رواية انسحاب
الفصل الرابع4
بقلم حكاوي مسائية
دخل شخصان مكتب الأستاذة أمنية
-الأستاذة موجودة ؟
-نعم ،يمكنكما الجلوس ،نوع القضية لو تسمحان؟
-لا قضية ،الزيارة شخصية ،أبلغيها أن اب كاميليا يريد مقابلتها.
بعد وقت سمحت أمنية بالمقابلة
-نعم سيدي ،هل يمكن أن أعرف سبب الزيارة ؟
-أين كاميليا ؟
-ومايدريني؟
-ألست المحامية التي تقف معها ضد زوجها ؟
-السيدة كاميليا وكلتني في قضية ،هذا لا يجعلني كاتمة أسرارها ،او اعرف عنوانها.
-أخبريني أين هي وإلا ...
-هل هذا ابنك سيدي؟
-نعم ،انا ابنه ،وأريدك أن تخبريني أين هي تلك الجاحدة كاميليا
لم تعره اهتماما رغم ارتفاع صوته وغضبه البين
-سيدي ،ألجم ابنك ،مشاكلكم العائلية لا تعنيني، وابنتك لا أعلم مكانها،(وقفت)بما انك تعلم أنني محاميتها فلابد انك تعلم أنها ستطلق اليوم ،عن إذنك .
خرجا هادرين ،ولكنهما راقبا أمنية ثم تبعاها حتى مكتب العدل .
كانت كاميليا قد جاءت قبلا معها ام عائشة تساندها، بعد وصول أمنية وصل مراد ووالده ،أسئلة روتينية وثق العدل بعدها الطلاق ،طلب من مراد نطق الكلمة الفصل ،فتردد قبل أن ينطقها وهو يحدق بكاميليا التي تتجنب النظر إليه.
أمضى كل منهما على الدفتر ،قبل أن تخرج كاميليا بين أمنية وأم عائشة ،تلقاها والدها صارخا
-أين كنت يا ابنة ***ماذا فعلت ،كيف تتصرفين دون إذني ؟
حزنها على نفسها ،كسرة قلبها ،غضبها على الحياة ،كل هذا جعلها تنفجر في وجهه.
-ماذا تريد مني ؟الا يكفي ما فعلته بي ؟
دعني وشأني.
قبض على ذراعها وهي تحاول أن تتخلص منه.
-كم أخذت منه ليطلقك؟
هات ما أخذتِ
-لم آخذ شيئا ،ابتعد عني .
خلصت ذراعها من قبضته ،رفع يده فأغمضت عينيها تنتظر الألم بخدها ،ولكن يدا أمسكت معصمه بقوة وعنف حتى تألم.
-إياك أن تلمسها ،لا تنس أنك بعتها لي وقبضت ثمنها كاملا .
دهشت أمنية وهي تراه ينظر إلى ذاك الرجل والجحيم بعينيه ،ولكن دهشة كاميليا اختفت تحت الخجل بعد كلماته الأخيرة .
-كيف تنسى تلك الحقيرة انه أبوها الذي صرف عليها .
-ألم بصرف عليك أيضا ،أم أنه أبوها وحدها ؟ كن رجلا ولا تعش على ظهر اختك ،ولعلمكما لم اعطها فلسا واحدا ،كما قلت ،لقد اشتريتها واليوم أجود عليها بحريتها ،وهذا كرم مني .
انسحبت بعيدا بحضن تلك الأم البديلة ،التفت ليراها تبتعد بسيارتها قبل أن يغادر رفقة والده ،بينما دخلت أمنية مكتب العدل تستفسر عن موعد توصلها بنسخة من ورقة الطلاق.
عادت أمنية نحو شقتها ،دخلت غرفتها وانهارت باكية ،نعم هي تظن بل متأكدة أنها رأت لمعة حب بعين مراد وهو ينظر إلى كاميليا ،ورأتها في غضبه وهو يدافع عنها ،ولكن ،كيف يقول انه اشتراها ،وكيف كان قاسيا معها ،لو رأت يوما نظرة حب بعينيه هل كانت ستتركه؟
اشرقت الشمس بأمر ربها ،بعد ليل طال على أمنية وقد اخذت قرارا عاجل التنفيذ ،توجهت نحو فيلا عائشة
-هل أفطرتن؟ لابد أن خالتي تدللكما فجئت احدث زحام على مائدتها الشهية.
-أهلا بك حبيبتي ،كما ترين مازلنا ننتظر كاميليا الكسولة.
