أخر الاخبار

رواية تراتيل الهوي الفصل التاسع عشر19والعسرون20بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوي الفصل التاسع عشر19والعسرون20بقلم ديانا ماريا


ركض تاج خارج الشقة وهو ينادي سروة، هبط السلالم مسرعًا حتى وصل للاسفل دون لمحة عنها، تطلع حوله بخوف ولم يجد لها أي أثر فتابع ركضه وهو يسأل الجميع عنها ولكن كل من سأله أخبره أنه لم يرها.

أسرع تاج يركض في كل اتجاه بلا روية حتى وقف يلتقط أنفاسه فمرت من أمامه فتاة أوقفها بأنفاس لاهثة: لو سمحتِ مشوفتيش بنت لابسة بلوزة وبنطلون أسود وشعرها أسود؟

فكرت الفتاة لثانية قبل أن تقول: أيوا شوفتها.

رد تاج بلهفة: فين؟

أشارت له الفتاة: كانت ماشية برة المنطقة ورايحة عند الطريق.

لم ينتظر تاج لسماع المزيد وهو يركض بالاتجاه الذي أشارت إليه حتى وقف وهو ينظر حوله في الزحام عله يراها حتى أخيرا وجدها، كانت تسير بعيدًا عنه نسبيًا  ويتضح أنها في غير وعيها لأنها كانت تسير في اتجاه السيارات التي تسير بسرعة كبيرة مجيئًا وإيابًا.

اتسعت عيونه برعب وهو يراها متجهة وسط السيارات التي يمكن أن تصدمها في لحظة، لمح تاج سيارة تقترب من سروة بسرعة كبيرة ولا يفرق بينهما إلا القليل فصرخ باسمها عاليًا.

حين لم تلتفت له، ركض تاج بأقصى سرعة ليده وبمعجزة إلهية استطاع أن يصل ويسحبها إلى أحضانه مبتعدًا السيارة التي انحرفت بعيدًا عن سروة في أخر لحظة قبل أن يتلفظ السائق بعبارات غاضبة وهو يكمل طريقه.

ضمها تاج له بقوة وهو صدره يعلو ويهبط من فرط الإنفعال، أبعدها عنها وهو يتفقدها ليرى إن أصابها أي مكروه ثم تطلع في وجهها الذي خلا من أي تعبير.

قال بقلق: سروة أنتِ كويسة؟

دفعته عنها حتى أنه تفاجأ وكان على وشك أن يتعثر بحجر وراءه.

قالت سروة باستهزاء: كويسة؟ بعد ما ادبحت وأنا عايشة بتسألني السؤال ده!

تنهد تاج بعطف وقال: سروة هو أكيد ميقصدش و...

قاطعته بحقد وهى تدفعه مجددًا من صدره: أنت السبب!

ردد تاج بذهول وهو يتراجع للوراء بسبب دفعها له: أنا؟

استمرت سروة في دفعه بقهر: أيوا ليه ودتني هناك؟ ليه وأنت عارف أنه خلاص بقى مش عايز يشوف وشي! ليه تعمل فيا كدة أنت كمان؟ أنا عملت لكم إيه لكل ده؟

أمسكها تاج من ذراعيها وأدارها وهو يضمها حتى تهدأ ولكن سروة صرخت به بانهيار وهى تبعده عنها: أبعد عني أنا مش طايقك أنا بكرهك! أنا بكره كل حاجة! أبعد عني! سيبني!

استمرت في الصراخ وتاج مازال يضمها له بقوة وبسبب تفوق تاج الجسدي استطاع السيطرة عليها وهى تحاول الإفلات دون جدوى، بدأ الناس ينتبهون لهم بسبب صراخ سروة حتى أن بعضهم تجمع حولهم.

هتف به إحدى الرجال مُحتجًا: ما تسيبها يا أخي حرام عليك!

رفع تاج رأسه وقد انتبه للضجة التي حدثت بسبب صراخ سروة.

رد تاج قائلًا بغيظ: أسيب مين دي مراتي!

ظهر الإحراج على وجه الرجل وابتعد كما بقية الناس حين أدركوا أنها زوجته، لم يجد تاج حل لثروة سروة إلا أن يحملها على كتفه وهى تركل بقدميها في الهواء وتضرب ظهره بيديها.

سار بها تاج حتى وصل لسيارته والجميع كانوا يحدقون بالمشهد الذي أمامهم ولا يجرؤون على التدخل لأنه بالنسبة لهم هذا أمر خاص بين رجل وزوجته.

فتح باب السيارة وأجلسها بقوة وهو يُحكم حولها حزام الأمان، استدار بسرعة وهو يجلس بجانبها ويُغلق السيارة عليها تحت صراخ سروة الذي لم يتوقف ومحاولاتها الإفلات، بقى تاج صامت يصم أذنه عن ما يسمعه وهو يقود حتى وصلوا أمام العمارة التي يسكنوا فيها حيث اضطر تاج لإعادة نفس المشهد وحمل سروة بنفس الطريقة حتى أخيرًا دخلا إلى الشقة وأغلق الباب ورائه وهو يُلقي بها عن كتفه على الأريكة.

نهضت سروة عن الأريكة وهى تقول بصوت مبحوح من كثرة الصراخ: أنا معملتش حاجة لكل ده معملتش حاجة لأنه يموتني ويدبح قلبي كدة!

حاول التقدم نحوها فرفعت يدها أمامه: أبعد أنت كمان حتى أنت مرحمتنيش خلتني مجرد زبالة تحت رجلك!

نظرت حولها وهى تقول بهستيريا: أنا تعبت! ليه كل ده ليه!

لم تتوقف إلى هنا بل شرعت تُكسر كل ما طالته يداها في الغرفة، جلس تاج على الأريكة وهو يضع رأسه بين يديه تاركًا لها الحرية حتى تعبر عما بداخلها حتى أخيرا توقفت وهى تتنفس بسرعة من الإجهاد الذي تشعر به ثم انهارت واقعة على الأرض.

رفع تاج رأسه بسرعة ولكن هدأت ملامحه حين رأى أنها لم تفقد الوعى، كانت ممدة فقط على الأرض تنظر إلى السقف وهى تبكي بصوت منخفض وقد اُستنزفت كليًا.

نهض تاج وبكل هدوء رفعها بين ذراعيه ثم سار بها إلى غرفة النوم، وضعها على السرير ودثرها ثم سار حتى وصل للناحية الأخرى وتمدد على السرير وهو يضمها وقد وضع رأسها على صدره وأمسك بيدها ويده الأخرى يضمها بها إليه من ظهرها وقد وضع ذقنه أعلى رأسها.

بقيت دموعها تنهمر حتى توقفت عن البكاء، كان تاج صامت حين قال فجأة بصوت رقيق وعلى وجهه ابتسامة شاردة: زمان وأحنا صغيرين فاكر كويس لما كنت في ثانوية عامة وأنتِ لسة طفلة صغيرة بضفاير، كنت خايف أوي مجيبش مجموع في ثانوية عامة وبابا يزعل مني ومع أني عارف أنه مش هيزعل مني أنا بس كنت عايزه يبقى فخور بيا، كانت ليلة أول يوم امتحان وأنتوا كنتوا معزومين عندنا بس أنا قاعد مش عارف أكل ولا على بعضي من الخوف والتوتر، كنتِ الوحيدة اللي لاحظتِ وبعد ما خلصنا دخلت البلكونة لقيتك دخلتِ ورايا وبكل عزم بتسأليني مالي ولما قولتلك لقيت وشك كشر وبكل غضب طفولي قعدتِ تهزقي فيا وإزاي أخاف طالما أما واثق من ربنا وعملت اللي عليا مينفعش أخاف أبدا، لازم أبقى قوي وأواجه كل حدث في حياتي بشجاعة حتى لو كانت الخسارة، قولتيلي أنه اللي يخاف بيخسر وبيفضل طول عمره خسران ومينفعش أبقى ضعيف ورغم صغر سنك إلا أنك يومها عملتيني درس كبير أوي.

كانت سروة ساكنة تستمع إليه فوضع يده أسفل ذقنها ورفع وجهها إليه قائلًا بحنان: من وأنتِ صغيرة كنتِ دايما أكبر من سنك، وقوية رغم كل شيء علمتيني أبقى قوي ولازم دايما أكون رافع رأسي، دلوقتي مينفعش تكوني أنتِ اللي ضعيفة كدة! أنا عارف وفاهم أنه اللي حصلك مش هين ولا أي حد يقدر يستحمله لكن سروة اللي اتعودت عليها حتى في أصعب المواقف كانت هتقف وتواجه مش هتنهزم بالطريقة دي، أنا هفضل جنبك وعلطول مادد لك إيدي بس أنتِ برضو لازم تمسك بإيدي علشان تقدري تخرجي من الوضع ده وتقفي على رجلك من تاني، أنتِ متستاهليش اللي حصل علشان كدة متسحميش لنفسك تفضلي فيه.

رغم لمعان عيون سروة بالدموع تأثرًا مما قاله إلا أن كان هناك للحظات شبح ابتسامة ضعيفة ظهرت على وجهها وهى تحدق إليه، بقيا يحدقان ببعضهما لفترة استمرت لبُرهة حتى اختفت ابتسامة تاج وهو يحدق إليها، تغير الجو فجأة وبدأ قلب سروة ينبض بسرعة حتى أشاح تاج بوجهه عنها وهو يزفر بشدة فوضعت رأسها على صدره بارتباك.

شعرت بشيء من الأمان يتسلل إليها فسكنت وأغلقت عينيها ببطء حتى نامت، نظر لها تاج بابتسامة ودون أن يشعر نام هو أيضا وهما على تلك الوضعية.

استيقظ تاج بعد بُرهة على اهتزاز هاتفه في جيبه فأخرجه ليجد والدته تتصل به، انسحب برفق من جانب سروة وهو يعدل وضعيتها حتى تنام براحة قبل أن يخرج من الغرفة ويجيب على الهاتف.

رد تاج بهدوء: نعم يا ماما؟

قالت سميحة بقلق: إيه يابني بتصل من الصبح مش عارفة أوصلك لقيت سروة؟

أجاب تاج بفتور: أيوا لقيتها الحمدلله وأحنا دلوقتي في البيت.

قالت سميحة بحذر وصوتها يرتجف: تاج اللي قولته ده صحيح؟ س....سروة حد

قاطعها تاج بصوت متصلب: أيوا يا ماما صحيح وده عرفته لما سروة حكت لي.

قالت سميحة ببكاء: خالك من ساعة ما مشيت تعب أكتر وطلبت له الدكتور.

رد تاج بدهشة: طب هو كويس؟ اجي لكم؟

طمأنته سميحة بحزن: أيوا الدكتور شافه بس هو من صدمته مش عارف يتكلم مفيش داعي تيجي يا حبيبي هو نايم دلوقتي بسبب الدوا.

تنهد تاج فقالت والدته بنبرة مختنقة: تاج هتعمل إيه؟

 رد تاج بجدية: سروة دلوقتي تعبانة يا ماما ترتاح شوية ونفسيتها تهدى ونشوف هنعمل إيه.

أغلق الهاتف معها ولم تمر ثانية حتى وجد هاتفه يرن برقم غريب.

أجاب تاج بتعجب: أيوا مين؟

أتاه صوت شاب: مش أنت تاج الدين؟

رد تاج باهتمام: أيوا مين معايا؟

قال الشاب بتوتر: أنا اللي جيت لي البيت تسأل على عصام وقولتلي لو عرفت 

حاجة أكلمك، علشان كدة اتصلت عليك أقولك أني عرفت مكان عصام. 



الفصل العشرون 

تجمدت يد تاج على الهاتف وقال بحدة: أنت متأكد؟

رد الشاب بخوف: اه هو جاي لي كمان شوية يعني ساعة ولا حاجة علشان محتاج فلوس ومكان يبات فيه ولما كلمني كلمتك علطول.

قال تاج بصوت متصلب: تمام أقفل دلوقتي.

أغلق تاج الهاتف وهو يتطلع أمامه وفي عينيه يلمع الانتقام، مزيج من المشاعر اجتمعت في قلبه الآن مع اقتراب لقائه المرتقب بعصام أخيرا.

عاد لغرفة النوم وعيناه معلقتان بسروة النائمة في هدوء، مد يده وجنتها بظهر أنامله بحنان قبل أن يهمس لنفسه" هاخد حقك من الحيوان اللي عمل فيكِ كدة وهترجعي زي الأول وأحسن، هترجعي سروة بتاعت زمان".

رن هاتفه فأخرجه ليجد أن روفان من تتصل به، حدق إلى الهاتف للحظات ولاسم روفان الذي يضيء شاشته قبل أن يغلقه ويعيده لمكانه بوجه جامد.

ثم أغلق الباب بهدوء وخرج من الشقة ذاهب لوجهته المنشودة.

