روايةانسحاب
الفصل السابع عشر 17
بقلم حكاوى مسائيه
حل المساء ،وذهبت إلى أمنية التي استقبلتها بحب
-خشيت أن ترسلي في طلب الحقائب، ولا أراك.
-حقائبي ستبقى حتى أعود من سفري ،سأذهب مع يوسف الى بيت العائلة
تحمست أمنية
-رائع ،ستلتقين بجدك وأهلك
-الحقيقة ليتني متحمسة مثلك ،أنا أكاد الغي الفكرة
-خائفة؟
-جدا، جدي رفضني سنينا،هل سيرحب بي بسهولة؟
-السؤال هو ،لماذا شجع يوسف للبحث عنك،واعانه ليؤسس شركته هنا ؟لماذا لم يمارس جبروته ويجبره أن ينسى وجودك؟ بل لماذا ام يوسف والتي من المفروض انها اول من سيرفضك لأسباب عاطفية ومادية هي أول من اخبر ابنها عنك؟
لو اجبت على هذه الأسئلة سيكون الجواب واحدا ،لأنهم يريدونك، على الأقل إكراما لابنهم، ابوك.
-أتظنين؟
-متأكدة ،ثم ماذا ستخسرين ؟ارتحت لهم أهلا ،لم ترتاحي سهلا ،يكفيك حب أخيك لك .
-صدقت ،لن أخسر شيئا ،انا أصلا سعيدة بيوسف ،فلو بقي لي هو فقط يكفيني.
-تعالي لتري جاد سيفرح بك ،اشتاق لك وسأل عنك كثيرا.
-حبيبي ،اشتقت إليه،ولكنني لن ابقى طويلا ،يجب أن أكلم عائشة في أمر مهم الليلة قبل السفر غدا.
بعد وقت مع جاد ،غادرت لتقضي الليلة مع عائشة ،استقبلتها الخالة سعدية بالاحضان.
-طالت غيبتك هذه المرة .
-اعذريني خالتي ،و الليلة سأقضيها هنا ،اريد أن آكل من يدك.
-طلبت الموجود ،عشاء كما تحبينه ،ولكن أولا مبروك عليك يوسف اخوك .
-وجدي ،وعمي وعمتي.
أطلقت الخالة زغرودة من الفرحة.
-يا فرحة قلبك يا ابنتي بعوض الله !
نزلت عائشة
-افرحي ،افرحي ،ستنسانا ،منذ الآن تعودي على غيابها
-نعم ،أنساك، وانسى سنين الدراسة،وسهر الليالي على الكتب،واكواب الشاي والقهوة ،ولكن شيئا واحدا سأتعب حتى انساه :ثيابي التي كنت تسبقينني كل صباح لتلبسيها
رمت عليها رواية كانت بيدها
-انا ،انا كنت أسرق ثيابك ،ومن كانت تخفي احذيتي حتى لا أجدها وتلبسها هي ؟
تلقفت الكتاب بيدها وقرأت العنوان
-دعاء الكروان ،أعلم أنك ضعيفة في اللغة فكيف تقرأين لطه حسين!
-يا اختي ،استعين بمشاهد الفيلم.
-ههههه،لو سمعك طه حسين !ثم ما الذي ذكرك بالروايات ،ألم تنسيها في خضم الامتحانات ثم مسؤولية العمل؟
-تسلية، عالم موازي بعيدا عن واقع ....
-ماذا ؟مرفوض؟ترفضين واقعك وتهربين، اهربي لأجمل من هذا ،قصة حزينة والبكاء على هنادي ،ينقصك الغم؟
-غم يبرد نار غم.
-برديه بماء زلال جاءك سهلا ،يوسف.
نظرت إليها غاضبة
-كامي!!!!
-اصمتي واسمعيني ،وفكري ،والقرار لك.
يوسف احبك منذ رآك ،وصددته بأناقة وديبلوماسية،السبب نعرفه ولن نخوض فيه لأنه زال ،هل ستقضين حياتك تبكين على الأطلال؟
افتحي قلبك للحياة ،لأجلك ،ولأجل جمالك ،ورحمة بأمك.
-مالها أمي؟
-مثل كل أم ،تحلم أن ترى ابنتها متزوجة وأم.
-أم؟!
قالتها شاردة حزينة،أرادت أن تنفض عنها الذكرى الأليمة لحب ضائع ،فابتسمت وضمتها قائلة
-احلى أم ،لصغير يناديني عمتي.مارأيك؟
هربت الى مزاحها تدفع كاميليا
-لا ،لا أريد اولادا قد يشبهونك، وأعيش مع نسخ منك طول الوقت.
-إذن انجبيهم الذكور يشبهون يوسف والبنات يشبهنك.
-ذكور وإناث، سأفتح حضانة !
ضحكت كاميليا، ثم نظرت بعينيها تمسك يدها بين كفيها
-حبيبتي ،لقد رأيت يوسف ،لأنه شك أن أكون أخته لم يرتح حتى ضمني يمسح عني هم السنين ،أمه هي من دفعته للبحث عني ،ولما وجدني ،رأيت مافعل لأجلي ،رأيت حبه لي ،فكيف سيعاملك انت مالكة قلبه،لا أقول لك اعشقيه، بل افتحي له قلبك ،دعيه يضمد جرحك ،دعيه ينسيك حزن الماضي وعيشي معه سعادة الحاضر والمستقبل.
-هل يعلم بأمر ياسر ؟
-يشك ،بعد غيبوبتك، وأن سببها نفسي،يشك انها صدمة عاطفية ،ولكنه لا يعلم ،ولو أردت نصيحتي ،الأفضل ألا يعلم ،عندنا مئة سبب لصدمتك العاطفية وأولها اخوك المغوار.
-هل أكذب عليه؟
-ومن قال أن تفعلي؟ هو لن يسألك ،وانت لن تبوحي بما لا يسأل عنه،ولكن العشرة ستعرفه على أخيك، وقد يستنبط أنه كان هو السبب.
-كيف تقولين هذا! حتى لو فكرت ووافقت أن اعطيه فرصة ،لن أبدأ حياتي معه بالكذب.
-دعينا نفكر بهدوء،هل كانت بينك وبين ياسر علاقة او زواج ؟لا . حب افلاطوني،آمال وأحلام مشتركة،ثم خصام من جهته وانتظار من جهتك دام ست سنوات، ماذا ستقولين له ؟اسمعني يا يوسف انا احببت زميلا لي بالجامعة ،وهاجر وعشت انتظره وهو تزوج وانجب وانا مازلت انتظر وألوم نفسي!
زرعة سيستغلها الشيطان و يسقيها لتصبح سدرة شائكة بينكما ،كلما رآك حزينة ظن الحب القديم هو السبب ،لو رآك شاردة ظنك تفكرين فيه،لو أخطأت باسمه حتى ولو بغير ياسر ظنه اسم حبيبك .
الرجل يا عزيزتي مهما تحضر ومهما ادعى يبقى هو هو الرجل ،يريد أن يكون لامرأة هو الأول في كل شيء ،وإن يكون لها كل شيء. فالأحسن أن تعطيه وتعطي نفسك فرصة ،واتركي الماضي في الماضي ،فهمت؟
-هل قال لك انه يحبني؟
-الغريب ،أنني وهو يقولها شعرت أنه يعشقك
عادت إلى سخريتها
-شعرت؟! تقمصت دور الأخت بسرعة .
ضربتها عدة ضربات
-قومي ،قومي من أمامي، مستفزة!
حل الصباح ،وجاء يوسف ليقلها، استقبلته أم عائشة ريثما تنزل الفتاتان
-السلام عليكم ،صباح الخير
-وعليكم السلام ،صباح الخير كامي ،صباح الخير عائشة.
هيا لنقلك في طريقنا
-لا ،اذهبا انتما ،سأذهب بسيارتي.
-لن أوصيك على الشركة .
-اطمئن سيد يوسف
-كلمتها يا كامي عن المشروع الآخر ؟
غمزت لها
-نعم ،وشرحت لها كل إيجابياته ووعدتني أن تفكر فيه ،وربما أعدت لنا رسما أوليا .
-أرجو يا آنسة عائشة أن تقدمي لي الرسم الأولي عند عودتنا.
-بإذن الله.
ضمتها كاميليا وهمست بأذنها
-رأيت كم هو متلهف لجوابك، فكري حبيبتي فكري.
-طريق السلامة كامي ،الى اللقاء.
كانت تتسلى بتفحص مواقع التواصل ،شد انتباهها خبر عن عروس تقتل ليلة عرسها ،والفاعلة صديقتها الحميمة .ركزت في القراءة ،الصديقة وضعت للعروس زجاجا مطحونا بكأس العصير .
-كيف لم أفكر في هذا؟
وراح شيطانها يخطط ويزين لها تخطيطه.
