رواية انسحاب
الفصل الحادي عشر 11
بقلم حكاوي مسائية
كانت تتجول بين أشجار البرتقال،بعض الاغصان مثمر والآخر مزهر ،حال شجر الفصول الأربعة، تثمر طول السنة ،وتزهر معظم الأيام .
أحبت عبير زهرة البرتقال ،،أحبت إحساس الأرض الندية تحت قدميها، انعشها الهواء النقي لفصل الربيع ،وفصل الربيع بمزارع البرتقال له طعم خاص.
احست بالجناح يرفرف بصدرها ،سمعت بصدرهاصوتا يشبه غرغرة بجعبة ماء ضيقة،وضعت يدها على صدرها مالهذا القلب كأنه يتمرد على قفصه.
-اهدأ ،اهدأ ،مابك ضعفت ،هل يئست ام استسلمت ؟نعم طال النوى،وبعدت المسافات،نعم قسى الحبيب وجفا،وبخِل بالوصال، ولكنني معك لا تتخلى عني،لا تخذلني انت أيضا.
احست بعياء شديد فجلست .
-ليتني مالِنت لهم،ليتني دافعت عن حبي،له الحق أن ينأى وربما قد نسي وسلا، صدقت كلامهم أن نجاحه ينتظره وراء البحار،وسعادته في تضحيتي، ثم لا يستحون، ويلجأون لي ليعود،كيف لي أن أعيده وقد هدمتم جسر الوصال بيننا ،واحرقتم سفن العودة.
جلست إليها شابة تبدو بنت المنطقة.
-من تكونين؟
-انا عائشة ،صديقة أمنية.
-أمنية بنت عمي الحاج،
-هل انت ابنة عم امنية؟
-لا ولكننا نقول للجد عمي الحاج.
-فهمت ،ومن انت؟
-انا زوجة عامر .
تأهبت عائشة للوقوف ،لا تريد صلة بعامر، لا تريد مشاكل.
-انت أيضا ترفضين الحديث معي.
-أبدا، ولكنني تأخرت،لابد انهم ينتظرونني.
-لا عليك ،انا معتادة على وحدتي .
اشفقت عليها
-انت متزوجة ،لابد أنك وسط أسرتك ببيتك.
-بيتي؟! زوجة عامر الأخرى تقول انه بيتها وبيت عمتها ،انا مجرد وعاء اشتروه من أبي الفقير.
-وعاء ماذا؟
وضعت يدها على بطنها.
-وعاء لابنهم، ابن عامر.
-وابنك أيضا ،تشبتي به ودافعي عن أمومتك.
-ولكنهم يقولون انه ابنها هي ،وضعه عامر في بطني أنا أمانة ،وسيأخذها ليردها لها.
-هذا كذب ،لاتصدقيهم ،لا تعطيهم ولدك ،هذا الذي في بطنك ولدك انت ،قولي لعمك الحاج أن يقف معك ضدهم،فهمت ،لا تسكتي ،إنه ابنك انت
ابتسمت ببراءة وقالت بانتصار:
-سأنتظر حتى ألد ،ولما يأتي عمي الحاج ليبارك لي سأخبره .
هزت عائشة رأسها بيأس،يبدو انهم اختاروا فتاة بسيطة العقل ،فقيرة مكسورة الجناح ليستغلوها وعاء كما افهموها .
تركتها حيث هي وتوجهت نحو البيت،يالجبروت الإنسان، يحاربك بنقطة ضعفك ،يجعلها السلاح ضدك ،يستغلون بساطتها كما استغل غيرهم حبي وخوفي على حبيبي ،يا الله لاتدع حقي وحقها بحق عزتك وجلالك!
نظرت الى الساعة بمعصمها،اخذت اوراقا وضعتها بملف ،اوصت مساعدتها أن تغلق المكتب وخرجت نحو موعدها مع يوسف.
كان ينتظرها ،استقبلها بشوشا
جاء النادل ،فطلب قهوة
-شاي من فضلك.
انسحب النادل ،فباشرت الكلام
-بدون لف حول الموضوع،علمت أنك تسأل عن أهل كاميليا.
-نعم سألت ام عائشة ،وقالت أن كاميليا وحدها هي من تقرر أن تجيب،فهل كلفتك بالأمر.
هزت رأسها نافية
-أبدا لن تفعل،كاميليا لا تفكر في الأمر ،ولكنني أهتم لها ،وأريد الخير لها ،ولا خير في أن تعيش منقطعة وحيدة.
مازال يستمع أليها وقد شابك أصابع يديه تحت ذقنه كأنه يسند رأسه.
جاء النادل بالفنجانين
-لكما نفس الاسم العائلي ،قد تكون صدفة ومجرد تشابه أسماء،ولكنك قلت للخالة سعدية أنك معني بمعرفة أهل كاميليا.
هل يمكن أن نتعاون لنعرف من يكون أبوها،وهل لها اعمام وعائلة غيره ام لا.
-ممكن ،بشرط أن تكون معنا وثيقة زواج أو اعتراف بالأبوة مثلا.
فتحت الملف واخرجت نسخة عن عقد زواج.
-تفضل ،هذا عقد زواج أمها وابيها.
-هل تعرفين لماذا عاشت مع غير ابويها؟
-حسب ما حكت لي ام عائشة ،والتي كانت مقربة جدا من أم كامي،فالأب تزوجها دون موافقة اهله،ابتعد بها إلى بلدة****حيث عاشا معا ،ولكنه اصيب بالسرطان ،رأت زوجته ضعفه وحنينه لسند اهله،رغبته في الصلح مع والديه ،أشفقت عليه من الحزن و اعتقاده أنه سيموت ويدفن غريبا،سافرت معه حتى ودعته قرب بيت أبيه ،وعادت .بعد أن أوصاها بالجنين الذي تركه ببطنها ،وقد كانت أيضا مريضة القلب، البيت الذي بنى لها كان مصدرا لعيشة كريمة ،ولكنها بعد أن علمت بوفاة زوجها زادها الحزن مرضا وإعراضا عن الحياة ،اوصت اختها حليمة بابنتها ،سمتها كاميليا لأن زوجها كان يناديها زهرة الكاميليا.
هذا كل ما أعرف عنها.
نظر الى وثيقة الزواج وابتسم ،اخرج من جيب سترته وثيقة ،وضعها امام أمنية، ورص بجانبها عقد الزواج.
أشار بأصبعه الى سطر من كل ورقة.
-كما توقعت ،كاميليا اختي من الأب.
-فغرت فاها، وفتحت عينيها مما آثار ضحكه.
-كأنك لم تصادفي قضايا مشابهة يا أستاذة.
-ولكنها تكون قضايا الآخرين ،لم أظن يوما أن تقترب مني هكذا.
-أمي ابنة عم والدي ،زواج بترتيب عائلي مفروض على الزوجين،ابي كموظف حكومي تم نقله الى مدينة أخرى، لما استقل ببيته مع زوجته علم أنها هي أيضا لم تحبه ،وأنها لا تمانع أن يتزوج غيرها ،هذا حرره من تأنيب الضمير ،احب زميلته ،وطلق ابنة عمه،الشيء الذي أهاج عليه غضب الأب والعم والجد ،الحاكمون بأمر العرف والتقاليد في أمور الأولاد والاحفاد.
عقابا له حرموه من ابنه الذي كان جنينا لما طلق زوجته الأولى ،والذي هو انا،لما عاد مريضا ليموت بين اهله كنت في الرابعة من عمري،أذكر أنه كان يضمني ويبكي ،هذا كل ما اذكرعنه،كبرت ببيت جدي بعد أن تزوجت امي،الحقيقة أنني كنت مدلل الأسرة، ولما عدت من فرنسا بعد أن اخذت شهادتي،صارحني جدي أنه يعلم أن لي أخت أصغر مني ،فقدَ أثرها بعد أن انتقلت من البلدة ،وتوفت خالتها التي ربتها بعد أمها.
بمساعدة جدي ،أنشأت الشركة ،وجودي بهذه المدينة ليس صدفة ،اخترتها لأنني أعلم أن أبناء وبنات بلدة ****يتابعون دراستهم الجامعية هنا ،وكان أملي أن تكون اختي هنا بالجامعة.
-كأنني أسمع ملخص فيلم عربي.
ضحك:
-بالأبيض والاسود،مارأيك بعماد حمدي في دور جدي ،نور الشريف والدي وفاتن حمامة حبيبته والدة كاميليا.
-كيف تهزأ من أمر كهذا؟
-وكيف تتعجبين، وانت محامية لابد قد رأيت الاعجب،ألم تصادفك قضايا تخلي عن الابناء،قضايا طلاق جائر ،قضايا إثبات نسب.
حكاية أبي ابسط ،رجل تزوج امرأتين،مات وهو شاب،حبيبته لحقت به ،وابنة عمه تزوجت بعده،عادي ،يمكن أن تصفينا أكثر حظا من غيرنا ،انا اعتنى بي جدي وابوه ،أختي اعتنت بها خالتها ،صحيح أن كفيلها الذي هو زوج خالتها قسا عليها والسبب إدمانه،وكسله،ولكن ،قارني حالتنا بطفل جاء الى الدنيا سِفاحا لايعرف له ابا،هل سيهنأ بعلاقة مع امرأة وهو يشك انها قد تكون اخته.
