رواية انسحاب
الفصل الخامس5
بقلم حكاوي مسائية
بعد أن اطمأنت على صديقتها وعلى الصغير ،هاتفت عائشة تبشرها ،ثم هاتفت والدي أمنية
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ،كيف حال أمنية
-مبروك عمي ،صرت جدا لطفل جميل.
أمنية معك .
مدت الهاتف لأمنية التي أجهشت باكية
-نعم بابا ،انا بخير
-......
-لأنني اشتقت لكم .
-....
-ماما ،صرت جدة ،لا ماما لا تزعردي، يجب أن يبقى سرا
-.......
-مازلت لم أفكر في الأمر بعد ،لا أريده أن يعرف .
-......
-ماما ،تعرفين أنه لا يهتم إلا للمال والثروة ،لن أخبره ،ليس قبل أن تنجب له ابنة خاله ،وإلا نازعني على ابني.
-......
-نعم اخبري جدي ،لا لم اسمه بعد .
-......
_حسنا سأترك لكم اختيار اسمه ،ولكن ليس اسم عمي ارجوكم ،انا لا أكره عمي ،ولا اعرفه ،ولكن يكفي انه اب عامر .
-.....
-حسنا ،ولكن ليكن غدا ،لاسجله قبل الخروج من المستشفى.
مرت ثلاثة أشهر ،وحان موعد رجوعه أمنية ،يكاد قلبها ينفطر لفراق جاد ،فقد اختاروا له اسم جاد .
-لولا دراستي لعدت معك احمل جاد وانسبه لي .
-وهل نسيت انك طلقت قبل شهور فقط ؟ قد يطالبك به طليقك .
ضحكت كاميليا.
-طفل مهرب ،مهمَن كانت أمه سيحدث نزاع عليه.
-لن أوصيك عليه وقد رأيت تعلقك به .
-إنه ابني الذي عوضني الله به عن طفلي الذي حكم عليه أبوه بالموت.
ابتسمت وهي تمسح دمعة تدحرجت غصبا على وجنتها
-الحمد لله الذي سخر لنا تطبيقات المكالمات المرئية ،ستكونين معنا كل حين .
-وكيف ستتصرفين أوقات الجامعة.
-في الجامعة حضانة ،فلست الأم الوحيدة ،وقد أخبرتهم عن جاد وحجزت له مكانا ،أما في وقت انشغالي بالمدرسة ،فجارتنا المغربية عرضت أن تعتني به ،لا تقلقي ،ستكون رائعة معه ،المهاجرين سند لبعضهم فاطمئني.
عادت أمنية، لتجد والديها في استقبالها ،دفنت حزن فراق وليدها باحضان والدتها ،بينما رأت السعادة والفخر بعيني جدها .
-تعالي معي إلى المكتب
تبعته كما أمر
-أخبريني، بحكم اطلاعك على أحكام الشرع وقانون المدونة الجديدة ،لمن تجوز الوصية؟
-الوصية لغير الوارث ،ولا تتعدى ثلث التركة .
-وتكون موجبة التنفيذ بعد وفاة الموصي؟
-نعم ،ولكن لماذا تسأل ياجدي .
-لأنني أنوي أن اوصي لك ببعض مالي.
-لا يا جدي ،لا أريد ،قد تشعل نارا خمدت أخيرا .
-وفاة ولدي أبي عامر جعلتني اومن أن الابن او الحفيد قد يسبق أباه او جده ،وقد كنت أنوي أن اغرس عامر مكان أبيه لولا قانون المدونة الجديد ،ولكنني اليوم أنوي أن اعاقبه على عصيانه وكرهه لعائلته، واعوضك عما عانيته معه بسببي.
-انا لم اعاني جدي ،فلا تحمل نفسك ذنبا لا وجود له .
-تبخسينني تجربتي في الحياة ،كما تبخسين ذكائي إذا ظننت أنني لم أر أثر معاناتك معه على محياك ،أعلم يا ابنتي أن للرجل طرقا في تعذيب زوجته غير الضرب ،وزوج حاقد كعامر لن يعدَم طريقة بل طرقا ليمارس حقده .لا سامح الله أمه التي أرضعته الكره والبغض.
-أحكي لك جدي حكاية الرجل المبشر بالجنة .
لقد كان رسول الله ينبئ أصحابه أن رجلا من أهل الجنة سيدخل عليهم ،وطيلة تلاتة أيام كان نفس الرجل ،فأراد احد شباب الصحابة أن يعلم عمله لعله يقتدي به ،فادعى أنه غاضب من ابيه وسيبيت عنده ،ومرت ثلاث ليال وهو لا يراه قائما الليل كله ولا صائما كل يوم ،فلما احتار في أمره صارحه عن السبب الحقيقي لمبيته عنده ،وسأله
ماسرك لتبشر بالجنة ،فاجابه
-كما رأيت ،لا أكلف نفسي ألا ما كلفها الله ،غير أنني كل ليلة قبل أن أنام أشهد الله أنني قد سامحت وغفرت لكل من أذاني بيده او بلسانه علمت او لم أعلم.
سامح يا جدي واغفر ،ألا نريد أن يغفر الله لنا .
-ونعم بالله ،زوجتها أباك لأحافظ على الأسرة ،وتمنيت أن تلد له لترتبط بنا أكثر ،ولكنها دخلت كالحية تنفث سمها بعقل وقلب عامر حتى أفسدت عليه حياته.
-هاقد قلت المفيد ،أفسد عليه حياته ،ما شأننا نحن ؟ الأفضل لنا أن ننسى ونسامح لنعيش بسلام.
-أعلم أنني لن اغلبك،محامية مهنتك الإقناع وسلاحك الكلام .
ضحكت ورافقته خارج المكتب ليواصلوا سهرتهم معا وكاميليا معهم لنصف ساعة عبر الهاتف ،يرون لعب جاد معها قبل أن يغفو بحضنها
-وداعا ،سأذهب لأنام بحضن صغيري .
تعودت أن أنام وهو بحضني ،أصبح محور حياتي وزهرتها، وكلما مرت الأسابيع أحببته أكثر وأشفقت على نفسي من يوم فراقه.
حرصت أن اصور يوم حبا لأول مرة ،و كم طرت فرحا وهو يناديني لأول مرة ،ماما ،ونسيت أنني لست أمه ،ثم أنكرت أنه نطقها حفاظا على مشاعر أمنية ،ولما جلسنا نكلمها كالعادة أشرت إليها على شاشة الهاتف وقلت
-ماما ،هيا حبيبي قل ماما.
ورأيت دموع الفرح على وجنتيها لما نطقها
-تعالي يا أمنية ،يجب أن يراك ويحس بحضنك .
شجعتها على القدوم حتى أعلم نفسي أنه ليس لي ،يجب أن انتزعه من حضني لينام بحضنها هي ،لتنعم به ،واستيقن أنني مربيته ليس إلا.
نعم أحبه، نعم أرى فيه ابني شهيد كراهية أبيه، نعم أفاض نبع الأمومة بقلبي وانساني مأساتي، ولكنه ليس لي ،ليس ابني ،وأمه التي أخفته عن أبيه جنينا حتى لا يكون مصيره كمصير طفلي ،ثم هربت به الى ماوراء البحر لتبعده عن حقد أبيه، ثم ضحت بأمومتها وسعادتها بجانبه لأجله ،أمه أحق بلحظاته الأولى في كل شيء .ولهذا اخفيت عنها أنني سمعت نداء أول مرة ،ثم بعد ذلك ،طلبت أن تأتي لأنه مريض بسبب التسنين، لترى بياض سنه الأول ،وبعد ذلك أنكرت خطوته الأولى ،وادعيت أنني سأمتحن وعليها المجيء ،ولما ارتاحت جعلته يقف مستندا الى الاريكة ،وجلست الى جانبها ثم دعوته.
-جاد ،هاهي ماما .
التفت وخطا خطوة مترنحة نحونا ،فادعيت الدهشة
-انظري أمنية، إنه يخطو .
هبت إليه تعانقه بين دموع وقبلات شوق ولهفة
-هكذا إذن أيها المحتال ،تحتفظ بالمفاجأة لماما .
-انت أيضا أمه يا كامي ألا يناديك ماما .
-والله ،احاول أن اجعله يناديني كامي، وسهلتها له وحاولت أن أعلمه طاطا ،ولكنه يرفض.
-وانا لا أمانع ،ابني محظوظ بك ،كم ولد له أمان؟
-جاد فقط ،لأن جاد ليس ككل الأطفال .
واستلقينا على السجاد نلاعبه وهو يضحك سعيدا بنا.
مرت الشهور ،تعرف جاد على جديه ،وجده الأكبر ،وعائشة ،وتعلم أن يناديها طاطا ،وكم أسعدها نداءه،بينما علمته أن ينادي ام عائشة نانا،أعلم أنها تحلم بأحفادها من عائشة ،ولكن الأيام تمر والأخيرة في انتظار. لا ينطفئ الأمل بقلبها .
لم اخبركم أنني في الشهر الأول بفرنسا أنهيت رسومات الديكور التي كلفتني بها عائشة ،لم اسأل عن مصيرها ،ولا عائشة اخبرتني،فظننت انها لم تعجب رئيسها ،ونسيت الأمر ،ولكنها بعثت لي مشاريع أخرى عملت عليها ،وكلما ارسلت لها الرسومات عبر البريد الإلكتروني، لا تخبرني عن مصيرها ،وقبل أيام ارسلت لي مشروعا جديدا
-لا تتعبي نفسك يا عائشة ،مادامت رسوماتي لا تعجب رئيسك ،فما الداعي .
-إنما أدربك لتخرجي أفضل ما عندك .
-ورغم دراستي هندسة الديكور ،يبدو أن مهندسيكم أفضل مني.
-لا تهتمي من الأفضل، ركزي انت وقدمي اقتراحاتك ،اريد أن أضمن لك عملا بالشركة لما تعودين .
-الآن وقد عرفت هدفك ،لا بأس ،دعينا نحاول ابهار السيد يوسف.
هوذاك، ابهريه!
كنا نحتفل بعيد ميلاد جاد الثاني ،أمنية وانا وفاطمة السيدة الخمسينية التي ساعدتني كثيرا في تربيته.كعادته الجميلة يوزع علينا قبلاته ،لعب حتى اتعبنا فنام، وودعتنا فاطمة .
جمعت اللعب في صندوقها بينما اهتمت أمنية بترتيب الصالون ،وأعددنا عشاء بسيطا ثم جلسنا امام التلفاز
-كم بقي لك قبل تقديم مشروع الدكتوراه.
-ثلاثة أشهر .
-وهل انت جاهزة
-نعم ،وبمشروعين ،واحد اقترحته علي عائشة ،شركتهم اخذت مشروع بناء منتجع سياحي ببلد أفريقي، اضطررت أن أدرس جغرافيته وحالته الاقتصادية والسياسية قبل أن ابدأ في الرسومات ،طبعا مركزة على تضاريس ومناخ مكان المنتجع.
-والآخر ؟
-من اقتراح الاستاذ المشرف علي،وهو عن بنايات اقتصادية وفي نفس الوقت مريحة و ملبية لاحتياجات ساكنيها.
-المهم أن تكون قوية بما يكفي وليست آيلة للسقوط كما نرى في السكن الاقتصادي عندنا .
-رسومات المهندس ترافقها حسابات دقيقة عن الحديد والأسمنت والاساسات، وهذه الحسابات لو نفذت بأمانة كان البناء قويا ،ولكن صاحب المشروع قد يقتصد في المصاريف زيادة في الأرباح وهذا ما يحدث عندنا .
-وعندهم؟
-لا يسلم إذن البيع قبل تفتيش دقيق ،ولهذا قلت لك انه كلفني وأكد أن تكون الشقق مريحة صالحة للسكن ،تهوية واتساعا، ومرافق أساسية ،زيادة على حدائق محيطة بالبناء.
-يعني ليست كتلك الصناديق المسماة عندنا سكنا اقتصاديا ،ولو تذمر الزبون اجابوه :زد الماء زد الدقيق.يعني زد المال إن احببت الأحسن.
-ماذا لو قلت لك أن تلك الشقق ميزانية بناءها ثلث ثمنها؟
-لا تخبريني سرا حبيبتي ،فقد افشي السر بعد دعاوى من الزبناء الذين اكتشفوا عيوبا خطيرة في البناء، وإلا كيف قدمت مع مطبخ مجهز ،ثم مفروشة بالكامل ،ولما قل عليها الطلب رغم العروض ،نقصوا الثمن .
-لو أخلصوا النية واتقنوا العمل ما احتاجوا إلى عروض للأغراء.
-مساكن تذكرني بالغواني،تتجمل وتحت الزينة جسد متهاوي.
ماذا عن شهادة الديكور .
-لهذا طلبت منك أن تخططين للمكوث معنا أكثر من الأسبوع المعتاد ،بداية الأسبوع القادم حفل التخرج وتقديم الشواهد ،واريدكما معي .
-صحيح ،ياله من خبر سعيد .
-سيكون معي جاد ،تميمة حظي.
-تستحقين كل الحظ لقلبك الطيب كامي ،ثم لا تستهيني بذكاءك واجتهادك.
(ذكرتني بكلمة كانت على لسان مراد ،كلما اراد تحقيري
-غبية مثلك تتزوج مراد فايز ،ليتك كنت جميلة لكان لك مؤهل يجعلك اهلا لتكوني مدام فايز .
ولما يطول صمتي ولا أجيب ،يمسك بشعري
-انظري إلي ايتها *****ماذا لديك لتقدميه غير جسدك الوضيع ،لا مال ولا عائلة ولا ذكاء ولا جمال .
-أترك شعري ،انت تؤلمني .
-عجبا ،اتحسين؟ هل لك مشاعر مثلنا
ثم يقذفني بعيدا على الأرض ويمسح يده مشمئزا )
-كامي ،أين ذهبت ؟
عدت الى الواقع
-انا هنا معك.
-حبيبتي ،لا تفكري فيما مضى ،فكري في حاضرك ، هاأنت دكتورة وفوق هذا مهندسة ديكور ،وغدا تعودين وتعملين بمؤهلاتك وتنجحين.
-ليته ترك لي طفلي ،لكان أخا لجاد، اربيهما معا ،ويكون لي مؤنسا أعيش له العمر كله.
-ستجدين من يستحق أن يكون أبا لأولادك ،من يحبك ويعلمهم حبك ،من يفتخر بك ويربيهم على الافتخار بك.
أخبريني، متى تنوين الرجوع إلى الوطن .
-بعد ثلاثة أشهر سأقدم مشروعي ،وأقدم معه مشروع شركة عائشة ،ثم انتظر ثلاثة أشهر أخرى حتى اتمم مشروع اعمل عليه مع استاذي.واعود
-يعني ستة او سبعة أشهر.
-نعم ،ناقص او زائد .
-ترجمتها ،ههههه .
-تعجبني ،فتبنيتها هههههه.
-سأعد الفيلا ،لتعيشي فيها مع جاد
-ألم تبيعيها؟
-لا ،رفض جدي ،وهو من أرسل ثمن البيت، أخبرتني أمي لما قلت أنني سأشتري فيلا صغيرة لجاد.
-الأسرة سند وظهر وحماية .
-صحيح ،ما شأن ابيك وأخيك ،تركا لي انطباعا انهما عالة عليك.
-هما كذلك .
-سمعت طليقك يقول انه اشتراك من أبيك فتعجبت ،ماكنت لأصدق لولا مارأيت منهما.
-لقد باعني ،وبطريقة مهينة، لا سامحه الله.
-كيف لأب أن يبيع بنته ،لحمه وعرضه.
-لأنني لست ابنته ،لا لحمه ولا عرضه ،حقيقة علمتها قبل سنين ،كبرت وانا أرى الكره في نظرته ومعاملته، كانت أمي هي ملجأي من عنفه هو وأخي، ويوم اخذت الباكالوريا ،عدت ابشر أمي ،فقد اجتهدت حتى أستطيع ولوج كلية الهندسة،اتفقنا انا وعائشة منذ الطفولة أن نكون مهندستين، ونبني فيلا كبيرة نعيش فيها انا وهي مع أسرتينا ،حلم طفولة ،أخذنا منه الجزء الأهم لما فهمنا أننا لا يمكن أن نعيش معا .عدت اقفز من الفرحة
-ماما لقد نجحنا انا وعائشة ،سأدخل كلية الهندسة .
عانقتني مهنئة بينما تكلم أبي ساخرا
-كلية الهندسة مرة واحدة ،ومن سيصرف عليك؟
كفاك لعبا ،سأزوجك لأول خاطب لنرتاح منك .
جعلتني أمي وراءها وواجهته
-ومتى صرفت عليها فلسا واحدا ،انت وابنك تعيشان من خيرها أم انك صدقت كذبتك.
امتدت يده يجذب ذراعها
-اخرسي ،وهذا البيت الذي يؤويها، أليس له ثمن ،وابني أليس ولدك أيضا ،أم تفضلينها عليه ،تفضلين ابنة حرام عليه.
سقطت مغشيا علي من هول ما سمعت ،انا ابنة حرام ،أمي التقية المتدينة حملت بي سفاحا ؟!!!!
افقت في المستشفى ،وأمي منهارة تبكي بجانبي ،تواسيها خالتي سعدية ام عائشة .
-آآآآآآه، رأسي ،ما الذي حدث؟
-كاميليا حبيبتي .
رأيتها فتذكر ما سمعت وانهرت باكية
-قولي انه كاذب وسأصدقك ،انا لست ابنة حرام. لا يمكن أن تفعلي بي هذا!!!.
اجابتني الخالة سعدية
-كوني قوية كامي ،انت لست ابنة حرام حاشا لله ،ولكن الحقيقة مرة ،يجب أن تكوني ابنة امك ،قوية لتتحمليها .
خرجنا من المستشفى الى بيت الخالة سعدية ،ولما ارتحت وزال عني الصداع،قالت أمي.
-قومي يا كامي لتعرفي الحقيقة .
اخذتني إلى المقبرة ،و على قبر حف بحجر أصفر قاني ،تعلوه رخامة كتبت عليها آخر آية من سورة الفجر (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية )
ظننت أنني سأقرأ اسم رجل هو أبي، فإذا بي اقرأ
هنا ترقد جميلة الأيوبي .
وتاريخ ازدياد ثم تاريخ وفاتها .
والذي هو تاريخ ولادتي .
-هذه أمك يا كاميليا ،أنجبتك ولكن قلبها أضعف من أن يتحمل الحمل والولادة ،وضعتك بين يدي وأوصتني بك خيرا ،جميلة اختي الصغيرة،انت صورة منها ،حتى قلبك طيب كقلبها.
-وأبي ،من يكون أبي ؟ أم أنها لم تكن متزوجة ؟
-كفاك يا كاميليا ،خذي هذا عقد زواجها من أبيك ،وهذا عقد البيت ذي الأدوار الأربعة بثمان شقق ،الذي كتبه لها قبل وفاته .
-أليس له أهل، أين أعمامي ،جدي ،عمة واحدة ،احد أنسب نفسي إليه.
-لا نعرف له اهلا ،غير انه أخبر جميلة أنهم يرفضون زواجه منها ،فادعى أنه طلقها ،ولما أحس قرب أجله كتب لها البيت وأوصاها على ابنه الذي ببطنها .كان مريض سرطان الحنجرة ،أخفى مرضه على أهله، ثم لما يئس من العلاج سافر اليهم ليموت بينهم ويكفيها النزاع معهم ،مات وهم لا يعلمون أن له زوجة حاملا منه ،وهو لا يعلم انها مريضة القلب ،نصحتها طبيبتها بالتخلي عنك حفاظا على صحتها ولكنها رفضت ،حبا في أبيك ،ولما ولدتك فرحت بك .
-انظري ،عيناها تشبه عيني خالد ،وشعرها اسود مثله ،اعتني بها يا اختي ،احبيها لأجلي ،اسمها كاميليا ،كما كان يحلو له أن يناديني ،زهرة الكاميليا.
تركتك لي ،لم يقبلك زوجي ولكنه رضي لأن إيجار الشقق كان مدخولا سهلا ،يأخذ نصفه بدعوى أنه يقدم لك أسرة، يضيعه على موائد القمار ،وللأسف لقن ابني كرهك ،وعلمه إدمان السجائر والخمر ،حاول أن يجعلني ازوجك ابني ليضمن له البيت ومدخوله، ولكنني رفضت ،انت أمانة ،والأمانة غالية غلاء فقيدتي ،انت ابنتي أكثر من ابني الجاحد .
بكت بحضني ،وبكيت بحضنها ،لا ندري اينا تواسي الأخرى .
معرفتي الحقيقة جعلتني أقرر الا ابقى ببيته ،فذهبت لأعيش مع عائشة وأمها حتى التحقنا بالجامعة ،وتركنا بلدتنا معا .
إيراد البيت أصبح لي منه الثلث ،وأمي الثلث وزوجها الثلث ،حصلت على منحة الدراسة بعد تلاثة أشهر فاردت أن اتخلى لأمي عن نصيبي ،ولكنها رفضت ،وانا تعلمت أن أدخر ولا أصرف أكثر من الضروري ،كنت في السنة الرابعة لما بلغتني الخالة سعدية بضرورة السفر إلى أمي ،ظننت انها قد تكون أخيرا طلقت من الرجل السوء ،رافقتني عائشة ،مهما تكلمت وافترضت ظلت صامتة ،ولما وصلت ،كانت أمي على فراش الموت ،ضمتني واوصتني بنفسي ،بت بحضنها ولكنني افقت وهي لا ،لم تفق .
من حزني عليها كدت أصبح دمية بيد أبي وأخي ،لولا عائشة وأمها .جاء إلي بعد ثلاثة أيام ،وانا عند الخالة سعدية ،لم أقل لك أن أمي ماتت ببيتها ،لأنها كانت تمرضها وتعتني بها عندها ،ولما انقضت أيام العزاء جاء يريد أن يأخذني الى بيته ،كنت كالمغيبة ،لا أتكلم ولا أصدر اي رد فعل ،مد يده ليمسك بي
-انزل يدك بجانبك يا رجل ،ماذا تريد؟
-أريد ابنتي .
-لا ابنة لك عندنا ،والأفضل لك أن تذهب دون فضائح .
-فضائح ،انا من سيفضحكم
-أفعل، أوراق كاميليا كلها عندي ،عاشت معك ولم تنتبه الى اختلاف الاسم لأنها احبتك واعتبرتك ابا لها ،ولأن أمها اخفت عليها الحقيقة ،كما اخفت عنها اسم ابنك ونسبه إليك ،ولكنك نعتتها بغير ماهي ،واضطرت أن تخبرها ،وتبين لها من تكون وماذا تملك ،الأفضل لك أن تدعها وشأنها ولك نصيبك من أيراد البيت كما هو .
-ولكنه لن يكفي ،كان نصيب أمها يكفل مطالب البيت ،وانا لي نصيبي وحدي .
-وأمها ماتت ،وانت رجل وابنك ارجل منك ،لن تكفلكما كاميليا .
-وهل ستنكر فضلي عليها ؟عليها أن تعوضني لأنني كفلتها
-لا تكذب على عارف ،عن أي فضل وأية كفالة تتحدث ،إذا كنت انت وابنك عشتما عالة عليها هي والمرحومة، أقبل بعرضي او اضرب رأسك بأمتن جدار .تفضل غير مطرود.
سفرتني فجرا انا وعائشة ،واضطر أن يقبل عرضها .وزاد مدخولي الضعف ،ولكنني لم أغير عادتي في الادخار .
جاء مراد الى كليتنا فرأيته ،تحول الإعجاب الى حب ،والحب إلى عشق ،خلال تلك الأيام جاء أبي وأخي خلفي ،واستقرا بشقة بالمدينة انا أدفع إيجارها تحت مسمى رد الدين .
أنهيت سنوات الجامعة واضطرت للسكن معهما ،رغم أن معظم وقتي اقضيه باحثة عن عمل انا وعائشة ..
عدت يوما لأجد مائدة العشاء معدة ،تعجبت لذلك ،فكثيرا ما أجد البيت فارغا ،واحضر لهما العشاء قبل أن اقفل على غرفتي بالمفتاح ،كما نبهتني عائشة وأمها.
-تعالي يا كامي ،اخوك وجد عملا ،وهذا اليوم أخذ اول أجرة له .
-مبروك أخي ،ما كان عليك أن تبذر مالك ،انا سعيدة لك .
-إذا كنت سعيدة لي ،فتعالي لتشاركيني فرحتي ،كلي اول وجبة من عرق أخيك .
ضحك أبي ساخرا
-ههههه ،والأخيرة .
-ماذا قلت أبي؟
-اااا لا ،أقصد انك لن ترضي أن ينفق ماله علينا وهو مقبل على الزواج .
-زواج !وانا سأساعدك ،علي تجهيز شقتك كما تحب .
-وهل لك المال الكافي لذلك ؟
-نعم ،فقد ادخرت معظم نصيبي من إيراد البيت .
نظرا الى بعضهما يفركان يديهما طمعا.
أكلت ،وشربت ،لاستيقظ في فراش غريب ،عارية تحت غطاء يجمعني بمراد ،ايقظني صراخ أبي وتهديد أخي ،استيقظ مراد لاعنا ،أحاول استرداد وعيي وانا اغطي جسمي العاري ،عندما دخل رجل آخر
-ماهذه المهزلة ؟
-مهزلة؟ ابنك أضاع شرف ابنتي وتقول مهزلة .
حاول أخي أن يصل الي
-سأقتلك واغسل عاري بدمك .
اخذت فستاني استر جسمي ،حاولت الوقوف ولم استطع ،دوار يمنعني ،ويلقيني أرضا كلما حاولت ،تشبثي بملاءة السرير جعلني أضعف ،أخيرا تكلم الرجل
-دعونا نخرج حتى تستر نفسها .
-لا ستبقى كما هي حتى تأتي الشرطة .
تصوري ،كان يريد أن يفضحني ،ضحك مراد
-الظاهر أن ابنتك تعدت الواحدة والعشرين ،وهي هنا بإرادتها ،محضر زنا ،لن يضرني فأنا الرجل هنا إذا لم تلاحظ .
ملاحظته اسكتت المدعو أبي، ولكن أباه كان أرحم بي
-سيعقد عليها تفاديا للفضيحة .
-وشرفنا الذي مرغه ابنك في الوحل .
-سيعوضه مبلغ مهرها .
-وانا أرفض، لن أعقد عليها ،وتحضر الشرطة ،محام بأقل خبرة يخرجني منها ،انا كنت في غير وعيي ولا اعرف ابنتك ولم تكن معي فكيف وصلت إلى فراشي .
-تمهل يا مراد ،دعني اتولى الأمر، هاه ماذا قلت ،كم تحدد مهر ابنتك .
سمعت المبلغ ،خرجت نحو صالون الجناح استند الى الجدار
-سأعطيك المبلغ أبي ،لا تجبر السيد ولا تستغفلني أكثر.
-من أين لك المال ؟
-مدخراتي ،لقد قلت لك أنني ادخرت معظم إيراد البيت.
-لا مال لك ولا بيت ،أم تدعين ماليس لك أمام عشيقك .
مهما قلت كان يكذبني ،والغريب أن مراد يصدقه هو ،ورغم رفضي عقد علي بالفندق .وأخذني الى شقته الخاصة .
اتضح أنني بعد أن خدراني، أمضيت على عقد بيع البيت ،وعلى شيك بالمبلغ الذي بحت به تحت تأثير المخدر.
-الشيك ممكن صرفه ،ولكن العقد أذا لم يوثق ...
-بعد أن أصبحت أمام الأمر الواقع ،ساومني مرة أخرى
-إذا أردت أن أطلقك منه تممي بيع البيت .
فكرت ،إذا طلقت منه ،أبحث عن عمل بشهادتي،وقد اخذتها بامتياز ،وأعيش مع عائشة والخالة سعدية .فقبلت، واعتمدت المثل القائل :رخيصة بفراقهم.
إذا كان البيت ثمنا لاتخلص من جحيم مراد ،ومن المسمى أبي وابنه ،فليكن ،تممت البيع ،و خدعت مرة أخرى.
كل يوم أعيش اتمنى أن يكون الأخير ،وزاد العذاب لما جاء يوما ليجد المدعو أبي بالبيت
-اهلا بالنسب المشرف ،اي ريح خبيثة جاءت بك .
-أهكذا تستقبل حماك ؟ اشتقت لابنتي فجئت أزورها .
-وانا لا أريدك ببيتي فلتتفضل .
ٌ-ليس قبل أن أقول ما جئت لأجله .
اشجني !هيا !
فرك يديه ولمعت عيناه بخبث
-أعلم أنك ترفض إعلان زواجك من ابنتي ،وهذا حقك ،ولكن سمعتها تضررت ،وسنوات دراستها الجامعية التي صرفت عليها عرق جبيني ضاعت لأنك ترفض أن تعمل بشهادتها. أريد تعويضا مريحا لأختفي.
وهكذا توالى الابتزاز ،وكلما اخذ منه مبلغا أديت عنه من كرامتي وجسدي ،عنف مادي ومعنوي، ألفاظ يندى لها الجبين ،يختمها بأن يبصق على وجهي ويخرج.
قامر وخسر ،ابنه أدمن المخدرات القوية ،فباع البيت ،وضاع ثمنه ،وعاد يبتزه لأن نقطة ضعفه كانت إنكار الزواج بي ،يأنف أن يسمع أنه متزوج من حقيرة مثلي ،وأبي لا يحتاج وصية ،استغله واحسن استغلاله ،حتى ارغمني على الإجهاض وانت تعرفين الباقي.