أخر الاخبار

رواية وفاء نادر الوجود الفصل الثامن 8 بقلم مورو مصطفى

 


رواية وفاء نادر الوجود
الفصل الثامن 8
بقلم مورو مصطفى



قامت مريم سريعا، وذهبت الي الحمام واغلقت خلفها الباب وأخذت دموعها تهبط وهي لا تعرف لماذا تبكي، وأخذت تغسل وجهها ونظرت لنفسها في المرآة وهي تحدث نفسها:

- "في ايه مالك اضايقتي ليه؟ مش انتي اللي قلتي له ليه مضايقة بقى؟ وبعدين في ايه انتي اتجننتي نسيتي رائد ولا ايه! اعقلي وبطلي هبل. "

وفي الخارج كان أدهم يشعر بالحزن أيضا وهو أيضا لا يعلم لماذا يشعر بهذا الشعور، فأغمض عينه واخذ يفكر ويحاور نفسه:

- "جرى لك ايه يا أدهم اتهبلت ولا ايه! مضايق ليه هو انت مش من الاول قلت لها انكم اخوات! نسيت اخوك وتؤام روحك نسيت ان دي حبيبته؟ اعقل يا أدهم، مريم هتفضل اختك، اوع مشاعرك تتحرك ناحيتها." 

وتنهد بقوة وهو يهمس بحزن:
"هي لسه هتتحرك، اووووووف انا لازم أنجز في موضوع جوازي من مي ده "

وهنا خرجت مريم من الحمام وذهبت الي المطبخ وقامت بصنع بعض الشطائر والشاي بالحليب وذهبت الي أدهم فوجدته مغلق العين، فنادت عليه:

- أدهم انت نمت؟ اصحى، فرد وهو مغلق عينه
- انا صاحي يا مريم. 
- طيب يالا قوم علشان تاكل وتاخد الدواء، وبعدها نعمل شوية تمارين قبل ماتنام
- بلاش النهاردة، انا فعلا مش قادر. 

فشعرت مريم بالقلق عليه فأقتربت منه:

- مالك في ايه؟ 

فتح أدهم عينه وهو ينظر لها: 

- ابدا مافيش، بس مش قادر حاسس اني مجهد.
- خلاص بلاش تمارين، نعمل تدليك ورفعت اصبعها في وجهه،ومافيش اعتراض فاهم؟ 

فضحك وضرب لها تعظيم سلام:

- تمام يافندم، علم وسينفذ. 

فضحكت مريم وكانت اول مرة تضحك بصوت عالي، فسرح أدهم في جمال ضحكتها وهو يبتسم وهمست مريم:

- جندي مطيع انت يا أدهم، ه‍اديلك حاجة حلوة،

فنظر لها وهمس دون وعي منه ان صوته مسموع:

- انا اخدت خلاص احلى حاجة في الدنيا، وانتبه لكلامه فتنحنح، وتكلم مش ناوية تأكلين. 
- لا طبعا ازاي، اتفضل ادي ساندويتش وكوباية شاي بحليب زي مابتحب فأبتسم لها:
- ساندويتش خلطبيطة برضه؟

فضحكت وهي ترفع راسها للأعلى: 

- طبعا ساندويتش خلطبيطة، ايه معترض! فضحك ورفع يده للأعلى: 
- حاشا وكلا، انا اقدر برضه، 

وظلوا يتحدثون ويضحكون حتى انتهوا من طعامهم، واسندته مريم حتى حجرته وقامت بعمل بعض حركات التدليك لساقه، وكان يشعر بملمس يدها على ساقه وكلما زاد ضغطها على ساقه يشعر بارتفاع ضربات قلبه بقوة، وكانت هي أيضا كذلك تشعر بدقات قلبها تنتفض داخل صدرها حتى انتهت، فوقفت سريعاً:

- أنا ه‍اروح اوضتي، عايز حاجة قبل ماتنام؟
- لا يا مريم، تصبحي على خير.

فنظرت له وابتسمت بهدوء جذاب:

- تلاقي الخير دائما يارب.

وذهبت مريم الي غرفتها وظل كل واحد منهم يفكر فيما يحدث بينهم، وكل واحد منهم يحاول ان ينكر احساسه اتجاه الاخر حتى ذهبوا في النوم. 

وفى صباح اليوم التالى استيقظ أدهم وهو في قرارة نفسه متخذا قراراً بالذهاب الي مي وتعجيل الزواج بها، فأرتدي ملابسه وخرج مستنداً على عكازه، وشعرت به مريم وكانت تقف بالمطبخ حتى تحضر الفطار، فذهبت له:

- صباح الخير يا أدهم، ايه ده انت خارج؟ 
-صباح النور يا مريم، اه خارج هاروح لـ مي زي ما قلتي. 

فشعرت مريم بوجع ولكنها ابتسمت له بحزن:

- طيب كويس قوي، تعال بقى افطر الأول قبل ماتنزل علشان كمان تاخد ادويتك، انا حضرت الفطار حالا ه‍يبقى على السفرة، 

وجرت من أمامه؛ فقد شعرت انها تتألم ولا ترغب ان يراها هكذا، فهي تؤنب نفسها لمشاعرها اتجاهه، وكذلك أدهم كان يشعر بألم في صدره ولا يرغب ان تراه فجلس علي السفرة وانتظرها، وكانوا يتصنعون الأكل حتى وقف أدهم. 

- انا نازل يا مريم عايزة حاجة؟ 

فنظرت له وهي تحاول رسم ابتسامة علي وجهها:
- خد بالك من نفسك، وترجع بالسلامة. 

وذهب أدهم سريعا من أمامها، وجلست هي مكانها تشعر بانقباض شديد في قلبها فأخذت تدعو له.

ذهب أدهم مع السائق الي فيلا مي، وفتحت له الخادمة وابلغته انها تجلس في الحديقة الخلفيه مع صديقتها. 

- خلاص خليكي انتي، انا ه‍اروح لها. 

ومشت الخادمة وذهب أدهم الي الحديقة، وقبل ان يدخل استمع الي ما كانت تقوله مي لصديقتها سيدرا؛ فقد كانت تتحدث معها وهي تحكى لها انها ذهبت اليه في المشفى حتى تصالحه، فاستمعت لكلام الطبيب انه لن يستطيع العودة الى الجيش مرة أخرى. 

فردت عليها سيدرا:

- طيب وايه يعني يا مي، هو أدهم محتاج الجيش في ايه يابنتي؟ ده وسيم جدا والحادثة مأثرتش عليه. 
- أثرت يا سيدرا، سمعت الدكتور بيقول انه مش هينفع يرجع الجيش؛ علشان نسبة العجز دي، وانتي عارفة انا كنت معجبة بشكله في البدلة وبرستيجه وهو ضابط، وهيلمانه لما بندخل في اي مكان، ودلوقتي خلاص كل ده راح وكمان ايش عرفني العجز ده وصل معاه لغاية فين؟ ده في ركبته انتي فاهمة يعني ايه. 

وكان أدهم قد استمع لكل شئ، فدخل وعندما رأته سيدرا وقفت بذهول، ووقفت مي وهي لا تعرف ماذا تفعل؛ فهي لم تصارح أهلها حتى الآن، وكانت امها تأتي خلف أدهم ترحب به فنظر لها بلا مبالاه ثم نزع دبلتها من يده والقاها في وجهها.

- كويس قوي انك ظهرتي على حقيقتك، دلوقتي العاجز ده انتي اللي متلزميهوش، وخلاص انسى كل حاجة بينا، اما الشبكة خليها لك متلزمنيش، اعتبريها كادو على الكام يوم اللي قضيتهم معاكي. ولو انهم مايستهلوش شبكةبالمبلغ ده، لكن مش مشكلة احسن ماكنت وقعت وادبست فيكي للاخر وتركهم وانصرف والكل يقف بذهول، وشعرت مي بالغضب لاهانتها، فأخذت تصرخ بامها:

- مامي، دادي لازم يتصرف ويجيب لي حقي منه، ده أهانّي وبهدلني، انا مش ه‍اسكت. 

وفجاءة دوى قلم من يد امها على وجهها، وهي تصرخ بها:

- اخرسي ياقليله الأدب، ياعديمة التربيه شكلي دلعتك زيادة عن اللزوم، اطلعي على اوضتك لما يبقى يجي باباكي يشوف لك حل، غوري من وشي. 

وصعدت مي جري لغرفتها، وظلت سيدرا بجانب امها حتى تهدئها قليلا.

انصرف أدهم وهو يشعر بالقهر والالم من كلام تلك الفتاة التي ظن يوماً انها تحبه من اجله فقط، ولكنه صدم عندما علم انها تحب زيه العسكري ومن شدة وجعه لم يعود إلى مريم بل ذهب إلى فيلا ابيه، ودخل سريعا الي جناحه مغلقاً عليه الباب بالمفتاح، وكانت فريال وسيف الدين لازالوا في البيت فجروا خلفه، وصعدوا الي جناحه وهم يحاولون محادثته وهو لا يرد علي احد، ولكنهم فقط يستمعون لصوت تكسير عالي وصراخه. 

فامسكت فريال هاتفهاوقامت بالأتصال بـ مريم التي كانت تبكي حالها وشعورها بذلك الالم ولكنها فور ان رأت رقم فريال رفعت الهاتف مجيبه فورا:

- سلام عليكم، ازيك ياطنط؟ 
- وعليكم السلام، حصل ايه يا مريم بينك وبين أدهم خلاه يوصل الحالة دي؟ 

فبهتت مريم وشعرت بصدمه وعدم استيعاب لما تسمع:

- حالة ايه يا طنط، و أدهم عندكم بيعمل ايه؟ ده المفروض رايح عند خطيبته. 

فصرخت فريال عندما علمت انه كان عند تلك المدعوه مي:

- خطيبته! تبقى هي اللي وصلته لكده. 

كانت مريم قد وصل لها أصوات التكسير وصراخه.

- في ايه ياطنط انا مش فاهمة؟ طيب حاولوا تدخلوا تكلموا معاه.
- يابنتي قافل على نفسه ومش عايز يسمع لأي حد وزي ما انتي سامعه، الحقيني يا مريم تعالي يابنتي، يمكن تقدري انتي تدخلي له وتهديه. 

كانت مريم قد وضعت الطرحة علي شعرها وهبطت فورا للذهاب اليه. 

- أنا نزلت فعلا ياطنط وفي الطريق، مسافة السكة ه‍اكون عندكم. 

واغلقت مريم الهاتف وركبت تاكسي وذهبت سريعاً الي فيلا سيف الدين، ونزلت جري ودخلت لهم، وصعدت للأعلى فوجدت ابوه وأمه على الباب وهو يصرخ من الداخل.

- مش عايز اشوف حد سيبوني لوحدي.
- عمو لو سمحت خد طنط وانزلوا وسيبوني هنا انا ه‍احاول معاه. 

فأمسك سيف الدين يد زوجته:

- يالا يا فريال، تعالي معايا حبيبتي سيبي مريم يمكن تقدر تتصرف.

فردت فريال بقلق علي مريم من غضب ابنها:

- يا سيف الولد منهار، ممكن يأذي مريم.

ابتسمت لها مريم وهي تضع يدها علي كتفها:

- ماتخافيش ياطنط، وانا لو احتاجت حاجة ه‍نادي عليكم، ارجوكي انزلي حضرتك مع عمو.
- حاضر يا مريم، حاضر يابنتي، ربنا يستر. 

وهبط سيف الدين و فريال تاركين مريم أمام باب جناحه. 

مر الوقت ومازال أدهم على انهياره، فجلست مريم أرضاً امام باب الجناح الخاص بأدهم وهي لاتفهم ماذا حدث يجعله ينهار بهذه الطريقة، ولكنها قررت انها لن تتركه؛ حتى لا يسبب الاذى لنفسه وظلت تحدثه من خلف الباب وهى تتوسله ان يفتح؛ حتى تطمئن عليه:

- أدهم انا مريم يا أدهم، ممكن تفتحلي الباب نتكلم، خليني أفهم مالك بس.

رد أدهم بصوت عالي: 

- روحي يا مريم روحي وانا لما ابقى كويس ه‍اجيلك.
- مش ه‍اروح يا أدهم، وه‍افضل قاعدة على الباب كده لغاية ماتفتحلي، ارجوك افتح. 

فصرخ أدهم بها مصيحا بصوت جهوري:

- امشي من هنا يا مريم روحي بيتك مش عايز اشوف حد دلوقتي. 

أخذت مريم تبكي وهي تضع يدها على الباب:

- حرام عليك اللي بتعملوا فينا يا أدهم، طيب ورحمة الغالي لتفتح، ورحمة رائد لتفتح لي مش انا أمانته عندك! حرام عليك انا مش قادرة استحمل اللي بيحصل ده كتير عليا يا أدهم، ارجوك أفتح. 

وفجاءه شعرت بتحرك أقدامه واستمعت لصوت المفتاح وهو يفتح، فوقفت سريعاً وولجت للداخل، فوجدته يجلس على مقعده و الجناح كأن هناك اعصاراً ضربه؛ فكل شئ به مكسور والزجاج في كل مكان، ووجدت يده تنزف

فجلست أمامه وامسكت يده فوجدت بها جرح، فذهبت الي الحمام وأخذت تبحث عن شئ؛ حتى تسعفه حتى وجدت علبة الاسعافات فعادت له وأخذت تنظف جرحه وتعقمه وهو لا يتألم، ولكنها هي من تبكي عليه حتى انتهت وربطته جيداً، ثم ذهبت إلى الفراش وأخذت تبعد عنه شظايا الزجاج حتى انتهت، وعادت اليه فأمسكت يده واوقفته أمامها ونزعت عنه جاكته، وسارت به حتى الفراش وهو لا يبدي اي رد فعل؛ فهو كان منهك نفسياً و جسدياً، ثم اجلسته على الفراش ونزعت عنه حذائه وانامته عليه ثم دثرته، كانت تفعل كل هذا ودموعها تهبط بغزارة دون صوت منها، ولكنه فجاءه شعر بدمعة على يده فرفع وجهه لها فوجد وجهها غارق بالدموع فرفع يده يمسح دموعها ، وابتسم بحزن:

- انا كويس يا مريم، ه‍انام واصحى وه‍ابقى كويس ماتخافيش. 

فأبتسمت وربتت على يده بحنان وعيونها لازالت تبكي: 

- ه‍انزل اعملك كوباية ليمون واجي. 

وخرجت سريعاً وأخذت مفتاح الغرفة وهبطت للأسفل .



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close