أخر الاخبار

رواية لحن الزعفران مذكرات فيروزة الفصل الخامس5والسادس6 بقلم شامة الشعراوي


 رواية لحن الزعفران مذكرات فيروزة الفصل الخامس5والسادس6بقلم شامة الشعراوي

 
أقتربت من الباب المكتب ودفعته على أخره ليتصنم جسدها عندما وجدته يحتضن تلك الفتاة فى وضع غير لايق وهو يقبلها، سقطت من يديها تلك الملفات الذى صدرت صوت أرتطاماً قوياً جعلتهما من أثرها ينتفضوا من فعلتهما هذة، نظر إلى "فيروزة" الذى شحب وجهها وأنهمرت دموعها على خديها جاء أن يقترب منها ففرت هاربه من أمامه إلى الخارج، استوقفته تلك الفتاة قائلة: 
أنت هتخرج كدا خد البس قميصك الأول.
أخذه منها وأرتداه سريعاً وقام باللحاق بها قبل أن تفعل شيئاً يدمره..
فى القصر 
دخل "وليد" مهرولاً وهو ينهج فأخذ ينادى عليها بصوت عالٍ وهو ينظر حوله فى أركان المنزل، ثم أقترب من جدته بتوتر متسائلاً: تيتا هى فين فيروزة.
الجدة باستغراب: فيروزة خرجت من بدرى ولسه مجتش.
وضع يديه على شعره يشده بضيق ليقول "عامر": فى ايه ياوليد شكلك مش مطمنى هو حصل حاجة.
ابتلع ريقه بخوف وقال بتوتر: أبدا مفيش حاجة.
عامر: أومال مالك مش على بعضك ليه.
"وليد" بنفاذ صبر: ياعمى قولتلك مفيش.
تحدث والده "خالد" قائلاً: ماهو واضح أنه مفيش.
أمسك "وليد" هاتفه ليرن عليها ولكن هاتفها مغلق: 
الهانم تليفونها مقفول.
نظر إليه "عامر" بقلق : رن عليها تانى يابنى.
جاء أن يتصل بها ثانياً ولكن أنزل هاتفه عندما وجدها تدخل من باب القصر ويبدو عليها الحزن والانكسار، بدأت "فيروزة" تخطوا خطواتها بخذلان وقهر ثم رفعت رأسها تنظر إليهم بأعين حمراء منتفخة من  البكاء اقترب منها والدها سريعاً عندما وجدها بتلك الهيئة المخزية وقال: حبيبتى روزا فيكى ايه أنتى كويسة.
نظرت إليه بعيون مجهدة : عمرى ما كنت كويسة، ثم أبتعدت عنه وأقتربت من "وليد" الذى أرتبك من نظراتها التى شعرته بالخوف وقفت أمامه وخلعت الدبلة من يديها والقتها بوجهه تحت صدمت الجميع..
وليد: فيروزة أنتى اتجننتى ايه اللى عملتيه دا.
أردفت بهدوء عكس ما بداخلها: بالعكس دا أكتر وقت أنا  عاقله فيه.
تحدث "عامر" بحده: ممكن أفهم في ايه.
نظرت إليه فيروزة بأهمال وقالت بلهجة ساخرة:
- تحب تقولهم ولا أقول أنا.
الجدة بأستغراب: تقولنا على ايه يابنتي وليه قلعتي دبلتك.
عامر بنفاذ صبر: حد فيكم ينطق ويخلصنا.
أردفت "فيروزة" وهى تنظر إلى "وليد" بنظرات ذات مخزة قائلة: مفيش حاجة يابابا ... هو بكل بساطة أنا مش حابة أكمل فى الخطوبة دى مش أكتر.
وليد بعصبية: مش بمزاجك علشان تقولى أنك مش حابة تكملى ياحلوة والجوازة دى هتم غصب عنك فاهمة.
تحدث "خالد" بغضب: وطى صوتك يازفت واتكلم أحسن من كدا مع بنت عمك.
"فيروزة" بضيق: وأنا مش هكمل وأعلى مافى خيلك اركبه.
"عامر" بهدوء: روزا ممكن تفهميني ليه بس مش حابه تكملى ايه اللى حصل خلاك رافضة الجوازة دى بعد ما كنتى موافقة عليه علشان بتحبيه.
تحدثت بحزن قائلة: كنت بحبه بس بعد ما شوفته مع واحدة فى المكتب وكانوا فى وضع مقرف نزل من نظري وبقيت حاسه بالكره و القرف ناحيته أنا كنت مخدوعه فيه ومكنتش أعرف أنه شخص رخيص وخاين بالشكل دا أنت أحقر وأزبل واحد شوفته فى حياتى ياوليد أنت بنأدم حقيير ومش راجل.
أقترب منها "وليد" بغضب رافعاً يديه وصفعها بعنف على وجنتيها وقال :
- ألزمى حدودك معايا يافيروزة و..
لم يكمل حديثه بسبب تلك الصفعة التى تلقاها من "عامر" الذى قال بغضب: القلم دا علشان تجرأت ورفعت أيدك القذرة دى على بنتي ياحيوان أزاى تسمح لنفسك تعمل كدا مش كفاية وسختك اللى بتعملها كل يوم وأنا ساكت و حذرتك كذا مرة ولكن ديل الكلب عمره ما يتعدل، أنا كنت صابر وساكت بس علشان خاطر بنتى وعلشان مكسرش قلبها لكن أنت واحد زباله ومتستهلش ضفر واحد منها.
تحدثت "نادية" قائلة: أنت بتضرب ابن أخوك علشان واحدة جايبها من الشارع ياعامر بيه و بعدين ياخويا هو  كان فى حد أصلا هيوافق يتجوز واحدة زيها وأصلها مش معروف وبعدين أنت مش شايف سنها اللى كبر ويعالم كانت هتلحق تخلفنا حتة عيل ولا لأ فهى تحمد ربنا أن أبنى أتكرم وخطبها بدل ماكان زمانها قاعدة بايرة ومحدش معبرها.
نظرت إليها "فيروزة" بعيون باكية وبدأت تشعر بالقهر من كلامها، ليكمل "وليد" حديث والدته فقال: 
- وبعدين ياعمى أنت عمال تقول بنتى بنتى وهى ولا بنتك ولا نيلة أنت معندكش غير بنت واحدة مش دا كلامك بردو اللى دايماً بتقوله فمتعملش بقا فيها دور الأب الحنين اللى بيعطف على الكل
أسكته والده "خالد" بغضب قائلاً: أتكلم عدل يازفت مع عمك.
وليد: أتكلم زي ما أنا عايز يابابا محدش له دعوه بيا، ثم حول نظره إلى "فيروزة" ليقول بأشمئزاز: أنا عمرى ما حبيتك أنا كان ليا غرض معين من الخطوبة دى و كنت بتسلى بيكي وبعد ما أخد اللى عاوزه منك كنت هرميكى زيهم وبعدين أوعى تنسى نفسك ياحلوة وتنسى أصلك أي أحنا جايبينك منه أنتى جاية من ملجأ قذر وياعالم أهلك دول عاملين أزاى ولا شكلك جاية عن طريق زنا أو فتاة ليل مقضيها مع الكل علشان كدا رموكى فى الملجأ لما اتولدتى ولولنا كان زمانك  مرمية فى الشارع...أنتى هنا عيشتى عيشة مكنتيش تحلمى بيها فى عمرك وأنا قولت أكسب فيكي ثواب وأتجوزك وخلاص بما إن محدش هيقبل يبص فى وشك بعد ما يعرف أنك بنت ملجأ وبعدين ياعمى أنت بتلومنى ليه وعلى ايه أنا راجل ومسموح ليا أعمل اللى أنا  عاوزه حتى لو هقرب من مية واحدة ودا شئ ميعبنيش فى حاجة..
هجم عليه "عمر" بغضب ولكمه فى وجهه جعلت الأخر يسقط أرضاً وجاء أن يهجم عليه مرة أخرى ولكن أمسكه "على" و"أنيس" حاول أن يبعدهم ولكنه لم يقدر فقال: 
-أبعدو عني خلوني أربى الحيوان دا وأقسم بالله ياوليد لهقتلك اللى بتتكلم عليها دى بتكون أختى ياكلب وأنا اللى يقربلها أكله بسناني سامع .
وليد بسخرية : والله بقى حتة عيل زيك عايز يقتلني وكمان علشان واحدة ملهاش لازمه زى دي ثم أشار على فيروزة المنهارة، تحدث "أنيس" بغضب عارم :
- مش معنى أنى ساكت ومانع عمر عنك يبقى أنا راضى على اللى بتعمله، فيروزة مش بس أختنا أحنا بنعتبرها أمنا كمان واللى يمسها بسوء بيمسنا  وأنا ياوليد عمرى ما أسمح لمخلوق واحد أنه يمس أختى بسوء وأفضل واقف ساكت كدا وأنت شكلك متربتش وأنا بقا اللى هربيك....
أقترب منه سريعاً فى طرف عين ليسدد له بعض اللكمات العنيفة وهو يسبه بأبشع الألفاظ ولم يستطيع الآخر أن يدافع عن نفسه بسبب قوة "أنيس" الجسمانية حاول الكل أن يخلص "وليد" من قبضة "أنيس" ولكنهم لم يقدرون على ذلك.
تراجعت "فيروزة" بخطواتها إلى الخلف وهى ترتجف ثم وضعت يديها على أذنيها بخوف وألم وقد أخذت تلك الكلمات المؤلمة تردد بداخلها أنا عمرى ما حبيتك،  أنتى بنت ملجأ، جاية عن طريق زنا، أنا كنت بتسلى بيكى....شعرت بوخزات تؤخز قلبها مثل الأبرة، بدأت الدنيا تدور بها فعم الظلام حولها لتفقد وعيها ويرتطم جسدها بالأرض.
صرخت "سارة" باسمها جعلتهم يلتفتون إليها تقدم منها "أنيس" بخوف وحملها بين يديه واتجه بها إلى غرفتها، وقف "وليد" وهو يمسح أنفه الذى ينزف دماً .
نادية: شوفت ابن أخوك عمل فى أبنك ايه أنت هتسكت ليهم. 
 نظر إليه والده وقال بحزن:  أبنك يستاهل اللى حصله انا مكنتش أعرف أن أبنى بالوساخة دى كلها ياخسارة تربيتى فيك ياوليد بجد ياخسارة بسبب اللى عملته مش هقدر أبص فى وش أخويا روح يابنى ربنا ينتقم منك.
نادية بضيق: هو كان عمل ايه يعني أى شاب فى سنه بيسهر وبيخرج مع البنات ودى فيها ايه.
خالد بصدمة: أنتى واعية لبتقوليه اللى أبنك بيعمله حرام ولا يرضى ربنا.
نادية بلوية بوز: على أساس أنك تعرف الحرام والحلال خليني ساكته بلا خيبة.
فى غرفة "فيروزة" كانت نائمة على الفراش نظرت إليها والدتها "نازلى" الجالسة بجانبها ممسكة بيديها قالت بقلق: طمني على بنتى ياأنيس.
أبتعد الأخر عن الفراش بعد ما فحصها ثم قال: 
- أطمنى يا أمى هى بخير.
نازلى: بخير أزاى وهى لسه لحد دلوقتى مفقتش.
أنيس: متقلقيش عليها هى ساعة أو ساعتين وهتفوق.
تحدث "عامر" بلهجة أمر:يلا كل واحد يروح على أوضتة.
نظرت إليه والدته "سعاد" بدموع وقالت: أنا هفضل مع حفيدتي ومش هسيبها لوحدها.
عامر: ماما حبيبتى أنتى تعبانه ولازم تروحى ترتاحي وكمان متنسيش معاد الدواء بتاعك وكمان أنا ونازلى معاها..عمر خد تيتا ووديها اوضتها يلا.
عمر: حاضر يابابا.
بعد خروج الجميع اقترب "عامر" من "فيروزة" وجلس بجانبها على الطرف الأخر من الفراش ومسد على شعرها بحنان ثم قبلها من جبينها وقال بأسف: 
-سامحيني يابنتي كل اللى حصل بسببي ياريتني كنت منعت الخطوبة دى من زمان كنت فاكر انه بيحبك وهيقدر يسعدك وهيتغير علشانك أنا كنت مخدوع فيه زيك.
نظرت إليه نازلى بحزن: أنا مكنتش أعرف أن وليد بالقذارة دى وبعدين أنت كنت عارف باللى بيعمله وسكت ياعامر.
عامر: الموضوع دا عرفت بيه من زمان ولكن هو أقسم بالله انه هيتغير وهيبعد عنه وانه بيحب فيروزة وانا كنت رافض بس دموعه وندمه خلانى أديله فرصة تانية ومكنتش أعرف أن الفرصة دى هتدمر بنتي صدقته لما قالى انه مستعد يعمل المستحيل علشانها وأثبتلى دا فى بداية فترة الخطوبة ولكن كنت مخدوع فيه.
نازلى: أنا خايفة أوى عليها ياعامر.
عامر بهدوء: متخافيش عليها فيروزة قوية وهتقدر تتخطى كل اللى حصلها وأنا وأنتى عمرنا ما هنتخلى عنها...أنا هقوم أطمن على لارين وهبقى ارجعلك تانى.
هبت نازلى واقفة وقالت: استنى هاجى معاك وشوية نبقى نرجع تكون فاقت.
خرجوا من الغرفة وأغلق "عامر" الباب خلفه.
            *****
فى تمام الساعة ٢ ليلاً أستيقظت فيروزة من نومتها وأعتدلت فى جلستها، ثم أمسكت رأسها التى تؤلمها  وأخذت تتذكر ما حدث معها فرت دمعه من عينيها بألم وهى تنظر حولها وتقول: 
-دا مطلعش حلم زى ما كنت متخيلة...كل اللى حصل كان حقيقة وأنا مكنتش بحلم.
وقفت تسير تخطوا بخطوات ثقيلة لتنظر إلى نفسها فى المرآه فما حدث لها جعلها باهته مطفية، بدأت تتحسس أنعكاس صورتها فى المرآه وهى تمسح دموعها المنهمرة من عليها وهى تقول:
- خلاص متعيطش أمسحي دموعك روزا ...أياكى تعيطي أوعى تعيطي ها مفيش حد يستاهل تعيطي علشانه أهدى كدا خلاص مفيش حاجة حصلت  تخليكي ضعيفة بالشكل دا أنتى أقوى من كدا ...متعيطش علشان قلبى بيوجعنى من كتر العياط ومش هعرف اخلى نبضه يبطل ينبض بوجع...بصى عينيكى بقت وحشة ازاى وحمرا كدا شكلك هيبقى وحش ومحدش هيرضى يبص ليكي تانى.....طب بصي عيطى النهاردة بس لكن أوعديني أنك مش هتعيطي تاني بعد كدا ماشي....
فضلت تتمعن أكثر وأكثر إلى نفسها المنكسره فى المرآه وداخلها يحترق.
ثم أخذت تبكى وتبكى وتتعالى شهقاتها ويضيق صدرها من الألم ويختنق شريانها إلى أن يذبح فرأت الدنيا بأثرها تدور بها وتتلاشى الأضواء من أمامها رويدا رويدا، فأرتمت على سريرها فأصابها الدوار وعينيها لم تكف عن البكاء..تحدثت وهى تنظر إلى سقف غرفتها:
- أود لو ينتهى المطاف بى عند هذا الحد
أود لو تفيض روحى حتى يهدأ قلبي..أود لو أنتهى بانتهاء بكائي..أو أن أسقط مع سقوط قطرات دموعي..
ولكني لم أتوقف عن البكاء بل تزيد تلك الشهقات التى تتعالى لها نبضات قلبي أشعر به يئن وينتفض ويقول لى: إقتلعيني من بين ضلوعك، إقتلعيني فقد مللت من الألم وتصلبت جدراني، لم يعد بى أى دماً نزفتُ كل ما بى أرجوكى أنزعيني ودعيني أتحرر من تلك الألم الموجعة.
وأسمع روحي تناديني قائلة:
أما أن الأوان بعد؟ أما أن لى أن أخرج من ذلك الجسد البالي وأفيض إلى ربى ..فقد مللتُ منك ومن ألمك الذى لا ينتهى أنزعيني واطعنى تلك الروح بسكينٍ لا يحدوها شفرة أرجوكى أفعلى ذلك من أجلنا نحن...
فأرد وعيني تقطر دمعاً:
- بلى فقد آن الأوان منذ زمن فى كل ليلة أخبرك بأننا لا ننتمى إلى هذا العالم، ليس لنا وجود فى تلك الحياة فلنمت ونستريح وينتهى كل هذا الألم.
دلفت إليها والدتها "نازلى" وجدتها منهارة فألمها قلبها لرؤية أبنتها بهذا الشكل، اقتربت منها ووضعت يديها عليها فانتفضت فيروزة وهى تشهق بالبكاء..
نازلى بدمع: بنتي روزا أنا..
قاطعتها "فيروزة" وهى تنظر إليها بعيون منتفخة من كثرة البكاء قائلة:
- متقوليش بنتي أنا مش بنت حد فيكم أنا ماليش أهل ومعرفش مين هما عيلتي الحقيقة اللى بسببهم دلوقتى أنا موجوعة وبتعرض للأذى من أى حد، فمتجيش تقوليلي بنتي علشان أنا مش بنتك يانازلى هانم أنا مجرد بنت يتيمة جاية من الملجأ وبفضلكم عاشت حياة مكنتش بتحلم بيها....عارفة محدش حاسس باللى أنا حاسة بيه.....من وأنا صغيرة بسمع كلام بيتقال من الناس كلام وحش أوى علشان جيت من الملجأ كلام يكسر النفس ومحدش يقدر يستحمله بس كنت بستحمل وأقول عادي مش مهم كفاية عليا وجودكم فى حياتي وفضلكم كبير أوى عليا عمرى ما هنساه ليكم أبدا أنا بشكرك أنتى واللواء عامر على تربيتكم ليا بفضلكم دخلت أحسن المدارس وكلت أحسن الاكل ولبست افضل واجمل الملابس اللى مكنتش بحلم بيها عمرى  ماهنسى فضلكم عليا، كنت بتمني طول عمرى أنى اكون بنتكم بجد مش مجرد بنت متبنيه من الملجأ .

