رواية انسحاب الفصل الثاني وثلاثون32 والاخير بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الثاني وثلاثون32

بقلم حكاوي مسائية



تستلقي على السرير المجاور له بعد أن هدأت وانتظمت أنفاسه،نوبة القيء انهكته ،اخذت الإناء تفرغه بالمرحاض،بعد أن مسحت وجهه بفوطة بللتها بماء الورد البارد.وبعد أن اطمأنت أنه غفا ،استلقت على فراشها .

دخل وسام الغرفة بعد طرق خفيف هي من سمعته ،واذنت له بصوت منخفض.

-كيف حاله؟

-كما ترى ،ينهكمه القيء جدا ،غفا للتو .

-لابأس ،ذاك واحد من مضاعفات العلاج .ولكنني قلق عليك ،شحوبك وهزالك ظاهرين للعيان، لا تنسي أنك حامل في الشهر الرابع.

-حتى حملي لم اهنأ به دكتور،وانت أدرى بالظروف.

-ولكنه حمل مرغوب وبشدة ،يجب أن تحافظي عليه ،تعالي لتراك الدكتورة ،وتكشف عليك.

انصاعت له ،فهي لا تتابع حملها كما يجب،والاهتمام الوحيد الذي حظيت به كان من أهلها أيام كانت معهم قبل العرس.

-مدام كاميليا ،حالة الضعف التي انت بها قد تؤدي إلى إصابتك بأنيميا وفقدان الجنين،عليك الاهتمام بصحتك وأكلك أكثر .طبعا تأخذين متبثات الحمل،سأكتب لك فيتامينات ومقويات ،وريجيم أكل عليك التقيد به .

وسام الذي كان حاضرا لهذا الكلام بعد الفحص ،استأذن ليدخل مكتبه ومنه اتصل بالسيد فايز .

-السلام عليكم ،عمي فايز .

-و عليكم السلام ،اهلا بك ،كيف حال مراد .

-يبدو أنك لا تهتم.

-كيف تقول هذا ،مراد ابني وسندي و....

-وهل انت سنده يا عمي؟ زيارتكم له قليلة تكاد تنعدم ،ولولا وجود زوجته لكان غريبا وحيدا في مواجهة المرض.

-الشركة تأخذ كل وقتي ،وزاد الضغط علي بعد مرض مراد وغيابه. 

-لو كنت مكانك وابني على وشك الوفاة ،لن اهتم لمال ولا شركة بقدر ما سأهتم لقضاء أكثر وقتي معه،والسؤال عن زوجته الحامل في ابنه.

-كاميليا

-نعم كاميليا التي سامحت وتقف بجانب ابنك ،تقضي وقتها معه في المستشفى ترعاه وترفض ان تتركه للمرضات،فمن باب أولى أن تساعدوها عليه.

صمت فايز فهم منه خجله من إهماله هو وزوجته وابنته لابنه الوحيد .

-اتركك الآن سيد فايز ،الى اللقاء .

لم ينتظر منه جوابا وأنهى المكالمة.

اتصل بمجدي. 

-اهلا بك يا صاحبي،سأكلفك بمهمة تحضير وجبات صحية .

-لمراد؟

-وزوجته،وجبات المستشفى لم ترق لها،سأبعث لك توصيات طبيبتها، اتفقنا ؟

-اتفقنا.

مثل مغربي يقول (إذا جا الخير جا فمرة)

زيارة أمنية وعائشة لكاميليا وزوجها ،جعلتهما تلاحظان  تعب صديقتهما وحاجتها للعناية .ومساء نفس اليوم ،جاءتا دون موعد وكل واحدة تحمل وجبة لكاميليا وأخرى لمراد.الشيء الذي أسعد وسام أكثر من مريضيه. 

-هل سنأكل كل هذا؟

مازحتها عائشة 

-اكل أخي مراد لا تلمسيه انت وابنك ،كلي ما اعددته لك.

-ماذا ؟!وتترك ما اعددته انا ،كامي حبيبتي،كلي هذه كفتة مشوية على الفحم مع الخضر .

ضحك مراد

-في المستقبل اتفقا كل واحدة تطبخ يوما.

-لا تسمعا كلامه،غدا سنخرج من هنا ،وانا سأطبخ لي ولزوجي.

-إذن غدا ستكونين ببيتك؟

-إن شاء الله. 

-هاتي المفتاح ،سنذهب لننظفه وننفض عنه الغبار.

-لا ،سأفعل غدا.

-قلت هاتي المفتاح!

-هاتي المفتاح كامي ،نحن اخوات،وستساعدنا الصالحة .

-اعطهما المفتاح حبيبتي ،انت حامل وتعبت معي سهرا وعناية .

-لم أفعل إلا واجبي حبيبي.

-ونحن سنقوم بواجبنا ،هاتي المفتاح كامي قبل أن أغضب.

-هههههه ،خافي من عائشة يا كامي. 


دخلت البيت تدفع كرسيا متحركا بمراد ،استرعت انتباههما نظافته ورائحة الأكل الشهية .

خرجت أم عائشة من المطبخ 

-الحمد لله على السلامة .

-خالتي سعدية !!!

-ألم تعديني ألا تتركيني وحدي بعد زواج عائشة ؟ ها أنا إذن!

-مرحبا خالتي .

-اعلا بك خالة سعدية ،البيت بيتك.

-طبعا بيت ابنتي بيتي. 


جاءت عائشة وأمنية عشية ،وبعد وقت في أحاديث لا تخلو من مزاح عائشة ،اختلت بصديقتها 

-ماما تصر أن تبقى معك لتعتني بك ومراد، أرجو أن تقبلي كامي.

-لا أريد أن أتعبها.

-لن تفعلي،هكذا ستشغل وقتها وتحس بأهميتها في حياتنا،انت حامل ،ومراد يحتاج رعاية مستمرة ،دعيها تعتني بك انت.

دموع انهالت من عينيها،دموع امتنان .

مكالمة وسام أعطت نتيجة ،فقد كثرت زيارات آل فايز لابنهم ،وتوالت الأيام ،ظهرت بطن كاميليا،وظهرت عناية الخالة سعدية عليها،كما غيرت الجرعات المسمومة حالة مراد ،تساقط شعره وهزل بشكل محزن ،لا يتعدى اكله بضع لقيمات كأنما يتشبث بواسطتها بالحياة.

كثيرا ما يحجزه الدكتور بالمستشفى لأيام ،تعلق له المحاليل،وتمنع عنه الزيارات الكثيرة ،لا تفارقه كاميليا ،يغالب النوم ممسكا بيدها يكلمها ،يحكي لها عما فات بعيدا عنها ،لم يخف عنها صدمته في أمه ،ولا خيبته في اخته،يسمعها تحكي له عنها ،وعن خالتها،وعن حب والديها،يسعد بزيارة يوسف ،وسؤال آل المنصوري عنه ومكالماتهم المرئية .

قل أكله حتى كاد ينعدم ،ولكن رؤيتها للدم مع البول وهي تقف تسنده في المرحاض ،أسال دموعها ،و اتصلت بوسام تخبره ،كان جوابه أن عليها أن تحضره الى المستشفى ،وأظهرت الأشعة أن العدو هاجم كلية واحدة ومعها المثانة .

-مدام كاميليا ،لم يبق له الكثير ،أتعجب كيف مايزال بيننا ،سبحان الله ،مايزال في عمره بقية رغم أن المرض انتشر بشكل عدواني بغيض،عيشي معه أيامه الباقية وحاولي إسعاده. 

كانت دموعها هي الجواب الوحيد .

-سيمتنع عن الأكل مجبرا بعد أيام ،ولهذا سنعلق له محلولا مختلفا ،شبيه باللبن،فيه ما يحتاجه الجسم من تغذية ،كما تعلمت التعامل مع المحاليل العادية سأعلمك طريقة إعطاءه هذا المغذي.

هزت رأسها موافقة .

-اغسلي وجهك مدام ،و أظهري له غير ما تحسين.

دخلت الحمام الملحق بمكتب وسام ،وهناك انفجرت باكية ،سمع نحيبها وسالت دموعه حزنا عليها وعلى حبيبها ،وترك لها وقتا حتى تتماسك .


جاء الجد المنصوري ومعه حنة التي قلقت على حفيدتها وأصرت على زيارتها ،كونها في الشهر السابع له طقوس خاصة ،فكيف تُحرَم منها،ولكن رؤيتها لمراد رأي العين أحزن قلبها الكبير .

-ماذا بذلك الكيس المعلق لزوجك يا ابنتي؟

-مراد لم يعد يستطيع الأكل ،يتجرع الماء بصعوبة ،وذاك محلول مغذي يمر عبر اوردته لعله يساعده.

-ظننته دواء .

هزت رأسها :

-ما نفع الدواء ،ادعي له حنة .

ضمتها الى صدرها بحنان الدنيا.

-ربي يفرج عنه.

حكم الجد أن يأخذ حفيدته وزوجها الى بيته، لم يرفض مراد ،بل كأنه تمنى ذلك ،أحضر يوسف سيارة إسعاف لنقله،كما طلب من وسام ترشيح ممرضة موثوقة لمساعدة كاميليا على العناية به ،فحملها ثقل ،وصعب عليها مهمتها التي كانت تقوم بها بحب.

دخل إليه مبتسما 

-ستذهبان إذن ؟

-تعال يا صاحبي ،مد له ملف به عدة أوراق، هذه أمانة ،لقد بعت لك نصيبي في شركة فايز ،ينقص توقيعك .

-ماذا ؟لماذا؟

-كما قلت ،هي أمانة عندك لابني ،كنت سأبيع لأختك ولكنك تعرف انها ما كانت لتقبل.

-ولا أنا.

-يوسف ،الشركة أصلا أنا من بناها ،وكتبت نصفها لوالدي،وليس لي أخ،تصور بعد والدي لمن ستؤول. أرجوك انا أستأمنك على مالي لتحافظ عليه لابني.

تمردت دمعة فتدحرجت على خد يوسف تفضح حزنه الدفين.

-لن أوصيك على اختك ،فقد رأيتك سندا لها ،ابا وصديقا،ولن أوصيك على ابني فأنا متأكد انك ستكون نعم الخال،ولكنني أوصيك على أبي وأمي وأختي ،كأنهم لا يصدقون أنني فان، صدمتهم بموتي ستكون أكبر ، وأبي الذي يهرب من رؤيتي ضعيفا احتضر سينكسر ظهره،لا تتعجب ،فحبه لي فاق حب الأب لابنه ،عشنا نتبادل الأدوار،انا من كنت اعتني به،انا من بنيت الشركة من جديد بعد أن كاد يعلن إفلاسه،كتبها باسمي ،وما إن أعدت لها مكانتها في السوق ناصفتها معه،هو الآن يعمل جاهدا لأجلي ،ولكنه قد يتخلى عن كل شيء بعدي،لهذا أرجوك ،حافظ عليه وعلى الشركة .

-ستبقى وتعود ،ونضحك على كلامك هذا.

ابتسم وهو يشد على يد يوسف.

-تعلم ؟كنت أتمنى أن أعيش آخر أيامي ببيت جدك ،وهاقد استجاب الله دعائي،وليته يستجيب وأحيى حتى أرى ابني .

-ستراه ،ويكبر امام عينيك.

-كله بأمر الله ،وانا راض بحكمه ،الحمد لله.

صعدا معه سيارة الإسعاف، يوسف ليودعه وكاميليا لترافقه ،ولكنه رفض أن تكون معه

-اطمئني علي ،الممرضة معي ،اركبي مع جدك الحمل سيتعبك.خذها يا يوسف .

ودعتها عائشة وأمنية والخالة سعدية باكيات.

-اراكن بعد أسابيع، لابد ان تحضرن سبوع ابني.

-طبعا ،وهل يحلو السبوع دون خالة .

تحاول كل منهن الابتسام ،ولكن القلوب تنزف. 


وصلوا لتستقبلهم العائلة ،أم يوسف أعدت جناح الضيوف ليكون لكاميليا وزوجها ،وجوده بالدور الارضي يجعل مشاركة مراد لهم وخروجه الى الحديقة أسهل .

بعد أيام ،أفاقت كاميليا على هرج بالبيت 

-هل سيأتينا ضيوف يا حنة .

-لا ،اليوم حناء شهرك السابع.

اجتمعت نساء العائلة وفتياتها حول كاميليا ،وراسمة الحناء تزين قدميها ويديها ،البنات يضربن الدفوف ويغنين ،والرجال والشباب ،كل واحد يقدم مبلغا للأم المستقبلية ويضع ورقة مالية على الصينية لراسمة الحناء،مراد أيضا فعل مثلهم ،يدفع به زكرياء الكرسي ،المحلول لا يفارقه كأنه اكسير الحياة .

حدد جد أمنية موعد زفافها ،تخلت عن حلم العرس الكبير ،فصديقتها كاميليا بعيدة وعائشة حزينة عليها ،حضرت حفلة الزفاف رفقة يوسف ،رأت لهفة عامر وحبه لامنية في نظراته،فابتهجت لها.

ضمتها مودعة وهمست لها 

-إنه يحبك ،احبيه واسعدي معه ،العمر قصير ،قصير جدا يا أمنية. 


أصبح الألم لا يطاق،والمسكنات لا تفيد ،المهدئ الجديد مورفين يدخله في نوم عميق ،وكلما أفاق هب باحثا عنها ،فيجدها بجانبه ،إما جالسة قربه تعمل على حاسوبها او تقرأ له القرآن،او يستيقظ ليلا ليجد نفسه بحضنها ،تسيل دموعه يبكي نفسه وحبه .

استيقظ ليلة ليحس بالبرد وهو ليس بحضنها ،انتبه مذعورا ليرى الممرضة غافية على الكرسي .

-أين هي أين زوجتي؟

-اهدأ سيد مراد ،مدام كاميليا بالمستشفى .

-مابها ؟لماذا هي بالمستشفى؟

-أخذها جدها وعمها وجدتها ،إنها تلد الآن .

حاول النهوض ولكنه أضعف من أن يستقيم جالسا فكيف يقف.

-اهدأ سيدي ،سأكلمهم لتسمع منهم .

ناولته الهاتف بعد أن اجابها العم.

-الو ،عمي ،كيف حال كاميليا؟

-دخلت غرفة الولادة مع الدكتورة ،ونحن ننتظر ،سأكلمك فور ولادتها.

-لا ،لا تغلق الهاتف ،دعني معكم ،أين حنة ؟

-هاهي ،كلمها.

-حنة ،كاميليا بخير؟

-بخير يا ولدي ،لا تخف عليها ،ستكون هي وابنك بخير.ادع لها ،او الأفضل، اقرأ لها قرآنا ،سأكلمك فور خروج الدكتورة .

وضع الهاتف وحمل مصحفه ،يقاوم الألم حتى لا تعطيه الممرضة جرعة المخدر ،لايريد أن ينام الآن ،ليس هذا وقت النوم.

بالمستشفى ،سمعت صرخة الصغير ،وبعد قليل خرجت الدكتورة تبشر أسرة كاميليا

-مبروك ،جاءكم صبي جميل 

-وأمه كيف هي.

-بخير سيدتي ،ستنقل الى غرفتها بعد أن يفحص طبيب الأطفال الوليد .

بعد ساعة كان الجد يؤذن بأذن الصغير ،ويقيم الصلاة بأذنه الأخرى 

-مبارك ومسعود يا ابنتي ،الحمد لله على سلامتك.

-الله يبارك لي فيكم يا جدي.

رن الهاتف بجانبه ،فتحه متلهفا 

-كلم زوجتك يا ولدي 

كان هذا صوت الجدة التي رحمت شوقه 

-كامي حبيبتي الحمد لله انك بخير .

-افتح الكاميرا لترى مراد الصغير .

تدحرجت دمعة على خده.

-ولد يا كامي؟

-ولد ،وسيم كأبيه ،انظر إليه. 

-متى ستعودين الي كامي؟

-نحن بخير ،سنكون معك غدا ،نم واسترح لتكون في استقبال مراد الصغير.

-لا أريد أن أنام، سأنتظرك.

-يجب أن تنام ،لا تجهد نفسك حتى تكون بخير غدا ،ارجوك حبيبي ،نم واسترح ،وانا أيضا سأنام .

هز رأسه موافقا ،يبكي كطفل دون أمه، يسمع كلامها حتى تعود إليه وتعيده الى حضنها. 


رن هاتف يوسف صباحا ،استيقظ ونظر الى الشاشة ،رؤيته لاسم جده  اخافه ،منذ سفر كاميليا وهو يخشى مكالمة نعي مراد 

-جدي ،هل مراد بخير؟

-مراد بخير ،وجاءنا مراد صغير 

-صحيح؟ولدت كاميليا؟سنكون عندكم اليوم ،مبارك مسعود يا جدي ،الى اللقاء.

رفض أن يبقى في الفراش بعد أن استيقظ ظهرا .

-هاتي ،ساعديني لاتيمم واصلي .ثم ساعديني لاجلس على الكرسي.

-الأفضل أن تبقى مرتاحا بفراشك.

-لا،اريد أن استقبل زوجتي ،هيا افعلي ما قلت لك .

-استرح سيد مراد ،مدام كاميليا لن تكون هنا قبل العصر ،حتى الولادة العادية تتطلب اطمئنان الطبيب قبل أن يسمح للأم بالخروج. صل الآن ،وانا سأعد لك حمامك.

حمامه ،حمام مريض لا يقوى على الوقوف،فيكون بخبرة ممرضة متمرنة ،ولقد اختارها وسام من اجود الكفاءات عنده.

وصل يوسف وعائشة ،دخلا الى مراد مهنئين 

-مبارك يا بابا.

انحنى عليه يضمه.

-مبارك يا خالي.همس له ،كلمت ابي؟

-كلمته ،وهو في الطريق هو ووالدتك .

-أشكرك أخي، اهلا يا خالتي عائشة .

-مبارك أخي مراد .

زغاريد ببهو البيت أنقذت عائشة من موقف لا تحسد عليه،الدموع بعينيها تكاد تغلب ابتسامتها،ولم تعرف ماذا تقول لمراد ،عبارة يتربى في عزك ،ليست ما طرأ ببالها.

-لابد انها عمتي فاطمة .اذهبي إليها يا عائشة وسنأتي انا ومراد .

ساعده او الاصح ،حمله واجلسه على الكرسي ،ودفعه به متوجها إلى حيث أصوات القادمين للتهنئة بالمولود الجديد .

-عمتي ،وماما ،ثنائي المرح.

-خالي يوسف !!مبارك يا ولدي.

-الله يبارك فيك ماما ،الله يبارك فيك عمتي.

انحنت كل منهما تعانق مراد 

-مبارك ومسعود يا ولدي.

-الله يبارك فيك عمتي ،الله يبارك فيك أمي، أين الأولاد والبنات.

-سيكونون هنا مساء ،متى تأتي كامي والصغير ؟

اجابت عائشة .

-لقد سمحت لها الدكتورة بالخروج ،سيكونون هنا بعد قليل .

-تعالي يا فاطمة لنعد لها فراشها ،ثم ندخل المطبخ لنعد لها شربة الدجاج .

-لابد ان امي قد أمرت بإعدادها منذ الصباح ،تعالي لنرى.

وكما توقعت فاطمة ،كانت الشوربة بالدجاج البلدي،والبصل والتوابل المغربية ،جاهزة ،و إحدى نساء الضيعة تعد الثريد ،من عادات الاحتفال بالولادة ،أن تأكل النفساء ورك الدجاج(الذي غالبا ما يكون ديكا)ثم تشرب  هذا المرق الخفيف المسمى شوربة ،وبها يسقى الثريد لباقي الحضور ،العناية بأكل الأم طيلة أربعين يوما من العادات الجميلة والحسنة عندنا بالمغرب.

فطورها غالبا يبدأ بكأس أعشاب مطهرة للرحم ،يتبعها حساء السميد واللبن ،او كريمة البيض واللبن ثم فطير ببصل وسمن مع الشاي ،الغذاء لا يخلو من دجاج (لازم يكون بلدي)او لحم يفضل أن يكون مشويا،وقد لا يختلف عنه العشاء كثيرا ،وبين هذا وذاك ،وجبات خفيفة اغلبها حلويات من مكسرات وفواكه جافة.

دخلت تستند على جدتها ،بينما يحمل العم الوليد ،ابتعد الكل عنها وتركوا مجالا لذلك العاشق ،تتعلق عيناه بها كأنها غابت عنه سنينا .يدفع به يوسف الكرسي وهو لا يرى غيرها ،فتح لها دراعيه، فانحنت عليه تضمه وتهمس له

-أنا هنا ،انا هنا.

انتزعت نفسها من بين يديه لتضع الطفل في حضه.

-سم الله ،وأذن له .

غلبته دموعه ،زاغ بصره بين حبيبته وطفله ،بين شهقة بكاء وضحكة سعادة .

رفعه إليه يضمه ،ثم إذن له بأذن واقام الصلاة بأخرى ،قبل أن يقبله 

-أهلا بك يا أمل عمري كله.


        الفصل الثالث والثلاثون والاخير من هنا 

              لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات