رواية انسحاب الفصل الثالث 3بقلم حكاوي مسائية

 


رواية انسحاب 

الفصل الثالث3

بقلم حكاوي مسائية

 

بعد أسبوع آخر دون رد ،اتصلت عائشة بحماي ،وقابلته مرة أخرى بمكتبه 

-سيد فايز ،جئت لأسمع ردا عن طلب صديقتي كاميليا .

دخل كالإعصار .

-وأين هي صديقتك ،زوجتي المصون ،سأرفع عليها دعوى واطلبها في بيت الطاعة .

-وعليكم السلام سيد مراد فايز ،اِفعل والخاسر انت،على الأقل ستستفيد كاميليا بإعلان زواجكما، وخاطر انت بتوابع الخبر .

غمزت بعينها ليعلم ما تقصد .

-لايهمني .

-ربما ،وربما ستستفيد حبيبتك لينا أيضا ،إذ ستتزوجها مجبرا لنفس سبب زواجك الأول ،مداراة الفضيحة. 

-الفضيحة التي سعت صديقتك "الخلوقة "الى أفتعالها.

حرك أصابع يديه دالة على الاستهزاء بكلمة الخلوقة .ابتسمت عائشة بهدوء

-وهي اليوم تحررك من "سجنها".وقامت بنفس الحركة .

-سجنها!لا تتوهمي عزيزتي .

-انا لا توهم ،انا أعلم أنك تعيش حياتك دون رادع أخلاقي ولا ديني .

-لو لم تكوني فتاة لعرفت كيف أرد عليك .

-أعلم عن عنفك دكتور مهندس مراد فايز ،أعلمه جيدا .

امتقع لونه ،هل يمكن أن تكون قد حكت لها عن عنفه معها؟!

ضرب ابوه على مكتبه 

-كفاكما، ألا احترام لوجودي.

-سيد فايز ،لقد أديت وأبلغتك الرسالة ،ننتظر جوابك .

-سيطلق ،بلغي كاميليا أن تحدد موعدا مع محاميها. 

نظر الى أبيه غاضبا بينما أسرعت عائشة مغادرة بهذا الوعد قبل أن يتغير.

-أبي ،كيف تقرر عني ،زوجتني بها غصبا ،واليوم تجعلني أذعن مرة أخرى لرغبتها بالانفصال.

-ولماذا تستمر في زواج فاشل ،لا تريد منها أولادا ،ولا تعترف بها زوجة ،اتركها ،لعلها تجد رجلا يريدها فعلا.

أحس بغزة بقلبه لم يعرف سببها ،ولكنه يعلم أنه يرفض أن تكون لغيره. 

-هي تتزوج؟! ،تلك؟!! ومن سيقبل مثلها ؟

-ولم لا ،ماذا ينقصها ،لقد رأينا كلنا جمالها ليلة العشاء لما طلبت الطلاق وتنازلت عن مستحقاتها. 

تذكر صورتها لما التفتت لتقول جملتها الأخيرة وهي تصعد السلم 

(-اعتبروه العشاء الأخير)

تذكر شعرها الغجري كالح السواد الذي يصل إلى  فخضها ،تذكر جيدها المرمري ،الفتحة على الفستان الجريء، على غير عادتها،التي أظهرت اعلى صدرها السخي وجزءا من ظهرها البهي،كانت كاملة لولا انها هي، كاميليا.

-دعها تذهب ،مراد ،وهاهي لا تطالب بشيء،تزوج من تريد ،لن أتدخل في اختيارك ،شرطي الوحيد ،إن كانت لينا ،ألا تتدخل في شغلنا ،ولا تدخل الشركة مادمت على رأسها ،بعدي ،أفعل ماشئت.

ماذا؟!أبوه الذي طالما عارض علاقته بلينا يسمح له بالزواج بها ،؟لماذا ؟ هل لتطليقه كاميليا علاقة بهذه الموافقة المفاجئة؟

يعلم أن أباه هو الوحيد من أسرته الصغيرة الذي تقبل كاميليا ،بل وأصبح مقربا لها ،ولعل سرها معه.

-هل تعرف عنها ما لا أعرف؟

-من؟ لينا ؟ حياتها مَشاع كما تعلم. 

-أقصد الأخرى .

-كاميليا ،اسمها كاميليا، وتحب كامي أكثر ،نعم أعرف عنها مالا تعرف ،ولكن ليس كافيا ،أشياء لم أنتبه لها ،ولكن أحدهم نبهني لها وأنوي أن أعرفها ،وأعرف طيبتها ،التزامها ،وحبها لك.

-التزامها وحبها لي !عم تتحدث وانت رأيتها بفراشي دون زواج.وأي حب ،هي أحبت المال والرخاء ،أحبت الحياة التي اوفرها لها.

-عن أي حياة تتحدث إذا كنت تعيشها مع غيرها ،لينا ،أم نسيت ،لو أحبت المال لما تنازلت عن مستحقاتها ،لو أحبت الشهرة ،خبر من مجهول مع وثيقة الزواج وهاهي عرفت كزوجة الدكتور في الهندسة رجل الأعمال الناجح مراد فايز ،ولو أحبت الحياة معك لما هجرَتها وتطلب الخلاص منها.

صفعة ،صفعة تلقاها بعنف على جدار كبرياءه بلسان أبيه. 

كعادته خرج غاضبا ،بينما جلس أبوه متأففا. 


نقلت لي عائشة لقاءها بمراد وأبيه  بتفاصيله 

-سأتصل به لأحدد موعدا ،نتفق على كل شيء ،ونقدم الطلب لقاضي الأسرة قبل أن تظهري في الصورة .

-وانا أثق فيك أمنية ،المهم هو أن تسرعي الإجراءات ،أريد أن أنفض عني غبار الماضي وأمضي قدما.

-ستفعلين ،المهم هو أن تكوني قوية .ألا تحسي بشوق او فقد .

-ليس كفقد طفلي .

وضعت يدي على بطني وانا أستعيد كلامه وقسوته.

-مات كل شيء جميل يوم مات طفلي.

نظرت إلي أمنية بحزن .

-أنا أكثر من يحس بك ويفهمك .

ضمتني مواسية ،نظرت إليها بعيني ألف سؤال.

-بعد أن ترتاحي وتحصلين على طلاقك، سأحكي لك .

عائشة وأمنية ،عوض من الله وسند حتى لا أقع ،بعد أن أضعفتني وفاة أمي ،وقصم ابي وأخي ظهري ،أجهز عليًّ حبي الوحيد ،مراد.

ولكن وجود عائشة وأمنية ضمد الجرح ،الحمد لله.

صباح اليوم التالي ،اتصلت أمنية بالسيد فايز .

-السلام عليكم ،سيد فايز .

-وعليكم السلام سيدتي.

-معك المحامية أمنية اليوسفي ،عن السيدة كاميليا كنة حضرتك .

-نعم نعم ،اهلا سيدتي ،كيف اخدمك ؟

-لو ابن حضرتك وافق على التطليق يمكننا أن نلتقي أمام السيد قاضي الأسرة بعد غد ،نأخذ الموافقة على التطليق لنتمم الإجراءات مع العدل.

-وهل سيوافق من أول جلسة ؟

-أترك الأمر علي ،ما عليك سيدي سوى ضمان موافقة ابنك السيد مراد .

-اطمئني سيدتي ،وسأكون حاضرا .

-ضروري ،فالقاضي يطلب حكما من أهله وحكما من أهلها ،ضمن الإجراءات ،وقد يسألك بعض الأسئلة ،أخبرك لتكون على علم .

-أعلم ،أعلم ،ولكنني كنت أظن أن حضور الحكمين لأجل محاولة الصلح .

-هو كذلك ،غير أننا سنتجاوز جلستين بعد أن أوضح الحالة للسيد القاضي ،كما سيُظهِر الطرفان اتفاقهما على الانفصال.

-مفهوم ،نلتقي إذن بعد غد .

مصداقية المحامية أمنية وسمعتها الجيدة جعلت القاضي يستقبلها بمكتبه ويستمع الى توضيحاتها لقضية الطلاق بالاتفاق،و تحديد موعد الجلسة كما طلبت منه .

جاءتني مساء تحمل الخبر السعيد 

-بعد غد سترينه لآخر مرة .

-أراه؟ لا أريد أن أقابله ،انا ،انا 

أمسكت يدي المرتعشتين بين يديها .

-ماذا بك ؟ لن تكوني وحدك ،سأ كون إلى جانبك ،وسيكون حموك أيضا ،وسط جموع من الناس بالمحكمة .

-جموع من الناس ؟ لن يقبل أبدا .

-أفهم ،سندخل الى مكتب القاضي وبعدنا سيدخل رفقة أبيه ،ثم نخرج كما دخلنا ،لن يراك أحد معه أو قربه ،اطمئني .

كنت خائفة ،بل مرعوبة ،ماذا لو رفض،ماذا لو لم يأت ،ماذا لو ،وماذا لو .

ألف سؤال ثم جاء سؤال أهم .

كيف سأعيش ،والأهم أين سأعيش؟

لا يمكنني أن أستمر معه ،لن أستطيع ،ولكنني وحيدة ،بعد أن باعني ابي وأخي له بتلك الطريقة المهينة، لا أحد لي غير عائشة وبعدها أمنية ،لا ،لا ،لي الله ،هو السند الذي لن يخذلني أبدا . 


كانت عائشة بمكتبها حين دخل رئيسها بالشركة ،بعد أن طرق وأذنت له بالدخول .

وقفت باحترام 

-سيد منصوري ،تفضل .

-يوسف ،يوسف يا عائشة ،كم مرة سأقولها لك؟

-أعتذر سيدي ،مهما حاولتُ لا أستطيع،هكذا انا .

-المهم ،خذي ،هذا مشروع بناء منتجع سياحي على ضفة بحيرة سد ****

-هل أخذنا الصفقة ؟

-أجل ،بناء منازل من خشب معالج ،كما قدمت في رسوماتك ،يبقى أن تتفقي مع قسم الديكور ،لأن المنتجع سيقدم جاهزا للسكن .

-أترك الأمر لي ،سأبدأ أولا مع قسم الإنشاءات ،وحالما نبني منزلا من كل نوع نفكر في الديكور ،لتكون رسوماته جاهزة بعد الانتهاء الكلي.

-تمام ،انا اعتمد عليك .فكري في يوسف عوض سيد المنصوري ،هاه.

خرج بعد أن ألقى جملته الأخيرة مبتسما ،فجلست الى المكتب شاردة .

هي تفهم قصده ،حتى أنه صرح به مرة ،يريدها شريكة حياة ،مقتنع بها كمهندسة كفء ،ومعجب بها كفتاة جميلة محترمة متخلقة ،ولكنها لا تملك قلبها ،قلبها مع حبيبها الأول والوحيد ،تنتظر أن يعود ،سيعود يوما ،وسيعرف حقيقة تضحيتها ويسامح. 

هل حقا سيسامح  ويعوضني عن أيام الحرمان.

-عائشة عودي إلى الواقع ،كاميليا بارعة في الديكور ،وتحبه ،كلميها عن المشروع ،لو قبلت ،ستعطينها فرصة لتبدأ من جديد.

أخذت حقيبتها وخرجت متوجهة إلى حيث كاميليا .

استقبلتها سكرتيرة أمنية 

-الأستاذة وموكلتها بالمحكمة .

-يا الله ،نسيت أن الموعد اليوم.هل سمعت شيئا عن الجلسة .

-لا آنسة عائشة ،الجلسة بمكتب السيد القاضي ،ممكن أن نقول انها سرية تحت طلب الأستاذة.

-سأذهب إلى البيت ،قولي لهما أنني انتظرهما على الغذاء.

فيلا صغيرة بحي راقي، صالون يحتل مع المطبخ ،وحمام، الطابق الأرضي ،مطل على حديقة صغيرة هي شغل والدة عائشة ،تعتني بها بكل حب وذوق ،بينما بالطابق العلوي ،غرف نوم ومكتب عائشة .

دخلت لتجد أمها تجلس وقد فتحت الباب الزجاجي على الحديقة ،وبيدها كتاب يحملها بعيدا عن عالمها الواقعي.

-كيف حال حبيبتي؟

-في نعم الله.

-اليوم ستأتي كاميليا ابنة حبيبتك حليمة .

-كم اشتقت أليها ،يرحم الله حليمة.

-هيا ،ندخل المطبخ ونعد لها وجبتها المفضلة .

-قولي ،أعد لكما الثريد ،وانت تحكين عن أيام خلت وأحلام لأيام آتية .

-لا ،هذه المرة ،يدي بيدك لأتقن إعداد الثريد .

بعد ساعتين جاءت أمنية وكاميليا التي كانت عيناها بلون الدم ،الظاهر أنها بكت كثيرا ،انهارت بحضن ام عائشة وبكت ،حتى احتارت أمنية كيف تهدئها. 

أخيرا هدأت ،وكفكفت كل منهن دموعها 

-ماذا حدث؟

-ما اتفقنا عليه ،لم يتكلم غيري انا والسيد فايز ،أقتنع القاضي قبل أن يسأله

-هل تقبل تطليق زوجتك السيدة كاميليا ؟

-نعم .

-وهل تتنازلين عن مستحقاتك من متعة ونفقة ؟

-نعم ،وأبرئ السيد مراد فايز من كل شيء ،لا يدين لي بشيء .

-الظاهر أنكما متفقان بل مقتنعان بضرورة الانفصال ،إذن لا مانع عندي ،ولتفهم سيد مراد انك لا يحق لك رد زوجتك التي ستصبح طليقتك، دون أذنها وقبولها، هل تعرف هذا ؟

-نعم سيدي ،الأستاذة شرحت لنا ذلك.

-يمكنكم الاتصال بعدل ليوثق الطلاق إذن .

أمضى إذن المحكمة بالتطليق وقد اخذتُ موعدا مع عدل صباح غد.

كاميليا ماتزال بحضن صديقة أمها، تستمد منه الحنان المفقود .

-هيا ،هيا ،لقد أعددت لك الثريد كما تحبينه ،ومن يدي!

-من يدك ؟لا تصدقي يا كامي، عملها لم يتعد التحريك وكثرة الأسئلة .

-تأكدي يا كامي أنني تعلمت والمرة المقبلة ساعده وحدي ،لأجل عينيك تعلمت .

-ومن أجلك أيضا ،فحبك للثريد لا يقل عن حبها له .

ضحكت كاميليا سعيدة بهذا الحب اللامشروط. 

نامت كاميليا عند عائشة ،من الليلة ستبقى معها ريثما تعرف ما ستفعله، دخلت أليها صديقتها وقد جهزت لتخرج الى عملها بينما هي ماتزال بالفراش 

-استيقظت كامي؟

-الحقيقة أنني لم أنم. 

-كاميليا عزيزتي ،ما كان كان ،وكل شيء بأمر الله وتدبيره،ورب الخير لا يأتي ألا بالخير (وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)

-ونعم بالله.

-خذي ،هذه رسومات مشروعنا الجديد ،بعد أن يكتمل ستقوم شركتنا بالديكور أيضا ،الاتفاق أن نسلمه كاملا جاهزا للسكن ،قبل أن أكلم قسم الديكور بالشركة فكرت أن تعملي عليه .

-ولكنني لم أدرس هندسة الديكور .

-أعلم ،وأعلم أنك تحبينه، ولك رسومات عدة نالت إعجاب الأساتذة .

اشغلي نفسك عن الحزن بالعمل ،سأقدم رسوماتك لرئيسي لو أعجبته كلفك بتنفيذها وتبدأين مسيرتك العملية .

-حاضر ،سأدرس المشوع وأقدم لك نظرتي المبدئية.


             الفصل الرابع من هنا 

         لقراءة باقي الفصول من هنا 

         

تعليقات