رواية انسحاب
الفصل الوحد وثلاثون31
بقلم حكاوي مسائية
كان طه يهم بالخروج حين ناداه مراد
-تعال معي الى مجلس الحديقة لو سمحت .
مجلس الحديقة ،بناء دائري ارتفع عن الأرض ،يحيطه سلم من ثلاث درجات ،عبارة عن سقف مذبب تحمله سواري .لابد أن الجد استوحاه من بنايات الشرق الأقصى وأضاف عليه مسحة الزخرف المغربي.
فتح حاسوبه المحمول ،ليرى طه بناية لا تختلف عن مجلس الحديقة ،غير أنه تحت أغصان شجرة زيزفون كبيرة كتلك التي بالمدفن ،وخلفه شجرة حور بأغصانها المتدلية كأنها ضفائر خضراء ،وعلى جانبيه شجرتي ياسمين.ولم يغفل وضع كرسيين طويلين من الخشب داخله.
-ما هذا ؟
-مجلس المدفن ،صممته وانت تسهر على إنجازه بعد أن نسافر انا وابنة خالك .ما رأيك؟
-ولم تهتم ببناء مجلس عند المدافن ؟
-لو فكرت ،لتجد أن جدك جعل مدافن العائلة بأرضه ليسهل زيارتها ،والترحم على ساكنيها،وقد زرتها ورأيت أن الظل الوحيد هو ظل شجرة الزيزفون، لو مالت عنها الشمس أصبح الزائر تحت أشعتها مباشرة ،وهذا البناء ستدخله شمس الصباح فقط ،وشجرة الحور خلفه تحميه من شمس الظهيرة ،والياسمين للزينه والرائحة الطيبة .
-جميل ،كيف لم نفكر به من قبل ؟
-لأفعل أنا .هههه،أما وقد أعجبك ،سأرسله لك عبر بريدك الاكتروني ،وأحول لك مصروف إنجازه.
-لا تشغل بالك بالمصاريف ،انا سأفعل.
-وانا مصمم ،اعتبره يا أخي صدقة جارية ،كلما استظل احد تحته دعا لي.
-كما تشاء
طه يعلم بمرض مراد ،وخمن بحدسه أنه كما قال يجعله صدقة جارية بعده.
بجزء آخر من الحديقة المحيطة بالبيت ،يلعب غيث وجاد الكرة ،ومن يحرس المرمى الوحيد باللعبة ،عامر.
مرة يمسك الكرة ،ومرات يتجنبها متعمدا ليصيح قاذفها سعيدا بإحرازه الهدف ،صراخ الصغيرين دعا يوسف وبعده زكرياء ثم يحيي، فوضعت أحجار تحدد مرمى آخر ،و قسموا الى فريقين ،ويوسف حارس المرمى الآخر .
حماس الهتاف حرك فضول الصبايا،فجئن للفرجة والتشجيع، وأول من تعب وطلب التوقف كان عامرا.
-تعبت ياعجوز؟ مازحه يوسف الذي يلهث تعبا.
-لقد سبقتكم وكنت العب مع الطفلين قبلكم ،ثم الا ترى أنك أكثر تعبا مني.
جرى إليه جاد يستلقي على العشب بين ساقي والده.
-بابا احسن حارس مرمى .
-طبعا ،ومن يشهد للعريس
ضحك الجمع على جواب يوسف .
رأتها تطيل النظر إليه باسمة
-ما أظن كل هذا ادعاء وتمثيل .
هزت رأسها نافية
-فلم لا تتقدمين خطوة ،هل ما زال بنفسك شك به؟
-لا ،حتى لو هدفه الأرض والإرث ،جدي وثق البيع ،فلو رضي بنصيبه كان له ،ولو رفضه فلا يد له على نصيب والدي ،بوجود كريم لا حق له في مال ابي .
-صحيح ،أين كريم ،لم أره.
-مع زوجك بمجلس الحديقة ،كلاهما ليسا من عشاق الكرة كما اعتقد .
-لا ،لم أر مراد متعصبا لفريق ،قد يجامل صديقا بمشاهدة مباراة ولكن النتيجة لا تهمه بقدر ما تهمه اللعبة .
-لابد أنهما يلعبان الآن إحدى الألعاب الإلكترونية. تعالي نذهب اليهما .
التفتت لتخبر عائشة فرأتها غارقة في حديث مع يوسف ،يبدو انه من بحور شعر العاشقين.
مراد لم يكن يلاعب كريم ،بل كان يسأله عن جاد ،يكتشف من حديثه مدى حبه لابن اخته ،واهتمامات الصغير .
-تعرف أن الخالة كاميليا حامل .
-سمعت اختي تقول هذا ،أرجو أن يكون ولدا.
-لماذا ؟ الا تحب البنات؟
-ليس هذا السبب ،ولكن لو كان ولدا سيلعب معنا انا وجاد .
-أريدك أن تحبه وتعتني به سواء كان ولدا او بنتا ،فهل اعتمد عليك ؟
-اعتمد علي عمي مراد ،سأعتني به .
-او بها .
-هههه او بها .
مد إليه يده
-وعد الرجال ؟
صافحه مفتخرا
-وعد الرجال.
-مصافحة وابتسام ،من منكما فاز على الآخر ؟
غمز له ليصمت
-كريم طبعا ،صبي وذكي ،كيف سأغلبه انا العجوز؟
-هههههه،أخيرا ،احد يغلبك يا مراد .
جارت كلامه وهي تعلم أنه لم يلاعبه ،فقد رأتهما من بعيد يتحدثان، ولكنها ستعلم الموضوع من كريم .
-لقد حجزت لنا لشهر العسل؟
-أين ؟
-بباريس ،بعد الحفل مباشرة ،نسافر الى مدينة العشاق.
-لو استشرتني لأخبرتك أن لأمنية بيت هناك ،وما حجزت بفندق.
-أفضل الفندق ،نستمتع بوقتنا والخدمة الممتازة ،فقد اخترت أجمل فندق بأحسن خدمة ،وأهمها انهم لن يزعجونا أبدا، وهكذا أستفرد بك .
-استح يا يوسف .
كنت أتمنى أن نعتمر معا .
-وأحلامك أوامر، من باريس الى السعودية ،نعتمر ثم نعود .
-ما رأيك لو نخبر كامي ،ونلتقي هناك بمكة ،هي أيضا مثلي كانت تحلم بعمرة رفقة زوجها .
-نخبرها ونخطط لنلتقي معا ،المهم أن تكوني سعيدة .
-أدامك الله لي وأدام سعادتي معك .
-احفظي هذا الدعاء وا تنسيه بمكة .
الزينة والانوار تعلق بالحديقة الأمامية ،طاولات وكراسي وزعت على العشب بشكل نصف دائرة موجهة نحو مجلس الحديقة .
الطباخون بالمطبخ الكبير خلف البناية ،يعدون وليمة تليق بعرس آل المنصوري .
أمر اعطي للفتيات :لا خروج اليوم من البيت ،وأمنية المسؤولة عن منعهن.
بعد حمام العروس الذي تشاركت فيه الصبايا بالحمام الخاص بالبيت ،جاءت أكثر من مزينة ،مهمتهن تجميل الفتيات استعدادا للعرس .
لم يقل استعداد الشباب عنهن ،فحمام العريس لا ينقصه إلا الحناء والأعشاب العطرية التي تخصص للعروس دونه ،وقد شاركه شباب الأسرة وعامر ومراد ،وخرجوا منه تحت وابل من الزغاريد والصلاة على النبي وغيمة من البخور .
حل المساء ،وتوافد المدعوون، وجاءت الفرقة التي ستحيي الحفل ،والبنات أقصى خروجهن الى الشرفة .
صدحت موسيقى شعبية يغلبها صوت الرجال ،فأطلت الفتيات من الشرفات فرأين مراد ويوسف يزفهما الشباب وكلهم بالزي التقليدي .
مفاجأة لكاميليا أن تراه عريسا يزف مع يوسف ،تهدج صوتها وارتجف قلبها سعادة وامتنانا لمن فكر أن يسعدها بعرس حرمت منه .
دخلت حنة ،ورأت دموعها فضمتها.
-لهذا حبستكن هنا ،كنت ستعلمين لما ترين المجلس أعد لأربعة ،وحبست الفتيات معك حتى لا تخبرك إحداهن .
صاحت ياسمين .
-سراح يا جدتي ،يمكن أن نذهب .
-نعم ،إذهبن، سأبقى انا وأمنية، التفتت الى عائشة ،ستأتي امك بعد أن تسلم على أخيك وزوجته وتاخذهما الى غرفتهما.
غرفة لأخيها وزوجته، وأمها تتصرف في البيت كأنها عاشت فيه دومت، أي حنة هذه! ارتمت بحضنها
-شكرا حنة ،شكرا الله يديمك لنا.
خرجت العروستان من الباب الكبير محمولتين على الأكتاف بالعمارية(هودج مزين تدخل به العروس)اشرأبت اليهما الاعناق ،جميلتين زادهما الحجاب جمالا.
استقبل كل عريس عروسه ،همست لمراد
-كنت تعلم؟
-ليس قبل الحمام .جدك أغرقني بأفضاله.
-جدي يفعل هذا ليسعدنا، يعتبر عرسي دين عليه ،وهاهو يوفيه.
-انظري لأبي ،لا تجف دموعه فرحا.
-وهذا ما أريده ،أن يفرحوا لنا ،أين سارة ،لم ارها.
-إنها هناك ،لم أعرفها لما دخلت بالحجاب .
-صحيح ،زادت جمالا .
-وإبراهيم زاد التصاقا بها ،انظري كيف يمسك يدها كأنه يخشى أن تهرب منه.
-الحمد لله أن جعله سبب هدايتها.
على الجانب الآخر لا يخلو همس عائشة ويوسف من فرحتهما بكاميليا ومراد .
مرت ساعات الحفل ،بين اهازيج ،و ضيافة العرس المغربي ،كل الحضور لا تظهر عليهم إلا السعادة ماعدا زوجة اخ عائشة ،ظهر الحسد عليها ،حتى جعلت حماتها كلما جاورتها تقرأ المعوذتين، وكلما خرج العرسان رشتهم بالملح وماء زمزم .
جاء وسام ومجدي لتهنئة العروسين.
-اهلا بكما ،يسعدني أنهما استطعتما المجيء
-مراد اخانا ،ولابد أن نحضر عرسه
-لقد حضرا معي حمام العريس.
-ونحن من تولينا تحميمه
ضحك يوسف.
-الحمد لله ان وصلتما في الوقت،وإلا وقع بيدي يحيي وكريم.
-لماذا ؟
-العرف أن يحممه شباب لم يسبق لهم الزواج ،وقد حجزت طه وزكرياء قبله.
همست له عائشة
-كيف تفعل هذا ؟ انسيت أنه مريض؟
-إنما امازحه ،لو تأخر صديقاه كنت سأهتم به قبلي .
اخذ كل الضيوف مجلسهم حول الطاولات،وكذلك فعل وسام ومجدي،
بحثت عيناه عنها فرآها ترفل بثوبها الأسود المرصع بأحجار متلألئة، حجابها الأسود يتناقض وبشرتها البيضاء ،رآها تبتسم فتبع مرمى بصرها ليرى ابنها يمسك يد رجل أنيق ،رياضي الجسم منحوت تقاسيم الوجه،يبتسم لها وعيناه تشع حبا.
-لابد انه هو ،لم انتبه له يوم رأيته بمكتبها ،ولكنه هو لا محالة.
-هل تكلم نفسك يا مجدي ؟
سأله وسام .
-أظن الرجل طليق أمنية وابن عمها.جاد يمسك يده وهي تبتسم لهما.
-ألم تره مرة عندها بالمكتب؟
-لم انتبه له ،ولم يكن هكذا متأنقا. هل تظنها عادت اليه؟
-ذاك ليس شأني ولا شأنك ،لقد شرحت لك وجهة نظرها وأسباب رفضها لك ،فلو عادت إليه فلانه اب ابنها
-هل أحبته أم تضحي لأجل ابنها؟
-مجدي ،انظر الي ،سواء احبته ام تضحي لأجل ابنها ،سواء عادت إليه أم هو مجرد لقاء بعرس ،الأمر لايهمك ،أمنية لم تعطك أملا ،بالعكس سطرت لك طريقها بعيدا عنك ،فكر بنفسك ،واختر فتاة أخرى تنسيك أمنية .
-هل سأنساها ؟
-ستفعل ،ليس بينكما ذكريات ،لا أماكن زرتماها معا ولا أحاديث طالت بينكما ،ولا عرفت عنها ماتحب وماتكره ،هذا ما سيجعلك تذكرها ،وهذا ما ستعيشه مع أخرى ليملأ عقلك وتفكيرك .
-وقلبي؟
-قلبك سينصاع شيئا فشيئا للواقع ،سيحب من تحبه وتسعده ،صدقني.
أما هي ،فقد استقبلت رجليها بابتسامتها المشرقة
-مرة أخرى أصررت أن يلبس مثلك.
-ماما ،لقد استحممنا معا ولما لبس عمي يوسف وعمي مراد الحلباب لبسنا مثلهما.
-صحيح؟هل البسته الزي البلدي ؟
-انظري لقد اخذت لنا صورا لتريها.
قرب إليها شاشة الهاتف ،فأصبحت كأنها في حضنه.
-انظر ،أنه يحضنها ،لابد انها عادت إليه.
-مجدي ،لاتركز معهما،ارحم نفسك يا اخي.
استغل عامر قربه منها فهمس لها
-متى ترحمينني وتزفين الي؟
صبغت حمرة الخجل خديها
-يا الله ،ارحمي قلبي وشوقه الى هذه الفاكهة المحرمة عليه .
-كلم جدي وحدد معه موعد الزفاف ،اريد عرسا أدعو له كل صديقاتي.
-لك عرس كهذا او أجمل، والدعوة عامة .
ضحكت لحماسه
-لا تضحكي ارجوك ،وإلا زدنا مجلسا الى جانب العرسان وجعلناه عرسا جماعيا.
-اترك لي جاد ،واذهب لتتفق مع جدك وعمك هيا .
توالت التهاني، مع توالي فقرات العرس الأصيلة،التي لم تنتهي قبل ضياء الصباح.
استعد يوسف وعائشة للسفر ،على مائدة الفطور تدعوهما حنة
-كلا ،فانتما لم تأكلا في العشاء شيئا.
-تكفيهما الفرحة جدتي.
قال طه.
-العقبى لك يا ولدي .
رحبت بضيفي مراد .وأصرت أن يقضيا اليوم معهم ولا يسافرا قبل الغد
وقف يوسف وعائشة يودعان الاهل قبل السفر ،فقدم لأخته تذكرتي السفر إلى العمرة
-هديتي لكما ،نلتقي هناك بعد عشرة أيام .
حضنها وقبل رأسها
-مبارك عليك اختي.
ضم إليه صهره
-نلتقي بمكة يا صاحبي.
-لو استطعت لكنا معا بباريس.
-المهم أن تكون بخير وإنكما معا .
إعجاب وسام ومجدي يزيد بهذه العائلة ،همس لصديقه
-ليتك عرفتهم قبل سنوات.
-أخذ مكانهم ذلك الخسيس فدمر حياتنا .
-ونال جزاءه ،لقد قتل .
-صحيح؟ من قال لك ؟
-ممرض يعمل بالمستشفى العام نهارا وعندي ليلا ،أخبرني بأنه جاء مطعونا بعد أن احتال في جلسة قمار مع شباب ضائع . عرفوا أنه يحتال للفوز، فأوسعوه ضربا قبل أن يطعنه أحدهم.