-رافعت في قضية مماثلة ،ابن يقاضي أمه ليعرف من يكون ابوه،اضطرت أن تعترف عن خليل أنكرت علاقتها به لأكثر من عشرين سنة.والسبب أنه رأى فتاة تشبهه كثيرا فأثارت ريبته،وعقدة بنفسه أن يرتبط بأخته
-وهل كانت اخته؟
-لا ،فتاة ساقها القدر إليه ليصمم على معرفة هوية أبيه.
-علمت أن مراد فايز ومعارفه يظنون أنني زوج كاميليا.
-أخبرتني كامي،لأنهم سمعوك تقول مدام المنصوري.
-ما أعجب له ،انها كانت زوجته ،فكيف لا يعرف اسمها العائلي.
-لم يهتم أن يعرف عنها شيئا.حتى يوم الطلاق لم يقرأ الوثيقة ،القى اليمين،ووقع ،الغضب يعميه بسهولة ،تزوجها مغصوبا غاضبا وطلقها مرغما غاضبا.
-هل احبته؟
-جدا ،وكرهته جدا.
-لماذا تحول حبها كرها؟
-اسألها،هي تجيبك.أنما أولا كيف ستخبرها أنك أخوها.
-ليس الآن،سنسافر معا الى افريقيا،وهناك ساقدم لها كل الدلائل على أنني اخوها ،حتى لو طلبت تحليل ADN
-ابق معك هذه النسخة من عقد الزواج ،قد تحتاجها.
-أليس عندها صور لأبي.
-لا أدري ،سأسألها ،حتى تنظر إليها لو وُجِدت.
على هذا افترقا،وكل في رد فعل مختلف.
-تواعدت سارة ولينا بمطعم على العشاء ،كانت سارة ماتزال تنفث نارا من صدرها الحاقد .
-تخيلي،كاتبة ،ومديرة مكتب تناديها سيدتي ،ورجل بوسامة يوسف يؤكد انها صاحبة الشركة.
-(إن كان الوضع كما تحكين ،فلا حظ لك امامها،وما شأني ،المهم أن يبعدها عن مراد،والظاهر انه يحبها ،ولن تفضل عليه مراد الذي طالما احتقرها)
وهل ستصرفين النظر عنه؟
-واتركه لها ؟!طبعا لا .
-احذري ،قد تخبر أباك وتعلمين أنه يحبها .
-وماذا سيفعل ،يخاصمني،يغضب ويؤنبني ،سينسى ويفرح بي لما يصبح يوسف المنصوري صهره العزيز.
-(تحلمين،تافهة مثلك ،تعتمد على ثياب تعري أكثر مما تستر،كأنك لم تري جمالها،أراهن نفسي أنه لن ينظر إليك)
-مابالك كثيرة الشرود ،فكري معي في خطة .
-أفكر في مراد ،غادر المستشفى صباح اليوم.
-تعالي معي إذن لتريه في البيت.
-ذهبت قبلك ،ليس هناك.
-وأين سيكون؟
-إما أنه عند مجدي ،او أن وسام نصحه بالسفر .
اعتذر منك ،يجب أن أذهب، غدا سأبدأ تصوير مسلسل جديد ،يجب أن أنام جيدا ،اعتني بنفسك.
-(بنت ***لم تدفع وتركت لي الفاتورة، لولا السر الذي بيننا لرأيت مني الوجه الآخر)
صداقة الأفاعي.
أهتم مجدي بالطبخ ،بينما اهتمت عاملة نظافة استدعاها من مطعمه ،بنظافة البيت .
-استرح هنا على الاريكة ،و تابع برنامجا على التلفاز، ساعد لك وجبة اليوم ،وسام نبه أن تأكل طبيخ اليوم ،فلا تدع منه شيئا لغد.
-حاضر ،غدا سأذهب إليك في المطعم ،فلا ترسل الأكل.
-كما تشاء.
هيا يا صالحة ،سأوصلك في طريقي.
الى الغد مراد اعتن بنفسك ولا تنس الدواء.
أغلق الباب وتوجه الى غرفته،تولت صالحة تنظيفها ،ولكنها وضعت الثياب الممزقة في الخزانة بعد أن حاولت طيها،اخذها وقربها من انفه.
