رواية انسحاب
الفصل الثالث عشر 13
بقلم حكاوي مسائية
لم تستسغ سارة أن واحدة تعد أقل منها جمالا ومالا ونسبا ،تتزوج يوسف المنصوري ،وسيم وثري ،رجل أعمال ومن نسب عريق.
ذهبت إلى شركة فايز ،يجب أن تنفذ خطتها ،يجب أن تزيحها من طريقها وتتزوج هي يوسف ،هي من تستحقه،هي من تناسبه.
دخلت مكتب مراد
-صباح الخير مراد
نظر باستياء
-اهلا،ماالذي جاء بك؟
-اقتنعت بكلام بابا ،سأعمل معكم بالشركة .
-حسنا ،سأرسل معك مليكة الى قسم الحسابات ،الاستاذ يحيي سيشرف على تدريبك.
-اِنس الحسابات ،سأمسك العلاقات العامة .
-أية علاقات عامة ،نحن هنا شركة إنشاءات ،هندسة وبناء ،ليست سفارة أو قنصلية .
-سأقول لبابا أن ينشئ قسم العلاقات العامة و.....
-هيييي،تمهلي ،مارأيك أن ننشئ لك فرعا تابعا للشركة تخصص إنتاج سينمائي؟أليس هذا مجالك وبه علاقاتك العامة والخاصة .
قال جملته الأخيرة ساخرا .اقتراحه كله استهزاء بها.ولكنها صفقت بيديها واتسعت ابتسامتها.
-فكرة جيدة ،كيف لم أفكر بها!ولكن انشغالي بتلك البلهاء طليقتك....
سمع كلامها فنتبهت حواسه
-ولماذا تنشغلين بها؟
-ااااه،سمعت عن زواجها بيوسف المنصوري ،فتاة مثلها لابد أنها أوقعت به هو أيضا.
وقف أمامها،وضع يده على كتفها وضغط حتى جلست بل وقعت على الكرسي خلفها،نظر لها من أعلى.
-ليتك كنت مثلها ،لا لن أكلفمك فوق طاقتك ،ليتك كنت نصفها ،بربع ذكاءها ،بعشُر تدينها وأخلاقها.
-أنا ،أنا يامراد؟
احتل الاشمئزاز نظرته
-أنت يا سارة ،انت التافهة محدودة الذكاء بل غبية ،شهادة في المحاسبة دون تقدير ،كأنهم جاملوك ليتخلصوا منك،لباس كأنك تعيشين في ملهى ليلي ،زينة غيرت ملامحك.قولي لي أين سارة اختي،انت مسخ يقلد لينا ،فلا صرت مثلها ولا احتفظت بهويتك.
-لا تنس أن لينا حبيبتك ،وانت تفضلها على كاميليا،انت من أدخلها بيتنا ،وأظهرتها مثال للمرأة المحبوبة المرغوبة،وقفت تشير بيديها ،وممن ؟من مراد فايز ،أشهر عازب بين رجال الأعمال.
-عندك حق،انا الذي أدخلت السوس بيتنا.
-والتي تبجلها الآن أليست هي نفسها من كنت تأنف أن تجلس قربها ،وتشمئز من رؤيتها،أليست هي من كنت تحتقرها وتذلها أمامنا جميعا ،حلَت بعينك لما أصبحت لغيرك.؟
ثار ،ولم تدر كيف أصبح أمامها وقد كان خلف المكتب.
-سأعيدها ،سيطلقها وسأعيدها إلي.
-هه،تحلم يامراد .
-ليس حلما ،هو المستحيل الذي سأجعله ممكنا ،هي أصبحت تحدي عمري.
لمعت نظرتها بخبث.
-ساعدني....اساعدك
-على ماذا؟
-انا اريد يوسف وانت تريد كاميليا .
كاد يضربها
-اخرجي،اخرجي ،لا أريد أن أراك أمامي.
أسرعت كأن الجان يطاردها.تلعن مراد ولينا وكاميليا.
أعدت سعدية العشاء ،عائشة تلاعب جاد بالحديقة ،شاحبة ذابلة .وكاميليا تنظر إليها بحزن ،وكلما التقت أعينهما ابتسمت لها ،همست أمنية ،متى ستكلمينها؟
-سنكلمها ،انا وانت ،بعد العشاء .
-سينام جاد ،وانت أخذته حجة لمكالمة مرئية.
