رواية اسيرة الماضي
الفصل السادس 6
بقلم رانيا البحراوي
عندما وصلت منة إلى المطبخ لم تكن تتخيل أن الذي برفقة الممرضة هو رب هذه الأسرة التي تعيش بكنفهم
والذي واجبه أن يرعاهم ويبث القيم بداخلهم، تخلى عن كل القيم والمبادئ الأخلاقية.
رأت منة بعينها مايخدش حيائها دون أن يشعر بها حسن وخرجت وهي ترتجف من حزنها.
وهذه صدمتها الثالثة بالرجال الأولى والدها الذي تخلى عنها والثانية منصور الذي لم يفكر في منصب ابنه واراد أن يوقع بها والثالثة شقيق جدتها الذي لم يكترث لحرمة منزله ويفعل السوء دون أن يتردد.
وذهبت إلى غرفتها وظلت تبكي كلما كبرت رأت نماذج تؤكد لها أن الرجال سيئون واصبح الرجال من وجهة نظرها أن غرائزهم تتحكم بهم وتطغى على القيم بداخلهم.
نامت هذه الليلة وهي تتعهد بأنها لاتسمح لأي رجل بأن يقتحم قلبها وحياتها لأنها لاتثق بالرجال.
في الصباح كالعادة مر حمزة مبكرا على غرفة عمته وشعرت منة بالذنب تجاهه حين ظنت به السوء دون دليل وسبق ونظرت له بأشمئزاز، ابتسمت له وسألته هل أعد لك الفطور مع جدتي؟
حمزة بغضب :انا لا اتناول وجبة الفطور.
منة :لماذا؟ انها أهم وجبة باليوم.
حمزة بضيق : هكذا
الحقيقة أن حمزة اعتاد على ذلك لأن والدته واخته ومريم لايستيقظوا مبكرا ولذلك لم يجد من يجهز له الفطور يوما.
تركته منة برفقة جدتها وعادت بعد قليل بصنية تحمل أطباق عديدة مقدمة بشكل شهى.
نظر حمزة للطعام ويبدو أنه اشتهى الطعام خاصة وأن رائحته سبقت منة إلى الغرفة.
طلبت منه عمته بإلحاح أن يشاركهما في تناول الطعام ولم يرفض، منة أعدت له هذا الطعام حتى تكفر عن ذنبها بالإضافة لتعاطفها مع كل الأسرة بعد أن علمت أن الأب يخطئ بحقهم جميعا.
أثناء الطعام رأى حمزة عن قرب مقدار الحب الذي يجمع بين عمته وحفيدتها واهتمام منة الكبير بجدتها، منة تطعمها بيدها، ورغم أن الجدة مازالت لديها بعض تأثير الجلطة وخاصة على فمها الذي مازال معوجا لاتهتم منة لما يسقط من فم جدتها من الطعام سواء سقط على الفوطة أو سقط على يدها لا تشعر يالتقزز على عكس الممرضة التي كانت تحاول الا يتضح عليها ذلك.
احترم حمزة منة بعد رؤية رحمتها بجدتها المريضة وشعر أن كل ممرضي العالم لن يستطيعوا القيام بذلك.
تناول حمزة القليل وقبل أن يغادر الغرفة نظر إلى منة وشكرها على الطعام.
هزت منة رأسها وقالت العفو.
حين غادر حمزة الغرفة قالت منة لجدتها الايعرف ابن أخيك الابتسام، عابس الوجه وبدأت تردد الكلمات القليلة والنادرة التي سمعتها منه وهي تقلده.
التفتت منة لتجد حمزها خلفها تماما نسي مفاتيح سيارته على الطاولة وعاد كي يلتقطها.
احمرت منة خجلا حين رأته، ضحكت جدتها وأخذ حمزة مفاتيحه وذهب غاضبا.
الممرضة استيقظت متأخرة لتجد أن منة قدمت الطعام والدواء.
الجدة بهدوء :مااخرك اليوم في الاستيقاظ ياأبنتي.
منة بغضب :يبدو أنها تأخرت بالنوم بالأمس.
الممرضة :لا لم اتأخر ولكنني منهكة قليلا.
منة :ولكنني استيقظت بوقت متأخر ولم تكوني بفراشك.
الممرضة :كنت بالحمام.
تعجبت منة كيف لم تكتشف زوجة حسن ذلك ولكنها اكتشفت بعد ذلك أن حسن ينام بغرفة منفصلة عن زوجته ولكنها لاتعرف سبب ذلك.
يوجد عامل آخر بالمنزل يدعى شريف وهو حارس المنزل ويهتم بالحديقة أيضا وزوجته فاطمة تنظف المنزل وتطهو لهم الطعام ولكن منذ أن جائت منة لم تراهم لأنهما كانا بالبلدة لحضور جنازة أخيه الأكبر وبعد عودتهما تعرفا على منة واحبت منة زوجة الحارس.
باليوم الذي عادت فيه فاطمة اخبرتها منة أن تذهب وترتاح وهي ستقوم بإعداد طعام الغداء لأفراد الأسرة.
بعد إعداد الطعام لم تجد منة من يتناول الطعام فالام ذهبت لزيارة صديقتها والأب ذهب إلى لقاء أصدقائه بكافيه على البحر ومريم ويونس ذهبوا لحضور الدروس.
عاد حمزة هذا اليوم مبكرا لأنه شعر ببعض التعب وقبل أن يصعد إلى غرفته مر على جدته سريعا وأخبرها أنه لن يستطيع البقاء معها لأنه يريد أن يستريح.
طلبت الجدة من الممرضة أن تصعد إلى غرفة حمزة وتقدم له دواء أو تتصل لاستدعاء طبيب إذا اشتد عليه المرض.
دخلت منة المطبخ جلبت طبق من الحساء الذي حضرته بالغذاء ولم يتناوله أحد ولحقت بالممرضة إلى غرفة حمزة.
هذه المرة الأولى التي تصعد بها منة للطابق الثاني.
بحثت حتى وجدت غرفة حمزة ورأت حمزة وهو يدفع الممرضة ويطلب منها أن تترك بينهما مسافة وهي تتحدث معه.
فرحت منة جدا برؤية ذلك واحترمته بشدة، اول نموذج للرجل المحترم من وجهة نظرها وخاصة وأنه شاب واعزب رغم ذلك لم يقع في شباكها.
دخلت منة على الفور ووبخت الممرضة وقالت عندما تعود زوجة جدي حسن سأخبرها أنني لست بحاجة لمساعدتك بعد اليوم.
دخلت منة وقدمت له الحساء وطلبت منه أن يشربه كي يستطيع تناول الدواء.
اتصلت منة بحسن وأخبرته أن يحضر سريعا لأن ابنه مرض وأخبرته بما فعلته الممرضة حتى يعلم بحقيقتها.
مايثير الدهشة في الأمر أن حسن لم يصدق منة واتهمها بالكذب فأخبرته أن يأتي ويسأل حمزة بنفسه.
عندما وصل حسن إلى المنزل صعد إلى غرفة حمزة وسأله أمام الجميع عن حقيقة ما ترويه منة.
نظر حمزة إلى والده وقال : منة تكذب.
صعقت منة وظنت أن حمزة لايتذكر ماحدث بسبب الحمى التي لديه وحاولت أن تذكره بذلك ولكن حمزة أصر على موقفه وأخبر منة مرة أخرى انها كاذبة.
تعجبت منة من إصرار حمزة وهو يجزم ويؤكد انها كاذبة
وشعرت أن هناك شيئا يخفيه حمزة عن الجميع.