رواية انسحاب
الفصل السابع 7
بقلم حكاوي مسائية
بفيلا عائشة ،كانت المربية تلاعب جاد في الحديقة ،بينما تجلس أمنية وكاميليا وعائشة في الصالون الذي دخلته شمس الربيع عبر الباب المفتوح الى الحديقة .
-هل من خبر عن عامر ؟
-سيتزوج من قرية مجاورة ،فتاة فقيرة لأنه لن يطلق ابنة خاله.
-أظهر الوفاء إذن .
-ربما ،وربما تحت رغبة أمه، فهي ابنة أخيها ،وعقيم ،لن تتزوج بعده .
-أاااه لو يفلح مرة ويكون قد ابقى عليها حبا لا إذعانا .
كانت عائشة صامتة ،شاردة تنظر إلى اللاشيء.
-عائشة ،ماذا بك ؟
-اليوم أتم ست سنوات.
ضمتها كاميليا فسالت دموعها ساخنة على كتف صديقتها.
-انسيه حبيبتي ،انسيه !
-لا أستطيع، ليس قبل أن أراه مرة أخيرة .
-هل يمكن أن أعرف القصة .
مسحت دموعها بظهر يدها كالطفلة .
-انت وكامي اعز من لي بعد أمي ،يجب أن تعرفي ،ياسر حبي الأول والوحيد ،منذ السنة الأولى في الجامعة ،كنا نكمل بعضنا ،احببت هدوءه واحب شغبي، كان يقول أنني روحه وكنت بل مازلت احسه يسري بدمي ،بعد السنة الرابعة رأى ابوه أن يكمل بأمريكا ،رفض ،لا يريد أن يفارقني ،خططنا أن نتزوج يوم التخرج ،صارح اخته عن سبب رفضه ،ظن انها ستخفظ سره وتساعده على إقناع أمه التي ستقنع أباه ،ولكنها خانته ،افشت سره لأبيه فاصر ورهن رضاه بهجرته الى أمريكا، فجاءتني اخته وأمه، لن أحتاج أن أوضح الواضح ،انت تعلمين التهم الجاهزة ،السب والقذف.واخيرا قالت أمه
-لو كنت تحبينه حقا اتركيه يبني مستقبله وينال رضا والده .
كلمته ،ولكنه رفض وكالحمارة التي هي انا ،بكل غباء قلت له
-الحب لا يبني مستقبلا ،ولا يفتح بيتا ،لا يمكن لحبنا أن يعيش وابوك غير راض عنك .
فهم كلامي خوفا من الفقر لأن أباه قد يحرمه من ثروته ،فهمه أن المال هو الذي يفتح البيت ويبني المستقبل .
اجهشت ياكية
-فهم أنني اتخلى عنه .
-وهل سافر .
-نعم ،ولم يعد .
-ومازالت تنتظره ،سألت عنه اخته فقالت أنه يرفض أن يعود ،ويرفض أن يساعده ابوه ،اشتغل بالمطاعم يغسل الصحون ليستطيع إكمال دراسته ،ويشتغل في شركة كبرى بهيوستن .
-اتصلت بي أمه، والتقينا ،أبدت ندمها، اشتاقت له ،ولكنه يرفض أن يكلمها ،سافرت له ولكنه رفض ان يستمع لها ،اعطتني رقم هاتفه ولكنه لا يجيب اي رقم من المغرب ،ليته يعود ،ليتني أكلمه ،اداوي جرحه ويذهب .
-ولماذا لم تشرح له أمه او اخته .
-يرفض أن يحدثه أحد عني ،قالت إنه يقوم كلما ذكرت اسمي أمامه.
-غبي ،حكم عليك وعلى نفسه بالعذاب.
-ولهذا انصحها أن تنساه ،وتلتفت لحياتها ،العمر ينساب من بين يديها في انتظار رجل لم يقدر تضحيتها.
-نحن فعلا ثلاثي منحوس.
سخرت عائشة ضاحكة.
ضربتها أمنية على رأسها
-ألم تكوني تبكين منذ قليل .
-وصلة البكاء انتهت ،اقلبي الموجة نحو وصلة الأندلسي.
جاءت أمها تحمل قالب حلوى .
-بل غيري الى الغناء الشعبي .كل سنة وانت طيبة يا كامي.
-نسيتُ وتذكرت يا أمي !
سالت دموعها تأثرا بلفتة الأم الطيبة
-ثلاث شمعات !عيد من هذا ؟ جاد؟
داعبتها أمنية .
-ثلاثون سنة،عمر ابنتي كامي.
اخذت عائشة صحنا ودقت عليه مرددة
-والزين والزين ،يحلى فالثلاثين، الثلاثين.
.فرددت معها سعدية وأمنية وانضمت المربية تحمل جاد
-يحلى يحلى فالثلاثيييين.
-ثلاثون سنة ،أحلاها مر على كراسي الدراسة .
-معي طبعا ،فلولاي ما كان لها طعم .
رغم قلبها المكسور ،تشع سعادة لمن حولها ،تلك هي عائشة.
بعد أيام عاد جاد والمربية ليبقى مع عائشة وأمها اسبوعا كاملا لأن كاميليا ستسافر الى أفريقيا لتراقب أشغال البناء ،أسبوع أو أكثر ،تعطي انطلاقة البناء وتعليمات المتابعة للمهندس المسؤول ،على أن تعود إليه كلما أحتاج الأمر وجودها .
جاء مراد الى شركة المنصوري بحجة استشارة في مشروع تونس ،دخل مكتب يوسف الذي رحب به
-اهلا مراد تفضل
-شكرا ،جئت استوضح فكرة قيلت يوم اجتمعنا على الغذاء .
-نعم ،تفضل .
-الحقيقة أن الفكرة كانت من اقتراح رئيسة المهندسين، فلو أمكن، نادها لتوضحها أكثر.
-السيدة المنصوري في أفريقيا تتابع انطلاقة البناء .
-في أفريقيا، وكيف تتركها تسافر وحدها .
-السيدة المنصوري ليست وحدها ،معها عدد من المهندسين ،سيبقى البعض منهم لمتابعة الأشغال.
تعمد يوسف أن يسميها مدام المنصوري ،ولكن مراد لم ينتبه ،شغل بسفرها، لقد جاء يريد رؤيتها ،الحديث معها ،ثم ماذا سيقول ليوسف ،كيف سيبرر قلقه عليها .
قلقه عليها!
-تفضل مراد ،كل مقترحات الدكتورة ناقشناها سويا ،يمكنني أن افيدك .
طوى الملف بيده وقام .
-لا ،لا داعي ،سأتخلى عن الفكرة احسن .
-كما تشاء ،مرحبا بك في أي وقت .
-قلت متى ستعود الدكتورة؟
-لم أقل ،ولكن مدام المنصوري ستعود بعد أسبوع أو عشرة أيام .
-شكرا ،الى اللقاء.
تبسم يوسف ودار بالكرسي الى النافذة الكبيرة وراءه.شابك أصابع يديه خلف رأسه.
-تعذبها ثلاث سنوات ،وتنساها ثلاث سنوات ،ولما شفيت منك تبحث عنها باعذار واهية كالمراهق.
وراح يدندن
-جددت حبك ليه ،ليه بعد الفؤاد ما ارتاح.
أما مراد فقد خرج يلعن نفسه ،كيف جاء باحثا عنها ،لماذا ؟ ماذا يريد منها ؟
ركب سيارته وهم أن يدير المحرك حين رن بأذنه صوت يوسف
-مدام المنصوري .
مدام المنصوري ،يوسف المنصوري ،هل تزوجها ،هل يعقل؟
ذهب الى وسام بالمستشفى الخاصة به
-اهلا مراد ،هل أنت بخير؟
-لا لست بخير ،لقد تزوجت .
-من ،من التي تزوجت لينا؟
-كاميليا ،كاميليا تزوجت يوسف المنصوري .
-مبروك ،وفيم ضرك زواجها ؟
-وسااام !
-ماذا ؟طلقتها منذ ثلاث سنوات او أكثر ،نسيت وجودها لولا انها ظهرت في اجتماع عمل كرئيسة مهندسين ،ماذا لو لم ترها ،ماذا لو انها زوجته منذ انتهت عدتها ،ألم تتساءل من أين لها هذا ؟ هاقد عرفت الجواب ،يوسف المنصوري ،تزوجها وصرف على دراستها وهي اليوم تقف الى جانبه ،لا يخفيها ولا ينكر انها مدام المنصوري.
هب مغادرا ،تبعه وسام
-مراد ،انتظر مراد .
ولكنه لم يجبه ،هاتف مجدي
-أين أنت؟
-في مطعم ****
-انتظرني انا قادم إليك .
مجدي تلقى اتصالا من وسام
-لا تظهر كأسا أمامه، هو الآن متوتر على اعصابه،لو زاد كأسا واحدة قد تحدث كارثة .
-لماذا ؟ ما الذي حدث؟
-عرف أن طليقته تزوجت يوسف المنصوري .
-وما شأنه بها ،ألم يكن يكرهها ،ونسيها كل هذه السنين؟
-لو صدق ظني ،صاحبنا سيحتاج علاجا نفسيا .
-هاهو قد وصل ،الى اللقاء.
دخل صالونا منعزلا فتبعه مجدي
-هات زجاجة وكأسا
-زجاجة ماذا ؟ انت ممنوع عنك الصودا والكحول.
-قلت هات ،فاستجب انا هنا زبون .
-وانا حر في أن اختار لمن أقدم المشروب ،وانت زبون مريض قد تسبب لي مشكلا إذا داهمتك أزمة صحية .
-هكذا إذن ،وانا سأغير المكان ،ومعه الصديق أيضا.
-اجلس ولا تثر الفضائح ،ماذا بك احك .
-أريد كأسا لأنسى.
-النسيان ليس الحل ،دعنا نفكر معا ،قل لي مابك؟
-كاميليا تزوجت .
-أممممممم، هل تحبها ؟
-هه ،متى ؟ لو لم ارها معه لما ذكرتها .
-هل تذكر كم كرهتها وكنت تشمئز منها .
اطرق برأسه.
-هل تريدها ؟ولينا ؟الى متى تؤجل زواجك منها ؟عذرك كان رفض ابيك ،وهو أعطاك الموافقة منذ طلقت كاميليا ،وهي مستعدة أن تتخلى عن مهمتها وتتفرغ لدورها كزوجة رجل الأعمال المهندس مراد .مناسبة لك اجتماعيا ،و ذوقا وسنا ،ماذا تنتظر ؟
مازال مطرقا لا يجيب ،رأسه بين كفيه ويضع مرفقيه على ركبتيه .
-مراد ،كصديق يحبك ،دعها تعيش حياتها ،والتفت لحياتك ،مراد
رفع رأسه ،عجبا ،مراد يبكي .
-مراد ياصديقي ،لا تقل أن ما أظنه صحيح ؟
هز رأسه
-صحيح ،كل كرهي لها كان هروبا من احساسي بحبها ،كل إهاناتي لها كأنني أذكر نفسي انها لا تناسب مراد فايز ،كنت أمقت اشتياقي لها فاعاقب جسدها الذي يغويني،أصورها لعيني دميمة لا ترقى لجمال لينا ،ويأبى قلبي ألا يرى الا فتنة سواد عيونها وليل شعرها الغجري ،صورتها وهي بالفستان الأحمر تطلب الطلاق لا تفارق خيالي ،أكلها الذي كانت تعده لي خصيصا بعد نوبة القرحة الأولى ،انتظارها حتى أعود مهما تأخرت ،وإعدادها وجبة الفطور ،حاولت لينا أن تعد لي القهوة ،ومهما اجتهدت لا اشربها لأنها ليست كقهوة كاميليا .
تريد أن تعرف لماذا لم اتزوج لينا ،لأنني عشقت كاميليا ،لينا تكذب ،لم ألمسها يوما ،ومهما حاولت بعد الطلاق ،لم المسها ،لا أستطيع، بعد كاميليا اختفت كل النساء.
-وكيف اخفيت هذا مدة غيابها ،كيف صبرت ولم تبحث عنها .
-بحثت ،وصلت إلى أخيها في السجن ،ولما سألته عنها ضحك وقال لابد ان أباه قد باعها مرة أخرى .
صبرت نفسي بالقول انها بضاعة تباع وتشترى، وكلما اشتقت إليها نهرت قلبي وشربت حتى أنسى او ادخل المستشفى .
-اما وقد تزوجت ،الأفضل لك أن تنساها ،تزوج ،داوني بالتي كانت هي الداء.
-هي الداء فكيف تداويني غيرها ،هي الداء والدواء .
آخر يوم لي معها قلت لها أنني أرفض أن تكون أما لأولادي، أنني اشمئز منها ،نظرت إلي نظرة قاسية لأول مرة ،لم تكن منكسرة ،وقالت :طلقني إذن .
ولما سخرت منها ،أكدت قولها .
-طلقني واتنازل عن كل حقوقي لا أريد منك شيئا.
غادرت ولم أدر الى أين، كابرت وقلت أنني لن أطلق حتى اشفي غليلي منها ،ولكنها أصرت حتى انها هددتني بطلب الخلع وإن بيدها ما يجعل القاضي يوافق على مطلبها .
فأصر والدي أن أطلقها تجنبا لفضيحة قد تؤثر على سمعتنا وأعمالنا.
-وماذا تظن انها كانت ستقدم للقاضي ليوافق على الخلع؟
-لا أدري ،حتى أن صديقتها قالت لوالدي انها ضحية وانها لم تجن من زواجها إلا المذلة والعار ،ولكننا لم نهتم ولم نبحث وراء كلامها لنعرف الحقيقة كما قالت.
-تأخرت كثيرا يا صديقي ،لو انك صارحتني بكل هذا في أوانه لما كنا نجلس الآن هذا المجلس.
أرض بنصيبك، انسها كما نستك .
قام مغادرا ،انحنت هامته، كسره الحزن .ما قال صديقه صحيح: تأخر كثيرا .
لو تفاعلتم كثيرا ،أضيف جزءا آخر قبل أن أنام.