أخر الاخبار

رواية مملكة سفيد الفصل التاسع والثلاثون39والاربعون40بقلم رحمه نبيل


رواية مملكة سفيد الفصل التاسع والثلاثون39والاربعون40بقلم رحمه نبيل


صلوا على نبي الرحمة


تقف خلف الباب الخشبي الضعيف الذي يحميها ووالدتها من كل الفجور والقذارة التي تحيط بهما، لكن الآن وبعد رحيل والدتها لم يعد هذا الباب يمثل لها حماية، وقد أدركت زمرد وباسوء الطرق الممكنة أن مصدر راحتها وأمنها كانت والدتها وليس ذلك الباب أبدًا ..


ارتفعت أصوات المعارف والغناء والالفاظ البذيئة التي تأتيها من الخارج وقد قرر بافل العزيز أن يقيم حفلة على شرف ذكرى مقتل والدتها .


سقطت دموعها تنهار ارضًا تأن وجعًا لكل الرضوض في جسدها، اليوم صباحًا حين علمت ما ينتوي ذهبت له تتشاجر معه لينتهي بها الأمر ملقاة ارضًا تنزف جروحها فقط لأنها اعترضت على تلويث ذكرى وفاة والدتها .


ابتلعت ريقها وقد ازدادت اصوات الموسيقى صخبًا، مما جعلها تضع يدها على أذنها وهي تصرخ بجنون :


" لعنة الله عليكم أجمعين، لعنة الله عليكم اجمعين ."


كان جسدها يرتجف بقوة وهي تحاول النهوض من خلف الباب والذهاب لغرفة والدتها للاحتماء بها تتلمس أي دفء قد ينقذها من كل ما يحيط بها هنا، لكن ما أن نهضت وما كادت تخطو خطوة واحدة حتى سمعت صوتًا يهتف بالخارج من بين اصوات المعازف :


" الزعيم يستدعيكِ للاحتفال، هيا لتشاركينا الحفل زمرد "


ختم حديثه بنعيق مزعج أشبه بصوت الحمير والعياذ بالله، لم يكن ضحكًا بأي شكل من الأشكال، فقط صوت مزعج جعل قوة غريبة تتلبس جسدها وهي تندفع للباب تفتحه بعنف واعين متسعة غاضبة :


" احتفل معكم ؟؟ لماذا ؟؟ بذكرى رحيل أمي ؟؟ تبًا لكم أجمعين، والله لو خرجت الأن لأحطمن كل شيء أعلى رؤوسكم يا قوم، ارحل من وجهي، ارحل يا وسخ "


ختمت حديثها تبصق في وجهه متقززة من النظر له،  ولم تكد تغلق الباب حتى ابصرتها ( فاسقة المنبوذين الاولى ) جاءت تتمختر بشكل قذر أمامها وهي تحرك خصلاتها وجسدها بشكل جعل جسد زمرد يرتجف على وشك التقيأ، تتحدث بصوت أشبه بفحيح افعى وجدت لتوها وليمة .


" ماذا كل هذا لتحضرها ؟؟ الزعيم أرسلني لاستعجلك "


رفعت زمرد حاجبها تقول :


" فقط ابتعدي عن أعتاب منزلي لئلا يتلوث بفسقك، واذهبي لاخبار الفاسق الآخر أنني إن جئت لن اجعل أحدهم ينظر له نظرة احترام أخرى بعدما افعل به ما افكر فيه "


ابتسمت لها موري تقول بصوت خبيث :


" أنتِ حقًا لا تريدين اغضاب بافل خاصة أنه بمزاج جيد اليوم، حتى أنه لم يرفض طلبي لاحضارك للحفلة، كان من الكرم الذي جعله يوافق دون تفكير على مشاركتك لنا "


وقبل أن تغلق زمرد الباب اتسعت عيونها بصدمة كبيرة وهي ترمقها لموري تهمس بصوت حاد :


" أنتِ من اقترح عليه احضاري ؟؟"


ابتسمت موري وقد اعجبتها نظرات زمرد المصدومة تلك تقول بجدية :


" وايضًا أنا من اقترح عليه عمل هذه الحفلة، فالرجال هذه الأيام يحتاجون لمن يرفه عنهم، لذا لم اجد مناسبة افضل من هذه لإقامة حفلة لهم "


اشتعلت أعين زمرد وهي ترى مقدار الحقد الذي تسرب من نظرات وكلمات موري، تلك الحقيرة اللقيطة التي لا يدري أحدهم أي رحمٍ بصقها خارجه ليتخلص منها، ومن أي مملكة انحدرت، هي فقط ظهرت لهم وكأن الحياة لفظتها باصقة إياها خارجها، وبالطبع لم تجد افضل من مكب النفايات لتبصق بها أمثال هذه القذرة، فأين ستجد موري شعب يماثلها قذارة كشعبها ؟!


ومنذ مجيئها وهي لا تحب وجودها وابتعدت عنها لتتخذ موري الأمر بشكل شخصي، وتبدأ في ازعاجها وبشدة حتى تخطى الأمر مع الوقت مجرد ازعاج وبدأت تؤذها بشكل سييء، بل وتستمتع بهذا .


وفي غمرة انتشاء موري بانتصارها لرؤية تلك النظرات تعلو وجه زمرد شعرت فجأة بصفعة تسقط على وجهها جعلتها تصطدم في الجدار القريب، ومن ثم اندفاع جسد زمرد تجذبها من خصلات شعرها صوب الخارج تحت صرخات موري التي بدأت تنافس المعازف صخبًا .


تتحرك بين ممرات القرية وهي تجذبها من شعرها بغضب حارق، حتى وصلت بها صوب الساحة المركزية في القرية تمر بها بين الأجساد المتعرقة والتي للصدق كان العرق أقل الروائح قذارة في هذا التجمع، فالفسق الذي ينبثق من الأجساد المتلاحمة كاد يتسبب لها مشاكل في التنفس. 


واخيرًا وصلت لمنتصف الساحة حيث الراقصات وبؤرة الفساد، ثم ألقت جسد موري والذي رغم أن صوت اصطدامه بالأرض لم يكن قويًا إلا أنه تسبب في توقف اصوات الموسيقى وجلب انتباه الجميع لها .


ابتسمت تقول بصوت مرتفع :


" اعتذر منكم على قطع وصلة الفجور هذه، لكن أنتم من اصررتم على مشاركتي لكم الاحتفال، صحيح ؟؟"


ختمت حديثها تضرب معدة موري بقدمها وهي تقول بصوت مرتفع :


" والشكر لصاحبة الأفكار القذرة موري، والآن دعونا نكمل الحفل "


وبعد تلك الكلمات لم يبصر أحدهم سوى جسد زمرد التي تحركت بين الجميع يجنون تنتزع منهم ادوات العزف تحطمها صارخة وتدفع الراقصات جانبًا، تحطم زجاجات الشراب والاكواب وتنتزع الخيام التي تحيط بها وهي تصرخ بجنون، تدمر الزينة وتفسد أي مظهر احتفال تراه أمامها بشكل هستيري، وبعدما انتهت تنفست بصوت مرتفع وتحركت صوب بافل الذي كان يراقب كل ذلك بأعين متسعة مما يرى، ولم يبصر سوى جسد زمرد تقف أمامه ودون حديث رفعت يدها وهبطت على وجهه بصفعة تهمس له بغضب :


" اللعنة عليك وعلى قومك الوسخ بافل، اللعنة عليكم يا سلالة الخنازير يا قمامة الممالك وبقايا الأوساخ في هذا العالم  "


ولم تكتفي بصفعة بل بصقت في وجهه :


" سأنتظر اليوم الذي أراك تنازع للحياة أمامي وحينها ستراني ابتسم واغني واتراقص حول جسدك أخي، بل سأقيم حفلة اضخم من هذه "


نظر لها بافل بأعين حمراء وكانت هذه آخر نظرة تراها زمرد منه، قبل أن تتحول الايام العشر اللاحقة لجحيم .


كان جحيمًا بكل ما للكلمة من معنى، كانت القرية تنام ليلتها على صوت صرخاتها وتستيقظ على صوت نحيبها، وبالطبع المشرف الاول على ذلك الجحيم كان بافل والمساعد الثاني كان هي ...موري .


الفاسقة التي تقف أمامها الآن في قاعة سفيد، وأمام شقيقها والجميع، لقد جاءت لها وبقدمها، ارتسمت بسمة غير مصدقة على فم زمرد وهي تنظر حولها لتبارك والجميع، ثم عادت بنظرها لموري التي كانت ما تزال في صدمتها لم تخرج منها بعد .


تحركت زمرد صوبها ببسمة واسعة جعلت إيفان يتحفز وهو يضيق عيونه محاولًا معرفة ما يحدث، وازداد تعجبه حين وجد زمرد تقف أمام موري التي تخفض وجهها تحدق فيها طويلًا، ومن ثم قالت بصوت غير مصدق تتبعه بسمة وقد رنّ صدى صوتها في المكان :


" فاسقة في قصرنا ؟؟؟؟" 


_________________________


نفس الصوت ونفس الأنشودة ونفس الحركات ونفس البسمة ونفس الذكريات، المشهد نفسه، لكن المكان مختلف والمُشاهد ليس نفسه ..


في المرة السابقة كانت تفعل هذا أمام الحظيرة على مرأى ومسمع من الملك، وهذه المرة تفعلها بغرفة التدريبات الخاصة بوالدتها، على مرأى ومسمع من شقيقها والذي لا تعلم حتى بوجوده في المكان ..


دارت كهرمان حول نفسها وهي تحرك كتفها وتميل للخلف، وهذه المرة كانت شاكرة للغرفة الآمنة التي صنعها لأجلها أرسلان والتي تمنحها راحة وإمكانية التحرر من حجابها لبعض الوقت .


خصلاتها تتحرك يمينًا ويسارًا، واعين أرسلان تتحرك معها مبتسمًا، وقد أعاد له هذا المشهد والذي كان يمقته قديمًا، راحة فقدها خلال تلك الأشهر، هذا المشهد الذي يؤكد له أنه وإن فقد الكثير ومنهم والدته الغالية، فالله جلّ وعلى لم يحرمه آخر شيء قد يسعده في هذه الحياة ..صغيرته وطفلته الحبيبة، وربيبة يده .


ورغم سعادة المشهد أمامه، إلا أنه لم يستطع إلا أن يتذكر والدته، والدته التي كانت الحضن الدافئ الوحيد الذي يلجأ له حين تضيق به الحياة .


شعر بالدموع تملئ عيونه وتسبب في ضباب الصورة أمامه لكهرمان .


صوتها وحركاتها وكل ما تفعله كهرمان كان انعاكس لكل ما تفعله والدته، كانت تقلدها بحرفية بارعة، تنفس أرسلان بصوت مرتفع يتلاشى كل تلك المشاعر الآن، ليس هنا وهو الذي من المفترض أن يكون الداعم لكهرمان .


ابتلع ريقه يقول بصوت أراد جعله طبيعيًا لكنه خرج منه دون شعور أجش متهدج يحمل غصة حزنه .


" أخبرتك أن هذه الأمور لن تفيدك، تعالي لتتعلمي القتال فهو أكثر إفادة من كل تلك الأمور السخيفة التي تخص الفتيات كهرمان  "


أطلقت كهرمان ضحكات صاخبة وهي تنتبه له، وعلى العادة لم تهلع أو تتوقف، بل تحركت  صوب أرسلان وهي تدور حوله ومازال صوتها يردد نفس كلمات الأنشودة، تدعوه باستفزاز أن ينضم إليها، وهو فقط رمقها بسخرية رافضًا أن يفعل ..


تدور حوله وتحرك كتفها ويدها في الهواء تظهر له يمينًا ومن ثم تتحرك يسارًا وهي تتراقص بحركات رشيقة جعلته يبتسم دون إرادة منه ..


وحين بدأت تدور حوله ظلت عيون أرسلان تتحرك معها، حتى انتهت ترفع يدها وهي تتنفس بصوت مرتفع، وكل ما استطاع هو نطقه كان :


" عجبًا كل هذا الدوران ولم تفقدي الوعي بعد ؟؟" 


ضحكت كهرمان بصوت مرتفع وهي تتحرك تستند عليه تلتقط أنفاسها وهو بردة فعل طبيعية مد يده يربت أعلى ظهرها بلطف .


" أوتدري أرسلان، أنت محق، القتال أكثر أهمية، وقد أدركت هذا الفترة السابقة " 


ابتسم أرسلان يقول لها بقهر وخوف من اجابتها :


" أخبريني أنكِ لم تمنحي أحد القذرين فرصة لمسك كهرمان "


" الوحيد الذي فعلها أخي، فقد يده ضحية ذلك "


اتسعت بسمة أرسلان بفخر وقد تنفس الصعداء يربت على كتفها بفخر شديد :


" احسنتي عزيزتي، هذا ما أتوقعه "


" أنا تلميذة نجيبة لمعلم جيد أرسلان "


ابتسم أرسلان بسمة أكثر اتساعًا يقول :


" إذن تريدين أن نراجع بعض الدروس ؟؟"


أمسكت كهرمان بطرف ثوبها تميل نصف ميلة :


" أنه لشرف لي جلالة الملك "


اتسعت ابتسامة أرسلان أكثر وهو يشير بعيونه على حجابها :


" سأنتظرك في الساحة الخلفية إذن، سأذهب لافرغها من الجميع، الحقي بي يا فتاة"


ختم حديثه يتحرك تاركًا كهرمان تقف مكانها تبتسم براحة شديدة، تشعر أن تلك الأحاديث تعيد لها ولو جزء صغير من ماضي فقدته بضربة غدر .


تحركت صوب حجابها تلتقطه لتغطي خصلاتها، وأثناء ذلك عادت لرأسها ذكرى بعيدة بعض الشيء لصوت يردد بسخرية :


" كان شقيقك مبارز رائع، لكنه حتمًا معلم فاشل "


ابتسمت بسخرية وهي تتلمس قماش الحجاب هامسة:


" ترى ماذا سيكون رد أرسلان إن علم الأمر ؟؟ "


أطلقت ضحكة صاخبة وهي تتحرك بعيدًا عن المكان تعدل من وضعية حجابها، ثم خطت صوب الباحة الخلفية للقصر حيث اعتادت التدرب من أرسلان، وحينما وصلت ابصرته كما جرت العادة، ينتظرها ويحمل سيفًا لأجلها ...


ابتسم يرفع عيونه لها مرددًا :


" جاهزة للقتال ؟!"


اخذت منه كهرمان السيف تحدق به وقد أعاد لها لمسته شعور قديم وحماس شديد كان يصيبها كلما جابهته في ساحة القتال :


" لم أكن يومًا جاهزة كالآن .."


_____________________ 


" تميم رجاءً تحدث معي كما اتحدث معك، لا تلقي في وجهي بكلمة وترحل "


توقف تميم عن التحرك في المعمل وهو يلقي ما بيده غاضبًا على الطاولة يصرخ بجنون وقد مل الإلحاح الذي تمارسه عليه منذ جاءت له :


" ماذا برلنت ؟؟ ماذا، أخبرتك أن الأمر مرفوض، إذن انتهينا "


اتسعت أعين برلنت تجذبه صوبها لتمنعه التحرك بعيدًا عنها ببساطة هكذا بعدما ألقى بحديثه في وجهها :


" تميم أنت لا تفهم ما يعنيه هذا الأمر لي، هذا ...."


" مرفوض، هذا مرفوض برلنت ولن اكرر كلمتي مرة ثانية "


كانت جملته حادة محذرة جعلتها تتراجع مصدومة من هذا الشخص أمامها، فهذا لا يمت لتميم الذي تعلمه بأي شكل من الأشكال، ابتلعت ريقها متراجعة بعض الخطوات :


" أنت لا يمكنك فعل ذلك "


نظر لها تميم بتحفز يترك كل ما كان يوليه انتباهه مرددًا :


" لا يمكنني فعل ماذا برلنت !! منع زوجتي من ارتكاب الحماقات ؟!"


" وهل تسمي رغبتي في زيارة والدي حماقة تميم ؟؟"


كانت تتحدث بقهر لا ترى نظرات تميم لها :


" نعم حماقة، رغبتك في رؤية الرجل الذي كاد يدمر حياتي اكثر من مرة ويحرمني عائلتي وإياكِ، لهي اكبر حماقة برلنت "


تأوهت برلنت بصدمة من كلماته :


" أوه، أرى احتقارًا كبيرًا في نظراتك لوالدي تميم، لن الومك عليها، لكن انتبه لئلا يتحول ذلك الاحتقار لي في أحد الأيام، أنت وافقت على إكمال الزواج رغم ما حدث لا أريد أن أرى نظرة ندم مستقبلية في عيونك وإلا لننهي هذا كله "


ختمت حديثها وهي تنطلق الخارج تحت نظرات تميم المصدومة من كلماتها، ليستوعب ما حدث قبل خروجها من الغرفة يلحق بها ممسكًا يدها :


" أنتِ لا تدركين ما تحدثتي به برلنت، لا يمكنكِ إلقاء تلك الحماقات بكل بساطة والرحيل هكذا دون أن نتناقش سويًا "


ابتسمت له برلنت بسخرية تجذب يدها من بين قبضته وهي تقول بغيظ وغضب :


" كيف تريد مني النقاش مع شخصٍ يرى كل ما يصدر مني حماقات تميم ؟؟ أنت تعلم مكان غرفتي حين تدرك ما فعلت "


ورحلت هكذا ببساطة تاركة تميم يقف بصدمة وهو يحاول استيعاب ما حدث، بينما هي ترحل دامعة لا تصدق أنه يتحدث معها بهذا الشكل .


وتميم فقط ينظر لظهرها لا يفهم كيف تحول حديثهما الودي لهذا القتال فجأة ..


الأمر بدأ بمجيئها له مبتسمة ومن ثم ....لا شيء سوى غضب وعناد .


كان يعمل على الانتهاء من السلاح الجديد الذي كلفه به الملك ليسمع صوتها تهمس له بحب :


" مرحبًا تميم "


استدار نصف استدارة لها  يبتسم بسمة صغيرة داعيّا إياها بعيونه أن تقترب :


" اقتربي بيرلي "


تحركت برلنت تتجنب الاقتراب منه، ليس وهذه الأشياء بين يديه يتلاعب بها :


" حسنًا افضل الابتعاد إلى أن تفرغ مما تفعل "


رفع تميم حاجبه باعتراض شديد :


" إذن ستبتعدين كثيرًا صغيرتي فأنا لن انتهي قريبًا"


تنحنحت برلنت وهي تحاول ايجاد وسيلة لبدء حوارها معه فيما جاءت لأجله :


" لقد ..لقد وصلني خطاب منذ ساعة تقريبًا "


أولى تميم انتباهه لها، يحاول معرفة ما حدث معها من خلال نظراتها، لكنها يبدو أن أدركت خطته فابعدت عيونها بسرعة تقول بصوت هامس :


" أنه خطاب من ... أبي "


ترك واخيرًا تميم كل ما كان يفعل بالكامل يستدير لها استدارة كاملة وهو يضيق عيونه في انتظار القادم :


" وماذا يريد والدك منكِ ؟؟"


" ها أنت قلتها تميم، والدي "


" نعم والدك، وأنا لم أنكر هذه الحقيقة برلنت، لكنني استنكر أن يحاول التواصل معكِ بعد كل هذا "


تنفست برلنت وهي تنظر له تقول دون مقدمات :


" هو فقط يريد مقابلتي، لا اعتقد أن هذا مطلب غريب من أب لابنته، هذا حقه "


تحدث تميم بنبرة هادئة رغم أنه داخليًة كان يدرك أن طلب عبدالله لم يكن بريئًا أو لشدة اشتياقه لها، بل يخفي خلفه الكثير بالفعل :


" نعم حقه برلنت، لكن أنا وأنتِ نعلم أن طلب والدك هذا ليس من فراغ عزيزتي "


" ما الذي تقصده ؟؟ هو أب يود رؤية ابنته، أي الاغراض تعتقد أنه قد يضمر لي بين جدران السجون"


" لا اعلم ولن اغامر بكِ لأعلم برلنت "


اقتربت منه برلنت بتحفز وقد اشتد جسدها بانتباه لكل ما ينطق به، حتى توقفت أمامه تنظر في عيونه :


" وماذا يعني هذا تميم ؟!"


وكانت إجابته هي بداية المشكلة بأكملها :


" أنتِ لن تذهبي لرؤيته بدوني برلنت، إما هذا أو لا ...."


وكانت الإجابة هي لا، وهذا ما اوصلهما لهذه المرحلة، ألقى تميم جسده على الفراش جواره وهو يشرد بالسقف يفكر في برلنت وما يحدث في حياته، أما آن الأوان ليستقرا ويجمعهما سقفٍ واحد؟!


زوجة مع وقف التنفيذ، إلى متى سيستمر الأمر ؟! عليه أن يسارع ويتمم زواجه منها .


على الاقل حينها لن يستطع غضبها أبعادها عنه ...


___________________


اتسعت أعين جميع من بالقاعة حين سماعهم لكلمات زمرد التي ألقتها دون اهتمام، وزمرد استدارت حولها تنظر لهم بضحكة غير مصدقة :


" بالله عليكم لا يخبرني أحدكم أن هذه العاهرة هي نفسها التي تتهم القائد بأنه انتهك شرفها "


صمتت تطلق ضحكة صاخبة مرددة :


" ومن أين لكِ الشرف موري ؟؟ يا ويلي اخر مرة تركتك كنتِ تركعين على أقدامك أمام بافل تمسحين حذاءه بشرفك "


على الاستنكار وجوه الجميع حول زمرد، ولا أحد يصدق كل تلك الكلمات والسبات التي خرجت منها، كانت زمرد تلقي بلسانها ما لا تدرك ولا تعلم إن كان صحيحًا أو لا، هي فقط تتحدث دون اهتمام لأحد.


وموري فقط تحدق في وجهها بشر كبير وتحدي وكأنها ستخيفها بنظراتها .


كل ذلك وإيفان يجلس فوق مقعده يرمق زمرد بشر وغضب كبير، تحرك من مكانه يمسك يدها جاذبًا إياها بعيدًا عن موري، متحدثًا بغضب لكن بصوت هامس :


" ما الذي تقولينه أنتِ زمرد ؟! هل جننتي لتتحدثي بمثل هذه الكلمات القذرة ؟؟"


نظرت له زمرد وهي تشعر بالغضب يشتعل بين أوردتها :


" أنا فقط اذكرها بما كانت عليه فيبدو أن الفاسقة نست كيف كانت تلقي بجسدها على رجال القوم "


اتسعت أعين إيفان أكثر مما تقول أخته هامسًا بغضب من كل ما يسمع وليس منها تحديدًا :


" يا ويلي زمرد .."


تنفس بصوت مرتفع ولم يكد يتحدث حتى سمع صوت موري تتحدث في المكان :


" هذه ...هذه الفتاة الحقيرة ما الذي تفعله هنا ؟! هذه المرأة الفاسـ ..."


وقبل أن تختم كلمتها اهتز جسدها برعب تتراجع للخلف على صوت صرخة إيفان الذي جذب جسد زمرد في ثواني يخفيها خلفه وكأنه يرفض أن تصطدم تلك الكلمات القذرة بأخته، وكأن أخته ستتلوث بها، ليس وكأنها ألقت بدزرينة سباب منذ ثواني على مسامع الجميع :


" احفظي لسانك يا امرأة ولا تتجرأي وترفع عيونك في وجه أختي، لا تزيدي من جرائمك واحدة إضافية"


ارتعبت موري مما يحدث، ورغم أنها كانت تتوقع كل ذلك وتتوقع فشلها في الاطاحة بالقائد، إلا أن الخطة الأساسية لم تكن تهدف لذلك، بل كانت فقط تهدف للإطاحة باسمه وتحطيم صورته أمام الجميع وتفريق الجمع من حوله لتسهل مهمتهم أكثر .


" مـ ...ماذا ؟؟ اختك ؟؟"


شعرت بضربة توجه لرأسها هامسة ببسمة غير مصدقة :


" ثم أنت كيف تحكم عليّ أنني المذنبة فيما يخص القائد ؟؟ هو من سحبني على الحدود صوب خيمته مستغلًا استغراق جنوده في نومهم "


" وهل ظننتي أن تلك القصة الغبية ستقنعني؟! تحتاجين اعوامًا طويلة لتصلي إلى حبكة ترضيني وتجعلني اتبرع بثواني من وقتي الثمين وافكر بها" 


نظر لها من الاعلى للاسفل يقول بكل جدية وسخرية :


" اتهمتي سالار أنه انتهكك، بينما لا يوجد خدش واحد على جسدك يرني أنكِ أُنتهكتي أو قاومتي الانتهاك حتى، وهذا يدفعنا لاختيارين، إما أن الأمر تم برضى تام منك أو أن الأمر لم يحدث من الأساس"


ارتجفت موري تتراجع للخلف وهي تحاول الحديث بأي كلمة تأتي على عقلها قد تنقذها منه، لكن إيفان لم يمنح عقلها الفرصة حتى للتفكير في مخرج لها من شِركه :


" وبتحليل الخيارين نجد أن الخيار الاول غير منطقي، ولو تحدثنا بجدية فوجودك في الحدود من الأساس غير منطقي، ما الذي تفعله امرأة شابة مثلك هناك ؟!"


" أنا .... أنا كنت ...لقد حاول بعض الرجال خطفي واخذي خارج البلاد و...لقد هربت منهم وتحركت بحثًا عمن يساعدني وحين كنت أسير في الغابة أبصرت نيرانًا تأتي من المخيمات وحين وصلت هناك كان المكان فارغًا إلا من القائد الذي كان يجاور النيران وحينها هو ...هو ...حاول مساعدتي في البداية ومن ثم حاول اغوائي بالذهاب معه للخيمة و..." 


وقبل أن تكمل كلماتها أطلقت صرخة بسبب اندفاع تبارك لها لولا سالار الذي امسكها يتحكم بها معيدًا إياها للخلف وهي فقط تشعر بالحسرة من تحدث هذه المرأة عن زوجها بهذا الشكل أمام الجميع .


بينما إيفان تنفس بصوت مرتفع :


" إن استمر الأمر بهذا الشكل سوف أخرج الجميع من المكان، سمعتم ؟؟"


صمت الجميع، حتى أن البعض حاول التحكم في صوت أنفاسه كي لا يغضب الملك به، وإيفان رفع عيونه صوب موري يقول :


" قلتِ ابصرتي نيرانًا في المخيمات ؟! هل اشعلتم النيران يا رجال ؟؟"


نفى الجنود الأمر بالكامل وتحدث أحدهم :


" الليلة كانت حارة بما يكفي لنشغل النيران، لقد اعتمدنا ضوء القمر فقط"


صمت ليعلو صوت إيفان مجددًا :


" قلتِ أنكِ لم تبصري في العراء سوى سالار فقط والذي حاول اغوائك صحيح ؟؟"


هزت رأسها بتوتر ليبتسم إيفان متسائلًا :


" منذ متى ونحن نترك منطقة التخييم دون حراسة يا رجال ؟؟ "


نفى الرجال بسرعة هذه التهمة واندفع أحدهم يصيح بسرعة وغضب من تلك الكاذبة أمامهم :


" لم يحدث مولاي، اقسم أننا لم نتحرك من أمام المكان، لقد بقيت مع ثلاثة رجال، والباقون ذهبوا للراحة وتناوبنا بالدور على الحراسة كما هو متعارف عليه "


نظر لها إيفان ثواني ثم قال :


" وهل سمعتم أي صوت او ابصرتم أحد خلال مراقبتكم ؟؟"


" لم يحدث "


" هل سمحتم لأنفسكم بالنوم خلال الحراسة ؟؟"


نظر الرجال لبعضهم البعض ليتحدث آخر بصوت خافت :


" نحن يا مولاي ما كان لنا أن نرخي دفاعاتنا يومًا، لكن ...لا نعلم فقط لم نشعر بأنفسنا حتى استيقظنا في أماكننا في اليوم التالي على صراخ امرأة "


" هل سمعتم صوتًا لسالار قبل تلك الاغماءة ؟؟"


نفى الرجال بسرعة ليبتسم إيفان يقول :


" إذن اعتقد أن الأمر انتهى بالفعل، وجميعنا نعلم الآن من الجاني هنا تحديدًا ؟؟ إن كنت فهمت شيء بشكل خاطئ فتقدمي للدفاع عن نفسك "


تحركت أعين الجميع بغضب صوب موري التي شعرت في هذه اللحظة بشعور الفأر الذي وقع في غرفة قطط ..


لم تتحدث كلمة ولم تستطع أن ترفع عيونها في أحد.


لكن إيفان لم يصمت عند هذا الحد، بل تساءل بجدية :


" أنا فقط متعجب من شيء كيف استطعتي الدخول بهذه السهولة دون شعور أحد بكِ ؟؟"


" ربما وضعت لهم شيئًا بالطعام "


وكان هذا التفسير صادرًا من تبارك التي قضت فترة لا بأس بها من حياتها بين الأفلام القديمة والحديثة، وحبكات الجرائم التي يتنافس المخرجون في وضعها :


" بالتأكيد وضعت لهم اعشاب تسببت لهم في النوم دون شعور كما قال البعض منهم "


تحدث أحد الرجال ينفي الحديث :


" لكننا لم نتناول أي طعام وقتها .."


ابتسم سالار يردد بصوت خافت لكن سمعه الجميع:


" البئر ..."


نظر الجميع صوب سالار بانتباه شديد ليكمل هو محدقًا في موري بشر :


" البئر، جميعنا شربنا منه البارحة "


رفع إيفان حاجبه ينظر صوب موري مبتسمًا بسمة غامضة وهو يقول :


" البئر ؟؟ قمتم بتسميم بئر بالكامل لأجل خطة في منتهى الغباء كهذه ؟؟ هل ظننتم أن هذه الخطة قد تؤثر بنا مقدار ذرة ؟؟"


قالت تبارك بصوت حاد غاضب وبلهجتها التي لم تستطع كتبها في مثل هذه المواقف حين يشتد بها الغضب :


" العيار اللي ميصبش بيدوش، اللي عملته مش غرضه يأذي سالار، اللي بتعمله غرضه الغلوشة، هي عارفة أنها لما تتهم سالار مش هتوصل لحاجة غير أنها هتهز صورته في عيون الكل وتشغلهم عن حاجة في دماغهم، يعني كل ده مجرد رصاصة صوت بس عشان تبعد عيونكم عن حاجة تانية "


والنظرات التي حلقت فوق رأس تبارك في هذه اللحظة كانت غريبة مريبة، البعض منها جاهلة لنصف المصطلحات التي نطقت بها والبعض الآخر ينتظر الترجمة .


وهي شعرت بالخجل لكل تلك النظرات وتراجعت بعض الشيء للخلف، بينما إيفان يتساءل :


" أشعر أنكِ قلتي حديث هام لكنني لم افهم نصف حديثك، هناك بعض المصطلحات التي نطقتِ بها ولم افهمها، لذا هلا توضحين رجاءً "


نظرت تبارك بخجل صوب سالار الذي كان يرمقها بنظرات غريبة لم تفهم مقصده منها :


" أنا فقط أخبركم أن الضربة التي لا تصيب، تكون لإبعاد الإنتباه عن شيء آخر مهم و..."


حسنًا الأمر كان صعبًا أن تحول كل هذه الأمثال الشعبية للفصحى، بل وتشرحها للجميع، لذا صمتت حين عجزت عن الاكمال تقول باقتضاب :


" هذا فقط، كل ما فعلته كان لشغلكم عن شيء أكبر" 


ابتسم إيفان بسمة واسعة وهو يحرك نظراته بين الجميع قبل أن يقول بكل جدية لسالار :


" لقد أخبرت زوجتك سابقًا وسأخبرها الآن، هي تشبهك وتمتلك نفس التفكير احيانًا، ربما في المستقبل تضع معك خطط للحروب ها ؟!"


ابتسم سالار بسمة صغيرة باردة يجذب تبارك بعيدًا عن الأعين المعجبة بما قالت، هو في الحقيقة لا يكره أن يُعجب البعض بحديثها، بل ويقدرها الجميع، لكن ليس من الرجال .


ابتسمت زمرد والتي صمتت كل هذه الفترة فقط تحت أوامر إيفان تقول :


" أنا حقًا أتعجب أنك تسألها من الأساس عما حدث، يا ويلي هذه المرأة راقصة فاسقة، كيف بالله تأتي بتهمة كهذه ويصدقها البعض ؟! منتهى السخرية "


نظر لها إيفان برفض أن تتحدث بتلك الكلمات هكذا دون حرص فيما تنطقه :


" لا بأس زمرد أنا سأتصرف مع هذا الأمر، رجاءً لا تتدخلي مع هؤلاء الأشخاص، أنتِ أميرة و..."


قاطع حديثه نظرات زمرد التي اشتدت وهي تهمس له برفض شديد :


" أوه لا أنت لم تخمن أخي، هذه المرأة الحقيرة التي تقف هناك على بعد خطوات مني، لن تكون لسواي فلي ثأر قديم لم ينتهي معها، أنا لم انتهي منها بعد" 


تعجب إيفان حديثها يتساءل بعدم فهم :


" ما الذي فعلته لكِ ؟"


على الوجع نظرات زمرد بشكل واضح وقبل أن تتحدث كانت تبصر تراجع جسد موري رغبة منها في الانسحاب من المكان، وكادت تفعل لعدم انتباه أحدهم لها، لولا اندفاع جسد زمرد تمسك خصلات شعرها من أسفل الحجاب كما فعلت سابقًا تجذب رأسها لها وهي تهمس بفحيح :


" مرحبًا يا فاسقة، جئتِ بأقدامك عندي، ولن تغادري عليها، اعدك"


أطلقت موري صرخات مرتعبة وهي تحاول الفكاك من يد زمرد، بينما الأخيرة ترفض حتى أن تخفف قبضتها على خصلات موري، ترفض الاستماع لأحد حولها وهي تجذبها خلفها خارج القاعة بأعين تلتمع بالشر، بينما باقي الجنود تحركوا لجذب موري بعيدًا عنها، لكن ما حدث هو أن إيفان رفع يده يقول :


" لا يمنعها أحد، فقط راقبوها لئلا تُصاب بأذى وحينما تنتهي من تلك الفتاة تحضروها لي لاسقط عليها عقابي "


صمت، ثم نظر للجميع المتفاجئ حوله وقد علت الدهشة وجوههم فلم يعتد أحدهم يومًا أن يتعامل الملك بهذا الشكل مع من يتجاوزه في المحاكمات .


بينما إيفان لم يكن يرى سوى أن أخته لها ثأر مع هذه الفتاة هو لا يعلمه، سيدعها تأخذ ثأرها وتطفئ نيرانها كما تعهد لها سابقًا وبعدها يرى ما يفعله، والويل كل الويل لتلك المرأة إن صدق حدسه أنها أذت أحدًا يخصه قديمًا .


نظر إيفان صوب سالار ليجده ما يزال يهيمن على جسد زوجته وعيونه معلقة بالباب متعجبًا ما حدث، فهذه الفتاة مرعبة بحق، استفاق على صوت إيفان يقول :


" خذ زوجتك واذهب للراحة سالار، يكفيك ما عانيته خلال هذه الأيام "


نظر له سالار برفض شديد وهو لم يتأكد بعد مما حدث تلك الليلة بعدما تسللت المرأة لخيمته، ما الذي حدث، هل اقترب منها ظنًا أنها زوجته، أم سقط في النوم كجنوده ؟!


وإيفان التقط كل هذه الاسئلة ليبتسم له برفق :


" ترفق بنفسك سالار، سنعلم كل ما حدث "


نظر حوله يأمر بعض رجاله بهدوء :


" أرسلوا لي في إحضار مهيار ..."


ومجددًا نظر لسالار :


" ارتح سالار "


ختم حديثه يتحرك خارج القاعة، بينما سالار يتابعه لثواني قبل أن يمسك يد زوجته بقوة يجذبها بالقرب منه ومن ثم تحرك بها بهدوء تحت أعين الجميع .


وهي فقط سارت خلفه مرتاحة البال أن كل شيء انتهى والحمدلله ..


______________________


يقف في منتصف الساحة يراقب الجميع بأعين متيقظة قبل أن يقرر أنه حان الوقت ليرتح قليلًا، وكأن الله اراده أن يتحرك في هذه اللحظة بالتحديد ليكون أول شيء يبصره بمجرد أن خطى صوب الممرات الخاصة بالغرف هو صورة شرسة لزمرد وهي تجذب امرأة من حجابها بقوة تكاد تضرب رأسها في أي جدار يقابلها.


