رواية اسيرة الماضي الفصل العاشر 10 بقلم رانيا البحراوي

 


 رواية اسيرة الماضي 

الفصل العاشر 10

بقلم رانيا البحراوي



فزعت منة وشحب لون وجهها مازالت تخشى ان يقترب أحدهما منها أو يلمس طرفها، ارتجفت والتفتت. 

ثم فتحت منة عيناها على الفور لتجد يد ايسل الصغيرة متعلقة بطرف فستانها، هدأت منة برؤيتها. 


لاحظ عمر الخوف الذي أحاط بمنة ورجفة يدها. 

عمر :هل أنتِ بخير؟ 

منة تلتقط انفاسها :نعم بخير. 

عمر :من يراك صباحا وأنتِ تحاسبينني على اهتمامي بطفلتي وتحدقين بوجهي لا يظن ابدا ان فتاة بقوتك تخشى وتخاف من يد هذه الطفلة الصغيرة. 

منة :لكل إنسان شئ يخيفه قد يبدو غريبا عند سماعه فهناك من يخاف من الاماكن المرتفعة أو المغلقة اما انا أخشى اللمس. 


عمر :هذه المرة الأولى التى أسمع بها بحالتك هذه. 


التفتت منة إلى ايسل ونظرت إلى بلونتها الملونة وسألتها كيف تطير هذه البلونة لأعلى فقط ولا تنزل على الأرض.


ظن عمر أن منة تختبر ابنته لا يظن أن فتاة بعمرها لم ترى بالونة الهيليوم من قبل ردت ايسل عليها وقالت لأن بها غاز يجعلها تتطير هكذا.


منة :هل لي أن امسك بها قليلا

أيسل:اتفضلي


عن ابتسامة منة وفرحتها ونظرتها إلى البلون والشمس تداعب عيناها فتفتح تارة وتغلقها أخرى لحظات سعادة تعجز الكلمات عن وصفها لدرجة ان عمر أخبرها انها يمكنها الاحتفاظ بها.


خجلت منة وأعادت البلون للطفلة وشكرته واعتذرت منه على الطريقة الغير لائقة التي تحدثت بها بالأمس.


والسبب الرئيسى وراء اعتذارها الان انه ترك عمله وخرج يتنزه مع الطفلة، رغم أنه وقت مراجعات نهائية والأساتذة جميعا ينشغلون بذلك الوقت.


طلب عمر من ابنته أن تذهب معه لاستكمال النزهة فاخبرته انها تريد الجلوس مثل منة على السور تشاهد البحر، خاف عمر ان يضعها على السور فتقع وتتأذى.


منة :لاتقلق سأمسك بها جيدا، حملها عمر ووضعها بجانبها 

وقال من لهجتك يبدو أنكِ من القاهرة؟


منة :نعم من القاهرة انتقلت الى الإسكندرية حديثا. 

عمر :اهلا بك، ورده اتصال هاتفي وتنحى جانبا كي يجيب ولكن لم يبتعد بنظره عن الطفلة مطلقا. 


بهذه الأثناء ايسل سعيدة جدا بجانب منة يستمتعون برؤية البحر وتهمس منة في أذن الطفلة فتعلو ضحكتها ويبتسم عمر أثناء تحدثه بالهاتف كلما ضحكت ابنته. 


أنهى الأتصال وعاد إليهما وامسك بيد ابنته وسألها ماالذي يضحكك هكذا، قالت منة تحدثت مثلك وقلدت صوتك. 


خجلت منة وقالت :لا لم أتحدث مثلك. 


عمر :اثرني الفضول كي أرى كيف تقلديني. 

منة بخجل شديد :لا أستطيع فعلت ذلك كي لاتمل ايسل من الجلوس. 


طلب عمر من ابنته أن تودع منة كي يعودوا إلى منزلهم. 

قبل أن يبتعد عمر أسرعت منة خلفه ونادت عليه مستر عمر سوف التزم بمواعيد الدروس بالمركز منذ الغد إن شاء الله. 


هز عمر برأسه وقال :يجب عليكي الاجتهاد بالمذاكرة مع الالتزام بالحضور. 

منة:سوف التزم بالطبع. 


ظلت منة أمام البحر كثيرا حتى رأت سقوط الشمس بالبحر واظلم الشاطئ، أسرعت تعود إلى منزلها. 

عادت منة إلى المنزل وتصادفت مع حمزة وتعجب انها مازالت تتجول ولم تعد بعد. 


حمزة :أين كنتِ؟ 

منة :بزيارة صديق. 

حمزة بتعجب :صديق، من؟ 

منة :البحر. 

ابتسم حمزة وقال أصبح صديقك بهذا الوقت القصير. 

منة :منذ أول لقاء وحدثت أشياء اليوم لن تتخيلها، تتذكر الطفلة التي كانت تصرخ عندما كان الكلب يلاحقها. 

حمزة :نعم اتذكر. 

 منة:ذهبت المركز اليوم لاكتشف أن والدها مالك المركز ومدرس الرياضيات. 

حمزة :حقا؟! لابد أنه طردك بعد ما حدث بالأمس. 

منة :لم يطردني ولكن حدثت أشياء أخرى وحكت له كل ماحدث ومقابلتها لعمر والطفلة على الشاطئ. 


حمزة :كل هذا عرفتيه عن الأستاذ بيوم واحد، يبدو أنك إجتماعية جدا على عكس مايتضح عليكِ. 


منة :لا ولكنني تعاطفت معهما جدا. 

دخل حمزة برفقة منة من باب المنزل وراهم يونس وسالهما بصوت مرتفع أين كنتما؟


سمعت الأم كلمات يونس ونزلت على الفور وسألت حمزة بغضب كيف عدتم سويا؟


حمزة :تصادفنا أمام الباب لاادري كيف تظل بالخارج إلى الآن دون طعام وشراب. 


منة :عندما ذكرت الطعام تذكرت أنني جائعة، سأذهب لأرى جدتي واتناول الطعام معها. 


رأى حمزة أن الجميع تناولوا الطعام قبل مجيئه فاخبر منة انه سيتناول الطعام معهما هي وعمته. 


جهزت منة الطعام سريعا وذهب حمزة ليبدل ثيابه بالغرفة، دخلت والدته خلفه تخبره بأنه يجب عليه ألا يتقرب من تلك الفتاة وأنها تركته كي يساعدها شفقة عليها لا أكثر. 


حمزة :وهذا ما أفعله بالفعل اريد مساعدتها لااكثر. 


وضعت منة الطعام بطريقة شهية كعادتها فهي تهوى تزيين الأطباق عند تقديمها بصورة مختلفة جدا عن أي شخص آخر. 


منة من شدة شعورها بالجوع تطعم جدتها قليلا وتتناول كثيرا، ضحك عليها حمزة وقال ستنختنقي تمهلي في تناول الطعام لن يطير الطعام من أمامك. 


منة :رغم اني جائعة لكنني اتناول قليلا. 

حمزة بسخرية :قليلا جدا، انا وجدتك لم نتناول شيئا لأننا نشاهدك فقط، مارأيك ياعمتي؟ 


ضحكت عمته :وقالت هي كذلك منذ أن كانت صغيرة 

لاتنظر حولها عندما تشعر بالجوع ورغم ذلك لا يزيد وزنها 

مطلقا. 


منة :انتهيت من تناول الطعام. 

حمزة ينظر للاطباق ويضحك وهي خاوية تماما .


صعد حمزة إلى غرفته وهو يضحك. 


مر على مريم بغرفتها ليطمئن عليها ويطمئن انها قامت بشراء جميع مستلزمات الدراسة لمنة، حكت له مريم ماحدث، رغم أن منة سبقت وحكت له ماحدث الا ان مريم أخبرته بالتفصيل وظل يضحك ويخبرها أن هذا المدرس سيتصيد لها الأخطاء ليرد لها مافعلته معه. 


في صباح اليوم التالي طلب حمزة من منة أن تتجهز سريعا حتى ياخذها بنفسه إلى المركز ويشتري لها الأغراض. 


شكرته منة كثيرا رغم خجلها من قبول مساعدته الا انها ليس لديها بديل. 


بالمركز تعرف حمزة على عمر وسأله عن الأغراض التي يجب أن تحضرها منة، ايسل فرحت برؤية منة وقفزت حين رأتها. 

لاحظ حمزة فرحت ايسل ولكنه لم يتعجب من ذلك لأنه يعرف كم منة طيبة القلب واستطاعت كسب حب هذه الطفلة الصغيرة سريعا كما فعلت مع يونس. 


عمر :انت شقيقها؟

حمزة :مثل ذلك. 


دخلت منة وجلست وسط الفتيات في انتظار دخول الأستاذ لشرح الدرس. 


عندما دخل عمر القاعة لاحقته نظرات الإعجاب من كافة الفتيات مع رسم ابتسامة على وجوههن على العكس من منة تماما التى لم تنظر بوجهه، تغض بصرها كما أمرها الله وكما علمتها إحدى مشرفات الدار عندما كان يأتيهم زائر بالدار. 


عمر يعلم أنه لصغر سنه يجذب الفتيات وخاصة وأنهن بمرحلة المراهقة، ولذلك يتعامل معهن بحزم شديد ويعامل الفتيان أيضا كذلك حتى لايستهينوا به ويهملوا مذاكرتهم. 


لفت نظر عمر انها لاتنظر إليه مثل معظم الفتيات وكأنها لاتراه حقا هي لاتراه لأنها منشغلة بالنظر إلى أحلامها ومستقبلها وتركز فقط على كل كلمة أو تفاصيل صغيرة 

يخبرهم بها. 


بنهاية الدرس أخبرهم انه سيطرح عليهم مسألة رياضية وسيعاقب من يفشل في حلها، واستثنى من العقاب منة لأنها جديدة معهم.


تركهم يفكرون وترك معهم المساعد الخاص به يراقب عليهم وخرج كي يطمئن على ايسل. 


المفاجأة عندما عاد عمر ووجد أن منة الوحيدة التى استطاعت إنهاء كافة خطوات المسألة. 


أعجب عمر بتفوقها وسألها أمام الجميع عن اسم المدرسة التي أنتقلت منها. 


أخبرته منة باسم المدرسة التي كانت تحضر الاختبارات بها نهاية كل تيرم فاخبرها انه يعرف مدير هذه المدرسة معرفة شخصية. 

ارتبكت منة لأن مدير المدرسة يعرفها جيدا عندما كانت تذهب إلى المدرسة لحضور الاختبارات وكان يعلم أنها من فتيات دار الرعاية، خافت أن يتواصل عمر مع مدير المدرسة ويعلم بماضيها ويطردها من المركز لأنها قاتلة وسارقة.


الماضي يلاحقها أينما ذهبت، لا لا يلاحقها بل يحيط بها ويسجنها بداخله ويثقل قلبها تريد أن تصرخ وتخبر الجميع ببرأتها. 


انتهت الحصة ووقفت منة تجمع أغراضها مر طالب بجانبها ولمسها دون أن يتعمد ذلك ارتجفت وصرخت وبدأ الجميع ينظر نحوها ولأن عمر لديه فكرة عن حالتها 

اسرع إليها. 


الطالب :لم أفعل شيئا يامستر حضرتك تعرفني جيدا. 

عمر :أعلم أنك لم تفعل شيئا إذهب وليذهب الجميع بطريقه. 


عمر بغضب :أرجو منكِ أن تتحكمي بخوفك قليلا أو لا تأتي للحضور بالمركز طالما تخشين الاختلاط أنا لا أريد أن يسئ أحدهم لسمعة المركز. 


منة مازالت ترتجف وتنصت له والدموع تتساقط من عينها ولم تقوى يدها المرتجفة عن مسح تلك الدموع 

افتقدت في هذه اللحظة حضن أمها منبع امنها وامانها. 


برجفة شفتيها الحزينة أعتذرت له رغم أنها هي التي تستحق من المجتمع أجمع أن يعتذر لها ويرتب على ظهرها ويأخذ بيدها نحو مستقبل أفضل. 


ولكن هل ستنتظر منة من يأخذ بيدها أم ستعافر لتكمل الرحلة لتصل إلى غايتها من جديد. 


              الفصل الحادي عشر من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات