رواية انسحاب الفصل الرابع والعشرون بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الرابع والعشرون

بقلم حكاوي مسائية



كانت بمكتبها ،تتذكر مساء امس ،لما وصلوا بعد رحلتهم الى جبال الاطلس واستمتاعهم بالمناظر الجميلة ،كان جاد نائما ،بعد إجهاد نشاط غير طبيعي ،رؤيته لشلال الماء تعتبر اكتشافا عظيما لطفل مثله أثارت حماسه ،حتى أنه طلب من أبيه أن يعيشوا هناك.

(-بابا ابن لنا بيتا هنا جنب الماء.

-وتبتعد عن جدك وكريم؟

-لا،كلنا نسكن هنا.

كلام الطفل جعلهما يضحكان 

-حبيبي ،انت تعرف ،عندي شغلي بالمكتب،وبابا له شغله مع جدي ،وكريم يذهب إلى المدرسة .

-انقلا كل شيء الى هنا.

-حاضر ،تعرف أن كل ذلك ثقيل جدا ،سننتظر قليلا حتى تكبر وتساعدنا عل نقله ،اتفقنا؟

-اتفقنا ماما.

-اقنعته بسهولة!

-لأنني أعرفه جيدا ،مع الوقت ستفهم مشاعره وتعرف ميوله ،ويسهل عليك الحديث معه.

-أرجو ذلك ،احب أن نكون صديقين.)

أمام باب الفيلا ودعها بعد أن أدخل جاد النائم الى غرفته.

-إلى اللقاء ،نامي باكرا ،فغدا يوم عمل .

-صحيح ،عندي مرافعات مهمة بالمحكمة ،الى اللقاء.

-كان مراعيا لطيفا ،هل تغير فعلا أم هذه خدعة حرب جديدة؟

اخرجها من شرودها ،استئذان الكاتبة ليدخل مجدي

-اهلا وسهلا سيد مجدي،كيف حال مراد اليوم؟ سمعت عن مرضه من كاميليا.

لاحظت الحزن المهيمن عليه،وأكدته تنهيدة خرجت غصبا مع جوابه

-مراد مريض جدا ،أسأل الله أن يخفف عنه ويشفيه.

-آمين يارب.

-جئت أسألك، هل فكرت في طلبي؟

-أي طلب سيد مجدي؟ عرَّفتك وضعي ،انا أم مطلقة ،وانت لم يسبق لك الزواج ،ولست مستعدة أن أسمع إهانة من أحد، نحن مجتمع مغربي عربي ،نعرف أن الأحكام صادرة بحق المطلقة ،وانا خرجت من دائرة الضوء منذ زمن ولا أريد أن أعود إليها.

-عفوا ،لم أفهم.

-امرأة مثلي ،تسلط عليها الاضواء في الشهور والسنوات الأولى من طلاقها ،تهم ملفقة ،وأحكام جاهزة.ثم تخف الحدة شيئا فشيئا،حتى يدركها النسيان ،وانا الآن بحكم المنسية، لأن الاهتمام موجه إلى المطلقات حديثا،فإذا تداول الناس خبرا جديدا عني ،سأسمع ما يضرني ويضر بابني وعائلتي،أظنك فهمتني الآن.

-وهل في زواجنا ما يشين؟

-بشرع الله ،لا،الزواج حلال وسترة لي ولك ،ولكن بشرع الناس ،حرام وعيب أن تتزوج أم من شاب لم يسبق له الزواج،الإشاعة الأولى ستكون تهمة لي ولك ،تسيء لسمعتي وشرفي ،فأنت رجل ،وحتى لو شوهد الرجل بالعين في علاقة محرمة فهذا لا يشكل مسبة له،والإشاعة المتخلفة الرائجة والتي تلبسها كل واحدة مثلي :سحرت له وأخذته من أمه، والمسكين لا حول ولا قوة ولا رأي له أمامها.

أصبح ساحرة شريرة ،وانت بين يدي دمية احركها كما أشاء .

-لو التفتت لكلام الناس ماكنت هنا اطلب ودك أستاذة أمنية. 

-سيد مجدي ،نحن نعيش وسط الناس ،نؤثر بهم ويؤثرون علينا ،و لو قبلت عرضك سنعيش سنتين او ثلاث تحت المجهر ،وبعدنا سيطول الكلام أبناءنا، وأولهم جاد ابني.

سيد مجدي ،انت تستحق واحدة احسن مني.

-أستاذة أمنية، إن كنت عرفت قبلي رجلا واحدا ،فأنا عاشرت عددا لا أعلمه من النساء ،أخجل أن اعترف ،ولكنها الحقيقة ،و عدد منهن ألقاهن او يأتين احد مطاعمي،مع ازواجهن،يتصرفن كأنهن لم يعرفنني يوما ،منهن من ماتزال تعيش مع زوجها حياة التحرر كما كانت معي أو مع غيري ،غير انها الآن تعيشها في الحلال مع زوجها ،والكثيرات التزمن بالحجاب وتغيرت تصرفاتهن، حتى أنني احيانا أشك ولا أصدق عيني.

-إذا كان الله يقبل التوبة ،سيد مجدي.

-إنما احكي لك لأقول انك مطلقة بشرع الله بعد زواج احله الله من رجل واحد ،أنت أحق بثقتي من أخرى طلقت مرارا دون وثيقة بعد علاقات محرمة .

-أحيي تفكيرك،ولكن هل سيكون هذا رأي والديك؟

-المهم أن توافقي انت ،أما أمر والدي فأنا كفيل به.

ابتسمت،هي متأكدة من رفضهما، او على الأقل رفض والدته،فما من أم تقبل أن يتزوج ابنها الأعزب من مطلقة .

-يكون خير سيد مجدي.

-يعني أنك ستفكرين؟

-قلت ،يكون خير ،وكل شيء بإذن الله. 


على مائدة الإفطار ،رآها لا تلمس من طعامها غير فنجان القهوة ،شاردة بعيدا عنه

-كاميليا !مابك اختي؟

-لاشيء ،لم انم جيدا.

اقترب ليجلس على الكرسي بجانبها.وامسك يدها الصغيرة بين كفيه

-حبيبتي،أعلم أنك بين نارين ،قلبك لا يسامحه على مافعله بك ،وضميرك لن يرضى أن لا تساعدي على علاجه .

-كلما أقنعت نفسي أنه يستحق ما أصابه، أرى صورته اول مرة اراه،يلقي محاضرته ثم ينصحنا باعتباره طالبا سابقا بنفس الكلية ،كنت اتتبع اخبار نجاحه ،وعرفت عن علاقته بلينا،كنت احبه بيني وبين نفسي ،لم أبح لغير مذكرتي وعائشة ،لولا غدر زوج خالتي لما تقاطعت  طريقينا أبدا. 

-حكمة الله ،تذكري أن أفعال الناس حولنا وخطواتنا كلها اسباب لينفذ قدر الله،لو كان مقدرا أن يتزوج لينا ،لكانت هي من تقف معه الآن ،او ربما ما كان ليمرض،لأن قدره سيكون مختلفا عما هو عليه،وربما كنت انت متزوجة تسخرين من حبك الافلاطوني لمحاضر جاء ضيفا الى كلية الهندسة ،ممكن أن نقضي اليوم كله في افتراضات كلها ممكنة ومنطقية ،غير أن إرادة الله هي التي شاءت أن تعيشي معه ما عشت ،وأن لا يفطن لحبك بقلبه إلا وقد هجرت عالمه،لو احب لينا لتزوجها وما من مانع يحول بينهما.

-كأن صديقه وسام يحملني مسؤولية مرضه،يقول انه كان يشرب ويدخن كثيرا لينساني. 

-لست مسؤولة عن ضعفه ومجونه، يهرب الى الثمالة عوض أن يبحث عنك ،هذا ضعف وانهزامية ،لست مسؤولة ،لأنه لو أراد لكان قلب أركان الدنيا ليجدك ،أمر مساعدتك له او لا عائد لك ،والقرار بيدك مهما كان لا حق لأحد أن يلومك.

-إن مات سألوم نفسي.

-ولهذا أقول لك ،فكري كأنك تفكرين في أساسات بناء ،إيجابياته وسلبياته، لا تفكري في غير نفسك ،حتى مراد لا تفكري فيه ،هل يريحك الإبتعاد ونسيان أمره ؟ إن نعم ،ابتعدي ،اذهبي وتابعي العمل بالبلد الافريقي وانسي أمره فهو يعيش ما جناه على نفسه.

إن كان ضميرك سيعذبك ،و طيبة الإنسانة بداخلك ستلومك ،اريحي نفسك وضميرك ،وقفي بجانبه ،عامليه بأخلاقك ولا تعامليه بعدلك ،فهمت كلامي؟

-نعم ،وانا محظوظة بك حبيبي.

أراح رأسها على صدره.

-لا تذهبي اليوم الى الشركة ،فكري ،ثم اتصلي بي واخبريني عن قرارك.

-لن أكذب عليك ،بعد تفكيري طيلة الليل ،توازنت كفتي القرار ،فلا ارتحت الى القرب ،ولا ركنت الى البعد، ولكن بعد كلامك رجحت كفة القرب ،كما قلت سأعامله بأخلاقي ليس بعدلي ،غير أنني هذه المرة سأخطو بقوة وحذر .

-وانا سعيد بقوتك ،الجبانة كانت ستبتعد وتؤثر راحة قلبها وبالها ،ولكن تربيتك الحسنة ومعدنك الطيب يجعل ضميرك يرفض عليك  مساعدة شخص في محنته ،اذهبي إليه،ونلحق بك انا وعائشة في استراحة الغذاء. 


كان وسام معه بغرفته بالمستشفى يراقب مؤشراته على الآلات بجانبه ،حين فتح عينيه.

-صباح الخير ،كيف تشعر اليوم؟

-ما الذي حدث؟ أفقت ليلا لتقول لي الممرضة أنني تعرضت لنوبة أخرى.

-فعلا ،وهذه المرة كانت شديدة .

-أذكر أنني كنت أكلم كاميليا في الحفل.

-صحيح ،ما الذي جعلك متوترا الى ذاك الحد ؟

-وصفتني أنني كنت حضنا شائكا، أشواكه سامة.

جاءه صوتها ،خلف وسام

-من قال لك هذا ؟ مازالت سارة غبية ،أنا كنت أقصدها هي ومدام نادية وطبعا رأس الحية لينا عشيقتك. 

ابتسم وسام وانسحب ليغلق الباب عليهما

-والله كانت صديقة ،مجرد صديقة ،ما لمستها يوما ،لا قبلك ولا بعدك.

-وماذا عن حملها منك قبل طلاقنا؟

-اسألي عنه سارة .ستقول لك الحقيقة .

قربت كرسيه من السرير وابتسمت قائلة

-انت ستخبرني ،هزت رأسها امام دهشته،نعم ستخبرني كل شيء ،تفاصيل التفاصيل،لن أسمع عنك من غيرك ،ولن تسمع عني من غيري.

-صحيح؟ انت هنا صحيح وانا لا احلم ؟لأن هذا كان حلمي منذ فارقتني.لابد أنني محموم واهذي. 

-انا هنا يا مراد ،وسنتحدث كثيرا ،ولكن المهم الآن أن نعرف كيف نتخلص من هذه القرحة اللعينة ،حتى تخرج من المستشفى .

زاد حماسه كطفل صغير يستحث الوعود من أمه

-ستكونين معي ؟ سنذهب معا الى بيتنا؟

هزت رأسها بالإيجاب 

-نعرف أولا ماذا قرر طبيبك.

سأذهب الآن لأسأله ،المهم هو أن تخرج من هنا قريبا . 


لم يكن وسام بعيدا ،كان ينتظر أن تخرج لتبشره، فأسرع إليها يسألها

-ارجوك ،قولي انك قد سامحته وستتعاونين معي.

-دكتور وسام ،سامحته او لم أسامحه هذا أمر يخصني وحدي ،أما أن اساعدك على علاجه فأنا موافقة ،سأقف الى جانبه حتى يتعافى إن شاء الله، وبعد ذلك ،لكل حادث حديث.

-أشكرك ،أشكرك مدام كاميليا.

-وضح لي حالته ،والإجراءات الذي ستتبعها من فضلك

-تعالي معي إلى المكتب لأشرح لك ،ونتفق . 


دخلت مبتسمة يتبعها وسام ،إشراقة ابتسامتها أدخلت الدفء الى قلبه

-ابشر يا سيدي،نعم ،من كان الدكتور صاحبه.

-لو هذا صحيح فلم فشل كل هذه السنين.ههههه

-لأن القوة الداعمة لم تكن معي،وهاهي تقف الآن معنا ضد قرحتك اللعينة.

نظر إليها نظرة طالما تمنتها وهي زوجته.

-أخيرا جئتني بالدواء يا صاحبي.

-جاءت من تلقاء نفسها ،بعد أن سقطت بين يديها في الحفل.

-اسمعني يا مراد ،لقد شرح لي وسام أن أفضل علاج الآن هو جراحة بسيطة لكيِّ القرحة بعد أن استعصت عن العلاج بالأدوية .

-عملية صغيرة ،وبعدها بضعة أسابيع علاج وأخرى نقاهة ،وتشفى بإذن الله.

صمت ،جراحة وكي ،الأمر ليس هينا ،وشيء ما ينبئه أن الأمر اكبر من ذلك .

-انت الدكتور ،أفعل ماتراه .

سأبعث ممرضا يهيئك للعملية .

أمسك يده ،فضغط عليه مراد ليفهم أنه يريده على انفراد .

-مدام كاميليا سترتاح بالمكتب ،وانا سأعود مع الممرض.

بعد أن تركها بمكتبه،دخل إليه

-وسام ،أخبرني الحقيقة ، أحس أن الأمر اكبر من قرحة عاشت معي سنوات.

-وماذا سيكون غير ذلك .

-وسام ،إما أن تخبرني الحقيقة وإما سارفض الجراحة .لست طفلا لتخفي عني حقيقة مرضي ،تزامن رجوع كاميليا مع ضرورة العملية ينبئني بكارثة. 

-كارثة ،ههههه،انت تهول الأمور مراد .مادمت قد كشفتني، القرحة تحولت إلى ورم صغير ،دكتور الأورام فضل استئصاله على أن نأخذ منه خزعة للتحليل.

-هل تعرف كاميليا هذا ؟

-لا ،فاجأني قدومها اليوم ،رغم أنها جاءت هي ويوسف وخطيبته معك يوم السبت ،وعادوا امس ،ولبثت بجانبك وانت غائب عن الوعي بفعل المسكنات، ظننت انها لن تعود لأنني اخبرتها انك ستكون بخير ،وانك نائم تحت تأثير مسكنات الألم،يبدو أن سقوطك بين يديها بعد ماقلت لها جعلها تغير موقفها اتجاهك.واحيى حبك بقلبها من جديد.

-هل تظن فعلا أنني سأتعافى قريبا؟

-بكل تأكيد !ما الذي تقوله يا صديقي.

-الأمر أنني مشتاق وبجنون لكاميليا ،ولكنني لن اغضب ربي،لن ألمس يدها قبل أن تكون لي حلالا،وانا أرفض أن اعرضها لحزن بسببي،لو قبلت بي ،سأعقد عليها ،بعد العملية ،ولكن ،إن كانت نسبة شفاءي ضئيلة فأنا افضل ألا أفعل، لن تكون أرملة بسببي ،لن أدمرها مرة أخرى.

-إذن ،أقول لك مبروك من الآن. 


كانت تقف أمام العناية المركزة ،الباب الذي ودعت مراد أمامه، ليدخلوه نحو غرفة العمليات ،رأت يوسف وعائشة قادمين نحوها ،فمسحت دمعة شاردة على خدها،وابتسمت لهما.

-السلام عليكم ،كم مر من الوقت وهو بالعمليات؟

-وعليكم السلام ،أكثر من ساعتين.

-تعالي،اجلسي،لن يجدي تعبك ووقوفك أمام هذا الباب.

-أترقب خروجه نحو العناية المركزة .

-أكيد أن الدكتور سيخرج إلينا بعد أن يضعوه في العناية المركزة ،فتعالي لتستريحي.

مدت لها عائشة كأسا محمولا 

-أعرف انك لم تأكلي شيئا كما انك لن تقبلي أن تخرجي لتأكلي ،اشربي هذا عصير محلى ،سيعينك قليلا.

مر وقت طويل ،زاد الانتظار ثقله.مرة تقف تطل عبر الزجاج ،مرة تسند رأسها على كتف عائشة ،ومرة على صدر يوسف.

أخيرا خرج اليهم وسام ،هبت إليه وبعينيها الف سؤال ،ورهبة من الجواب. 

-الحمد لله ،مرت العملية بخير ،لو سمحتم تعالوا معي إلى المكتب.

-ديباجة علمت أن بعدها خبر غير سار ،وكما توقعت كان.

-للأسف ،الورم كان أكبر مما توقعنا ،واضطررنا أن نزيل جزءا من المعدة ،بعد أسبوعين على الأكثر نبدأ العلاج الكيماوي.

-ولماذا الانتظار ؟

-ضعف جسده،لا تنس سيد يوسف أنه عانى من القرحة سنوات ،الأكل كان فيها حمية مقننة بشدة ،زيادة على حالته النفسية المتدهورة، عموما ،دكتور الأورام سراقب حالته،وهو من سيقرر بدء العلاج.

-متى يمكن أن نراه؟

-ليس قبل غد ،هو الآن مايزال تحت تأثير التخدير ،بعد الإفاقة ،سيدخل العناية المركزة حتى تستقر مؤشراته، ثم ننقله غرفة عادية .

-هيا بنا إذن ونعود غدا ،لا بد أن الدكتور متعب ،نتركه ليستريح.

استوقف وسام يوسف 

-سيد يوسف ،هل يمكن أن اكلمك على انفراد؟

عاد إليه بينما انسحبت كاميليا وعائشة.

-ربما لا يحق لي أن أقول ما سأقوله، ولكن واجبي كصديق ثم كطبيب يحتم علي أن أتكلم.

-وانا اسمعك ،تفضل دكتور.

-مراد ،أصر أن يعرف حقيقة مرضه،مجيء كاميليا إليه، ثم علمه بضرورة الجراحة جعله يتأكد بأن الأمر يتعدى مجرد قرحة المعدة  ورفض أن نجري له العملية إلا لو أخبرته الحقيقة ،طبعا  استصغرت أهمية حالته، وقلت انه ورم صغير الأفضل أن نستأصله ،و نفيت علم اختك بالحقيقة لأنه لن يقبل أن تكون بجانبه شفقة عليه ،أمله كما اخبرني أن يعقد على مدام كاميليا بعد العملية ،لأنه كما قال لايريد أن يغضب ربه بالاقتراب منها وهي ليست حلاله.

طال صمت يوسف.

-طبعا هو يظن انها لا تعلم حقيقة مرضه ،كما أنني هونته له وأكدت له أنه سيتعافى منه ،وهذا ممكن مع العلاج وبمشيئة الله.ارجو أن تفكر في الأمر سيد يوسف.

-لست أنا من يقرر ،أولا هي يجب أن تكلم دكتوره المعالج وتوافق،ثم هي الآن ليست يتيمة ،لها أهل مسؤولون عنها وتهمهم مصلحتها وسعادتها .

-أكيد ،سيد يوسف ،اخبرها ،واستشر اهلها،وانا انتظر الجواب .لأنه لو كان بالرفض علي أن امهد له وأقدمه بحلة مقبولة وهينة .

-لن نتأخر عنك ،استأذنك ،الى اللقاء. 


كلم أباه قبل أن يتوجه الى المستشفى ليطمئن على صديقه.دخل الى المكتب يسأل وسام 

-اين مراد ؟ لم أجده بغرفته.

-مراد بالعناية المركزة ،أجرينا العملية.

-متى ؟ ولماذا لم تخبرني؟

-جاءت كاميليا،يبدو انها ستتعاون معنا لأجل صحة مراد ،المهم انها عاملته بلطف وهو قبل العملية،فأسرعنا لاستئصال الورم الذي تبين أنه اكبر مما اعتقدنا، فازلنا مه جزءا من المعدة .

-مسكين يا مراد !

-أين كنت ؟ لماذا لم تزره صباحا؟

-ذهبت لاقنع أمنية، كادت تقنعني هي ،ولكنني اخذت ،مرة أخرى، منها وعدا أن تفكر .ثم مررت على أبي، بعد أخذ ورد لان قليلا ،واظنه سيوافق.

-ولماذا لم يقبل ،ماكنت أظنه هكذا.

-الولد ،يقول ان كونها مطلقة لا يهم ،أما أن يكون لها ولد فهذا سيسبب بيننا مشاكل كثيرة .

-ربما كان على حق،انت لم تتعامل مع الصغير ،ولا تدري هل ستحبه وتقبله في حياتك ،وهل هو سيتقبلك مكان أبيه،وبعد أن يكون لك منها ولد او بنت ،هل ستتغير معاملتك لابنها .

-ولماذا سأتغير ،سيكون هو واولادي سواء 

-أرجو هذا ،فكر

الآن كيف ستقنع امك إذا كان أبوك لم يقبل ،فكيف بها هي؟!! 


بالبيت الكبير بالضيعة كان عامر يحاول إقناع جده وعمه برغبته.

-جدي،ارجوك افهمني،بعد أن رأيت ابني،استيقنت أن مال الدنيا لا يساوي لحظاتي معه ،تأكد أنني أريد أمنية وجاد ،ولا يهمني شيء بعدهما.

-مهما قلت يا ابن اخي،أعلم أن أمنية ابنتي لن تقبل ،ورأينا لن يغير شيئا .

-لو سمحتم لي ،اريد أن أسألك يا عامر ،وتجيبني بصراحة ،اعتبرني أمك وقل لي الحقيقة ،هل تحب أمنية؟ 

-لن اعتبرك أمي، يا زوجة عمي ،لأنني لم أقل الحقيقة لأمي يوم تأكدت من شعوري نحو أمنية، كنت قد طلقتها ،إحساس غريب انتابني ،شعور أنني خسرت شيئا ثمينا، ظننت أنه خسارة نصيبها من الأرث،او لما عرفت ان الفيلا باسمها هدية من جدي،ولكن ،كلما كنت وحدي ،بعيدا عن كلام امي،لا أفكر إلا بها ،تتوه عني كل الحسابات ويبقى خيالها ،ذهبت إليها ،الحقيقة أنني كنت أنوي أن ارجوها لتعود ألي،ولكن كبريائي غلبني فكلمتها بطريقتي المنفرة، التي جعلتها ترفض ان تجيبني،حسبت أنني سأغيظها فاخبرتها أنني سأتزوج ابنة خالي،صدمتني بتهنأتي.و تممت زواجي لعلني انساها ،غير أنني عشت أقارن بينها وبين ابنة خالي،ولما علمت انها عقيم ،ذهبت مرة أخرى، آملا أن تعود إلي،كنت مستعدا أن انفذ أي طلب تطلبه ،واذعن لأي شرط تشترطه، وأولها أن اطلق ابنة خالي،ولكنها أغلقت كل الأبواب بوجهي ،ومرة أخرى عدت ضعيفا الى أمي التي استغلت ضعفي وزوجتني  ضحيتها الثالثة.

-كل ما قلته جميل ،ولكن كيف اتأكد انك فعلا تحبها ،تحب ابنتي أمنية ،لذاتها،ليس لأنها أم ابنك.

-لا أدري ،كيف أؤكد حبي،ألا يكفي أنني عشت تعيسا مع غيرها ؟ ألا يكفي أن رؤيتها تغنيني عن كل الناس؟

-لاختصر كل هذا الجدال ،لقد فرضت على امنية أن تتزوجك اول مرة ،ولن أفعل مرة أخرى، أمامك أبوها وأمها، تصرف معهما.

-ولا نحن سنجبرها ،أمرها بيدها ،عليك أن تقنعها هي بحبك ،تصرف وجد حلا يجعلها تثق بك.

قام يضرب اخماس بأسداس،كيف سيجعلها تثق به ؟ 


اتصل يوسف بجده ،أخبره عن مراد ،وما قاله وسام ،فضل أن يعرف رأي جده قبل أن يخبر كاميليا.

-سنأتي انا وعمك(يقصد أخاه هو)غدا صباحا ،الكلام في موضوع كهذا لا يكون على الهاتف.

أغلق مع حفيده ليلتفت الى أخيه يخبره.فأجابه الآخر:

-يبدو أن شجرتنا معطاء يا أخي،وقدرنا هو الحب الوحيد .

-نعم ،انظر الى حالك  افضل مثال ،منذ وفاة زوجتك عشت على ذكراها ترفض الزواج من غيرها ولو لتعينك على تربية طفليك. 

-كأنك كنت لتفعل لو لا قدر الله ماتت الغالية .وابنتي التي تظن أننا لا نعلم انها ضحت بحبها حتى ترى ابنك سعيدا مع من احب،وليس أدل على حبها له الحب الذي اغدقته على يوسف وفاض ليشمل كاميليا.

-غدا نسافر إليها لنعرف كل شيء قبل أن نقرر.لن يعاني فرد آخر عذاب الاختيار بيننا وبين سعادته ،ستكلمها انت لأنها تهابني، حدثها بلين ورفق حتى تطمئن إليك، لأنها لو سامحته ستخجل أن تقول ،يوسف لم يخبرني تفاصيل حياتها مع مراد هذا، ولكنني فهمت انه أساء لها كثيرا،ربما ماكانت لتكلمه لولا مرضه،ربما ما عادت تحبه ولكنها تشفق عليه.استعن بيوسف فهي تحبه وتثق به،لو كانت تشفق على طليقها ،شجعها أن تسانده في محنته حتى يتعافى كصديقة، أما لو استنبطت من كلامها وتصرفاتها أنها ما تزال تحبه،فالأفضل أن نقبل أن يتزوجها وليكن الله في عونها.

-غفلت أمرا مهما أخي،هو ،هل احبها فعلا، أم أنه الشعور بالذنب، او حاجته لها الآن.

-دع هذا لي  لأنني سأزوره وحدي لأعرف حقيقة مشاعره.

-على بركة الله ،نذهب غدا إذن.


           الفصل الخامس والعشرون من هنا 

               لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات