أخر الاخبار

رواية نفق الجحيم الفصل السابع عشر والثامن عشر بقلم ريناد يوسف

رواية نفق الجحيم 

الفصل السابع عشر والثامن عشر 

بقلم ريناد يوسف 

ال١٠٠ جلده وبص لكرار اللي ضهره بقي شوارع ومنظره يكشش البدن، وحس بشفقه علي حاله، وخصوصاً وهو عيصرخ بإسمه عشان يعتقه، ويترجاه يكف ضرب                   فيه..


لكن شفقته سرعان مااتحولت لرضى عن اللي عيمله وهو عيقول لروحه إنه بعذابه عالدنيا جايز ينصلح حاله ويتبدل ويجتنب عذاب الآخره اللي أوعر وأشد، والجلد ديه مياجيش فيه حاجهه. 


أما كرار فكان حاسس بألم عمره مااختبره ولا داق جزء منه، وفوق الوجع الحيا اللي كان حاسس بيه وهو عيجرا فيه إكده على مرأى ومسمع من الناس كلها،وبقي فرجه للصغير قبل الكبير، وحاسس إن نفسه إتكسرت قبل عينه.. ومن كتر ماكان الوجع فوق إحتماله أغمي عليه وغاب عن الدنيا.


اما أبو دراع فكان طول الوكت عاطي ضهره لكرار وللكل عشان ميشوفش اللي بيجرا فصاحبه واللي قلبه قبل عينه مهيتحملهوش، لكنه مع كل ضربة كورباج كانت تنزل علي جسمه ويصرخ بوجع كانت روحه تشوغ قبالها..لكن عقله كان يصبر فقلبه وروحه ويقولهم هملوه ياخد عقابه يمكن الخوف من الوجع يخليه يراجع نفسه قبل مايحاول يغلط مره تانيه، ويتصلح حاله بعد المحاكمه والجلد اللي قدام عيون الكل ديه. 


قرب كرار من ابو دراع بعد ماأبوه خلص وإبتدا يفكه من على العروسه، وجاله صفوت اخوه يساعده، والتنين خدوه عالطرومبيل وركبوه وهو فدنيا تانيه خالص. 


أما توفيق ففضل واقف مع الشيخ جاهين اللي إبتدا يخطب فالناس القاعده وكلامه موجه بالذات للشباب منهم ويقولهم:


ديه عقاب هوى النفس وقلة الدين.. ديه عقاب الجرى ورا الحرام وعدم الصبر علي حلال ربنا لما ياجي فأوانه.. ديه عقاب كل زاني فاجر.. ديه عقاب كل واحد يستباح عرض غيره ويدنسه.. من إهنه ورايح البصه الشينه اللي هيبصها واحد لوحده مش من محارمه في الطريق وهي معديه، وجات اشتكت منيه هيتحاسب ويتعاقب وتنكسر عينه النجسه قدام الكل. 


وبعد ماخلص كلامه فيه اللي أيده وهلله، وفيه اللي بصله وبص لغازي بنظره هو فاهمها زين،، بمعني شوف اللي حداك فلاول وحاسبه وأوبقي دور علي الناس.. وما كان من جاهين الا إنه ينكس عنيه للأرض بخجل من اللي جايبله اللوم والعار وسط كل الناس، ومخلي جوانب هيبته قدام بعض الناس ناقصه ومش مكتمله.


خلص جاهين كلامه الموجه للناس وبص لتوفيق وقاله: كفوا يامقاول.. عارف إنها صعبه عليك بس والله كفيت ووفيت واديت حق ربك.. ربنا يهديه ليك ويجعلها الغلطه اللي بعدها الاستقامه ومعرفة إن الله حق وحدوده متتخطاش


ودلوك تعاوده للدار وبكره علي اخر النهار تاجي تاخدله عروسته فزفة تشرف الراجل الغلبان قدام كل اهل بلده.. تم جميلك وكيف مارفعت راسه وراسي بيك من لاول، خلي الروس تترفع دايماً باصلك الطيب والاصول اللي مترسخه فروحك.. والبنيه أمانه فرقبك ياتوفيق تخلي عينك عليها وتحميها من اللي هتشوفه علي يد ولدك.. واللي هتشوفه مش قليل.. واني اتوكدت من ديه من عيونه اللي كل ماابص فيهم أشوف محارق شر قايده.


توفيق هز دماغه بموافقه وأمن وراه واستأذنه ووعده بإنه هيحافظ علي شام، ودعاه بكره عالعرس، وجاهين اعتذر منيه لأنه معاه فصل بس قاله إن حكيم ولده سداد وهو اللي هيحضر موطرحه.. وتوفيق رحب بحكيم وقاله يوبقي كنك جيت بالظبط، 


وهمله وراح علي الطرومبيل وعاود بولده لبلده وهو حاسس براحه؛ عشان رجع الحقوق لأصحابها. 


وقف الطرومبيل قدام بوابة البيت ونزل ابو دراع وشال كرار ودخل بيه، وتوفيق بص لولده صفوت وقاله:


 استني إنت ياصفوت متدخلش  البيت.. خد دول.. قالها ومد يده فجيبه وطلع رزمة فلوس جنيهات ومدهاله وهو عيكمل كلامه:


تاخد القرشينات وتاخد معروف واد عمك  وتندلوا البندر تجيب توب عرس زين يلبس وحده ارفع من بدور بشويتين، وتجيب شوار عرس كامل وتجيب للعروسه كل اللي تحتاجه كنك عتجهز وحده من خياتك. 


صفوت: واااه.. وشوار العروسه هنجيبوه إحنا ولا إيه؟ فوق مارضينا باللي بيها كمان هنشوروها فوق دول ودول! 


توفيق زعق بعصبيه: اييييه هو اللي فيها ياد إنت.. ووطي نبرة صوته لما انتبه علي روحه وإنه في الشارع وكمل بغضب مكتوم.. أوعاك أسمعك تقول الكلام ديه تاني ياصفوت ولا حتي بينك وبين روحك..


 المستوره اخوك اللي عيمل فيها إكده وهو اللي كسر نفسها وكسر فرحتها وفرحة اهلها.. واي حاجه هنعملوها عشانها ولا هنجيبوهالها متاجيش حاجه في اللي جرالها وجرالهم علي يد اخوك. 


صفوت:وهو كان على يد اخوي لحاله اياك!.. يابوي بصراحه اني شايف إن كرار إتظلم بجوازته من البت داي.. ليه هو ياخد وحده اتناوبوا عليها رفقاته قدام عنيه وهما ياخدوا بنتَّه بكر! 


ليه إحنا ندفعوا إكده دهب وإكده شوار وهما هيدفع كل واحد فيهم قرشين وياخد عروسه عالجاهز بت بنوت وهو اللي هياخد رايتها.. 


متزعلش مني يابوي بس والله صعيبه علي اى راجل.. صعيبه يابوي.. وكل ديه كتير على كرار غير كسرة نفسه النهاردة قدام كل الخلايق..


 والله اني كنت واقف ومكسوفله.. ليه بس يابوي مضربتهوش بينك وبينه ولا حتي قدامنا إحنا إخواته في حضور الشيخ وبس..


 لعلمك كسرة كرار قبال الناس كلها يابوي مهتطيبش بسهوله وهيفضل الجرح معلم فروحه مهما السنين طالت. 


توفيق: وهو ديه المبُتغى من اللي حوصول ياصفوت..


 إنه يقعد فباله وفاكره ويسيب فروحه علامه كل ماياجي يعمل الغلط نوبه تانيه يفتكرها ويخاف تتكرر.. ودلوك بلا كتر حديت وخد واد عمك وروحوا هاتوا الحاجه.. وأوعاك تسترخص عشان هسأل جدتك عالحاجات اللي هتجيبها لو مليحه ولا سَكه ومليهاش عازه.. 


وإنت عارف ستك لا هتستخسر وتدس عليا كيف أمك ولا هتداري عليك كيف مرتك. 


اتنهد صفوت وهز دماغه بالسمع والطاعه ودخل جاب معروف وراحوا عالعباره عشان يروحوا البندر.


أما في البيت قبل قليل.. 


حوريه من بعيد شافت ولدها علي كتاف أبو دراع وخلجاته متمزعه وضهره شوارع وحالته حاله جريت عليه وهي عتصرخ بإسمه ودخلت ورا ابو دراع اللي دخله جوا بيته ونومه ففرشته علي بطنه عشان مهيقدرش يدخل بيه البيت ويكسر عهده. 


حوريه قعدت جار ولدها عالفرشه وفضلت تولول بحسها العالي وهي عتتطلع علي ضهره وتسمي عليه وتحاول إنها تفوقه، وهو غير الانين مفيش منيه أي استجابه لمحاولاتها.


طلعت حوريه لأبو دراع اللي كان عيغسل وشه من الطرمبه ومسكته من خلجاته وقالتله: 


مين اللي عيمل فولدي إكده وليه.. مين اللي خلى جسمه شوارع ومثل بيه إكده مين؟ 


أبو دراع بصلها بعدم إهتمام ومتكلمش وواصل غسل وشه وراسه من الطربمه، لكن الرد جالها من توفيق اللي قالها:


أني اللي عميلت فيه إكده وبيدي.. وديه حكم ربنا عالزاني ياأم الحشاش الزاني. 


حوريه بصتله وبالدموع ردت عليه:


يابوي على قلبك القاسي اللي معيحنش علي حد واصل، ولا تفرق معاه عشره، ولافيه محبه لاي نفر من أي نوع.. يابوي عالحجر اللى محطوط بين ضلوعك ديه! 


توفيق: اللي يمشي بالاصول وحق ربنا يوبقي فعينك قاسي وقلبه حجر ومعيحبش حد صوح؟ 


له يابت عمي اني قلبي فيه محبه لكل الناس اللي زيك ميتوصلش لربعها ولا يعرف قدرها حتي.. لكن خوفي من الله غالب علي محبتي                    للمخلوق..


 وعشان اللي زيك وزي ولدك آخر حاجه عتفكروا فيها رضى ربنا وغضبه.. فاللي زيي حداكم قلبه قاسي.. يابوي أني راضي بقساوة قلبي وفرحان بيها..


 واللي عاجبه يقعد معايا بقساوتي أهلاً وسهلا واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل.. واللي بيني وبينك كلمه وإتقالت، واللي بيني وبين أي حد تاني كلمة وداع يقولها ويفارق. 


حوريه ردت عليه بعتب بعد ماحست إنه بايع خالص وإنه حتي محداهش نيه للرجوع، غيرت نبرتها من اللوم للعتب اللين وقالتله:


وتهون عليك بت عمك ورفيقة عمرك ياتوفيق تمشي ومتشوفهاش مره تانيه؟ واني اللي عتمني كل يوم إنه يجعل يومي قبل يومك وتوديني بيدك لقبري واموت علي يدك. إكده ياتوفيق هانت حوريه خالص!


توفيق بصلها ومردش وهي كملت: خلاص عاد ياتوفيق اهو كرار إتجوز البت وعيمل كل اللي أمرت بيه يوبقي أنى لساك واخدني بذنبه ليه! ولا إنت ماصدقت؟ 


توفيق إتنهد وبص بعيد، وحوريه عرفت إنها عالطريق الصحيح وكملت بدلع :


واني اللي قولت هيعاود النهارده وهو راددني لعصمته حدا المأذون اللي هيكتب لولده، ويعاود يدفي فرشتي وانام علي انفاسه اللي إتوحشتها.. اتاريني ولا فبالك! 


خلصت حديتها وإتحركت من قدامه بزعل وهو مردش عليها وبعد مامشت بص لابو دراع وقاله:


احممم.. ابو دراع نادملي أبوك عشان واصلين للشيخ عطيتو المأذون وقوله هم قوام قبل الليل مايليل. 


خلص حديته ودب عكازه في الأرض وإتحرك وهمل أبو دراع عيهمس لروحه من وراه:


نخيت يامقاول من أول كلمتين ناعمين؟ والله إحنا الرجاله غلابه قوي ياخال. 


دخل توفيق البيت وقعد جار أمه وحكالها كل اللي حوصول معاه واللي عيمله وهي طبطبت على روحه التعبانه بكلمتين، ونبهته لإنه لازمن يدهن أوضة كرار بالجير عشان العروسه الجديده، ويجيبله عفشه زينه عشان يفرحه..


 وهو قالها إنه هيعمل إكده بس بعدين مش دلوك؛ عشان مقدامهوش وكت يعمل كل ديه. 


وقام وقف علي حيله وهو سامع مخلوف عينادم عليه من بره وعدل عبايته علي كتافه زين قبل مايطلع وهو باصص علي حوريه اللي كانت واقفه علي باب الموطبخ وبصاله بصة توسل. 


عديله: رايح وين ياولدي دلوك في المغارب؟ 


توفيق: رايح ارد حوريه لعصمتي يمه. 


عديله: بوووووه.. ليه ياولدي ليه.. داني كنت هشيع للدلاله تشوفلي عروسه ليك زينه وأجوزك واهنيك واجيبلك اللي ترجعلك شبابك اللي إتفني مع بوز الاخص داي! 


توفيق بضحكه: خلاص عاد يام توفيق الشباب اللي راح معيعاودشي تاني.. وبعدين ولدك مفيهش حيل لجلع نسوان صغار ولا فيه خلق يحادي ويدادي ويجلع.. يلا مسك الختام ياحجه. 


عديله: والله ياولدي بحوريه هيوبقي يلا زفت الختام.. يلا عاد مكتوبالها بت معوض تقعد فزورك العمر كله.


توفيق: النصيب وعمايله يمه، واني طول عمري راضي بنصيبي وعحمد ربنا علي كل اللي يجيبه. 


عديله: إيوه الله ياولدي الحمد لله علي قضاه وقدره.. ربنا يجازي صبرك ويجعل عوضك في الاخره بحور العين.. الحوريات اللي من صوح مش الشواطين اللي إسمهم غير وصفهم. 


ضحك توفيق على أمه وطلع من البيت وبمجرد طلعوعه طلعت حوريه اللي كانت سامعه كل الحديت اللي دار بين توفيق وأمه، وراحت قدام عديله وفضلت تطق بصوابعها وتترقص قدامها وتغيظ فيها وهي عتغني:


 وياااالوليف عاود لوليييفه، واللي متغاظ مننا ياحيييفه.. وحبيبي توفيق الليله راجع لبيته.. ويااااطياره طيري ياطياره.. توفيق حبيبي معاود علي داره. 


وعديله كانت بصالها وهي عتترقص وهمست بحس مسموع: اترقصي واتبعتري ياوقيد الحريم ياللي عامله روحك مره ولالا.. جاكي نورج يقب راسك قب ويريح ولدي ويريحني منك. 


وكملت حوريه رقص وغناوي بحسها العالي وكل ناس البيت إتجمعوا علي حسها وكله إبتدا يسقفلها وهي ترقص، وحتي عديله بقت تسقف معاهم بس سقفتها كانت تشبه الندب وهي مبتسمه بغيظ ومن جواها عايزه تقوم تسك راس حوريه في الكانون وتتدفي بيها. 


خلصت حوريه رقص وقعدت بعد ماتعبت وبصت للبنات وقالتلهم:ودولي بستلة ميه فايره فغرفتي يابنته عايزه اتسبح واغير خلجاتي قبل ماتوفيق ياجي. 


عديله ردت عليها: نسيتي ولدك المضروب ومتبهدل ومتهان ومرمي كيف شريط اللمضه فبيت الجنينه ووعيتي لحالك دلوك! صوح حريم آخر زمن.


حوريه:هيروق ولدي مهتجرالهوشي حاجه، وبعدين ديه ابوه اللي ضربه ميعملش حاجه


عديله: يمي يمي علي مُحن الحريم وقلة ادبها اللي عيهون قصادها الضنا وعتموت عزة النفس. بقي ابوه النهارده وميعملش حاجه! 


حوريه:مرت عمي متتعبيش حالك عشان مهتقدريش تنكدي عليا النهارده.


عديله: ينكد عليكي ربنا من حداه اني لا هتعب ولا هنكد. 


أما حدا بيت عبد الصمد.. 


بمجرد ماتوفيق وعياله مشوا والرجاله اللي كانت متجمعه مشت والطريق فضيت، إبتدت الحريم تطلع من بيوتها وتجري علي بيت عبد الصمد؛ يتاكدوا من إن كل اللي شافوه من فوق سطوح بيوتهم حقيقه وإنهم مكانوش عيهزوا!


وبمجرد دخولهم للبيت إبتدت دهب تزغرت وخصوصي قدام ام صابر اللي كانت أول الحاضرين، وعينها طلعت علي الدهب اللي بسطته دهب قدام عنين الكل، وكل الحريم خدتها الهوله من الدهب اللي مجاش زيه شبكه لبت اكبر راس في البلد!


 وغير اقفاص الفاكهه والطيور والخير اللي إتملي بيه بيت عبد الصمد، وديه خلي كل كلمه قالتها أم صابر لحد من الحريم ماتت وإتقتلت في التو واللحظه؛ أصل اللي هما شايفينه بعنيهم ديه لا شبكة وحده فاجر، ولا تسويقة وحده حد عيمل فيها ايوتها حاجه!


أما اللي كان ميت بقهرته اكتر واحد هو اللي كان مراقب كل حاجه من شباك اوضته الموارب بسيط، وشايف اللي إتخلي عنها ومرضيش بيها وهي عتتكرم وسط الناس بالدهب والفلوس، والشيخ جاهين ذات نفسه هو اللي عقدلها علي عريسها، والغيره كلت قلبه وكل لما حس إن فراشته الحلوة خلاص هتحوم فبستان حد غيره،


 وإتمني لو إنه وافق إنه ياخدها وستر عليها فحاجه مش بيدها، ومكانش قال لامه ولا لأبوه، لكن للأسف وكت الوجع عيعمي القلب والعقل والنظر. 


أما شام فهملت الحريم تتفرج علي الدهب وتتهول وهي دخلت الأوضه، وفردت جتتها بتعب وهي عتحاول تتخيل حياتها الجايه هتكون كيف.. وأخر ماعقلها تعب من التفكير غمضت عنيها وغفيت بإستسلام للمقدر والمكتوب. 


عاود توفيق بالليل وسأل علي صفوت، وحوريه قالتله إنه لساه معاودش هو وواد عمه من البندر، واتعشي وكانت حوريه محضره عشا زين وبعد العشا طلع توفيق علي غرفته وحصلته حوريه وكل واحد دخل ينام مفضلش حد صاحي من البيت غير عديله فليلها الطويل اللي معيخلصش، وكرار اللي الوجع كله حس بيه دلوك، وأبو دراع اللي قاعد جاره وعمال يهون عليه الوجع والكسره ويلهيه باي حديت فأي حاجه عشان ينسيه الوجع هبابه. 


وخلص الليل قوام على مرتاح البال اللي حط راسه علي مخدته وراح في النوم،، وعدي بالتناهيد وبألف قولة يارب علي الموجوع. 


توفيق صحي الصبح ونزل وشاف الحاجات اللي جابوها صفوت ومعروف عشيه، واللي حطوها فأوضة ستهم عديله، وسأل توفيق أمه عن الحاجه وقالتله مليحه، وبعد مافطر قال للجميع النهارده اجاره من الشغل عشان هيروحوا يجيبوا عروسة كرار.. وقال لسلام يشوفلهم طرومبيل تاني بالأجره عشان يروحوا في الطرومبيلين مع بعض. 


طلع سلام يشوف الطرومبيل وراح توفيق علي بيت مخلوف ودخل لكرار اللي كان قاعد علي حيله فوق السرير ومتغطي باللحاف ومش لابس حاجه تحتيه، وأبو دراع  جايب جاره قروانة جمر عشان تدفيله الموطرح، وحاطط عليها براد شاي وقاعد جاره.. 


وبمجرد مادخل توفيق كرار بص الناحيه التانيه بزعل وقهر. 


توفيق سكت هبابه وكان عايز يطيب خاطره، لكنه اتراجع فأخر لحظه وقاله بأمر:


 عاود البيت عشان رايحين نجيبوا عروستك النهاردة.. اخوك جابلك جلابيه بيضه تلبسها عشان الناس اللي هتاجي ورا العروسه.. وأياك تعمل ولا تقول حاجه تنزل راسي قدام الناس.. يمين عظيم ياكرار ماديه يوحصول اجيب كورباج واعيد اللي عيملته فيك من تاني. 


وإهنه رد عليه كرار بقلة حيله وحس مدبوح وبالعافيه طالع من كتر الالم  اللي شافه الليله اللي عدت: 


السمع والطاعه يامقاول.. السمع والطاعه يابوي.. حاضر هعمل كل اللي تؤمر بيه. 


قالها وفضل باصص لابوه والدموع لالت فعنيه، وأبوه قوام دب عكازه في الارض وطلع من جاره قوام قبل ماتاخده بيه الشفقه..


 وخصوصي وإن هو كمان صعبان عليه الحال، لان لا ديه العرس اللي كان عيمناهوله، ولا داي التجهيزات اللي المفروض تتعمل لفرح واد المقاول.. لكن الظروف هي اللي عتحكم والغلط فلاول والاخر غلطه. 


طلع توفيق من بيت مخلوف ووقف يتحدت مع مخلوف هبابه،وبما إن مخلوف عيعرف يدبح وهو اللي عيدبحلهم كل الدبايح.. توفيق قاله يدبح ٣ خرفان من الحوش ويوضبهم ويدخلهم للحريم يطبخوهم..


 وبعدها دخل البيت وقال لصفوت بما إنه هو اللي راح معاه وعارف بيت عبد الصمد ياخد بدلة العرس بتاعة العروسه ويروح يوديهالها عشان تلبسها، وإهناك تشوف جمل بهودج أفراح تتأجره وزي ماياخد، وتبركه قدام بيت عبد الصمد عشان نلففووا العروسه البلد كلها على ضهره قدام البلد كلها. 


صفوت هز دماغه بعدم رضى، وكان هيتكلم لكن نظرة أبوه سكتته وخلته يتحرك من سكات وهو بالع لسانه بالحديت اللي كان علي طرفه. 


وبعدها دخل توفيق البيت وإدي أوامره للحريم إنهم يطبخوا طبيخ يشرف، وإنهم يفرشوا اوضة العرسان بالفرش الجديد اللي إتجاب من البندر عشيه، ويوضبوا الدنيا ويعملوا الاستعدادات اللي عيعملوها فكل فرح، وميقصروش فحاجه ابداً والكل إتحرك فوراً ينفذ. 


وصبر هبابه توفيق وطلع راح عالمندره وطلب من عزت يفتحها وينضفها عشان الناس اللي هتاجي، وعزت إبتدا ينضف فى المندروه بكل حيله، والفرحه مش سايعاه فأخوه المجلع اللي جلعه وقعه في شر أعماله..


 وعلى كد ماكان زعلان من ورطته فى بدور، علي كد ماهو فرحان دلوك بيها؛ عشان بدور طلعت احسن من غيرها بكتير، وعالاقل متكشفتش علي راجل قبله ولا حد شاف زوالها غير ابو دراع، وحتي ديه بدور ولا واخده بالها منيه ولا حتي عارفه إن عينه منيها.


عدت ساعات النهار قوام، وكل واحد مكلف بمهمه خلصها، وبدا البيت بالاستعدادات كيف مايكون بيت عرس بحق.. وعيال صفوت وواد سلام مش مبطلين رقص وسقيف وأغاني. 


أما كرار فكان طول الوكت قاعد فبيت مخلوف ومرضيش يروح البيت غير بعد ماابوه واخواته مشوا بالطرومبيلات يجيبوا العروسه. 


دخل الحمام وحاول يتسبح، لكنه صرخ أول مافضي كوز الميه فوق جسمه المتمزع من أثر الكورباج، فإكتفي بغسل راسه ووشه ورجليه وطلع لبس جلابية العرس البيضه اللي بعد مالبسها بشويه طبعت فيها الجروح وبقي ضهرها كيف خريطة وجع باللون الاوحمر. 


أما حدا شام.. 


قاعده علي سريرها وقدامها البدله البيضه اللي ياما حلمت تلبسها لصابر، وكل يوم كانت تتخيل شكلها فيها، ولما جه اليوم اللي هتلبسها فيه هتلبسها لواحد غيره، وتروح علي بيت غير البيت اللي بنت فيه كل احلامها، وراجل غير اللي مكانتش تتخيل فيوم من الأيام وليف لروحها غيره. 


دخلت عليها بسيمه وقطعت شرودها وهي عتقولها:


شام.. ياشمامه.. قومي ياقلب اختك عشان تتسبحي وتتزوقي وتلبسي فستانك الحلو ديه اللي كل بنتتة البلد هيتخبطوا من الغيره لما يشوفوه عليكي.. قومي ياغزالة عبد الصمد انفضي الهم عن روحك وكيدي الاعادي دانتي إتجوزتي جوازه متحلمش بيها بت العمده. 


بصتلها شام واتنهدت بغلب والدموع لالت فعنيها، وبسيمه قربت منيها  وقعدت جارها ومسكت يدها وبمحبه قالتلها:


شااااام.. القلب لازم تكونلة كرامه، عشان القلب البلاكرامه عيتهان ويتذل بعشقه للواطيين.. اللي نساكي انسيه واللي باعك شحتيه شحاته، ووريله إنه ولا فارق معاكي.. قومي يابت عبد الصمد إلبسي واتزوقي جبتلك من الدلاله قلم اوحمر انجليزي هياكل من بياض وشك حته.. 


قومي اركبي الهودج اللي مستنيكي بره ديه عشان تتزفي بيه كيف زفة بنات الملوك.. قومي وارفعي راس عبد الصمد اللي كان هيموت معاكي وعليكي ومهونتيش عليه.. متخليهش يهون عليكي ولا يشوف الكسره علي وشك.. قومي حضرتلك المغره عشان افركك بالرده واخليكي تلعلطي كيف النجفه البنور، واول ماتدخلي علي بيت ناس جوزك تزغللي عيون الكل بجمالك. 


وبالفعل قامت شام مع بسيمه اللي عيملت اللازم معاها بمساعدة بشاير، وطلعت شام في الاخر بعد مالبست فستانها كيف جنيه إتجسدت فاحسن صوره وجمالها يخطف الناظر. 


وطلعت من الأوضه لما نادم عليها أبوها وقالها إن ناس جوزها وصلوا.. وأول ماطلعت عليه شام وقف متسمر قدامها وهمل دموعه هي اللي توصف حالته.. 


قربت منيه شام وبحنيه مسكت يده وحبتها وهي عتقوله: ليه يابوي الدموع.. ماإنت شايف كرم ربنا اهه وإنه سترنا ستر جميل ورفع راسك قدام الناس. 


عبد الصمد بوجع: خايف عليكي يابنيتي وقلبي مش مرتااح. 


شام: ليه يابوي ديه حتي المقاول راجل طيب وعيفهم فالأصول وماظنيش إن اللي تحت جناحه ينضام واصل.. إنت طمن قلبك ومتخافش عليا اني بالادب والاصول اللي علمتهملنا هعرف اعيش وسط قبيلة شواطين.. خلي بالك من روحك بس إنت ومن أمي وخياتي.. وشد حيلك عشان إحنا مليناش في الدنيا غيرك ياابو البنات. 


اتبسم عبد الصمد فوشها وخدها فباطه وحب علي جبينها وودعها وهو عيتمنالها خير الدنيا كله، وبعد منيه حضنوها أخواتها التنين اللي ودعوها بالبكا والنهنه وخلوا قلبها يرجف عليهم شوق من قبل ماتهملهم وتمشي. 


وطلعت شام اخيراً َركبت الهودج واتزفت فشوارع البلد كلها، وأبوها كان ماسك حبل الجمل وشاده وماشي قدامه وتوفيق وصفوت وسلام ومعروف حوالين الجمل محاوطينه وماشيين قباله، وعيال البلد كلهم ماشيين ورا الجمل يسقفوا، وكانت زفة شام اكبر زفه حصلت في البلد من سنين فاتت، وخصوصي مع كل الشباب اللي جابهم حكيم وجه بيهم يحضر العرس، ومشوا فزفتها وكبروا بيها وبأبوها وسط أهل البلد كنها بت ملك مش بت عبد الصمد المزارع الغلبان. 


خلصت الزفه وعاودوا بشام حدا بيت عبد الصمد مره تانيه، ونزلت من الهودج، وودعت ناسها الوداع الاخير، وودعت البنات صاحباتها اللي كلهم حضروا يودعوها، ماعدا حنه أخت صابر، واللي رفعت شام راسها لفوق وهي متوكده إنها هتلقاها فوق سطح بيتهم، وبالفعل لقتها واقفه وبصالها وعتبكي بالدموع عشان مقادراش تودعها كيف باقي البنات.. وشام إبتسمتلها ورفعت يدها شاورتلها والتانيه تكشيرة وشها قوام اتحولت لضحكه وهي عتردلها إشارة الوداع وعتتمنالها من كل قلبها حياة حلوه. 


وركبت شام الطرومبيل مع توفيق والباقيين ركبوا الطرومبيل التاني، وحكيم والشباب اللي معاه وعبد الصمد وباقي اهل البلد اللي دق فيهم توفيق عشان ياجوا ورا العروسه ركبوا القطر وحصلوهم. 


ووصلت شام حدا البيت ونزلت من الطرومبيل قدام البوابه الضخمه، وبصتلها من ورا البيشه اللي علي وشها، وهي عتتفتح قدامها بأدين أبو دراع، كيف ماتكون بوابة دنيا جديده.. ودخلت شام من البوابه علي مقدرها..


 ودخلوا وراها صفوت وعزت وسلام ومعروف يدخلوها، وباقي الرجاله دخلوا المندره وأبو دراع بدأ يطلع في حلل الوكل والصحون والعيش للمندره هو وابوه عشان يعشوا الناس.. وعزت وقف مقابل كرار اللي كان قاعد عالكنبه اللي قبال كنبة سته، ومراقب حركات وشه المقهوره وهو باصص لشام وهي متلفلفه بتوبها الاوبيض من ساسها لراسها، ومن نظرة كرار ليها إفترض فيها القبح، وحس إن ديه عقاب ربنا لكرار على كل جلعه. 

نفق الجحيم الفصل ١٨


وقف عزت ورا شام يتبسم وهو واعي عيون كرار عيقدحوا نار من أول ماوعيها داخله عليه،، وبمجرد ماوقفت في صحن الدار كشر كرار عن انيابه كيف أسد عايز يهجم علي فريسته اللي دخلوهاله القفص بتاعه وهو جاعان ليه اسابيع.. 


ومجرد مادخلت العروسه زغرتت عديله وهللت، وعلي صوت زغاريتها الكل حضر، اللي في الموطبخ واللي فأوضته واللي كان ملهي فحاجه عيعملها هملها وطلع قوام يشوف شكل عروسة كرار عامله كيف؟ 


أو بمعني اصح وادق يشوفوا شكل المُغتصبه كيف عيكون، وكل فكرهم إنها هتكون مختلفه عن البشر. 


حوريه إتقدمت من بينهم وراحت عليها ووقفت قدامها تتطلعلها هبابه وتتفحصها من ساسها لراسها المتغطيه بالبيشه، لأديها اللي ماسكين بعض وعيترعشوا بخوف.. وبحركه بطيئه مدت يدها عليها تشيل غطا وشها وهي عتقولها:


اكشفي وشك ديه وفرجينا كيف عيكون شكل الفلتانين..ورينا كيف شكل اللي عتنذل بسببهم الرجال وتتجلد وتتهان.. ورينا كيف شكل سلعوات الليل السراحه؟ 


خلصت كلامها اللي كان عينزل علي قلب شام كيف حجارة جبل إتهد فوقه ونزل عليه حجر حجر.. 


وبمجرد ماحوريه خلصت كلام كانت رفعت البيشه بالكامل، وأول ماكشفت وش شام رجعت لورا بخطوه وهي متفاجئه من اللي شافته! 


وزيها واكتر منها عيمل كرار اللي التكشيره اللي على وشه إتبدلت لملامح مذهوله وعيون جحظت من المفاجأة، وأما باقي الحريم كلهم بصوا لبعض بصدمه كأنهم شافوا شى غريب عمرهم ماشافوه! 


والوحيد اللي بقي على نفس ملامحه الفرحانه المبتسمه هو عزت اللي كان واقف ورا العروسه وإستشف من ردة فعلهم إن تخميناته كلها طلعت صوح، وإن عروسة كرار فيها من العفاشه اللي لجم خشوم الكل.. وبحركة بطيئه لف عشان يشوف اللي هيبرد ناره من تلا كرار.. ولكن اللي حوصول إن اللى شافه شعلل النار فقلبه هو ووهوج الجمر بين ضلوعه وخلي الصهج طلع من كل حته فبدنه. 


وقف عزت لدقايق وهو باصص لشام اللي باصه للأرض بخجل ومحتار يبص علي أيه ولا أيه من طوابع الحسن اللي ماليه وشها.. البياض ولا الغمازات اللي ظهرت فجأة لما بلعت ريقها.. ولا العيون اللي لما رفعتهم وبص فيهم عزت حس كيف لسعة كورباج نزلت علي قلبه خلته يفرفط من الغيره. 


وبدال ماداخل وناوى علي الشماته فكرار.. وقف يبصله بقلب إتعبي بالغيره والغل وصوت نحيب قلبه بقي يسمع لسابع جار؛ بعد مابص لبدور ورا مابص لعروسة كرار وشاف إنها ظلم تتحسب علي صنف الحريم.. وحتي كل حريم البيت شاف إنه من العدل إن نون النسوه تتسحب منهم جميعاً. 


دقايق قضتها شام وهي حاسه إنها واقفه وسط ساحة محكمه كلها قضاه. وحكم عليها منهم اول قاضي واللي هي حوريه اللي متعرفهاش مين تكون بالظبط، وفي إنتظار حكم الباقيين. 


وقطع السكوت ديه عديله اللي إتقدمت من شام ووقفت قصادها وبصتلها وضحكت بفرحه وهي عتمد يدها اللي خط عليها الزمن سنينه تجاعيد علي خدها تمسد عليه بحنيه وهي عتقولها:


يامية ليله بيضه يالمضة البنور.. دخل الحلا على بيتنا اللي كل حريمه عور 


بسم الله الله اكبر، يازينك يابنتيتي وحلاكي..من يومه كرار الحظ محاديه من دعا المزغودة أمه ليه ليل نهار. 


إتبسمت شام غصب عنها مجامله للوحيده اللي التمست منها هبابة حنية واتوسمت فيها الطيبه.. ودارت بعيونها علي الكل تتفحصهم، وهي مش عارفه مين سكان البيت من ضيوفه، علي إعتبار إن العدد ديه كله ميكونش عيله وحده وعايشه فبيت واحد! 


خلصت الرجاله عشا وحكيم قام من جار 


 الرجاله وخد توفيق علي جنب وطلب


 منه إنه يكلم كرار كلمتين لحالهم..


 وتوفيق لأول نوبه يسمح لراجل غريب إنه يدخل من سور الجنينه لداخل البيت ويشوفه من الداخل.. وكان الاستثناء ديه لحكيم.. اللي دخله بيته وراح بنفسه ينادمله علي كرار عشان عارف إن كرار ممكن ميتبعش اي حد غيره لو راح ينادمه 


ودخل توفيق وشاف كرار قاعد علي الدكه اللي في الحوش، والعروسه قاعده جار أمه عديله، والكل قاعد حواليها ومبحلق فيها كيف العيال ماعيتلفوا حوالين صندوق الدنيا.. وتوفيق أول ماشاف منظرهم زعق فيهم:


ايه أمال هتقعدوا الليل بطوله تبرقوا للبنيه ومحنطينها قدامكم ولا أيه؟.. قومي يامره منك ليها وحده فيكم تدخل العروسه غرفتها ووحده تحطلها لقمه تاكلها زمانها علي لحم بطنها من الصبح.. قوموا كلتكم الديابه. 


عديله بهمس: يارب الديابه ياكلوا حوريه اول حاجه..وكملت بحس عالي.. عداك العيب ياواد الأصول.. ماهو اصل ميفهمش في الاصول غير ولاد الأصول مش أيوتها حد. 


ردت عليها حوريه وهي عتقوم من موطرحها:


 والله لو هو واد اصول يبقي البيت كله زيه ولاد أصول.. ماهو اصل يابت عمي ايش يعليكي عني وإحنا من نفس العرش مفرعين..ووجهت كلامها لشام.. 


قومي ياحبيبتي قومي تعالي ادخلي أوضتك وغيري خلجاتك الحلوين دول.. واقلعي الفستان ديه قبل مايتوسخ عشان هتلبسه بدور ففرحها.. ديه غالي وكله ترتر ومرجان.. كانت عتتحدت وهي عتمسد علي فستان شام بإعجاب شديد، وبصاله كيف ماتكون عتتمني هي إنها تلبسه مش بدور، ومبطلتش تمسيد غير علي حس توفيق اللي فززها وهو عيقولها:


متبطلي برود ياوليه وتحليس ومليس  وتدخلي البت أوضتها.. هتخليها طول الليل واقفه قبالك ولا ايه!


خلص حديته وبص لكرار وبأمر قاله:


وإنت تعالا معاي فيه واحد عايز يتحدت معاك في الجنينه.


بصله كرار ببرود ومتكلمش ولا اتحرك، لكنه قام وقف وهو شايف أبوه عيدب عكازة في الأرض بغضب، وديه نذير شر بالنسبه لكرار، وهو مش حمل أي حاجه من أبوه دلوك.. فقام من سكات وتبعه علي بره؛ عشان يشوف مين اللي عايزه ديه كمان.


وبمجرد ماطلع من البيت وعي اللي كان قاعد علي المصطبه قدام بيت ابو دراع وعرفه طوالي.. وبص لأبوه ومن بين سنانه قاله:


مدخله البيت ليه إهنه ديه وجاي ليه هو أصلاً.. مش ديه الواد اللي حكم عليا بالحكم ديه وأبوه خد بشوره ونفذه؟ مش ديه الواد اللي بسبب حكمه عيجرا فيا كل ديه؟ 


توفيق: ديه واد الشيخ جاهين وكلمته مسموعه وحكمه صايب وأبوه عياخد بشوره فكل كبيره وصغيره إكمنه من أهل العلم والدين ومن أهل العقل والحكمه مش زي ناس. 


كرار بقهر: له وإنت الصادق ديه اللي أبوه عيمشي برأيه وبقوله ومكبره علي روس الناس كلها ومعلي مقامه قدام كل الخلق ومخلي الكل يحترمه ويقدره والناس تعمله الف حساب..أصل فيه أبهات إكده عتعمل قيمه لعيالها وتعلي مقامهم فعيون الناس حتي لو مليهمش عازه.. مش كيف ابهات تانيه تهين عيالها وتجلدها بيدها وتكسر عينها قدام الخلايق.. صوح كل حاجه في الدنيا رزق حتي الأبهات الزينه.


قال كلامه وبص لأبوه بوجع نابع من وجع بدنه وروحه، وكان كله أمل يشوف شوية رأفه على حاله فعيون أبوه، لكنه ملقيش فيهم غير حجرين صوان حاطين قلبه وسطهم وطابقين عليه.


إتقدم كرار من حكيم وهو حاسس نايحيته ببغض الدنيا كلها.. ووقف قباله ومن غير مقدمات ولا ترحيب قاله:


قول عايز تقول إيه.. يكونش فيه لسه احكام وجاي تمليها علينا، وخصوصي إنك لاقي اللي يطاوعك ويمشي علي هواك ويقابل احكامك واحكام غيرك بالسمع والطاعه؟ قالها وبص لأبوه بلوم.. ورد عليه حكيم بنبره هاديه وقاله:


متقلقشي مفيش احكام ولا حاجه.. كل الحكايه اني عايزك فكلمتين بس.. هقولهم وامشي طوالي.. عارف إن النهارده يوم عرسك والمفروض مفيش كلام ولا حديت فيه يتقال.. بس معلهش اعذرني دول كلمتين لازم يتقالوا وفي الوكت ديه بالتحديد.


ربع كرار أديه وبصله بترقب مستني منيه الكلمتين.. وحكيم بص لتوفيق بصه فهما قوام، واستأذن منهم وبعد عنهم ووقف بعيد، بحيث إنه يكون شايفهم بس مسامعهمش؛ عشان لو كرار قل عقله مع واد الشيخ وحاول يعمل معاه اي غلطه يلحق توفيق الضيف اللي فبيته واللي إهانته هتاجي فوشه هو.


أما حكيم فكمل كلامه لكرار وقاله:


إسمعني زين ياكرار.. إحنا شباب كيف بعض ونفهموا علي بعض زين.. أني عارف إن اللي حوصول كله من تدابير الشيطان وانه لولا مالقاك إنت واللي معاك ضعاف النفس مكانش قدر يدخلكم من أي منفذ.. لكن اللي جرا جرا ولا نقول الا مايرضي الله.. قدر الله وماشاء فعل.. ودلوك اللي فات عايزين نموتوه ونبتدوا من جديد.. وأني النهارده جاي اقولك إن عقلك اللي ذللك الغلط وعميلته فلحظة طيش وعدم وعي.. أوعاك تطاوعه وتكرر الغلط مره تانيه برضاك وإنت فكامل وعيك..واني إهنه ماقصودش بالغلط نفس الغلط القديم له.. اني خابر إنك مهتعيدهاش.. اني قصدي عالمستوره اللي بقت فبيتك وفعصمتك وتحت إمرتك، وليها عليك حقوق والقلم هيخط عليك كل حاجه تعملها معاها.. فخليها حجه ليك يوم الموقف العظيم مش حجه عليك.. خليها سبيل تغرف منيه حسنات ومتخليهاش بركان غضب تشرب من حممه وتكرع.


كرار كان عيسمع حديت حكيم وهو باصصله بعيون كارهه وملامح جامده،وحكيم بعد ماخلص كلامه وبص لعنين كرار وشاف نظرتهم ليه وعرف إن كلامه اللي قاله مهوبش ناحية قلب كرار ولا عقله، ففوراً غير أسلوبه من النصح للتهديد واتنحنح وهو عيعقد أديه ورا ضهره وبصله بوعيد وقاله:


طيب ياكرار الظاهر إنك مقابلش نصح.. او خلينا نقولوا إنك من النوع المختوم علي قلبه واللي فمخه عيفضل فمخه معيتغيرش.. والنوع ديه اني خابره زين وخابر أيه اللي عيفيد في التعامل معاه.. فياواد المقاول هقولك كلمتين مليهمش تالت.. (اتقي غضبي) 


اني من النهاردة نصبت روحي وآلي على أمر شام بت عمي عبد الصمد، واديت لروحي حق أخوتها.. يعني من اليوم وطالع مرتك في حما حكيم واد الشيخ جاهين وتحت جناحه.. وهاجي وهسأل عليها كل هبابه ومن غير مواعيد.. ولو لقيت شكوه طلعت من لسانها تفيد بإنك معتتقيش ربنا فيها وكتها إئذن بحرب مني.. والجلد اللي دوقته علي ادين أبوك هعيده عليك بيدي اني.


وآخر جمله من حكيم فجرت براكين الغضب الكامنه جوا صدر كرار ومسك حكيم من قبه وقاله بحسه العالي:


إنت مين ياد إنت وكيف تسولك نفسك تتحدت إكده معاي.. وكيف أصلا تهدد بضربي.. طيب أني هعمل كل حاجه شينه في الفاجر اللي جوه داي وعايز اشوفك هتعمل ايه.. داي مرتي وعلي ذمتي واني حر التصرف فيها. 


حكيم رد عليه بنفس الحس العالي وهو غينفض اديه من خلجاته:


لو على أني مين فأني حكيم جاهين ولو متعرفنيش إسأل عني الصغير قبل الكبير والناس تعرفك.. ولو على باقي الكلام الخايب اللي قولته.. نفذه وشوف بعينك إيه اللي هيجرالك.. اني جيت احدتك بالحسني والنصح.. لكن اللي زيك مليهش المعامله الحسنه.


 اني اللي حداي قولته وحذرتك وقعد اعذر من انذر.. قالها وبص لتوفيق اللي كان وصل عندهم واللي جه جري عليهم بمجرد ماشاف كرار ولده مسك فحكيم وبخجل قال لحكيم:


متآخذنيش ياولدي امسحها فيا اني.. إهانتك فبيتي وعلى يد ولدي عار وإمسحه  فشيبتي.. السماح منك ياولدي.. وحطلي عذر إني معرفتش اربي، واكيد إنت إتوكدت من إكده وعارف أن ولدي قليل ربايه. 


كرار بعصبيه: يابوووي عاااد


توفيق رفع عكازه وشاور لكرار بوعيد وقاله: 


اخفى من قدام وشي دلوك بدال مااخلي العكاز يخرطك خريط وإنت مفيكش موطرح خالى تنضرب فيه.. غور ياكرار من قبال عيني بدال ماتشوف مني اللى مهيلدش عليك 


كرار رد عليه بسخريه وهو ماشي:


 وايه الجديد يعني، وهو اني من ميته عشوف منيك حاجه تلد عليا! 


خلص جملته وكان بعد عن ابوه وتوفيق المسافه الكافيه، وعاود توفيق يبص لحكيم وقاله:


أعذره ياولدي صعيبه عليه برضك.. هو شايف إنه هو اللي عيحاسب علي مشاريب غيره. 


حكيم: بس ديه يزعله لو مكانش شرب معاهم.. لكن هو كان من ضمن الشاربين.. وإن كان علي الزعل اني مزعلانش ياعم الحج، وعمري معاخد ذنب حد بحد.. 


أبوي الشيخ جاهين علمني إكده.. ومتشكر على كرمك وجودك معاي اني والشباب..


واللي هتحاكي بيه وسط الدواوين كل ماتاجي سيرة بلدك في الحديت واشهد إن فيها راجل زين معرفته تزيد الناس شرف.. 


ودلوك اسمحلى هستأذنك اجي من وكت للتاني اشق علي قليلة الاخ، واعتبرها اخت ليا، واطمن عليها حتي من باب صون الأمانه. 


توفيق: فأي وكت ياولدي تشرف وتآنس.


حكيم اتبسم وهو عيرد عليه: 


وديه العشم برضك ياعم الحج.. ودلوك استأذنك هاخد الشباب ونعاودوا يادوبك على إكده.. وخلي بالك من الأمانه اللي اتحطت فدارك وحاجي عليها. 


توفيق: مايكون خاطرك الا طيب ياولدي.. وبلغ سلامي للشيخ وقوله أمانتك وأمانة عبد الصمد في الحفظ والصون. 


وطلع حكيم وخد الناس ومشى، والناس كلها روحت بيوتها، والفرح إتفض وعاودوا رجالة بيت توفيق من بره، بما فيهم أبو دراع اللي راح علي بيته ونام طوالي من تعب اليوم..


والكل نام زيه مفيش حد قعد صاحي يتقلب بناره غير عزت اللي طول الوكت كان واعي ملامح عروسة كرار قدام عنيه وهي عامله كيف يمامه بيضه حطت فوسط شوية غربان وبينت سواد لونهم وعفاشة مناظرهم.. 


وبين اللحظه والتانيه يطلع تنهيدة حسره لو قدامه كومة قش تخليهم يولعوا من كتر ماطالعه بلهيب غيره نابع من نص قلبه.. وإتمني من كل قلبه لو كان هو اللي موطرح كرار وكان فاز بالجنيه اللي جات لكرار علي طبق من دهب.. وكان زمانه هو اللي عيتمتع بالجمال ديه اللي موعيش زيه قبل سابق. 


أما حدا كرار.. دخل أوضته ورزع الباب وراه وشاف شام قاعده علي السرير.. وهي أول ماعيميل إكده وبصتله وشافت الخاتم فيده حست الدنيا برمت بيها، واتملكها خوف يشبه خوف ارنب صغير طلع من قُطرته لأول مره وتاه معرفشي طريق الرجوع لأمه مره تانيه.. ولقي روحه ممسوك فيد بني آدم.. 


أما كرار فراح عليها بخطوات سريعه وشدها من دراعها قومها ونترها بعيد وهو عيقولها بكل غضب الدنيا:


قومي من فوق فرشتي متدنسيهاش بنجاستك.. أوعاكي تقعدي فوق سريري ولا تتغطي بفرشتي.. نومتك من إهنه ورايح عالأرض كيف الكلاب ماعتنام.. إنتي اللي زيك متتعززش ولا تتكرم.. ودلوك غوري إطلعي حمي وكل غير اللي برد ديه واعملي كباية شاي. 


خلص كرار كلامه وبص لشام اللي كانت واقفه عتبصله وعتتمني إنها تكون  فكابوس ونفسها حس أمها او وحده من خياتها يصحيها منيه.. لكنها فاقت من أمنياتها على كرار اللي قطع المسافه اللي بينهم فخطوة وحده، ومسكها من دراعها بيد واليد التانيه مسكها بيها من دقنها وهمسلها من بين سنانه:


أني لما ادي أمر قبل ماأخلص أخر كلمه تكوني رايحه تنفذيه فاهمه. 


أوعاكي تدي فرصه لعقلك إنه يفكر فالأمر ديه ولا تسولك نفسك تعصيلي كلمه ولا حتي تراجعيها وراي.. 


إنتي من الساعه اللى جيتي فيها عالبيت ديه وخطيتي عتبة بابه.. وإنتي إتجردتي من كل حاجه..وأول الحاجات داي كرامتك.. يعني بقيتي بلا كرامه ديه لو كنتي تملكيها من الأساس.. وأهم حاجه اتجردتي منيها بعد الكرامه هي كلمة( له) اللي لو طلعت من خاشمك علي أي حاجه اقولها لسانك يتقص بعدها بيدي وابلعهولك.. إنتي من النهاردة مش أكتر من (جاريه ليا) واني اشتريتك من سوق النخاسه وأبوكي النخاس قبض حقك. 


وهو جاب سيرة أبوها وقال عليه إكده وشام رفعت عنيها اللي كانت منكساهم للأرض وبصتله بغضب.. وهو بص لعيونها الوساع وحس بكهربا سرت فكل جسمه وفقد الوعي والادراك. 

         الفصل التاسع عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول اصغط هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close