رواية انسحاب الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الخامس والعشرون 25

بقلم حكاوي مسائية


جد آخر قصد حفيدته صباحا ،الحكاية تشعبت وقد تأخذ منحى يحيي الجراح ،كانت تستعد للذهاب إلى مكتبها لما سمعت الخادمة الصالحة ترحب بأحد

-اهلا وسهلا سيدي ،نهار مبارك ومسعود هذا.

-الله يبارك فيك ،أين أمنية؟ 

أجابه الصوت المحبب إلى قلبه.

-جدي ،جئت  لتأخذني لالعب مع كريم.

-هههههه،كريم مشغول في المدرسة .

جاءت مبتسمة 

-والله تتعبونه بالرحلة من وإلى المدرسة ،دعوه يعيش هنا معي ام انكم لا تثقون بي؟

-اقنعي امك بهذا.

-قد أنجح امام محكمة لاهاي الدولية قبل أن أقنع أمي أن تفارق كريم ،هههههههه.

-هل تذهبين الى المحكمة؟

-لا ،ليس لي مرافعات اليوم ،سأذهب إلى المكتب لأدرس بعض القضايا واكتب عنها مذكرات. 

-تعالي أولا لأحدثك. 

جلس على الاريكة وأمر المربية أن تأخذ جاد 

-الا يذهب إلى الروضة ؟

-حسب رغبته ،لا أجبره، ومربيته متخصصة رياض أطفال،تقوم بالواجب.

-حسن ،ولكنني افضل أن يلتزم بالروضة، هناك يلعب ويحتك بأطفال مثله ،يتعلم منهم ومعهم.

-حاضر ،ولكن لا أظنك جئت من أجل هذا.

-عامر ،يريدك ان ترجعي إليه،من ناحيتي، رفضت ،كما رفض أبوك ،أما امك فاشترطت أن تقتنعي انت وإلا فلا رجوع.

-سيجعلني أندم أن أخبرته عن جاد .

-لاحظت أن جاد تعلق به كثيرا،والظاهر أن عامر أيضا مجنون به،رغم أنه فقد ثقتنا به ،وأصبحنا نشك في كل تصرفاته.

-ما كنت أريد أن أخبرك حتى أقرر ،ولكن بما أن عامر يخطبني مجددا ،فأنا أخبرك أن شابا تقدم لي ،ولكنني لم اجبه بعد .

-من يكون ؟ هل نعرفه؟ 

-مجدي الهواري،مالك لعدة مطاعم مصنفة بالمدينة،وصديق مراد طليق كاميليا.

-مممم،وهل تثقين بصديق لرجل أساء لزوجته ثم طلقها.

-الغريب انه ليس مثله ،كما أن مراد تغير كثيرا ،ربما تأثرت بصحبته، ولكن الإشكال ليس فيه كشخص ،بل في ظروفه.

-إياك أن تقولي انه يريدك زوجة ثانية !

-أبدا، هناالعقدة ،لم يسبق له الزواج ،وانا متأكدة أن أباه لو رضي ،فمستحيل أن ترضى أمه، تعرف عما اتحدث،ثم جاد ،لو أزيلت كل العقبات ،يبقى رد فعل جاد ،هلى سيقبله،هل سيفضل أن يكون مع أبيه.

-لنفترض انك تزوجته،وعاش جاد معكما،هل فكرت في أن نفسه ستُشطَر نصفين، واحد معك والآخر مع أبيه،وهو الذي لا يعرف عن انفصالكما ويظن انه كان مسافرا وعاد .ثم بعد أن تنجبي له ،ماذا سيكون وضع جاد؟ فكري جيدا في ظروفك انت ،لا ترهني موافقتك بظروفه هو.

