رواية انسحاب الفصل الثاني 2بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الثاني2

بقلم حكاوي مسائية

 


قصدت صديقتي المحامية ،فتحت الباب مذعورة ،فالوقت بعد منتصف الليل ،وانا وضعت اصبعي على زر الجرس ولم ارفعه حتى فُتِح الباب .

كانت وحيدة ،ترفض الزواج ،وتعيش بشقة كبيرة جعلت نصفها مكتبا حيث تستقبل القضايا ،شقة عملية قريبة من المحكمة .

أدخلتني الى حضنها قبل أن تدخلني بيتها ،الى هذه الدرجة كنت مثيرة للشفقة!!!

لقد سقط عني قناع القوة بمجرد أن تحركت السيارة ،فانهرت، الدموع كأنها كانت حبيسة سد منيع انهار فجأة ،تنبع من صدري لتنساب على وجهي تغرقه ،كيف وصلت عندها وانا اسوق في هذه الحالة ؟برحمة ربي ولطفه.

لم تسألني ،اخذتني الى الحمام 

-خذي حماما دافئا .

ساعدتني حتى جلست في المغطس، وخرجت ،بعد وقت جاءت تحمل برنسا قطنيا بيدها ،واخرجتني نحو السرير الذي وضعت عليه منامة من عندها ،البسي ريثما احضر لك شرابا مهدئا. 

ساعدتني لاتمدد ورأسي على رأس السرير ،ووضعت فنجان الأعشاب المهدئة بيدي .

اشربيه ون

امي ،نتكلم غدا .

أشرت برأسي موافقة ،وفعلت كما قالت ،وفعلا نمت كما لم انم منذ ثلاث سنوات .

أفقت فجرا ،كانت تنام بجانبي ،حرصت أن تكون على طرف السرير حتى لا تزعجني .اول مرة منذ وفاة امي استيقظ وبجانبي احد ،سالت دموعي دون وعي مني .

قمت ،توضأت لأصلي، وانا اخرج من الحمام استيقظت 

-اعتذر ،أمنية، ايقظتك .

-لا تبالي ،إنه الفجر بعد قليل سنسمع الأذان.

همت لتتوضأ وجاءت تجاورني لتصلي بضع ركعات قبل الأذان ،الصلاة ،هي فعلا ملجأ من لا ملجأ له.

بعد أن انتهينا من الإفطار ،وضعت الشوكة ونظرت الي 

-احكي الآن .

حكيت لها عن ليلة أمس،فضحكت 

-العشاء الأخير ،قبل الصلب كان لعيسى عليه السلام عشاء أخير مع حوارييه ،وبينهم كان خائنه.

من تصلبين يا كاميليا؟ 


-وبين ضيوفي كانت ثلاث خائنات وعدو واحد ،هو من كان يتوق لصلبي. 

-هل فكرت في قرارك جيدا ؟

-نعم ،لم يبق لي أمل ،لن أعيش حياة طبيعية مع مراد ،كلما بقيت على ذمته زاد كرهه لي.

وانت ،هل تحبينه؟

-عرفتك يوم التقينا عند عائشة ،أليس كذلك؟

-نعم ،ويومئذ علمت انكما صديقتين منذ الطفولة .

-نعم ،كبرنا معا ،في نفس البلدة الصغيرة ،وجئنا معا لنتابع دراستنا الجامعية، معا ،وفي يوم ،جاء مراد ،كنا قي آخر سنة هندسة معمارية ،وجاء ليحاضر كمهندس شاب وطالب متفوق لنفس الكلية ،كنت بين العشرات انصت لشكره اساتذته، ثم أعطانا درسا في الالتزام وحب العمل وإتقانه، وأننا امامنا بضع سنوات أخرى دراسة او عملا بالميدان لنصبح اعمدة في صرح بناء الوطن.

كلام قد لا يسمعه البعض ،كما قالوا بعده ،إنه جاء بدعوة من الجامعة ليقول هذا الكلام ،ولكنني حفظته ،كما حفظت قسمات وجهه وحركات يديه ،لم تنزل عيني عنه ،و رأيته يطيل النظر إلي ،حلمت انه أعجب بي أيضا ،ثم طردت ذاك الحلم ،وقلت لنفسي ،لابد انه متزوج ،فهو يكبرني بثمان سنوات على الأقل.

وفي ليلة سوداء ،استيقظت بغرفة بفندق على صوت والدي واخي وهو الى جانبي .

كيف جئت ،ولماذا معه ؟لا أدري .

أبوه تجنب الفضيحة بتزويجنا، زواج لم يعترف به ولم يقبله .

عشنا معا ،ظننت أن حبي يكفينا معا ،تجاوزت عن إهاناته لي أمام عائلته ،لم أكن أراه، لم نجلس على مائدة واحدة أبدا ،اعد الأكل، وآكل وحدي ،واختلي بنفسي بغرفتي ،يأكل وحده ،ويأخذ مني حقه الشرعي غصبا ،ثم ينام بغرفة أخرى. 

-وما الذي جعلك تصرين على الانفصال ،بعد هذه المدة .

-عرفت أنني حامل ،فاخبرته، جوابه كان صفعة على خدي رغم أنه لم يضربني يوما 

-الجنين يُجهَض.

وضعت يدي على بطني احمي طفلي 

-لا ،اتركه لي ،طلقني ولكن أترك لي ابني منك .

-لتبتزيني به كما يفعل ابوك واخوك الكريهين. 

-أقسم لك لن أفعل ،سأختفي من حياتك ،فقط اتركه لي ،أريده لأنه منك ،ارجوك .

وقعت على ركبتي اضم ساقيه راجية ،ولكنه ركلني قائلا 

-تذهبين معي الآن الى طبيب لتجهضيه او أفعل بيدي .

خشيت على نفسي ،واذعنت له ،بعد أن عدنا وقد قتل ابنه بأمر منه لدكتور،دخلت غرفتي باكية ،ولكنه لم يرحم ضعفي ،دفعني نحو الجدار وضغط على عنقي 

-كيف تحلمين أن يكون بيننا طفل ،انا اشمئز منك ،مجرد رؤيتك تثير غثياني، انا اعطيك ماتريدين كل ليلة ،الجنس ،السرير الذي استعملته لتحتالي علي وتتزوجيني .لن أرضا بك أما لأولادي، ابدأ.

-انا لا أريدك، طلقني ،او تزوج لايهمني .

-هل تعرفين لم لم اتزوج الى الآن ،لأنها ترفض ان تشارك حقيرة مثلك ،ترفض أن المسها وبي رائحتك .

فهمت لماذا يسرع الى الحمام كلما لمسني ،يشمئز مني ويخشى أن تشم رائحتى عليه.

دفعني وخرج .

بعد ذاك اليوم بأيام، جاء كعادته يريد غرضه مني ،رجوته لأنني كنت حديثة العهد بالإجهاض ولا أستطيع ،ولكنه لم يهتم وتركني بعد أن أحس بدمي تحته ،تقزز أكثر وسبني أكثر ولم يهتم أن يأخذني للمشفى ،تحملت حتى الصباح وطلبت عائشة اخذتني للطبيب الذي اسعفني بعد أن لامني انا ،كأنني انا المخطئة، معذور فهو لا يعلم.

تحملت كل شيء ،وتلك الليلة رأيته معها يخرجان من فندق فخم ،والمتابعين يتساءلون متى تعلن الممثلة الفاتنة عن زواجها من رجل الأعمال والمهندس الناجح.

عندئذ قررت أن مكاني بعيدا عنه ،وأن سعادتي لن تكون معه أبدا .

انتظرت حتى شفيت تماما ،ثم ذهبت إلى والده لأخبره بقراري، وهناك سمعته يرفض أن أكون أما لاولاده ويعلن كرهه لي ،فجئت إليك.

-هل أنهيت دراستك ؟

-نعم ،اخذت الماستر في الهندسة ،واحببت لن أتوجه نحو هندسة الديكور ،ولكن....

-هل تظنينه سيطلقك؟

-ننتظر بضعة أيام، إن لم يفعل ،ليس امامنا الا الخلع.

-هل لك مكان تستقرين به؟

-سأذهب عند عائشة ،تعيش مع أمها ،خالة سعدية التي كانت صديقة أمي.

