا عايزه تفهم و لا تقتنع أنه لسه ليه حق .. و أنهم مش طمعانين فيا و لا أنا عيل صغير و أخويا عايز يضحك عليا  

خيم الصمت على الجميع حتى قالت كريمة

- و أنت بعت نص الأرض ليه يا عبدالرحمن ؟

رفع عبدالرحمن عينيه إلى زوجته ثم نظر إلى رحمه و قال

- المعاش لوحده مش مكفي يا كريمة عملت بيهم وديعه فى البنك و الأرباح بتاعتهم مع المعاش الحمد لله مكفين مصاريفنا و الفلوس إللى بيبعتها راضي كل سنه بحطهم فى حساب مفتوح باسم رحمه علشان لمًا تتجوز ان شاء الله

وأقتربت رحمه من والدها و أراحت رأسها فوق ذراعه و هي تقول

- ربنا يخليك ليا يا بابا

ظل غازي صامت تماماً يفكر و يرتب أفكاره ... فهو لن يقبل أن يظل هذا الوضع طويلاً

إن تكون له أخت يفتخر بها كرحمه و  يجعلها تشعر بالحرج و الخجل حين تطلب منه المساعده و لا يكون أول شخص تلجىء له حين تحتاج

جلسوا جميعاً يتناولوا وجبة الغداء فى جو عائلى حرمت منه رحمه طويلاً و أشتاق له عبدالرحمن  

و حين قرروا الرحيل وقف غازي أمام رحمه وقال

- رحمه أنا عايزك تعرفي حاجة يا بنت عمي ... أن ليكي أخ كبير ديماً موجود فى خدمتك و مستعد ديماً يقف جانبك و يساندك

كانت الدموع تتجمع فى عيون رحمه التى تنظر إلى غازي من خلف نقابها و بداخلها سعادة كبيرة فهي دائماً كانت تتمني أن يكون لها أخوه و أخ كغازي تفخر به و تسعد بشده به

تحرك خطوة واحده ثم رجعها و قال

- رحمه أنا راجل دغري و مليش فى اللف و الدوران و بصراحة أنا من ساعة ما شوفت صحبتك و أنا أخدت قراري و عايزك تسأليها لو تقبل تتجوزني ... ده طبعاً لو هي مش مخطوبه أو متجوزه

أبتسمت رحمه بسعادة و قالت بفرح شديد

- لأ رُبىٰ مش مخطوبه و لا متجوزه و أكيد هسألها

صمتت لثواني ثم أكملت

- و بعدين هى هتلاقي زي غازي أخويا فين ... دى أمها دعيالها

أخفض غازي وجهه بخجل رجولي مميز و أخرج ورقه مكتوب عليها رقم هاتفه و قال دون أن ينظر إليها

- ده رقم تليفوني .. لما تكلميها عرفيني ردها

أومئت بنعم ليتحرك من أمامها و أقترب من والدها يحيه بإحترام و ساعد والده فى نزول الدرج

و أقترب عبدالرحمن من إبنته و رفع نقابها و قبل جبينها و هو يقول

- وحشني وش الجميل و فرحه عمري

- أنا كده هغير

قالتها كريمة بابتسامة سعادة و هي تحاوط ذراع زوجها و أكملت

- نورت بيتك يا عبده البيت من غيرك ضلمه و فاضي

و توجهوا إلى غرفتهم لتتوجه رحمه إلى غرفتها  

تريد أن تصلي ركعتين لله حمدًا و شكرًا لله على عوده والدها بسلامه و أيضاً تحسين علاقتها بابن عمها و ظهور كل الحقائق أمام الجميع

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

وصل غازي و الحج راضي إلى بلدتهم ... و طوال الطريق كان غازي يتحدث مع والده و يلومه على صمته أمام والدته ... و أن كلماتها التي سببت شقاق و فراق بينه و بين أخيه لسنوات ... و جعلت رحمه تشعر بالخجل و الحرج و هي تطلب بحقها في مال والدها أو وقوف عمها و أبناء عمومتها جوارها وقت الأزمات

كان والده صامت طوال الطريق يعلم جيداً أن إبنه الكبير معه كل الحق

و هو الأن و بعد ما حدث لن  يصمت و يعلم أيضاً أن غازي لن يصمت

دلفوا إلى البيت و كانت ريحانه تجلس هناك على تلك الأريكة الكبيرة كما إعتادوا عليها دائماً تجلس بعظمه و شموخ فوق تلك الأريكة العريقة عراقة هذا البيت و أصحابه

حين وقعت عيونها عليهم وقفت سريعاً و قالت ببعض الغضب و العصبيه

- كل الوقت ده جمب أخوك يا حج راضي  

جلس راضي على الكرسي الكبير و لم يجيبها بشىء لكن غازي أقترب منها خطوة و قال

- كنت عايزانا نسيب عمي فى المستشفى و نسيب مرات عمي و بنت عمي لوحدهم

نظرت ريحانه إلى غازي و قالت و هى تضع يديها على خصرها

- هما ضحكوا عليك يا كبير .. أش حال إني مفهماك و معرفاك كل حاجة

أخذ غازي نفس عميق و أخرجه بهدوء ثم قال

- اه قولتيلي و فهمتيني بس حتى لو عمي ملوش حق شرعي فى الفلوس زي أنتِ ما بتقولي هو ليه حق دم حق أخوه حق صله الرحم يا أمي

ثم أقترب خطوة أخرى و قال بلهجه غير قابله للنقاش

- ده بعيداً تماماً عن ان له حق مال يا أمي ... و مش اى حق

و تحرك من أمامها متوجهًا إلى غرفته مروراً بأخيه ماهر الذي سار خلفه و هو يقول

- عمك له حق أيه يا غازي فهمني ؟

لم يجيبه غازي بشىء لكنه لن يتركه و سيظل خلفه حتى يفهم

حين ألتفتت ريحانه إلى راضي و قالت بغضب

- ضحكت أنت و أخوك على ولدي يا راضي بعينك أنت و أخوك فلوس ولادي بعينكم

ليقف راضي أمامها و دون كلمه رفع يديه وصفعها على وجهها و هو يقول

- قسمًا بالله كلمه كمان و تبجي طالج بالثلاثه

و تركها و غادر

لكن عيونها كانت تلمع بشر كبير و بداخل عقلها فكره لن تتهاون فى تنفيذها و لو كان هذا آخر ما ستقوم به



                  الفصل الخامس من هنا 


لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close