-صحيح ،تعالي ندخل نضع أمها في الصورة ،قد تضييع الخيوط من يدي والأفضل أن نستعد كلنا لردة فعلها.
بعد مشاورات ،خرجت سعدية
-اذهبي لترتاحي قليلا، خذي دواءك أولا ،سأبقى مع جاد.رؤيتها لأمنية وكامي نبهتها أن هناك شيء بينهما ،ولكنها تجاوزتهما الى المطبخ حيث اخذت دواءها ثم خرجت إليهما
-هاه ،اخبراني، انا انتظر.
دهشت أمنية
-انت مهندسة أم ضابط مخابرات
-انا اخت كامي ،وأدرى بها من نفسها.الأمر يخصني ،هل قال الطبيب غير ما اعرف؟
-لالا ،انت بخير.
-إذن ماذا؟
-احكي يا كامي.
نظرت بغضب لأمنية ،ثم لملمت شجاعتها وحكت لعائشة عن مكالمتها مع ياسر.
جمود ،فقط جمود ،كتمثال من الشمع.
وضعت عليها يدها ونظرت إلى عينيها
-عائشة ،حبيبتي.
-كلميه كامي ،ألم يجبك ؟كلميه إذن.
قامت أمنية تحضر جاد ،وضعته على حجر كاميليا، بينما تنتظر أن يجيب ويفتح الكاميرا.
لم يطل الانتظار ،كأنه كان ينتظر الاتصال.
-اهلا ياسر ،كيف حالك ؟
-انا بخير،اهلا بك كاميليا.
-أقدم لك ابني جاد .أين هو ولدك ليتعرف عليه.
سمعته ينادي على زوجته لتاتي وتحضر الطفل
قدمهما لكاميليا كما قدمها انها زميلة دراسة ،سألتها هيذر عن زوجها فادعت أنه لم يعد بعد من العمل.لاحظت اختلاس عائشة للنظر ،فلمست الشاشة،أصبحت الكاميرا موجهة الى الجهة المقابلة ،هي تراه وهو لا يراها.
-اهدأ جاد لا تلمس الشاشة.
أدارت الهاتف لعائشة فرأته يضم زوجته ويحضن ابنه ،ثم أعادتها كما كانت.
-جاد شقي جدا ،لا يتركني اهنأ بالهاتف بيدي.
-ابني أيضا ،كل الأطفال يحبون الألوان والحركة على شاشة الهاتف.
-متى تزوجت؟
-سنة بعد وصولي ،التقيت بهيذر، علاقة تطورت بحكم تحررهم هنا ،وقبل ثلاث سنوات عرفنا انها حامل ،لما انجبت الطفل أجريت تحليل النسب دون علمها ،ولما تأكدت انه ابني تزوجتها.
-وعائشة ،هل نسيتها؟
-ماذا تقولين ؟ نسيتها منذ ارتبطت بهيذر، لا مجال للمقارنة ،لو رأيتُ عائشة لشكرتُها ،لقد اسدت لي خدمة العمر ،الحياة هنا تليق بي وانا فعلا كنت مغفلا حين رفضت المجيء.
-انا سعيدة لأجلك ياسر ،اعتن بنفسك وأسرتك.
قامت عائشة لا تعبير على وجهها ،نظرتها باردة وفارغة
-اعتذر ،احتاج أن أكون وحدي.
صعدت الى غرفتها دون أن تلتفت.
رن الهاتف برقم ياسر
-اهلا ياسر ،هل نسيت أن تخبرني شيئا.
-ابتعدي عن عائشة ،أعلم أنها موجودة .
-تكلم ،لقد صعدت الى غرفتها.
-كاميليا ،اعتني بها جيدا ،انا أعلم أنها لم تتزوج ومازالت تنتظرني ،أمي ترسل لي أخبارها رغم أنني لا أجيبها،استعملتها لتبعدني ،وتستعملها الآن لتعيدني،كاميليا ،اسمعيني،انا لا أستطيع الرجوع إلى عائشة رغم حبي لها ،تورطت مع ابنة رجل أعمال كبير،انا الآن اعمل بإحدى شركاته،انفصالي عنها يعني دماري.
-عد إلى وطنك ،لن يطالك هنا.
-لو فعلت يقتلني ،او اقل شيء يأخذ ابني ويحرمني منه.كاميليا مهما عشقت عائشة فهو ابني .