بعد أن غادر جدها ،اخذت سيارتها متوجهة إلى المكتب ،وصلت ومازالت الأفكار تتصادم برأسها كأمواج بحر هائج:

(كيف سيعامل جاد ،لو زرنا أمه كيف ستستقبل جاد ،هل ستسمح له أن يناديها حنة ،ولو فعلت ،بعد أن يصبح لها احفادها الحقيقيون، هل ستغير معاملتها لجاد ،مالي أفكر فيها وحدها كأنني ضمنت حب مجدي لابني، وجاد هل سيرضى أن يبتعد عن أبيه بعد أن عاد إليه،هل يحق لي أن أفكر في نفسي واغفل عن سعادة ابني،كيف سينمو سويا سليم النفس وانا أضعه بين اب وزوج ام ،يكون له إخوة من أبيه وآخرين من أمه وهو بينهم تتقاذفه مشاعره.لا،لا، الأفضل أن أرفض ،مجدي متحمس وراء عاطفة قد تخبو امام اختبار الحياة ،ابني أقرب، ولو عشت له وحده يكفيني وجوده.)

رأى جده يغادر مع السائق ،وعرف انه ذاهب إلى أمنية ،ذهب الى حيث العمال يقطفون محصول البرتقال،توجه نحو الشاب المكلف بمراقبة عدد الصناديق المحملة.

-سجلت كل الاعداد بالشاحنات السابقة ؟

-نعم ،لا يختلف العدد كثيرا.

-كم شاحنة غادرت اليوم ؟

-إلى الآن ثلات شاحنات ،والرابعة هذه التي على وشك الامتلاء. 

-مازال على الظهر ساعة ،أوقف القطف الآن واستمر غدا باكرا قبل ات تحمى شمس الظهيرة .

تجاوز المكان إلى آخر خال ليبقى مع نفسه ،شغله الشاغل كيف يقنع أمنية انه فعلا أحبها ولا يريد من الدنيا سواها وابنهما جاد.

-أضررت بي يا أمي سامحك الله،ماذا لو تركتني أعيش بسلام ؟ حرمتني أن اكمل دراستي لتجعليني عينا لك على كل شيء ،وقيدتني بسلاسل طمعك إلى أرض ليست لي ،أضعتني يا أمي، أضعت عمري.

خرج الجد ليتوجه نحو محاميه الخاص،ثم عاد قافلا نحو بيته. 


دخل فايز الى المستشفى وتوجه نحو مكتب وسام يدفع الباب بغضب

-كيف يكون ابني مريضا الى حد ضرورة إجراء جراحة ولا تخبرني؟

-وعليكم السلام سيد فايز .

أجاب وسام بهدوء.

وسااام، انا اعتبرك ابني تماما كمراد ،تخفي عني مرض ابني ،واسمعها من مدام سميرة الكاتبة ،هل يعقل هذا ؟

-مراد جاء مغشيا عليه يوم الحفل وقد كنت حاضرا.

-نعم ،ولكنني ظننتها نوبة عادية وسيخرج مثل كل مرة .

-ولم تكلف نفسك بالسؤال عنه اليوم التالي ،رغم أنه كان يوم الأحد ،عطلة ،وسارة رأته ضعيفا غائبا عن الوعي ولم تعد هي الأخرى، إذا كنتم لا تهتمون هل اجبركم انا؟

-وساام، احترم نفسك،لن تهتم لصحة ابني أكثر مني.

-بلى ،انا اهتم أكثر منك ،ولولا أنني أقنعت مدام كاميليا،والتزمت بدورها لكنا الآن نحاول إقناع مراد بالجراحة، وتفاقم مرضه الذي هو أصلا خطير.

-ماذا ،هل ازدادت حدة القرحة عنده؟

-بل أصبحت ورما خبيثا، اضطررنا لاستئصاله مع جزء ليس بالهين من المعدة.

أمسك رأسه وتهاوى على الكرسي.

خرج من وراء مكتبه ليقف أمامه

-مدام كاميليا واخوها لم يتركاه،واترقب وصولهما الآن .

هب واقفا

-جهز مايلزم ،وانا سأذهب لأعد لسفرنا إلى فرنسا،سآخذه إلى أكبر المستشفيات هناك.