جلست بجانبها وأمكست وجهها بكفها ثم قالت بدموع:
- كفاية يافيروزة كفاية يابنتي متقوليش كدا متوجعيش قلب أمك ياحبيبتى ....أنا طول عمرى بعتبرك بنتي اللى ربيتها وولدتها كمان مش اللى اتبناها جوزي أنتى حته من روحي وقلبي...لو أخواتك سمعوكى بتقولى كدا هيزعلوا منك أوى أنتى متعرفيش أنتى بالنسبه لينا ايه يافيروزة دا انا يابنتى لو حصلك أى حاجة هموت بعدك...علشان خاطرى متزعليش مفيش حد فى الدنيا دي يابنتى يستاهل أنك تعيطي علشانه ومتخليش كلام أى بنادم على وجه الأرض يأثر عليكى أو يشكك فى حبنا ليكي.. وبعدين أنتى غالية أوى ودموعك أغلى ياعمري .
نظرت إليها "فيروزة" ودموعها تسيل على خديها بقلبٍ منفطر ثم أرتمت بحضن والدتها التى ضمتها بحنان وسمعتها تقول: 
-ليه الحياة دايما تفرض علينا أشخاص قاسيين مفيش فى قلبهم رحمة ليه؟!
لقد خذلني العالم يا أمي ..خذلني أكتر شخص حبيته كان ذنبى الوحيد أن حبيت شخص زيه أنا انخدعت فيه ومكنتش متصوره أن هو بالحقارة دي..بسبب اللى عمله مش هقدر أثق فى أى حد بعد كدا أو أنى أجرب الحب تانى.
أخذت "نازلى" تمسد على شعرها الذهبى ولم تجد أجابة لترد عليها سوى أن صمتها إليها بقوة.

فى الصباح 
كانت "فيروزة" تهبط من على السلالم ولكن قاطع طريقها "وليد" وهو يمسكها من معصمها بقوة جعل تلك الأسورة التى ترتديها تنكسر وتجرح يديها، فقال بسخرية:
- شكلك أمبارح منمتيش كويس من كتر العياط تصدقى ياروزا بجد صعبتى عليا أوى أنا كنت مستني اللحظة اللى هكسرك فيها من زمان وأهى حصلت ودلوقتي بقيتى ضعيفة وذليلة ومنكسرة...أنا مبقاش فارق معايا أى حاجة دلوقتى بعد ما قدرت أكسر غرورك...اقترب منها أكثر ليتحسس بشرتها الناعمة بيديه الخشنة برغبة لتبعدها عنها بأشمئزاز ليقول هو بخبث: مع أنى كان نفسي أجرب حاجة تانية بس عادي ملحوقة لسه الأيام مابينا..

نظرت إليه بأشمئزاز قائلة:
- أنت واحد مريض نفسياً والله أنصحك تروح تتعالج أحسن ليك.
وليد: من رأيى تنصحي نفسك بالنصيحة دي لأنك الفترة الجاية هتحتاجى دكتور نفساني علشان يقدر يساعدك من مرض الحب اللى ابتليتى بيه وكمان  فى أنك تنسيني لان اللى أعرفه أنك بتحبينى أوى ومستحيل تقدرى تتخطى الحب دا بالسهولة دى.
أطلقت فيروزة ضحكة عالية مصدر صوت رنة قوية ثم قالت بكل ثقة وقوة لا تعلم من أين أتت بها:
- تعجبني ثقتك فى نفسك أوى ياوليد اسمعنى كويس وخلى الكلام دا محفور فى الذاكرة بتاعتك وأوعى تنساه يابن عمى....أنا مابقتش فيروزة الهبلة اللى كنت تعرفها واللى كانت بتحبك أكتر من روحها....
امبارح بس لأول  مرة أختار نفسي ومختاركش مع أنك كنت أول أولوياتي، ومش هسالك انت ليه عملت كدا فيا ومحبتنيش....امبارح أخترت نفسي وقصيتك من حياتي ومسحت كل آثارك من على تليفونى وحرقت كل صورنا ونزعتك من داخل قلبى، امبارح بليل توقفت عن البكا وحسيت فجأه بأن كل حاجة أصبحت عادية بالنسبالي وكأني أصبت بالبرود توقفت عن البكاء وتوقفت عن رؤيتك الهدية اللى جتلى ووهبها الله لى .. أمبارح بس تأكدت بأنك مش دا الشخص اللى كنت بدور عليه طول حياتى أنا عايزة أشكرك على أنك أظهرتلى حقيقتك فى الوقت المناسب عارفة أنك جرحتني وخلتنى اتوجع بس مش مهم المهم أنى قادرة على الشفاء من بعد جرح وقاردة على تخطى كل حاجة وحشه بتحصلي وقادرة على الطيبة من بعد شر ....
فشكراً ليك لأنك تركت قلبي وروحي لمن يستحقهم..
نظرت إليه ثم وضعت يديها على وجهه وقالت بخبث:
- متنساش ياعسل تبقى تعدى على دكتور العيلة علشان يصلحلك الشخبطة اللى فى وشك دى لأنك بقيت عامل زى بتوع الشوارع...
أبتعدت عنه ومازالت تنظر إليه بتلك النظرات الشامتة فقد بدأ مصدوماً ومندهشاً من حديثها وكأنه لم يخذلها بالأمس أخذ يتسأل من أين أتت بهذة القوة التى لم يتعاهدها منها من قبل..غادرت هى المكان وتركته فى صدمته.


الفصل السادس

أطلقت فيروزة ضحكة عالية مصدرة صوت رنة قوية ثم قالت بكل ثقة وقوة لا تعلم من أين أتت بها:
- تعجبني ثقتك فى نفسك أوى ياوليد اسمعنى كويس وخلى الكلام دا محفور فى الذاكرة بتاعتك وأوعى تنساه يابن عمى....أنا مابقتش فيروزة الهبلة اللى كنت تعرفها واللى كانت بتحبك أكتر من روحها....
امبارح بس لأول  مرة أختار نفسي ومختاركش مع أنك كنت أول أولوياتي، ومش هسالك أنت ليه عملت كدا فيا ومحبتنيش....امبارح أخترت نفسي وقصيتك من حياتي ومسحت كل آثارك من على تليفونى وحرقت كل صورنا ونزعتك من داخل قلبى، امبارح بليل توقفت عن البكا وحسيت فجأه بأن كل حاجة أصبحت عادية بالنسبالي وكأني أصبت بالبرود توقفت عن البكاء وتوقفت عن رؤيتك الهدية اللى جتلى ووهبها الله لى .. أمبارح بس تأكدت بأنك مش دا الشخص اللى كنت بدور عليه طول حياتى أنا عايزة أشكرك على أنك أظهرتلى حقيقتك فى الوقت المناسب عارفة أنك جرحتني وخلتنى اتوجع بس مش مهم المهم أنى قادرة على الشفاء من بعد جرح وقاردة على تخطى كل حاجة وحشه بتحصلي وقادرة على الطيبة من بعد شر ....
فشكراً ليك لأنك تركت قلبي وروحي لمن يستحقهم..
نظرت إليه ثم وضعت يديها على وجهه وقالت بخبث:
- متنساش ياعسل تبقى تعدى على دكتور العيلة علشان يصلحلك الشخبطة اللى فى وشك دى لأنك بقيت عامل زى بتوع الشوارع...
أبتعدت عنه ومازالت تنظر إليه بتلك النظرات الشامتة فقد بدأ مصدوماً ومندهشاً من حديثها وكأنه لم يخذلها بالأمس أخذ يتسأل من أين أتت بهذة القوة التى لم يتعاهدها منها من قبل..غادرت هى المكان وتركته فى صدمته.
بعد مرور خمس أشهر..

ملأت "نازلى" السفرة المستديرة بالافطار الشهي والشاي الساخن، جلس الجميع فى حالة هدوء يتناولن الطعام قبل الاستعداد إلى الذهاب لاعمالهم، لاحظ "عامر" شرود  "فيروزة" التى تعبث بخصلات شعرها ولم تأكل أى شئ وضع كفه على يديها بحنان وقال:  

- مش بتاكلى ليه ياروزا.

نظرت إليه بملامح باهتة وقالت:

- ماليش نفس للأكل ياحبيبى.

تحدث والدها بعدم رضا: حبيبتى مينفعش كدا كلى لقمة قبل ما تمشي على الشغل.

أردفت بهدوء: مش قادرة يابابا لما أجوع هبقى أطلب أى حاجة فى الشغل، وبعدين فين طارق وعمر.

أجابتها نازلى بضيق: البهوات لسه نايمين ومش عايزين يقوموا وأنا غلبت معاهم.

هبت واقفة من مكانها وأتجهت إلى الأعلى قائلة: 

- أنا بقا اللى هاصحيهم بطريقتي.

دلفت إلى غرفة الثنائي فأبتسمت على طريقة نومهم المضحكة ثم تحولت نظرتها إلى نظرات أخرى خبيثة، ألتفتت حولها لتجد زجاجتين من المياه فقامت بأخذهم من على الكمودينو وسكبت واحدة على "عمر" الذى شهق بفزع وقال: فى ايه فى ايه .

ثم أقتربت من "طارق" الذى كان ينام بعرض السرير وفارد ذراعيه وقدميه، فسكبت عليه الزجاجة الأخرى فجعلته يستيقظ سريعاً ليسقط من على السرير وهو يقول:

- بغرق بغرق ألحقونى بغرق ياعمر يابابا ياعمى حد يلحقنى غريق أنا بموت.

كتمت فيروزة ضحكتها وهى تنظر إليه بشفقة فقالت:

- غريق ايه ياهبل قوم يلا وراك شغل.

نظر "عمر" إليها بضيق وهو يمسح تلك القطرات الساقطة من عليه قائلاً:

- حرام عليكي يافيروزة دى طريقة تقومينا بيها احنا بنادمين وربنا.

ربعت يديها وقالت بهدوء: وهو فى حد قالك أنك من جنس الحيوانات مثلاً.

أستدارت بجسدها قليلاً لتنظر إلى "طارق" فوجدته يجلس على الأرض منصدماً وشعره يقطر بالماء، فقالت هى:

- ماله دا ....واد ياطارق مالك عامل زى الصنم كدا ليه.

نظر إليها بعين ناعسة ليقول: عايزة ايه وبتصحيني ليه؟

ابتعدت عنه واتجهت إلى باب الغرفة وقالت بلهجة أمر:

- قدامكم عشر دقايق وتكونوا تحت ولو طولته عن كدا مش هيحصلكم كويس وانتو عارفين أنا ممكن أعمل إيه فيكم.ثم غادرت الغرفة بكل هدوء، فنهضوا سريعاً من أماكنهم وهما يتخبطون ببعض.

             **********************

كانت "لارين" جالسة تشاهد التلفاز بملل رهيب ثم أغلقته وألقت الريموت على الطاولة أمامها وهى تقول بغضب: تلفزيون متخلف.

وجدت من يضع يديه على عيناها لتقول بأبتسامة تزين ثغرها: معاذ.

أستدارت تنظر إلى طالته التى تعشقها بخجل قائلة: أنت هنا من امتى.

جلس على المقعد الجانبي أمامها وقال بمرح: 

- من وقت ما كنتى بتتخانقى مع التلفزيون فقولت البت شكلها مخنوقة أما افرفشها شوية وبعدين عرفتى منين أن ده أنا.

أرجعت خصله  متمردة من شعرها خلف أذنيها وقالت بأستحياء: عرفتك من ريحة البرفيوم بتاعك ومن لمسة أيدك وكمان مفيش حد  بيعمل الحركة دى غيرك أنت.

نظر إليها بابتسامة قائلًا: ماشى ياستى المهم قاعدة هنا لوحدك وسايبة المذاكرة بتاعتك ليه والامتحانات على الأبواب.

تحدثت "لارين" بتذمر: ما انا زهقت من المذاكرة فقولت أستريح شوية.

معاذ بهدوء: عيزك تركزي أكتر من كدا ولو فى أى حاجة وقفت معاكى ومش فهماها ماتتردديش للحظة واحدة وتعاليلي وانا أشرحهالك فوراً.

نظرت إليه بعيون متسعة: بجد يامعاذ .

معاذ بضحك: بجد يالارين.

لارين بضحكة جميلة: دا أنت جيت لقضاك ياجميل أنا هجبلك كل المواد وأنت بقا أقعد ذاكرلى من أول وجديد علشان نفسي أكون نفس تخصصك ومعاك فى نفس الجامعة كمان.

تاه فى ضحكتها الجميلة التى ملكت قلبه ليقول بتوهان:

- وأنا كلى ملكك ياحب. أخفضت رأسها ارضاً بخجل من نظرته وحديثه، فأستوعب هو ما قاله ليصحح الخطأ بحرج:

- قصدى يعنى أنا تحت أمرك و موجود معاكى وجنبك فى أى وقت.

جاء صوت "سهر" من بعيد وهى تقترب منهما وقالت بمرح: ياعيني ياعيني اللى يشوفكم كدا يقول عليكم أتنين عشاق قاعدين بيحبوا فى بعض أجبلكم أتنين ليمون فرش يطرى على قلبكم المولع.

نظر إليها أخيها "معاذ" نظرة أخرستها فجلست بجانب "لارين" وقالت بحزن مصطنع: وبعدين يعنى ياسى معاذ هتذاكر للبت لارين وأختك لأ اه يالوزة ياللى ملكيش نصيب ولا حد يدلعك. 

أشار لها أن تأتى بجانبه فأقتربت منه ثم قام بتقبيل رأسها بحنان وقال: متزعليش ما أنا كنت هذاكرلك معاها ياحبيبتى وبعدين أنا دايما موجود ليه مش بتجيلي لما بتحتاجيني .

نظرت إليه "سهر" بأبتسامة: مش برضى أتقل عليك لان ببقى عارفة أنك بتيجي تعبان من الشغل ف مش بحب أتعبك معايا.

"معاذ" بعتاب: غلط اللى بتقوليه دا أنتى من حقك أنك تيجي لاخوكى فى أى وقت تحتاجيه ومن واجبه أنه يكون جنبك وينفذلك كل طلباتك وبعدين أنتى تعبك راحة ياقلب أخوكى.

ضمته "سهر" بحب أخوي قائلة: ربنا يديمك لينا ياحبيبي .

             **********************

بعد مرور بضع ساعات..وتحديداً فى مقر الشركة الرئيسية..

فاليوم كان مهلك للغاية على هؤلاء الشباب كالعادة فهذا حالهم منذ شهرين عندما تولت "فيروزة" إدارة الشركة بعد سفر "وليد" لفرع الشركة الأخرى فى إيطاليا بسبب تلك المشاكل التى حدثت بها، و كان الوضع غير مستقر لذا كان على "فيروزة" أن تتولى ذلك المنصب بناءً على طلب والدها فهى أفضل من يديرها فجعلت أخويها يقومون بمساعدتها لفترة مؤقتة...

لف "عمر" رأسه يميناً ويساراً بتعب ثم قال بأرهاق:

- حرفياً أنا مابقتش قادر وخلاص تعبت.

التفت إليه "طارق" الذى قام بطرقعة أصابعه وقال بتثأوب: 

- ومين سمعك أنا خلاص فصلت مياه ونور وكهربا كمان أختك دى مفتريه ياجدع .

أغلق الاخر الملف ثم تمدد على سطح المكتب وقال:

- طب اسكت بدل ماتيجي تسمعنا كلمتين حلوين وتكون ليلتنا سوداء أسود من الملف المتخلف دا اللى مش فاهمله حاجة .

نظر إليه "طارق" وهو يقوم بخلع سترته وقال:

- أومال بقا لو شوفت الملف العسل اللى معايا هتعمل ايه دا أنا ياشيخ بقالى أكتر من ساعة بحاول أخلصه ومش بيخلص كأنه بيعاند معايا وحالف أنه ماهيخلص النهاردة.

دخلت عليهم "فيروزة" وهى تحمل الحاسوب الخاص بها وقالت برفع حاجب:

- سايبين الشغل ليه ياحلوين.

أجابها "عمر" وهو يقاوم النوم: 

تصدقى بالله أنتى لو بتعذبينا مش هتعملى كدا والله حرام أنتى جايبنى أراجع حسابات وحاجات أول مرة أشوفها ده أنا يابنتي فاشل وكنت بهرب من حصة الرياضة اه وربنا.

تحدث "طارق" بطريقة مضحكة قائلاً :

- على يدي..

نظرت إليهم وقالت بسخرية: أومال فين احنا فى ضهرك ده احنا شجعان أوي نخيتوا اوام كدا اشحال مخليكم تشتغلوا شغل بسيط مفيش فيه أى مرمطة وتعب.

رد عليها "طارق" بأرهاق شديد:

- ماهو واضح وبعدين ياروزا ياحبيبتى أنتى ياماما متعودة على المرمطة والتعب ذنب أمنا احنا ايه.

ضحكت بقلة حيلة وقالت:

- اظاهر أن مفيش منكم فايدة أمال فين كلام الكفاح والعزيمة والهمة وأحنا لازم نبقى حاجة.

أردف "عمر" قائلاً: هوا كله هوا وبعدين أحنا لسه بندرس ومينفعش لينا شغل دلوقتى خالص. 

التفتت إليه "فيروزة" قائلة بثبات:

-  ودا مش مانع انكم تشتغلوا وتعملوا لنفسكم حاجة بجانب الدراسة وبعدين دا تدريب ليكم على الشغل يابهوات بدل قاعدة الكافيهات وحفلات الرقص اللى بتروحوها.

عمر بأرهاق وجوع:طب ممكن ناخد ساعة استراحة وناكلنا حاجة تسند طولنا.

اقتربت من المكتب وأخذت الملفات من عليه وقالت :

- ماشى ساعة واحدة و بعدها تكملوا باقى الحسابات.

طارق: طب مش هتيجي تاكلي معانا.

فيروزة: لا ورايا أجتماع مهم وهنعقد فيه صفقة جديدة.

نادتها السكرتيرة من الخارج قائلة: 

-فيروزة هانم الوفد الألماني وصل ومستنين حضرتك فى غرفة الاجتماعات.

التفتت إليها قائلة: روحى وأنا جاية وراكى حالاً...عمر هات الملف الأزرق من المكتبة بسرعة.

بعد بضع دقائق فى غرفة الاجتماعات..

ولجت "فيروزة" بكل ثقة ووقار إلى الغرفة فانقطعت تلك الهمسات وتبقا الصمت هو السائد، نظر إليها ذلك الشاب الذى يبدو عليه فى بداية العقد الثالث فأعجب بطلتها الساحرة فهى كانت ترتدى بدلة نسائية خضراء بنفس لو عينيها فجعلتها أكثر أنجذاباً.

القت عليهم التحية ثم ترأست طاولة الاجتماع الضخمة 

تحدث ذلك الشاب بثقة بها قدر من الغرور قائلاً:

- أعرفك بنفس أنا رائف مالك لشركة المنصوري وسررت بلقائك فيروزة هانم.

أجابته بعملية: وأنا كمان نبدأ الاجتماع  ولا اي.

رائف بهدوء: طبعاً نبدأ اتفضلى.

وقفت من مكانها أمام شاشة العرض العريضة وأمسكت بجهاز التحكم وقامت بتشغيلها، نظروا إلى تلك التصميمات بانصات شديد فبدأت تشرح لهم بمهارة محتوى التصميم وهى تنتقل من صفحة لأخرى بكل سلاسة وتجاوبهم على كل تساؤلاتهم بهدوء وثبات، ثم أشارت لمساعدها بأن يضع أمامهم تلك الملفات الخاصة بالصفقة، بينما "رائف" وعملائه كانوا منبهرين بهذا العرض، أغلقت الشاشة بعد الإنتهاء وجلست بمكانها مرة أخرى.

أخذ رائف يقلب بتلك الأوراق ثم حول نظره إليها وقال بثبات: شكلها مش هتبقى أول وأخر صفقة لينا مع بعض.

نظرت إليه بابتسامة صافية ليكمل حديثه:

- أعتبرى خلاص أن الصفقة تمت.

تحدث رجل من عملائه قائلاً: بس حضرتك المبلغ كبير أوي ف ممكن نقلله شوية.

أجابته "فيروزة" بعملية: يا أستاذ المبلغ مش كبير على صفقة زى دى ولا ايه يارائف بيه يعنى حضراتكم شوفته العرض والتصميمات ومفيش فيهم غلطة واحدة وعلى ما أعتقد مش هتلاقوا  شركة تعرض عليكم شغل زيه ولو معترضين مفيش مشكلة ننهى المشروع.

أردف "رائف" بهدوء مؤيداً حديثها: 

-  العرض كان ممتاز ويستحق أن أدفع فيه عمرى وزى ما قولتلك أنا معنديش أى اعتراض.

ابتسمت "فيروزة" بمجاملة ثم قالت برزانة: تمام بس قبل ما نوقع العقد هتقرأ كله البنود اللى فيه علشان ميحصلش مشاكل بعد كدا ولو وافقت نمضي العقد فوراً.

أجابها "رائف" بعد الأطلاع على البنود وقال بموافقة: -وأنا موافق على كل الشروط ممكن إذا سمحتى نعقد الصفقة قبل ما ترجعى فى كلامك.

تقدم منهما المحامى ووضع أوراق العقد أمامه ليقوم بالأمضاء وفعلت مثله "فيروزة"، هب "رائف" واقفاً وقال بابتسامة: اتشرفت بمعرفتك مكنتش أعرف أن اللوء عامر عنده بنت جميلة زيك.

أجابته بهدوء: شكراً لحضرتك.

نظر إليها قائلاً: قوليلى رائف بلاش حضرتك وبيه يافيروزة ولا عندك مانع من رفع الألقاب .

فيروزة: معنديش مانع.

وضع يديه بجيبه وقال بهدوء: إذا كان كدا تسمحيلى أعزمك على فنجان قهوة فى المطعم اللى جمب الشركة بمناسبة إتمام الشغل مابينا .

تحدثت فيروزة برفض: بعتذر  منك لأن أنا مشغولة جدآ تتعوض مرة تانية إن شاء الله. 

رائف: تمام مفيش مشكلة عن أذنك.

أومات برأسها إليه ثم زفرت بأرتياح بعد خروجه وضحكت بسعادة لنجاح شغلها.

                  *****************

فى المساء...

صفت "فيروزة" سيارتها فى الجراج، ثم أتجهت إلى غرفتها بتعب شديد، فما أن ولجت للداخل حتى وجدت "أنيس" نائماً بعمق على سريرها عقدت حاجبيها بدهشة فهزته وهى تناديه قائلة بذهولٍ:

- أنيس....أنيس !

قطب عينيه بأنزعاج فأعتدل بهدوء وهو يلتفت حوله وبدأ يستوعب وجوده هنا، فقالت روزا: 

- بتعمل ايه هنا ونايم كدا ليه.

فانتصب واقفاً وهو يردد بنوم: أخيراً جيتي كنت مستنيكي من بدرى ياروزا.

جلست على الأريكة المقابلة له ونزعت حذائها وقالت متسائلة بأستغراب: ومستنيني ليه فى حاجة حصلت معاك ؟

جلس بجانبها ثم قال بهدوء:  أنتى عندك زهايمر يابنتى مش قولتيلى أبقى استناني عشان عيزاك فى موضوع مهم.

تذكرت "فيروزة" ما كانت تود أن تخبره به لتسأله قائلة:

- أنيس هو أنت لسه بتحب دارين؟

نبض قلبه بعنف عند ذكر أسمها ثم قال بضيق يضجر معالمه: كنت لكن دلوقتى لا .

نظرت إليه بنظرات خبيثة ثم أضافت قائلة وهى تهب واقفة من مكانها :

- اممممم طيب بحسب أنك لسه بتحبها كان عندى ليك مفاجأة بخصوصها كانت هتفرق معاك لو كان قلبك بينبض ليها بس يلا مش مهم.

أمسكها من معصمها سريعاً ليردف بدهشه: أنتى قصدك ايه بالكلام دا أنا مش فاهم حاجة.

أحتلت مقعدها من جديد وهى تقول: مش مهم تفهم مدام مش هيفيدك كلامى بحاجة.

تحدث "أنيس" بضيق: روزا بالله عليكي ما تلعبي بأعصابي أنا مش مستحمل أى حاجة.

اتكأت بيديها على كتفه وهى تقول بخبث: 

- مدام لسه بتحبها ليه بتنكر ياعسل.

أردف بحزن قائلاً: أنا بحبها يافيروزة لكن مش قادر أنسى اللى عملته فيا مش قادر أنسى كلامها اللى لسه بيتردد جوايا.

فيروزة بهدوء: مش كل اللى بنسمعه بيبقى حقيقة ياأنيس أوقات كتير بنضطر نكدب لغرض معين لا يتضح لنا، أمسكت يديه بقوة ثم أضافت:

- حاولت مرة واحدة بس تدور على الحقيقة بنفسك... لا صح أنت معملتش كدا مجرد بس سمعت كلام هى قالته من وراء قلبها لسبب ما صدقته ومحاولتش تدور بنفسك وتفضل وراها أنت تخليت عنها يا أنيس.

قطب حاجبه بعدم فهم ليقول: أنا مش فاهم حاجة أنا متخلتش عن حد هى اللى أتخلت عنى.

أجابته "فيروزة" برفض قائلة: لا يا أنيس أنت تخليت عنها عشان محاولتش تعرف هى ليه قالتلك كدا..صمتت لوهلة تفكر فى أمر ما ثم أضافت: 

- دارين لسه بتحبك ياأنيس، أحتلت الدهشة والذهول معالم وجهه بعدم تصديق، لتكمل حديثها بحزم:

- صدقنى هى بتحبك واضطرت تعمل كدا عشان باباها ميتسجنش بالشيكات اللى عليه، وعلى العموم هى فرحها بكرا لو لسه عايزاها بأشارة  واحدة مني بس ألغى كل حاجة و تكون ليك .

تحدث "أنيس" بصدمة: طبعا عايزاها لكن أنتى عرفتى كل المعلومات دى منين.

منحته نظره ساخرة قبل أن تخبره ثم قالت بصرامة:

- مش مهم تعرف دلوقتى كل  اللى يخصك دارين وبس فاهم..وبعدين يلا على أوضتك لان أنا تعبانه ومحتاجة أنى أرتاح شوية ومتنساش تجهز نفسك بكرا لأن رايحين مشوار مهم.

تسأل أنيس مستغرباً: مشوار ايه.

تحدثت وهى تذهب بأتجاه المرحاض قائلة:

- كل شئ بأوان يادكتور أنيس تصبح على خير.

أختفت عن أنظاره فأبتسم "أنيس" بهدوء بعد ما فهم على ماتنويه  غداً ثم قال بصوت غير مسموع: وأنتى من أهله ياروزا.

ثم غادر غرفتها بسعادة غامرة وقلبه يتراقص بتلك النبضات العاشقة..

بعد بضع دقائق خرجت من المرحاض بعد ما ابدلت ملابسها بملابس أخرى مريحة، استرخت على الفراش وهى تفرد ظهرها بتعب وذهبت فى نوم عميق...

              ********************

فى اليوم التالى وتحديداً فى مكان آخر...

كان يمسكها والدها من شعرها ليصفعها كفاً عنيفاً اسقطها أرضاً جعلها تضع يديها الرقيقة على خديها بوجعٍ وقهر فنظر إليها بقسوة ليقول بعجرفة: قدامك خمس دقايق والاقيكي لابسه الفستان فاهمة عريسك مستنيكي برا على نار مش عايز تأخير ياهانم.

قعدت مكانها تبكى بأنهيار فقتربت منها والدتها وضمتها إليها قائلة بحزن: قومى ياحبيبتى قومى البسي الفستان بدل ما الظالم يجي يضربك تانى وأنا مش هقدر عليه ربنا ينتقم منك ياعادل.

أرتدت ذاك الفستان فكان بمثابة كفن لها بعد لحظات كانت تجلس بجانب هذا العجوز الهالك منذ زمن فكان أصلع الرأس وحاجبيه كثيفة للغاية ومنغلقة فهى مثل أعواد المقشة الخشنة فكان ينظر إليها بابتسامة كشفت عن أسنانه السوداء من كثرة التدخين فشعرت هى بالأشمئزاز من رائحته الكريهه التى تفوح منه فأخذت  عينيها تزرف دمعاً على حظها فوالدها أجبرها على الزواج من رجل أكبر من عمره ولم يشفق عليها.

تحدث "عادل" بسعادة: ايه رأيك ياشكرى كل حاجة تمت زى ما أنت عايز ثم وجه نظره إلى المأذون يلا يامولانا أكتب الكتاب.

لكن قاطعهم صوت قوي زلزل المكان قائلاً: 

- أزاى بس يامولانا هتجوز واحدة مغصوبة على هذا العجوز ذو الجسد المترهل والمتعفن فهو حتى لم يستطيع أن يدخل بها دى تبقى عيبه فى حق شيخ زيك.




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close