رواية اسيرة الماضي
الفصل الرابع 4
بقلم رانيا البحراوي
ورد الي والد منة اتصال من الدار كي يتسلم ابنته
سكت الأب قليلا وكأنه يحاول تجميع أفكاره ويتذكر انه كان لديه ابنة بيوم من الايام تضاربت مشاعره بين إشتياق ونفور، عددت المديرة صفات إبنته الحميدة ومزاياها وان الدار ليست مكان مناسب لفتاة مثلها.
مر يومان دون أن يأتي والدها لاستلمها واخبرتها المديرة
انه اذا لم يتسلمها والدها ستودعها لدى قسم الشرطة كي يضعها في دار رعاية أخرى.
طلبت منة من المديرة الاتصال بجدتها،اجابتها بأنه للأسف لم تستطع التواصل معها ولاتعرف اي معلومات عنها.
حزنت منة ولم تنم طوال الليل والغريب أن ثريا التي كانت دائما تخفي طيبة قلبها عانقتها واشفقت على حالتها، وجلست وحكت لها قصتها التي لم تحكها من قبل وأنها عوقبت بالايداع في الدار بسبب قتلها لأبيها عندما ضرب والدتها المريضة.
رددت منة كل الرجال سييئون، لم يغفو لمنة جفن هذه الليلة منتظرة مصيرها الذي سيتحدد في الصباح.
لم يأتي والدها لاستلمها رغم أنه تم تبليغه منذ ثلاث ايام اتصلت المديرة بقسم الشرطة وهي حزينة لذلك ولكن هناك قوانين تحكمها، لاتستطيع الإبقاء على منة أكثر من ذلك.
حضر الضابط ليتسلمها وازدادت ضربات قلبها خوفا وفزعا، الفتيات اصطفن كي يودعن منة وارتفعت أصوات بكائهن حزنا عليها لأنها حلمت كثيرا باليوم الذي تغادر به الدار يدا بيد مع جدتها، واليوم كلهن يشهدن خروجها بهذه الطريقة.
نزلت منة بعد أن ودعت الجميع وذهبت مع الضابط ولاحظت شيئا أنها ترتجف كلما اقترب يد الضابط منها فلم يلمسها وأشار لها أن تتجه معه إلى السيارة يبدو أنها مازالت اسيرة بين جدران خوفها وبعد لحظات من ذهابها، وصل الي الدار رجل مسن كي يسأل عنها.
سألته المديرة هل انت والدها؟ قال لا انا شقيق جدتها
طلبت منه أن يسرع نحو القسم لأنها ستقضي هذه الليلة هناك.
بالقسم لاحظت أن الضباط يتهامسون وينظرون إليها.
قام أحدهم باتصال هاتفي بصوت خافت حتى لاتسمع.
توجه شقيق جدتها إلى القسم على الفور، بكت منة حين رأته، عندما تقتلك الغربة وتملأ داخلك ثم تنظر لتجد من تنتمي له، رغم أنه تغير قليلا الا انها مازالت تتذكره لأنه كان الإنسان الوحيد الذي قدم لهم العون بيوم من الايام.
عانقته وسألته أين جدتي، سكت قليلا مما جعلها تشعر بالفزع حتى احمرت عيناها فقام بطمئنتها
وقال :لاتخافي انها على قيد الحياة ولكنها مريضة اشتد بها المرض بعدما حدث معك واخذتها إلى المحافظة التي اعيش بها ولذلك لم تقم بزيارتك منذ سنوات.
منة :كيف علمت بيوم خروجي.
شقيق الجدة حسن :والدك اتصل بها وأخبرها أنه لن يتسلمك وان من الأفضل لكي أن تنتقلي الى دار أخرى تحت رعاية الحكومة من أن تخرجي وتحدثي مشاكل أكبر، توسلت إليه جدتك كثيرا كي يتسلمك ويجلبك لها ولكنه رفض لأنه باستلامك سيوقع وثائق التزامه بك وهذا مايخاف منه.
منة :وحضرتك ستوقع على هذه الوثائق؟
حسن بخجل :لا،ولكن جدتك ستتسلمك على مسئوليتها وكلتني بموجب توكيل رسمي وأرسلت معي ختمها.
منة:انها نعمة ربي وغاليتي، ادعو الله ان يشفيها.
