رواية انسحاب الفصل الثاني عشر 12بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الثاني عشر 12

بقلم حكاوي مسائية



كانوا مجتمعين حول مائدة الإفطار،على رأسها الجد ،على يمينه ابنه وعلى يساره كنته ثم عائشة فأمها.

-كيف حالك اليوم يا ابنتي.

-أفضل يا جدي ،الحمد لله.

-الحياة بعيدا عن توتر المدينة ،أجمل وافيد للصحة.

-طبعا يا ام عائشة ،ولكن معظم عمل الشباب بالمدينة.اعانهم الله .

-رأيت يا جدي أشجار البرتقال ،بها ثمار يانعة، تنتظر قطفها ،كما أزهار وثمار وليدة في نفس الغصن.

-بمزرعتنا برتقال الفصول الأربعة، هكذا يسمى ،الشجرة تعطي الثمار طيلة فصول السنة ،وطبعا لا تخلو من ازهار .

-سبحان الله. علم الإنسان ما لم يعلم.

-طالما الإنسان يسعى ،ربك يفتح له أبواب الرزق والعلم أحدها.

-رأيت زوجة عامر .

فاجأهم الخبر.

-قابلتها هنا؟

-كنت استريح من المشي بين أشجار البرتقال ،فإذا بها تجلس بجانبي تحدثني.كأني بها بسيطة العقل.

أكد الجد بأسى 

-نعم هي كذلك ،ولهذا وقع عليها الاختيار ،حسبي الله ونعم الوكيل. 

-قالت انهم قالوا لها أنها مجرد وعاء لأطفال عامر وزوجته ،ضرتها تعني.ولكنني نصحتها الا تتخلى عن ابنها.

أرجو أن تقف بجانبها يا جدي.

-سأفعل ما يقدرني الله عليه،عامر عبد المال ،قد اضغط عليه به.خير بإذن الله خير.

-سنستأذنكم اليوم ،يجب أن أعود، لن أستطيع أن اغيب عن العمل أكثر.

-ألم تتفقي مع أمنية على اسبوع او عشرة ايام؟

-والله يا جدي،التفكير في العمل متعب أكثر ،والفراغ لا يناسبني ،أفضل أن أُشغَل بالعمل.

-كما تشائين،سأكلم السائق ليرافقكما بعد صلاة العصر.


اتصلت أمنية بكاميليا للتأكيد على موعد الغذاء في المطعم.

-الو ،السلام عليكم.

-....

-نعم ،لم أنس يا أمنية، بعد ساعة ،نعم نعم

اغلقت الهاتف 

-اعتذر سيد يوسف،كانت أمنية تؤكد على موعد بيننا.

-غذاء طبعا؟!.

-نعم ،تقول انه دين علي .

-هل يمكن أن ارافقكما،مر زمن منذ أن اجتمعت على مائدة مع احد ،تعلمين أنني أعيش وحدي.

-لا مانع لدي ،ولن يكون لأمنية ،هو مجرد غذاء .

-إذن نذهب سويا بعد أن ننتهي من هذا الملف. 


لم تشأ أن تحرجه ،بعد محاولة الاتصال بياسر ،أرادت أن تتكلم مع أمنية بشأن عائشة وياسر ،وتجدا حلا لعائشة لتخرج من علاقة مع وقف التنفيذ.

ولكن وجود يوسف سيمنع اي حديث،لابأس مادام هو من طلب ليكسر عادة الأكل وحيدا. 


وصل مراد الى مطعم صديقه مجدي ،وانزوى في صالون لشخصين ،يعجبه نظام الصالونات المعزول بهذا المطعم ،رغم أن الفاصل بينها جدار من زجاج ،تبقى محافظة على خصوصية الحديث،كما تختلف مساحتها من متسع لشخصين الى ستة أشخاص.كثيرا ما تتم بها حفلات نجاح او أعياد مناسبات خاصة ،،كما قد يحتفل اب مع أسرته حتى الأطفال منهم.

دخل ينتظر أن ينظم إليه صديقه مجدي على الغذاء،اخرج من جيب سترته علبة اخذ منها قرصا ،وكيسا صغيرا أفرغ محتواه السائل بفمه ،مايزال منتظما في العلاج ،لأن معدته لا تفتأ تذكره انها ماتزال ضعيفة.

-اهلا مراد ،أرى انك اخذت الدواء.

-نعم ،وإلا فالاكل سيؤلمني.

-لن تضرك وجبة إعددتها لك بنفسي،حسب تعليمات وسام .

-لا حرمني الله منكما.اليست تلك محامية كاميليا.

-لم ارها من قبل ،لا اعرف.

-إنها هي ،كأنها تبحث عن أحد. 

-سأذهب لأرى.

خرج إليها وهي تقف في الاستقبال.

