أخر الاخبار

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والاربعون41والثاني والاربعون42 بقلم رحمه نبيل

رواية مملكة سفيد الفصل الحادي والاربعون41والثاني والاربعون42بقلم رحمه نبيل
 


صلوا على نبي الرحمة.

______________

هي جملة ألقت بها واختارت الصمت رفيقًا، في وقت ما كان عليها أن تتوقف عن الحديث ولو سقطت السماء على الأرض، ليس وعقل سالار بدأ يعمل بسرعة مخيفة بعد سماعه لتلك الجملة الغريبة المريبة و...ماذا ؟؟ 

" يريد اختطافك ؟؟ هل ...هل تحاولين المراوغة مجددًا تبارك ؟؟"

ابتلعت ريقها ترى نظراته، ثم أمسكت يده بسرعة وكأنها بهذه الطريقة تضمن ألا يتحرك ليحطم الغرفة فوق رأسها:

" لا اقسم لك، هذا ما حدث، لقد جاءني يطالبني بالاذن لاختطافي و..."

صمتت وهي تشعر بغباء جملتها الغير منطقية بالمرة، وحقًا هي لا تدري الوسيلة الصحيحة لتشرح له الأمر فهذه المرة الأولى لها التي يعرض عليهم أحدهم اختطافها، أو ربما ستكون الوحيدة في الحقيقة .

وسالار فقط ابتسم وهو ينظر حوله يبحث عن شيء مريب يدل أنه ربما في حلم غبي أو ماشابه :

" يريد اختطافك ؟!"

" نعم ...إذا كان هذا ممكنًا "

ابتسم لها سالار بسمة واسعة جعلتها تبتسم بسمة مقابلة قبل أن ينفجر في موجة ضحك صاخبة وقد كاد يسقط عن مقعده لشدة ضحكه، بينما تبارك وبعدما كانت مبتسمة لأجل ضحكاته بدأت تشعر بالريبة وابتسمت بسمة متوترة :

" لن يستمر الأمر طويلًا، اسمع سأخبرك ما سيحدث فقط اسمعني رجاءً "

نظر لها سالار بعدما تمالك ذاته يهتف بعدم فهم :

" تخبرينني ماذا ؟؟ أن أحد الرجال جاء يطلب أذنك لخطفك ؟؟ حسنًا الأمر مرفوض لأنه لم يأتني ويطلب مني أنا أن يخطتف زوجتي، لقد تخطاني وتحدث معكِ مباشرة وهذا أمر مرفوض تمامًا "

كان يتحدث بملامح جادة وكلمات بسيطة حتى أن من يستمع إليه دون أن يبصر ملامح السخرية التي تعلو وجهه لكان قد صدقه، زفرت تبارك ولا تعلم مدخلًا لتخبره ما حدث بالتحديد، هي لا تجد الكلمات المناسبة للوضع .

" سالار أنا لا امزح "

وسالار تنهد يقول وقد بدأ يدعي الجدية :

" حسنًا، أنا حقًا لا ادرك إن كنت استطيع الموافقة على هذا الأمر في الوقت الحالي، فكما ترين الحرب تقترب والأمور مشتعلة في المملكة هذه الأيام ولا أدرك إن كنت امتلك وقتًا لاشاهد أحدهم يختطف زوجتي، لِمَ لا تخبرينني اسمه لذلك الجندي وأنا سأتحدث معه بنفسي ونصل سويًا لشيء يرضينا  ؟؟"

نظرت له تبارك تقول :

" سالار أنا لا امزح حقًا توقف عن السخرية "

تشنجت ملامح سالار يهتف من بين أنفاسه :

" أتوقف عن ماذا يا امرأة!؟ هل جننتي ؟! أحدهم يستئذن لخطفك !!؟ وأنتِ تعرضين الأمر عليّ؟ هل تريدين دفعي للجنون تبارك؟؟ "

نهضت تبارك تحاول الاقتراب منه لكنه أشار لها بيده أن تتوقف يقول بصوت جاد مرعب ذكرها بسالار القديم الجامد  والذي كانت تتخيله في وقت من الأوقات وحش اسطوري ينفث النيران _ حسب أقاويل صامد وصمود _ والآن ها هو نفس الوحش الاسطوري يعود مجددًا ..