طرق عصام باب الشقة بضربات متتالية ففتح له رفيقه الذي زجره عصام قائلا بصوت عالي وغاضب: سايبني على الباب كل ده ليه؟ 

ثم تابع بخبث وقد تغيرت قسمات وجهها: ولا يكون عندك واحدة؟

ظهر أمامه تاج فجأة من ورا الباب ففزع عصام وتجمد مكانه وهو ينظر له بعيون متسعة كمن رأى شبحًا.

ابتسم تاج بلؤم: لا عنده واحد ما تيجي تجرب!

ضربه بقدمه بقوة في معدته مما أدى لسقوط عصام على الأرض وهو يصرخ من الألم، نظر تاج للشاب ففهم فورا وخرج بسرعة من الشقة، أغلق الباب وراءه بالمفتاح وهو يرمق عصام الذي يتلوى ألمًا وقد تقوس فمه بابتسامة ماكرة: لا لا مش كدة ده إحنا لسة بنسخن بس! اجمد متبقاش عيل طري.

انحنى تاج وهو يقرب وجهه من عصام الذي نظر له بخوف.

قال تاج وهو يحدق إليه بعيون تنضج بالكراهية: أنا هدفعك تمن كل دمعة نزلت من عيون سروة.

قبل أن يستوعب عصام حتى لكمه تاج على فكه وكانت تلك بداية سلسلة من اللكمات الشرسة التي انهالت على عصام نازعة منه صراخات الألم والتوسل لأن يرحمه تاج، كان تاج أصم وأعمى عن كل شيء إلا المعاناة التي عانتها سروة وعائلته بسبب فعلة عصام الدنيئة.

أخيرا تعب تاج من لكمه فنهض عنه وهو يتنفس بتعب وينظر ليده التي لُوثت بدماء ذلك الحقير، ابتعد عنه وهو يتجه للمرحاض حتى يغسل يده.

عاد ووجد عصام يزحف على الأرض محاولًا أن ينهض ليهرب، خطى إليه تاج ببطء ورفعه من ياقة قميصه حتى يقف أمامه بصعوبة وهو يتمايل.

قال تاج بتهكم: أنت هتفرفر كدة من أولها؟ ده أنا قولتلك لسة بدري أوي.

نظر له عصام بوجهه الدموي وقال بخبث يحاول أن يضحك: كل ده علشانها؟ بس معاك حق هى تستاهل لأنها جامدة أوي ده كان نفسي أتمتع بيها تاني بس ياخسارة.

لم يتحمل تاج ذلك الكلام واحمرت عينيه من شدة الغضب حتى تحولت قسمات وجهه للشراسة ودفع عصام بأقصى ما عنده ليصطدم بالجدار بقوة حتى شعر عصام بأن كل ضلوعه قد تحطمت، تنفس تاج بحدة وهو يحدق إليه يشعر بأن لا شيء يمكن أن تطفئ النار التي شبت في صدره.

رفعه مرة أخرى وهو يضربه فيتراجع عصام للوراء ويقع فيرفعه تاج ويوجه له مختلف اللكمات والضربات في وجهه وجميع أنحاء جسده حتى وقع عصام في مدخل باب الغرفة المفتوح وهو لا يحرك ساكنًا.

كان تاج يتنفس بقوة من شدة الانفعال ولا يدري ماذا يمكن أن يفعل أيضًا به ليشفي غليله قبل أن يسلمه للشرطة.

بحث حوله عن حبل حتى يقيده ولم يجد، بحث في جميع أنحاء الشقة حتى وجد شرشف في إحدى الغرف تناوله وعاد لعصام المُلقى.

ما إن مد تاج يده حتى يرفع عصام ليتمكن من تقيده باغته عصام فجأة وضربه على مؤخرة رأسه بزجاجة خمر كان قد وقعت عيناه عليه قريبة منه بينما كان تاج بعيد فزحف بسرعة وأحضرها ثم عاد لوضعه حتى يتمكن من خداع تاج.

وضع تاج يده على مؤخرة رأسه والألم يعصف برأسه بشدة، نظر إلى يده المليئة بالدماء ورؤيته تتشوش حتى وقع على الأرض مستندًا إلى الجدار، أغمض عينيه يعقد حاجبيه بشدة من شدة الألم، استغل عصام تلك الفرصة وزحف من وراء تاج حتى تمكن من النهوض والهرب من الشقة.

