رواية انسحاب
الفصل الثامن والعشرون 28
بقلم حكاوي مسائية
في غرفة بيضاء ،على فراش أبيض لايستطيع أن يتمدد ولا أن يجلس ،لونه مثل بياض الجدران حوله، بطنه بانتفاخ حامل في شهرها الأخير ،يتألم ،ولا يهنأ على جانب ،حوله أمه ،اخته ابوه وناس لا تعرفهم ،تدخل إليه وما إن يراها حتى يهتف مستنجدا
-أنقذيني ،أنا احترق ،انقذني.
هبت مذعورة لاهثة،تتصبب عرقا.
-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
حتى نومي جئت تفسده علي.
اخذت كوب الماء وشربت القليل ،تمددت مستعيذة من همزات الشياطين .
هرب النوم ،وحلت محله الأفكار والافتراضات.
(هل هو ضميري أم هو قلبي،من منكما يقض مضجعي ،هل تحن له أيها القلب وتخونني، أم تلومني يا ضميري على من لم يراعي في ضميرا، أم تراها روحه تستنجد بروحي،لو سامحته هل أحقق حلمه وقد وأد حلمي ،هل أسعد قلبه وقد أتعس روحي،مادمت سامحته يجب أن أنسى أذاه،هل سأنسى ؟
كأنك ستجنين يا كامي،أولا سأذهب واستمع إليه كما قالوا جميعا،كما قالوا أم كما قال قلبك؟ شششششش،سأذهب واسمع ثم أقرر)
استيقظت فجرا بعد نوم مضطرب ،بعد الصلاة أسرعت نحو المطبخ تعد فنجان قهوة لعله يخلصها من صداع قلة النوم.
-صباح الخير.
-صباح الخير عمي ،لم قمت باكرا؟
-عادتي كل يوم ،كنت سأعد قهوتي ،ولكن بما انك هنا سأشربها من يدك ،أنت عبقرية في إعدادها.
-عمي ،انت ساحر كلام كما يقول الفرنسيون un charmeur بكلمة منك تغير حالتي.
-إلى الأحسن ،اتمنى.
-طبعا ،فتاة مثلي امام رجل ساحر مثلك ،ماذا تظن؟
-أظن أن شباب اليوم أغبياء،فتاة مثلك تبقى وحيدة الى الآن ،كأنهم عمي.
-وصم وبكم.ههه
مدت له قهوته.
-مممم سلمت يداك ،طعم ورائحة ،انت ساحرة القهوة.
-هههههه،سأتخذها سلاحي،قبل أي حوار او حديث أقدم القهوة ،وهكذا أضمن التفوق.
-من الرشفة الأولى،ههههههه.
غدا يمتلأ هذا البيت ،لابد أنك اشتقت لحنة.
-لهم كلهم ،علي أن أقوم اليوم بالكثير لأتفرغ لهم غدا.
-عمل بالشركة؟
-بعد الظهر نعم ،سأضع اللمسات الأخيرة على بعض رسوماتي،وأراجع عملا اوكلته لقسم المهندسين. يوسف وعائشة في عطلة .
-وماذا عن الصباح؟
-سأذهب إلى المستشفى ،لابد أن أضع حدا لحيرتي.
-ما الذي يحيرك؟
-حلم ،لست أدري هل هو تخبط أفكاري أم استنجاد فعلي.
-احكي لي فقد افيدك. نحن كبار السن نفهم الأحلام أكثر. بالتجربة.
روت له حلمها، فأطرق لحظات قبل أن يجيب
-نعلم كلنا أنه مريض فعلا،قد ينجو وقد لا ينجو، فالحلم قابل لتفسيرين، ربما تكونين عاملا مساعدا لشفاءه،أو أن غفرانك سيخفف عنه لو لا قدر الله ،اااا،
-مات...فهمت. لهذا سأذهب إليه قد أساعده قدر استطاعتي،حتى لا أحمل وزره.
-وانا من رأيك.
ابتسم خفية ،يعلم أن قلبها انتصر،والعقل يبحث عن مبررات.