اتسعت أعين دانيار بصدمة وهو يتحرك راكضًا صوبها يبتلع ريقه وهو يهمس باسمها :


" زمرد، ما الذي تفعلينه ؟؟"


توقفت زمرد فجأة ونظرت له بأعين مشتعلة قبل أن تبتسم تقول بكل بساطة :


" أوه مرحبًا دانيار، ما بالك أصبحت تقفز امامي كلما قررت أن ألقن أحد أفراد قومي درسًا لا يُنسى ؟؟"


كانت تتحدث وهي تشدد قبضتها على خصلات موري من أسفل الحجاب والأخيرة تصرخ باستجداء :


" ساعدني رجاءً سيدي، هذه المرأة مجنونة، لقد ...لقد سحبتني من المحاكمة وتريد ضربي "


نظر دانيار صوب زمرد باستنكار :


" زمرد ما الذي تفعلينه الآن ؟!"


" كما أخبرتك، سأضربها "


اقترب منها ينظر في عيونها بجدية هامسًا :


" هذا ليس جيدًا البتة زمرد، لماذا تفعلين كل هذا، دعي المرأة لا تدفعي بنفسك لتلك الأفعال السيئة رجاءً"


نظرت زمرد لعيونه تجيب:


" أنا لن ادع أحدًا وشأنه دانيار، وسأقوم بتلك الأفعال السيئة، أتعلم لماذا ؟! لانني للاسف الشديد سيئة كسوء تلك الافعال، بل اسوء، وعليك أنت أن تتأقلم مع الأمر إن قررت أنك تريد الاستمرار مع أحد بسوئي "


ازدادت حدة نظرات دانيار وهو يهمس بالقرب منها :


" توقفي عن اقحام استمرارنا سويًا في جميع حواراتنا زمرد، لا تلوي ذراعي بكِ "


نظرت له زمرد تهمس بشر :


" وأنت تقبلني كما أنا دانيار، فهذا أنا ولن اتغير، والآن بالاذن منك فهناك فاسقة على وشك أن أعيد تشكيلها" 


ختمت حديثها تتحرك بعيدًا وهي تجذب موري معها من شعرها، مشهد يتكرر، تمامًا كما فعلت في ذكرى وفاة والدتها وهي تجذب موري من منزلها وحتى الساحة، لكن هي هنا لن تحطم الاحتفال، بل ستحطم عظام موري، ولن تفسد سعادة قومها بذكرى وفاة والدتها، بل ستفسد المتبقي من حياة موري، والأهم، أنه ليس هناك بافل ليعاقبها، وليس هناك موري لتساعده، فهي ستكون ضحيتها لباقية اليوم ...


وموري كانت فقط تحاول الإفلات منها وهي تطلق صرخات عالية وسباب في الممرات، لكن كل ذلك لم ينقذها من براثن زمرد التي فتحت غرفتها تلقي بها داخلها ومن ثم لحقت بها تغلق الغرفة وهي تبتسم لها بخبث هامسة :


" مرحبًا بالشريفة التي أُغتليت براءتها على يد ذئب بشري "


حاولت موري أن تقف على قدميها ونظرات زمرد تكاد تحرقها حية، لكنها لا تهتم، كل ما تهتم له هو استكمال خطتها :


" أخته للملك ها ؟؟ أيتها اللعينة من بافل للملك، ما هذا التطور المرعب ؟؟ "


ختمت حديثها تبتسم لها، ثم همست بصوت خافت وكأنها تأبى أن يسمعها أحدهم :


" لقد عثرتي على عائلتك ها ؟! كان بافل طوال الوقت يحكي لي عن والدتك العزيزة التي سلبها والده من زوجها الملك وتخلص من جنينها ليزرع مكانه بذرتها الفاسدة، وخمني من تلك البذرة الفاسدة يا ترى ؟!"


اشتعلت أعين زمرد لتنطلق ضحكات موري صاخبة وهي تتمايل أمامها بدلال لا يليق بالموقف حولهم :


" لقد كان مع كل ضربة يوجهها لكِ يتذكر أخاكِ، كان يشعر بالنشوة كلما اذاكِ، يشعر بشعور غبي من الانتصار على الملك، ينتهك عرض أخيكِ بكِ، كان هذا يجعله في قمة الانتشاء "


كانت تتحدث واعين زمرد تزداد حدتها تهمس بسخرية لاذعة :


" ينتهك عرض اخي بي ؟؟ وعرضه !! أولست أخته لهذا النتن ؟؟"


صمتت زمرد فجأة ثم وضعت يدها على رأسها وكأنها تذكرت فجأة الأمر :


" أوه نسيت أن لا عرض لذلك الخسيس، وجيد أنه كلما رآني أبصر بي أخي ولم يبصر بي والده فهذه كانت لتكون اكبر إهانة توجه في حقي "


" أنتِ محظوظة لعينة زمرد، في القرية كنتِ أخته للزعيم، وهنا أخته للملك، أي حظ لعين تمتلكينه "


ضحكت زمرد بصوت مرتفع وهي تقول :


" صدقيني حياتي في القرية كانت ابعد ما يمكن وصفه بالحظ، كانت قذارة ليس إلا، ولا أعتقد أنني تمتعت لثانية واحدة بامتيازات أن أكون أخته للزعيم الخاص بكم، والحمدلله أنني لم أفعل "


رمقتها موري بسخرية لاذعة  :


" انظري أين أنتِ الآن ؟! أميرة لسفيد في غرفة تتجاوز مساحتها مساحة القرية بأكملها، بينما أنا، انظري أين أنا..."


وبعد هذه الكلمات لم تبصر موري سوى الأرض تقترب منها حينما أصابتها ضربة زمرد مسقطة إياها ارضًا تميل عليها هامسة :


" أسفل أقدامي، تمامًا حيث ينتمي جميع أفراد قومك موري ..."


ومن بعد هذه الكلمات لم تبصر موري من أي جانب تتساقط الضربات عليها وقد شعرت زمرد في هذه اللحظة أنها قادرة على قتلها، بل تود قتلها، تتذكر كل ما حدث بها من تحت رأسها، لا تنسى تلك الأيام التي عاشت تحت رحمتها هي وبافل، تتوسل رشفة ماء وتبكي من الوجع، وكل ما كانت تفعله موري هي أنها تأتي لتزيد من اوجاعها .


ازدادت الدموع في أعين زمرد وهي تزيد من حدة ضرباتها صارخة :


" لعنة الله عليكم جميعًا، والله لن يهدأ لي بال إلا بعدما اتخلص منكم وتخرج أرواحكم القذرة بين يديّ، تبًا تبًا لكم اجمعين، تبًا لكم يا أنجاس، لتحترقوا في جحيمكم عسى ألا يريكم الله لحظة هناء واحدة بحق كل دمعة سقطت من أعيني واعين والدتي "


كانت حالة زمرد في هذه اللحظة مرعبة بوجه احمر وعيون حمراء وهيئة مدمرة، بالكاد تستطيع التنفس من بين كلماتها .


اندفع الجميع لغرفتها حين سمعوا صوت صرخاتها المنهارة، وقد اقتحم إيفان المكان يصرخ في رجاله بغضب:


" تراجعوا، لا يقتربن أحدكم "


تراجع جميع الرجال للخارج، عدا دانيار الذي تصنم مكانه يراقب زمرد تواجه اشباح ماضيها لأول مرة، هنا وأدرك أن جروحها أعمق مما تخيل بملايين المرات .


كانت زمرد تكاد تقتل موري والتي أعادت لها اسوء ايام حياتها في ثواني، ولا تشعر سوى بيد تكبلها يعنف وصوت يهمس لها أن تهدأ، صوت يعيد لم يصل وهي تصرخ يوجع وبكاء وكلمات لا يعي أحدهم معناها :


" كانت ذكرى وفاتها، كانت ذكرى وفاتها، لعنة الله عليكم، كان يوم فقدتها، كله بسببكم، كله بسببكم، لينتقم الله منكم اجمعين "


لم يشعر دانيار في هذه اللحظة بدموعه التي بدأت تتساقط بقوة ووجه الذي شحب وهو يراقبها، كان فقط يراقبها بنظرات مفزوعة، لا يشعر ولا يسمع سواها، وبكاءه يزداد تباعًا لبكاء زمرد التي بدأت تنهار بين ذراعي إيفان.


وإيفان فقط ضمها له بقوة، قبل أن يميل ويحملها بسرعة يتحرك من المكان بأكمله، مبعدًا إياه عن الجميع هنا، وأثناء خروجه أبصر مظهر دانيار الذي افزعه ليتحدث بجدية :


" دانيار ...دانيار، دانيــــــار "


انتفض جسد دانيار ينظر جواره بتعجب لإيفان ليدرك أنه يحمل زمرد وهو الذي لم يعي شيئًا حوله، تحرك ركضًت صوبهم يهمس بفزع:


" زمرد .."


ابتعد إيفان خطوات قليلة بزمرد يهمس لدنيار :


" عد لغرفتك دانيار فأنت لست بحال جيدة "


" لكن هي ..." 


همس له مجددًا بأمر:


" عد لغرفتك وأنا سأحضر لك حينما ينتهي كل شيء، لا تقلق هي ستكون بخير "


تحرك بعدها يأمر الحراس بصوت قاسٍ وغضب جعل جسده يرتجف :


" القوا بتلك المرأة في السجون حتى تنال عقابها الذي تستحقه "


ومن بعدها اختفى جسده بزمرد التي كانت ما تزال تهزي بكلماتها باكية، ولم تعي بشيء سوى بجسدها يلامس شيء ناعم مريح، لم تهتم له كثيرًا وهي تشعر بشخص يجذبها لاحضانه وصوت خافت يهمس لها بكلمات لم تصل لها، فهي ما شعرت بالدفء يحيط بها حتى ثقلت رأسها وسقطت في النوم دون شعور ..


وإيفان فقط نظر لها يميل عليها مقبلًا رأسها بحنان شديد، وسقطت دمعة منه دون شعور يهمس بصوت مختنق بالدموع :


" ارتاحي صغيرتي، وأنا من سيتكفل بالباقي ...."


____________________


" هل هذا يعني أنك تستغنى عني الآن ؟؟ بعد كل ما فعلته لاجلك ؟!"


زفر الآخر وهو يتحرك بين الممرات يلتقط بعض الكتب له يضعها بين أحضانه مرددًا بنقم :


" أنت يا فتى لا تشعرني أنني اتحدث مع زوجتي التي انبأها بخبر طلاقها، أخبرتك أنني استغنى عن خدماتك في المكتبة وسأحضر متدرب آخر"


توقفت اقدام مرجان عن التحرك يقول بصدمة من كلمات العريف :


" متدرب آخر ؟! بعد كل هذه السنوات التي افنيتها من حياتي في التعلم وخدمة المملكة أيها العريف، وكل هذا لأجل ماذا ؟؟ لأجل تلك البومة الغبية ؟"


نظر له العريف ثواني بغيظ قبل أن يقول بشر :


" لقد تركتها تخرج دون رقابة أيها الاحمق وهي منذ يومين لم تعد، لقد اضعت بومتي العزيزة والكائن الحي الوحيد الذي كنت اتقبله في هذه الحياة، والآن هيا ارحل من أمامي فأنا لا أريد التحدث مع أحد الآن "


توقف أمامه مرجان بإصرار :


" لا هذا الأمر ليس بيدك ايها العريف لقد احضرني الملك لأكون العريف المستقبلي لهذه البلاد وسأفعل ذلك "


فجأة أطلق صرخة مرتفعة بعد ضربة العريف له بالكتاب يصيح في وجهه :


" تنحى عن طريقي أيها الغبي، أي عريف هذا، أنا لم أمت بعد لتكون "


تمتم مرجان بحنق وهو يفرك رأسه مراقبًا تحرك العريف :


" لكن عاجلًا أو آجلًا ستفعل، أنت لست من الخالدين كما تعلم "


توقف العريف عن التحرك بين ممرات الكتب يقول باستفزاز :


" حينها سأتأكد من وضع وصية توضح للجميع أنك لا تصلح لتكون عريفًا من بعدي "


صاح مرجان باعتراض وغيظ :


" سأحرق تلك الوصية قبل أن يصل لها أحد"


توقف العريف عن الحركة فجأة، وتشدد جسده بشكل غريب جعل مرجان يتراجع وهو يهمس بجدية: 


" أنا امزح بالطبع ايها العريف، اقسم أنني...."


لكن العريف لم ينتبه لكل ذلك وهو يعلق نظراته بباب المكتبة وقد علت ملامحه تعابير ناقمة حانقة :


" ما الذي جاء بهذه المرأة لمكتبتي ؟! ألم يعد هناك مكان تذهب له لتقفز في وجهي كل ثانية ؟؟"


تحركت شهرزاد داخل المكتبة ببسمة صغيرة :


" مرحبًا أيها الواشي الكاذب "


ابتسم العريف لها :


" مرحبًا أيتها اللصة القاتلة "


اتسعت أعين شهرزاد بصدمة من وصفه لها، بينما هو ابتسم يقول :


" اعتقد أن وصفي افضل  ؟؟"


شعرت شهرزاد أنها لن اصل لشيء من هذه المناقشة العقيمة لذا تحدثت بما جاءت لأجله غير مهتمة بوجود مرجان على أية حال :


" لقد نكثت بعهدك معي أيها العريف "


" لا اتذكر أنني تعهدت لكِ بشيء سابقًا "


أكملت دون الاهتمام بكلماته :


" ورغم ذلك يمكنني نسيان ما فعلته معي واسامحك"


تنفس العريف بصوت مرتفع :


" حمدًا لله ما كان لي أن أنام لحظة دون سماع هذه الكلمات، أشعر أن الحياة بدأت تبتسم لي "


ومجددًا لم تعط تلك الكلمات اهتمام وهي تكمل بكل بساطة :


" نعم، عليك أن تكون شاكرًا فليس الجميع ينال عفوي بسهولة، وأنت لا تريد رؤية كيف يكون غضبي ايها العريف ."


نظر لها العريف بحاجب مرتفع وهي فقط اقتربت خطوات تقول :


" أنت لا تريد رؤية ما يمكنني فعله لانتقم منك على ما فعلته بي أيها العريف "


" هل تهدديني الآن يا امرأة ؟!"


" يمكنك قول ما تحب، أنا فقط جئت أحذرك أن تنتبه في المرة القادمة لانك لن تكون حيًا لتبصر نتيجة تسرعك ..شهدان"


ختمت حديثها تنظر في عيونه، ثم رحلت بكل بساطة ودون أن تطالبه بشيء كعادتها، فقط رحلت تحت نظرات مرجان الذي كان يفتح فمه بصدمة :


" هل ...هل هددتك للتو دون خوف ؟! "


نظر العريف صوب الباب يردد :


" لحظة الذبح لا يبصر الإنسان ما يدور حوله ويظل يتخبط بالجميع دون إدراك لما يحدث .."


صمت وهو يشعر بالريبة من تلك المرأة فهو يدرك كبرياء شهرزاد الغبي الذي حرمها النوم حتى تأتي وتلقي هذه الكلمات الحمقاء في وجهه لتخبره أنها ما تزال كما هي ولا تخشاه، كبرياء احمق يقودها صوب حتفها دون هدى ..


همس بريبة :


" أنا أشعر أنها تضمر السوء للجميع هنا، هذه المرأة لن تستسلم بهذه السهولة، جنون العظمة الخاص بها لن يسمح لها أن تهنأ قبل أن تبصر معاناة الجميع أمامها...."


______________________


وصل للغرفة معها وقد كان صدره يشتعل بالعديد من المشاعر، يسيطر على كل هذه المشاعر، راحة كبيرة تشوبها ريبة .


ترك يد تبارك ما إن وصل للغرفة لتتحرك هي تتمسك بيده رافضة أن يتركها، تقول بصوت خافت :


" أنت زعلان مني ؟!"


رفع سالار عيونه لها ينفي برأسه ما تفكر فيه لتتسع بسمتها تضيف :


" لِمَ إذن تنأى بعيونك عني سالار ؟!"


تنهد سالار وهو يتحرك بعيدًا عنها متعبًا ينزع عنه ثيابه بكل تلقائية :


" أنا لا أفعل تبارك، فقط أنا متعب بعض الشيء واحتاج للراحة كي افكر في القادم بتريث، ثم نحن لم نتحدث بعد عن اقتحامك للمحاكمة بهذه الطريقة وتحدثك بهذا الشكل ....الرائع أمام الجميع، ونظرات الانبهار التي كانت تلاحقك "


كان يتحدث وهو يخلع ثوبه العلوي ولم يتبقى سوى بنطاله القماشي وثوبه الذي يرتديه أسفل السترة السوداء الخاصة به، مد يده لينزعها عن جسده لولا صرخة تبارك التي رنت في المكان متسببة في التفاته برعب :


" ما الذي يحدث ؟؟ لِمَ الصراخ ؟!"


أشارت له تبارك مصدومة من جرأته :


" أنت... أنت ما الذي ...ما الذي تفعله الآن ؟!"


نظر لها بعدم فهم :


" ما الذي افعله ؟! أخبرك ما يغضبني فأنتِ من طالبني بذلك "


" سالار أنت... أنت تخلع ثيابك امامي ؟!"


نظر سالار لنفسه ثواني قبل أن يدرك عما تتحدث، لكن ذلك لم يجعله يتراجع عما يفعل وهو يكمل خلع ثوبه القطني :


" حسنًا لا أرى أي غرابة في الأمر تبارك، هذه غرفتي وأنتِ زوجتي "


امتلئ وجه تبارك بحمرة قانية تحاول التحدث، لكن حروفها عجزت عن الخروج من فيها ..


وهو ابتسم يقول بهدوء :


" تبارك تنفسي رجاءً "


لكن تبارك لم تكن تعي لشيء سوى أنها ترى سالار يقف أمامها عاري الجذع، صورة لم تكن لتتخيلها ولو في أكثر أحلامها جموحًا، وحين أدركت أنها تطيل النظر به استدارت فجأة تخفي عيونها بفزع، بشكل افزعه هو .


" تبارك يا ويلي ما بكِ ؟!"


" ألا تخجل من الوقوف أمامي بهذا الشكل ؟!"


" ماذا ؟! لا، أنا اتدرب بهذا الشكل من الأساس "


اتسعت أعين تبارك تستدير له بصدمة :


" بهذا الشكل ؟!"


" نعم، الجو يكون حارًا في بعض الأحيان لااتحمل ثياب إضافية أثناء حركتي "


" أنت تمزح "


" أنا لا امزح "


تنفست بصوت مرتفع تتخيل مظهر تبارك هذا أثناء التدريب وبعض العاملات يتحركن في المكان ذهابًا وإيابًا لمشاهدة عرض مجاني .


وسالار فقط يتابع نظراتها بتعجب شديد لملامح الامتعاض وعدم الرضى التي ظهرت جلية عليها، تتراجع للخلف وهي تضيق عيونها تفكر في الهرب من الغرفة الآن ومن ثم تفكر في طريقة لتحيل حياة سالار لجحيم وتمارس عليه هوايتها التي تجربها للمرة الأولى " النكد "


لكن وفي اللحظة التي كانت تفكر في الهرب منه، كان سالار في المقابل يفكر في الاقتراب أكثر منه وقد أعجبه الخجل الواضح على وجهها .


تحرك ببطء صوبها يستغل شرودها وتفكيرها في طريقة للهرب، يقترب منها فجأة بشكل مباغت جعل صرخة تخرج من تبارك وهو يجذبها لاحضانه بسرعة كبيرة قبل أن تستوعب ما يحدث يكتم ضحكتها في صدره دون أن يسمح لها بقول كلمة إضافية. 


وتبارك اتسعت عيونها بصدمة تهمس :


" والله قولت إن مفيش راجل سالك "


أطلق سالار ضحكات مرتفعة يضمها له أكثر :


" أنا لا افهم ما تقصدين لكنني أؤكد لكِ أنني لا انتوي شيئًا خبيثًا لكِ تبارك "


رفعت تبارك عيونها لوجهه وهي ما تزال بين أحضانه :


" مش ملاحظ أن كلامك مش لايق بأي شكل من الأشكال مع الوضع اللي احنا فيه ؟؟ اعتقد يعني الكلمتين دول يتقالوا وأنت واقف لابس جلبية بيضة وماسك سبحة، مش بالشكل ده وأنت لازقني فيك بالمنظر ده "


ابتسم سالار يتساءل وهو ينظر في عيونها :


" هل تخجلين مني تبارك ؟!"


" والله كلك نظر يعني "


" أنا زوجك، لا يمكنكِ الخجل مني "


حاولت تبارك الابتعاد عنه للتحدث براحة أكبر، لكن سالار ضمها له أكثر يميل برأسه يدفنه بين كتفها ورقبتها مبتسمًا بسمة صغيرة :


" أخبريني أنكِ ستظلين جواري طوال الوقت تبارك، لن تتخلي عني صحيح ؟!"


نظرت له تبارك بأعين متأثرة من كلامه :


" سأفعل سالار، فما لي غيرك في هذا العالم، أنا...تخليت عن حياتي البائسة واتخذتك حياة وأسرة لي فلا تخذلني يومًا سالار" 


تنفس تبارك بصوت مرتفع يستنشق الهواء المحيط بهم براحة كبيرة :


" أخذل من تبارك ؟؟ يا ويلي أنا كنت على وشك أن أخذل عالمي كله لاجلك "


نظرت له ثواني قبل أن تتساءل لأول مرة وبتردد :


" هل كنت حقًا ستفعلها سالار ؟؟ إن لم تسر الأمور على ما يرام، هل كنت ستتخلى عني أم عن مكانتك والجميع ؟!" 


نظر لها سالار في عيونها طويلًا حتى ظنت أن الإجابة لن تخرج منه، وهي بالفعل قدرت الأمر، فمن ذا الذي يخون وطنه لأجل امرأة، لم يعرفها سوى من شهور فقط، وهذا سالار ليس مواطن عادي، بل هو قائد جيوش ترعرع على حب بلاده، لكن سالار لم يفعل سوى أن رفع يده يربت على وجنتيها بحنان :


" لقد سألت نفسي وقلبي هذا السؤال مئات المرات تبارك .."


صمت ثواني ثم قال بهدوء :


" وماجمعني بقلبي حوارٌ إلا وسألته أتخون وطنًا لأجل عيون ؟! فما كانت إجابته سوى أن عيونها وطنٌ كذلك "


ختم حديثه يميل عليها مقبلًا رأسها بحنان شديد وهي فقط أغمضت تستمتع باللحظة التي خلقها سالار بكلماته، الرجل كان على وشك نبذ حياة كاملة لأجلها، والآن يأتي يطالبها بعدم الرحيل ؟؟ ستكون ملعونة إن فعلت .


فجأة ودون مقدمات كانت هي من تكسر كل الحواجز وهي تلقي نفسها بين أحضانه تقول بحب كبير :


" اعلم أن حياتي لم تكن بالسعيدة، ولم يكن هناك عائلة لي، لكن اقسم أنني لو امتلكت افضل من هذه الحياة لفديتك بها سالار "


" حبيبتي لا اريدك التخلي عن شيء لأجلي، بل أنا من سأحطم أي حواجز لاجلك، وأنتِ ...أنتِ اميرتي تتوسطين عرشك وتنتظرين أن أصل لكِ، اقطع بحورًا لاجلك تبارك "


" لست مضطرًا لذلك يا قائد، فأنا سأتيك حتى شاطئك ."


ابتسم سالار بسمة واسعة يميل لها يضمها أكثر وأكثر حتى أن قدميها لم تعد تلمس الأرض، وهي فقط كانت تشعر براحة لم يسبق لها أن شعرت بها إلا جواره هو .......


________________________


تحركت تسير مخفضة الرأس، ممرات مظلمة ورطوبة تشتد كلما زادت خطواتها واحدة، كانت تحرك حدقتيها في جميع الاتجاهات بريبة وكأنها تبحث لها عن مخرج، تلعن بافل وزمرد وكل من تسير به دماء هذه العائلة القذرة، هي وإن كتب الله لها أن ترى شمسًا أخرى، سيكون أول ما تفعله هو التخلص من زمرد ومن ثم تأخذ الذهب من بافل وتختفي في إحدى الممالك لتعيش كملكة.


انتهى بها السير لقضبان لا تدري المسافات بين كل قضيب والآخر لشدة الظلام في المكان، حاولت التنفس لكن رائحة الرطوبة الغريبة جعلتها تختنق .


استدارت صوب الحراس تكاد تتحدث بكلمة، لكن حتى رفاهية الحديث لم تكن مكفولة لها إذ دفعها أحدهم للداخل بسيفه مرددًا بهدوء :


" تحركي للداخل "


وكذلك فعلت، وهب تمتلك رفاهية النقاش، دخلت تتلمس طريقها بصعوبة بين الظلام، وهم فقط أغلقوا الابواب عليها ورحلوا .


بينما موري اندفعت للقضبان تضربها بقوة صارخة :


" ماذا ؟؟ أنتم لن تتركوني في هذا المكان صحيح ؟؟ عودوا أنا لا أستطيع البقاء في هذا الظلام وحدي ارجوكم "


لكن لا شيء فقط صوت إغلاق بوابة السجون هو ما صدح في المكان ليعلو صمت كئيب لم يقطعه إلا ضحكة قصيرة من وهي تتحسس أحد جيوب السرية بخبث تهمس :


" نجحت الخطوة الأولى، والآن تبقى أن تتم الثانية، وحينها ......"


صمت يعقبه ضحكة صاخبة هي كل ما تردد بيت جدران السجون قبل أن تصمت موري وهي تتحرك بحذر حتى اصطدمت بأحد الأسرة، وهي ترتاح مغمضة عيونها .


تتذكر حديثها مع بافل ..


انتفضت أن مقعدها تصرخ بحنق :


" ماذا تريد مني ؟؟ هل جننت ؟؟ هل تعتقد أنهم سيصدقونني ؟؟ بل سيسارعون للالقاء بي في سجونهم "


ابتسم لها بافل يتحسس خصلاتها بهدوء :


" وهذا ما أريده بالتحديد موري العزيزة "


" بافل هل جننت ؟؟ خسارتك بدأت تتسبب لك في مشاكل عميقة بعقلك "


مال بافل بالقرب منها لتتراجع هي يشكل تلقائي للخلف وقد شعرت بالريبة من نظراته، بل وبدأ جسدها يهتز بقوة من نبرته ونظراته وهو ينظر في عمق عيونها لتشعر بالريبة .


ابتلعت ريقها بصوت مرتفع تقول :


" أنت...لقد ...ابتعد قليلًا بافل "


اتسعت بسمة بافل أكثر حتى تحولت لضحكات صاخبة وهو يردد لها بصوت خبيث ونبرة فحيح مرتفعة :


" فقط افعلي ما أخبرك به وفي النهاية ستربحين الكثير موري، دخول السجن أمر مقصود، لذا هذه اسرع الطرق التي ستوصلك لهذا الهدف ."


نظرت له موري تهمس بصوت منخفض :


" وما الذي سيحدث بعد ذلك ؟!"


" بعد ذلك عزيزتي موري، أنتِ فقط ما عليكِ سوى الانتظار وأحدهم سيأتي لزيارتك وحينها اعطيه هذه"


نظرت موري لانامل بافل تحاول الحديث، ثم هزت رأسها ببطء تقول بصوت منخفض :


" ما هذا ؟!"


" هذا ...هذا عزيزتي الورقة الرابحة لنا والمنقذ لنا من كل هذا "


استفاقت موري من شرودها وهي ترفع عيونها أمامها ترى خيال يتحرك في الظلام ولولا الضوء الخافت الذي استطاع التسرب من النافذة لم تكن لترى أيًا كان من يتحرك بهذا الشكل .


فجأة استقر هذا الظل أمام السجن الخاص بها يهمس بصوت خافت :


" أعطني الورقة "


نظرت له موري بصدمة، بهذه السرعة ؟؟


تحركت لا تجادل في الأمر تمنحه الورقة التي أعطاها إياها بافل متحدثة بلهفة:


" متى سأخرج من هنا ؟؟"


شعرت أن الظل يستدير لها، لكنه لم يتحدث بكلمة إضافية على جملته السابقة، ومن ثم تحرك بكل بساطة تاركًا إياها تنظر لاثره بصدمة :


" مهلًا ماذا عني ؟؟ لقد ...أنا لقد أخبرني بافل أنك ستساعدني، أنت عد"


فجأة وحينما استوعب أنها وحدها ازداد صراخها بجنون :


" عد هنا، أخبرتك أنني أريد الخروج، تبًا لكم اقسم إن لم تخرجوني سوف اخبر الجميع بما تنتوون ..."


ختمت حديثها تضرب القضبان بقوة صارخة ولم تكد تتحرك صوب المقعد مرة أخرى لتهدأ حتى أبصرت جسد آخر يتوسط الظلام أمامها، تحركت صوب ذلك الجسد وهي تحاول معرفة صاحبه :


" من أنت ؟؟ هل أرسلك با...."


لكن وقبل أن تتحدث كلمة إضافية، شعرت موري بضربة عنيفة توجه لمعدتها اتسعت عيونها بصدمة وخرجت منها شهقة عنيفة وهي تحاول رفع عيونها صوب الشخص الذي طعنها، لكنه لم يمنحها فرصة واحدة إذ أخرج الخنجر وكرر الطعنة مجددًا لكن أعمق واقوى ليتأكد أن روحها ستخرج على يده ومن ثم راقب انسحاب الحياة من أعين موري التي كانت لا تستطيع حتة فتح فمها الصراخ بسبب تكبيل الشخص لها، فقط متسعة الأعين تحاول التقاط وجه من طعنها وكأنها تود تسجيل صورته في عقلها لتتواجه معه في الحياة الأخرى ..


وذلك الشخص ابتسم يهمس بصوت خافت :


" للجحيم عزيزتي ."


ومن بعد هذه الكلمات تهاوى جسد موري بقوة على الأرض فاقدة للحياة متسعة الأعين وكأنها أبصرت عذابها يقترب، وقد كان ........


_________________________


تحركت داخل غرفتها تجفف قطرات العرق التي سالت على وجهها بعد معركة مع شقيقها، معركة أعادت لها كافة الذكريات التي كانت تحاول دفنها مع صاحبها حتى يحين لها وقت البعث مجددًا .


وعلى ذكر صاحبها ارتسمت بسمة لا معنى لها على فم كهرمان وهي تلقي بحجابها على الفراش وبدأت تخرج ثوبًا قطنيًا مريحًا، وعقلها يعود بها للقائها الاخير معه ..


كانت تقف في إحدى الشرفات تراقب المكان ظاهريًا، تبحث عنه باطنيًا، فجأة مرت نسمة هواء باردة جعلت عيونها تتسع بسعادة، بسمة تداعت على إثرها اخر ذرات تماسك إيفان الذي كان يراقبها من بعيد :


" لا يعقل أن كل هذه السعادة لأنني راحل "


استدارت كهرمان صوب الصوت بسرعة تهمس :


" مولاي ؟!"


" أنتِ لن تتوقفي عن هذا قريبًا صحيح ؟؟"


" أتوقف عن ماذا ؟؟"


نظر لها إيفان طويلًا قبل أن يبتسم ويهمس :


" مناداتي بهذا اللقب في حين أنني أود سماع كلمات اخرى سنؤجلها لوقتٍ لاحق " 


اتسعت أعين كهرمان بصدمة، لكن إيفان لم يسمح لصدمتها أن توقفه عما جاء لأجله، إذ توقف أمامها يضم كفيه خلف ظهره وقد كان في غاية الوسامة بهذه الثياب الغير تقليدية بالنسبة له .


" جئت فقط أخبرك أنني سأرحل، لكن رحيلي الآن ليس استسلامًا مني فأنا لا استسلم في حرب، وخاصة هذه الحرب، رحيلي فقط لأنني مضطر للأمر لكنني سأعود وحينها سأحرص على الرحيل بتعهد من شقيقك لتحقيق رغبتي "


ابتسمت له كهرمان بسمة صغيرة :


" رافقتك السلامة مولاي " 


إذن رافقيني، كلمات كادت تفلت من لسانه وهو ينظر لها بمشاعر أصابتها بخجل لتبعد عيونها عنه، فسقطت أثناء ذلك على جسد تعلمه جيدًا يتوسط الشرفة المقابلة لهما يراقب الأمر بمنتهى الهدوء وقدر ارتسمت بسمة جانبية على فمه .


اتسعت أعين كهرمان بقوة، ورغم ذلك ابتسمت لارسلان الذي يراقبهما ببسمة صغيرة، وعادت بعيونها لإيفان الذي كان في هذه اللحظة يشرد فيها مبتسمًا دون شعور منه وهي ابتسمت بسمة صغيرة تهمس:


" عسى امورك كلها بخير في المملكة مولاي، ليحفظ الله المملكة بمن فيها "


ازدادت بسمة إيفان أكثر  :


" سأنتهي من كل شيء واعود، لا تظني أن شقيقك سيخيفني فهو احمق يحب العناد في كل شيء، في الأساس لم أكن أتوقع منه موافقة سريعة "


نظرت كهرمان بطرف عيونها صوب أرسلان تردد بصوت ممتلئ بالحنان والحب :


" لا بأس يمكنك انتظار سنوات إذا استلزم الأمر، لكن لا اعتقد أن هذا الأمر قد يتم دون مباركة أرسلان "


ابتسم إيفان بسمة جانبية وهو يتحرك بعيونه حوله ثم قال بكل ثقة :


" لا صدقيني عناد شقيقك تنتهي صلاحيته بعد اسبوعين، هو فقط يحتاج لضربة تجعله يستوعب ما يعاند به، ثم من قال أنني قد أقبل زفاف دون مباركة أرسلان ؟! هو من سيلقي الورود فوق رؤوسنا "


ختم حديثه ببسمة واسعة يستدير صوب النافذة التي تطل على شرفة أرسلان يردد غامزًا مستفزًا :


" أليس كذلك عزيزي أرسلان ؟!"


رفع أرسلان حاجبه بتسائل ليستند إيفان على إطار يردد جملته بصوت مرتفع :


" لن احرمك شرف إلقاء الزهور عليّ يوم زفافي "


استند أرسلان مقابله يجيبه ببسمة أوسع :


" صدقني أنت لن تود معرفة ما قد ألقيك به يوم زفافك، لنحتفظ به مفاجأة "


انطلقت ضحكات إيفان يقول بكل جدية :


" إذن أنت تعترف أن هناك زفاف سيحدث بموافقتك، بغض النظر عما ستلقيه عليّ لا بأس، سأعتبر هذه موافقة شفهية منك، انتظر عودتي لأخذها كتابية يا عزيزي "


نظر له أرسلان بشر وهو يهتف بصوت مرتفع :


" للجحيم ولا تعد إيفان.."


غمز له إيفان يتحرك ضاحكًا :


" حتى الجحيم لا يطاق بلا رفقة أرسلان لذا سعود من اجلك عزيزي، أراك لاحقًا "


ختم حديثه ينظر لكهرمان بلطف وكأنه تحول فجأة :


" إذن نلتقي لاحقًا سمو الأميرة، وحتى هذه اللحظة اعتني بنفسك "


ابتسمت له كهرمان تجيب بهدوء :


" رحلة سعيدة جلالة الملك "






همس لها إيفان وهو يستدير للرحيل، بصوت وصل واضحًا لها :


" ستكون كذلك طالما بدأت من ديارك سمو الأميرة"


وهذه كانت آخر جملة تصل لكهرمان قبل أن يتلاشى طيفه آخذًا معه قلبها ليكون له رفيقًا في رحلته، حتى يطمئن لعودته لها مرة أخرى ....


خلدت كهرمان لفراشها رافضة أن تدع تلك الذكرى القريبة تتلاشى تبتسم بسمة واسعة مغلقة عيونها تشعر بالاشتياق وهو لم يكد يرحل منذ ساعات فقط، فكيف إن طالت غيبته ؟؟؟


____________________


" ما هذا التجمع اللطيف ؟؟ دوني ؟!"