فتح تاج عينيه على صوت فتح الباب ونظر وراءه فوجد أن عصام قد اختفى، أغمض عينيه مجددًا يلعن ذلك الحظ التعس، كان الدوار يهاجمه لذلك بقى مكانه لبرهة قبل أن يحاول النهوض بحذر، شعر بالدوار مجددًا فحاول الاستناد على أي شيء قريب منه حتى يستعيد توازنه، كان يشعر بثُقل في قدميه ولكنه تحامل على نفسه وبخطوات بطيئة خرج من الشقة بعد أن تمكن من قطع قطعة قماش من الشرشف يحاول أن يسد به النزيف.

هبط السلالم بروية وأوقف سيارة أجرة حتى يعود لمنزله فهو لا يرغب في الذهاب للمستشفى.

كان سائق سيارة الأجرة ينظر له في المرآة باستغراب ممزوج بالحيرة ولكن تاج لم يبالي حتى وصل للمنزل.

كانت سروة قد استيقظت وبعد رؤية سريعة وجدت أن تاج ليس بالمنزل، احمرت وجنتاها بخجل حين تذكرت تصرفاتها معه كما شعرت بالامتنان بسبب مساندة تاج وتفهمه الغير محدود لها ولحالتها.

تنهدت بحزن حين تذكرت والدها، سمعت صوت باب الشقة فنهضت حتى تراه، ما إن وقعت عيناها على تاج حتى صرخت بفزع وهى تضع يدها على فمها وعيناها متسعتان من المشهد الذي أمامه والدماء المنهمرة على تيشرت تاج وقطعة القماش المشبعة بالدم.

تقدمت إليه بسرعة وهى تنظر له بخوف: مالك يا تاج؟ حصلك إيه؟

ابتسم تاج بشحوب: مفيش حاجة يا سروة جرح بسيط بس.

نظرت سروة لجرحه وهى تهتف بقلق: جرح بسيط إيه بس! أنت مش شايف أنت عمال تنزف إزاي؟ يلا نروح المستشفى.

هز تاج رأسه برفض: لا مفيش داعي هتعالج هنا.

قالت سروة بإصرار: لا هنروح ودي مفيهاش مناقشة.

أمسكها تاج من ذراعها بحدة ممزوجة بالجدية: أنا قولت مش هروح يا سروة اسمعي كلامي وبلاش معاندة.

انكمشت سروة من داخلها بسبب نبرة تاج في الكلام معها وقد ظهر ذلك جليًا على وجهها فتنهد تاج ثم اعتذر منها: أنا آسف متزعليش مني بس أنا تعبان وبجد مش عايز أروح المستشفى فيه هنا إسعافات أولية ممكن نعالج بيها الجرح بشكل مؤقت لحد ما الدكتور اللي ساكن قصادنا يجي ويشوف الجرح وصدقيني هو جرح بسيط.

ثم تابع محاولًا المزح: وإلا مكنش زماني واقف قدامك دلوقتي وكنت وقعت من طولي.

ابتسمت سروة مستجيبة له ثم ذهبت لتحضر الإسعافات الأولية فزفر تاج بضيق وهو يجلس على الأريكة بانتظارها، كان يشعر بالضيق من نفسه بسبب شعوره بالفشل في إمساك عصام وقد نجح في خداعه والإفلات منه فشعر بأنه قد أخفق وذلك ما يسبب الضيق في صدره ولكن سروة لا ذنب لها حتى يخرج ضيقه عليها.

عادت سروة بسرعة وهى تجلس أمامه وتضم. جرحه رافضة بشكل قاطع أن يضمد جرحه بنفسه فنظفت الدماء وطهرت الجرح بإتقان ثم وضعت القطن واللاصق الطبي بحرص.

بعد أن انتهت قالت لتاج بقلق: حاسس بأيه دلوقتي؟

ابتسم تاج بتعب: كويس متقلقيش هنام شوية وهصحى زي الفل.

أومأت برأسها وأردفت: أنا هعمل لك شوربة خضار وفراخ علشان تأكل لازم تأكل كويس علشان تخف.

ضحك تاج بخفة: ملوش داعي تتعبي نفسك هنطلب أكل من برة وخلاص.

عبست سروة في وجهه وردت بتصميم: لا طبعا مينفعش أكل برة وانت تعبان كدة لازم أكل كويس من البيت علشان الجرح بتاعك يلم بسرعة.

شاكسها قائلا: خايفة عليا؟ طب افرضي كنت معرفتش أوصل البيت  أو فضلت مرمي مكاني محدش سمع عني ما أنا كان ممكن امو....

قاطعته سروة بتوبيخ وهى تضع إصبعها على شفتيه حتى لا يكمل حديثه: لا متقولش كدة طبعا بعد الشر عليك، أنا عمري ما هنسى وقفتك جنبي دي طول عمري خصوصًا أنك مكرس كل وقتك وحياتك ليا ولمشاكلي فمتقولش حاجة زي دي وتضايقني.

كان تاج يحدق إليها بصمت ثم نظر لاصبعها على شفتيه، انخفضت نظرات سروة وسحبت يدها بسرعة بعد أن استوعبت مافعلت وقد احمرت وجنتيها من الإحراج، نظرت حولها وهى لا تعلم ماذا تقول بينما مازال تاج يحدق إليها مما زاد في توترها، أخيرا نهضت وهى تقول بارتباك: أنا هروح أعملك الأكل على ما تغير هدومك.

أمسكت بالاسعافات الأولية لتعيدها مكانها ثم ذهبت بسرعة إلى المطبخ، حدق تاج في أثرها للحظة قبل أن يبتسم ويستريح بجسده على الأريكة وعيناه تشرد أمامه بابتسامة.

دخلت سروة المطبخ وهى تضع صندوق الإسعافات على رخام المطبخ وتستند إليها يظهرها وهى تزفر بشدة، وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بقوة عله يهدأ قليلًا، وضعت يديها على وجنتيها المحمرتين وضربتهما بخفة، ابتسمت تدعو نفسها بالبلاهة فما حدث لا يُذكر ولا يستدعي كل ذلك الانفعال.

حين استعادت أنفاسها، بدأت تفكر فيما تنوي إعداده ثم وفقت باستغراب وقد تنبهت أنها لم تسأل تاج عن سبب إصابته وهو لم يخبرها، لم تعر الأمر اهتمام وقد أخبرت نفسها أنه ربما وقع عليه شيء ما تسبب في إصابته.

مرت ثلاثة أيام بشكل هادئ نوعًا ما كان تاج خلالها يستعيد عافيته من الجرح الذي أصابه وقد أتى الطبيب وفحصه وأكد أن جرحه بالفعل ليس خطيرًا ولكن عليه التنبه له والخضوع لتعليمات الطبيب حتى يُشفى على خير، كان خلالها تاج يتكلم مع والدته ويطمئن على حال خاله وقد قرر أن يتحدث مع سروة في أقرب وقت عن والدها ويخبرها برغبته في رؤيته ولكنه ينتظر حتى يصبح خاله في حال أقوى ليتحمل المواجهة، لم  ينسى عصام للحظة وهو يفكر في طريقة جديدة حتى يُمسك به ويتمكن من تحرير سروة من ذلك الموضوع للأبد، كانت سروة في تلك الأيام هادئة الطبع عن قبل رغم نوبات البكاء التي تنتابها فجأة فيسارع تاج لضمها حتى تهدأ ولكن غير ذلك كانت تحاول التصرف بشكل طبيعي.

كان يجلس لوحده في غرفة المعيشة بينما سروة في الحمام حين رن هاتفه، رفعه ليجد أن المتصل روفان، ينظر للهاتف بتفكير قبل أن يقرر أخيرًا الرد.

قال ببرود: ايوا يا روفان.

ردت روفان بعتاب: إيه يا تاج! كل ده من غير ما تطمئن عليا؟ مهنش عليك حتى تتصل! 

زفر بضيق قبل أن يرد: كنت مشغول شوية.

قالت بدلال: طب على فكرة روفي زعلانة منك أوي لأنها اتصلت عليك من كام يوم ومردتش بس مش مهم دلوقتي هعاتبك لما أقابلك.

عقد حاجبيه باستغراب: تقابليني؟

قالت بانزعاج: أيوا يا تاج إيه مش عايز تقابلني ولا إيه؟ أنا رجعت وعايزة أشوفك بسرعة.

فكر تاج لدقيقة قبل أن يحسم أمره بحزم: تمام هقابلك في كافيه***** بعد ساعة بالضبط.

ثم أغلق الهاتف، نظراته تحدق أمامه بتركيز وهو يضع الهاتف على ذقنه، نهض ليبدل ملابسه حتى يغادر ويستعد لتلك المقابلة فقد كانت أخيرًا لحظة المواجهة الخاصة به.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close