ركب سيارته وقصد مكتب ابنة عمه ،ابتسمت له الكاتبة فاستبشر خيرا.
-مرحبا سيد عامر ،تفضل ريثما اخبر الأستاذة.
عادت لتسمح له بالدخول ،وقفت أمنية تقترب منه.
-مرحبا أخي عامر.
لقط تلميحها فأجاب عليه.
-اشتقت إليك يا ابنة عمي.
-لابد أنك تقصد جاد .
-جاد وانت واحد .
-لا بأس اختك أو ابنتك لا فرق.هل جئت إلى المدينة في شغل أم لترى جاد ؟
-جئت إليك ،مارأيك في ثلاثة أيام بإفران؟
-لم يسبق لي أن زرتها ،اسمع انها فاتنة في الشتاء .
-وجميلة مع اقتراب الصيف.
-انت سائح عارف إذن .
-إطلاقا،إنما بحثت عن أماكن للسياحة العائلية ،فعرفت الكثير من المناطق.
-مممم،أولا ،نحن مدعوون يوم السبت لحفل قران عائشة .
-حتى أنا!!!!
رأت الفرحة بعينيه شبيهة بفرحة جاد بهدية مفاجئة
-حتى انت،عائلة اليوسفي وانت منا ألست كذلك؟
-أنا كبير أحفاد اليوسفي ،رفع رأسه بفخر،مارأيك؟
ضحكت
-طبعا ،لا جدال سيدي.
-هل اخترت لباسك ولباس جاد .
-اخترت، وانتظر وصول ماما لنشتري معا .
-لو عرفت أن أمي قادمة لكنت انتظرتها.
-لا بأس ،أذهب إلى البيت وانتظرها هناك ،سأنضم إليكم على الغذاء.
-وارافقكما لتختاري لي بذلة مناسبة .
-اتفقنا.
وصل إلى الفيلا ليجد جاد يمرح في الحديقة تحت مراقبة المربية
-جاد .
رآه يفتح له ذراعيه فركض إليه.
-بابا ،متى جئت ،متى ستعود ؟
-هههههه،جئت لتوي،وأعود مساء ،جدتك قادمة أيضا .
-لا ترحل ،ابق معي ،نشاهد فيلم رسوم معا ،سأعرفك على الابطال المنقذين.
-ههههه،هكذا إذن ،تريد رفيقا ليشاهد معك الفيلم، وأنا الذي فرحت أنك اشتقت لي.
-اشتقت لك بابا كثيرا.
-هل تحبني جاد ؟
-جدا ،هل ترى السماء ؟ أحبك قدّ السماء.
-وانت لي كل الدنيا.
نسائم من الجنة تهب عليه وابنه بحضنه ،لحظات يسرقها من زمن البعد ،فمتى يستعيد ماهو له؟!!!
-عامر ،انت هنا ياولدي.
-جئت أنوي شيئا سيؤجل إلى أجل قريب.
-تعال نتكلم بالداخل.
رحبت الصالحة بهما ،ووضعت صينية الشاي والحلويات لتنسحب إلى المطبخ،جلس وجاد على ركبته
-خططت لنذهب إلى إفران، غير أن أمنية أخبرتني أننا مدعوون لقران صديقتها.
-خططت دون أن تستشير أمنية ؟ أنصحك ألا تفعل مرة أخرى،لا تتخذ قرارات منفردة مهما كان موضوعها تافها بنظرك،أهم ما تريده المرأة هو معرفة أن رأيها مهم لشريكها.
-قلت أفاجئها برحلة معا.
-ومن قال أنها ستوافق؟ رحلتكم السابقة أغضبت عمك من أمنية ،كيف تسافر معك ؟ بأية صفة؟
-معنا جاد يا أمي.
-جاد طفل ،ليس محرما،انا لا أهتم لكلام الناس ،وسيتحدثون،ولكنه الشرع ،أوامر الله ونواهيه،فانتبه لها.
-تسافرين معنا،هذه الرحلات القصيرة هي وسيلتي لاتقرب من أمنية وأكلمها ،لتعتاد قربي وتعرف أنني تغيرت ،لتشعر بحبي لها وقد تحبني.
-اغتنم كل لقاء لتعبر لها عن حبك دون كلام ،مثلا اليوم ،هل رأيتها ؟
-نعم ،ذهبت إلى المكتب.
-هل فكرت أن تأخذ لها باقة ورد؟
نظر الى زوجة عمه متعجبا:معقول أن نساء الواقع مثل نساء الأفلام ،يحببن الزهور ؟
ضحكت من نظرته
-ههه،لعلك تقول بماذا تفكر هذه العجوز ،عن أي ورد تتحدث؟ أقول لك ،تطرق قلب المرأة برفق،كلمة طيبة ،وردة ،اشتقت لك
-قلتها والله قلت لها اشتقت لك.
-هههههه،عظيم ،المرة المقبلة لا تنس الورد .
-خير البر عاجله ،سأخرج ولن أعود حتى تكون هنا ومعي باقة جميلة .
-ورود حمراء ،ولا تبالغ ،تكفي باقة صغيرة .
قبل رأسها
-أدامك الله يا أمي.
وأسرع نحو الباب.
طرقت الباب قبل أن تدخل ،يستقيم على ظهره مغمض العينين،شاحب هزيل،يقف قربه وسام وعلى الجانب الآخر دكتور الأورام.
-اهلا مدام كاميليا.
صوت وسام اخترق مسامعه،هل يحلم؟
-انت إذن كاميليا ،مد يده ،اهلا سيدتي .
فتح عينيه
-مدام كاميليا لا تصافح الرجال.
هل رأت الغيرة في عينيه؟
-أعتذر ،تشرفت سيدتي.
-أهلا دكتور ،كيف حاله اليوم دكتور وسام؟
رآه يحاول أن يرفع جذعه، فضغط على زر بجانب الفراش ليرتفع الجزء العلوي منه .
نظرة عتاب بعيني وسام
-أحسن من أمس ،الحمد لله.
وضعت علبة شوكولا على المنضدة قربه.
-لا أظن الدكتور يسمح أن آكل شوكولا.
-ليست لك ،لزوارك وطبيبيك.
-شكرا مدام ،نراك قريبا.
غمز لزميله كي يتبعه.
-أشتقت إليك كاميليا،لماذا غبت عني؟
-هو يوم واحد . لا تنس أن لي حياتي وشغلي.
-كاميليا حبيبتي سامحيني ،أعلم ،أعلم ،فأنا لا أسامح نفسي ،لقد نلت عقابا ما تخيلته يوما
-المرض ليس عقابا مراد ،هو ابتلاء يطهرك لو احتسبته عند الله.
-ونعم بالله،ولكنني لم أقصد المرض،عقابي أنني احترقت بنار الشوق إليك،لما تخليت عن كبريائي واعترفت أنني عشقتك، كنت قد اختفيت،
-وهل كلفت نفسك عناء البحث عني؟
فتح قلبه ،يحكي عن أيامه ولياليه في بعدها،عن إدمانه الخمر راجيا النسيان دون جدوى.
كانت تجلس على كرسي جوار السرير ،تنصت ،كلما ذكر تاريخ معينا حاولت أن تتذكر أين كانت هي ذاك اليوم،بثها شوقه وحبه ،بكى بعدها عنه،بكى وأقسم أنه احتقر نفسه ألف مرة على ما فعله بها ،أبدى ندمه،قدم أعذاره، وصمت ينتظر رد فعلها.
-متى تأكدت من حبك لي؟
-يوم طلبت الطلاق،مجرد تخيل أنني سأعود ولن أجدك في البيت أفزعني ،وخز في الصدر لم اعرفه من قبل.
-لماذا لم تتشبث بي ،تعتذر وتعترف بحبي،ترفض الطلاق وتسعى لترضيني.
-لأن النظرة التي اعتدت أن أراها بعينيك اختفت،لمعة الحب كلما رأيتني،لهفتك علي في مرضي،شوقك في استقبالي مهما تأخرت ،العتاب بعينيك كلما أسأت إليك،كل هذا اختفى ،وحلت نظرة كراهية ،جمود ،قسوة وانت تضعين أوراق تنازلك عن كل شيء لتتخلصي مني ،لتبتعدي عن عالمي،برودة نظرتك وصوتك وانت تستقبلين لينا على العشاء ،بل إصرارك أن أحضرها معي كأنك تخبرينني أنني لم أعد أعني لك شيئا، علمت أنني مهما قلت ومهما اعتذرت فقدت مكاني بقلبك وحقي في قربك.
-وما الذي يعطيك هذا الحق اليوم؟ لماذا تصر بعد كل هذه السنين؟
-أديت عقوبتي عذابا من ندم وشوق، يأس حطم كبريائي، وأمل صغير جدا أن يكون لي حظ بقلبك.
-حسن ،انا أسامحك ،سامح نفسك وانس،دع الماضي في الماضي وانظر الى حاضرك ومستقبلك .
يكفي جلدا لنفسك ،أنا أيضا أخطأت لأنني وافقت وأذعنت لمكر زوج خالتي،لو أصررت على الرفض ،أو انفصلت عنك بعد أيام لجنبت نفسي الكثير ،انتبه لنفسك وصحتك هذا هو الأهم الآن.
-كاميليا ،لو باستطاعتي لجثوت أمامك أطلب يدك ،ولكنني أضع قلبي تحت قدمك ،إما أن ترحميه ليعيش بك ولك ،أو تدوسي عليه فما تهم الحياة بعدك.
نظرت إليه ،أين كانت هذه المشاعر يوم كانت تستجدي منه نظرة حنان ،وتحت أي ظلمات كان هذا الحب أيام كان يحرقها بنظرات احتقاره لها.
خانتها دمعة تدحرجت على وجنتها.
-بالله عليك لا تبكي،دموعك أغلى من أن تذرف على مثلي.
-لماذا لم تحبني ؟ لماذا تفننت في تعذيبي؟ لماذا جعلتني أكرهك واكره قلبي الذي أحبك.
استجابت دموعه لدموعها وهو يجيبها
-والله أحببتك فقاومت حبي لك ،أسأت إليك لاقنع قلبي أنني أكرهك ،أهرب من عشقك إلى جسدك اعذبه ،ومن ضميري إلى الخمر أغيبه. أرجوك صدقيني واغفري ذنبي.
-قلت لك أنني سامحتك، أرح ضميرك وليطمئن قلبك ،لم احقد عليك يوما ،وتأكد أنني غفرت لك.
-عودي إلي إذن .
-دعنا نبقى صديقين،أحسن.
-كوني صديقتي وحبيبتي ،وزوجتي لأضمك إلي حلالا ،لأستكين بحضنك مطمئنا.
-لا أستطيع فلا تضغط علي.
-لا توصدي بوجهي باب قلبك،فقد اشتاقت إليك حنايا الفؤاد،تاقت يدي لملمسك ولن المس يدك إلا في الحلال.
-استرح الآن و اعطني وقتا لأفكر .
-لا تفكري طويلا ،فربما لم يعد في العمر متسع.
-لا تقل هذا ،مرضك ليس خطيرا لتيأس.
-لو أعيش بحبك لحظات بين أحضانك لكفتني، وعوضتني الضائع من عمري.
ابتسمت.
-ماعهدتك شاعرا، وها انت تغرقني غزلا.
-مستعد أن أكون نزارا وقيسا، لتشرق ابتسامتك لقلبي شمسا.
-حسن ،سنغير شهادتك من الهندسة الى الشعر ،استرح الآن إلى اللقاء.
-لا تغيبي وعودي الي بالبشرى.
اغمض عينيه يكاد خافقه يتبع معشوقته، آآآه يا قلب لو تقبل.
اختفت ابتسامتها بمجرد أن أغلقت الباب،هل يعرف حقيقة مرضه، هل هي أمنيته الأخيرة ؟ يا إلهي!
أعدت الصالحة الغذاء ،وسألت هل تضع الأكل
-سننتظر عودة عامر ،أين قلت انه ذهب ؟
-لم يقل ،لابد انه ذهب الى مكتب التسويق.
جرس الباب أعلن قدومه ،فتحت الصالحة ،تقدم نحو أمنية قبل أن يسحب يده من خلف ظهره ،ليظهر باقة جميلة من ورود حمراء نسقت بفن.
-آه،ما أجملها!لمن هي؟
-وهل في الدنيا امرأة تستحقها غيرك؟
-أنا؟
-نعم انت ،خذيها فقد اشتاقت لك.
ضحكت زوجة عمه.
-هل انت عامر ولدي؟
-في نسخة افضل.ههههه
تأبطت ذراعه
-انا عاتبة عليك،ألم تتذكر امك بوردة؟
-أطلبي ما تشاءين أمي ،إلا الورد فهو للورد.
تنظر اليهما بدهشة
-ماذا بك أمنية ؟ عامر ابن عمك من حقه أن يشكرك بباقة جميلة .
-يشكرني على ماذا؟
-أشكرك على وجودك بحياتي وحياة جاد ابننا.
-وانا قبلت شكرك ،سأضع الزهور في الماء ،الصالحة ،ضعي الأكل على المائدة.
توجهت الى المطبخ تأخذ مزهرية،تهز رأسها غير مصدقة أن هذا عامر ،وما هذا التفاهم بينه وبين أمها؟!
هل سترحل هذا المساء ؟
-نعم ،وأعود غدا مع جدي وعمي لحفل صديقتك.
-حسن لا تتأخروا ،لا تنس أن جدي سيكون وليها.
نأكل ونخرج لنشتري لباسنا للحفل ،ثم تذهب لتصل قبل الليل.
أصر أن يكون معها وهي تختار قفطانها وقفطان العروس الذي اختارته أمها.ثم ذهبوا لتختار له بذلة وقميصا وجاد مثله.أخذت المشتريات معها إلى الفيلا بينما غادر هو سعيدا بيومه معها.
انهت كل أشغالها بالشركة لتتوجه إلى البيت تشتهي الاستلقاء على فراشها لتريح جسدها المتعب.
كانوا يجلسون بالبهو قبالة الباب ،بيد كل منهم فنجان قهوة.
-Les trois mousquetaires.فرساني الثلاثة
ضحك الجد بينما هتف يوسف
-مهندستنا الجميلة !
-بل أميرتنا زهرة الكاميليا.
-لشد ما كان أبوكما يحب زهرة الكاميليا و نوى أن يزرع منها حوضا.
قال الجد.
-أخبرتني أمي في رسالة تركتها لي،لهذا أسمتني كاميليا.
-أنهيت كل الرسومات كامي.
-نعم ،وراجعت مع المهندسين.ضاع علي التسوق اليوم ،وغدا الجمعة لا تفتح المحلات المتخصصة بالزي التقليدي.
-لا يهم ،حنة تولت أمر لباسك ،وكما أحببت قفطانين من أجمل ما اخترت.
-أثق في ذوق حنة يا جدي ،حتى أن قفاطينها القديمة أصبحت موضة اليوم. التفتت إلى أخيها تسأله:هل اشترت عائشة ما تحتاجه؟
-نعم ،لم تقبل في البداية ولكنني اقنعتها .
-مبارك ،أستأذن فأنا فعلا منهكة.
-ماذا فعلت بالمستشفى اليوم؟
سؤال العم جعلها تعود أدراجها لتجلس قربه بمواجهة جدها.اخذت فنجان يوسف ترتشف منه .
-جلست مع مراد طويلا ،استمعت اليه،يبدو انه يعرف حقيقة مرضه.
-عرض عليك الزواج؟
-نعم ،رأيت ضعفه وأشفقت أن أعلن رفضي فتعللت بالتفكير.
-قررت الرفض إذن؟
-أخاف أن ارتبط به مرة أخرى ،يلزمني وقت لأثق به .
-قد لا يملك الوقت لينتظر .
-ذاك ما اخبرني به ،لهذا خمنت انه يعرف حقيقة مرضه.اقترحت أن نكتفي بالصداقة، أزوره، وأدعمه، ولكنه يريد أكثر .
-لو كان مرضه كما نظن ،فلن يكون فرق،سوى شرعية وجودك معه،غير أنك لو مات لا قدر الله ستحملين لقب الأرملة.
كأنها تكلم نفسها
-وهل يهمني لقبي بعده؟
مد جدها يده إليها بحنان
-تعالي يا ابنتي.
وضعت يدها بيده وانتقلت إلى جواره ،فضمها إليه
-يكفيك عذابا ،أريحي قلبك وقلبه، تزوجيه وعيشي معه ما تبقى من عمره قصيرا كان أو طويلا ،اصنعي ذكريات تمحو الأيام الصعبة ،افتحي قلبك لشعاع الأمل يطرد برودة الوحدة.
انسابت دموعها مع كلماته .
-مارأيته ضعيفا كاليوم، يبكي كطفل تائه، قال أنه يرفض الحياة من دوني .
-هل تصدقينه؟
-لم يكذب يوما ،ولم يزيف مشاعره،فهل سيكذب الآن والموت يتربص به؟
-الأعمار بيد الله .نحن معك مهما قررت ،لو رضيت بالرجوع إليه يعقد عليك مع عقد أخيك على خطيبته.
-والوثائق المطلوبة ؟ وموافقة القاضي؟
ابتسموا ،فأخيرا سقط الدرع من يدها واستسلمت لسطان القلب.
-القاضي سيوافق غدا ،تقرير الكشف الطبي يعده وسام ،ومحامي الشركة يحضر الباقي. نقول مبروك؟
رد جده
-الله يبارك فيك.وحنة ستحضر لك أحد قفاطينها للحناء.
-نسيتم أنه لا يستطيع مغادرة المستشفى .
-أراهنك أنه غدا سيكون بأحسن حال.
-تخسر يا يوسف.
-مكالمة صغيرة ،ويبيت بأرض الأحلام ،ليتعجب طبيبه صباحا.خذي هذا رقمه ،كلميه قبل أن ينام.
-هل تآمرتم معه علي؟
اجابها العم:
-جدك لا تخطئ فراسته،سبر أغواره منذ أول لقاء،كلمه ،لامه و أخبره أن مرضه أنقذه من يديه،تقبل لومه و امتص غضبه،وأخذ منه وعدا أنه سيحافظ عليك ولو بحياته.
-متى كان هذا؟
-لما قلنا أننا سنتجول في المدينة.
-هيا قومي لتكلميه وتنامي، اعتني بنفسك لتشرقي يوم السبت.
-هل كنتم متأكدين أنني سأوافق.
-هههههه،مهما كابرت العيون تفضح المستور، وانت كنت تحت مجهر خبراء.
-صدقت أخي،من يرى جدي وعمي ،يخاف أن ينطق كلمة حب أمامهما، وهما قيس ليلى وجميل بثينة.
-قومي قبل أن أقلب عليك ،هيا.
نهرها جدها،لتسرع نحو غرفتها ضاحكة.
رن الهاتف على المنضدة قربه،ظن انها أمه تكلمه لتتمنى له ليلة طيبة كعادتها منذ زارته.غير أن صوتا طالما اشتاق إليه رن بأذنه.
-السلام عليكم ،اتمنى ألا اكون أزعجتك نومك.
-وعليكم السلام ،لم انم بعد ،أسعدني صوتك حبيبتي.
-لن أطيل عليك ،أنا موافقة ..
-هل سمعت جيدا ؟ ماذا قلت؟
-أنا موافقة .
نظر الى شاشة الهاتف يتأكد أنه مفتوح فعلا.
-أنا لا احلم ؟ قولي أنني لا أحلم
-مراد ،اهدأ واسمعني ،انا موافقة ،كلم وسام ليعد تقرير الكشف الصحي المطلوب للزواج ،و أباك لأجل باقي الوثائق ،لنكتب عقد القران مع يوسف وعائشة بعد غد .