ارتفعت جميع الأعين صوب العريف ومن ثم عاد كلٌ ليشرد فيما يحيره، والعريف استقر أمامهم على مقعده يهتف بتعجب :


" ما هذا الصمت المريب ؟! هل حصلت كارثة أخرى في القصر ؟؟"


تحركت عيون دانيار صوب العريف يهمس وهو يستند على الطاولة بذراعيه :


" ألم تخبرني أنني سأموت على يد قرصان في نهاية الحكاية أيها العريف ؟؟" 


اتسعت عين العريف بتعجب، لكنه فقط هز رأسه:


" لا يعلم الغيب إلا الله يا فتى أنا فقط كنت ازعجك، لكنني لا ادري "


" حسنًا، هل سبق لك وحلمت أنني أواجه تنينًا إلى جانب القراصنة ؟؟"


" تنين ؟!"


" نعم، تنين متكبر متغطرس يحمي القلعة من صاحبها وكأنه سيسرقها "


كان يتحدث وهو ينظر بغيظ وغضب صوب إيفان الذي ابتسم له بسمة باردة ولم يجبه، فقط يضم ذراعيه أمام صدره ينتظر رد العريف الذي قال :


" وما ادراني أنا ؟! حل مشاكلك مع التنانين بعيدًا عني، وإلا لن يرحمني واياك هذا التنين "


تدخل إيفان يقول ببسمة مستفزة :


" نعم يا عريف أخبره فربما يستمع لك، ويتوقف عن أحلامه بأن القصر له "


تدخل مهيار بسرعة قبل أن يحتدم الموقف يجذب يد دانيار ليصمته :


" هو لا يقصد ما فهمته مولاي، فقط هو يتصرف تصرفات غريبة هذه الأيام "


نظر له دانيار بغضب شديد يضرب الطاولة وقد كان صدره مشتعلًا بالغضب والحزن منذ المشهد الذي شاهده اليوم :


" اقسم أنني اكتفيت، أنت لا تريد أن يتم الأمر بشكل سلمي، إذن سأختطف شقيقتك "


اتسعت أعين إيفان بصدمة من حديث دانيار الذي انتفض عن الطاولة وكأنه بالفعل اكتفى من كل هذا :


" أوتعلم أنا اكتفيت كل هذا، بالله اكتفيت "


ختم حديثه يتحرك بسرعة بعيدًا عن الجميع راكضًا بينما إيفان اتسعت عيونه بترقب يهمس له :


" إلى أين ؟؟"


وهو لم يرهق نفسه بالتوقف وشرح له وجهته، بل فقط ركض بشكل جعل إيفان ينتقض عن مقعده يصرخ بجنون :


" دانيار الويل لك إن اقتربت من اختي الأن "


لكن دانيار لم يتوقف فسارع إيفان بالركض خلفه بسرعة كبيرة، ومهيار خلفهم وهو يصرخ بخوف :


" يا ويلي هو لا يقصد شيء مولاي، هو فقط تذكر أمرًا ما ."


راقب الجميع ابتعاد الملك خلف دانيار بشكل يدعو للسخرية، أحدهما يركض لللحاق بالآخر ..


نظر الجميع لبعضهم البعض بسخرية قبل أن يتنهد سالار متحدثًا وهو يقرر النهوض ليحيل بين الاثنين :


" حسنًا سأذهب لأرى ما يحدث قبل أن يقتل أحدهما الآخر "


تحرك بالفعل ولم يتبقى سوى العريف وتميم الذي نظر للعريف وقال :


" حسنًا ماذا عني ؟!"


نظر له العريف بعدم فهم :


" ماذا عنك ؟؟" 


" أنت لا تريد اخباري بشي يتعلق بي, نصيحة أي شيء قد يساعدني لاتجاوز هذه الفترة ؟؟"


ابتسم العريف بسمة ساخرة وهو يتراجع عاقدًا ذراعيه للخلف :


" فقط احرص على شرب الكثير من المياه لأن الأجواء ستصبح حارة هذه الأيام، ونم مبكرًا ..."


______________________


كان الجميع يركض بين الممرات بشكل جذب أنظار الحراس ليبتسم البعض منهم ظنًا أن الملك يتسابق مع القادة أو يتمازحون مع بعضهم البعض كما هي العادة في بعض الأحيان .


والبعض الآخر تعجب ما يحدث .


لكن أيًا كانت ردة فعلهم فهي لم تؤثر على ركض دانيار ومن خلفه إيفان ومن ثم مهيار، واخيرًا سالار الذي كان يسير بهدوء وبملل يأمل أن يصل لهم بعدما تنتهي هذه المشاجرة، لذا قرر أخذ وقته بالكامل وهو يسير بـ ..


وقطع أفكاره وركض الجميع صوت صرخات أنثوية رنّ بين ممرات القصر بأكمله، صرخات هزت المكان كما لو كانت امرأة شاهدت بعيونها نهاية العالم .


توقفت جميع الاجساد بصدمة كبيرة قبل أن يهرولوا بجنون صوب مصدر الصرخات الأنثوية وقلوبهم كادت تتوقف جينما اقتربوا يتعرفوا على مصدر الصرخات والذي لم يكن سوى غرفة زمرد، وصاحبة الصرخات والتي لم تكن إلا تبارك .


وصل الجميع حتى غرفة زمرد لتتوقف الالم بصدمة يبصرون باب الغرفة مفتوح وفي منتصفه تبارك بوجه شاحب تصرخ مرتعبة وهي تنظر أمامها لزمرد والتي كانت في هذه اللحظة تحمل سكين يقطر دمًا، تحركت جميع الأعين مصدومة صوب الجسد الذي يتوسط أرضية غرفة زمرد والذي لم يكن سوى ....زمرد .


____________________


لم تنتهي المؤامرات، فجدران القصر ما تزال تخفي الكثير خلفها ......



الفصل الاربعون 


تحرك الجميع في ظلام الليل وقد غابت ملامحهم بين سواد الليل، وكأن سواد القلوب انعكس عليهم ليخفي كامل ملامحهم فأحسنوا الاختلاط بالليل .


أشار شخص يتقدم هذا الجمع لهم بالتحرك، وقد زادت هرولة الاقدام صوب نقطة محددة، والأيدي ترتعش والقلب يرجف، فهم في هذه اللحظة ليسوا أصحاب الحق كما اعتادوا قديمًا .


فالحق قوة، والباطل خزي .


توقف الجمع على بُعد صغير من الحدود الفاصلة بين سفيد وصحراء مشكى، توقفوا يراقبون الجنود يتحركون يمينًا ويسارًا بتيقظ لأي حركة قد تأتيهم غدرًا من خارج البلاد..


ونسوا أن الغدر لا وطن له، وأنه يتسرب من جميع الاتجاهات، حتى وإن كان من داخل أرضهم نفسها، فما هي إلا ثواني وارتفعت الصرخات وأصوات التكبير وعلى الاستنفار أجساد الرجال على الحدود وقد رفعوا أسلحتهم يتلفتون حول أنفسهم يبحثون عن مصدر السهام التي تساقطت عليهم كالمطر ..


لكن كان الأوان قد فات وتساقط نصفهم بالفعل وقد أُخذوا غدرًا .


ثواني وسيطر رجال الجمع على رجال الحدود وقيدوهم ارضًا .


تحرك أحد رجال الجمع صوب الحدود يرفع سيفه مبتسمًا حتى توقف أمام من تبقى حيًا من الرجال ينظر له من أعلى لاسفل هامسًا :


" انتهى دوركم يا رجال، واحسنتم الحراسة، نحن من سيتسلم الحدود الآن"


رفع أحد جنود سالار رأسه للمتحدث يبتسم له بسمة مستفزة وقد أدرك أنه هالك لا محالة، إذن ليمت بشرف ورأس مرفوعة :


" لا بأس ستتسلمها منا ويأتي غدًا من يتسلمها منك، هي الحياة، لا تدوم لأحدهم، اليوم أنا هنا وغدًا أرحل وتأتي أنت، لكن أنت وحينما ترحل يا مسكين، إلى أين مستقرك يا ترى ؟؟"


اشتعلت أعين الرجل والتي كان يخفيها خلف غطاء اسود كي يخفي ملامحه، بينما الآخر لم يتوقف عن الحديث يهمس بفحيح :


" جهنم وبئس المصير .."


وبعد هذه الكلمات تناثرت دماء الرجل الطاهرة على الأجساد النجسة حوله، تناثرت وقد جُزت عنقه وتدحرجت رأسه ارضًا حتى استقرت أسفل أقدامهم، ليبتسم قائد الجمع وهو ينحني يحدق بأعين حارس الحدود يدقق النظر بها :


" انظر أين أنا الآن وأين أنت ؟؟"


رفع عيونه صوب من تبقى من رجال الحدود وقد أعطاهم درسًا منذ ثواني عن مصير من يعارضه :


" إذن تخضعون لي أم تلحقون بصديقكم ؟!"


وكان من تبقى منهم فقط خمسة رجال، نظروا لبعضهم البعض بنظرات سريعة قبل أن يبتلع أحدهم ريقه هامسًا :


" نحن ...نحن طوع أوامرك سيدي ..."


ابتسم الرجل بسمة واسعة لم تظهر من أسفل لثامه والتمعت عيونه في الظلام يهمس :


" هذا ما كنت أتوقعه منكم، الآن ستسمعون ما اقول وتنفذونه ..."


___________________


الصدمة كانت هي الكلمة المشتركة والتي تصف ملامح جميع من يقف في الغرفة، مظهر زمرد التي كانت تحدق ارضًا بجسد شهرزاد الغارقة في دمائها جعلت الجميع يتصنم دون القدرة على التحرك .


ابتلع إيفان ريقه وهو يحرك رأسه في المكان قبل أن يقول بصوت ما يزال يحمل صدمة كبيرة :


" أغلقوا ...أغلقوا ابواب الغرفة سريعًا.."


نظر الجميع له بتعجب، ليصدح صوته مرتفعًا صارخًا: 


" سالار اغلق باب الغرفة بسرعة .."


تحرك سالار بسرعة صوب الباب يغلقه بقوة وصوته رن صداه في المكان بأكمله، يغلقه في وجه كل من اقترب لرؤية ما يحدث، ورغم تعجبه عدم وجود حراسه في هذا الوقت أمام غرفة زمرد إلا أنه شكر ربه لعدم وجودهم .


تحرك بعيدًا عن الباب وبخطوات سريعة شبه مهرولة، صوب جسد تبارك التي كانت تحدق فيما حدث دون ردة فعل، يجذب جسدها بسرعة مغلقًا عيونها يخفي رأسها فيه وهو يربت عليها دون شعور وعيونه تحدق فيما يحدث أمامه إذ جُنّ جنون إيفان وهو يهتف بصوت مصدوم مشيرًا لجسد شهرزاد :


" ما الذي فعلتيه ؟؟ ما الذي فعلتيه ؟!"


كان يهزي بسؤاله وهو يشعر بنفسه على وشك الجنون، وسالار الذي يعلم إيفان أكثر من أي شخص في هذا المكان، رأى نفس النظرة التي تعلو وجه إيفان عادة حينما يخطأ هو ويصرخ به، تلك النظرة التي تكون خوفًا عليه مما سيحدث له بسبب خطأه، وليس خوفًا من الخطأ.


وإيفان في هذه اللحظة صرخ بصوت مرتفع يطيح ما أمامه:


" ما الذي فعلتيه بالله عليكِ؟؟ هل جننتي ؟؟"


تحرك دانيار بسرعة يقف بين إيفان وبين زمرد التي كانت تنظر للجميع حولها بصمت ولا تهتم لكل هذا الصراخ .


رفع إيفان عيونه له يصيح بجنون :


" ابتعد عن وجهي دانيار ولا تدعني اصب جام غضبي في وجهك "


" بل افعل، يمكنك صب كل غضبك في وجهي مولاي، عاقبني بما يناسبك، لكنني أبدًا لن ادعك تواجهها بهذا الغضب الذي يعلو وجهك "


اتسعت أعين إيفان بصدمة لحظية قبل أن يبتسم بسمة مخيفة، ومن ثم اندفع فجأة صوب دانيار يجذبه من ثيابه متحدثًا بغضب جحيمي :


" أيها الحقير القذر هل تحاول أن تفرض أوامرك عليّ، تظن أنك ستستطيع إبعادها عني إن أردت بها سوءًا ؟؟"


اتسعت عين دانيار بشدة مما يسمع وإيفان في هذه اللحظة كان قاب قوسين من الجنون وهو يصرخ في المكان بأكمله يحرك جسد دانيار بقوة :


" تبًا لكم اجمعين، لا أحد يستطيع منعي عما أريد، ابتعد عن عيوني قبل أن أحرق القصر على رؤوس من به "


صمت يتنفس قبل أن يكمل صراخه :


" لماذا ؟؟ الجميع يجبرني على الوقوف أمامه بشكل لا احبذه "


وقبل أن يكمل كلمته تحرك سالار بسرعة صوب إيفان يجذبه بعيدًا وقد كان مصدومًا من حالته غير المتزنة، يجذبه وهو يهمس له بعدم تصديق :


" إيفان ما بك ؟؟ تعقل، هل جننت لتتحدث بهذا الشكل ؟!" 


نظر له إيفان نظرة جعلت قلب سالار يهتز يهمس بصوت منخفض :


" ستكون بخير، لن...لن يحدث لأختك شيئًا فقط اهدأ، ستكون بخير، لن نسمح بحدوث شيئًا لها، حسنًا ؟!"


وكأن هذه الكلمات التي كان يحتاج إيفان لسماعها، لقد تخطى قوانينه مرة وهو يسمح لزمرد بأخذ موري من المحاكمة أمام الجميع وهو الذي لم يسمح بذلك طوال سنوات عمره بالكامل، وما كان ليفعل لولا رؤيته نظرات زمرد حينها، فتخلى للمرة الأولى عن قيمه وجعلها تفعل ما تريد .


والآن قتلها لـ ... للمرأة التي من المفترض أنها كانت والدته وربته يومًا، امرأة مسلمة ليست من الأعداء ليتهاون في الأمر، على الأقل أمام الجميع، هي وضعته في مأزق بين واجبه كملك لا يستطيع ترك أحدهم يأخذ ثأره بيده كي لا تعم الفوضى، وبين رجل كان يتمنى أن يقتلها هو بيده اليوم قبل الغد .


تنفس بصوت مرتفع يشعر بقبضة سالار تتركه يتحرر شيئًا فشيء، وقد علم سالار في هذه اللحظة أن عقل إيفان بدأ يبتعد عن دوره كحامي لجميع من يعنيه الأمر، ذلك الدور الذي قد يوقف عقله لثواني قبل أن يعود للعمل .


ابتلع إيفان ريقه يحرك عيونه صوب زمرد والتي كانت ترتعش خلف دانيار بأعين دامعة رافضة أن تدع لدموعها حرية السقوط، تحدق ارضًا دون أن تحيد بنظراتها عن شهرزاد وكأنها تتوعدها بأنها لم تنتهي بعد، وأن موتها لم يكفها .


تنفس إيفان يبتعد عن سالار متحركًا صوبها، لكن دانيار تحرك بسرعة يمد يده لمنعه وقد علت نظرات إصرار مرعبة عيونه، وقد أدرك إيفان أن دانيار في هذه اللحظة يستطيع قتاله وقتال جميع من بالغرفة دون أن يهتز له جفن .


ابتسم له يبعد يده :


" هذه أختي دانيار، لن تحمها مني "


ختم حديثه ولم يكد يتحرك حتى امسك دانيار مرفقه ينظر في عيونه :


" أنت لن تتحدث معها الآن، هي لا ..."


جذب إيفان مرفقه بغضب من بين أنامل دانيار :


" التزم حدودك دانيار أنا ملكك هنا ويمكنني أن انزع منك مكانتك ولقبك وازج بك في السجون "


نظر له دانيار بتحدي رغم نظراته التي اهتزت لثواني :


" أفعل ما شئت، لكنني لن ادعك تزيدها عليها، بالله عليك انظر إليها، أنها ترتجف "


تحركت أعين إيفان صوب جسد زمرد التي كادت تسقط أرضًا بانهيار، ومن ثم عاد صوب دانيار يقول ببرود دون أن ينزع عيونه عنه :


" سالار... ألقي بدانيار في السجن "


نظر لهم سالار وقد شعر أن الأمور حوله تزداد سوءًا، بينما دانيار لم يفعل سوى أن ابتسم :


" بكل سرور، لكنني لن أذهب إلا بعدما اطمئن أنك لن تتعرض لها بكلمة واحدة "


ابتسم له إيفان يتجاهله متحركًا صوب زمرد التي كانت تضم السكين بين قبضتها بقوة حتى كادت تجرح يدها، تشرد أمامها في الجسد الغارق في الدماء، وجسدها بأكمله يرتجف، يظنه البعض خوفًا، لكنه كان غضبًا .


كانت تشعر أنها لم تكتفي منها بعد، ولو كان بيدها أن تجبرها على الاستيقاظ لتقتلها مجددًا، لفعلتها .


فجأة انتفض جسدها بمفاجأة وهي تشعر بالسكين يُسحب بحرص من بين قبضتيها، رفعت عيونها المفزوعة لتبصر وجه إيفان الذي ألقى بالسكين أرضًا، ثم نظر باهتمام لكفها يرى إن أُصيبت بجرحٍ أو لا .


بينما زمرد فقط كانت متعجبة من وجوده، متى جاء وكيف، وكل هؤلاء الأشخاص في غرفتها، ما الذي حدث؟ آخر ما تتذكره هو الغضب الذي تحكم بها لتسحب سكينها الذي تحتفظ به في غرفتها طوال الوقت تطعن به شهرزاد دون مقدمات .


