رواية اسيرة الماضي
الفصل السادس عشر 16
بقلم رانيا البحراوي
التقط إستاذ عمر أنفاسه وأجاب إتصال منة سمعت منة صوته ورد إلى مسامعها مختنق بالبكاء.
منة بفزع :إستاذ عمر من فضلك طمئني ايسل بخير.
عمر :اتمنى أن تصبح بخير، سقطت ايسل من نافذة منزل والدتي بالطابق الثالث.
لم تحتمل منة ومازالت ترى أن الأب احيانا ليس جدير على تحمل مسئولية أبنائه.
منة بغضب :سقطت كيف؟ وكيف لم تنتبه عليها حتى سقطت؟
عمر ببكاء:استجوبيني لاحقا ليس لدي طاقة للإجابة على تساؤلاتك الآن.
أغلق عمر قبل أن تعرف منة إسم المستشفى أو تطمئن على حالة الطفلة.
يونس :ماذا حدث؟
منة بحزن :الطفلة صديقتي التي حدثتك عنها أصيبت وهي الآن بالمستشفى.
يونس :انتِ تبكي؟
منة :لا لا أبكي.
عادت منة إلى المنزل صادفت عودة والدة حمزة.
اقتربت منها والدة حمزة غاضبة وسألتها من سمح لكِ بأصطحاب ابني إلى الخارج؟ ابتعدي عن ابنائي لا أريد أن ترافق ابني قاتلة سارقة مثلك؟
منة بحزن :لست قاتلة ولا سارقة، انظري لابنك الذي بعمر الخمس سنوات عندما اتهمت بالسرقة كنت يضعف عمره اي عشر سنوات هل تجرؤ طفلة بعمر عشر سنوات على السرقة والقتل.
والدة حمزة :وهل تسجن طفلة بدار رعاية بدون ذنب، لا أريد سماع قصتك وخاصة أمام الطفل فهي شئ مخزي
وخجل لا أريد أن يسمعه، اذهبي إلى غرفتك ولا تظهري أمامي مرة أخرى.
نظرت منة ليونس وجدته حزين جدا لأجلها، أخفت كل آلام قلبها خلف ابتسامة زائفة حتى لا يشعر يونس بالحزن وأنصرفت إلى غرفتها.
لم تغادر والدة حمزة المنزل مرة أخرى كعادتها ولذلك حبست منة نفسها بالغرفة حتى لا تتعرض لنظارتها الغاضبة او كلماتها القاسية فقلبها لم يعد يحتمل الألم.
ظلت منة بالغرفة حتى حان موعد طعام ودواء جدتها
خرجت من الغرفة تتلفت يمينا ويسارا على أنامل قدميها حتى لا تصادف والدة حمزة مرة أخرى.
ذهبت إلى المطبخ وأعدت الطعام لجدتها ومن شدة خوفها لم تحضر أي شئ لنفسها.
وصلت إلى الغرفة وقفت بجانب جدتها تلتقط أنفاسها
جدتها:ما بكِ؟ وأين طعامك؟
منة :سأتناول من طعامك اليوم.
الجدة :ولكنكِ لا تحبي طعامي لانه لايحتوي على ملح.
منة:لا اعتادت عليه هكذا.
عاد حمزة بذلك الوقت تعجب أنهم لم ينتظروه كعادتهم وعندما نظر إلى الطاولة وجد أن منة لم تجهز شيئا طعام إضافي بجانب طعام جدتها.
حمزة :لا تريدين أن أنضم إليكم اليوم؟
لم ترد منة اخباره بما حدث من والدته اليوم حتى لا تتسبب في احداث مشكلة بينهما فقالت :مرهقة اليوم ولم استطع إعداد طعام خاص لك.
حمزة :بمفردي؟
اعتاد حمزة على تناول الطعام معهم فلم يعد قادرا على أن يتناوله بمفرده مرة أخرى،صعد حمزة إلى غرفته ونظر بغرفة أخيه واخته عسى أن يجد من ينتظره فيطلب طعام من الخارج ويطلب منهما الإنضمام إليه فلم يجد يونس نام مبكرا ومريم تناولت طعامها بعد الدرس برفقة زميلاتها.
طلب حمزة بيتزا من الخارج عسى أن يستطع تناول الطعام بمفرده كالسابق.
وصلت البيتزا وعندما إتصل به عامل التوصيل نزل يستقبله عند الباب ورأى منة تنظر من نافذة غرفتها على الحديقة ولكنها كانت تنظر لأعلى وكأنها تناجي ربها بقلبها
دون أن تستطع النطق بما يزعجها.
أخذ البيتزا من عامل التوصيل وطلب منها أن تخرج إلى الحديقة، نظرت منة فوجدت جدتها نائمة فخرجت إلى الحديقة لترى ماذا يريد.
خرجت منة وجلست بجانبه فسألها
حمزة :ماالذي يزعجك هكذا؟
منة :اليوم مليئ بالأحداث لا أعلم على أيهم أحزن أكثر.
حمزة :اخبريني بأي منهم.
منة :ايسل إبنة إستاذ عمر سقطت من طابق مرتفع ويبدو أن حالتها خطيرة، اتصلت استفسر عن حالتها فلم أجد نفسي إلا ألوم والدها دون أن اشعر وقبل أن اسأل عن حالتها فأنهى والدها الإتصال دون ان اعلم كيف حالها واسم المستشفى التي تتلقى العلاج بها.
حمزة :لا تحزني ستكون بخير أعلم انكِ تري في هذه الطفلة طفولتك ولكن ليست كل الأباء كوالدك أو والدي
هناك اباء يهتمون بأبنائهم ويأثروهم على أنفسهم.
منة :أظن أنك ستكون كذلك.
حمزة بابتسامة :لماذا تظنين ذلك؟ أنني سأكون أبا جيد.
منة:احيانا تشعرني أنك أبا ليونس وليس شقيقه وأيضا عندما ذهبت معي أول مرة للمركز تتحدث مع الاستاذ عن دروسي وعن مايلزمني شعرت لوهلة أنك تقوم بدور الأب لي ذلك الشعور الذي أفتقده ولم أجربه يوما بالمدرسة.
فرح حمزة عندما وصفته بالاب المسئول الجيد
كنت أرى بعيني عندما يصطحب الأباء الأطفال إلى المدرسة ويسألون عن مستلزمات أطفالهم، لم يفعلها والدي أبدا وقصت على حمزة قصة مدرس العلوم وقساوته وضربه لها عندما لم تستطع إحضار مستلزمات المادة.
كلما استمع حمزة لقصتها زادت شفقته عليها أكثر.
رأت منة البيتزا وطلبت من حمزة أن يتناولها قبل أن تبرد.
حمزة :ليس لدي شهية لتناولها.
منة :رائحتها شهية جدا، بمجرد أن تبدأ ستعود شهيتهك وقد تنهيها بأكملها.
حمزة :تناولي معي إذن.
منة:تناولت العشاء مع جدتي.
حمزة :شاركيني بتناول قطعة واحدة.
منة مازالت جائعة لانها لم تستطع تناول الطعام مع جدتها بدون ملح.
فتح حمزة العلبة وبدأ يتناول الطعام برفقة منة وانغمروا بالحديث حتى انتهت الببتزا دون أن يشعروا ضحكت منة وقالت :ألم أخبرك أنها شهية انظر كيف انهينها دون أن نشعر.
حمزة :ليس لأنها شهية ولكن انغمرنا بالحديث وحكاياتك عن الدار ومشاغبات البنات مع مشرفين الدار حديث شيق سرقنا الوقت دون أن نشعر.
نظر حمزة بهاتفه وجد انه لديه رسائل عديدة لم ينتبه إليها فصدم واستأذن منها لعمل إتصال هاتفي.
ذهب حمزة لنهاية الحديقة وتحدث مع الفتاة التي يرتبط بها وتدعى ميار سألته بغضب :لماذا لا تجيب على رسائلي؟
حمزة :أعتذر كنت اتناول الطعام ولم انتبه لاشعارات الهاتف.
ميار :أنا مع اصدقائي بكافيه على البحر ويريدون التعرف عليك.
حمزة بغضب :لماذا تخرجي يوميا بهذا الوقت المتأخر؟
ميار :متأخر! الساعة لم تتجاوز العاشرة.
حمزة :بالنسبة لفتيات بمفردهم لايجوز خروجهم بهذا الوقت.
ميار :لسنا فتيات بمفردنا معنا شباب أصدقائنا يريدون التعرف عليك.
حمزة بغضب :أصدقائك؟! انتِ تخرجين برفقة أصدقائك؟
ميار :نعم أصدقائنا من المدرسة اللغات وبالجامعة ايضا نحن نشأنا معا من الروضة ومثل أشقاء لنا.
حمزة :اذهبي إلى اشقائك ودعينا نناقش الأمر لاحقا.
انزعج حمزة ولم يجد أمامه من يشكو له سوى منة جلس بجانبها مرة أخرى وبدأ يشتكي لها العجيب في الأمر أن منة حاولت تهدئته ولم تذكر ميار بالسوء، اعجب حمزة بموقفها لأنها كانت تستطيع إثارة غضبه اكثر اتجاه ميار مادامت تحبه.
طلبت منة من حمزة أن ينصح ميار برفق ويخبرها بما يزعجه وانه لن يستطع تغيرها بفترة قصيرة وعليه أن يتحدث معها في كل مايزعجه بهدوء.
استطاعت منة بلباقتها وبالغتها في الحديث إقناع حمزة وقللت من غضبه رغم صغر سنها لديها مهارة الإقناع وبكلمات بسيطة منها هدأ وأمسك بهاتفه يراسل ميار.
بينما يراسل ميار نظرت له منة تشاهده وتبتسم لسعادته
وبداخلها قلبها يستغيث من شدة الألم.
بعد انتهاء حمزة من مراسلة ميار اخبرته منة بما حدث معها في الشاطئ وعرضت عليه الحساب الخاص بها وكان سعيد جدا بذلك لأنها بدأت في توسيع دائرة معارفها في الاسكندرية وبدأت في تكوين صداقات.
استفسرت منة منه على عدة اشياء فأقترب منها كي يشرح لها على الهاتف كيف تبحث عن صديق وكيف تضيف أصدقاء وكيفية مشاركة بوست يعجبها.
الغريب أن حمزة جلس بالقرب منها وقد نسي أنها تخشى الأقتراب وعندما تذكر وجد أنها آمنة بالقرب منه لا ترتجف أو تتنحى جانبا ولم تلقي بالهاتف عندما تلامست ايديهم وهو يعيد لها الهاتف.
فرح حمزة لأنها بدأت في التعافي لم يكن يعرف أن خاصية الأمان الذي تشعر به منة نابعة منه فقط أي هي آمنة فقط بقربه.
شكرته منة على دعوته لها على البيتزا وأستأذنت منه حتى تدخل الغرفة لأنها شعرت أن هناك محادثات بينه وبين ميار لم تنتهي بعد.
بالغرفة راسلت منة الفتاة التي تعرفت عليها بالشاطئ وتدعى نهى وتعرفوا على بعضهم البعض أخبرتها نهى أنها من سكان القاهرة ولكن تقضي الصيف في الاسكندرية بصحبة جدتها ووالدتها اما خالها فيأتي لزيارتهم كل نهاية اسبوع ليقضيه معهم عطلة نهاية الأسبوع.
اتفقت منة مع الفتاة أن يتقابلوا كلما ذهبت منة للشاطئ.
في اليوم التالي قررت منة الذهاب إلى المركز لتعلم بأي مستشفى تتعالج ايسل حتى تذهب للأطمئنان عليها.
أطعمت جدتها سريعا بينما تغادر الغرفة تصادفت بحمزة أمام الباب جاء ليتناول الطعام معهم مثل كل صباح ولكنه تفاجئ بها تجهزت للخروج.
حمزة :إلى أين؟
منة :لم انم مطلقا من انشغال تفكيري بايسل سأبحث عنها كي اطمئن عليها.
اقلها حمزة بسيارته إلى المركز وهناك علم بأسم المستشفى فقام بتوصيلها إلى هناك وعرض عليها أن يصعد معها فرفضت حتى لا يتأخر عن عمله.
استعلمت منة عن رقم الغرفة من قسم الاستقبال وصعدت مسرعة ولكنها لم تجد والد الطفلة بجانبها وكانت الطفلة تتألم وتردد ماما حزنت منة وتذكرت تلك الليالي التي مرضت بها وكانت تردد ماما على أمل أن تعود إليها ماما.
اشفقت عليها وقالت كيف تركك والدك بهذه ارادت منة أن ترتب على الطفلة كي يخف ألمها ولكن للاسف لا يوجد
اي طرف من اطراف الطفلة دون جبس يديها وقدميها.
جلست منة بجانبها فوق الساعتين دون أن ترى والدها بجانبها، وصل عمر بعد وقت طويل استقبلته منة أمام الباب وقالت :كنت ألوم نفسي منذ امس بما تحدثته معك بعد سماعي بوقوع الطفلة ولكن الآن أرى أنك مسؤل حقا عن وقوعها فهي مسئوليتك والآن تركتها بهذه الحالة وذهبت دون أن تشفق عليها يبدو أن كل الاباء هكذا.
عمر :رغم أنني أرى أنه ليس من شأنك ولكن بسماعك بالمكان الذي جئت منه الآن ستندمين كثيرا على حديثك معي بهذه الطريقة سأخبرك أين كنت وبعد أن اخبرك لا اريد رؤيتك مرة أخرى.
أين كان عمر؟