-لا حول ولا قوة الا بالله، لا تخبر كاميليا بذلك .
سمع عامر حديث يوسف عن العمرة فاسنأذن جده ليكلم أمنية .رآها تستجيب لندائه وتخرج معه الى الحديقة فاعتصر قلبه ألما.ولكن ما باليد حيلة.
-مارأيك لو نكتب عقد زواجنا ونرافقهم في العمرة
-بعد عشرة ايام؟
-إن وافقت نتصل بنفس وكالة الأسفار لنكون معهم بنفس الفندق.
-لا تنس أننا لم نتزوج بعد ،العقد لا يلغي وعدك لي بعرس زفاف.
-وانا أعاهدك امام الله أن احافظ عليك حتى تزفين الي .
-على بركة الله ،وموافقة جدي طبعا.
من فرحته دخلا وهو يمسك يدها ،لايهم السن ،فالمشاعر تعيد الصبا.
غادر مجدي ووسام بعد أن فحص مراد ،واوصاه باتباع توصيات الدكتور في الأكل والدواء
-قبل السفر إلى العمرة ،تأتي لأجل التحاليل والأشعة .
-سأفعل ،وأرجو أن أصبح أفضل حتى أقوم بالمناسك كما يجب .
-هل سيبقى معك والداك ،أم سيسافران
-سارة ذهبت باكرا امس هي وزوجها ،أبي وأمي سيبقيان حتى نسافر معا نهاية الاسبوع.
-الى اللقاء إذن ،اعتن بنفسك.
-مع السلامة .
هكذا انتهت أيام العرس ،لتبقى ذكرى جميلة في قلوب الأحبة .
مر الاسبوع بسرعة ،فالأيام الجميلة مهما طالت قصيرة .وقف اهل كاميليا يودعونها هي وزوجها ووالديه ،أصر الجد أن يأخذوا سيارة رباعية الدفع ،لأن سارة اخذت سيارة أبيها
-قلت لك دعها تسافر مع زوجها بسيارته واصررت أن تأتي معنا.
-والدي مايزال يخاف علينا من الطريق .
-لابأس ،خذوا السيارة ،السائق محنك أثق به ،أريح لكم جميعا.
-هيا بنا قبل أن تشرق الشمس ،لنغتنم اعتدال الجو .
الايام الأولى من فصل الصيف ،رغم عدم ارتفاع حرارتها إلا أنها أثقل في هذا الجزء من البلاد ،وخير اوقات السفر ،هو بعد صلاة الفجر .
تحت إصرار نادية ،قضى مراد وكاميليا نهاية الأسبوع بفيلا فايز ،حرصت نادية أن تعاملهما معاملة العرائس،كيف لا وقد رأت قيمة كنتها بين اهلها،عضت الأنامل على معاملتها السابقة لها ،ولعنت لينا وأيام لينا.
عنايتها بزوجها تجعله يتمنى لو أن الأيام تعود ،ولكن هيهات .
تجلس معه تكلمه عن مشروعها الجديد ،أصرت أن يعملا عن بعد ،هو يتابع أشغال شركته ،ولو احتاج شيئا كلم أباه ليأتي إليه ،وهي تتابع أشغال شركة أخيها ،وتمم ديكورات الشطر الثاني من مشروع البلد الافريقي.
ولا تخلو ليلة من مكالمة مرئية مع عائشة ويوسف الذي ذكرها بموعد السفر بعد عشرة أيام.
-لم أنس ،فأميمة وعامر سيأتيان معنا
-صحيح ،هل وافق الجد على كتابة العقد
-مادامت هي موافقة ،الحفل كان بسيطا بينهم وبعض الشهود فقط ،وعدها بعرس يعوضها عما فات .
-أسعدها الله ،الجميل أننا سنكون معا ببيت الله.
صباح يوم الاثنين، ودعت حماتها ،فبعد الفحوصات بالمستشفى ،سيعودان الى بيتهما.
-سأرسل لكما وجبة الغذاء .
-لا ترهقي نفسك ،سأطبخ انا
-اليوم فقط لأنك ستكونين مع مراد بالمستشفى
-كما تشائين ،الى اللقاء
-مع السلامة يا ابنتي.
خرج وسام من قاعة الفحص ،سحنته لا تبشر بخير.
اهتم الممرض بمراد ،يلبسه ثيابه بعد أن اوصله وسام بالتأني ،حتى يؤخر المريض ريثما يكلم زوجته.
-مدام كاميليا ،الأشعة تظهر وجود أورام صغيرة بالكبد ،وأخرى صغيرة جدا كأنها شرارات على الأمعاء ،يجب أن نعود الى العلاج الكيماوي.
-حدد الموعد الاسبوع المقبل بعد أن نعود من العمرة .
-أفضل أن يأخذ جرعة اليوم ،متى موعد السفر .
-اربعاء الأسبوع المقبل.
-سيكون منهكا جدا،ستحتاجين لمن يساعدك عليه.
-معي في الرحلة عامر زوج أمنية، وهناك سنلتقي أخي يوسف.
-المهم ،اعتني به ،ولا تنسي الدواء .
-لا توص حريصا دكتور.متى موعد الجرعة .
-اليوم ،سأدخله غرفته ،ريثما نعده ويأتي طبيبه المعالج لقد كلمته.
نسيت نفسها ،وغلبت على اعراض حملها، تقاوم ضعفها بعد قيء الصباح ،ترغم نفسها على الأكل رغم عزوفها عنه ،لتكون قوية من أجله، ولكن انتشار المرض بهذه الوثيرة السريعة أحبط عزيمتها فغلبتها دموعها
-مدام كاميليا ،أعلم أن وضعك صعب ،حملك في شهوره الأولى وتحتاجين عناية وراحة
-لهذا أخذته وذهبنا الى بيت جدي ،هناك اعتنوا بنا معا ، ولكن المرض مصر أن يتعسني.
-لقد اعلمتك وقلت لك أننا قد لا نتغلب عليه ،سرطان الجهاز الهضمي من أصعب انواع هذا المرض،لما قلت أن على امعائه شرارات لم اعبر مجازا ،فهو فعلا يتميز بشرارات تظهر على كل الجهاز وتنتشر به.
-ألن تنفع معه الجراحة ؟
-ونستأصل كل ورم وحده مع الجزء السليم المحيط به ؟ هكذا سنستأصل معظم أعضائه.الأمل الوحيد هو العلاج الكيماوي ومعجزة من الله.
ذهبت لتستعد للمبيت معه بالمستشفى ،فبعد الجرعة المسمومة يقضي معظم وقته يستفرغ ويغفو كأنه مغشي عليه.أضاف وسام سريرا لتستريح عليه كلما غفا زوجها.
فضلت أن يقضي اليوم التالي بالمستشفى ،تحت رعاية دكتوره ،والتحاليل التي تعوض السوائل التي يفقدها لكثرة الاستفراغ.
وصلوا الى مكة وقد احرموا ،تكفل عامر ويوسف بدفع كرسي مراد ،لم يمر كثير على الجرعة المسمومة ،اليوم الخميس ،ومازال واهنا لا يقوى على الوقوف ،يتناوب الشابان على العناية به والاقتراب به من الكعبة المشرفة ،وهناك دعا ربه ،دعاء أدمعت له أعينهم جميعا
-يارب ،إن كان بالعمر بقية ،اشفني وعافني ،وأسعدني بزوجتي وابني ،وإن كان الأجل اقترب فاكتب لي أن أرى ابني قبل أن تتوفاني إليك ،يارب إني ظلمت نفسي كثيرا وانك انت الغفور الرحيم .
دعاء ظل يريده في كل منسك ،وما ذلك على الله بعزيز .
انتهت أيام العمرة ،وعادوا وقد تعب مراد ،فتوجهوا به الى المستشفى حيث ينتظره طبيبه مع جرعة أخرى.