-مرحبا ،كيف اخدمك سيدتي.

-كنت قد حجزت لشخصين ولكن انضاف إلينا شخص ثالث ،لهذا اسأل المضيفة أن تغير الحجز الى صالون اكبر.

-بكل سرور سيدتي ،تفضلي معي.والمضيفة ستهتم بضيفيك حين وصولهما.

سارت خلفه ،فتح لها الباب الزجاجي لصالون مرئي من حيث يجلس مراد.

-تفضلي سيدتي ،مرحبا.

انسحب بعد أن دخلت.

-يبدو انها تنتظر شخصين على الغذاء.

-الجميل انك فهمت وتصرفت لتكون امام ناظري.

-أخوك وافهمك.

بتر ضحكتهم دخول يوسف وكاميليا وراء المضيفة التي اخذتهما الى حيث تجلس أمنية.

تغير لون مراد حتى خشي مجدي الأسوأ.

-اهدأ مراد ،لابد انه اجتماع عمل .

-وحتى لو لم يكن ،فهي زوجته الآن ،ليس بيدي شيء.

-أهتم انت بصحتك ،وادع ربك يصلح الحال.

على الجانب الآخر حوار رسمي حول العمل ،وجمل قليلة عن جاد وشغبه. 

أطال النظر إليها ،كم تغيرت !إشراقة عينيها وابتسامتها ،كم رآهما ذابلتين تحيطهما الهالات السوداء،الابتسامة لم تكن تتعد الشفتين وهاهي تبتسم حتى العيون ،نضارة سببها ثقة بالنفس،حتى وهي تكلم النادل تبتسم له كأنها تشكره.

أشار للنادل ليأتي إليه.

-لما يحين وقت التحلية قدم للسيدة ذات الحجاب الأبيض حلوى الجبن بالتوت البري.

-حاضر سيدي.

-لماذا يا مراد ؟ قد تسبب لها حرجا امام زوجها .

-مجرد تحية مني كزميل وصديق.

صمت مجدي، يعلم أن صديقه يعاني ،ويعلم أنها ليست مجرد تحية من صديق ،ولكنه لا يجادله ويتمنى أن تمر الساعة القادمة بخير.

قدم النادل الشاب طبق التحلية الخاص بها مبتسما.

-ولكنني لم أطلب هذا!

-هذه تحية من السيد مراد لسيادتك.

رفعت رأسها وتبعت نظرة النادل فرأته، لما التقت اعينهما، رفع يده بالتحية وبها كأس ماء.

-خذ الطبق وأخبر السيد مراد أنني اتحسس من التوت البري،وبلغه شكري.

كانت تتكلم وهي تنظر إليه مبتسمة فظن عكس ما كانت تقول.ولكن بريق نظرته انطفأ لما رأى الطبق قادما إليه.

-تشكرك السيدة وتقول أن عندها حساسية للتوت البري.

-لم أكن أعلم ،تخيل يا مجدي أنني لم أكن أعلم، ثلاث سنوات ولا أعلم عنها شيئا.

-مراد ،هي الآن لها حياتها ،اطوِ صفحة الماضي وأبدأ صفحة جديدة .

عند كاميليا ،كانت تضحك وهي تكلم أمنية 

-لم يعرف عني شيئا ولم نجلس الى مائدة معا إلا وسط عائلته .

ابتسم يوسف

-أصبحنا تنشارك شيئا آخر غير الاسم ،الحساسية للتوت البري.

-حقا!؟

هز رأسه مبتسما

-أصبحنا اثنين.

كان يراهما ،يبتسم لها وتبتسم له ،تلمع عيناها بدهشة لشيء قاله لها ،ثم تبتسم سعيدة ،لابد انه خبر أسعدها. 

(هل قلت لها يوما شيئا أسعدها ؟)

ينظر إليه مجدي حزينا على صاحب عمره ،ولايوجد مايفعله ليخفف عنه.

-سنسافر نهاية الأسبوع، السبت والأحد نقضيها في جولة سياحية ،لنبدأ العمل يوم الاثنين ،وقد نعود الجمعة.

-متى تأتي عائشة؟

-هذا المساء ،اخبرني جدي انها ستعود مساء ،قالت أن العمل يفيدها أكثر من الاستجمام.

-أفضل أن تمكثي انت وجاد معها ،لأطمئن عليكما.

-حسن ،عودتها ستفيدنا جميعا ،لأنني اثق بها وأفضل أن تكون بالشركة أثناء غيابنا.

قال هذا وقام يدعوهما لمغادرة المطعم.

بلفتة نحو مراد القى عليه التحية بإشارة من يده وابتسامة ،ردها مراد وهو يتمتم

-لم أعرفها، ولا عرفت خصوصياتها ،ولا ذوقها في الأكل،ولا اي لون تحب ،لم اكلف نفسي أن أعرفها، حكمت ونفذت الحكم ،وللأسف أبوها من لفق لها التهمة.

نظر اليه مجدي بحزن

-إذا كان أبوها من وسخها ،كيف بك انت؟

-كنت أرحمهه!اسألها!اسمع تبريرها!

-وقد عرفنا الآن الحقيقة .

-بعد فوات الأوان Trop tard 

-انسها ،انسها وسامح نفسك.

حرص يوسف أن يسير بجانبها ،يعرف جزءا من الحقيقة ،ويريد أن يشعره بالقهر ،أن يراها سعيدة بعيدا عن أذاه،أن يثأر لكسر قلبها.


بمكتب كاميليا جلست أمنية على الكرسي المقابل للمكتب.

-لا أريدك أن تهتمي لحركة مراد 

-لم أهتم، لأنه يظن أن يوسف زوجي اراد أن يغيظه، يقدم لي تحلية كأنه يقول انه يعرف ذوقي،وانه كان قريبا مني.

-ولكن مكره عاد له ،إهانة ألا يعرف شيئا مهما كحساسيتك للتوت البري وقد عشت معه لسنوات.

-لم اعش معه ،كنت جارية اشتراها ،جسد يفرغ فيه غضبه،لم نتشارك طعاما ،كنت احضر له أكله ،ولي أكلي الذي اتناوله وحدي.

ولكن دعينا منه الآن 

أشارت بيدها كأنها تهش حشرة عن وجهها 

-ماذا سنقول لعائشة ؟

فكرت أمنية 

-لو حكينا لها قد تظن  أننا نكذب لأنها مريضة ونريدها أن تلتفت لصحتها ،يجب أن تراه وتسمعه.

-ولكنه عرف الآن أنني من اتصلت به ،وقد لا يجيبني مرة أخرى 

-بل سيفعل ،لأنك لم تذكريها ،كلامك له انك وجدت رقمه فاحببت أن تعرفي لمن هو ،والخط فرنسي ،سيظن انك في فرنسا.

-نعم ،يجب أن تراه بعينها وتسمعه بأذنها،الخائن يحملها ذنبا ليس لها ،متظاهرا بالحزن والغضب  وهو عاش حياته تزوج وابنه تعدى السنتين!!!

-والأدهى السبب الذي جعل أهله يرجونها أن تكلمه وصالحه.

(مساء الامس)

-هل يرن ؟

-انتظري يا أمنية، رفعت سبابتها الى شفتيها أن اسكتي،

-Allo;je m'excuse mais j'ai trouvé ce numéro sur mon agenda. 

-pardon Mm ;je peux savoir qui vous êtes ?

-Avant ;à qui ai-je l'honneur ?

-Yassir Maarouf.

-ياسر ،لا يمكن ،لهذا دونت رقمك بمذكرتي .

-من انت سيدتي ؟

-انا كاميليا ،كنت صديقة عائشة ،تذكرني ،أعيش الآن بفرنسا.

-كاميليا،اهلا بك ،ماذا تفعلين بفرنسا .

-تزوجت بعد أن أنهيت دراستي، واعمل هنا.وانت ما أخبارك؟

-انا أيضا تزوجت وعندي ولد عمره سنتان.

-عائشة طبعا.

-عائشة من ،انا تزوجت أمريكية ،واعيش حياتي كما كنت اتمنى.

-هنيئا لك ،وهل تنزل الى المغرب؟

-لا ،لا أحب أن اشغل نفسي بمشاكل انا في غنى عنها ،زوجتي لا تريد ،جاءت أمي مرة تزورني تركتني في دوامة ،الأفضل أن ابتعد عنهم.

-وهل تعرف شيئا عن عائشة ؟

-لا ،أصلا أنا قطعت اي صلة مع المغرب ،لابد انها تزوجت ولها أولاد ،وانت انجبت ام تحافظين على رشاقتك؟

-عندي ابني جاد ،ما رأيك نتواصل فيديو كول ،واقدمه لك .

-حسنا ،سأخبر هيذر ،الى اللقاء.

(الحاضر)

-ستكون اليوم ببيتها أليس كذلك؟

-نعم ،ماذا تنوين؟

-أولا سأخبرها ،كما ساخبرها أن والدته واخته همهما أن يعود ،ولهذا تكذبان عليها ،إنه مهموم وحزين مثلها ،ولم يتزوج،تخيلي زارته أمه وقابلت زوجته التي رفضتها ،وتحمل عائشة فوق طاقتها .

-وبعد أن نهيئها ،تتصلين به ،لترى وتسمع.

-ستتعب ،الخيبة أمر من الانتظار ،ولكن آخر الدواء الكي.

-وأيُّ كَي ،نار الخذلان على القلب. 


في الضيعة ببيت عامر ،كانت تجلس على الأرض ،تقابل تظراتهم المتحفزة .

-هيا ،قولي لعامر من التقيت عند شجر البرتقال.

تلف يدا بيد ،كطفلة تحكي يومها لأمها 

-فتاة جميلة ،قالت انها صديقة أمنية ،أمنية التي كانت ابنة عمك،تعرفها؟

ركلتها الأخرى بقدمها.

وماشأنك يعرفها اولا؟ قولي ماذا قالت لك.

-قالت لي أنني لست وعاء ،وضعت يدها على بطنها ،هذا ابني انا ،لن اعطيه لكِ

نظر إليها والنار تشتعل بعينيه

-وماذا أيضا،تكلمي!!!

-لا تصرخ ،انت تخيفني وبكت ،ما شأني أنا ،هي التي قالت.انا سأقول لعمي الحاج ،جدك ،وهو سيحميني. 

-سمعت ،ابنة عمك سممت عقلها،هبت إلى تلك المسكينة ،انت وعاء ،والذي ببطنك ابني أنا ،وإن كررت قولك قتلتك وقتلته.

أثارت الزوبعة بتهديدها، فإذا بيد من حديد تمسك معصمها 

-تقتلين من؟ألا يكفي أنني راعيت انك ابنة خالي وتركتك على ذمتي وانت عقيم لا أمل فيك؟

أمي!تحبسين المجنونة بغرفتها ،وتعتنين بها إلى أن تلد ،وأياك ،سمعتني إياك ،إلا ولدي!

ارتعدت فرائص والدته،لم يسبق أن وجه غضبه نحوها .آثرت نفسها كعادتها.

-قومي ،جهزي لها الأكل ،وأنا سأساعدها على الاستحمام ،سمعت زوجك ،حفيدي أغلى منك ومنها.

نظرت الى عمتها وتمتمت:صحيح ،ليس لك عزيز ولا غالي. 


خرج مزمجرا

-مازلت تحفرين وراءي يا أمنية ،مالك وابني ،انسبه لمن أشاء.

وصل إلى البيت الكبير.

جدي!عمي!

خرج الجد وابنه من المكتب ،أشار بيده للحارس والخدم الذين جاؤوا مهرولين ،بالانصراف. 

-ماذا هناك ؟أي مصيبة تحمل قدماك؟

-المصيبة هي ابنتك أمنية، لاشأن لها بزوجتي ولا بابني.

-ومتى رأت زوجتك او ابنك؟

-صديقتها ،لابد انها محامية مدافعة عن حقوق المرأة مثلها .

قالها مستهزئا،فأجابه عمه.

-ابنتي محامية ،حقوقية اي نعم ،عارفة بالقانون، أكيد ،أما أن تدافع عن زوجتك او تتدخل في شؤونك، فأنت تعطي نفسك قيمة أكثر من قيمتك وحجما أكبر من حجمك.

-ومادمت كما تقول ،لماذا زوجتنيها؟

-مكر الليل والنهار ،هم وازاحه الله.

-وحتى يبقى بعيدا عنها ،حذرها أن تكلم زوجتي.

تكلم جده .

-أمنية لم تكن هنا ،صديقتها صادفت فتاة بسيطة الإدراك ،اخبرتها أنها حامل ،وإن ضرتها ستأخذ منها الطفل ،وإن زوجها افهمها انها مجرد وعاء ،هي لا تعرف من تكون ،نصحتها كما كان سينصحها اي شخص تقابله وتحكي له.

-لا أظن أن زوجتك الثانية بسيطة العقل والإدراك يا ابن أخي!!!

فهم أنه يسخر منه.

-هي أحسن من غيرها ،لأنها تحمل ولدي .

جاءه رد يحمل كيد المرأة 

-مبروك يا ولدي،كما قلت رغم بساطتها هي أفضل من عقيم ،إنما اخاف عليك أن يرث ولدك جينات أمه.

صفعة تلقاها بقلبه،هل هذا ممكن؟ أن يكون ابني ابلها كأمه.

امتقاع لونه عرفها انه فهم كلامها.

-امك أخطأت هذه المرة ،تريد حفيدا ،وتريده ابن ابنة أخيها،فكرت ودبرت ،فتاة بلهاء تلد الحفيد وتلقى الى الشارع.وأغفلت من يدبر الأمر كله ،الجبار سند من لا سند له.

-اسمع ياولدي ،أحاط كتفيه بذراعه،انت ابن ولدي الغالي،ويعلم الله أن معزتك من معزته،اسمع نصيحتي،لا تتبع أهواء أمك ،راع ربك في زوجتك ،تلك البسيطة لها بركة ستحل عليك لو أحسنت إليها،انوِ فعل الخير يأتيك الله بالخير.

نكس رأسه وخرج منحني الهامة عكس حما أتى عليه.


تعليقات