-ابقي معي ،لن يظنك هنا ،فقط تخلصي من هاتفك او غيري الخط .اعرف انه ذو نفوذ ،واليوم عرفت مدى قسوته ،الأفضل ألا يعلم مكانك .

وافقتها ،وفعلت كما قالت ،تخلصت من الهاتف كله ،وجاءتني بهاتف آخر سجلت عليه رقمها ورقم عائشة فقط .ليس لي غيرهما.

انتظرت ،اسبوعا ،ثم آخر ،لم أر عائشة ،كانت أمنية صلة وصل بيننا ،وكنا نتحدث على الهاتف،خشيت أن يتبعها فيصل الي ،لم يطلق ،فذهبت عائشة الى والده .

-ألو ،سيد فايز؟

-نعم ،من معي؟

-عائشة ،صديقة كاميليا، هل يكن أن آخذ من وقتك القليل ؟

-طبعا طبعا ،تعالي انا في الشركة .

-أفضل ألا التقي بالسيد مراد .

-هو في رحلة عمل ،انا انتظرك .

وذهبت إليه ،مدام سميرة كانت تعلم بمجيئها فأدخلتها أليه فورا 

-اهلا اهلا ،تفضلي يا ابنتي .

-أشكرك سيدي.

-هل ترين كاميليا؟ 

-لا ،ولكنها تهاتفني ،لا تريد أن يعرف "احد"(واشارت بيديها)مكانها.

-وكيف لا تجيبني كلما طلبتها ؟

-الحقيقة انها تخلصت من ذاك الهاتف والخط كذلك ،لو لم تهاتفني لما عرفت .

-ممممم،مفهوم مفهوم ،وهي من أرسلتك الآن .

-نعم ،تريد أن تمضي في دعوى الخلع ،ولكنها لا تريد أن يزعجك الأمر .

-مازالت مصممة على الطلاق إذن ،ظنناها موجة غضب وتمرد، ولكن يبدو أننا أخطأنا هذا المرة .

-ككل مرة سيد فايز ،تظنون ما ليس في كاميليا بتاتا.دونا عنك لأنها ممتنة لطيبتك معها ،فكل عائلتك تعاملها باحتقار ،مقتنعين انها احتالت لتتزوج ابنكم الكريم ،نسوا انها مهندسة متفوقة ،وأخلاقها لا غبار عليها .

-الحادث الذي كان سببا للزواج يؤكد ظنوننا .

- يا سيد فايز ،الحقيقة لا تعرفها ولم تكلف نفسك البحث عنها وقد رأيت كاميليا ذا اليوم مندهشة أكثر منك ،حاولت الوقوف وسقطت أكثر من مرة ،هي أيضا قبلت الزواج مضطرة ،بعد الفضيحة ،او ما كان سيكون فضيحة لأنك تداركت سمعة ولدك واسم عائلتك .

-هذا لا ينفي انها كانت بفراشه 

-كيف وصلت إليه ؟بل كيف علم أبوها واخوها بمكانها ؟

-لعبة لعبوها معا .

-هي فعلا لعبة ،ولكنها ضحية أكثر من ابنك الفاضل ،لو سألت بالفندق لعلمت انها لم تدخله ولم ترصدها اية كاميرا من كامراته، والفتاة التي كانت مع ابنك على البار، أين ذهبت ؟أسئلة كثيرة لم تكلفوا نفسكم عناء الإجابة عنها ،ولماذا العناء وقد وجدتم مشجبا تعلقون عليه الخطأ.

لِمَ لم تسأل نفسك من المستفيد الأكبر من زواج كاميليا ومراد ،لا أظنها هي ؟إذا كانت لم تأخذ منه شيئا ،وحتى المجوهرات التي قدمت لها بكل طيبة باعتبارها كنة عائلة فايز تخلت عنها ،بل وتخلت عن مهنتها كمهندسة تحت امر ابنك ،فمن الخاسر في هذه الزيجة .

-انا أحببتها كابنتي، وارفض لينا ،لأجلها أعادي ابني ،لو تصبر قليلا وتنجب لي حفيدا ،سيعود مراد الى رشده.