(لا رائحة بها ،كأنها لم تُلبَس يوما ،او ربما أنها لم تلبسها ،متى انتبهت لها او لاحظت ماكانت تلبس،لابد انها بتلك الحقيبة الصغيرة اخذت كل ما ارتدته يوما،كأنها تعمدت أن تحرمني من اثرها،تعمدت ؟يالجحودي،كيف سترضى أن يبقى لها أثر او عبق وانا لم أظهر لها إلا اشمئزازي! ارتحت منها الآن ومن وجودها المقزز كما كنت تقول لها كلما رأيتها؟ فلتهنأ ببعدها)
رأى سجادة الصلاة على طرف الاريكة ،اخذها وتشممها
(أصبحت ابحث عن رائحتك يا كاميليا،ولكنك ماتعطرت بغير الماء للصلاة. الصلاة ،منذ متى لم تركع لخالقك يا مراد ؟ وتتعجب لمعيشتك الضنك)
دخل الحمام وتوضأ ،بسط السجادة وكبر فغلبه البكاء.
ابك لعل دموعك تغسل قلبك.
مساء على مائدة العشاء ،وقد نام جاد ،وانسحبت المربية والخادمة الى غرفتها.
-هل تعرفين ماذا كانت تريد سارة من يوسف؟
-وما يدريني،لم يسبق أن رأيتها تعمل رغم أن السيد فايز طلب منها كثيرا أن تعمل في الحسابات بالشركة ،لابد انها وافقت أخيرا.
-وهل،بينكم حسابات او ديون؟
-لا ،حسب ما فهمت من كلام السيد يوسف ،بعد منافسة شرسة ولكن شريفة بين الشركتين ،عقدوا اجتماعا اتفقوا فيه على تعاون مثمر ،يتشاورون حول المناقصة المطروحة ،والذي يجد أنه يستطيع أن ينافس باقي الشركات ،يتقدم ،ويساعده الآخر إن احتاج مساعدته.
-ولماذا جاءت وكانت مصرة على لقاءه؟
-لا أدري ،ولم أفكر في الأمر.
-انا اعرف ،بعد أن سمعت وصدقت أنك زوجة يوسف ،استكثرته عليك،جاءت لتلقي شباكها عليه.
-سارة ويوسف،هههههههه، خليط غير متجانس.
-هل تحبينه؟
-من ؟يوسف؟هل جننتِ؟ انا لن احب او اخاطر بقلبي مرة أخرى.نعم ارتاح له،إحساس غريب أشعر به وانا معه ،ولكنه ليس حبا بالمعنى الذي تفكرين به.
-الأمان.
-ماذا؟
-الأمان ،هو ذلك الإحساس الغريب الذي ينتابنك قربه.
-وإن يكن ،هذا لا يعني أنني أفكر فيه كرجل.
ضحكت أمنية
-خانك التعبير ،أليس رجلا؟
-بلى ،أعني لا أراه إلا رئيس متفهم ،طيب.
-كالاخ الكبير.
-تماما،محامية ،لعبتك الكلام والتعبير.
-غدا سنأكل على حسابك في مطعم من اختياري ،حق الرعب الذي ارعبتني اليوم،صحيح ،ماذا أخبرك الطبيب عن عائشة .
تنهدت وغامت عيناها حزنا.
-تعب قلبها ،تحمل فوق طاقته ،لم يقل هذا ولكنها الحقيقة ،وراء ستارة الضحك والمزاح، تخفي حزنها الدفين.
حبيبها يرفض أن يسمعها ،يرفض أن يعود ،يرفض أن يتزوج ،يعاقبها ويعاقب نفسه.
-ولماذا تريده أن يتزوج؟
-لتطمئن أنه تجاوزها، نسيها ،فتسامح نفسها ،وقد تبحث عن الحب وترتاح أيضا.
-وأهله، هل تقبلوها؟
-لأنه يرفضهم أيضا، يرجون أن تكلمه ليسامحهم.
-أمروها أن تكلمه ليسمع لهم ،وبعد خراب مالطا يرجونها أن تكلمه ليسامحهم.وكما عرفت ،لا يجيب رقما من المغرب.
-نعم ،قطع كل صلة له بالبلاد.
-هل مازلت تحتفظين بخطك بباريس.
-نعم ،ولكنني لم اعبئه منذ عدت.
-وبطاقة الفيزا مادورها؟
-انت داهية .
-هذا عيب الدكاترة والمهندسين ،جلهم يركز في تخصصه ويغلق عليه قوقعته، إلا من رحم ربي،المحامي يا حبيبتي ،يرى من الناس اشكالا وألوانا،لو اخذ من كل واحد حيلة او فكرة ،او ربط في كل قضية العمل بنتيجته، تخيلي الموسوعة التي برأسه.
-تعالي يا موسوعة ،هاهو الخط ،ضعيه في الهاتف ،وعبئيه،الفرق بين المغرب ونيو يورك خمس او ست ساعات ،يعني الوقت هناك الظهر .
-وهل معك رقمه؟
-سأتصل بوالدته او اخته ،شغلي انت الخط ريثما أحصل على رقم الحبيب الغاضب.