قفي مع عائشة ،قلت ماقلت لتنساني ،لتسامح نفسها عن ذنب لم ترتكبه،لتعيش حياتها ،ذنبي انا أحمله، ولكن ضميري يعذبني لأنها تتعذب بسببي.
-فهمت يا ياسر ،فهمت،لا سامح الله المذنب في حكايتكما.
-وداعا كامي.
-وداعا .
اغلقت الهاتف، وسمحت لدموعها أن تتحرر وتنساب على خديها.
-خالة سعدية ،اصعدي الى عائشة كأنك تدعينها للعشاء.
بعد قليل سمعتا نداء سعدية ،وبعد رنصف ساعة كن في المستشفى .
عائشة غائبة عن الوعي ،بالعناية المركزة ،وعيون باكية تراقبها عبر الزجاج.
دخل الى زوجته ،كانت تجلس على الأرض تلعب بدمية
-ماذا تفعلين؟
-هذه ابنتي،انظر ،غيرت لها للتو ،انظر كم هي جميلة ونظيفة .
أشفق عليها ،طفلة بين حيتين لا رحمة في قاموسهما.
-لطيفة ،انظري إلي،من أنا ؟
-انت عامر ،زوجي هذا ماقالته أمي.ولكنك عندك زوجة أخرى، إنها جميلة ،ولكنها شريرة .
-لماذا هي شريرة ماذا تفعل لك ؟
أزالت الشال عن رأسها.نكست وبكت.
-قصت شعري ،أمي تقول أن شعري جميل كالحرير ،وزوجتك قصته ورمته.
أعاد الشال على رأسها بحنان
-لا تبكي،سيطول شعرك ،هل تعرفين لماذا؟
-قل انت ،لماذا؟
-لأنك طيبة ،هل أكلت اليوم ؟
-نعم ،أفطرت وافطرت.
-افطرت مرتين ،لماذا؟
-في الصباح جاءت الشريرة الكبيرة ،اعطتني الخبز والشاي وقالت هذا الفطور ،وفي المساء اعطتني الفطور أيضا.
خرج مهتاجا نحو المطبخ ،كلم الخادمة ،سيدة خمسينية
-خالة رقو (تصغير لرقية)حضري أكلا للطيفة، ومن اليوم انت المسؤولة أمامي عن أكلها.
صعد السلم ،دفع باب الغرفة برجله بقوة ،ودخل ليجذبها نحو غرفة أمه.اجلسها على السرير بجانبها ووقف امامهما
-لماذا قصصت شعرها؟
-لست أنا، إنها عمتي.
-كاذبة ،لا تصدقها بني ،هي من فعلت ،ألم احذرك أن تفعلي؟
-لا ،انت ملأت قلبي غيظا بكلامك عن جمالها وشعرها ،وإن عامر سيبقيها على ذمته وهنا في بيتي.
-بيتك ؟بيتك انت؟ هذا بيتي ،لابيتك انت ولا انت ،ابقي فيه من أرغب وتطرد من اشاء مفهوم.
اجيبي!!!!مفهوم ؟
هزت رأسها بخوف
-مفهوم ،مفهوم.
-وانت يا أمي ،ألا تخافين الله ،فتاة بسنها حامل،ضعيفة الجسم ،وتعطينها خبزا وشاي مرتين في اليوم؟
نظرت له بخوف
-انا اممم انا
-لا تكذبي أمي ،لا تضيفي ذنبا الى ذنوبك الكثيرة ،راعي على الأقل أنها تحمل ابني ،حفيدك .
رفع سبابته مهددا
-من الآن رقو هي المسؤولة عنها ،لا ،لا ،لا (يفكر ويفكر )عملها الوحيد هنا هو لطيفة واحتياجات لطيفة .رقووو ،رقووووو.
جاءت المسكينة تتعثر من الخوف.
-من الآن عملك الوحيد هو لطيفة ،اعتني بها وبأكلها كأنك أمها، انت المسؤولة عنها مفهوم.
استدار الى أمه وزوجته
-أظن انكما قادرتين على خدمة نفسيكما.
عاد الى غرفة لطيفة ،كانت تجلس وتنظر الى صينية الأكل أمامها.
-لماذا لا تأكلين.
-دادة رقو قالت لي انتظري.
-تعالي لنأكل معا .
شاركها الأكل ،ونام ليلته بغرفتها.
كانت تقف مع يوسف في حديقة المستشفى
-اذهب انت الآن ،يجب أن يكون أحدنا بالشركة ،انا هنا مع الخالة سعدية ،ولما تفيق عائشة سأخبرك.
رآها من بعيد تكلمه وتودعه قبل أن تتحرك سيارته،دخلت فأسرع خلفها.
-مدام كاميليا ،انت بخير
-اهلا سيد مجدي ،انا بخير ،أشكرك.
توجهت نحو العناية المركزة فأثارت فضوله.
-هل تزورين أحدا ؟
-رغم أنه ليس شأنك ،نعم صديقتي عائشة .عن إذنك.
تجاوزته ومضت.
-جعلتها تكرهنا كلنا يا مراد.
عاد ادراجه نحو مكتب وسام ،فرآها لثاني مرة ،منذ رآها في المطعم شغلت باله.من تكون هذه الجميلة ،و مانوع علاقتها بكاميليا.آاه لو كانت مقربة لها وتعلم ما فعل بها مراد ،لن ترد علي السلام.مالي ومراد ،سأجرب.
استوقفها دون خجل.
-انت صديقة كاميليا الست كذلك .
نظرت إليه متعجبة من جرأته
-ربما لا تذكرينني، انا صاحب مطعم****
-اااه ،اهلا ،كيف اخدمك ؟
-هاه،لا انا فقط قابلت مدام كاميليا ،لقد ذهبت من هنا .
وأشار نحو جناح العناية .هزت رأسها وذهبت دون أن تجيبه.
احس كأنه كان يقف أمام استاذته وهو مذنب ،لابل كأنه كان يقف عاريا بميدان عام.
-تبا،تبا،ماذا فعلت ؟ماذا ستقول عني الآن ؟مجنون ،نعم ستقول مجنون ،ياليتها تقول مجنون ،ستقول تأخر في مراهقته، يا إلهي!!!
-أخيرا ،زير النساء مجدي يقف تائها بسبب امرأة.
كان هذا وسام الذي يتقدم بتأني مصفقا بطريقة مسرحية.
-اسكت يا وسام ،اسكت ،لقد كنت أمامها كالتلميذ الفاشل.
-ههههه،يبدو أنها مثل صديقتها ،طليقة صاحبك ،القوة والصلابة .
-ماذا تفعلان هنا؟
-صديقتهما عائشة يبدو انها ليست مثلهما قوة ،منذ ليلة أمس في غيبوبة.
وصلت أمنية امام باب العناية ،ماتزال كاميليا تنظر إليها تترقب حركة منها،والخالة سعدية تقرأ في مصحف بيدها .
-السلام عليكم ،لا جديد؟
هزت رأسها بحزن ،نافية .
-ماذا قال الدكتور ؟
-كل مؤشراتها طبيعية ،هي من ترفض ان تعود .
اجهشت باكية
-حبيبتي ،كانت الصدمة فوق احتمالها.
-اهدأي كاميليا ستكون بخير ،تأكدي أنها ستكون بخير ،الحمد لله أنها تجاوزت الازمة القلبية ،مادامت يقظتها بيدها ،ستفيق ،ثقي بها.
جاء الدكتور وسام ،اغلقت الأم المصحف وصدقت ،قبل أن تكلمه.
-لو سمحت يا ولدي ،اريد ان أدخل إليها.
-حاضر يا أمي، كلميها لعلها تسمعك ،غيبوبتها نفسية ،انا لا أعلم الذي حدث لها ،ولكنها قد تستجيب لك .ستأخذك الممرضة لتلبسك ثيابا معقمة.
دخلت إليها ،قبلت جبينها ثم رقتها، اخذت يدها وجلست على كرسي قريب.
-عيوش يا حبيبتي،لا تستسلمي الآن ،بعد كل ما عانيناه معا تضعفين؟لا يا ابنة قلبي،ليس واحدا غريبا لا هو اخوك الذي مهما فعل لم يكسرك ،ولا هو ابوك الذي فارقنا رغما عنه،هل ستتركينني لأجل رجل ،ماظننتك هكذا ،وانا التي كنت أفتخر أن ابنتي ستشترط على عريسها ألا افارقها، هكذا يا عيوش؟ألم تعديني أن تكوني سندي ،عودي يا قلبي ،عودي لقلب يحبك دون شرط ،عودي يا حبيبة قلب امك.
بكت وابكت الممرضة
-تعالي يا أمي ،يكفي هذا ،غدا تدخلين لها مرة أخرى