-كادت ،كادت تنجب لك الحفيد ولكنه اجبرها على الإجهاض ،وقال انه يشمئز منها ولن يرضى أن اتكون أم أولاده .

-إجهاض؟ الى هذا الحد !يقتل ابنه !

-الى هذا الحد سيد فايز ،هي الآن تريد كلمة منك ،متى تكون ورقة طلاقها معك ،او تلجأ الى القضاء.

لاتنس سيدي انه لم يعترف بزواجه أبدا ،ويعلن علاقته بلينا، خبر كهذا قد يدمر سمعتكم ،رجل متزوج يقضي الليالي في الحرام بالفنادق والرحلات مع فنانة مشهورة ،تصور العنوان بالبند العريض.

-اذهبي الآن ،وبلغي كاميليا أنني سألبي طلبها .

-أشكرك ،رقم هاتفي معك ،يمكنك أن تتصل بي متى تم الأمر .

جلس على كرسيه الوثير الى مكتبه واضعا رأسه بين يديه ،تتكرر تساؤلات عائشة برأسه ،فعلا ،من كانت الفتاة التي شربت مع مراد حتى الثمالة ورافقته حتى باب غرفته ،لقد حرصت ألا يظهر وجهها وكأنها كانت تعلم مواقع الكاميرات ،لباسها لم يكن هو لباس كاميليا بعد أن ذهب استجابة لنداء مراد ،وهي كانت تبكي ولم تكن تستطيع الوقوف واخوها كان يسندها طيلة الوقت ،تبحث عن حجابها تحت سخرية مراد ،ولا تهتم ،لم تهدأ حتى غطت شعرها .

لماذا كانت تبكي يوم عقد القران ،ولماذا رفضت حفل زفاف رغم أنني ارغمت مراد على القبول ،لماذا لم تثر ووسائل التواصل تنشر صورة لزوجها خارج الفندق يرافق لينا ويتركها. 

إن كان يكرهها كما قال فكيف كان يعاملها وهما بالبيت وحدهما، ماذا أقول ،رأيت معاملته لها لما اوقعتها سارة ،وليلة العشاء يجلس قرب عشيقته دون حياء ،الظاهر أنها عاشت معه في الجحيم.

بل الظاهر أنني لم احسن تربيته هو وأخته وقدمت للمجتمع مسخين يتلدذان بتعذيب الآخرين.

كم سعدت يوم اخذ شهادته بتفوق ،وافتخرت يوم عاد من أوروبا بدكتوراه في الهندسة ،وأصبح مطلوبا كأستاذ محاضر بالجامعة ،ولكن متى كانت الشهادات دليلا على الثقافة ،ولا على الأخلاق والإنسانية .

كيف لم انتبه الى تفضيله لواحدة تعرض جسدها علنا على واحدة تحتفظ بنفسها له وحده ،كيف لم ألح ليعلن زواجه من كاميليا وترافقه في رحلاته وحفلاته،تركته بحجة ألا أتدخل في خصوصياته وانا اساهم في ظلم إنسانة .

عاد من أفكاره على طرق على الباب 

-ادخل .

كان مراد ،وضع ملفا على المكتب 

-مبروك ،أخذنا الصفقة ،المجمع الترفيهي والسياحي من نصيبنا.

-مبروك ،مممم قل لي من رافقك في سفرك.

توتر ،يعرف أن أباه يكره لينا ،ويكره ظهوره معها وعلاقته بها .

-لينا ،أليس كذلك ؟ما علينا ،الناس تظنكما مخطوبين ومنهم من يتقبل علاقتكم ولو في الحرام ،وانت هل تقبل ؟

-انا لم المسها يوما .

-اتقوا الشبهات. 

-لينا شبهة ؟وماذا عن عزيزتك كاميليا!

-ومن يعرف انها زوجتك ؟ لا أحد خارج العائلة التي فرضت على كل فرد فيها ألا يتفوه بكلمة عن زواجك .

-حسن ،ماذا تريد مني الآن ،انا منهك واريد أن أذهب لأستريح .

-اتصلت بي كاميليا ،تنتظر وثيقة طلاقها.

-ههههههه،طلاق ،هل تصدقها ،معدمة لو طلقتها  لن تجد ما تأكله.

-ألم تتنازل لك عن كل حقوقها ،بل وتركت مجوهراتها ،إذن فهي قادرة على التصرف لتكفل نفسها .

-قل لي الحقيقة ،ألم تساعدها منذ غادرت ؟

-لم اسمع منها قبل اليوم .جاءت صديقتها عائشة من طرفها ،تسأل عما تنوي .

-لن أطلق.

-حبا ام عنادا ؟

-ههههه حب ،لم اكره في حياتي مثلها .

-طلقها إذن .لترتاح منها ومن اشمئزازك منها .

فغر فاه ناظرا بدهشة الى والده ،هل حدثته عن معاملته لها ؟!

-لا تريد منها أولادا ،وتكرهها ،طلقها إذن .

لانت الكلمات على لسانه وهو يمسك كتف ولده 

-طلقها قبل أن ترفع دعوى الخلع ،وانت لم تعلن زواجك منها .

-لن أطلق ،وسأعذبها بقدر ما عذبتني ثلاث سنوات .

خرج كالبركان ،يكاد يركض ،لا يرى أمامه .

وصل فيلته حيث كان يعيش مع كاميليا ،صعد الى غرفتها فتح الخزانة وراح يمزق ما تركت بها من ثياب ،أفرغ صندوق المجوهرات على الأرض ،رأى خاتم الزواج أيضا، لم تأخذ شيئا ،الى هذا الحد ترفض ما يذكرها به ؟!

رأى كتابا للصور في ركن على التسريحة ،اخذه، جل الصور مع أمها والباقي مع عائشة ،لا أثر لصورة مع أخيها او أبيها ،هكذا هي إذن ،كرهت اخاها واباها حتى عاشت معه ثلاث سنوات ترفض رؤيتهما وتخلصت من صورها معهما. 

ألهذا الحد هي قاسية ،تستطيع أن تنكر وجود شخص مهما عاشت معه.

اخذ زجاجة عطرها قربها من أنفه قبل أن يقذفها نحو المرآة وهو يصرخ 

-عاهرة محتالة. 

اخذ سيارته و قصد فيلا والده ،قابلته أمه 

-ها قد عدت حبيبي ،اشتقنا لك .

-وانا اشتقت لكم ،أين سارة .

-اتصلت بها لينا منذ قليل وذهبت إليها، تعرف كم تحب كل واحدة الأخرى .

-سأصعد لأرتاح قبل العشاء .

منذ هجرته كاميليا عاد الى جناحه بفيلا والديه ،لم يدخل بيته قبل اليوم ، بعد العشاء الأخير كما أسمته كاميليا عاد متأخرا مترنحا كالعادة، ينوي أن ينتقم منها كما اعتاد باغتصاب جسدها ، ولكنه لم يجد غير الظلام ،والمائدة كما هي ، ظنها تهدد ،ليس لها مكان لتذهب إليه ،وستعود بعد أن تهدأ وتفكر ألا ملجأ لها وقد قطعت علاقتها بوالدها وأخيها ،صعد الى غرفتها ،مرتبة ومظلمة، باردة .

استلقى على السرير ولم يفق حتى الظهر ليرى انعكاسه على المرآة بكامل ثيابه بل حتى الحذاء مايزال بقدميه.

استحم وغير ،ثم توجه نحو بيت والديه حيث قصد غرفته بعد استقبال والدته له.

بعد أيام ،تلقت عائشة بفيلتها الصغيرة طردا، فتحته لتفاجأ .

صور جنين وتقرير حمل باسم لينا .

ذهبت إلى أمنية، استقبلتها بالمكتب .

-كيف حال كاميليا ؟

-بخير ،تستريح وترتب أفكارها ..

-خذي هذا وقولي رأيك .

رأت أمنية التقرير والصور 

-مممممم ،يبدو انه يرفض التطليق، ويبدو أنه يحكي كل شيء لعشيقته،وهي الآن تدفع كاميليا للتشبت بالانفصال .

-هل نخبر كاميليا ؟

-انتظري قليلا ،

نادت السكرتيرة عبر الهاتف الداخلي .

-ليلى ،هل هناك أحد بالانتظار ؟

-لا ،أستاذة، 

-يمكنك الذهاب ،لا تنسي المفاتيح. تعالي عائشة .

فتحت بابا وراء مكتبها ،ودعت عائشة للدلوف الى النصف السكني من الشقة .

-ماكنت اعرف أنك تقطنين هنا ،والفيلا؟

-مغلقة إلى اجل غير مسمى .

وضحكت.

سمعت ضحكها فخرجت من المطبخ.

-عائشة حبيبتي .

-انت هنا وانا أظنك بالفيلا ،كم اشتقت إليك .

عانقتني وانسابت دموعها .

-لا تبكي عائشة ،انا بخير حبيبتي.

-نعم حتى انها تمتعني بطبخها اللذيذ.

-متى تعلمت الطبخ؟

-لا ،الجواب حكاية ،تعالي لنجلس وبعد أن تذوقي من يدي احكي لك .

لاحظت أنني تجاوزت حزني ،وعادت إلي ابتسامتي وثقتي بنفسي.

-الغول كان يأكل منك كل ليلة حتى أنني خشيت عليك الأسوأ ،الحمد لله على عودتك حبيبتي.

-درس مهم رغم ثمنه الباهض ،ولكنه مفيد .

تدخلت أمنية ،اخذت بكتفي ونظرت الى عيني

-ليس بالضرورة باهضا، المهم أن تخرجي من التجربة بحكمة ،لو علمت كم دفعت غيرك من النساء ،بل وحتى الرجال لوجدت نفسك رابحة لم تخسري شيئا.

هيا لنأكل ،فالرائحة شهية جدا .

نظرت الى الصحن أمامي 

-ثلاث سنوات في سجن من جهنم ،ولم أخسر شيئا ؟ لننسى أياما من العمر ،ماذا عن قلبي ومشاعري ؟

وضعت الشوكة ونظرت إلى 

-اسمعيني يا كاميليا ،سيُجبَر قلبك ، وتتحرك مشاعرك مع الشخص المناسب ،قد ترين انتقام الله لك ممن آذوك ،احمدي الله أنك خرجت سالمة الجسد والعقل ،غيرك فقد الكثير ،فقد ما لا يمكن تعويضه .

-تعلمين يا كاميليا كيف أضعت حبي ،وبعده ابتعد عني أخي ،الوحيد  ،تنكر لي  من أجل نصيبي من الإرث ،ورغم أنني تخليت له عن معظمه زاد تعنته وأراد أن يجبرني على الزواج من صديقه ولما رفضت ،كما ترين،تخلى عني ،حتى أنه لايدخل بيتي ،واتهمني في شرفي وأخلاقي .

-لماذا رفضت صديقه ،وفاء لحبك الضائع؟

-لا يا أمنية ،اخوها لم يكمل تعليمه،تدخل والده ليجد له وظيفة رغم مؤهله الضعيف ،المهم أن يشتغل ،أما المال فلا ينقصهم مع إيجار بعض البيوت ،إيراد أرض زراعية بالبلد ،والصديق كان جليس المدام والسهر بالحانات،لا يكفيه راتبه خمرا وحشيشا.

-خطبني ساعة صفاء بينه وبين أخي الذي وافق دون تفكير ،المهم انه يثق به ،ويحب رفقته ،والأهم أنني أنثى لا رأي لي وقد نصب نفسه وصيا علي بعد وفاة والدي .

-ووالدتك .

-كنا نعيش معا بالبيت الكبير ،وهو رجلنا بعد والدي ،استحملنا نزق زوجته ،وحاولنا تجنب رفاقه في لياليه الحمراء بالبيت ،فإذا به يوافق على عريس أحقر منه وأوضع.

-هددها إن رفضت يطردها من البيت ،طالما قد تنازلت له عن نصيبها فيه بعد حرب الإرث غير المعلنة، لم تنتظر حتى يفعل ،تركت البيت الى شقة قريبة من مقر الشركة الهندسية حيث تعمل .

-وأمك ؟

-رافقتني ،وبدعاءها نجحت بعملي ،واستطعت أن ابني الفيلا التي اسكن بها الآن ،صحيح انها صغيرة ،ولكنها على ذوقي ومن إبداعي وجهدي.

-والزواج ،ألا تفكرين به؟

نزلت دمعة يتيمة من عينها اليسرى سرعان ما مسحتها

-لن اتزوج دون حب ،وحبي الوحيد فرطت فيه.

-بل هو من لم يفهم تضحيتك حبيبتي .

نظرت إلينا أمنية متسائلة، رغم معرفتها بعائشة إلا أنها تجهل اهم ما في ماضيها ،ليس من حقي أن أتكلم عنها ،لو رأت أن الوقت قد حان لتطلع صديقتنا الجديدة عن حكايتها ستفعل .

ولكنها غيرت مجرى الحديث

-أخبريني كاميليا متى تعلمت الطبخ ؟

-بعد بضعة أشهر من زواجنا ،وقد تعودت أن آكل وحدي ،حتى أنني كنت أنام معظم اليوم ،وأكتفي بوجبة منتصف النهار ،بعد أن رأيت انه لا يقرب ما اعده على المائدة ،تخليت عن حلم العائلة السعيدة حول طاولة الطعام ،عاد يوما بعد الفجر ،ثملا كالعادة ،غير انه توجه إلى غرفته ،تنفست الصعداء 

-الحمد لله ،افلتت الليلة من عنفه.

ولكنني سمعت أنينه ،فتوجهت إليه خائفة من غضبه ،وجدته يتلوى من الألم ،وبعد برهة بدأ يتقيأ ،أسندته حتى السيارة وأخذته الى المستشفى وهناك تبين التهاب مزمن بمعدته، وصايا الطبيب أن يبتعد عن الخمر والتدخين ،والبهارات القوية بالأكل ،اضطر أن يلزم السرير لأيام ،واضطرت أن أطبخ له ،توجهت نحو مواقع التواصل استفسر عن الأكل الصحي لحالته ،فتعلمت ،وبعد أن شفي تماما ،أصبح يأكل ما اعده له ،بينما تعلمت أن أطبخ لنفسي حسب شهيتي.

-وما اخباره مع الخمر والسجائر؟ 

-لا أدري بالضبط ،ولكنه كلما اقترب مني يكون ثملا .ههه يشمئز مني فكيف يقربني واعيا.

-يشمئز منك! صاحت عائشة متهكمة ،انت التي تتوضأ لكل صلاة ،عطرك بعد الماء نسائم الربيع ،يالوقاحته!!!

ضحكت 

-لا عليك عائشة ،ذهبت أيامه بمرها .

-نقول بحلوها ومرها ،صححت أمنية. 

-لم اذق معه حلوا ،كلها كانت علقم.

استأذنت عائشة بعد أن اوصتها أمنية أن تنكر علمها بمكاني.

-تعالي يا كاميليا، انظري ماذا أرسلت إليك لينا .

نظرت الى تقرير الحمل وصور الجنين ،فأدمعت عيناي. 

-إذن فهي حامل منه ،هل تزوجا؟

-لا ليس بعد ،لو كان لأخبرني من كلفته بذلك.

-ههه يقبل منها طفلا جاء سفاحا ،ويرفض طفلي انا،يجبرني على إجهاضه، يقتل ابنه لأنه مني ،كم أكرهه!

-لابد انها تعلم بأمر إجهاضك ولهذا ارسلت إليك تغيظك، وتدفعك لتكرهيه وتصري على طلاقك منه.

-ماكان عليها أن تتعب نفسها ،ما خرجت من بيته لأعود له ،لا أمل فيه ولا رجاء منه.

-يمكننا أن تستغل هذا لنرغمه على الطلاق .

-كيف ؟

-تسريب صغير من مجهول بهذا التقرير حيث اسم حبيبته واضح ،تفضح علاقتهما المحرمة .

-لا ،الأمر سيضر سمعة بابا فايز أيضا،ننتظر ،لو ضغط عليه وطلق كان بها ،لو تمادى في الرفض نرفع الدعوى .

-كما تشاءين ،اذهبي لتستريحي،سأسهر على قضية اترافع فيها غدا صباحا .تصبحين على خير.


               الفصل الثالث من هنا 

            لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات