رواية انسحاب
الفصل التاسع والعشرون
بقلم حكاوي مسائية
صباح الجمعة ،كل من بالفيلا ،على قدم وساق،أقنع الجد أم عائشة أن يكون الحفل هنا لأن المكان أكبر ،والحفل أصبح اثنين،الى جانب الاستعداد لاستقبال حنة ومن معها.
في المطبخ يتم إعداد طبق الكسكس المقدس يوم الجمعة ،لا يمكن أن يوضع على المائدة غيره في كل بلاد المغرب ،يوم الجمعة ،إلا في حالات استثنائية قليلة.
كانت تنزل السلم ليركض نحوها جاد
-ماما كامي اشتقت لك.
-حبيبي وانا أكثر ،أين ماما.
-انا هنا ،وأمي أيضا،صحيح ما سمعت ؟
-وماذا سمعت؟
-عائشة ،أخبرتني أنك سامحت مراد وتعطينه فرصة أخرى .
-الفرصة نعم ،السماح اروض نفسي عليه.
شدت على كتفيها
-لأن السماح يتطلب قوة ،ستنجحين لأنك قوية .تعالي أمي أصرت أن تكون معك ،وقد كلمت ام عائشة وستأتيان بعد قليل ،سآخذكما الى حمام العروسة ،وعشية نحتفل بالحناء.
سمعت صوتا خلفها يجيبها
-ليس قبل أن تعود ،سنخرج معا لغرض مهم.
-هذا جدي يا أمنية
-اهلا بك سيدي الحاج .
-اهلا بك ابنتي ،وخيرك فوق راسي.
دهشت
-خيري أنا؟!!
-وقوفك مع كاميليا في أيامها الصعبة ،عمل عادي من سيدة نبيلة مثلك ،ولكنه كبير بعيني وأشكرك جدا .
-الحقيقة أنني كنت في مثل وضعها ،وقد استندنا على بعضنا حتى هدأت رياح العاصفة .
-طبعا لا تحتاجين ترحيبا ،البيت بيتك ،سآخذ كاميليا ساعة ونعود.
-وانا سأنتظر عائشة لنحضر لحفل المساء ،الى اللقاء .
ركب السيارة الى جانبها صامتا
-الى اين جدي؟
-المستشفى ،نكلم الدكتور ،و نزور مراد.
في الطريق نحو المدينة
-لم تقل لي ياجدي لماذا نذهب اليوم ،والحفل لن يكون قبل الغد.
-هذه الحقيبة ،اعدتها زوجة عمك واخبرتنا انها لو احتاجتها ستطلبها وعلينا أن نأتي بها كلنا.
-ثلاثتنا لأجل حقيبة صغيرة ؟
ضحك عمه
-كنز زوجة عمك ،ينقل تحت حراسة مشددة .
-كلم ابنتك لنعرف مكان العروس ،او مكان زوجتك لنسلم الأمانة .
-جدي ،انت تعرفني لا أحب الألغاز وتصيبني بالصداع.
-ههههههه،انا سأريحك ،لأن جدك لا يعرف ما بالحقيبة.
اليوم حناء العروس ،وتلبس قفطانا خاصا ،و بعض العائلات تتوارثه ،زوجتي تحتفظ بقفطان أمي ،وسيؤول الى أمنية، ولكنها أحبت أن تسعد عائشة بارتداءه ،وطبعا معه قلادة الجوهر وما الى ذلك.
-إنه كنز فعلا .
-قيمته في تاريخه.ثوب القفطان اعده نساج محترف بفاس خصيصا لجدتك ،احببت أن أهديها شيئا صنع لها دون غيرها ،اخترت ألوانه من حرير تدرج في الأخضر تتخلله خيوط الذهب.
-أصبح بالأسواق نوع هذا القماش ،ولكنه أقل قيمة ،لأنه صناعة آلات ،وخدمات أقل جودة .
-اعرف ،لأنني شاهدت برنامجا عن النساج بمدينة فاس ،قبل سنوات ،اشتكى من عزوف الشباب عن الصناعة التقليدية ،وقبل شهور عاد مستبشرا ،فالناس عرفوا الفرق بين قماشه والرائج بالسوق ،كما أن كثرة الطلب جعلت بعض شباب المدينة القديمة يتعلمون على يده.
-ولهذا تحتفظ به زوجة عمك بحب .
غمز لجده
-ماصنع بحب يستحق أن يُحَب.
ضرب عمه رأسه.
-تعلم يا غبي.
تعالت ضحكاتهم سعداء بهذا القرب الذي طالما اشتاقوا له.
بمكتب وسام ،تجلس كاميليا وجدها.
-قل لي يا ابني ،هل يستطيع مراد أن يخرج من المستشفى غدا ؟
-نعم ،ولكنه لن يتحمل إجهادا كثيرا ،ساعتان على الأكثر ،ويعود ليستريح ويأخذ ادويته.
-جرح العملية التأم؟
-جيدا ،لله الحمد،سيكون سعيدا أن يقف الى جانب عروسه غدا ،ويتحمل وقد يخفي ألمه أو إرهاقه لهذا أرجو أن تراعوا حالته.
-أطمئن ،ستكون حاضرا بما انك صديقه ،وجودك سيساعدنا.
-أخبر مجدي أيضا دكتور وسام ،لابد أن يكون الى جانبه.
-حاضر مدام كاميليا ،يسعدنا أن نكون مه في أهم أيامه.
-هيا بنا ابنتي ،لنراه .
-أسرته معه الآن ،جاءوا يباركون له ويؤكدون انهم سيكونون معه.
-وجودهم قصر لي الطريق ،كنت أنوي أن أذهب إليهم.
نظر بإعجاب الى هذا الرجل الشامخ أمامه
-من حسن حظ مراد أنك جد زوجته.شكرا لك سيدي.
ابتسم له قبل أن يغادر .
في غرفة مراد ،كان متحمسا كطفل ،سعيدا كمن بشر بالجنة ،تمسك أمه بيده ،بعينيها فيض حنان وندم كبير ،بينما بالجهة الأخرى من السرير يقف فايز ،تكاد السعادة تقفز من عينيه.
تنظر إليهم سارة مبتسمة ،يدها بيد ابراهيم
-إذن غدا تعقد على حبيبتك ،ألف مبروك أخي.
-هيا قومي يا نادية نذهب لنجهز البيت،غدا يوم كبير.
-البيت معد ،سيد فايز ،كل شيء جاهز ،ما على عريسنا إلا الاهتمام بصحته ليكون غدا في أبهى حلة .
-جدي،مرحبا بك .
-أهلا بك بني،كيف انت اليوم ؟
-بأحسن حال ،كما ترى .
-جيد ،فعلا أراك بصحة جيدة .
باغتتها بضمها الى صدرها ،تهمس بأذنها
-سامحيني،سامحيني يا ابنتي،جميلك برقبتي،أعدت إلي ابني وأسعدته بقربك.
-دعي لي نصيبا من زوجة أخي يا ماما .
اخذتها أيضا يحضنها
-سامحيني يا كامي ،كنت غبية ،ليتك تقبلين أن تكوني اختي التي تنصحني وتقوِّم اسلوبي.
ضحك لها
-وأول نصيحة منها عملت بها ،غيرتك مئة وثمانين درجة ،انظري يا مدام كم تغيرت ،لباس واسع ،وخمار ،واجتهاد في عملها بالشركة ،والأهم أنها أصبحت لي زوجة صالحة
-مبروك سيد عتيق ،سعيدة لك سارة .
-صحيح ،الأصل غالب،لايمكن أن تكون تلك الكاميليا إلا من سلالة هذه الشجرة الطيبة ،يشرفني أن أطلب يد ابنتكم لابني مراد .
-سبق أن طلبتُها له من نفسها ،مراد ابني أيضا ،المهم أن نفرح بسلامته.
اليوم حفل الحناء ،انت مدعوة سيدتي انت وابنتك طبعا ،وغدا نجتمع كلنا ،اتفقنا؟
-سيكون حفل حناء ؟ ابراهيم ،دعني أحني مع كامي وآخذ صورا لي للذكرى .
-ربمامدام كاميليا تريد حفلها لها وحدها ،سنقيم لك حفلا بالبيت.
-لابأس مدام نادية ،سنحني انا وعائشة ،أرحب بعروس أخرى .
تذكرت يوم نادتها خالتي فنهرتها ،وهاهي اليوم تحتفظ بهذا الحاجز ،وتعاملها برسمية ،ماذا لو كنت قبلتها واحتويتها؟
نظرة من زوجها ترجمتها كلاما
-نترك العروسين قليلا .
أسرع فايز مستجيبا يمسك يد الجد
-هناك بعض التفاصيل التي لم نتكلم عنها.
خرج معهم ليجلسوا على الكراسي بالرواق
-المكان ليس مناسبا ،ولكنني أحب أن أسمع كل شروطك ،طبعا انا موافق عليها ،ولكنها العادة
-ليس لي شروط ،مهر رمزي وجوب الفريضة ،ومهما عاش معها يعاملها بالمودة والرحمة ،يوم يقسو عليها سأطلقها منه ولو رغما عنها.
غشت الدموع عينيه
-ادع له بالشفاء يا حاج ،وانا أضمن أن تكون ملكة وتاج على رؤوسنا كلنا.
في الغرفة ،نظرة اللهفة والشوق بعينيه اخجلتها.
-لولا خشيتي أن يغضب الله مني ،لأدخلتك بين أضلعي،ولكنني سأصبر قلبي حتى تصبحين زوجتي .
- هل يمكن أن أسألك ،منذ متى عدت الى الله وتسعى الى مرضاته.
-منذ رأيتك اول مرة بعد عودتك ،ولأول مرة أذهب إلى بيتنا بعد ثلاث سنوات،وجدت سجادتك على طرف الأريكة ،كأنها دعتني لأسجد عليها.
-هل تغيرت فعلا ؟
-لأجلك ،ولكن ليس كما فهمت ،عرفت أنني مهما فعلت سترفضينني ،فتوجهت الى الله ،دعائي في كل صلاة ،أنني أرجو رضاه ،ولو رضي عني يرضيني بك.يبدو أنه راض عني الآن.
كاميليا ،أعلم أنني أذنبت كثيرا بحقك وبحق نفسي،وديني،ولكنني تبت الى الله ،دعوت الغفور أن يغفر لي ،دعوت الرحيم أن يرحمني من بعدك والشوق إليك ،دعوت الجبار أن يجبرني بقربك،وهو مجيب المضطر إذا دعاه.
غيرت مجرى الحديث ،لأنها ماتزال لاتستطيع أن تجاريه في معسول الكلام
-غدا مساء تأتي مع أهلك وصديقيك.
-سأعد الثواني .
-سبحان الله.
هكذا أجابته ،شيء منها ،بقلبها وعقلها مازال لايصدق.
امتلأ البيت بالأحباب،وصلت حنة مع فاطمة وأم يوسف ،وكل البنات،وطه وزكريا وغيث وأم الغيث ،والعم حسن .
ضحك يوسف
-تركتم الكلاب تحرس البيت والأرض.
ضرب عمه حسن كتفه
-اسكت يا ولد !وكل أولئك الخدم والربّاع ،مادورهم؟أم أنك بخيل وأثقلنا عليك؟
-هههههه،أهلا بكم يا عمي ،حل الخير والبركة معكم والله.
-أين عروستنا؟
-فوق،مع كاميليا ،اذهبن اليهما يا بنات.
صعدت اليهما كل النساء ،يصدحن بالصلاة على النبي والزغاريد .
دخلت حنة ،وفتحت حقيبتها لتخرج قفطانا ،شهقت عائشة وكاميليا وأمنية لرؤيته.
-ماذا ؟ الا يعجبكن؟
-استدارت أمنية لتأخذ من على السرير توأمه ،الشيء الذي أثار تعجب الحاضرات.
-لمن هذا القفطان ؟
-هو قفطان حماتي،ورثته عنها ،وستلبسه عائشة في الحناء.
-وهذه يا حنة ،أم صديقتي أمنية .
قبلات على الخدين ،و
-أهلا بك يا ابنتي.
ألبست العروستين القفطانين، الفرق كان في الحزامين الذهبيين وقلادة الجوهر فقط.
على السلم ،تنزل كاميليا يدا بيد مع عائشة ،خلفهما أمنية وباقي النسوة ،يصلون على النبي.
على مجلس مخصص ،فرش بالمخمل الأخضر المطرز ،جلست العروستان .
وضع الرجال الهدايا ،وقد جاء فايز بهديته أيضا، قبل أن ينسحبوا ليتركوا حرية الاحتفال للنساء .
دموع السعادة والامتنان غمرت عيني عائشة وهي تستقبل هديتها من جد أمنية
-وهذه هديتي للغالية عائشة.
أساور ذهبية ،لا يهم ثمنها بقدر ما تهم قيمة الذي قدمها ،يعطي العروس شأنا امام عريسها وأهله.ويقبل جبينها
-انا فخور بك يا ابنتي.