شعرت بأن رأسها تؤلمها لتهمس بصوت منخفض :


" ما ...ما الذي حدث ؟؟"


نظر الجميع لبعضهم البعض بتعجب من كلماتها تلك ليقول إيفان بجدية :


" هذا ما اريد أنا سؤالك إياه زمرد، ما الذي حدث هنا ؟؟؟"


______________________


زفر بصوت مرتفع وهو ما يزال يقف أمام الغرفة لا تستطيع التقدم خطوة أو التراجع، ليس وهناك حديث عالق بينهما، تنهد بصوت مرتفع قبل أن يرفع كفه طارقًا لباب الغرفة متحدثًا بصوت شبه خافت :


" برلنت الهروب من الحديث معي ليس سبيلًا لحل تلك المشاكل العالقة، افتحي الباب "


ولا رد من الداخل رغم معرفته أنها لم تنم بعد، يدرك ذلك فهو يعلمها ويعلم عاداتها جيدًا :


" برلنت حبيبتي توقفي عن هذه الأفعال ودعينا نتحدث بهدوء كأي شخصين ناضجين "


ولم يصل له رد اخر فاستند بجبهته على الباب يتحدث بتعب :


" برلنت افتحي هذا الباب، ودعينا نتحدث، أنا لا أستطيع النوم وأنا أعلم أنكِ غاضبة مني، وأدرك أنكِ كذلك "


سمع صوت خطوات داخل الغرفة ليبتسم :


" حسنًا أنا آسف إن كان هذا يرضيكِ فقط افتحي الباب رجاءً "


وصوت الخطوات التي كانت تقترب من الباب توقفت لثواني وكأنها ترددت في فتح الباب وإفساد غضبها منه، لذا عادت أدراجها مجددًا لينفخ تميم بغضب شديد متحدثًا بحنق :


" يا ويلي برلنت توقفي عن هذه التصرفات الصبيانية وافتحي هذا الباب، يا امرأة ما بالك تعاندين في أمرٍ كلانا يدرك أنكِ مخطئة به ؟!"


فجأة فُتح الباب ليتنفس الصعداء وهو يدفعه بسرعة دافعًا إياها للداخل دون كلمة، ثم اغلق الباب يقول بجدية :


" كنت أعلم أنكِ لن تستطيعي النو....."


وتوقفت باقي الكلمة على حدود فمه وهو يبصر أمامه فراش برلنت تعلوه براحة وتنام بعشوائية كما اعتادت طوال الوقت، رمش تميم يحاول فهم ما يحدث أمامه، وكيف تنام هكذا بكل راحة بال وهدوء، بل كيف فتحت له الباب وتحركت بهذه السرعة لتتوسط الفراش ؟!


وفي غمرة تفكيره سمع صوتًا جواره يهمس :


" لقد نامت منذ فترة قصيرة بعد ساعات قضتها بالبكاء "


انتفض جسد تميم بشكل تلقائي ودون إرادة منه بسبب الصوت جواره، استدار نصف استدارة صوب صاحب الصوت وقد شحب وجهه بخوف قبل أن يدرك أنها والدة برلنت .


" اوه...مـ ..مرحبًا يا خالة كيف حالك اليوم ؟؟"


ابتسمت والدة برلنت تكتم ضحكتها على ملامحه وعلى ردة فعله :


" أنا بخير يا بني، كيف حالك أنت ؟!"


" الحمدلله بخير، لكن ابنتك تقسو عليّ يا خالة، اوصيها بي خيرًا"


ابتسمت والدة برلنت وهي تتحرك صوب الباب :


" من يوصي بمن تميم، الفتاة متعلقة بك أكثر مني ووالدها، اوصيها أنت بنا خيرًا، واستوصى بها كذلك خيرًا، فالفتاة لا تمتلك سواك في هذه الحياة الآن "


تحرك تميم يقول بلهفة :


" ما الذي تتحدثين به يا خالة، اطال الله بعمرك "


" هذه الحقيقة يا بني، يومًا ما سأرحل وتبقى صغيرتي وحيد، فارحم وحدتها وضعفها تميم ولا تقسو عليها، يكفيها ما نالت بهذه الحياة، أما آن أن تبتسم لها الدنيا ؟!"


نظر تميم صوب فراش برلنت ليسمع صوت والدتها يهمس بجدية :


" أنا سأرحل بعض ايام لاستقر في منزلي، فقد اشتقت لجدرانه وأتمنى أن اقضي ايامي الأخيرة بينها، فاعتني بصغيرتي كما اعتدت تميم "


امسك تميم يدها وقبلها بهدوء :


" في قلبي وعيني يا خالة، سوف نأتي لزيارتك كل اسبوع و..."


توقف ثم أكمل بهدوء :


" ما رأيك أن تعودي للعيش في حينا القديم فوالدي هناك ويمكنكم الاستئناس ببعضكم البعض ؟؟"


ضحكت بخفة وهي تربت على يده :


" يعلم الله أن والديك أقرب لي من إخوتي رحمة الله عليهم، لكنها الحياة يا ولدي، وذلك الشرخ الذي أصاب علاقتنا سابقًا لن يبرأ بهذه السهولة، سامح الله عبدالله جعلني أخجل من رفع عيوني في وجوههم .."


فتح تميم فمه ليرفض كل تلك الكلمات لكنها أوقفته :


" اعلم أن والديك من الكرم والنبل الذي يجعلهما يتناسيان كل ما حدث، وربما هذا أكثر ما يوجعني، أنهما كانا افضل منا، ادامهما الله لك يا بني، اوصل سلامي لهما، لعل الله يكتب لنا لقاء قريب ."


ختمت حديثها تتحرك للخارج بجسد مرهق متعب وقد اضنتها الحياة واشبعتها لطمًا، حتى انحنى ظهرها وتحطمت هامتها، راقبها تميم ترحل وتغلق الباب خلفها ليشعر بالشفقة عليها، يرغب في رفض ذهابها لأجلها واجل برلنت، لكنه لا يريد أيضًا أن يجبرها على البقاء في مكان لا تفضله .


وعلى ذكر برلنت تحركت عيونه صوب تلك المستكينة التي كان يراهن على لوعتها، ويكاد يقسم على أن النوم خاصمها مثله .


" يا ويلي وأنا من جئت كي أخبرك أنني اسامحك فقط لتنامي قريرة الأعين ؟! أيتها الـ "


صمت يتحرك صوبها يجلس القرفصاء جوار فراشها ارضًا بالقرب من رأسها، يطيل التحديق بها، يقترب منها شيئًا فشيء، ثم همس بصوت منخفض :


" أنتِ غبية بيرلي الصغيرة، تنامين قريرة العين وأنا قد جافني النوم لعيونك ؟!"


همهمت برلنت في نومها بانزعاج وكأن كلماته قد وصلت لها بين أحلامها، ليبتسم هو بسخرية لاذعة :


" وتنزعجين أيضًا من كلماتي ؟؟ اعتذر لسموك برلنت أن ازعجت كلماتي الحقيرة نومك الهانئ جلالتك، يا لي من حقير حقًا "


زفرت برلنت وهي تتقلب في نومتها ليكمل تميم حديثه بغيظ :


" نعم ازفري ازفري، لا ينقصني سوى أن تنهضي وتجذبين اذني ملقية بي للخارج بعدما أفسدت نومتك وأنتِ من افسدتي حياتي يا امرأة "


زفر بضيق ينزع حذاءه ثم تحرك صوب الفراش يجذب الغطاء بعيدًا وبعدها استقر على الفراش جوارها يجذب رأسها لصدره يضمها له بحنان مربتًا عليها :


" لكن أوتعلمين شيئًا، أنا اسامحك، فقط لأنك بيرلي"


ابتسمت برلنت بسمة واسعة وهي تشعر بالدفء قد أحاط بها، وتميم نظر لها ببسمة، ثم عاد بنظراته للشقق فوقه يشرد فيه ثواني يفكر في القادم وهو يدرك أن والد برلنت لن يصمت فهو يحاول الزحف لحياتها مجددّا مستغلًا سذاجتها واحساسها بالذنب لأجله وهو من أخطأ بها .


ومن بين افكار تسللت قبلة صغيرة خبيثة صوب صدره جعلت عيونه تتسع وهو يحركها صوب برلنت ينظر لها بترقب، وهي فقط ومن بين أحلامها كانت تهمس باسمه وتشدد من صمته وتقبل صدره .


ابتسم بسمة صغيرة وهو يضمها له :


" يسعدني أن ارافقك في احلامك صغيرتي، هذا يجعل بعض الامل يملئ صدري، أنه حتى وإن تجافينا في الواقع، فهناك في مكانٍ ما عالم سيجمعنا سويًا رغم كل ما يعيق ذلك "


نظر لها بحب يبعد خصلاتها عن عيونها مرددًا :


" وأنا سأعمل فقط خلال المتبقي من حياتي على جذب هذا العالم لواقعنا ولو كان رغم انف الجميع واولهم والدك بيرلي...."


________________________


يتحرك على خيله بسرعة كبيرة وقد اختلط سواد ثوبه بسواد الليل حوله ولم يظهر له ملامح سوى عيونه التي تشتعل بنظرات مريبة، وذلك الشعار الذي يحتفظ به منذ طفولته على جميع ثيابه، شعار ذهبي صغير يحتل ياقة ثوبه متمثلًا في هيئة اسد .


كان يجلس في القاعة يتناقش في بعض الأمور المتعلقة بجيشه قبل أن يأتيه أحد رجال البلاد يطالب برؤيته على وجه السرعة، انتفض جسد أرسلان يستمع لكلام الرجل الذي كان يتنفس بصوت مرتفع يردد بكلمات جادة..


" مولاي، مولاي لقد ...لقد رأيتهم، اقسم أنني رأيتهم جميعًا "


نظر له أرسلان بترقب ينتظر أن يكمل الرجل حديثه بعدما يأخذ أنفاسه، وقد كان، فقد تحدث الرجل بسرعة :


" بعدما أغلقت المحل الخاص بي وأثناء عودتي للمنزل أبصرت عدد من الرجال يتحركون بشكل غريب يتلفتون حولهم كل ثانية فشعرت بالشك صوبهم ولحقت بهم، وحين ابتعدوا عن الشوارع المركزية للبلاد أدركت يا مولاي ...لقد كانوا من المنبوذين، اقسم أنني رأيت السواد يعلو ملامحهم، لقد كانوا يحيون بيننا، سمعت أحدهم يخبرهم أن يتوجهوا صوب الحدود الخاصة بسفيد ويبدو أنهم ينتون بهم شرًا "


اسرع أرسلان من خيله وهو يبصر الطريق أمامه ورغم ظلمته إلا أنه يحفظه عن ظهر قلب، خلفه يأتي رجاله، لكنه لم يستطع الانتظار وقد شعر بالغضب يغلي داخل أوردته .


واخيرًا بعد فترة من حديث الرجل له عبر الصحراء الفاصلة بين مشكى وحدود سفيد، توقف أرسلان بسرعة وهو يحرك نظراته على الحدود وقد شعر أن كل شيء طبيعي أكثر من اللازم، كل شيء هادئ اكثر من اللازم .


ترجل عن فرسه يخرج سيفه مستعدًا لأي حركة قد تصدر حوله، وحواسه بالكامل تنبهت يتحرك صوب حدود سفيد متعجبًا أن لا حارس واحد يقف عليها، ابتسم بسخرية وريبته تزداد :


" لا يعقل أن إيفان انتزع جميع جنوده عن الحدود، هل يثق بي لهذه الدرجة ؟؟"


كان حديثه ساخرًا وهو يبحث بعيونه عن شيء مريب في المكان، وقد كان عدم وجود الجنود الآن أكثر الأمور ريبة .


بحثت عيون أرسلان كثيرًا حوله، لكن لا شيء، ارتاب وهو يتحرك عائًدا صوب خيله وقد قرر الاستمرار حتى سفيد ليرى ما يحدث في هذا المكان .


لكن وأثناء عودته شعر بما لم يشعر به أثناء تحركه في البداية، شيء لزج أسفل قدمه، تحركت عيونه قليلًا للاسفل يحاول أن يعلم ما هذا الشيء، لكن ما أبصرت عيونه سوى بقعة سوداء تنافس سواد المكان حوله. 


انحنى قليلًا يتلمس تلك البقعة وقد علم من لزوجة السائل نوعية ما دهسه دون الحاجة للتأكد أكثر، لكنه بالفعل قرب أصابعه منه ليتأكد ظنه ...دماء .


تحركت عيونه في المكان وقد تشددت قبضته على السيف، يبحث عن مصدر الدماء، لتقع عيونه على شيء يختفي خلف أحد الأشجار، شيء جعل أعينه تتسع، جسد أحد الرجال يرتدي ثياب جنود سفيد لكن بلا رأس....


" سيدي ...هل أنت بخير ؟؟ لقد أبصرت دماء و..."


توقف المعتصم عن الحديث حين أبصر ما يقف أمامه أرسلان، ابتلع ريقه يهمس بصدمة :


" ما معنى ذلك ؟؟"


أجابه أرسلان بصوت حاد شارد :


" هو لن يتوقف حتى ينال سفيد، ويبدو أنه بدأ للتو"


نظر حوله قبل أن يتحرك بسرعة صوب حيله يقول :


" عليّ الذهاب هناك بسرعة، ارجع مع باقي الجنود يا المعتصم، احرس البلاد علينا ألا نتركها جميعًا "


نظر له المعتصم باعتراض، لكن أرسلان بنظرة واحدة اخبره أن الرفض غير مقبول لديه في هذه اللحظة، ومن ثم تحرك سريعًا دون كلمة، وخيله قد سابق ذرات الهواء حوله سرعة يدعو في صدره أن تكون جميع الأمور بخير في سفيد .


" يا الله اكفنا شر هؤلاء الخنازير، لن يتوقفوا حتى أحرقهم على بكرة أبيهم ...."


_______________________


استيقظت بعد مواجهتها لتلك الراقصة الفاسقة في المحاكمة، لتجد نفسها تتوسط فراش غريب وشعرت بالريبة والخجل من الأمر لتقرر العودة صوب غرفتها، وبالفعل نهضت ترتدي حجابها متحركة صوب الغرفة وحينما اقتربت منها تعجبت لأول مرة أنها لم تر أي حارس يقف أمام الباب، ليس الأمر أنها تفتقد وجودهم فهي لا تحب أن تشعر أن هناك من يقف أمام بابها طوال الوقت، لكنها فقط متعجبة .


فتحت الباب تخطو للغرفة وهي تتنفس بصوت مرتفع وتعب تحاول أن تخرج من الحالة السيئة التي دفعتها لها موري ..


لكن يبدو أن ليلتها لم تنتهي بعد فقد كان أول ما قابلت حين دخولها للغرفة رؤيتها للمرأة التي لا تطيق رؤيتها هكذا ودون أسباب محددة، منذ كانت تزعج تبارك وكهرمان وهي لا تحب هذه المرأة، لكن هل يجب أن تكون ممتنة لها أن اعتنت بأخيها ؟!


لماذا إذن لا تشعر بذلك ؟! 


رفعت شهرزاد عيونها صوب زمرد تقول ببسمة جانبية :


" واخيرًا جاءت سمو الأمير لغرفتها ؟؟"


" أنتِ من صرفتي الجنود في الخارج !!"


رفعت شهرزاد حاجبها تقول :


" لماذا هل تخافين مقابلتي دون وجود حراسة في الخارج ؟؟"


ابتسمت لها زمرد بسمة جانبية :


" صدقيني إن كان هناك من يحتاج للخوف هنا من عدم وجود حراسة فهو أنتِ "


نهضت شهرزاد عن المقعد تتحرك حول زمرد وهي تردد بجدية :


" يحق لكِ قول ذلك، فأيًا كان من يقف أمامك عليه أن يأخذ احتياطاته منكِ ومن شعبك القذر "


اسود وجه زمرد ولم تتحدث بكلمة بينما شهرزاد بدأت تدور حولها بشكل مستفز لجميع حواس زمرد تقول :


" أتعلمين، أنتِ تشبهينها أكثر من شقيقتها الوضيعة حتى "


نظرت لها زمرد بملامح مقتضبة ولم تتحدث بكلمة حتى توقفت شهرزاد عن الدوران واخيرًا أمامها :


" لكن هناك شيء بكِ مختلف تمامًا عنها...عن آمنة "


ابتسمت لها زمرد تهمس بصوت مسموع لشهرزاد :


" هو نفسه الشيء الذي سيجعلك تندمين إن اقتربتي مني خطوة إضافية "


نظرت شهرزاد لخطواتها، ثم رفعت عيونها لها تقول بحاجب مرفوع :


" لو علمت أن ذلك الهجوم وقتها سينتج عنه أخذ والدتك لهؤلاء القوم، صدقيني ما كنت دبرت له"


نظرت لها زمرد بعدم فهم، تحاول معرفة ما تقصده وشهرزاد أكملت بكل جدية :


" ليس لأنني أمانع أن ينتهك ذلك القذر والدتك مئات المرات ويريها الجحيم، بل على العكس هذا يسعدني وبشدة وافضله أكثر من موتها بكل بساطة، لكن لانه نتج عنه طفلة تماثل والدتها قذارة "


شعرت زمرد بدمائها تغلي داخل جسدها وجسدها يرتجف غضبًا تجيب شهرزاد بغضب :


" هذه القذارة داخلك، لا ذنب لي أو لوالدتي أن قذارتك تنعكس على الجميع "


" أوه وتستطيعين الرد كذلك ؟؟ كانت والدتك مثلك، لكن أقل حدة منك، تجيب كل كلمة لكن بتردد ورقة، رقة كانت ورقتي للتخلص منها "


اتسعت أعين زمرد لتتسع بسمة شهرزاد والتي جاءت هنا لغرضٍ ولن ترحل سوى به، هي ستخرج اسوء ما فيها وتجعل الجميع يرى أي نوع من الأشخاص هي، وايضًا كي تخمد نيران كبريائها الثائرة مما حدث لها في المرة الأخيرة داخل القاعة على مرأى ومسمع الجميع .


ستسقطها ببساطة في المكيدة لتطيح بها أمام الجميع وتجعلها مذنبة في أعينهم.


ويبدو أنها أخطأت تقدير ما سيحدث، فهي وإن ظنت أن شياطين زمرد تقل خطورة عن شياطينها فقد أساءت التقدير، إذ اشتغل غضب زمرد وهي تسمع صوت شهرزاد تردد لها كيف اخذت إيفان من والدتها وكيف أحالت أيامها الأخيرة في القصر لجحيم قبل أن تجهز بنفسها للهجوم الذي نتج عنه عذاب ابدي لوالدتها حتى رحلت على يد والد بافل .


زمرد الوحيدة التي كانت تسمع أصوات بكاء والدتها وترى بعيونها ما عانته من عذاب لأجلها، علمت مقدار الضرر الذي تسببت به هذه المرأة لوالدتها، تنفست بصوت مرتفع وشهرزاد لم تكف عن سرد كل ما فعلته بآمنة على مسامع زمرد وقد ظنت بكل غباء أنها بمثل رقة آمنة، أو بمثل حكمة وهدوء إيفان لتسمع ما تقول وتصمت .


انتهت تقذف جملتها الأخيرة في وجه زمرد :


" ذلك فقط كي تدركي حدودك في القصر، واستمعي لنصيحتي فآخر من تجاهلها كان والدتك وانظري أين هي الآن ؟!"


في هذه اللحظة سيطر الشيطان على عقل زمرد وزين لها قتل شهرزاد، تحكم بها بامتياز وهو يحركها بسرعة مخيفة صوب الفراش الخاص بها تخرج من أسفل الوسادة السكين الذي تحفظه فقط لتشعر بالأمان ومن ثم عادت صوب شهرزاد وهي تنظر لها بشر جعل شهرزاد تتراجع بريبة :


" أنتِ ما الذي تفعلينه ؟؟ تراجعي للخلف "


" أخبرتك أنك من يحتاج للخوف هنا من عدم وجود حراسة "


وبعد هذه الكلمات وقبل أن تطلق شهرزاد صرختها المستنجدة شعرت بالسكين يخترق جسدها بقوة لتختنق صرختها، واعين زمرد قد ازدادت حدة وهي تبتسم بسمة مرعبة :


" سألتيني أين والدتي الآن صحيح ؟؟ حسنًا استطيع أن اضمن لكِ أنها في مكان افضل من ذلك الذي ستذهبين إليه أنتِ، رحلة سعيدة "


سحبت السكين لتخرج شهقة مرتفعة من فم شهرزاد وهي تحاول الحديث تضع يدها على جرحها وقد رأت حياتها بالكامل تمر أمامها، هي والتي لم تكن تجهز نفسها للرحيل الآن أو أبدًا، ظنت أنها ناجية من مصير الآخرة، عاثت بالأرض فسادًا والآن انتهت رحلتها لتبدأ رحلة أخرى أشد قسوة من قسوتها هي في هذه الحياة .


ابتلعت ريقها تستند على الفراش تحاول الحديث، لكن شيطان زمرد لم يخمد حريق غضبها بعد، بل جمع المزيد من احطاب السنين السابقة يزيد من اشتعالها فمدت يدها تمدها بالطعنة الثانية متسببة في ارتفاع شهقاتها تنهار ارضًا وهي  تتمسك بالفراش، حتى سلمت واخيرًا للموت .


وزمرد تقف جوارها تنظر لها بأعين حمراء لا ترى سوى عذاب والدتها طوال هذه السنوات بسبب هذه المرأة ..


عودة للواقع والجميع حول زمرد يستمع منها عما حدث لها، وقد اشتد غضب إيفان يحاول أن يرتب أفكاره، لكن ذلك لم يكن سهلًا حين سماع الجميع صوت أحد الرجال في الخارج يهتف وقد علم بوجوده هنا من الحراس الذين أبصروا ركضه : 


" مولاي ...مولاي لقد قُتلت تلك المرأة في السجون" 


اتسعت أعين إيفان وهو يستدير ببطء صوب زمرد يتساءل بعيونه إن كانت هي الفاعل ؟؟


لكن زمرد نفت برأسها تجيب على سؤاله غير المنطوق :


" اقسم أنني لم اقترب منها خطوة واحدة، أنا منذ خرجت من غرفتك لم اتحرك سوى لهنا و... أنتم تعلمون ما حدث "


ابتلع ريقه يشعر بكل شيء يضغط عليه ليقول وهو يحاول التفكير :


" سمو الأميرة تبارك "


كانت تبارك كل ذلك ما تزال شبه ملتصقة بسالار تسمع ما يحدث بصدمة كبيرة حتى سمعت ذكر اسمها فانتفضت تقول :


" ماذا ؟؟ نعم ؟!"


" هل يمكنك أخذ زمرد لغرفتكِ رجاءً، ستقضي هذه الليلة معكِ إذا لم تمانعي "


نفت تبارك بسرعة وهي تتحرك صوب زمرد تجذب يدها برفق :


" لا لا أنا من الأساس كنت سأعرض ذلك "


جذبت زمرد للخارج بلطف وخوف عليها، وحسن مرورها بسالار ابتسم الاخير لها بسمة مطمئنة بعثت في نفسها راحة كبيرة. 


تنهدت تبارك وهي تتحرك مع زمرد للخارج، وحين خرجوا من الباب وضع إيفان يد في خصره والثانية أزاح بها خصلات شعره وهو يحدق في جثة شهرزاد بملامح باردة لا يجد في نفسه أي مشاعر لها البتة، تنفس بصوت مرتفع يرفع عيونه للجميع وقبل الحديث أبصر دخول تميم له بملامح ناعسة ومعه أرسلان بعدما ارشده الجنود لمكان الملك، يشير صوب أرسلان بجدية ونبرة حادة بعض الشيء  :


" الملك أرسلان جاء يمتلك اخبارًا سيئة "


ابتسم إيفان يحرك يديه في الهواء بغضب وسخرية :


" وهل هناك اخبار جيدة في هذه الليلة، أما لهذه الليلة من فجرٍ ؟!"


__________________________


الساعة الثالثة فجرًا :


والجميع ما يزالون جالسين في قاعة الاجتماعات، وقد حاولوا جمع الخطوط، يتحدثون ويتناقشون في كل ما يحدث حولهم .


ساعات قضوها ولم يصلوا للكثير، سالار يقف أمام الطاولة يضع أمامه خارطة البلاد :


" إذن جثة واحدة التي عثرت عليها أرسلان ؟! وباقي الجنود ؟؟ "


هز أرسلان كتفه دون علم :


" لا اعلم حقًا بمجرد رؤيتي تلك الجثة جئت هنا كي أخبركم بما حدث "


نظر سالار لإيفان في عيونه ثم قال :


" هناك احتمالين فيما يخص اختفاء باقي الجنود، الاول أنهم قُتلوا وأُخذت جثثهم لمكان بعيد عن الحدود وتركوا واحدة منهم لتوصل لنا رسالة واضحة بعودتهم، والثاني والذي لا احب أن أفكر فيه وهو أن الجنود استسلموا لهم، وربما انضموا لصفوفهم لهذا لا جثث أخرى ولا دماء تدل على ذلك "


استند إيفان على ظهر المقعد يحدق أمامه بشرود :


" مقتل الراقصة ومقتل جنود الحدود ....هناك حلقة بينهما، يبدو أنها كانت محقة فيما قالت، الراقصة لم تأت هنا لتفسد اسم سالار، بل جاءت لتفسد البلاد بأكملها "


نظر لها الجميع بعدم فهم ليعدل إيفان من وضعيته ينظر في وجوه الجميع ثم توقف على وجه سالار  مرددًا:


" زوجتك .."


اعتدل جسد سالار وتحفز لذكرها يضيق عيونه فأكمل إيفان :


" لقد كانت محقة، الراقصة لم تأتي هنا سوى لتوصل رسالة ويبدو أنها وبعد أن اوصلتها لم يجدوا لها حاجة، وايًا كان من تسلم هذه الرسالة فهو على علاقة وثيقة بمن تخلص من الجنود على الحدود "


نظر له الجميع بانتباه :


" بالتفكير في هذا فهناك احتمالين، أما أن الهجوم تم من الخارج من طرف هؤلاء المنبوذين الذين تحركوا من بلاد أرسلان كما قال، أو ... أنه كان من داخل بلادنا "


تحدث أرسلان وهو يستند بذراعيه على الطاولة يشبك كفيه معًا:


" نعم بخصوص هذا فيؤسفني القول أنه كان من الداخل "


نظر له الجميع بانتباه فأكمل بجدية :


" حسنًا في البداية الوقت الذي أبصر فيه العم تحرك الرجال صوب الحدود كان الساعة التاسعة تقريبًا حسب قوله، والطريق من البلاد إلى الحدود يأخذ ساعات، وبما أنني تبعتهم بعد رحيلهم بسرعة، إذن فموعد وصولهم للحدود كان قبلي بساعة تقريبًا، وقت غير كافي لتتجمد الجثة ويجف الدماء بهذه السرعة، إذا قدرنا وقت استشهاد ذلك الحارس على الحدود فهو كان قبل وصولي بساعتين أو ثلاث ساعات "


صمت يرى نظرات إيفان، ثم أضاف :


" هذه مجرد تقديرات ولا أحد يستطيع التخمين "


شارك دانيار للمرة الأولى منذ مجيئه :


" هل تعتقدون أن الملكة شهرزاد كان لها علاقة بالأمر؟!"


ابتسم إيفان بسخرية لاذعة :


" لا استبعد ذلك الأمر، فهي فعلتها مرة وربما كانت تدبر للثانية، لكن الله اراد ألا تبصر نورًا للشمس بعد اليوم، لا رحمها الله ولا غفر لها "


كانت كلماته مظلمة والجميع صمت، لا يعلمون مع من يتعاملون، الرأي الأرجح أنهم يتعاملون مع المنبوذين، لكن المنبوذين ومن ؟؟ هذا ما يحتاج للتفكير به قبل أن يدركهم الخطر دون شعور منهم ..


تحدث تميم وهو يحاول التريث في أفكاره :


" هو....لو كان هناك من يدعم بافل داخل اراضينا، فأنا أكاد أجزم أنه ليس جنديًا عاديًا، ما احتمالية أن يستطع مجرد جندي في الجيش القيام بكل ذلك وبهذه المهارة"


نظر إيفان صوب سالار يبتسم بسخرية :


" ما كان عليك تدريبهم بهذه المهارة سالار، كان يكفيك تعليمهم اساسيات القتال، انظر إلى ما اضطررتنا لمواجهته ؟؟ قاتل محترف نشأ على يديك" 


ابتسم سالار بيأس وهو يجلس على المقعد المجاور لإيفان:


" لندع الله ألا تصل الأمور بنا لهذه النقطة "


فجأة تحدث أرسلان دون مقدمات يشاركهم ما يفكر به :


" نزار ؟؟ هل يعقل أنه نزار من يشاركهم الأمر مجددًا؟!"


نفى سالار الأمر بكلمات مقتضبة :


" ليس وهو بين جدران سجون آبى، وليس في ارضنا على الأقل "


حسنًا الخيوط تتشابك والحقائق تتداخل ويبدو أن المنبوذين حدود موعد الحرب الأخيرة، لكنهم أبوا أن يشاركوهم بها تاركين إياهم يتنازعون بينهم على معرفة من منهم الخائن .


ضربة أجاد بافل توجيهها بمهارة هذه المرة، هو وايًا كان من معه فقد أحسنوا اللعبة .


____________________


في الصباح التالي .


تحركت بين ممرات القصر تستنشق عبير الصباح داعية الله أن يكون خيرًا للجميع هنا، تحركت وهي تبصر النور الخافت الذي يتسلل من بين النوافذ ليضيء القصر والذي كان في هذه اللحظة مظلم بشكل كئيب وبشدة .


تنهدت تبارك بصوت شبه مرتفع وهي تبحث بعيونها عن سالار، تود الجلوس معه في هذا الوقت من الصباح قبل أن يزدحم يومه بالمشاكل. 


لكن كل ما ابصرته أثناء التحرك هو صمت وفراغ جعل قلبها ينقبض، وقد تذكرت أيامها السابقة في منزلها حين كانت تشعر بنفس الفراغ وقت استيقاظها، لا أعاد الله هذه الأيام مجددًا .


فجأة توقفت اقدام تبارك حين سمعت همسات في الجوار، تحركت عيونها تبحث عن مصدر الهمسات في الممر ولم اصل لشيء مما جعلها تكمل طريقها وهي ما تزال تفكر في الأمر .


توقفت أمام قاعة العرش تبحث بعيونها عن سالار حتى رأت أن تسأل الحراس :


" هل القائد سالار بالداخل ؟؟"


ولم يحرك أحدهم عيونه لها وقد اجابوها :


" لا مولاتي، جميع القادة في قاعة الاجتماعات الخاصة بالملك "


شكرته تبارك بخفوت وتحركت صوب القاعة تشعر بحركة غريبة في القصر حولها، الهواء أصبح ثقيلًا فجأة وقد شعرت بالريبة، لكنها لم تهتم وهي تكمل الطريق حتى وصلت لقاعة الاجتماعات وقبل طرقها سمعت صوتًا يتحدث خلفها :


" سمو الأميرة ..."


استدارت تبارك نصف استدارة تنظر لذلك الجندي بثيابه الرثة المريبة والتي جعلتها تتراجع بترقب تهمس :


" نعم ؟!"


" أنا ...أنا فقط ...هل يمكنني التحدث معكِ"


اتسعت أعين تبارك بصدمة كبيرة فمنذ متى يأتي رجال هذا القصر لها ويطلبون الحديث هكذا، ولأي سبب قد يفعلون ؟؟


" عفوًا ؟؟ "


ابتلع الجندي ريقه والذي كان يبدو شابًا في بداية العشرينات :


" أنا أرجوكِ هذه مسألة حياة أو موت اترجاكِ "


رفعت تبارك حاجبه من وقد كانت عيونها تظهر من خلف اللثام الذي تضعه :


"لا اعتقد أن هذه الأمور قد تعتمد عليّ، ربما يمكنك الحديث مع الملك أو ..."


فجأة سقطت دموع الشاب وهو يجلس على ركبتيه في الأرضية لتشهق تبارك وتعود للخلف بريبة تنظر حولها لترى أن بعض الحراس قد بدأوا يتحفزون لما يحدث واحدهم تحرك صوبهم، لكن الجندي الجاثي ارضًا تحدث بسرعة ورجاء :


" أرجوكِ أنا اقسم أن الأمر لن يستغرق ثواني فقط اسمعيني، أرجوكِ "


وتبارك لم تكن معتادة أن يترجاها أحدهم بهذا الشكل، نبض قلبها بعنف وهي تشير له أن ينهض :


" فقط انهض رجاءً، انهض ولا تفعل ما تفعل، لا تركع لأحد، لا اعتقد أن سالار سيسره أن يرى جنوده يجثون بهذا الشكل لأحد "


رفع الشاب عيونه لها وقد غرق وجهه في الدموع :


" أنا واقعٌ في ورطة، اغيثيني "


في هذا الوقت وصل لها الجنود يتحدث أحدهم بصوت قوي :


" ما الذي تفعله هنا، انهض "


نظرت له تبارك بتردد ومن ثم نظرت للشاب لتقول وهي توجه كلماتها للحراس :


" لا ....لا بأس، أنا ...أنا سأتولى أمره "


ولم ينظر لها أحدهم بل اخفض الجندي عيونه ارضًا يهتف :


" سمو الأميرة هذا لا ..."


قاطعته تبارك وهي تشعر بالضغط مما يحدث ونبرة الشاب تضغط على جميع اوتار شفقتها :


" أخبرتك أنني سأتدبر الأمر رجاءً"


هز رأسه ولم يملك سوى الامتثال لها، بينما تبارك تنفست تراقب تحركه حيث موضعه تقول بصوت خافت :


" انتظرني أمام القصر في الحديقة الجانبية "


رفع الشاب عيونه لها بلهفة شديد ثم هرع يشكرها بمبالغة لم تفهم لها تبارك معنى، ما حاجة أحد الجنود هنا لها ؟؟ وكيف يطالبها بالمساعدة وهي أضعف منه حتى .


نظرت صوب الباب الخاص بالقاعة، ومن ثم قالت لأحد الحراس :


" حينما ينتهي القائد والملك من هذا الاجتماع، رجاءً أخبر القائد سالار أنني جئت لرؤيته، وأنني ذاهبة للحديقة الجانبية في القصر "


ختمت حديثها تتحرك بتردد صوب تلك الحديقة وما يطمئنها قليلًا أنه حتى وإن أراد بها سوء، فلن يفعله في الصباح على مرأى ومسمع من جميع الحراس في المكان .


" ترى ما الذي يريده مني ؟!"


ورغم شعورها أن ما تفعله خاطئ، إلا أنها لم تستطع أن تتغلب على شعورها بالرغبة في مساعدته، وقد انتوت أن تخبر سالار بكل شيء .


__________________


" أنا لا افهم ما يحدث هنا زمرد، هل هذا يعني أنه ستتم محاكمتك ؟!"


ابتلعت زمرد ريقها تهز رأسها بعدم فهم :


" هذا ما اخمنه، فهذه المرأة لم تكن ذو شأن قليل هنا، والجميع لن يتوقف عن الحديث بالأمر و...أنا لا أستطيع أن اتسيب في مشاكل لأخي يكفيه ما ناله طوال هذه السنوات "


تنهدت بصوت مرتفع تمسح وجهها، ثم قررت النهوض تتحرك خارج الغرفة مع برلنت وقد ملت الانتظار حتى تعلم مصيرها، بينما برلنت لحقت بها وهي تردد :


" ما بال المصائب تسقط على رؤوس الجميع هنا ؟!"


نظرت لها زمرد يفضول :


" أي مصائب تلك ؟؟ هل حدث شيء معكِ وتميم ؟؟" 


هزت برلنت رأسها وقد استيقظت في الصباح لتجد نفسها وحدها في الفراش وهي من ظنت أنه لن يهون عليه تركها وحيدة كما اعتادوا :


" نعم يبدو أننا على وشك الدخول في منعطف سيقلب كل شيء رأسًا على عقب "


توقفت زمرد وهي تنظر لها بفضول :


" ما الذي حدث لكل هذا برلنت ؟؟ هل خانك ذلك الرجل ؟!"


ضحكت برلنت ضحكة صغيرة من أفكار زمرد :


" لا لم يفعل بعد، لو كان تميم يفكر في الخيانة لما انتظر كل هذه السنوات ليفعل حينما يلتقي بي "


" لا اعلم أنا لا اثق في أي رجل في هذه الحياة "


" هل هذا يتضمن دانيار ؟!"


ابتسمت زمرد تهمس لها وهي تتذكر من بين أفكارها الضبابية عن ليلة أمس صوت دانيار وهو يتحدي ايفان :


" لا، دانيار استثناء، وكذلك إيفان"


تشنجت برلنت بحنق :


" أيتها الحقيرة تستثنين كل من يخصك من الأمر، هذا مـ "


وقبل أن تكمل كلماتها كانا قد وصلا لغرفة الاجتماعات التي ارشدهم لها الحراس في طريقهم للبحث عن الرجال، لكن حين وصلا شعرتا بحالة استنفار غريبة في المكان ..


وإيفان يمسك بمرفق سالار يهمس له بكلمات يبدو أنها لا تجدي نفعًا مع ذلك الثائر هناك بخصلاته التي تميل للاحمر والتي كانت في هذه اللحظة تعبر وبشكل وافي عن حالته المشتعلة .


فجأة ارتفعت عين سالار صوب بداية الممر حيث كانتا تقفان، فتراجعت برلنت بسرعة وهي تهمس باسم تميم في فزع :


" يا ويلي ..تميم "


أمسكت زمرد بيدها تحاول أن تبعدها عنها هامسة بحنق شديد :


" أيتها الجبانة اخرجي من خلفي هو لن يتجرأ ويمسك بسوء "


وحين أبصرت تقدم سالار منهم تراجعت زمرد وهي تقول بصوت منخفض مستغيث :


" إيفان، ليمسك أحدكم هذا الرجل، أين تبارك لتتحكم برجل الكهف هذا ؟؟"


توقف أرسلان أمام سالار وهو يتحدث بغيظ :


" سالار بالله عليك توقف عن هذه الأفعال، مرة الذي تفعله أنت ؟! هي بخير لقد أخبرك الحارس أنه رحل وتركها "


نظر له سالار باعتراض مبعدًا يده :


" وما الذي جعله من الأساس يقترب منها بل ويتحدث لها؟! واين هي الآن، ثم ...كيف ...كيف تجرأ و.."


توقف عن التحدث حين رأى أحد الحراس يهرول صوبه متحدثًا باحترام شديد :


" سيدي مرحبًا لقد تركت لك سمو الأميرة رسالة "


نظر له سالار بشر وهو يتساءل أين كان هذا الاحمق وهو يشتعل منذ ثواني بعد كلمات الحارس الآخر بأنه رآها تقف مع أحد الجنود والذي كان يبدو مظهره مريبًا بعض الشيء .


" وأين كنت أنت كل هذا الوقت !!"


" لقد ...لقد كنت في استراحتي سيدي، أنا آسف"


نظر إيفان للحارس وهو يدفع سالار للخلف وقد كان وكأنه على وشك الهجوم على الجميع، حسنًا هو لن يلومه، فهو البارحة كاد يهدم القصر فوق رؤوس الجميع لأجل زمرد. 


" حسنًا لا بأس، سالار تحرك مع الرجل بهدوء واسمع منه رسالة زوجتك والجميع ليعد كل لعمله انتهينا للان "


بدأ الجميع ينفض من حول سالار والذي كان بملامح جامدة غاضبة مخيفة كعادته وكأن اثر وجود تبارك في حياته تلاشى مع ابتعادها .


تحرك إيفان صوب زمرد يقول بجدية :


" زمرد الحقي بي ..."


شعرت زمرد بالريبة والتردد ورغم ذلك تحركت خلفه، بعدما ألقت دانيار بنظرة ممتلئة بالمشاعر لم يفهم منها سوى أنها بالفعل تحتاجه لذلك تحرك خلفهم مصممًا على الالتصاق بها ليرى ما سيحدث، وكأنه اقسم ألا ينتهي يومه سوى وهو مسجون كما تعهد له إيفان .


وتميم تحرك بكل بساطة يجذب مرفق برلنت دون مقدمات ودون أن ينظر لها حتى يتحرك بهدوء في طريقه وهي تنظر له بصدمة :


" ما هذه الوقاحة ؟؟ تستمر في تجاهلي منذ البارحة والآن تأتي لجذبي بهذا الشكل ؟! لا يا سيد أنت لم تخمن، دع ذراعي وإلا صرخت واخبرت الجميع أنكِ تختطفني الآن و..."


توقف تميم في منتصف الممر يقول بصوت مرتفع وهو يحدق في الجميع حوله :


" مرحبًا جميعًا هذه زوجتي وأنا الآن على وشك اختطافها " 


ختم حديثه يتحرك مجددًا دون الاهتمام لنظرات برلنت المصدومة وعيونها المتسعة، بينما ابتسم يكمل طريقه دون أن يهتم بكل ما يحدث حوله "


بينما أرسلان كان يراقب الجميع ببسمة جانبية يردد في نفسه :


" أي عالم للمجانين ستلقي به شقيقتك ارسلان؟! والادهى أنك ستمنحها لملك المجانين "


تنهد بصوت مرتفع يتحرك صوب الشرفة الخاصة بهذا الممر يجلس بها بهدوء ينتظر أن ينتهي إيفان مما يفعل ليعلم ليلتقي به وينهي معه الحديث المعلق  ويرحل لشقيقته .


لكن يبدو أن شقيقته تعجبت لقاءه إذ فجأة أبصر فتح البوابة وتحرك قافلة يدركها جيدًا للداخل، وهذا درس له كي لا يرسل لاحقًا أي رسالة تحمل أي أخبار لشقيقته، هو فقط أرسل لها سبب بقائه ليلة إضافية، ليجدها تقفز له في الصباح ..


" هذا لن يكون جيدًا أبدًا..."


__________________


كان يتحرك بسرعة وخطوات قوية كعادته في طريقه صوب الحديقة الجانبية وهو يتوعد لتبارك بالويل، كان غضبه في هذه اللحظة كبيرًا على ذلك الرجل الذي تجرأ واقترب من تبارك، وعلى تبارك نفسها التي توقفت للتحدث معه حتى، بل وتحركت خلفه كما أخبره الحارس .


كان يحث الخطى صوب الحديقة دون أن يحيد بعيونه للجانبين، لكن فجأة توقفت أقدامه بسرعة قبل أن يصطدم في ذلك الجسد الذي يكاد يهرول في الجهة المقابلة منه .


رمش سالار ثواني يبصرها وقد توقفت أمامه تتنفس بصوت مرتفع، ثم ابتسمت بسمة واسعة بسيطة جدًا وهي تقول :


" مرحبًا"


رفع سالار حاجبه يقول بسخرية :


" مرحبًا ؟؟؟؟" 


صمت ثواني ثم قال :


" أوه نعم، مرحبًا "


تعجبت تبارك ردة فعله، لتقوم بتوسيع بسمتها أكثر بغرض إذابة الغضب الواضح أمامها في عيون سالار :


" تبدو ....مشرقًا في الحقيقة "


" أنتِ كاذبة "


كانت جملة مباشرة منه دون مواراة أو شيء من هذا القبيل، فقد ألقاها في وجهها دون كلمات إضافية .


وتبارك تراجعت للخلف خطوات بصدمة تهمس له :


" هذا كان جارحًا حقًا "


" هذه كانت الحقيقة حقًا، فأي إشراق هذا وأنا لم أنم ليلتي وعيوني تبدو ذابلة بهذا الشكل بالله عليكِ ؟؟ "


نظرت له تبارك بتشنج تهمس :


" عمرك ما سمعت عن المجاملة ؟؟"


" لا، ولا احب السماع عن شيء به كذب "


زفرت تبارك بصوت مرتفع تمسح وجهها :


" حسنًا أنا لست كاذبة أنا فقط أخبرك ما أراه، أنت الآن في عيوني في قمة الاشراق والوسامة "


نظر لها سالار طويلًا قبل أن يبتسم بسمة صغيرة جلبت بسمة مقابلة على فم تبارك، وهو فقط قال :


" إذن أنا أنتظر منكِ تفسيرًا عما حدث "


" ما حدث ؟؟ ما الذي حدث "


ضحك سالار بسخرية أبعد ما تكون عن الضحك :


" ها، وتقولين أنكِ لستِ كاذبة ؟؟"


نظرت تبارك لاعينه باعتراض شديد :


" أنت لا يمكنك أن تحكم على شيء بهذه الطريقة المباشرة، فهذا نسميه نحن مراوغة، أن اراوغك وادعي الجهل، هذا ليس كذبًا "


رفع سالار يده يشير لها بإصبعه في وجهها وهي فقط اخذت تحدق في ذلك الاصبع وهو يتحرك أمام عيونها :


" توقفي عن اختراع ألفاظ مقابلة لكل شيء، هذا كذب لا يوجد شيء اسمه مراوغة ولا مجاملة، الكذب هو كذب دون الحاجة لصياغته في تلك الألفاظ "


ابتعدت بصعوبة عيونها عن إصبعه تتنفس بحنق :


" أنت شخص صعب والله "


" وما معنى أنني شخص صعب هذه ؟؟ هل أنا مسألة يصعب حلها "


تحركت تبارك مبتعدة عنه وهي تتحرك صوب الحديقة مجددًا:


" بل شخص يصعب فهمه "


نظر لها سالار بحنق وهو يراها تتحرك بعيدًا عنه، وهذا ازعجه لبحث الخطى خلفها بسرعة كي لا يفقد إثرها مرة أخرى، يتعجب سرعة خطواتها .


واخيرًا وصل صوب الحديقة الجانبية بوجه مشتعل يبحث عنها في الإرجاء، حتى ابصرها تتوسط أحد المقاعد في ركن الحديقة. 


عجبًا متى وصلت واختارت مقعد لنفسها بهذه السرعة، بل واستقرت به هكذا ؟؟ 


تحرك لها سالار بخطوات بطيئة وهو يهمس باسمها متعجبًا ساخطًا من هدوئها هذا وهو من كاد يشتعل في الاعلى لأجلها، ومنذ ثواني كذلك .


" تبارك ؟؟"


رفعت تبارك عيونها صوبه لتبصر اشتعال خصلاته بقوة وذلك بسبب تركز اشعة الشمس عليها، وفي ثواني تناست كل ما حدث تطيل التحديق فيه بشرود، هذا الرجل الذي سلبها من نفسها منذ اللحظة الاولى، حتى وهي في المشفى مرتعبة منه لم تستطع كتم إعجابها به. 


ولم تتمكن تبارك من كبت بسمتها وهي تقول بكلمات أظهرت بها كل صدقها، ليس مجاملة وليس مراوغة :


" اقترب يا وسيم "


ابتسم لها سالار وكأنه تناسى وصلة التوعد التي ألقاها في طريقه هنا، ولم يبصر سوى بسمتها ونظراتها الصادقة له، كل هذا ساهم بشكل كبير في محو أي غضب أو قلق تراكم على قلبه منذ البارحة بخصوص ما يحدث .


وفي هذه اللحظة أدرك سالار تأثير تبارك الخطير على نفسه، هذه المرأة تمتلك تأثيرًا مرعبًا عليه، وهذا ليس شيئًا جيدًا، لكن هل يعترض ؟! لا والله لا يفعل .


امسك يدها التي مدتها له تقول بصوت حنون ربت على قلبه بكل حنان :


" تبدو مرهقًا "


رفع سالار حاجبه بتعجب وهو ينظر للخارج يحاول الوصول بعيونه صوب المكان الذي كانوا يقفون به منذ ثواني :


" أليس أنتِ من أخبرني أنني مشرق منذ ثواني تقريبًا "


" حسنًا أحدهم أخبرني أن أتوقف عن المجاملة، لذا دعنا نبدأ الحوار من أوله حسنًا "


جلس سالار أمامها يحدق في عيونها ثواني وهي فقط ابتسمت له بسمة صغيرة ترفع يده صوب صدرها تهمس :


" هل كل شيء على ما يرام سالار ؟؟"


نظر لها سالار قبل أن تتحرك نظراته في المكان حوله يشعر أنه يحلم :


" أنا فقط أشعر بالريبة، أعني منذ ثواني كنا نتحدث وفجأة اختفيتي وجئتِ هنا تجلسين في الحديقة بهذه البسمات الصافية و ....يبدو الأمر كما لو أنني داخل حلم الحقيقة "


ابتسمت له تبارك تقول :


" أوه، أنا بالطبع سيسعدني أنني لست الوحيدة التي تغرق في الاحلام هنا، هناك أنت أيضًا تحلم بي "


" وأنا سيسعدني أن أعلم ما حدث في الأعلى مع ذلك الجندي، مثلًا من هو ولماذا أنتِ، وما الذي يريده، وكيف تقبلين الوقوف معه، وهل قابلتيه و...."


قاطعته تبارك بسرعة قبل أن يسترسل في كل هذا الحوار تقول :


" حسنًا قبل أن نندمج في هذا الحوار ما رأيك أن نطلب فطورًا الآن كي تتغذى إذ تبدو لي شاحبًا بعض الشيء "


ابتسم سالار بسخرية لاذعة :


" هذه مراوغة أخرى ؟؟"


" بل تهرب إن أحسنت اختيار اللفظ "


مسح سالار وجهه يهمس بحنق :


" تبارك، يا الله أنتِ لا تنتوين أن تريحيني قريبًا، أنا اشتعل هنا "


" حسنًا سأخبرك كل شيء أنا فقط احتاج إليك لتهدأ، رجاءً"


نظر لها يشعر أن القادم لن يسعده البتة :


" حسنًا، أنتِ لا تساعدين في هذا بكلماتك تلك تبارك" 


" سالار رجاءً...."


قاطعها تبارك بأعين صارمة مشتعلة وقد بدأ جسده يفقد صبره لمعرفة ما كان يريده ذلك الرجل من زوجته :


" بل رجاءً أنتِ تبارك، لا تختبري صبري، ليس بكِ على الأقل، أخبريني ما الذي كان يريده ذلك الرجل من زوجتي، ما الذي يجعله يطالبك بالحديث، ما الذي كان يريده منكِ تبارك أنا أكاد أفقد صبري، اقسم أنني اتماسك بصعوبة فأنا لم اعتد الحلم في اموري، فما بالك لو كانت تلك الأمور هي زوجتي ؟؟؟"


شعرت تبارك أن تأخرها في الرد يزيد الأمور سوءًا، لكن بالنظر للمكان حولها احتاجت لمكان خاص تتحدث به، لذا همست له بصوت منخفض :


" نذهب لغرفتنا ؟؟"


رفع حاجبه :


" غرفتنا ؟؟"


" غرفتك أو غرفتي "


ابتسم بسخرية يجيب :


" من الآن الذي يحاول سحب الآخر للغرفة تبارك، هل تريدين أن افترض بكِ سوء النية كما تفعلين معي ؟؟"


نظرت له تبارك ثواني تحاول فهم حديثه قبل أن تشهق بصدمة كبيرة تهمس له :


" ماذا ؟؟ لا، يا الله لا، ليس ما فكرت به للتو اقسم لك "


" ولماذا ليس ما فكرت به ؟؟ هل سوء النية حصرًا لكِ فقط يا امرأة ؟؟"


نظرت تبارك لعيونه لتدرك أنه يتحدث بجدية، هذا الرجل ما الذي يفعله معها حقًا، هل يتحدث بجدية، هل هو برئ لهذه الدرجة ام هي القذرة لهذه الدرجة ؟؟


" أنا فقط أريد التحدث معك بخصوصية "


اتسعت بسمة سالار لتعقد هي حاجبيها بسخرية :


" انظر ها أنت تبتسم بخبث، أنت تفكر في جهة أنا لم اقترب منها في أفكاري حتى "


" ومن أخبرك أنني افكر في تلك الجهة التي تعتقدين أنني افكر بها ؟؟"


نظرت له ثواني تحاول تجميع ما قال والإجابة :


" أنت ... أنت لا ...ماذا تحاول القول ؟؟ أنا ..."


ضحك سالار عليها وهو ينهض عن المقعد يجذبها له، ثم رتب حجابها والذي كان مرتب من الأساس، لكن يبدو أن تلك عادة أنامله وهي التأكد أنها باحسن حال كل ثانية، ثم سحبها خلفه بهدوء شديد صوب غرفته، والجميع يبصره يتحرك بتريث وهدوء ينافي تمامًا الاعصار الذي خرج به .


وحقًا إن للنساء تأثيرًا مميتًا على أعتى الرجال ....


توقف سالار أمام غرفته يفتح بابها بالمفتاح الخاص بها، وهذا يذكر تبارك أن سالار هو الشخص الوحيد الذي يغلق غرفته بمفتاح ولا يضع حراس أمامها، ربما تسأله في وقت لاحق عن الأمر بعدما ينتهي استجواب سالار لها في الداخل وكل املها أن ينتهي هذا الاستجواب على خير .


دخل وادخلها، ثم اغلق الباب بهدوء يجذبها بهدوء أكثر من هدوءه الطبيعي، يجلسها على الفراش بكل رقي، ثم تحرك يفك لها حجابها تحت نظراتها المتعجبة، ومن ثم جذب أحد المقاعد يدفعه أمامها ليجلس عليه يميل صوبها باهتمام شديد وقد أعد العدة بالكامل للاستماع إلى الاسباب الخطيرة التي قد تدفع بزوجته لتقف مع رجل آخر غيره ..


" نعم أنا استمع .."


ابتسمت تبارك تحاول كسر ذاك التوتر داخلها:


" أنت تبدو وسيمًا "


ابتسم لها يتنفس بصوت مرتفع :


" نعم علمت منكِ ذلك منذ دقائق، أنا وسيم ومشرق، كفاكِ مراوغة تبارك "


صححت له تبارك :


" هذه مجاملة "


" نعم كفاكِ ...ماذا مجاملة ؟؟"


رمشت بسرعة تستوعب ما قالت، ثم أسرعت واضافت :


" لا لا اقسم أنني لا اجاملك أنا فقط كنت اصحح الكلمة و...سالار أنت وسيم اقسم لك هذه ليست مجاملة، أعني أنت لا تحتاج لكلمتي فأنت بالفعل تعلم هذا، المرايا خير دليل على وسلامتك و...."


ابتسم سالار لها وهو يمسك يدها، ينظر في عيونها :


" وأنتِ جميلة تبارك، كملاك لطيف اقتحم حياتي البائسة، ملاكي الخاص الحبيب الذي إن لم اعلم سبب تحدثه مع رجل آخر غيري اقسم أنني لن اتحكم في اعصابي أكثر من هذا .."


نظرت له تبارك وليده :


" هل تعدني أنك لن تغضب !!"


" هذا يعتمد على الأمر فأنا لا أعد بالمجهول "


نظرت له وهو تنهد وقد بدأ يفقد صبره :


" تبارك تحدثي قبل أن أفقد صبري رجاءً، ما الذي كان يريده منكِ هذه الجندي ؟؟"


نظرت له ثواني قبل أن تلقي قنبلتها في وجهه :


" اختطافي، هو يريد اختطافي إذا كان هذا ممكنًا ......"

             الفصل الحادي والاربعون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close