-مازالت نائمة؟
-وأخرج كل يوم الى العمل دون أن أراها.
همست:
-هل تكون نائمة أم تهرب إلى الوحدة بغرفتها؟
-بل نائمة ،وكثيرة النوم ،لولا أنني اعرف كل شيء عنها لظننتها حاملا.
-ليس كل نوم نعاس وخمول ،ولا كل حامل تنام معظم يومها ،قد تكون هاربة من واقعها وألمها الى نوم لا أحلام فيه ولا راحة بعده.
-كأنك دكتورة نفسية لا محامية
-بل مجربة ،أيقظيها ،عندي لها اقتراح إن قبلته غير حياتنا معا.
بعد الإفطار ،جلسن بالحديقة ،أحضرت لهن الخالة فناجين القهوة ،فدعتها أمنية للجلوس معهن.
-تفضلي معنا خالتي ،قد نحتاج رأيك .
لم تمتد يدها لفنجان القهوة
-سلمت يدك خالتي، قهوتك تعدل مزاجي ،جربي أمنية ستحبينها.
-أكيد ،غير أنني أمتنع عنها هذه الفترة .لا تنظري لي هكذا لست مريضة.
قالت الخالة
-حامل ؟
-ههههه ،هو ذاك ،انا حامل في الشهر الثالث.
بما أنني دخلت عالمكما مؤخرا فكل ماتعرف عائشة عني أنني مطلقة ،ولهذا جئت اليوم ،لأحكي لكُن قبل أن أقول قراري .
رأت عيون الثلاثة تحدث بها بانتظار فابتسمت
-أواخر التسعينات مات عمي في حادث سيارة ،ترك ابنا في الخامسة ،وأمي لم تنجب بعد ،فرض جدي على أبي الزواج من زوجة أخيه بعد عدتها ،زوجة عمي كان لها رأي آخر لم يهتم له كما لم يهتم لعواطف أبي وأمي ،المهم أن ينفذ أمره.
رفض زوجة عمي تحول كرها لقنته لابنها بل أفهمته أن السبب هو الإرث ،وأن عمه الذي هو أبي فعل ذلك ليستحوذ على إرثه ،مالم تكن تعرفه هو أن الابن لو مات قبل أبيه فلا إرث له ،إذن حسب قانون تلك الأيام أبي هو الوريث الوحيد لجدي .
المهم أن الطفل كبر على كره عمه وبعد أن وٌلِدتُ ورثت كرهه ،ألست ابنة مغتصب حقه ؟
حقدها صور لها أن تجعل ابنها الساعد الأيمن لجده ،فما شجعته على دراسته بل جعلت منه فلاحا وتاجر الى جانب جده وعمه ،أبي لما رآه محبا للعمل علمه واكتنفه خصوصا وانه لا ولد ذكر له ،جعله ابنه بل أعز ،فهو ابن أخيه الوحيد ،ولو تركته أمه وشأنه لاستمتع بعناية أبي وجدي ،ولكنها كلما رأته لان جانبه لهما ايقظت فيه نار الانتقام .
كبرت وأصبحت أدرك ،أحسست قسوته علي ،وكنت أخشى نظرته ،ولكنني بتوجيه والدي انتبهت للدراسة ،وتجاهلته .
الدار الكبيرة حيث نعيش وسط الضيعة ،والسائق مكلف بتوصيلي من وإلى المدرسة بالمدينة .
مات الملك ،وتولى الملك الشاب الذي استجاب لمبادرة بتغيير مدونة الأسرة ،تغيير لم تعره أسرتي اهتماما ولم تعرف عنه شيئا.
العرف الذي كان سائدا في حالة وفاة الابن قبل أبيه لايرث أولاده جدهم حسب الشرع ،إلا في حالة الغرس ،وهو أن يجعل الجد حفيده مكان ابنه ولهذا سمي الإجراء غرسا، يعني أنه يغرس الحفيد مكان الابن ،المدونة جعلت العرف قانونا ساريا ،لو علمه ابن عمي لما كان لنا هذا الحديث.
بلغت الثامنة عشرة فتقدم لي ابن عمي تنفيذا لمخطط أمه بالاستيلاء على الثروة ،دخلت يوما بعد أن عدت من الثانوية لأجد العائلة مجتمعة على غير العادة ،سلمت وتوجهت نحو غرفتي ،فقد كنت بسنة الباكالوريا واجتهد لأحقق حلمي بولوج الجامعة.
-انتظري يا أمنية .
-نعم جدي .
-اجلسي معنا قليلا.
-بعد الامتحان جدي ،ستجدني جانبك كل حين .
ربت على مكان قربه
-تعالي ،عندي لك خبر .
بعد أن جلست قربه ،أحاط كتفي بذراعه
-عامر ابن عمك طلبك مني وانا وافقت .
هربت واقفة ،بل ابتعدت مسرعة نحو السلم ،فسمعت زوجة عمي ضاحكة
-حياء البنات ،لابد انها موافقة .
توقفت والتفت إليها.
-مخطئة يا خالتي ،لست موافقة ،أريد أن أكمل تعليمي واحصل على شهادة في القانون ،هذا ما أريد.
تكلم جدي
-ستفعلين ،الزواج لن يمنعك .
نظرت إلى أبي وأمي ،ولكن لا رأي بعد رأي جدي ،فقررت الدفاع عن نفسي.
-اعذرني جدي ...
-هل تثقين بي ؟
-نعم ،ولكنني لا أثق به .
نظرته زادت قسوة وغيظا ارتعش جسدي
-دعكِ منه ،أنا أضمن لك أن تتابعي دراستك رغم الزواج.
-ولكن يا جدي...
ضرب عصاه على الأرض
-القرار أن تقبلي الزواج ،وأن يقبل أن تحصلي على شهادتك في القانون ،وكلامي ينفذ .
ابتسمت أمه بشر وشماتة بينما نظر إلي نظرة المنتصر، حولت نظري الى والدي كانا منهزمين أكثر مني ،فأسرعت باكية إلى غرفتي .
حاولت مع جدي لتطول الخطبة سنتين ،سنتان لا أكلمه ولا أجالسه، فقط أبتلع كلمات أمه السامة لي وأمي، غير أن حدثا سيحبطها ويجعلها تطلب تسريع الزواج ،لقد حدثت المعجزة وحبلت أمي بعد سنين عجاف.
رفضت إتمام الزواج بعذر الدراسة فأصر على كتابة عقد القران على أن أزف إليه بعد نيل الإجازة ،وقد كان .لبست الفستان الأبيض وأمي الى جانبي تحمل أخي ذي السنة ونصف.
ولادة الابن الذكر زاد حقد أم عامر .أهداني جدي الفيلا التي نسكن على مقربة من المدينة ،وسيارة ليسهل تنقلي نحو الجامعة ،فمازالت أمامي سنتا الماستر ،جهل أسرتي بالمدونة الجديدة جعل جدي يؤثرني بالفيلا،اعتقادا منه أن أخي المستفيد الأكبر بعد جدي وأبي ،أما عامر فمازال مرتبطا بهما راغبا في أن يغرس مكان أبيه.
ظهرت قسوته جلية بعد حفل الزفاف ،يستلقي بجانبي لاهثا متعرقا بعد عنف لن أحكي عنه ،كدمات لن أريها لأحد ،لأن ما يحدث بغرفة النوم يبقى بغرفة النوم .
بنيته القوية ،جسم ضخم صقله العمل ،بينما انا كما ترينني،لا اتعدى المئة وستين سنتيمترا، وقل وزني حزنا وقهرا حتى صرت كابنة الرابعة عشرة .
ولكنني دفنت حزني في الكتب ،ونلت الشهادة ،احتفالا بي أعدت أمي عشاء دعينا إليه ،كان كريم أخي بلغ الرابعة من عمره ،يلعب متنقلا بيننا تحت نظرات عامر الحارقة ،فجأة تكلم مخاطبا جدي.
-كريم طفل أمامه سنوات ليشتد عظمه ،والأعمار بد الله ياجدي ،بعدك لن أعمل في ملك ليس لي منه شيء.
تدخلت أمه لتنضم إلى عزف اللحن المشترك .
-جدك لن يضيعك ،سيغرسك مكان أبيك .
-لن يفعل ،فالعرف الذي تعرفينه ماعاد معمولا به .
هب واقفا الغضب لهيب بعينيه.
-وهل ستغيرين عرفا سائدا لأنك نلت شهادة في القانون يا ابنة عمي؟
-أنا لم أغير شيئا ،الملك قبل الملتمس المقدم من جمعيات حقوقية ،وغير في مدونة الأسرة دون أن يمس بثوابت الدين .وهذا منذ سنين .لو سألت يا ابن عمي لعلمه أنك ترث نصيب أبيك بموجب القانون .
تغيرت سحنتهما إلى الدهشة ثم الفرحة فزغردت أمه وعانقته ،طالت نظرة جدي لهما ثم قال.
-كأنك يا عامر ظننت بي السوء ؟
-وانت يا جدي لم تظهر لي حسن نيتك .
-وما معنى أنك من يمسك الحسابات ويقرر ولا أجادل قرارك؟ أم حسبتني وعمك عاجزين عن إدارة أعمالنا؟
هل اطمأننت يا كنتي على نصيبك ونصيب ابنك.
-زوجة أبي لا نصيب لها مادامت قد تزوجت غير عمي .
شفي غليلي وانا أراها كأنها تلقت صفعتي على خدها.ولكنها دارت خيبتها وابتسمت وهي تربت على كتف عامر
-لا بأس ،مادام عامر لم يضع حقه ،الله يطيل العمر .
تمنت وفاة أبي قبلها دون خجل .فأمسك يد أمي وحمل أخي بيده الأخرى متوجها نحو غرفته
-يعطينا ويعطيك طول العمر يا أم عامر .
بعد تلك الليلة زادت قسوته ،بل أظهر أنه ماعاد محتاجا لهذه الزيجة ،التحقت بنقابة المحامين متدربة مدة سنة ،وبمساعدة أبي اشتريت الشقة وفتحت مكتبي الخاص .
كنت أدرس قضية على ألاريكة والتلفاز يذيع برنامج لا أهتم له ،اعتدت صوته مؤنس لي في الفيلا الخالية ،دخل يمد لي ورقة مبتسما بشماتة .
-ما هذه؟
اقرئيها يا أستاذة .
كانت استدعاء لمحكمة الأسرة ،بعد ثلاث جلسات طلقني ،وجاءت أمه لتطردني من الفيلا بكل حقدها الدفين
-هيا يا أستاذة ،خذي ما لك هنا ومع السلامة .
دخلت غرفتي ،وخرجت بحقيبة سفر كبيرة
-خذ حقيبتك يا ابن عمي ومع السلامة .
-ههههه ،تطردينني من بيتي ؟
-بل هو بيتي وباسمي ،كيف غاب عنك أن تسأل عن هذا يا ابن عمي ؟وانت يا أم عامر تبنين خططك على أوهامك.
-لا يمكن ،جدي قال أنها هدية زواجنا .
-ولكن الهدية كانت للعروس ،لأنه نوى لك الأفضل.اذهب واسأله .
صرخت أمه مغتاظة
-لن نخرج من هنا قبل أن نرى ما يثبت كلامك .
-وأنا لست ساذجة لأحتفظ بورق مهم معي ،تحت يد ثعلب كابنك.
رفع يده يهم بضربي
-أفعلها لأسجنك، واقتص منك عذاب السنين.
طبعا سقطت يده الى جانبه ،فوحده الجبان يرفع يده على أنثى.
غادرا الى البيت الكبير وهناك تأكدت أن الهدية كانت باسمي وحدي.
اخذت وثيقة الطلاق وذهبت إلى جدي
-خذ ،وقبل أن تقرر بمصيري مرة أخرى ،تأكد أن تكون ثقتك بمحلها ،عرفت الآن أن هدفه كان أن يرثك وحده.
تهالك على الأريكة واضعا رأسه بين كفيه.
-الحية أمه ،ربته على الكراهية والحقد .
-وأين هما الآن ؟
-بعد أن أعمى الغضب عينيه، أظهر كرهه لي و اتهمني أنني أضعت حياته في العمل بينما كان يريد أن يتم تعليمه ،مهما قلت أن أمه من وجهته إلى العمل لم يصدقني ،وكذبت أباك لما أيد كلامي فرمى عليها يمين الطلاق ،فخرجا ينويان الاستقلال بعيدا عنا .
دخل أبي يحمل كريم ،وأمي تتبعه .
-المهم الآن أنني تخلصت منه ،والأهم أنني حامل ولا أريده أن يعرف ،إنه الآن كالزوبعة ،كان يريد أن يهينني بالطلاق ويطردني من الفيلا فأهان نفسه وأمه ،وخرج حتى من بيت جدي ،فلا آمن جانبه .
-الحمل لا يستر طويلا يا ابنتي ،غدا تظهر بطنك.
قالت أمي .
-سأجد حلا قبل أن تظهر بطني.
لم أسمع عنه حتى فاجأني يوما وانا بالشقة أقف على أشغال تقسيمها كما رأيتما.
-ماذا تفعلين هنا؟
-كما ترى ،ملكي وانا حرة فيه.
-ولماذا تبنين جدار وسط الشقة ؟
-لست ملزمة بالجواب ،ولكن لأريحك يا ابن عمي ،أنوي السكن في نصف الشقة .
-والفيلا ؟
-بعتها.
زاد غيظه وخرج يضرب الأرض بقدميه كأنه يدوس علي تحتهما.
وبعدها بأيام جئتني ليلا والباقي تعرفنه.
-لم أفهم ،لماذا جاء إليك بعد الطلاق؟
-ترويع ،لو استطاع أن يرهبني لابتزني ليحصل على الفيلا،البيت حيث يسكن ليس كالبيت الكبير ،ولا كالفيلا، وهو يريد كل شيء ،ولو علم بحملي،سيضغط علي به ،و لما ادعيت أنني بعت الفيلا جعلته ييأس مني.
نظرت إليها أم عائشة
-لباسك الواسع يخفي بطنك اليوم ،ولكنه لن يفعل بعد أسابيع.
-لهذا جئت اليوم ،سأسلم مكتبي لمحامية متدربة يشرف عليها أستاذي الذي دربني ،واتواصل معهما عن بعد ،لأنني قررت أن أسافر الى فرنسا وألِد هناك ،فكرت بكاميليا ،لم لا تسافرين معي ،تحصلين على دكتوراه في الهندسة ،وهناك تضمدين جراحك، الدراسة ستنسيك وتلهيك عن التفكير.
تحمست عائشة
-فكرة رائعة ،وادرسي هندسة الديكور الى جانب الدوكتوراه
ابتسمت كاميليا.
نسيتما الأهم.
-وماهو؟
-أنني مفلسة ،لا أملك ثمن وجبة،حتى السيارة لم تكن باسمي ،فتركيا امام الشركة .
-كل المصاريف علي ،قالت أمنية ثم رفعت سبابتها مازحة ،على أن ترديها مستقبلا ،نعم يا عزيزتي فأنا لست جمعية خيرية .
-انت ستعودين بعد الولادة ،فكيف ابقى هناك وحدي ،لم يسبق لي أن سافرت ،و....
-لا تفكري كثيرا ،سأكلف أبي ببيع الفيلا ،ويحول لي المال لأشتري سكنا هناك ،وانا لا أسدي لك معروفا بل أنت التي ستخدمينني خدمة العمر .
تكلمت أم عائشة
-كنت سأسألك ماذا ستفعلين بعد أن يراك عامر عائدة وابنك على ذراعك ولكنني عرفت نيتك الآن.
-تماما ،كما خمنت خالتي،لو قبلت يا كاميليا ،سأترك ابني معك ،اعتني به وسأزوركما كلما استطعت ،تعودين بعد ثلاث سنوات ،أكون قد دبرت أموري مع طليقي وأمه . ماذا قلت ؟
-موافقة ،متى نسافر؟
-نستخرج لك جواز السفر ،ثم نبدأ إجراءات طلب الفيزا.
الخوف من ظهور الحمل جعل أميمة تتصل بكل معارفها ،وتفتح حسابا بالبنك لكاميليا ،فحصلت على الفيزا ،وسافرت رفقة كاميليا وهي في آخر شهرها الرابع.
أخفت أسرتها خبر الحمل ،ولكن غيابها لم يخف على عامر ،اختلى بجده وسط أشجار الزيتون ،وسأله عنها.
-أمنية ،مريضة ،سافرت إلى فرنسا للعلاج.
-ساتزوج يا جدي .
-انت حر ،أفعل ماتشاء .
-اريدك معي لأخطب عروسي .
-ومن تكون ؟
-ابنة خالي.
-أمك معك ،لن تحتاجني ،أما لو احتجت مالا فأنا جاهز ،مبروك يا ولدي.
تركه وخطا بعيدا وهو يتمتم
-ستندم يا عامر يوم لا ينفع الندم.
بينما لبث عامر بمكانه لا تطيعه قدماه، كأنها رسخت في الأرض.بقلبه نغزة حاول أن يتجاهلها عندما علم بمرض أميمة ،فأعلن رغبته في الزواج ،كأنه يعلن أنه غير مهتم بها ولا بمرضها أو سفرها .يتظاهر بتجاهل وجودها لعل ذاك الخافق بين ضلوعه يكف عن إيلامه كلما ذكرها .
استحضر كلام أمه ليقسو قلبه
-لئيمة كأمها، جعلت جدك يهديها الفيلا كما أثرت أمها على عمك ليطلقني.
-ومتى اهتممت لزواجك منه ،ألم يكن زواجا على ورق كما قلت لي؟
-بلى ،ولكنني كنت سأرثه.
-الإرث ،الإرث ،ألا يكفي أنني سأرث نصيب أبي كاملا .
-بعد جدك الذي يبدو انه لن يموت قريبا.
-كأنك تخشين أن أموت قبله.
-ولهذا اريدك أن تتزوج وتنجب ولدا .
احزنه كلام أمه ،تخطط للإرث ولا تهتم إن مات او عاش ،بئس عيشك يا عامر ،حتى أمك تتخذك وسيلة !.
تسجلت كاميليا بالجامعة ،لأجل نيل الدوكتوراه،و انتسبت الى مدرسة عليا لهندسة الديكور ،بينما زاد وزن أمنية ،بعد أن ثقل حملها وقلت حركتها .
كما اتفقت مع أبيها، ارسل لها المال واشترت بيتا صغيرا بحي هادئ ،كل بيوته ذات طابق ارضي وعلية بها غرفتان وحمام ،بينما بالأسفل صالون صغير يفتح على حديقة خلفية ومطبخ ،ومرآب للسيارة ،أمامه حديقة صغيرة ويحيطه سياج خشبي تستند عليه شجيرات ازهار .
افاقت كاميليا على صراخ أمنية
كامي، ساعديني!!!!!
لم تدر كيف ،لبست معطفها ولا كيف ساقت لتصل إلى المستشفى .نزلت من السيارة ودخلت المستعجلات لاهثة .
-SVP;un accouchement en cours !
-من فضلكم ،امرأة في المخاض.
أسرعت ممرضة بكرسي متحرك ،وأدخلت أمنية قاعة العمليات ،بينما جلست كاميليا على كرسي ترتعد خوفا وقلقا.
بعد ساعة عصيبة ،خرجت إليها ممرضة تبشرها بالمولود الجديد
-Félicitations ;vous avez un joli petit garçon .
-مبروك ،جاءكم طفل جميل .
-Et sa maman ?
-Elle va bien .
-Merci beaucoup
-وأمه؟
-بخير .
-أشكرك كثيرا .
لم تشعر وهي تعانقها بين دموع وضحك ،ضمتها الممرضة وربتت على ظهرها مهنئة مرة أخرى ،قبل أن تغادر اخبرتها انها بعد قليل ستكون بغرفتها بالطابق العلوي واعطتها رقم الغرفة .
توجهت الى السلم ،ثم تذكرت الحقيبة في السيارة فعادت لتأخذها، وجدت أبواب السيارة مفتوحة ،والمفاتيح بلوحة القيادة ،لو لم تكن داخل أسوار المستشفى لما وجدت لها أثرا.
دخلت على صديقتها تحمل حقيبة غيارات الوليد وأمه ،فاستقبلتها ضاحكة رغم ضعفها ،تعجبت كاميليا وهي تراها تشير الى قدميها فأخفضت بصرها وانفجرت ضاحكة هي الأخرى ،بكل قدم فردة من شبشب مختلف.
-وهل بعد صراخك انتباه لشيء غيرك.
-أدامك الله لي ،لقد كنت لي الأم والأخت .
--نعم،نعم؟ كنت؟ كنت ومازلت وسأبقى ،عودي نفسك على هذا ،أم تريدين التخلص مني ؟
-ومن لي غيرك حبيبتي ،سامحيني أرهقتك طيلة الشهور الخمسة الأخيرة .
-لي ولك الله ،هو الذي يدبر الأمر ،وسخرنا لبعضنا ،أم لك رأي آخر؟
-لا والله ،ونعم بالله .
-دعينا الآن من هذا ،أين الصغير ؟
-سيحضرونه بعد أن يفحصه طبيب الأطفال ،استعدي ،لقد أخبرتهم أنك اختي وستساعدينني عليه ،ستعلمك الممرضة كيف تحممينه وتغيرين له .
-وانا لها عزيزتي .هل اخترت له اسما .
-ليس بعد ،لأنني لم أكن أعرف إن كان ولدا ام بنتا .
-نعم ،دونا عن كل الأمهات أصررت ألا تعرفي فبل ولادته ،المهم أن يشبهك ،احب لون العسل بعينيك.
-اتمنى ذلك ،فأنا أيضا لا أريده صورة عن أبيه.
جاءت به الممرضة ،فخاب املهما ،كان عامرا صغيرا ،فنظرتا الى بعضهما وانفجرتا ضاحكتين.
-تعودي حبيبتي أن تريه أمامك كل يوم.