-اهدأ سيد فايز ،هنا أو هناك سيان،بل انه سيجد هنا عناية اكبر،الجراحة تمت بنجاح ،وتبقى حصص العلاج الكيماوي،مايحتاجه مراد الآن هو الدعم النفسي،مراد يريد كاميليا ،ساعده لتعود إليه، انا فعلت كل ما اقدر عليه،اقنعت أخاها،ولكنك تعلم ما كان منه بحقها،هي وحدها من يجب إقناعها،العامل النفسي مهم في الحرب ضد السرطان ،ونفسية مراد في الحضيض،يلوم نفسه على مافعل بها، ندمه لأنه فرط فيها واكتشاف انه أحبها رغم إنكاره وجحوده،سبب توتره وحزنه الدائمين  ،انا لا استبعد أن المعركة التي كانت دائرة بين قلبه العاشق وعقله الرافض لها والذي جعله يسيء لها ليؤكد لنفسه انه يكرهها،بسبب هذه المعركة التي ادخلته في توتر دائم ،وثمالة لا يكاد يصحو منها كل هذا أدى إلى إصابته بقرحة المعدة ،ورغم مرضه لم يراع حالته ،ولم يهتم بنفسه ،مما أدى إلى التهاب مزمن لقرحة معدته الذي تطور إلى ورم خبيث.

-لا أتدخل في حياته،شاب تعدى الثلاثين ،هل اوجهه في حياته الخاصة .

-سيد فايز ،مهما كبرنا ،يبقى توجيه الأب كما حنان الأم ضروريان بحياتنا،تجربتك في الحياة تجعلك خير مصدر لتنصحه وتلومه وتقوِّم سلوكه،انت ابتعدت عنه كأب ،واحتفظت بعلاقة الشراكة بينكما،لم تسأل نفسك لِمَ لم يتزوج من لينا رغم أنه طلق كاميليا ،ولم تبحث عن سبب عودته ليعيش بالبيت الذي عاش فيه معها وهجره بعدها مدة فاقت الثلاث سنوات.

-ظننته احب أن يستقل ببيته وحياته.

-يستقل ببيته وحياته ،وهو يحتاج عناية وحمية معينة ،هل كنت تعلم أن مجدي من يعد له طعامه، أين انت بل أين أمه واخته ؟!

كأن وسام عراه امام مرآة ،اعترف لنفسه أن هذا الشاب الذي بعمر ولده،على حق وهو على باطل،تلهى عن ابنه المريض بعمله ونسي انه إن فقد ابنه فلا قيمة لشركة او ثروة بعده.

أخرجه من شروده طرق خفيف على الباب،قبل أن يدخل يوسف مع رجل آخر فاق السبعين ،هيئته وملامحه تخفي سنه الحقيقي،وهيبته ملأت المكان بمجرد دخوله.

-السلام عليكم ،اهلا سيد فايز .

-مرحبا بني .

-اهلا بك سيد يوسف 

-أقدم لكما جدي ،

المنصوري الكبير 

-تشرفنا سيدي تفضل ،انا الدكتور وسام ،يشرفني كوني صديقا ليوسف.

-وانا احمد فايز ،تشرفت بلقاءك سيد المنصوري .

-الشرف لنا ،اهلا ،اهلا.

-كيف أصبح مراد اليوم؟

-رأيته قبل قليل،افاق ومؤشراته تنبئ انه بخير ،أمرت أن ينقل إلى غرفته.

اعتذر فايز ليذهب إلى ابنه.

-استأذنكم ،سأذهب لأرى ابني .

همس له وسام قرب الباب

-لاتنس انه يظن أن كاميليا لا تعرف برضه.

-مفهوم مفهوم.

التقطت أذن الحاج المنصوري همسهما ،فخمن السبب.

-اهلا بالحاج المنصوري،زارتنا البركة بقدومك .

-الله يبارك فيك يا ولدي.

-كما أخبرتك، استشرت جدي ،وهو جاء بنفسه ليسمع منك ويقابل مراد قبل أن يقرر.

أعاد عليه وسام ماكان من أمر مراد ومرضه الذي تطور شيئا فشيئا ،وكيف انه قبل أيام كان متحمسا ومستعدا لأي شيء حتى تعود إليه كاميليا،ومصرا أن يجعلها تسامحه مهما كلفه ذلك من وقت او مجهود .

-دعنا نزوره يا يوسف ،عيادة المريض واجبة .

وقف ليفعل الآخران مثله  يتوجهون نحو غرفة مراد.

نظام المستشفى ،رواق عريض على جانبيه صفان من الغرف ،بكل صف عشرة، مكون من ثلاثة طوابق متشابهة ،فوق طابق ارضي للاستقبال والفحص ،و آخر تحت ارضي حيث العمليات والعناية المركزة .

يفتح باب الغرفة على ممر به الحمام الخاص بها ،تخطو للداخل قبل أن يظهر عن يمينك او عن يسارك سرير واحد في بعض الغرف ،وسريرين في الأخرى،مجهزة بمكيف وتلفاز، صف تفتح نوافذه على الحديقة الامامية وموقف السيارات الخاصة بالأطباء العاملين ،والصف الثاني تفتح نوافذه على حديقة خلفية واسعة في آخرها مبنى إدارة المشفى من جهة ،ومن جهة مبنى المطبخ ،و مبنى الغسيل.

غرفة مراد والتي اعتاد عليها منذ نوبته الأولى ،كانت تطل على الحديقة الامامية ،كان الباب مفتوحا قليلا ،خطا الحاج إلى الممر فسمع مراد

-بعد أن اتعافى من العملية ،سنذهب لنخطب كاميليا من أهلها، ستذهب معي انت وامي وسارة .

-حاضر يا ولدي ،تعافى انت والباقي علي .

-سأقيم لها عرسا يليق بها وبحبي لها .

حمحم الحاج قبل أن يخطو خطوته الثانية يتبعه يوسف ثم وسام.

انتبه مراد ،عرف للتو أن الرجل المهاب ،ليس إلا جد يوسف وكاميليا ،حاول أن يرفع جذعه عن الفراش ،ولكن وسام أسرع يثبت كتفه

-لا تتحرك ،قد تؤذي نفسك.

- الحمد لله على سلامتك بني .

-هذا جد يوسف الحاج المنصوري .

أخبره والده.

-عرفتك اول ما رأيتك ،اهلا بك سيدي .

-كيف حالك الآن ؟

-الحمد لله ،أفضل بكثير .

-بفضل الله بني ،بفضل الله.

هاه ،نتركك لتستريح.

-سيدي الحاج ،هل يمكن أن أكلمك بما انك هنا؟

أشار الحاج لهم بالخروج ،مرة أخرى حاول مراد أن يعتدل ولكن الحاج وضع يده عليه يمنعه.

-لابأس ابق كما أنت حتى لا يفتح الجرح.انا اسمعك.

-لا أدري من أين أبدأ .

-اهدأ وأبدأ من حيث شئت،دع الكلام يخرج دون أن تفكر او تختار كلماتك هذا أفضل وأسهل.

-انا اعتذر منك ،لقد أسأت إلى كاميليا بنذالة ،مهما قلت لن يتخيل عقل رجل مثلك مدى إساءتي إليها ،انا اعترف ،بقدر ما كانت طيبة خلوقه كنت خسيسا ودنيئا،ولكن سيدي ،عاقبت نفسي كثيرا ،وابتلاني الله بحبها الذي لم افطن له إلا بعد غيابها ،لأٌجلَد بسياط الندم والشوق،قلبي يقول لي حاول بكل جهدك وستغفر لك بقلبها الطيب ،وعقلي يقول لي مهما فعلت جرحك بقلبها لن يسامحك.

كان مطرقا ينصت إليه ،اختار أن يستشفَّ صدقه في صوته قبل عينيه.

التفت الى زائره وقد اغرقت الدموع وجنتيه.

-يجب أن اعتذر لك أيضا سيدي،لقد أسأت لجزء منك ،عذري لك أنني ماكنت اعرف انها منك،ألقاها أمامي خسيس ادعى أنه أبوها ،عذري أن من رخُصت بعين أبيها واخيها لن تغلوَ بعيني،ولكنه عذر واه لا قيمة له بعرف الرجال ،أعلم، ليس من الرجولة ولا المروءة أن استقوي على أنثى فكيف وهي زوجتي ،لقد أسأت لنفسي يوم أسأت لها ،وكم احتقر ذاك الشخص الذي كنته معها.

أخيرا رفع بصره ينظر إليه 

-إنني فعلا طماع وغبي ،إذا كنت كلما ذكرت ما فعلته بها لا اسامح نفسي ،فكيف ستسامحني هي ،او كيف ستغفر لي انت سيدي .

ربت على يده وقال

-فكر الآن في صحتك فقط ،لا تشغل بالك إلا بشيء واحد ،هو أن تتعافى بسرعة ،ثم نتكلم .

خرج مع حفيده يتوجهان إلى البيت ،كان صامتا ينظر إلى الطريق التي تطويها سيارة يوسف 

(-ماهذا العاشق الذي انتبه لعشقه بعد فوات الأوان؟غبي من بين أغبياء لا يحسون بالنعمة إلا بعد زوالها، إذا كان لا يسامح نفسه وهو الظالم المذنب فهل ستسامحه هي المظلومة الجريحة؟لو كنت سليما لأبرحتك ضربا حتى اشفي غليلي منك ،ولكني سأبحث عن الخسيس الذي ألقاها تحت قدميك وانتقم لحفيدتي منه)

-جدي ،تفضل لقد وصلنا.

دخلا بهو الفيلا ،وجدا العم جالسا وحده

-أين كاميليا ؟

-تستريح بغرفتها ،او هكذا قالت.

-لماذا؟ ما الذي حدث؟

-كلمتها كما اتفقنا ،الصغيرة تحبه رغم أنها تنكر ،حسب ما فهمته منها ،لقد تعذبت كثيرا بسببه ،تقول انها لايمكن أن تغفر له ،مهما جادلتها تبقى مصرة أنها لايمكن أن تنسى وتسامح.لم تكف دموعها طالما تحدثت،حكت لي الكثير ،ولكنها تخفي الكثير،حجم غضبها منه كبير جدا أخفى تحته حبها له.

أخيرا  امرتها أن تستريح بغرفتها وتنام قليلا ،رغم أنني متأكد أنها ماتزال تبكي إلى الآن.

-أذهب إليها يا يوسف ،كلمها وأرح قلبها.

بقي مع أخيه الذي سأله

-هل كلمته؟

-كلمته،كل العذاب الذي أذاقها في قربه ،ذاقه في بعدها ،ربك العدل،الأسى بنفسها بقلبه الآن ،الذل الذي جرعها إياه مستعد له في سبيل أن تكون له ،الجرح بقلبها استوطن جسده ،لو رأيته وسمعته لأشفقت عليه من عذاب العشق والمرض.

-هل تظنه صادق الندم والتوبة 

-سمعت الصدق بصوته ورأيته بعينيه تشهد عليه دموعه ،ودموع الرجال عصية، ولكن الزمام بيدها هي ،إذا كان كما قال ،لا يسامح نفسه لأنه أهان رجولته ومروءته وهو يسيء إلى فتاة استرخصها من ظنه والدها.

-كل الذنب على من باعها له كأنها جارية .

-ليس عليه وحده ،لو غلبت حمية الشهامة بنفسه لعاملها بإحسان او طلقها بمعروف.

-لا تنس انه كان سكيرا، وضمير السكران ميت .

-عن ما مضى لا عذر له مهما اختلقت له اعذارا،أما عن اليوم ،فصحته النفسية مرهونة بموقف ابنتنا، وتمام شفاءه مرهون بصحته النفسية وإقباله على الحياة .

-هل تشفق عليه اخي؟

-نعم ،ذكرني بولدي ،نفس مرضه ،كأنها مرض العشاق المعذبين،تمنيت لو أنني صالحته وذهبت إليه ،وضممته إلينا مع من اختارها قلبه.

