أخر الاخبار

رواية تربصت بي اعين قاتلة الفصل الرابع عشر14بقلم سارة نيل


رواية تربصت بي اعين قاتلة
 الفصل الرابع عشر14
بقلم سارة نيل 


ظلت تتلوى في الفراش وتعرّق وجهها وهي تتحرك بعنف...
بين الظلام .. وجُثث من تم التخلص منهم يلفونها  .. ثم والدها الذي يقف لها بسكـ.ين طويل ويبتسم لها بخبثم بينما يُشير لها..
الدما.ء تُغرق المكان .. الجُثث فارغة من أعضاءها تسير نحوها للفتك بها بينما هي تعود للخلف بخوف، لتسقط في شيءٍ دافىء، نظرت على جسدها لترى ملابسها البيضاء تصبغت بلون الدما'ء، رفعت يديها أمام وجهها بصدمة لتشهق وهي تراها ممتلئة بالدما'ء...
جاءت تنهض لتركض لكن لم تستطع كأن جسدها التصق بالأرض .. ظلت تحاول وتحاول وهي ترى اقتراب الجُثث منها بذعر..
وضعت يدها على وجهها محتمية بها بينما ينهالون فوقها لتصر'خ بصوتها كله وهي تبكي بعنف..

كان هناك صوت يأتي من بعيد كان بمثابة الضوء وسط دُجى الظلام.. 
- غفران .. فوقي يا حبيبتي  .. دا كابوس .. فوقي يا غفران .. إهدي .. إهدي..

شهقت بقوة وهي تقفز مستيقظة لتلتقفها أحضان تميم الذي طوقها بحنان يربت على ظهرها يبثها الطمأنينة وهو يهمس:-
- دا كابوس .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
إهدي يا غفران دا كابوس يا حبيبتي..

كانت ترتعش بينما وجهها متعرق وقالت دون وعي من بين شهقاتها والرعب يتملكها:-
- مش هيسبوني ... هيموتوني .. د'م .. هما كتير .. با با.

مسح العرق البارد المُتجمع فوق جبينها وربت على خصلاتها يُعيدها للخلف ومال بها وهي بأحضانه على الفراش ويده تسير على جسدها محاولًا بث الطمأنينة إليها .. سحب الغطاء فوقهم للتتشبث به بلهفة وتقول برجاء من بين بكاءها:-
- لا .. متسبنيش يا تميم ... خليك معايا..

زاد من إحتضانها إليه وقبل رأسها قائلًا:-
- أنا هنا يا عيون تميم .. خلاص إنتهى إنتِ في آمان..

وظلّ يتلو أيات القرآن وهو يُمسد على جسدها بحنان حتى غفت وذهبت في ثباتٍ عميق بين أحضانه..
هذا ما كان متيقن منه تميم، أمامه طريقٌ طويل حتى تتعافى غفران لذلك لم يُرد أن يجعلها تنام في غرفة شقيقتها..

                           ❁❁❁❁❁

تُشرق الشمس في كل العالم بإستثناء تلك الغرفة التي سكنها الظلام عشرون عامًا..
جسدها إزداد نحولًا من سوء التغذية وشحب وجهها شحوب الأموات، والجروح تملأ جسدها ووجها..
أثار القيود على قدميها ويديها دا'مية..
استندت على الأرض وهي تُشجع نفسها، فهي لن تترك ابنتها لهذا المريض ... ستُعافر لحمايتها حتى وإن كانت روحها الثمن..
وقفت خلف الباب ثم همست برجاء وهي تنظر لأعلى:-
- عشرين سنة مقصرة في حقك يارب .. بس كنت معاك بقلبي وإنت عالم بإللي أنا فيه، أنا مش معترضة على قضاءك يارب ولا زعلانة وأكيد دا لحكمة إنت تعلمها..
بس بترجاك يارب ساعدني .. وأحمي بنتي .. أحمي غفران يارب إنت أحن عليها مني..
يارب ساعدني أخرج من هنا علشان ألحقها يارب..

وشرعت وقد تلاشى ضعفها رغم هزلها تسحب الباب القديم بمثابرة وعزم تحاول فتحه..
جلست في الأسفل وملابسها البالية تتكوم حولها ثم أخذت تسحب الباب من عقبه بقوة رغم جروح يديها..

- يارب .. يارب ..  بسم الله..

وقفت مصدومة ولم تُصدق ما رأته حين انخلع مقبض الباب وانفتح على مصرعيه..
خرجت بهدوء وهي تسير بقدميها الحافية ببطء بينما تنظر حولها بحذر..
كان الهدوء يعم الأرجاء ولا يبدو وجود أحد..
هرولت للخارج وحين صدمتها نور الشمس وضعت يديها على عينها متألمة..
لكن لا وقت للألم .. هرولت بتعثر وتعرج نتيحة جروح قدميها وأيضًا كانت حافية..

ولجت الغابة تركض بكل عزمها متجاهلة ألامها تحاول أن تبتعد أكبر قدر ممكن قبل أن يكتشف هروبها..
استندت على ركبتيها تلهث بشدة محاولة التقاط أنفاسها لمواصلة الركض..
لكنها جزعت مصدومة حين سمعت صوت سير على أوراق الأشجار مصحوبة بصوت غريب متقطع..
وثبت واقفة وهي تنظر خلفها برعب لكن سرعان ما انفرجت أساريرها وهي تقول بحنين:-
- ملار..

أشارت له مبتسمة ليتوقف الذئب برهة ينظر إليها فتقول:-
- ملار إنت نسيتني .. أنا عفيفة أم غفران..

وكأنه فهم ما تقول فركض نحوها لتسقط محتضنة عنقه وهي تُمسّد على فروه بينما هو يشتم في رائحتها ليطمئن أنها هي..
- ملار كبرت أوي زي ما غفران كبرت ... وحشتيني أوي يا ملار..

مسدت على رأسه بينما يُصدر صوتًا متألمًا لتنظر داخل عينيه وتقول:-
- متعرفش مكان غفران يا ملار، ممكن توديني ليها..
ملار عيزاك تفضل معاها وتحميها..

لوى رأسه كأنه يفهم ما تقول..
وسار مسرعًا لتركض خلفه وهي تقول له:-
- هتعرف تخرجني من هنا يا ملار قبل ما غفران تيجي علشان الفيديو إللي الحقير بعته..!!

                          ❁❁❁❁❁

باعدت جفنيها عن فيروزتيها الصافية لتجد نفسها تنام فوق صدر تميم براحة وهو يُحيطها بحنان..
تنهدت بعمق وهي تتذكر أحداث كابوسها المعتاد، هذه ليست المرة الأولى وبالتأكيد ليست الأخيرة لكن المختلف هذه المرة وجود تميم بجانبها..
رفعت رأسها تتأمله بحب . . . الكلمات غير جديرة بوصفه..
لقد أصبحت روحها مُعلقة به، ولم يكن تعلُقها بِه تعلُق حبيبةٌ بحبيبها، إنما تعلُق مُقيم بوطنه..
كان تُعاني العَمَى . . . وهو مَن كان دليلُها..

جذب إنتباهها صوت تنبيهات متتالية من هاتف تميم الموضوع بجانب الفراش، مدت يدها تلتقطه محاولة إصماته كي لا يُزعج تميم في نومته، لكن لا فائدة بطلت محاولتها..
تململ تميم في نومته ليستيقظ .. قبل رأسها الموضوع على صدره بحنان وهو يهمس:-
- صباح الورد على قطتي..

رفعت رأسها مبتسمة بهدوء وقالت:-
- صباح الخير يا تميمي..

مدّ يده يدغدغها كالاطفال لتنطلق ضحكاتها وقال:-
- أيه الصباح الرايق ده يا عيون تميم..

قالت من بين ضحكاتها:-
- تميم .. خلاص معدتش قادرة يا تيمو..

ضحك بصخب وجذبها لأحضانه مقبلًا جبينها..
مدت يدها له بهاتفه وقالت:-
- موبايلك من ساعتها بيعمل صوت كتير، شوف في أيه.. 

أخذه ليفتحه وهو يقول:-
- أما نشوف يا ستي الموبايل..

استندت على كتفه تنظر بفضول لكن تجمد كلًا منهم وهم يرون مقطع فيديو مُرسل لتميم به إمرأة مُعذبة ليظهر والدها وهو يقول..
- غفران بنوتي حبيبتي  .. كنت عايز أعرفك على حد مهم يا حبيبة بابا..
تعرفي مين دي .. هتتفاجئي .. دي أمك يا غفران..
حبيبتي عفيفة .. 
هي كدا كدا محسوبة إنها ماتت، قدامك ساعة زمن تكوني قدامي ... أو هخلص عليكِ..
زي ما الكلب إللي اسمه تميم خرجك من هنا .. يجيبك تاني .. ولازم يجي معاكِ..
وإياكم تلعبوا بديلكم وإلا هتكون أمك الغالية مع الأموات..
سلاااام يا حلوين...

وعفيفة المكمكمة الفم تحرك رأسها بلا بجنون لكنه سارع بإغلاق الفيديو..

قفزت غفران من فوق الفراش وانفجرت في بكاء عنيف وهي تسير ذهابًا وإيابًا في الغرفة..
- ماما .. ماما .. ماما عايشة أيوا أيوا هي أمي..
ماما عايشة يا تميم .. لا هو هيقتـ.لها لازم ألحقها .. لازم أروح..

قفز تميم نحوها وهو يلتقفها بين ذراعيه يحاول السيطرة عليها لتضربه بجنون وهي تصرخ ببكاء:-
- مااااااماااا ..  سيبني أروح عند ماااامااا يا تميم..

- إهدي يا غفران ..  إهدي يا حبيبتي .. هيأذيكِ يا غفران هيأذيكِ .. هنشوف حلّ وأنا مش هسيبها هنقذها بس بلاش إنتِ..

صر' خت ببكاء وهي تتمسك به بانهيار وهو يجاهد في ضمها إليه..

بينما في الخارج كانت سوسن وتالين سعيدة بسماع ضحكاتهم ليتفاجئوا بصراخ وبكاء غفران..
هرعت سوسن إلى الغرفة خلفها تالين ليصدموا بهذا المشهد..
ركضت نحوهم وتسائلت بصدمة:-
- في أيه يا تميم مالها غفران .. أوعى تكون أذيتها يا تميم..

حرك رأسه بنفي ومد يده بالهاتف بينما يطوق غفران بذراعه الأخرى..

ارتعش جسد سوسن وهي ترى أمامها رفيقتها عفيفة التي بهتت ملامحها وأصبحت في حالة يُرثى لها، لو لم تكن تحفظها عن ظهر قلب ما تعرفت عليها..
انهارت ساقطة على الفراش واضعة كفيها على وجهها بصدمة..
اقتربت تالين تنظر للهاتف بعد أن سردت لها والدتها كل شيء يتعلق بغفران ووالدتها لتصعق من هذا المنظر هي الأخرى.. 
جلست بجانب والدتها تدعمها، لترفع سوسن رأسها بقوة وقالت بحسم:-
- تميم إنت لازم تبلغ الشرطة ... لازم تنقذ عفيفة، لازم القذر ده ياخد جزاءه..
بلغ الشرطة يا تميم..

صر'خ تميم بعذاب:-
- مينفعش يا أمي .. غفران هتتأذى لما يحققوا في موت الضحايا ولما يعرفوا كان أيه إللي بيحصل في المكان، محدش هيصدق إنه كان بيرغمها وبيعطيها عقار يخليها تفقد السيطرة على نفسها..
هتتأذى يا أمي.. 

صاحت به غفران وهي تتمسك بملابسه برجاء:-
- مش ليك دعوة بيا يا تميم.. بلغ ومش مهم أنا، المهم أنقذ ماما ... أنا لازم أروح علشان أضيع وقت وإنت بلغ الشرطة ... وخليك إنت علشان هو عايز يأذيك .. عايز يخلص عليك..

هتف بجنون:-
- لا .. لا يا غفران مش تبقي أنانية، إنتِ وعدتني إنك هتكوني بخير .. مقدرش يا غفران..
هنروح سوا وكل حاجة هتبقى تمام، متنسيش إن ربنا موجود وهو الحافظ .. وأنا واثق إن هينقذها ويحميكِ.

عادت للخلف وهي تقول بإنهزامية بينما وجهها غارق بالدموع:-
- الظاهر إن لازم أدفع التمن يا تميم..
إللي زيّ ملهوش إن يعيش سعيد، في الحكاية دي لازم إللي ينتهي أنا..
أمي لازم تعيش علشان ربنا يعوضها لأنها اتعذبت كتير..

مسحت دموعها وقالت بإصرار:-
- أنا همشي .. لازم أروح لأمي..

قال هو بقوة:-
- وأنا معاكِ يا غفران ومن غير ولا كلمة.. 

قالت سوسن بهلع:-
- كدا غلط .. مش لازم تروحوا للمجرم ده لوحدكم..
لازم تبلغ الشرطة يا تميم..

سحب تميم مفاتيح سيارته الإضافية ثم خرج وهو يجذب غفران وقال بيقين صادق:-
- أنا واثق إن ربنا هينصر الحق يا أمي، وواثق إن هيقف معايا النهاردة، وإن شاء الله نرجع ومعانا أمي عفيفة كلنا سالمين..
بس دعواتك يا أمي..

وخرج لتسقط وهي تبتهل إلى الله وترجوه ببكاء عنيف أن يحفظهم ويعودوا سالمين..
أضاءت بعقلها فكرةٌ ما لتنتصب وهي تُمسك هاتفها وتسأل المولى أن يُيسر لهم العسير..

                           ❁❁❁❁❁

اخترق الغابة يقود السيارة بأعصاب مشدودة لم يتوقف لسانه عن الدعاء ليحفظها الله ويمرّ هذا الموقف على خير، مجرد فكرة أنها سيُصبها مكروه تفقده صوابه..
بينما غفران فكانت جالسة تقبض على فستانها وهي جامد، ترسم بعقلها ألف سيناريو لما سيحدث..
تتخيل لقاءها بوالدتها .. وكيف سيكون عناقها!!
تخاف أن يحدث لها شيء أو أن يُصيب تميم مكروه بسببها..
تنهدت بثقل وقالت بثبات:-
- تقدر توقفني هنا وأنا هعرف أوصل يا تميم وترجع إنت..

صا'ح بغضب منفلت بسبب إصرارها:-
- كفاية يا غفران أنا مستحيل أرجع ومستحيل أسيبك ريحي نفسك..

هتفت بإعتراض:-
- بس أنا خايفة يإذيك..

- لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا..

كان ينظر لها وحين جاء يستدير ينظر للأمام ضغط على المكابح بقوة حين رأى ركض الذئب أمام سيارته..
صر'خت غفران بفرحة وهي تهبط من السيارة:-
- ملار . . . ملار إنت كويس..

مسدت عنقه ليصدر أصوات غريبة وهو يسحبها من ملابسها ويسير بها بين الأشجار، تعجبت من حالته تلك وبكونها تعلم كل سلوكه تُؤكد وجود أمر ما مهم جدًا..
ركض تميم خلفهم بتعجب لتجحظ أعينه بصدمة حين رأى تلك السيدة الهزيلة تستند على أحد الأشجار تتنفس بصعوبة وللوهلة الأولى تأكد بأنها . . عفيفة.

أسرعت نحوها غفران لتقف أمامها بجسد يرتعش وقد أيقنت بأنها والدتها، لا كلمات تصف هذا الموقف..
همست بصوت مرتعش بكلمة تمنت نطقها وكانت تبحث عن صاحبتها كالمجنونة:-
- ماما..

فتحت عفيفة أعينها بصدمة وهي لا تُصدق ما سمعت، رفعت أعينها التي حاوطها هالاتها السوداء فكانت كالقمر الفيروزي وسط دُجنة السماء..
ارتعشت أقدامها وسقطت بأقدام هلامية بينما فاضت أعينها بدموع حارة، ارتعشت شفتيها وأخذت تتمتم بجنون وعدم تصديق:-
- غفران . . . غفران . . . بنتي .. صح غفران . . . لا لا جيتي ليه هيأذيكِ..

ألقت غفران جسدها بأحضان والدتها تنعم بعناق دافئ للمرة الأولى وهي تشهق باكية:-
- ماما ..  أمي .. ماما أنا مش مصدقة، أنا عندي أم أنا عندي أم. .. ماما عايشة، أنا كنت..

وسقطت الكلمات منها لتشدد عفيفة من عناقها وهي تُمسد على رأسها وجسدها بينما تُقبلها بلهفة..
- نور عيوني يا بنتي .. أنا هنا .. أفديكِ بعمري يا غفران أفديكِ بروحي يا بنتي..

وظلوا على هذا الحال أكثر من العشر دقائق بينما يشاهدهم تميم بقلب موجوع لكنه شعر بالخطر لوجودهم في هذا المكان أكثر من هذا..
وحمد الله بداخله على هذا التيسير..

اقترب منهم وقال بهدوء:-
- أمي عفيفة .. غفران لازم نمشي من هنا في أسرع وقت..

رفعت عفيفة رأسها له لتُضيّق عينيها بُرهة بينما قالت:-
- الشكل ده حاسه إن شوفته قبل كدا .. مش غريب عليا..

ابتسم بهدوء بينما جلس على أعقابه أمامه وقال:-
- أنا تميم .. ابن أختك وصابحة عمرك سوسن..

ونظر لغفران وقال بحب:-
- وزوج بنتك غفران..

شهقت بفرحة وجذبته لأحضانها وهي تقول بسعادة تعانق السماء وإمتنان:-
- تميم .. حبيب أمك يا تميم .. إنت نجدتي أنا وبنتي من السماء يا حبيبي، شكرًا يا ابني على كل حاجة عملتها .. كنت واثقة إن علاقتي بسوسن عمرها ما يكون لها آخر..
شكرًا يارب اللهم لك الحمد على فضلك وسترك ده..

قبل رأسها وقال:-
- دا من حب ربنا ليا يا أمي عفيفة، أنا إللي بحمد ربنا على نعمة وجودك إنتِ وغفران في حياتنا..

التفتت حولها تقول بقلق وخوف وأمسكت بيد غفران:-
- أنا هربت يا ولاد وهتلاقي شاهين عرف بهروبي، لازم نمشي من هنا بسرعة قبل ما يجي ويإذي حد.

أيدها تميم وهو يقف بينما يساندها:-
- كلامك صح يلا بسرعة من هنا..

لكنهم تجمدوا عندما سمعوا هذا الصوت الذي تردد صداه بالأرجاء:-
- عفيفة ... إنتِ مفكراني مش هعرف أوصلك وتقدري تهربي مني .. قدرك معايا إنتِ وبنتك يا عفيفة..
غفران حبيبة بابا .. تعالي لحضن بابا يا روحي..

انكمشت غفران واختبأت خلف تميم الذي وقف أمامهم بحماية ليظهر شهاب (محروس) أمامهم وهو يبتسم بخبث بينما يُمسك بيده سكي'ن طويلة وهتف:-
- تفتكروا العيل ده يقدر يحميكم مني ولا يمنعني عنكم، دا أنا هخلص عليه قبلكم..

وأكمل بقذارة:-
- يلا يا عفيفة يلا يا حُبي إيدك في إيد بنتنا وتعالِ هنا..

حركت رأسها بجنون نافية بينما تُخبئ غفران خلفها وجأرت بقوة:-
- لا يا شهاب مش هيحصل كفاية كدا، كفاية ذلّ وقهره، دمرت بنتي ودمرتني .. دفنتنا بالحيا..
وجه الوقت إللي تاخد جزاتك فيه ..
ربنا ينتقم منك يا شهاب هو الأقوي وأقوى منك..

اقترب منهم خطوتين بينما يصرخ:-
- ومين هيمنعني عنك يا عفيفة .. خلاص وقعتي بين إيدي وكل مرة بتقعي بين إيديا..

وجاء يهجم عليهم لكنه تجمد وأصوات سيارات الشرطة تُهاجم المكان والكثير من أفراد الشرطة تنتشر في الأرجاء...
انفرجت أسارير عفيفة، بينما شعر تميم بالخوف من أن يُصيب غفران مكروه..

وقف شهاب يدور حول نفسه بصدمة وجنون وأفراد الشرطة تُطالبه بالإستسلام، صا'ح بجنون وهو يضحك كالمجذوب:-
- دي حكايتي وزي ما بدأتها هنهيها..
أنا شهاب عطوان محدش يقدر يوقفني ولا يعاقبني إنتوا فاهمين ..  أنا أكبر من الشرطة والحكومة..

وركض مُسرعًا حتى وصل لحافة التَلة المرتفعة وألقى بنفسه من فوقها لتشهق غفران برعب وسقطت فاقدة ثباتها وهي ترى والدها بأُم عينيها يلقي بحدفه، دعمها تميم من جانب ووالدتها من جانب..

انتشر أفراد الشرطة وهم يرون جثة شهاب التي تمزقت إربًا إربا .. ليكفيه عقاب أن يحيا عاصيًا ويموت كافرًا ليقتص المولى منه..

جاء الضابط لتميم وقال بثبات:-
- الحمد لله على سلامة المدام عفيفة، إحنا وصلنا بلاغ من المدام سوسن والدة حضرتك بحالة الخطف..
وكان لازم حضرتك تبلغ علشان حمايتكم، لأن لو ماجيناش في الوقت المناسب كانت العواقب هتبقى وخيمة يا دكتور تميم..

شكره تميم بإمتنان:-
- شكرًا جدًا لحضرتك يا حضرة الضابط، أنا خوفت لو بلغت يإذيها .. والحمد لله عدت على خير..

- الحمد لله على سلامتها اتفضلوا معانا علشان نسأل مدام عفيفة شوية أسئلة..

                         ❁❁❁❁❁

وقفت عفيفة أمام سوسن التي هرعت نحوها بلهفة تُعانقها ببكاء عنيف..
- عفيفة..حبيتي الحمد لله على سلامتك نورتي بيتك يا حبيبتي، دورت عليكِ كتير أووي يا عفيفة..

ابتسمت عفيفة بإطمئنان وقد شعرت أخيرًا أنها وصلت لبر الأمان..
- كنت عارفة وواثقة إن لُطف ربنا هيطولني يا سوسن، كنت واثقة إن هيجمع شملنا من تاني..

أخذت سوسن تتأملها بأعين حانية، تتأمل شحوب وجهها والكدمات التي تملأه والجروح المُتفرقة بأنحاء جسدها الهزيل..
همست بحُر'قة تملأ قلبها:-
- ربنا ينتقم منه .. وياخد جزاءه على كل إللي عمله فيكِ وفي غفران..

ثم سحبتها لغرفتها بصمت واحترم الجميع لحظة لقاءهم..
بدأت سوسن تملأ حوض الإستحمام بالماء الدفئ وتُضيف لهم الرائحة الزكية وأخرجت ملابس نظيفة من ملابسها ثم سحبت عفيفة كأنها والدتها وقالت:-
- يلا يا عفيفة..

ساعدتها في إزالة ملابسها الرثة، وجلست خلفها تغسل شعرها بحنان في حالة من الصمت البالغ..
ساعدتها في إرتداء الملابس النظيفة ثم بدأت تمشط لها شعرها بحنان وتجففه لها..
وأخذت تضمد جروحها..

كانت غفران تقف على باب الغرفة تتأمل والدتها بأعين مليئة بالدموع بينما يجلس تميم على المقعد يبتسم لها بحنان..
إلتفتت عفيفة فوجدها بهذه الحالة فابتسمت ومدت ذراعها لها وهي تشير لها بالقدوم، سارت غفران حتى وضعت يدها بيد والدتها واقتربت حتى غرزت نفسها بأحضانها لتطبق ذراعيها حولها بدفئ وقبلت رأسها بحنان، لتغمض غفران عينيها براحة لتبتسم سوسن وهي تحمد الله على نِعمه الكثيرة..

خرج تميم ووقف أمام الشقة المقابلة لهم وطرق بخفة فوق بابها وانتظر الإجابة ليزف إليه الخبر الذي سيُعيد قلبه للحياة..
ظهر من خلف الباب رجل أربعيني، رأسه مزيج من الشيب والشعر الأسود، أنيق ووسيم رغم هذه التجاعيد التي جاورت عينيه لكن ملامحه ينطلي عليها الحزن وأعينه خالية من الحياة بعد أن انطفأت برحيل حبيبته..

قال تميم بمرح وهو يتخطاه ليلج للداخل حيث عزلته:-
- سُمعه ... فينك يا راجل هو أنا لو مسألتش عليك متسألش عليا مكونتش زي ابن أخوك..

زفر الأخر وهو يرمي بجسده على الأريكة وهتف بلامبالاة:-
- خير يا تميم عايز أيه..

جلس تميم واضعًا قدمًا فوق الأخرى بينما وضع ذراعيه خلف عنقه قائلًا:-
- يا باي عليك يا راجل مالك جامد ليه كدا، جاي أدردش معاك شوية هتطردني يا سُمعة..

فتح إسماعيل حاسوبه النقال بينما يهتف:-
- مش فاضي . . . مشغول.

- اممم .. مشغول بالتفكير، مش عرفت أخيرًا يا عم قصة الحب القديمة .. أيه الوفاء دا كله يا سُمعة واللاه وطلعت دنجوان كبير يا كبير..

رفع أعينه ورمقه شذرًا ثم تمتم ببرود:-
- شكلك فاضي يا تميم ... روح اتساهر مع سوسن أنا مش فاضي .. يلا على بيتك..

- لا يا عم أصل عندنا ضيفة غايبة بقالها سنين وأنا قولت أسيبهم على راحتهم، ضيفة غالية عليك أووي..
ألا صحيح مش تباركلي .. أنا اتجوزت ومش هتصدق مين!! 

اندهش إسماعيل قليلًا وقد نجح تميم في جذب إنتباهه ليقول بضجر:-
- لا تقول عالطول إللي عندك لتتكل على الله يا تميم..
أيه موضوع جوازك ده .. وإزاي اتجوزت فجأة كدا!!

أراح تميم ظهره بينما يقول:-
- دي حكاية طويلة أووي يا سُمعة..
هختصرها لما أقولك مين هي ضيفتنا .. حد هيرجع الحياة لقلبك..

ضيق إسماعيل عينيه بتسائل بينما أخذ قلبه يدق بعنف، ليسقط خبر تميم عليه كالإعصار شتت كل كيانه..
- خالتي عفيفة ... أو بالأحرى أمي عفيفة..

                           ❁❁❁❁❁

≈ بعد مرور عام ≈

ترتدي فستان رقيق أبيض من قماش السيتان الناعم يصل لكاحلها، وقفت غفران التي أشرقت ملامحها أمامها تعقد حجابها بإبتسامة متسعة وأعين لامعة..
قالت أخيرًا وهي تُقيّمها بنظرة شمولية:-
- عروسة زي القمر  .. عفيفة وهي فعلًا عفيفة..
أنا محظوظة أوي يا فيفو علشان أنا البنت الوحيدة إللي قدرت تحضر فرح أمها..

احتضنتها عفيفة بحنان وأعين سعيدة وقالت:-
- أنا إللي محظوظة إنك بنتي يا غفران، إنتِ عوضي عن كل حاجة شوفتها..

ابتسمت غفران بينما هتفت بخبث:-
- طب وسُمعة..

ركضت خلفها بشغب كفتاة عشرينية بينما فرت من أمامها غفران راكضة بمرح طفولي لتعلو ضحكاتهم بأرجاء المنزل..
التقط تميم غفران بأحضانه بينما يحملها بعيدًا عن مرمي يدي عفيفة..
- عملت فيكِ أيه بس يا فيفو..

قالت عفيفة بتذمر:-
- إبعد مراتك عني يا تميم .. حقيقي مش بقت ساهلة خالص يا تميم وكلها خبث..

رسمت غفران أعين الجرو بينما همست بوداعة وهي تتشبث بعنق تميم:-
- أنا يا تيمو .. تصدق عني إني شريرة، دا أنا قطتك البريئة .. صح ..

تستطيع بأقل مجهود أن تسلب لُبه وترسله لوادي الجنون، تفحصها بعشق بينما يقول بهيامٍ خالص:-
- صح الصح يا عيوني تيمو .. يا قطتي الشقية..

زفرت عفيفة بضجر بينما تقول بسخط:-
- أيوا طبعًا من عاشر القوم .. وهي بقت نسختك الصغيرة..

ورحلت بينما تركت تميم يُحدق داخل أعين غفران بوله، وهمس بعشق:-
- فكريني النهاردة أيه.

طوقت عُنقه وهمست وهي تبتسم بحب:-
- النهاردة هتتجمع كل الأفراح..
النهاردة ختمت القرآن على إيد تميم.. 
النهاردة اتعافيت من كل الماضي بفضل تميم بعد الله.
النهاردة هتكرم على رسمتي إللي حصلت على المركز الأول بفضل الله ودعم تميم لغفران..
النهاردة أخيرًا عفيفة هتجتمع بحبها وربنا هيعوضها على كل إللي شافته..
النهاردة أخيرًا بقى عندي كيان وليا مستقبل واتقبلت في الكلية إللي فيها شغفي .. الفنون الجميلة..
النهاردة حصيلة سنة كنت تلميذة نجيبة لأستاذي تميم..
النهاردة فضل الله عليا..

ورفعت أصابعها تتحسس لحيته بينما همست:-
- النهاردة هيكتمل إرتباطنا أنا وتميم وأبقى زوجته أمام الله والناس..
النهاردة جزاء الصبر .. والجبر بعد الصبر..
وفي الأخر النهاردة وفي آخر اليوم هنكون واقفين كلنا في الحرم..
في أكتر من كدا..!!
أنا ربنا بيحبني أووي يا تميم .. وأنا بحبه أوووي..
تميم كل حاجة في الحياة أرزاق، وإنت رِزق ربنا ليا..
كل شيء بيبدأ بتميم وينتهي بتميم..

جذبها لأحضانه يُطبق عليا بشدة وجنون، أما والله لقد وصل الحُب لأقصى حالته ولم يعد تفيه الكلمات..
كوّب وجهها بين كفيه بينما همس وهو غارق بأعينها:-
- تلك الأعيُن ضعضعت كل قوايّ مذ أن تربصت بي وقـ.تلت معاني تاء التأنيث بقلبي..
حقًا لقد تربصت بي أعيُن قا'تلة..

وتحيا عفيفة بكنف رجلٌ فتُكمل حياتها من حيث توقفت وتحيا شبابها..
وتحيا غفران بكنف عاشق فتعيش طفولتها المبتورة حتى يشيخا معًا..

                        
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close