دموعها كانت الجواب على بادرته الطيبة .
توجه الرجال نحو بيت عائشة ،بينما صدحت الموسيقى لترقص الفتيات امام العروستين وراسمة الحناء تزين يديهما بنقوش جميلة.
قبل أن يخرج اقترب منها يأخذ جاد
-انتظر اليوم الذي تضعين فيه (حنتي)
نظرت إليه مندهشة من جرأته
-هات جاد ،وافرحي مع البنات يا لالة البنات(لالة=سيدة)
لم يترك لها مجالا للرد ،وغادر لتبتسم وتعود الى صاحبتيها.
حل صباح السبت ،جاء وسام الى غرفة مراد
-صباح الخير
رد مستبشرا
-صباح الخير ،متى سأخرج؟
-اسمعني يا مراد ،ستخرج بد أن اكشف عليك وعلى الجرح ،وتأخذ الدواء ،ولكن لا تجهد نفسك ،تذهب إلى بيت ابيك ،سأرسل معك ممرضا يساعدك لتستحم ،ويهتم بك وبدواءك، سنكون عندك انا ومجدي بعد العصر ،لنذهب جميعا الى الحفل.
-يجب أن أخرج ،اريد أن اختار بنفسي هديتي لكاميليا.
-لهذا سنأتي بعد العصر ،يكون معنا وقت كاف لنرافقك حيث تريد.
-أريد أن ألبسها خاتما من الماس ،ومحبسا عليه اسمي ،ويكون اسمها على خاتمي، اريد أن أقدم لها....
-اهدأ ياصاحبي ،سآخذك الى أرقى جواهري بالمدينة ،واختر ماتشاء من هناك.
-هل يمكن أن تقبل أن تذهب معي إلى بيتنا بعد الحفل.
-هذا ما جئت أحدثك عنه،لا يمكن أن تمارس حياتك الطبيعية ولم يمر على العملية اسبوع كامل ،وبعد اول جرعة كيماوي ستحس بوهن وضعف عام ،فهمتني؟
غامت عيناه حزنا
-فهمتك ،ستكون معي وليست لي ،ههه ،عقاب آخر على فعل دنيء آخر.
تذكر أخذه لها غصبا وهي تبكي تحته قهرا وذلا.
-هل سيؤثر العلاج الكيماوي على قدرتي على الإنجاب.
-لمدة معينة ،قد تطول ،وقد تقصر حسب عدد الجرعات ،واستجابة جسمك لها.
-كم أشتاق أن يكون لي منها ولد او بنت ،لا يهم ،المهم انه منها .لو مت سيذكرها بي ،وانا متأكد أنها ستعتني به ،وتحبه،وتربيه احسن تربية ،قد تراني انانيا، كيف أقيدها الي بولد وقد لا أعيش لاربيه معها،ولكنني أريد أن أحيا من خلاله،ولا أريده من غيرها.
ربت هلى ركبته.
-ستعيش يا صاحبي وتربيه ،وتزوجه.
-ههههه،ليتها تقبل ،اريد أن أراه قبل أن أموت.
-تقبل ماذا ؟ انا أقول لك لا يمكنك الآن ،وبعد الجرعات ستنتظر مدة .
-تلقيح اصطناعي،هذا ما افكر به.
فغر وسام فاه،كيف يفكر هكذا ؟ هل أحس أنه لن يعيش حتى يمارس حياته طبيعيا؟
-تلقيح اصطناعي !لماذا،لماذا انت مستعجل؟
-اسمعني يا وسام ،لو عشت وانتصرت على المرض ،ستضعف قدرتي على الإنجاب ،وقد احتاج علاجا لسنوات ،وانا في الأربعين الآن،متى سأربي أولادي وأراهم يكبرون أمامي، هذا لو عشت ،أما لو مت فكأنني لم أمر من الدنيا يوما.أنانية ممكن،حب الحياة ممكن ،معافرة وتمرد أكيد ،أعلم أنني أذنبت ذنبا لا يغتفر يوم قتلت ابني بيدي،تائب انا الى ربي منه،لعله يغفر لي،ولا يعاقبني بالحرمان من الخلف في الدنيا.
أشفق عليه،فعلا لو عاش قد تتأثر قدرته على الإنجاب ،يبدو انه بحث وعرف ،بل واستيقن من حدة مرضه،ولكنه ليس الطرف الوحيد في المعادلة ،وكاميليا ،لو سامحته بعد استجداء ورحمة به لمرضه،هل ستقبل أن تحمل منه وتنجب ابنا قد يولد يتيما؟
والوقت ليس في صالحه ،جرعته الأولى بعد غد ،فهل يستطيع أن يقنعها في يوم واحد .
-صباح الخير.
-كاميليا !ما ظننت أن أراك قبل المساء .
-جئتك بهذه،عرضت امامهما بذلة سوداء ،ما رأيك؟
-جميلة جدا مدام كاميليا.
-نعم حبيبتي جميلة جدا.
-وهذا القميص،وهذه ربطة العنق بلون قفطاني .
-حبيبتي ،لا أدري ما أقول، انت ،انت...
-انا موافقة .
-أعلم أنك موافقة ،وإلا ما الداعي لبذلة وحفل .
-موافقة على ما قلت قبل قليل للدكتور وسام .
-مدام كاميليا ،سمعتنا؟
-عيب هذه الغرف عندكم،مدخلها،دكتور وسام .
-هههههههه، نغير تصميمها إذن .
-او تغلق الباب لما تدخل .
-ماذا قلت حبيبتي؟ موافقة على ماذا؟
-على التلقيح،ولا تخف ،ستعيش ونربيه معا وقد ننجب له أخا او اختا.
-مدام كاميليا ،الجرعة الكيماوية الأولى يوم الاثنين،ربما لن نستطيع قبلها .
-سنرى ،سأترك الآن ،يجب أن أذهب، الى اللقاء مساء .
خرجت فتبعها وسام مسرعا ،أما مراد فمايزال تحت الصدمة والفرحة ،لايتحرك..
-مدام كاميليا ،لو تسمحين.
التفتت إليه تمسح دمعة على خدها.
-تعالي معي إلى المكتب.
-مدام كاميليا ،تعلمين حالة مراد ،ويبدو أنه بحث وعرف الكثير عن حالته ،فلماذا توافقين ؟ أعطيته املأ قد لا يتحقق.
-وما المانع من تحقيقه؟
-أولا ،حالتك ،قد لا تكونين في أيام الخصوبة ،يعني أن التلقيح لن ينجح.
-دكتور وسام ،أعلم عما تتحدث ،واطمئنك عن حالتي ،يبقى أنني أعلم أن التلقيح قد لا ينجح من اول محاولة ،وهنا يأتي السؤال المهم ،هل عندنا إمكانية تجميد مني مراد .لنعيد المحاولة حتى تنجح؟
-انت مصممة إذن ،ليست كلمة لجبر خاطره.
-مادمت قد سامحته،وسأتزوجه الليلة،فلم لا انجب منه،كما قال لو عاش نربيه معا ولو ...يبقى لي جزء منه.
تأكد الآن انها تحبه ،تحبه دون أنانية ولا حدود ،تريد منه ابنا يربطها به الى الأبد .
ابتسم لها.
-يمكننا تجميد مني المريض ،ولو احببت ،نستعمله بعد أن نتأكد من شفاءه، وهكذا لن تتحملي الطفل وحدك.
مازال يمتحن حبها .
-ولماذا لا نعطيه أملا آخر ليعيش لأجله،قم بما عليك ،وسأكون هنا غدا .يمكنك أن تعمل يوم الأحد أليس كذلك؟
-سأكون جاهزا ،انا وفريق متخصص.
-أشكرك، الى اللقاء.
ركض نحوه
-مراد يا صديقي ،ابشرك ،هي مصممة أكثر منك.
تدحرجت دمعة على خده .
-من حبها لي تمنت أن تحتفظ بالجنين وتختفي ،رضيت بجزء مني امس ،وترضى به اليوم ،تعرف،تأكدت اليوم ان الله غفر لي ،وإلا كيف يعطيني امرأة مثلها ويزرع حبي بقلبها.
-وانت أيضا يجب أن تحتفظ بها وتحافظ على نفسك لأجلها ،يجب أن تحارب لتعيش لها ولابنك.
دخل مراد بين صديقيه وأسرته، سارة تتابط ذراع ابراهيم وقد زادت جمالا بالحجاب ،وتطيل النظر الى نقش الحناء بيدها ،كم سعدت امس وهي تجلس مع العروستين تمد يدها للحناء ،أخذت صورا حذرها ابراهيم من نشرها ،وأكدت له انها ستحتفظ بها لنفسها.
يوسف متألق ببذلته السوداء مع ربطة عنق حمراء تماما كمراد ،فقد اختارتهما العروستان بلون القفطانين.
عائشة سعيدة بوجود جد أمنية، الذي أرسل لها قفطانها مع زوجة ابنه ،وأصر أن يكون وليها في كتابة العقد .
فاجأ عامر أمنية وهو يدخل ممسكا بيد جاد ،صورة مصغرة منه ،نفس البذلة ونفس ربطة العنق التي اكتشفت انها باللون الأزرق لون قفطانها.
تصرفات جديدة منه ،تثير دهشتها وتحرك إعجابها.
مرت الليلة كما ليالي أعراس المغرب ،ازياء مبهجة، أغاني وموسيقى ،موائد شهية .
وسام ينتبه لصديقه ،غيرته السعادة وضخت بعروقه حياة جديدة ،ولكنه لن يغامر ،يجب أن يكلمه ليرتاح .
مراد يعلم بنوايا وسام ولهذا لا ينظر اليه،ويتجاهله.ولكن عيونا أخرى ترصد كل شيء ،عيون الجد وأخيه، أعطيا وقتا لصهرهما الجديد ،قبل أن يعتذرا بعد أن قدمت الوليمة ،ورفعت الموائد.
البس مراد زوجته الخاتم والمحبس ،والبسته خاتمه الفضي،فتح علبة قطيفة ليخرج منها عقدا أبهرالحاضرين،البسها إياه،مع السوار وهمست له أن يترك الحلق حتى تلبسه وحدها.
استئذان الجد وأخيه امام الجميع بحجة أنهما تعبا، أعطى الضوء الأخضر الذي فهمه كل عالم بحالة مراد ،ليبدأوا في الانسحاب بعد التهنئة والدعاء .
تمنى لو انه يأخذها معه ،لو انه ينام بحضنها الليلة ،ولكنه يخجل أن يطلب هذا من الجد ،فاكتفى بقبلة على جبينها أودعها حبه واشتياقه لها قبل أن يغادر مثل الجميع.
غيرت عائشة الى لباس أكثر راحة ،تستعد لتذهب الى بيتها مع أمها
-ابقي معي عائشة
-يجب أن أذهب ،لابد ان ماما تعبت جدا وتريد أن ترتاح.
-خالتي نامت منذ قليل ،إنها مع جدتي بغرفتها.
طرق الباب وانتظر أن تسمح له اخته بالدخول.
-تعالي يا عائشة لتشربي معي فنجان قهوة .
-ولكن ...
-اذهبي يا عيوش ،اتركيني أنام قليلا ،اذهبي مع زوجك.
-زوجي!!
-انا ،انا زوجك ام أنك من سعادتك لا تصدقين.
-متواضع اخوك يا كامي
-حقه حبيبتي وقد نال الجائزة الكبرى ،قلبك يا عيوش.
أمسك يدها يجبها خلفه.
-تعالي اتركيها تنام لتكلم بحبيبها، أما انت فحبيبك معك .تعالي نغتنم ساعة قبل أن يستيقظ الجميع.
أخذها الى الحديقة ،وهناك بثها شوقه الذي كتمه حتى تصبح حلاله.
في البيت عند أمنية، بعد أن اطمأنت على راحة جدها ووالديها كل بغرفته ،أخذت جاد لتنيمه
-اتركيه لي ،اذهبي انت لتستريحي.
-انت أيضا منهك ،قضيت معظم الوقت تحمل جاد .
-جاد ابني ،لن يتعبني حمله،اذهبي انت ،سأهتم به ،ثم هو نائم كما ترين ،سأضعه الى جواري بالفراش ،وننام معا.
أعجبها اهتمامه بها وجاد طول الحفل ،شغل تفكيرها قبل أن يغلبها النعاس.
بينما كاميليا تفكر هل تخبر جدها ويوسف بما عزمت عليه .قد يرفضان أن تثقل كاهلها بمسؤولية طفل تتحملها وحدها .ستكلم حنة ،لو استطاعت إقناعها هي ستقنع الجد .
زاد التفكير تعبها ،خرجت الى الشرفة ترنو الى النجوم الأخيرة بسماء الفجر ،حين سمعت ضحك عائشة ويوسف ،لابد انه يهمس لها كلماته العاشقة التي تسعدها هكذا .
دخلت تنتظر الأذان فلو نامت الآن سيفوتها الفجر.حدثت نفسها
-سأكلم حنة بعد الصلاة .