تمم حسن الإجراءات واستلمها على مضض وكأنه أجبر على ذلك من شقيقته الكبرى (جدتها) إنتهت الإجراءات وقام حسن بكتابة عنوانه الخاص فقام أحد الضباط بتصوير العنوان بواسطة كاميرا هاتفه وعندما سأل حسن عن السبب اجابه الضابط أن هذا إجراء متبع.
خرجت منة برفقته من القسم طائرة كالفراشة، تنفست مطولا ونظرت إلى السماء كثيرا.
بالسيارة بانتظرهم الابن الأكبر لحسن يدعى حمزة يجلس على عجلة القيادة، لم ينزل من السيارة للترحيب بها ولم ينظر إليها
منة بيدها حقيبة ملابسها ارادت وضعها بحقيبة السيارة وتخجل أن تطلب منه.
رآها حمزة بالمرآه فقام بفتح الحقيبة اتوماتيكيا وهو بمكانه، رفعت منة الحقيبة بصعوبة بالغة حتى وضعتها بالسيارة.
ضغط حمزة على بوق السيارة كي تتعجل الركوب.
ركبت منة وبصوت منخفض يملأه الخجل :السلام عليكم
رد حسن: وعليكم السلام.
حمزة يتفقدها بالمرآه يشعر أن سيارته ستتسخ يظن انها قضت ليلتها بقسم الشرطة وملابسها غير نظيفة.
الأب والابن أجبروا من جدتها لجلبها حين أخبرتهم أن هذه آخر أمنية لها بالحياة أن ترى حفديتها الوحيدة وتطمئن عليها.
شعرت منة بذلك عندما امتنعا الاثنان عن التحدث معها طوال الطريق، ومن نظرات حمزة الغاضبة التي كادت تحرقها كلما تلاقت أعينهم بالمرآه.
فتحت منة النافذة كي تستنشق انفاس الحرية وتمتع عيناها بمشاهدة دنيا افقتقدتها وحياة لم تراها.
حمزة بصوت غاضب :من فضلك أغلق النافذة لأن المكيف يعمل.
منة :حاضر وظلت تحاول الضغط على جميع الأزرار فهي لاتعلم كيف تدار السيارات الاتوماتيك.
ازداد غضب حمزة وطلب منها أن تتوقف وقام بإغلاق النافذة من الأزرار التي بجانبه.
اتصلت الجدة كي تطمئن وأخبرها حسن أن منة معهما الان بالسيارة، مد حسن يده بالهاتف، أخذته منة بلهفة وقالت ببكاء:جدتيييي ولم تستطع التحدث من شدة البكاء.
الجدة :حبيبتي سامحيني عن الانقطاع عن زيارتك طوال هذه المدة، من حزني على فراقك أصيبت بجلطة أثرت على لساني ولذلك لم اتصل بك طوال هذه الفترة ومازلت اتحدث بصعوبة ولذلك لم اريد الاتصال بك حتى لاتقلقي علي وتحزني.
منة :جدتي كم اشتقت لسماع صوتك لحضنك الحنون.
ظلت منة تبكي بعد انتهاء المكالمة، تعد الدقائق والساعات كي تلقي بنفسها بين ذراعي جدتها.
لم تحتمل نظرات حمزة فقامت بإغلاق عينها تتظاهر بالنوم.
فتحت عيناها بعد فترة لتجد البحر بجانبها، خطف البحر قلبها بجمال لونه وامواجه التي تلاحق بعضها لتصطدم بالصخور وترتد مرة أخرى، شعرت انها مثل هذه الأمواج المتصادمة بالصخور يطردها البحر فترتد إليه، هي أيضا كلما طردتها الدنيا ارتدت إليها بحب بشوق بلهفة.
اخيرا توقفت السيارة أمام منزل كبير بحديقة جميلة عليها باب حديدي أكبر من باب الدار.
لم يستقبلها احد، نزل حسن وطلب منها أن تحمل حقيبتها وتسير خلفه اما حمزة فلم ينزل من السيارة لأنه سيذهب بالسيارة إلى المغسلة.
دخلت منة يسبقها خجلها وتتسابق دقات قلبها فرحا وشوقا لجدتها تسير خلف حسن وتتمنى أن يسرع ويوصلها إلى غرفة جدتها.
ولكن كانت هناك مفاجئة بانتظارها