رواية انسحاب الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الثاني والعشرون 22

بقلم حكاوي مسائية


حل مساء الأحد، بالبيت الكبير ،تجلس حنة وسط احفادها ،تسبقهم ابنتها فاطمة ،متلهفة أكثر منهم لمعرفة أدق التفاصيل عن عروس يوسف.فاطمة امرأة في الخامسة والأربعين، ولكنها في براءة طفلة ،تحول حبها لأخيها الفقيد ،ليصبح سيلا من الأمومة نحو ابنه يوسف ،ولا يقل حبها لكاميليا عن حب الأم منذ رأتها،تستفزها ابنة عمها ام يوسف وهي تصف جمال العروس ،وأدب العروس ،وكلام العروس، فتنهرها حنة 

-متى كلمتها ؟لا تهتمي لكلامها، انا أقول لك ،هي جلست بجانبي انا ،وحدثتني انا ،رأيت كاميليا ،هي صورة من خلقها،ولكن أمها السيدة السعدية باحت لي بسر صغير عنها.

-ماهو أمي، قولي دون تشويق !

ضحك لحماسها ابناءها.

-لا يا جدتي(حنة خاص بابناء الابن ) ،المرأة حملتك أمانة سر ابنتها ،إياك أن تبوحي به

-هكذا يا طه،غدا تحمل عناء المواصلات ،والله لن اتحايل على ابيك ليعطيك سيارته.

-قولي يا جدتي قولي ،قبل أن تجن ماما.

رمته بمخدة بيدها 

-قم من هنا ،اصلا لمَ تجلس بمجلس النساء ؟

-كأنني الرجل الوحيد ،هاهو خالي يلتصق بجدتي،وزكريا ينصت كأنه امام الحكواتي.تابعي يا جدتي،سامحوني على التشويق.

-هاه قولي يا أمي ،ماهو هذا السر.

-البنت تظهر مثل كاميليا، أدب ،واتزان ،والكلمة بحساب،ولكن لالة السعدية قالت انها كثيرة المزح،مهما كان موضوع الحديث مهما او حزينا ،لابد أن ترشه بكلام مازح.

-وهل فعلت أمامكم؟ 

-ليس جهرا .كان والدك يمهد للكلام فقال:الفتاة مهما تعلمت او استقلت ماديا ،لا تستطيع العيش دون رجل يرافقها درب الحياة .

دنت من كاميليا وهمست لها:كأن ابوهم آدم استحلى الجنة دون أمنا حواء .

حاولت كاميليا أن تغمز لها لتسكت ،ولكنها استمرت قائلة:الجنة ،الجنة ياكامي لم يستطع العيش فيها دون حواء ،والله لو خلقت هي الأولى لما طلبت مؤنسا .

بعد أن رحنا الى بيت يوسف احببت أن أتأكد مما سمعت ،فأعادت كاميليا علي كلامها ضاحكة ،وأكدت لي انها كما قالت عنها أمها، لا يخلو كلامها من مزاح .

-والله حكيمة عائشة هاته، فعلا ،لو استطاع ابوهم آدم العيش في الجنة دون امنا حواء لاستطاعوا العيش من دوننا في الدنيا.

تدخلت نرجس 

-انا من اليوم أعجبت بها،فتاة مثل كاميليا مع ملح الكلام سنكون صديقتين أكيد.

-وانا أيضا أعجبت بها ،تدخل القلب ،إذا كان جدكم راض عنها!

-متى العرس،هل حدد جدي موعدا ؟

-ليس بعد ،ترك جدك تحديد الموعد للعروسين.

-أمي، ألم تلاحظي أن أبي أصبح أكثر لينا ومرونة منذ جاءت كاميليا؟

-لاحظت يا حسن ،كأن أخاك عاد ليعود ابوك الى طبيعته الأولى . 


في مكان آخر ،كانت أمنية تنظر إلى الساعة منتظرة عودة جاد ،اتفقت مع عامر أن يحضره ،وحتى الآن لم يتصل ولم يصل .