-المرض ابتلاء ،والأجل لا يتقدم ساعة ولا يتأخر ،لا تلم نفسك أخي.

-أخشى عليها أن تلوم نفسها بعده.

-سأكلمها مرة أخرى، قال يوسف انه يأمل أن يعقد عليها ،ينأى بنفسه أن يلمس يدها في الحرام.

-طماع فعلا كما وصف نفسه.فليقنع أن تتظاهر انها سامحته كما فعلت ،وتعوده مرة مرة.

ابتسم له اخوه

-صفة العاشقين الطمع.هههه. 


كانت مستلقية تعيد شريط أيام عذابها، عندما احست بيده على كتفها 

-مابها حبيبتي؟

-عاد ليعذبني من جديد .

-لا عاش من يسيل دمعة من عينيك حبيبتي،لو في البعد راحتك ،سافري اليوم ،لو سأل أخبره انك تتابعين الأشغال في المشروع.

-ليس وقد ظهر ،وسام شرح لي حالته ،رهن قبوله العلاج بوجودي  بجانبه، إنه يبتز ضميري .

-لا اختي لا تظلميه!هو يظن انك لا تعلمين حقيقة مرضه ،لو عرف انك تعلمين سيظن انك تشفقين عليه وهو لا يريد شفقتك. 

-وانا فعلا أشفق عليه ،ماذا يظن أنني ساحبه مجددا ،بعد كل ما فعله بي،إنه يحلم.

-يعرف ان حبه بقلبك مات ،قتله بيده ،ولكنه يأمل أن يستعيده،لولا أن المرض داهمه ،لقد كان يخطط أن يخطو نحوك بكل وسائل المحبين ،باقات ثم هدايا ،فدعوات، قبل أن يخطبك مني لتعيشي معه رومانسية أيام الخطوبة.

-هه،ذهب بعيدا ،وانا ارمي باقاته في المهملات.

ضحك يوسف يشاكسها لتضحك

-لا ،لقد احرق المراحل يوم الحفل وهو يقسم انه سيحرق حضنه لأنه كان لك شائكا.

عادت لها صورته وهو يضع يده على صدره مجيبا وسام :(هنا،هنا يحترق)

-المسكين ،كأنما استجيب دعاءه، ماكاد ينهي كلامه حتى سقط يحترق صدره.

-نعم ،قرأت أن ألم السرطان كأنه نار مشتعلة، والأشد منه نار العلاج الكيميائي التي تسري بالعروق.

-عافانا الله وأشفى كل مريض.

كاميليا حبيبتي، لقد كلمه جدي ،لم احضر حديثهما، ولكن جدك خرج متأثرا ولم يتكلم طيلة الطريق،سأخبرك حتى تكوني على بينة من الأمر ،مراد يريدك أن تعودي إليه ،أظنك فكرت أن تخدعيه وتتظاهري حتى يتعالج ،ولكنه طلب أن يعقد عليك ،حاول وسام أن يثنيه عن فكرته متعللا انه مريض وعليه الانتظار حتى يقف قويا كما كان ،ولكن حجة مراد غلبت ،يريدك زوجته حتى يمسك يدك او يتكئ على كتفك ،او يستعين بك ليقف ،يعني انه يرفض أن يلمسك ويغضب ربه.

حسب ما حكى لي وسام ،إنه التزم بدينه مرضاة لله حتى يرضى عنه ويرضيه بك.

كانت نظراتها بين متعجبة ومتفاجئة بل ومكذبة. 

-مراد ؟! مراد التزم مرضاة لله؟!

هز رأسه 

-حالتان هو من سيرفض قربك فيهما،أن تكوني عالمة بحقيقة مرضه وتشفقين عليه ،او أن لا تكوني زوجته حلاله. 

عقدت الدهشة لسانها

-اتركك لترتاحي ،خذي حماما دافئا ونامي ،عقل مستريح يفكر احسن .

قبل رأسها وخرج ليتركها في حيرتها.


            الفصل السادس والعشرون من هنا 

                 لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات