رواية انسحاب
الفصل الاول 1
بقلم حكاوي مسائية
ثلاث سنين ،ثلاث سنين زواج تمت اليوم ،بدون أولاد ،أجلس وحيدة الى المائدة انظر الى قالب الحلوى المزين ،وعليه ثلاث شمعات ،اطفأتها اخذت الحلوى وتوجهت الى المطبخ حيث رميتها .لثالث مرة أذكر تاريخ زواجنا وحدي واحتفل به وحدي بنفس الطريقة ،قالب حلوى ينتهي بالنفايات.
قصدت جناحي ،اصعد السلم كأنني عجوز بالسبعين ،بينما لم اتجاوز السابعة والعشرين بعد ،لا ألومه على شيء ،فكل ما يحدث لي انا السبب فيه ،ولكن يجب أن أنهي هذه المأساة ،حياة باردة لا حب فيها ،بيت بارد لا أطفال فيه ،وسرير بارد لا زوج فيه.
بعد أن تجاوزت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ،أحسست بجسده كالعادة فوقي ،يأخذني بعنف منذ ليلتنا الأولى ،وبعد أن يئست أن يهتم لدموعي او توسلاتي أصبحت تحته كالميتة، لا إحساس ،سوى إحساسي بالعار بعد أن يفرغ بي شهوته ويتوجه الى الحمام كأنه يغسل أثري عن جسده .ثم يتوجه الى غرفة أخرى لينام .
هذه المرة لم تنزل دموعي ،لأن القرار الذي اتخذته وانا ارمي الحلوى بالنفايات ،جعلني من جليد ،هذا يكفي .
لما افقت صباحا كان قد غادر كالعادة ،استحممت، وصليت ،افطرت وحدي كالعادة ،وسقت قاصدة مقر الشركة .
نادرا ما أُرى هنا ،ولهذا لم يعرفني الحارس الجديد ،قدمت نفسي فاعتذر وفتح لي المصعد
-أي دور سيدتي ؟
-مكتب السيد فايز .
ضغط على زر الدور الخامس ،نظرت الى صورتي بالمرآة، جميلة،بل إن حماي العزيز كثيرا ما قال مادحا
-لابد أنك حورية فررت من الجنة حبا في ولدي .
حجابي باللون الأبيض الذي لا أغيره مهما غيرت لون لباسي ،كان يزيد تورد وجنتي ،ويبرز سواد عيناي وبياض بشرتي وصفاءها .قوامي الممشوق ظاهر رغم أنني أخفيه بثيابي الواسعة ،ولكنني رغم ذلك ضائعةُ النظرةِ حزينتُها ،لأن حياتي ضاعت يوم تزوجت رجلا يكرهني .نعم هو يكرهني ،لو كان لا يحبني فقط لما جعلني أعيش الجحيم منذ تزوجنا .
فتح المصعد ،فمسحت دمعة متمردة على وجنتي ،رفعت رأسي وقصدت المكتب
-صباح الخير مدام سميرة .بابا فايز موجود .
استقبلتني بحب كعادتها .
-اهلا حبيبتي ،تفضلي اجلسي ريثما اخبره .
فتحت الباب وليتها لم تفعل.
-انت تريدني أن انجب منها ؟من تلك الحقيرة؟
حمحمت لعله ينتبه لها ويصمت ولكنه لم ينتبه
-اجبرتني ان اتجوزها وتريد أن يكون لي اولاد منها ،انا اكرهها سمعت ،انا اكرهها .
دخلت
-وانا أحلك من زواجنا ،طلقني .
فوجئ بوجودي للحظة ،ولكنه تمالك نفسه بسرعة ليأخذ بمعصمي ويجرني خلفه نحو مكتبه بالجهة المقابلة لمكتب أبيه، بعد أن رماني على الاريكة وأغلق الباب ،صرخ بوجهي
-ماذا تريدين؟
-لاشيء ،ما أردت يوما منك شيئا
برودي زاد جنونه ،اقترب ووضع كفه على عنقي ،وقال من بين أسنانه بفحيح
-بعد ماذا ،بعد أن فقدت حبيبتي بسببك .
أحسست بقبضة يده تزداد حول عنقي فدفعته بعيدا عني .
-وحبيبتك قد عادت ،يمكنك أن تتزوجها ،فقط طلقني .
-تنفثين سمك بأذن ابي ليرغمني على الإنجاب منك ،ثم تمثلين انك تريدين الطلاق .
-مهما قلت لن تصدقني ،لهذا أؤكد لك مرة أخرى ،لادخل لي بقرار حبيبتك ،ولم اكلم أباك وأريدك أن تطلقني .
اخذت حقيبتي مستغلة دهشته للهروب من أمامه ،لم يتعود أن أجابهه ولا أن انظر إليه بقوة وتصميم ،اعتاد أن يراني ضعيفة،أسعى لرضاه،مهما فعل لا اثور ولا اتمرد،ولم اصمم يوما على مطلب ،وكل طلباتي مهما صغرت مرفوضة ،أما أن أطلب الطلاق فذاك ما لم يحلم به أبدا.
حبيبته ،لينا ،يمكن أن نقول انها ملكة جمال ،جسدها وفتنتها جعلاها مؤهلة لتكون عارضة أزياء ثم دخلت عالم السينما ،شوهد معها سنة قبل زواجنا ،وأخذت لهما صورة ليلة عقد علي ،بعد أن تركني بغرفة الفندق ،خرج معها وأخذت لهما الصورة وهو يفتح لها باب سيارته بكل اهتمام وحب .ليعود صباحا ،توقظني صفعة منه على خدي
-تحبينني أليس كذلك ،تعالي لاريك الحب إذن .
وكانت اول مرة بعد العقد،افيق بعدها بالمستشفى بعد نزيف حاد ،ثم توالت المرات حتى أصبحت بدون إحساس غير الذل والإهانة.
وأصعب الليالي تلك التي تتبع اليوم الذي يزوره فيه أبي أو أخي طالبين مزيدا من المال ،أب مقامر وأخ مدمن ،والمال دائما غير كاف لهما .فلك أن تتصور عقابي لابتزازهما له.
وكأن هذا غير كاف ليكسرني ،صورهما على مواقع التواصل ،وتعليقات المتابعين ،وطبعا لا أحد يعلم أنني زوجته.
ذهبت إلى البيت الكبير ،منزل العائلة ،لم نذهب إليه معا أبدا ،مهما كانت المناسبة ،السيدة حماتي تكرهني ولا تخفي ذلك ،أما اخته الوحيدة سارة فهي صديقة لينا ،وطبعا لا تطيقني .
تحملت تنمرهما علي طيلة الثلاث سنوات ،لم أشكُ لسبب بسيط هو أنه لن ينصفني.
عودة الى الماضي.
كانت لينا في زيارة لسارة ،ويا للعجب ،يوم عيد حيث تجتمع كل الأسرة(الأعمام والعمات واولادهم )،كنت ارتدي فستانا أسودا طويلا مع خماري الأبيض، وضعت بعض الزينة ،الكل بالصالون بين حديث وضحك .نادت حماتي
-تعالي يا كاميليا ساعديني .
قمت وأخذت منها صينية العصير .
كانت سارة تجلس قرب مدخل الصالون ،بينما تعمدت لينا الجلوس جوار زوجي ،ليبقى لي مكان بين ابنتي عمته أخذته راضية .
ولكن ذلك لا يكفي ،الإهانة يجب أن تكون مدمرة ،مدت سارة رجلها خفية لأقع وينسكب العصير على الزربية وسط الحضور ،ألم فظيع بكعب رجلي اليمنى سالت له دموعي ،ضحكت سارة فتوالت الضحكات .التفتت إليها
-لماذا فعلت ذلك سارة ؟
الجواب كان خنجر مسموم يصدري، كان هو من أجابني
-لا تتهمي سارة ،إذا كنت لا تجيدين المشي بكعب عال فلم تلبسينه.
الجمني هجومه ،ورغم أن إحدى البنات زكت كلامي
-رأيت سارة تفعل يا مراد
-ولو ،هي المخطئة لأنها تقلد الاحسن منها بانتعال الكعب العالي .
تحاملت لأقوم ،وتوجهت نحو الباب ،وحده حماي تبعني
-الى أين ابنتي .
-لا عليك بابا ،سأعود .
توجهت الى المشفى حيث اعتنى طبيب بقدمي، وعدت الى بيتي .علمت أن أباه اهانه واهان لينا وسارة امام الجميع بل وأظهر كرهه لها وغضب عليه ،وطبعا كان عقابي على كل هذا كما تعلم عزيزي القارئ.
منذ ذاك اليوم مهما فعلت سارة او أمها، لا أشكو له لأنني اعرف رده مسبقا ،الخطأ مني.
عودة الى الحاضر .
دخلت البيت ،سلمت وسألت عن سارة .
-بغرفتها ،ماذا تريدين منها .
اذا تريدين منها؟
-لاشيء،فقط جئت أدعوكما للعشاء،عندي لكم
خبر مهم .
-لا ،لن نحضر عشاءك، ولا نريد أن نسمع منك .
-ولكنه خبر قد يغير الكثير .
استنكرت سارة وهي تنزل السلم
-ماذا ،خبر حملك؟
-وهل سيغير حملي شيئا ،فقط عليكما المجيء وقد تفرحي بعد ذلك .
غادرت مسرعة ،ومن البيت هاتفت كل إناث عائلته ،بعد أسبوع موعد العشاء .استثنيت الرجال لغرض في نفسي.
وانا أعود من الشركة قصدت محامية صديقة ،واخبرتها عن رغبتي في الطلاق ،أفهتني أن السبيل هو قضية خلع قد تستغرق شهورا ،او تنازلا عن كل حقوقي حتى يقبل تطليقي، وبما انها لا تعرفه ،فهي لا تعلم أنني مهما تنازلت لن يقبل الى إذا أراد ،او خاف فضيحة الخلع.وبما أنني لن أستطيع أن أعيش معه أكثر من هذا ،فقد طلبت منها إعداد أوراق التنازل وأمضيتها وتركت لها مهمة توثيقها قانونيا.
مر الاسبوع كما مرت أيام قبله ،وجاء موعد العشاء ،اعددته بكل حب ولم أهمل طبقا مفضلا لاحد منهم ،وقبل أن يغادر صباحا ناديته.
-مراد ،يمكنك أن تدعو لينا للعشاء الليلة ؟
-والسبب ؟
-اريدك أن تكون موجودا ،الأمر مهم لي ولك ،وانت طبعا لن تفرط في وقت معها لأجلي ،فلا مانع من حضورها .
تركت من كانوا يساعدونني في المطبخ قبل ساعتين من الموعد ،اعطيتهم آخر التوصيات وصعدت الى غرفتي ،أعددت حقيبة صغيرة ،ثم اخذت حماما دافئا وارتديث فستانا احمرا ناريا ،ذو فتحة على شكل ٧ من الصدر وكذلك من الظهر ،وفتحة تمتد من الأسفل حتى فوق الركبة ،وضعت زينة أخرجت المرأة القاتلة بداخلي ،كحل عربي وعلى الشفاه احمر قاني ،لم أهمل شعري الأسود الطويل ،فسرحته على جانب واحد ،فغطى من كتفي حتى أعلى الفتحة على فخدي.
كلفت إحدى مساعداتي اللاتي اجرتهن لليلة ،كلفتها أن تستقبل المدعوات، وطبعا كان معهن حماي فقط ،ثم بعد وقت قصير ،استدعته سارة ليأتي ولينا متأبطة ذراعه وهي في كامل زينتها.
صعدت إلي الفتاة تخبرني بحضور الجميع ،فنزلت السلم ،وقع الكعب على الرخام جعل الأنظار تلتفت إلي ،بعد أن كانت باردة او مستهزئة تغيرت الى دهشة ،وبعضها الى إعجاب .
-تفضلوا ،المائدة جاهزة .
كالمنومين تبعوني نحو غرفة الطعام ،جلست يسار حماي الذي جلس على رأس المائدة ،بينما حماتي على يمينه ،كنت أعلم أنه سيجلس بمكانه مقابلا لأبيه وستسرع لينا وسارة الى جواره ولم أرد دخول منافسة خاسرة قد يسمعني فيها ما لا أرضى .
-أهلا بكم جميعا ،لينا ،أسعدني قبولك دعوتي .
سارة أعددت لك المشاوي كما تحبينها ،وانت يا حماتي حساءك المفضل ،وانت يا بابا ،السمان كما تحبه .
نظرت الى الباقين
-طبعا لم أنس ولا واحدة منكن ،أما انت يالينا فأظنك تشاركين مراد ذوقه ،ولهذا أعددت لكما شرائح لحم كما يحبها.
تفضلوا ،بالهنا.
مازالوا تحت الصدمة ،يسترقون النظر الي ،نظرات دهشة وإعجاب ،نظرة حماي بها من الفخر الكثير ،إلا نظرته بها غضب اعرف عاقبته.
-أرجو الا يكون به سم يا كاميليا.
قالت حماتي .
-ولماذا اسممكم، على الأقل انا احبكم جميعا ،(نظرت إليها )حتى انت يا لينا لم اكرهك يوما .
-هذه هي ابنتي ،لا تبغض أحدا، ألم أقل لك انك حورية من الجنة .
ضحكت بطريقة لم يراها قبلا ،فاشتعلت نظرات مراد ..
بعد بضع لقيمات ،وقفت .
-اعتذر منكم ،لا تتوقفوا ،سأعود .
توجهت الى المطبخ ،فتحت درجا أخرجت منه أوراق التنازل وقصدت مراد .
وضعتها أمامه
-هذا تنازل مني عن كل حقوقي ،يمكنك الآن أن تطلقني ،لن آخذ منك فلسا، وحتى مجوهراتي حلال عليك.
نظر إلي حماي
-هل انت جادة ،ظننتك قلت ذلك تحت ضغط ما سمعت .
-هذا أول قرار آخذه في حياتي دون ضغط من أحد .
تدخلت لينا ساخرة
-وزواجك، ألم تحتالي على مراد ليتزوجك ؟
-شؤون حياتي لا أناقشها مع الغرباء ،ستبقين غريبة عني ،لأنك ستدخلين حياته بعد أن أخرج منها .
أخيرا نطق
-وانا أرفض الطلاق .
نظر إليها وابتسم
-تزوجتها دون رغبتي ولن أطلقها إلا برغبتي
-كما تشاء ،كنت أريد أن أجنبك قضية خلع قد تضر بسمعتك، ويعرف الناس انك زوجي ،الخبر الذي سيضر بحبيبتك التي ترافقك أينما كنت .
-طلقها مراد ،طلقها انت لا تحبها .
ضرب ابوه الطاولة بيده
-ومن تكونين لتقرري عنه؟
-انا حبيبته.
-هاقد قلتها ،حبيبته،لا مكان لك بين العائلة لولا دعوة ز و ج ت ه،سمعتني زوجته .
قامت باكية ،ممثلة تجيد كل الأدوار ،أسرعت إليها حماتي وسارة تضمانها.
توجهت نحو السلم ،التفتت اليهم وانا في منتصفه
-اعتبروه العشاء الأخير ههههههه ألم أقل لك يا حماتي أن الخبر سيفرحك ،اسعدي بكنتك الجديدة .
اخذت حقيبة ملابسي وحقيبة يدي ،وخرجت مسرعة ،يجب أن أغادر قبل أن أبقى معه وحدنا ،لا أأمن غضبه ،وههه سيكون بركانا وقد بكت حبيبته بسببي.
-الى اين؟
-لايهم الى أين ،طالما بعيدا عنك .
قالت سارة ساخرة
-الى بيت أبيها العامر ههههههه.
-اخرسي سارة ،حسابك معي ثقل ،تعالي معي يا ابنتي ،لا تغادري هكذا .
-هههه ،التقية المحجبة تخرج بفستان فاضح.
-هذا لا يهمك طالما ستطلقني ،ثم انظر الى العفيفة بين يديك ،فستانها ساتر ماشاء الله ،حتى أن يدك على خصرها العاري ،ونِعم .
تبعني حماي ،وضعت معطفا كان بالسيارة علي
،وأخذت خمارا لففته على رأسي ،قبل أن أقود الى المجهول