بدأ الندم يتسرب الى نفسها حين سمعت بوق السيارة ،أطلت من النافذة لترى البواب يفتح والسيارة تدلف الى الداخل.

أسرعت تستقبل ابنها بحضنها.

-ماما حبيبتي ،اشتقت لي

-طبعا يا حبيبي كثيرا.

دخل عامر يحمل حقيبة صغيرة ،وبعض اللعب.

-السلام عليكم ،اعذريني ،نسيت الهاتف ،وكنت اقود ببطء لأنتبه لحديث جاد.

-لا عليك ،تفضل .

لاحظت سعادة جاد في نشاطه المفرط وكثرة كلامه.احبت أن تجعله يهدأ.

-ألست جائعا جاد ؟

-لا يا ماما ،اكلنا بمطعم ماك على الطريق.

-ألم نتفق ألا نأكل إلا أكل البيت؟

-ليس ذنبه، انا من أصررت.

-لم أقصد ،ولكنني أريد أن أعوده ألا يأكل الأكلات الجاهزة اوالسريعة ،تعرف تأثيرها على الصحة.

-أراه يضع نظارة هل..

-تصحيح ،يعاني من قصر النظر ،النظارة تساعده حتى يبلغ سنا معينا ليجري عملية .

-هل سآخذه بعد اسبوع؟

-كما قال جدي ،هو لك كل نهاية اسبوع.إذا كنت متفرغا له.

-إذن الى الأسبوع المقبل ،تعال يا بطل ،كما اتفقنا ،نلتقي آخر الأسبوع.

-هل ستسافر مرة اخرى؟

-ابدا،وابتعد عنك ؟ مستحيل ،انا فقط سأكون مع الجد اتفقنا؟

-اتفقنا ،سأنتظرك.

عانقه مقبلا:

-وانا سأعد الساعات لآتي إليك. 


-كامي، استيقظي يا كامي!هل نمت منذ الآن؟

-ابتعد يا يوسف ،انهكتني كل تلك الحركة منذ مساء الجمعة ،استعداد وتهييء، عمل مضاعف ،هنا اخت العريس وهناك اخت العروس.انت ترتبط انا (اتمرمط)

-قومي يا كسولة ،أشيري علي ،هل أدعو عائشة على الغذاء غدا؟

-وانا؟ ستتخلى عني؟جحظت عيناه دهشة.هههه،مابك ؟ هل صدقت ؟ كنت امازحك ،يظهر أنني تعلمت من عائشة أخيرا.

نعم ،أخرجا،كما قلت لك ،املأ اي فراغ حولها حتى تصبح انت عالمها. ولا تنسني ،اطلب لي أكلا، وأمري الى الله،آكل وحدي بالمكتب. 

تظاهرت بالحزن،

-اتركني انام لأنسى خيانتك.

ضربها على رأسها.

-نامي ،نامي،ندمت لأنني سألتك.

عادت إلى النوم ضاحكة سعيدة . 


صباح الاثنين ،استيقظ منشرح الصدر على غير عادته.اخذ حمامه واستعد ليقابل يوسف.

توجه نحو شركة فايز ،اهتم ببعض الملفات ،قبل أن يتصل ليحدد موعدا مع يوسف،يوسف الذي خمن سبب الزيارة ،فأحب أن يستقبله صباحا وحدد له موعدا على الساعة الحادية عشرة.

نظر الى ساعته ،أمامه ساعة ونصف،استدعى مدام سميرة لتحضر له ملفات أخرى، يجب أن يشغل باله ليمر الوقت سريعا .

أما يوسف ،فقد توجه الى الشركة يحمل ثلاثة اكواب محمولة ،مع مخبوزات فرنسية،تتمدد بينها وردة حمراء ،دخل مكتب عائشة ووضع حمله امامها،رفعت إليه بصرها 

-السلام عليكم ،صباح الورد على اجمل عيون عسلية في الدنيا.

احمرت وجنتاها.

-وعليكم السلام ،صباح الخير.

تجاوزت خجلها بسرعة لتسأله

-ماهذا؟

-لم أعرف ماذا تحبين ،فأحضرت ،أشار بيده لكل كوب،قهوة ،شاي،حليب بالشوكولا.

-انا افطرت ،سآخذ الشاي.

مد يده بالوردة 

-وهذه ،ألن ترأفي عليها وعلى حاملها؟

-سيد يوسف ،أظن...

-سيد يوسف ؟ هل سمعت عروسا تنادي خطيبها سيد؟لن أضغط عليك مهندسة ،يمكنك أن تناديني دكتور يوسف.

رسم الحزن على ملامحه والتفت مغادرا 

-انا ...انا ...يوسف.

ابتسم بخبث ،ولكنه لم يجب وتوجه نحو مكتبه

اوووووف، عائشة يا حمارة ماذا قلت؟

نظرت الى الاكواب والمخبوزات ، قربت الوردة من انفها

-رومانسي انت يا دكتور ،يوسف!

يعلم أنه امام باب قلبها يحاول الدخول ،ولكنه لن يطرقه بخجل ،سيدق عليه بكل قوة عشقه لها ،لتسمعه حنايا فؤادها ويستقبله قبل انت ينتبه عقلها.

رن هاتفها باسمه.

-نعم دكتور يوسف.

-سنخرج لنأكل سويا مهندسة عائشة، انتظريني الساعة الثانية بعد الزوال .

لم ينتظر جوابها ،أغلق الهاتف مبتسما،بينما نظرت الى الشاشة

-ماذا؟ أهذا أمر ام دعوة ؟ مهندسة وناكل معا!موعد خطيبين ام غذاء عمل؟فيم ورطتني يا كامي؟ 

خرجت إليها مسرعة تحمل الطبق في يدها ،وضعته بقوة على مكتب كاميليا 

-ماهذا؟ كأنك علمت أنني استيقظت متأخرة ولم أفطر ،شكرا لك حبيبتي.

-اشكري أخاك، ماهذا كامي؟

-انت قولي لي ماهذا 

جلست متذمرة ،حكت لها ما جرى 

-يأتيني بإفطار فرنسي ووردة ،وبعده بدقائق ،غيرت صوتها تقلده،مهندسة عائشة.

ضحكت كاميليا

-هذا تأثير سيد يوسف ،ولابد أنك نطقتها بأبرد تعبير عندك.

-وهل كان ينتظر أن اقفز واعانقه؟

-لا ،ولكن حافظي على احترامك دون كلمات باردة، أشكرك يوسف على ذوقك.

ستكون النتيجة جوابا من قلب سعيد بك ،يسعدك انت أيضا.

-وماذا أفعل الآن ،أذهب معه ام لا؟

-اذهبي ،ولكن قبل ذلك ،دعي التوتر في المكتب واغلقي عليه ،تنفسي ذكري نفسك أنه خطيبك الذي يحبك .

-تعالي معنا.

-لا،لقاءاتكما معا ستذيب الجليد بينكما، يوسف محترم، سيلتقي بك دائما بأماكن عامة ،ولكن عليك أن تقنعي نفسك انك تريدين الاستمرار في هذه العلاقة ،لن اعدد لك صفاته وامدح فيها،استعدادك سيفتح عينيك لتري مميزاته ،ولهذا أقول لك مرة أخرى، افتحي قلبك ليرتوي من حبه لك.

وقفت الى جانبها 

-حبيبتي ،"أمنا" حواء لما خلقت فتحت عينيها لتجد "اباهم"آدم أمامها،الجنة ،وبعدها الأرض عالم لن يكتمل بنظرها دون اول ما رأت عيناها. 

-تردين لي كلامي.

-سمعتك حنة ،وسألتني إن كانت محقة فيما ظنت انها سمعته.

شهقت ووضعت اناملها على شفتيها 

-يا إلهي.

-ههههه،اطمئني ،امك كانت قد حذرتها انك تمزحين عن كل شيء وفي كل شيء.

-أمي هذه ام زوجة ابي؟

-حنة ضحكت لقولك،بل شاكست جدي به ،ولكنها ،بيني وبينها،اجابت بما أخبرتك الآن.

انت اختي ،منذ كنا طفلتين ،الشهور التي اكبرك بها ،جعلتني احس أنني مسؤولة عنك،كبرنا ،وماعادت للشهور قيمة،ولكن إحساسي انك اختي الصغرى لم يفارقني،تجربتي في الحب قاسية ،أقسى مما مررتِ به،انت فارقت وبينكم ذكريات جميلة ،وانا فارقت وكلما زارني طيفه أرى وجهه الغاضب، واسمع كلامه الجارح.ماعاد بقلبي مكان للحب لأن الخذلان استوطنه .

-حبيبتي،انسيه ،انسيه بكل تفاصيله وتفاصيل حياتك معه. 

-سمعت يوما رجلا يقول ،أن آدم لما استوحش وحدته بالجنة ،طلب من الله مؤنسا لوحدته،فمسح تعالى الجانب الأيسر من صدره و خلق من مسحته حواء ،فلا الرجل يرتاح حتى يعود إليه بعض من قلبه في هيئة انثاه، ولا المرأة ترتاح في غير موطنها الأصلي، الجانب الأيسر من صدر رجلها.

لا أعلم صدق كلامه ،ولكنني شخصيا ،اومن به،لكل منا موطنها الأصلي من حيث خرجت ،ولن تسعد في غيره.

-اطلبي لي تأشيرة من أخيك، لأنني لست مستعدة أن أبقى في غربتي أكثر. 

-هههههه،انت بداخل قلبه اصلا ،يبقى أن تهدأي وتعتني به لتهنأي. 

هيا اذهبي ،دعيني اعمل ،واتركي الفطار لأنني جائعة 

-إلا الشاي ووردة حبي.

ضربت رأسها 

-أصبح حبك الآن ،اخرجي هيا.

خرجت ضاحكة وكادت ترتطم بمراد 

-اهلا آنسة عائشة ،كيف حالك؟

-بخير الحمد لله ،تفضل سيد مراد

نظر من فوق رأسها  فرآها، مشرقة كما لم يرها من قبل،ابتسامتها كأنها صباح ربيعي.

-شكرا ،رفع صوته،سعيد برؤيتك آنسة .

-تقصد السيد يوسف؟

-نعم عندي موعد معه.

-تفضل إذن لابد انه في انتظارك.

كانت تسمعهما،ولكنها شغلت نفسها ولم ترفع إليه بصرها .لاحظت عائشة أنه يركز على من كانت خلفها فمدت يدها تغلق الباب وهي تقول جملتها الأخيرة.

-شكرا ،معذرة.


استقبله يوسف مرحبا ،سأله عن صحته وسير العمل،أسئلة أجاب عليها باقتضاب لأنه يهفو الى الحديث عما يشغله فعلا

-جئتك عاتبا يا يوسف.

-عاتب علي انا ،ولماذا؟

-اخفيت عني أن كاميليا اختك .

ضحك يوسف ملء فمه

-هههههههه،لم تسألني يا صديقي.

-قدمتها لي على انها زوجتك.

-هل قلت زوجتي ؟ أبدا، قلت مدام المنصوري ،وهي فعلا كذلك.ليس ذنبي انك لم تكن تعرف اسم عائلتها.

خجل من الحقيقة ،فعلا ليس ذنب احد غيره.

-ولكنك أظهرت ...

-لم أظهر لك شيئا،معاملتي لأختي بالحب والاهتمام لا اخفيها ولن اخفيها.رأيتها بحضني نعم ،إذا لم يحتويها حضني ،ولم أشعرها بأهميتها عندي ،لمن أتركها ؟

مرة أخرى أفحمه، جدال مع شخص كيوسف ليس في صالحه.

-جئتك اليوم بصفتك اخوها،أرجو أن تساعدني لتعود إلي.

قام من مكانه ،ولف حول المكتب ليجلس أمامه.

-ولماذا أساعدك ؟ بعد إساءتك إليها هل أثق بك ؟

-لن أدافع عن نفسي،انا مذنب بحقها،أسأت لها بجحود، الندم نار تحرق قلبي ،اريد أن اعوضها ،أن ،أن....

-سيد مراد ،هل تحبها؟

-تعديت الحب ،هي بعيني كل النساء .

-هههههههه،منذ متى ؟ ثلاث سنوات معك ،ألم يتألم قلبك لحزنها مرة ،ألم تر بعين العاشق ذبولها،ألم تعصك يدك قبل أن تمدها عليها. وثلاث سنين بل اربع الآن ،هل بحثت عنها يوما؟ هل عرفت أين كانت وكيف تعيش ؟ كنت تعرف أباها المزعوم وجشعه ومعاملته لها ،هل سألت نفسك يوما إن كانت تحت رحمته؟

أطرق خجلا

-لما اختفت اقنعت نفسي أنه ربما باعها لثري آخر.

-برافو ! وارتاح ضميرك ،فتاة يبيعها والدها لمن يدفع ،وهل ارتاح قلبك ؟ ألم يعذبك سائلا عنها ؟

أسند ظهره على ظهر الكرسي، ووضع ساقا على ساق

-سيد مراد ،مارأيت منك دليلا واحدا على حبك المزعوم .

-وماذا كنت لأفعل وقد اختفت؟

-الأخ يرتبط بحب اخته لأنها كبرت معه ،وكاميليا لم تكن مختفية ،بل لم أكن أعلم أن لي اختا اصلا،بعد عودتي من فرنسا أخبرتني أمي انها سمعت ،أقول،سمعت،أن ابي انجب بنتا من زوجته الثانية ،لم أكذب ولم ارح ضميري بأنها ابنة الزوجة الثانية التي اخذت مني ابي،ولا أمي فعلت رغم غيرة النساء،أنشأت شركتي هنا املا أن أجدها،وخلال سنوات لم اتوقف عن البحث حتى عثرت عليها.وصبرت حتى تطمئن الي وانال ثقتها،واستعنت بغيري لاقدم لها البرهان الأكيد أنني اخوها .فقل لي ماذا فعل العاشق الذي من المفروض ألا يهنأ حتى يضم معشوقته. 

-غرقت في وحل الخمر والنساء حتى انساها،فما شربت إلا وذكرتها وذكرت حقارتي معها،وكل حضن أملت أن ينسيني احرقني فما استحل قلبي سواها.

ارجوك ،أملي أن تفهمني،انت رجل وتعرف معنى أن يعشق الرجل ،ولكن ظروف زواجنا كانت ضدها، حاربت حبي لها الذي نما بقلبي في غفلة مني،وما اعترفت به إلا بعد فوات الأوان،ما استطعت أن أعيش ببيتنا بعدها،حتى رأيتها مجددا ،فعدت كأنني بعودتي الى بيتنا أعود اليها،احرقتني الغيرة وانا أراها معك،وعذبني اليأس واستيقنت أن لا حياة لي دونها.ارجوك ساعدني ،وانا مستعد لأقدم كل الضمانات التي ترضيك.

-عن أي ضمانات تتحدث؟ انا لا أحتاج منك ضمانات ،احتاج صدقا استشعره، احتاج أن اطمئن عليها وهي معك ،كيف سأنظر بعينيها إذا عادت إليك واهنتها مرة اخرى؟

-مستحيل ،مستحيل أن أفعل وفي قربها حياتي،إذا كنت احلم أن تنسى الماضي وأعيش معها حياة اخرى كأننا ولدنا من جديد ،فقط اعطني فرصة .

-الفرصة ليست بيدي لاعطيهالك، الأمر بيد كاميليا،انا فقط أحذرك، لو حصل وعادت إليك ،إن أسأت إليها ولو بنظرة سافتح عليك أبواب الجحيم.

-انا بالجحيم في بعدها ،مد يده يمسك يد يوسف،ارجوك ساعدني لاخرج منه.

-وعد مني ألا أقول عنك لها ما يسيئك، أما الباقي فعليك وحدك ،انت من هدمت وانت من يجب أن يبني.

-وانا لا أريد أكثر من وعد أن تدعمني لو كلمتك عني.

-سأحاول . 


(هل يمكن أن أيام بؤسي الى زوال؟هل سأنعم أخيرا بالوصال؟هل سأنهل من نهر حبك دونا عن الرجال؟لو تعلمين حبيبتي انك للقلب آخر الآمال)

امل احياه قلبه ،فابتسمت عيناه قبل شفتيه،اراد أن يراها ،يجب أن يراها ،فتح باب مكتبها وقال بغباء

-اعتذر ،ظننته مكتب المهندسة عائشة.

-وعرفت الآن أنه ليس هو ،تفضل وأغلق الباب.

دخل وأغلق الباب

-ربما لم تفهم ،يبدو أن نسبة الغباء مرتفعة لديك اليوم ،انا قصدت اخرج وأغلق الباب ،ثم هناك كاتبة يجب أن تستأذنها قبل أن تدخل.

-ليست هنا ،يجب أن تعاقبيها لأنها تركت مكانها دون أن تخبرك.

قامت وتوجهت نحو الباب تفتحه 

-تفضل سيد فايز .

-هل يمكنني أن اهنئك؟

-علامَ؟

-انك تخلصت من أخ مزيف لتجدي أخا حقيقيا

-شكرا ،فعلا تخلصت من أشخاص مزيفين رحلوا مع زيفهم وبؤسهم وعوضني الله احسن مما حلمت.

فهم انها تقصده أكثر من غيره،ولكنه قرر أن يتحمل منها كل شيء في سبيل أن تراه مراد آخر غير الذي عرفت. 


-جدي ،اريد أن اتزوج أمنية.

-مرة أخرى يخيب ظني بك عامر.

-والله ياجدي لا أريد غيرها،اشترط علي ما تشاء ،فقط اِقبل وانا مستعد لأي شيء 

-أمنية لها اب وام ،لن أقول لك اخطبها منهما ،لأنني اعرف أمنية ،فرضنا عليها الزواج مرة ،ولن تذعن لنا مرة أخرى، وعدتها وعد رجل أن تبدأ معها صفحة جديدة كاخ لها 

-لم أكن أعلم عن جاد ،ابني.

-وجود جاد لن يغير شيئا من نظرتها إليك ،لا تنس انها إلى أمس قريب ماكانت تطيقك ،ولا تحلم أن تقبل بك لأجل جاد .تزوج يا عامر ،انا مستعد أن اساعدك ،سأخطب لك ابنة صديق لي،وعش معنا هنا.

-شكرا يا جدي ،أفضل ألا أفعل.

خرج نحو الحقول يحمل هزيمته، نعم ،احس بشعور غريب نحوها فور أن طلقها ،عاش يقارن ابنة خاله بها ،أحس أنه استبدل الذهب بالنحاس،ولكن مكر الليل والنهار ،وسموم تنفث بأذنيه كل يوم جعلته يضعها في خانة الأعداء، ويخرس كل صوت ينبئه انها غالية فلا يسترخصها. 

هل يكلمها هي وجها لوجه ،سيفقد ثقتها مرة أخرى، ستظن أنه لا يستقر على رأي ولا يثبت على عهد .

هل يجعل جاد ذريعة لترجع إليه؟لن تقبل ،جده قال له انها لن تعود إليه من أجل جاد ،ولكنه لايريدها من أجل جاد ،ولم تريدها إذن؟

يا للحيرة، لابد ان هكذا يكون إحساس من أفاق من غيبوبة دامت سنينا. 

هل أفقت يا عامر حقا ؟ ماذا لو عادت أمك؟ لا يمكن ،لايمكن أن أثق بها مجددا بعد أن عرفت حقيقتها. 


كانت تجلس أمامه بالمطعم الذي اختاره لوجبة الغذاء ،اول مرة تكون معه ولا ثالث لهما،تفرك يديها بتوتر .

-الآنسة المهندسة ،ماذا اخترت ؟

-أريد أن أعرف لو سمحت ،هل هذا غذاء عمل؟

بابتسامة جانبية خبيثة اجابها

-ولماذا تسألين؟

-بعد الآنسة المهندسة ،الظاهر أننا سنناقش صفقة جديدة او تقريرا حول السير في مشروع نعمل عليه.

-الاثنان،صفقة جديدة ،ومشروع مهم.اما عن الآنسة المهندسة فأنا ارد لك احترامك الزائد وانت تناديني دكتور او سيد.

تأخرت عن الطاولة ،وربعت ساعديها على صدرها بوضع الدفاع

-قل ماعندك.

ابتسم ،تعجبه لعبة الكر والفر مع حبيبته

-حسن ،سأذكرك لأنك نسيت لا محالة ،قبل امس كانت خطوبتنا،وإذا لم تصدقي انظري الى الخاتم بيدك ،وهذا خاتمي ،رأيت .

-أما بعد....

-أما بعد ،فأنا لي حقوق عليك كما علي واجبات ،وأول حق هو أن أسمع اسمي من بين شفتيك دون ألقاب .

-حسن ،يوسف ،يوسف .

-نعم يا قلب يوسف .

-يوسف ،تكلم ،ماهي الصفقة واي مشروع 

-صفقة عمرنا ،ومشروع زواجنا ،أهم ما في حياتي .

سرت دماء الخجل بوجنتيها فزادتها جمالا 

-ارجوك ،انا ،انا .

-أعلم ،كلامي جديد عليك ،ولكن من الآن فصاعدا تعودي أن تسمعيه ،انا لا أكذب ولا اراوغ، انا احبك ،واملي أن تبادليني حبا بحب .هل بحياتك غيري؟

-لا ،ابدأ ابدا.

-إذن لن يطول صبري ،وحتى لو كان ،بمجرد انك قبلت أن تكوني خطيبتي لايحق لك التفكير بغيري،ولو شغلت عقلك بي وحدي ،ستجدينني تسللت الى قلبك ،فماذا قلت؟

-اطمئن ،لا أحب الخيانة وليست من طبعي ،أمهلني بضعة أشهر لأعتاد عليك وقرر.

-وانا اتحدى نفسي ،لو مرت ثلاثة أشهر ولم تحبيني سأحلك من خطوبتنا. 

ابتسمت لثقته بنفسه ،وتمنت ألا يخيب ظنه.

ارادها ان تحس انها منه ،فكلمها عن زيارة مراد.

-مراد فايز جاء اليوم عندي.

-رأيته ،كنت اخرج من مكتب كامي حين دخل.

-يريد أن أساعده ليستعيد كاميليا

-ماذا؟ قل انك لم توافق.

-الرجل كاد يبكي بين يدي ،اضطررت أن اعده ألا اكون ضده.

-انت لا تعرف ما فعل بكامي.لقد دمرها حرفيا.

-وبنفس الوقت دمر نفسه،أعرف مراد منذ زمن ،لو لم يخف زواجه من كامي ،لكنت عرفتها قبل أن يطلقها،ربما وجودي كان سيغير اشياء كثيرة،بعد أن صارحني بحبه لها وندمه على حقارته معها ،وهذا تعبيره هو،سمحت له أن يحاول التقرب إليها،إن سامحته،فشرطي الوحيد أن يعوضها عما فعله بها ،ولو أساء لها والله سأكون سبب دماره هو وعائلته.

-لا أظن كامي ستسامحه،ليس له ذكرى جميلة تشفع له ،حتى حبها له لم يكن يصدقه،حتى انها هي أيضا كفرت به،مسكينة يا كامي.

     

              الفصل الثالث والعشرون من هنا

                لقراءة باقي الفصول من هنا 


تعليقات