بالمزرعة عدة انواع من المبيدات السامة ،والمجنونة لا تعي ما تفعله ،قطرات من مبيد سام في العصير او كأس لبن المساء ،وهاهي تخلصت منها.
لم تفكر طويلا ،ولا حسبت العواقب. تسللت الى المخزن جوار بيت الرباع(فلاح مساعد مقابل حصة من المحصول)اخذت زجاجة صغيرة لمبيد قوي ،المفروض انها تخلط بالماء وترش بها مساحة كبيرة لتقضي على الحشرات التي تفسد المحصول .
اخذتها بين ثنايا ثوبها ،وتوجهت نحو البيت.
باتت ليلتها تفكر ،واستقر قرارها أن تضيف منه قطرة صغيرة كل ليلة ،تَهِن صحة لطيفة وتتدهور قبل أن تموت،وهكذا تنعدم شبهة التسمم.ماتت قضاء بعد مرض .
يبقى التنفيذ ،يجب أن تتظاهر انها أذعنت ،ورضيت بالأمر الواقع ،وأول من يجب إقناعه هي عمتها.
غيرت سلوكها مع لطيفة ،وعمتها تراقبها طيلة أسبوع قبل أن تكلمها
-أراك تقبلت لطيفة!
-لطيفة بسيطة العقل بلهاء ،وقريبا ستنجب لنا الولد او البنت ،فالأولى أن نعتني بها ثم نعتني بالوليد ،كما ترين ،لن نقدر أن نعتمد عليها لتربيه ،ولكننا يمكن أن نعتمد أن تنجب له أخا او اختا.
-أهذا كل شيء ؟
-عمتي ،نحن نريد احفادا لك واولادا لعامر يقربون اباهم من جده وثروة جده،دون لطيفة لن ننجح ،لو راحت لطيفة جاءت أخرى لن تكون حمقاء ،قد تستولي على عامر وماله،الحل هو أن تبقى لطيفة ،رحم ولود وعقل شارد.
-صحيح ،ابنة أخي صحيح.
علمت أن عامر سيسأل عن سر تغيرها وايقنت أن أمه ستنقل له أسبابها المزعومة .
وهكذا ،أصبحت تتودد للجميع حتى رقية ،لتستطيع وضع السم في شراب المساء سواء كان لبنا او عصيرا.
كانت بمكتبها مركزة في دراسة قضية ،حين استأذنت الكاتبة لرجل يود مقابلتها.
-دعيه يدخل .
فاجأها أنه مجدي.
-استاذ مجدي !كيف أخدمك؟
-أن تجدي لي مخرجا من قضيتي.
-هل يمكن أن توضح لي ملابسات القضية او لو عندك اي أوراق او مستندات بخصوصها.
اخرج بطاقته من محفظته ووضعها أمامها
-المستند الوحيد،بطاقتي،ربما لا تعرفين عني سوى أنني صديق مراد ،ولكنني اقسم ،أقسم لك أنني غيره
-سيد مجدي ،هل يمكن أن توضح أكثر ؟
-يمكنك أن تتحري عني لو شئت ،ولكنني أقدم طلبي الآن وانتظر الجواب بعد أن تفكري وتسألي عني .انا اريد ان أتقدم لوالدك لطلبك للزواج.
شهقت فشرقت حتى كادت تختنق ،قام مسرعا يمد لها كأس الماء الذي سكبه من زجاجة كانت أمامه على المنضدة
-اشربي أستاذة، باسم الله الرحمان الرحيم.
بعد أن هدأت ،نظرت إليه شذرا
-استاذ مجدي ،ماذا تعرف عني لتتقدم لي؟
-كل خير ،أستاذة ناجحة في عملها ،محترمة ،ذات خلق ودين.
ارجوك أستاذة لا تتسرعي بالرفض ،كما قلت اسألي عني وأظنك لن تعجزي او تحتاري، وفكري ثم ردي علي.
وقف كأنه يرفض أن يسمع منها قبل أن تفكر
-الى اللقاء
خرج قبل أن تجيب.
دخلت الكاتبة بعد أن رحل
-قضية جديدة يا استاذة؟
-لا ،استشارة واجبته عليها ،لو سمحت هات فنجان قهوة .
فقدت تركيزها ،واستطاع هذا المجدي أن يشغل تفكيرها وهي ترتشف قهوتها ،فجأة تذكرت كاميليا ،اخذت الهاتف وضغطت على زر طلبها
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ،من لقي احبابه....؟
-حاشا لله أن انساكم ،وهل انت او عيوش مجرد أصحاب؟
-احكي ،كل شيء تمام ؟
-اطمئني! كأنني ولدت هنا وما غادرتهم يوما .
-الى هذا الحد ؟وجدك؟
-سأحكي لك لما أعود، كيف حال جاد ؟
-بخير ،قولي لي كامي ،ماذا تعرفين عن مجدي؟
-ليس أكثر مما تعرفين ،لم احتك يوما بأصدقاء طليقي،ولكنني استشعرت الاحترام في معاملته لي. لماذا تسألين؟
-لما تعودين سنتحدث ،الى اللقاء.
انهت المكالمة مع صديقتها وعادت بها الذكرى الى يوم وصولها رفقة يوسف.
وقفت السيارة أمام بوابة كبيرة ،وبعد تنبيه من بوقها ذي الصوت المميز فتح الحارس بابتسامة واسعة ،مشيرا بيديه
-اهلا وسهلا ،الحمد لله على السلامة سيد يوسف .
أمر السائق بالتوقف ،وكلم الرجل عبر النافذة المفتوحة
-الله يسلمك عمي حماد ،كيف الصحة والأولاد
-بخير يا ولدي الحمد لله.
التفت إليها
-كاميليا هذا عمي حماد ،وزوجته هي دادا ربيعة ،عمي حماد هذه أختي كاميليا.
أطلت عليه بابتسامتها
-مرحبا عمي حماد
-اهلا بك يابنتي.
-الى اللقاء عني حماد
ودعه وأشار للسائق ليتحرك.
بين أشجار كافور ضخمة مسنة عُبِّدت طريق نحو البناية الكبيرة ،التي ماتزال غير ظاهرة خلف كثرة الأشجار وأنواعها، طريق غمرها الظل،وهبت بها نسمات عبقة بعطر الطبيعة ،كانت تنظر حولها بسعادة كأنها طفلة بمدينة الملاهي ،وكم اسعده ابتسامتها ونظرة الدهشة بعينيها.
-هذا بيت جدنا ،وهنا كبرت ،عمي حماد كان يأخذني الى المدرسة بالسيارة ،المدينة تبعد عنا بضع كيلومترات.
-من حسن حظك انك نَمَوْت في محيط جميل كهذا.
-تحسدينني كامي؟قال ضاحكا
-معاذ الله ،أخي، لابد أن البيئة اثرت كثيرا في شخصيتك ،وإلا من أين لك هذا القلب الكبير الطيب.
-من جدي ،بعد أن تعرفيه سترينه كما ترينني ،ولكنه يلبس قناع القسوة والجمود ،رغما عنه حتى يحافظ على العائلة .
-اقول لك شيئا لا تعرفه عني،انا لا ألوم أحدا أبدا عن تصرف تصرفه معي ،لأنني بحكم تجربتي الصغيرة في الحياة أؤمن أن الظروف تحكم علينا بغير ما نريد، و دائما اريح نفسي والتمس العذر للآخر ،لعل ظروفا اضطرته لهذا ،هذا هو عذري لهم.
-انت طيبة جدا ،لا يمكن ألا تكوني أختي ،وتسري بعروقك دماء جدي ،ولكن trop bon ,trop con الطيبة الكثيرة غباء .
-لا تقلق علي ،هنا مخ يعمل .
واشارت الى رأسها ضاحكة .
وقفت السيارة أمام بناء مهيب،أوله درجات دائرية من الرخام تصعد نحو باب خشبي ذي ضلفتين ،كبير بنقوش اندلسية، تعتليه سقيفة تقف على اعمدة من رخام .رفعت بصرها للتأكد أن ظنها صحيح فابتسمت ،فعلا كما توقعت ،البيت على طراز قصر عربي صغير
ابتسم لها قائلا
-كنت أعلم أنك لما ترين الباب ستخمنين طراز البيت.
-لابد أنه من إبداعك.
-أبدا ،هو جدك ،رغم أنه لم يدرس الهندسة ،ولكنه أعطى رؤيته ،وبعض الرسوم لمهندس ،فأبدع هذه التحفة.
-وطبعا ،النقوش وشكل النوافذ من وحي الجد .
قاطعهما صوت خشن
-هل سيطول تقييمك للبيت يا فتاة؟
نظرت إليه ،صورة من أبيها شاخت وخط الزمن عليها أثره ،عيونه السوداء بنظرة صقر حكيم ،يعقد يديه خلف ظهره ،ويقف بجلبابه الأبيض بشموخ كأنه احد تلك الاعمدة الرخامية، احست في نبرة صوته فخرا بتحفته، فقالت
-وكيف تقيم تلميذة هاوية عمل محترف،لا بد أن المهندس كان ذا خبرة وحس جمالي كبيرين.
خرجت امرأة تقاربه في السن ،ماتزال لمحة الجمال لم تهجرها ،ولا أناقة سيدة أصيلة ،بعيونها خضرة البساتين ،وعلى شفتيها بسمة الربيع ،هامتها شامخة كذاك الجبل الذي يحرس بيتها من خلفه.
-يوسف ،هات اختك ،أم تريدني أن انزل إليك؟
نبرة تهديد بصوتها جعلته يضحك.
-مازلت تهددينني بشيء لم تفعليه يوما .
أحاط كتف كاميليا يسير بها نحوهما
-حنة دائما تهددني ،تعال وإلا جئت إليك ،أفعل وإلا قمت إليك ،ومازلت انتظر ماذا ستفعل لو جاءت او قامت .
ضم إليه جده بينما وجدت نفسها بحضن دافئ ،تضمها إليها كأنها تريد أن تدخلها بين حنايا فؤادها ،والغريب انها احستها تتشمهها، قبل أن تحس دمعة اخترق دفئها قميصها الحريري.
أخرجت نفسها من حضنها ونظرت إليها
-كيف حالك سي...
-حنة ،قولي حنة
-حنة ،كيف حالك حنة؟
-بأفضل حال وقد ضممت قطعة من ولدي الى صدري .
مايزال ينظر إليها، لم يتحرك ،تعلقت عيناها تستشف عينيه حيث تعاقب الشوق والفرحة ثم الجمود ،لا ،لن تسمح له أن يبعدها ،تقدمت نحوه تحت نظرات يوسف وحنة
-وانت جدي .
فاجأته باتحضانه تضع رأسها على صدره العريض وتلف يديها حوله.
ربت على ظهرها قبل أن يضمها يغالب دمعة ستخونه، بينما سمحت زوجته لدموعها أن تغسل حزن السنين.
زغرودة انطلقت خلفهم ترددت في البهو الكبير ،وسيدة تعدت الخمسين بقليل تسرع نحوهم
-ماذا يا خالتي ،هل تحتكرينها لنفسك ،دعيها تدخل ،كلنا ننتظر .
مدت يديها من بين الجد والجدة ،و أحاط كاميليا بذراعيها تجرها نحوها وتضمها بحنو .
-انا أمك الثانية ،أم يوسف أخيك.
-أهلا خالتي.
-والله لن أقبل بغير ماما شئت أم ابيت.
ضحك يوسف
-الا يوجد اختيارات؟
-لا هو جواب واحد لا غير.
-وانا لي الشرف يا ماما .
صدحت بزغرودة ثانية رغم الدموع التي غشت عينيها.
-هكذا إذن ،كل من وصل إليها يستحوذ عليها.
كان هذا صوت رجل يقارب جدها في السن ،ويشبهه كثيرا .
مدت يدها لتصافحه
-انت عم بابا عرفتك.
-وتمدين يدك !؟ الا حق لي بحضن
لم يترك لها الخيار ،بل جذبها نحو صدره ،وقبل رأسها
-يا ابنة الغالي ،كأنني انظر الى عينيه.
-اتركوا لنا نصيبا يا عمي ،تعالي الى عمتك حبيبتي .
ومن حضن عمتها فاطمة نحو حضن عمها حسن ،قبل أن تجد بالصالون المغربي الكبير أربعة شباب ،بنتين وولدين ،تقدمت تصافح الشابين
-هذا طه ،وهذا زكرياء .
ضحك يوسف
- خالفت مبدأك يا كامي وصافحت غير محارمك.
ضربته عمته مازحة
-اصمت ،طه وزكريا اخوان لكاميليا مثلك بالضبط .
اقترب يحيط خصرها بيده
-فليحاول أحدهما أن يفعل مثلي ،وسيرى.
انقذها من الحرج تقدم الفتاتين ،تقبلانها
-انا نرجس
-وانا ياسمين.
أشار الى طفلة في العاشرة
-تعالي يا أريج.
جلست على الفراش الأصيل لتصبح بمستوى الطفلة بينما قال يوسف
-لايمكن أن تكتمل الباقة دون أريجها، كاميليا ونرجس وياسمين ،ولكن بدونك انت يا صغيرتي كأنها من بلاستيك .
ضحكت سيدة شابة تتقدم وبيدها طفل ربما تعدى ست سنوات.
-انت انت يوسف ،لا تتغير ،وانا يا كاميليا زوجة عمك حسن ،وهذا صغير العائلة غيث
ضحكت فاطمة
-اسمها ام الغيث ،ولهذا أقسمت أن تسمي ابنها غيث حتى تصبح اسما على مسمى .
جاءت كبيرة العائلة
-هيا اجلسوا ،هات الشاي يا فاطمة ،وتعالوا حول ابنتنا
-ماذا يا أمي ؟ ستخيفينها ،تعالوا حول ابنتنا ،دعيها تشرب الشاي وترتاح من تعب السفر ،والايام طويلة لتعرفنا ونعرفها.
-صحيح يا خالتي،دعي كاميليا ترتاح قليلا .
-نرجس ،خذي اختك كاميليا إلى غرفتها ،ستتعبك ياسمين بالشاي.
-حاضر جدي .
بعده لم يعقب احد .
اخذتها نحو غرفة كبيرة ،بأثاث جميل مريح للعين ،فتحت بابا جانبيا
-الحمام هنا ، سأتركك لترتاحي.
دخلت ياسمين ،وضعت الشاي على منضدة قرب اريكة مريحة ،وكادت الفتاتان أن تغادرا، ولكنها أسرعت تمسك بمعصم كل منهما.
-تعالي انت وهي،من قال أنني يجب أن ارتاح ،ثم إنني لا أحب أن اشرب الشاي وحدي
-ابتسمت نرجس
-ولكن جدي...
قاطعتها
-جدي قال خذيها الى غرفتها وقد فعلت ،وياسمين تأتي بالشاي وقد فعلت ،أما ما سيكون هنا بالغرفة فهذا شأننا نحن .
اتسعت ابتسامة الفتاتين ،فهمت انهما كانتا متوجستين، كيف ستكون هذه الكاميليا.
جلست وأجلست كل واحدة بجهة قربها
-كبرت مع صديقتي عائشة ،اعتبرها أختي، ولكن ان تكون لي ابنة عمة زهرة نرجس وأخرى زهرة ياسمين ،بهذا الجمال ،فهذا شيء آخر .هل يمكن أن نكون أخوات.
-ولكن.
-هاه فهمت انا اعرف أنني عجوز ،ولكن الا تحبين أن تكون لك اخت كبيرة .
-بلى ،ولكنك ...أخبرنا يوسف انك ...
-أنني مثله مهندسة
-دكتورة في الهندسة
-وإن يكن ،هل ولدت والشهادة بيدي ،مجرد اجتهاد ،يمكن أن تتعدينه انت وياسمين ،دعيني اخمن ،انت يا نرجس في سنة الباكالوريا ،وانت ياسمين أولى ثانوي
-صح ،أخبرك يوسف
-إطلاقا ،ولهذا لا اعرف أي شعبة تدرس كل واحدة
-انا علوم رياضية ،وياسمين ،اقتصاد .
-ماشاء الله ،صبي الشاي يا نرجس ،بعد سنوات قليلة سأصبح غبية الأسرة.
ضحكت ياسمين
-لماذا تقولين هذا كاميليا ؟
-أولا ناديني كامي ،هكذا احب أن يناديني المقربون لقلبي ،ثانيا لأنك ستصبحين خبيرة اقتصاد كبيرة ،ونرجس لابد انها ستدخل هندسة .
-ليس هندسة معمارية ،إما كمبيوتر ،او آليات.
-صدقتماني الآن ؟ ولكن لا مانع أن أمارس دور الأخت الكبيرة ريثما تتفوقان علي.
-كامي ،هل ستبقين معنا؟
-حسب الظروف ،ثم يا صغيرة الهاتف قرب المسافات .
سمعت طرقا على الباب، ثم أدخل يوسف رأسه
-كامي !
رأى الفتاتين فدخل مبتهجا
-مازلتما هنا ؟
-أصرت كامي أن نبقى ،اجابت ياسمين
-ممممم ،ما دمت قلت كامي ،فسأخرج انا .
ضحكت
-تعال هنا ،ماذا كنت تريد؟
-لاشيء أردت الاطمئنان عليك ،وقد اطمأننت.