" توقفي، فقط توقفي عن استفزاز كل خلية داخلي واخبريني دون الحاجة لكل ذلك الهراء، من ذا القذر الذي تجرأ وتحدث معكِ بل ويعرض عليكِ خطفك، فقط أخبريني الاسم إن كنتِ تعلمينه او صفيه "

نظرت له بخوف تتراجع بعض الخطوات تحاول أن تخبره ما حدث وتقنعه بما سمعت :

" سالار أرجوك فقط اسمع مني ما حدث و..."

قاطعها بصرخة مرتفعه وقد فقد صبره كما حذرها :

" الاســـــــــــم "

شعرت تبارك بقلبها يتوقف للحظات بسبب الخوف وهي تغمض عيونها تحمي وجهها تقول بارتجاف :

" لم يخبرني، لا اعلم الاسم "

" إذن تدركين مظهره، لا يعقل أنه حدثك من وراء حجاب صحيح ؟؟ أخبريني مواصفاته "

ابتلعت ريقها وهي ترتجف تهمس بخوف منه :

" سالار أرجوك فقط اسمعني، لقد أخبرني أن الأمر لن يكون كما تظن أنت، لقد اخبروه أن يختطفني ويقودني لهم وهو فقط خشي الأمر وجاء يخبرني الحقيقة كي أذهب معه فقط ويمكنكم تتبعي حتى تصلوا لهم، هذا ...هذا ..."

توقفت وهي ترى جسده بدأ يسترخى بعض الشيء وقد بدا أنه يستمع لما يحدث ويوليه اهتمامه، وهي تشجعت لتكمل :

" لقد أخبرني أنهم اسروه وبعض الجنود و...يجبرونهم على فعل أشياء عديدة وإلا فقدوا حياتهم وهم فقط يسايرونهم، وينفذون ما يريدون حتى يسقطوهم، وأخبرني كذلك أنه يريد التواصل معك والملك، لكن الجنود رفضوا لانكم كنتم مشغولين في اجتماع هام فراقب جناحي حتى رآني وأخبرني كل ذلك لاوصل لكم حديثه، أنا إن ذهبت معه أنتم ستلحقون بنا وبهذا الشكل نسقطهم، حسنًا "

ختمت حديثها برجاء أن يتفهم ما تقصد وهي تدرك أن نصف حديثها غير مرتب من الأساس وغير مفهوم لكن هذا ما خرج من عقلها بتوتر تحت نظراته المخيفة، يا الله هي في هذه اللحظة تخافه ولأول مرة منذ وقت طويل،  ترتعب من بقائها جوار سالار .

هدأ سالار ثواني وكأنه أدرك ما يحدث حوله :

" طُعم تقصدين ؟؟" 

هزت رأسها بسرعة وبلهفة وقد ابتسمت وارتاحت أن أدرك ما تريد قوله من كل ذلك الهراء الذي نطقت به، وهو فقط مرر لسانه على شفتيه يبللهمها مبتسمًا :

" يريدونني أن استخدمك كطعم لأصل لهم ؟؟" 

ورغم الريبة التي شعرت بها من نبرته إلا أنها هزت رأسها بنعم، فمال عليها سالار ينظر لعيونها ثواني يقول بصوت هامس كالفحيح والغضب يلون نبرته :

" هل أخبرك أحدهم أنكِ تزوجتي رجل عديم نخوة، يسلمك لرجلٍ غريب كي يجرك صوب جماعة من الذكور الفاسقين فقط ليصل هو لغايته ؟!"

نظرت له تبارك في عيونه بفزع من ذلك التحليل الذي خرج به في هذه اللحظة، هي فقط تريد المساعدة ولم تفكر أبدًا في ذلك، لكن سالار والذي كان في هذه اللحظة مشتعلًا بكل ما فيه ردد:

" اللعنة عليّ إن سمحت لوسخٍ منهم بمسّ زوجتي، لن يحدث هذا ولو على جثتي حتى "

اعتدل يبتعد عنها وهو يصيح بصوت مرتفع جعل جسد تبارك ينتفض وهي تتراجع للخلف بخوف شديد :

" هذا ما ينقصني أن أستخدم النساء في الفوز بحروبي، أي عار تريدنني أن أحمل وأنا اوافقهم على استخدامك كطعم، والله لو قطعوني لمئة قطعة لن أسمح لكِ أن تخطي خارج جدران هذا القصر ولو كان خروجك يضمن لي حتمية انتصارنا الابدي تبارك "

ختم حديثه يتحرك بجنون صوب الخارج يتحدث دون أن ينظر لها في الخلف :

" وهذا عديم الرجولة الذي استحل لنفسه أخذ امرأة من شعبه صوب هؤلاء القذرين أنا سأجده بنفسي، وأنتِ إياكِ والتحرك خطوة خارج جناحي "

ختم حديثه وخرج من المكان يغلق الباب بقوة تاركًا جسد تبارك ينتفض بصدمة كبيرة، وعيونها متسعة مما سمعت ومما قاله سالار، تقسم أنها لم تفكر في كل هذا حين عرضت عليه الأمر، هي ظنت ... ظنت أنها بهذا الشكل تساعده ..

لكن يبدو أن تفكيرها البسيط الذي بُني على مواقف كانت تعاصرها في حياتها، أبعد ما يكون عن عقلية سالار الذي نشأ في بيئة تختلف تمامًا عن خاصتها .

ابتلعت ريقها وهي تنظر حولها تتنفس بصوت مرتفع وغضب، لا تعلم غاضبة مِن مَن، لكنها في النهاية غاضبة وبشدة، تحركت صوب الباب تريد الخروج من هنا والتنفيس عن غضبها، لكن فجأة ابتسمت بسمة مصدومة، غير مصدقة لما يحدث ...

" قفل عليا الباب ؟؟ حبسني في اوضته؟؟ حبسني ؟!" 

______________________

كانت تنظر ارضًا وهي تشعر بالخجل من نظراته، ولأول مرة هناك أحد يستطيع أن يشعرها بالخزي، وهي التي لم تنحني يومًا لأحد، لكن نظراته لها في هذه اللحظة كانت أقصى من قدرتها على التحمل .

" أنا آسفة "

ابتسم إيفان بسمة صغيرة يميل مستندًا على ركبتيه :

" آسفة على ماذا بالتحديد !!"

رفعت عيونها له بتردد تهمس بعدم فهم لنفسها :

" لا ادري لكن نظراتك تشعرني أنني يجب أن أعتذر عن شيء لا أدرك ما هو "

اتسعت بسمة إيفان، لكنها أبدًا لم تكن بالسعيدة، تنفس بصوت مرتفع وهو يطيل النظر بها ليزيد من توترها :

" أنا لست نادمة، لقد أخذت قصاص والدتي منها "

رفع إيفان حاجبه وهو يرى بساطة حديثها وكأنها تحيا في غابة كأن لا قوانين تحكم الحياة في هذه المملكة .

" القصاص حق، لكن ليس بهذه العشوائية، قصاصك وقصاصي وقصاص أمي والجميع كنت سآخذه منها دون أن تتلوث أيدينا بالدماء زمرد، انظري الآن إلى ما نحن مضطرين لمواجهته ؟!"

ابتلعت ريقها تهمس :

" ماذا ؟!"

" ماذا ؟؟ حقًا تتسائلين ؟! الآن الملكة قُتلت، و...هناك محاكمة يجب أن تحدث "

صمت ثواني يحاول أن يفكر في شيء، وهي تنظر له بعدم فهم، ليكمل هو حديثه :

" ما فعلتيه كان خاطئًا زمرد، ولا يمكنك إنكار ذلك، لقد قتلتي شخصًا دون أن ترتجف يداكِ حتى، انسان ورغم كل قذارته، استطعتي طعنه بكل سهولة و...هذا ليس جيدًا أبدًا، العنف سيؤثر سلبًا عليكِ، سيعطي المزيد من القوة والسيطرة لشيطانك زمرد، إياكِ وإن تتبعيه أختي"

نظرت له زمرد بأعين بدأت تغطيها سحابة من دموعها تهمس بصوت منخفض :

" أشعر أن حديثك متأخر بعض الشيء إيفان، لقد فات الأوان على مثل تلك الكلمات صدقني "

نهض إيفان عن مقعده يتحرك لها يجذب رأسها يضمه لصدره يربت عليها مشفقًا على ما عاشته وما تضطر لعيشه، مرتعبًا أن يتسلم الشيطان نفسها شيئًا فشيء بعدما تترك له القيادة بالكامل، فكم من صاحب حق خانته نفسه واتبعت من تعهد بألا يهنأ له بال إلا والقاه في الجحيم .

" الحياة لا تأتي بالغضب، ولن تطيعك بالقوة زمرد، في بعض الأحيان نحتاج للجلوس معها جلسة ودية والتحدث معها عن بنود السلام لنحيا عزيزتي "

سقطت دموع زمرد بعنف وهي تهتف من بين شهقتتها :

" أي سلام وأنا عشت في عقر دار أهل الباطل يا إيفان؟! لقد احالوا حياتي لجحيم، والله لو أنني اتبعت السلام ما كنت حية بين يديك، ولأُنتهكت أكثر من عدد انفاسي في هذه الحياة، أنا عشت في قرية موبوءة بالمعاصي "

ارتجفت يد إيفان وهو يضمها له يقبل رأسها كل ثانية بحنان يهمس بكلماته الداعمة والمهدئة :

"  والآن كل شيء انتهى وكل معاناتك تلاشت زمرد، دعي كل ذلك التحفظ وانبذي شيطانك حبيبتي "

" كيف انبذ شيطاني وهو ما يزال حيٌ يرزق أخي ؟؟"

نظر لها إيفان نظرة متسائلة لتهمس بصوت خافت :

" بافل، اقوى الشياطين واشدهم، لن يهنأ لي بالٌ ولن احيا بسلام إلا حينما اقتله على يديّ، هو سيموت بين  كفيّ أنا، أنا أحق الناس بقتله، لي عنده من القصاص ما يكفي لاقطعه اربًا "

نظرت لعيون أخيها تهتف برجاء وتوسل تلمس الجزء الحنون بقلبه :

" عدني أنك ستسمح لي بأخذ ثأري منه بنفسي، أنا... أنا أريد أن انفذ وعدي الذي أخذته على نفسي وأمي قديمًا إيفان، بافل لن يكون لغيري، أنا فقط من سأتخلص منه، وحينها اعدك أنني سأتطهر من كافة آثام القوم، واكون كما تتمنى "

نظر لها إيفان يحاول أن يفكر في طريقة ملائمة لعلاج كل تلك التقرحات التي نتجت لديها مع مرور الوقت، زمرد لم تكن متزنة في هذه اللحظة التي تتحدث بها، وكان هذا أكثر من واضح على نظراتها وكلماتها، ابتلع ريقه يشعر في هذه اللحظة تحديدًا أنه ليس مستاءً لأنها قتلت شهرزاد، هو وإن كان غاضبًا الآن على قتلها، فهذا لأنه وللاسف الشديد لم يفعلها بنفسه، لا ينكر أن جزء صغير داخله كان يتمنى ذلك وبشدة .

نزلت بعض الدموع من أعين إيفان وهو يضم رأس زمرد لصدره أكثر يحاول التنفس بشكل سليم، وشعوره بدموعه التي تتحرك على وجنتيه ذكرته أنها للمرة الثانية التي يبكي فيها أمام أحد، والمرتين كانوا لأجلها .

" سيحدث حبيبتي، كل ما تريدنه سيحدث زمرد، أي شيء تتمنيه سيحدث، أنا سأحيا فقط لأحقق لكِ كل ما تتمنينه زمرد، فقط ...فقط تمني "

تهدجت احرفه في كلماته الأخيرة وشعر أنه لم يعد يقوي على التحمل أكثر، لكنه سيفعل لأجلها ولأجل الجميع لا يستطيع الانهيار، ليس الآن على الأقل، هو ليس مسؤولًا عن نفسه فقط ليحصل على تلك الرفاهية البعيدة، هو مسؤول عن شعب وأسرة وحياة بأكملها .

ابتلع ريقه يترك قبلة أخيرة على رأسها، ثم ابتعد قليلًا يقول :

" أنا فقط سأرتب لأمر المحاكمة كي ننتهي من كل ذلك قبل الحرب و..."

صمت وهو لا يستطيع أن يجد كلمات في عقله :

" لا اعتقد أنني سأكون القاضي في تلك المحاكمة"

نظرت له زمرد بعدم فهم ليبتلع ريقه مكملًا :

" لا يمكنني أن أكون القاضي والشاهد في نفس الوقت "

لم تفقه زمرد ما يقصد لذا تحدثت بصوت منخفض :

" لا افهم ما تقول، لا افهم "

" أنا سأكون شاهدًا في هذه المحاكمة، عليّ فعل هذا، لن استطيع أن اخرجك من ذلك المأزق إلا حينما أخرج جميع الاسرار التي حفظتها لسنوات، وهذا يستلزم أن اكون شاهدًا، لذا الشاهد لا يستطع أن يكون هو نفسه الحاكم، سوف ...اقف معك في المحاكمة، وسيكون سالار بموجب سلطته هو القاضي "

نظرت له زمرد بصدمة فهذه المرة الأولى التي ترى الملك يتخلى عن دوره في الحكم على أحدهم ولاجلها هي؟؟ 

" أنت لا يمكنك فعل هذا، أنا لا يمكنني القبول أن تقف معي وهناك من يقف أمامك ليصدر حكمه في أمور لا أحد أحق منك بالتحدث بها، أنت...أنت الملك إيفان"

ابتسم إيفان بقهر وقد عزّ عليه أن يتخلى عن مكانته تلك، لكنها الحياة لا تسير وفقًا لهواك دائمًا :

" لا يمكنني أن اساعدك وأنا ملك، أنا لا أستطيع أن أجلس على عرشي اراقبك تقفين أمامي موضع المذنبة وانا امتلك الحل لاخرجك، ولو فعلت لن احكم عليكِ بعقلي، وسأكره نفسي وأشعر بالحقارة لأجل ذلك، لذا هذا الحل الافضل للجميع "

تأوهت زمرد تمسك يده بسرعة وهي تقول باكية دون شعور :

" لكن أنت لا تحب هذا، أنا أرى هذا في عيونك، أنت لم تفعل هذا حينما كان سالار في موضع اتهام، لقد مارست دورك بشكل طبيعي ما الذي حدث "

قال إيفان وقد شعر أنه لا يستطيع مواصلة الأمر أكثر، يصرخ دون القدرة على التحكم في أعصابه وقد كان على حافة الانهيار وهو يتخيل فشل الأمر في النهاية :

" هذا لأن سالار لم يقتل، ولأن الأمر كان يخصني كذلك، ولأن برائته لم تكن متعلقة بكلمتي، هو كان يمتلك كلمته التي ستخرجه من كل ذلك زمرد، بينما أنتِ تحتاجين لشاهدتي، وشهادة العريف كذلك، نحن نحتاج لكل كلمة لعينة قد تخرجك من هذا المأزق تفهمي الوضع " 

توقفت زمرد بصدمة بسبب وقع كلماته وابتلعت ريقها وهي تتراجع للخلف، ثم هزت رأسها ببطء، وهو فقط نظر لها ثواني يشعر بالعالم قد صمت فجأة من حوله، ليهمس لها كلمات أخيرة قبل أن يتلاشى من أمامها يختلي بنفسه :

" لن ادع شيء يمسك بسوء، حتى لو اضطررت للتخلي عن مكانتي لأجل ذلك، لا تقلقي ...."

تركها يرحل بسرعة كبيرة وهي فقط نظرت لاثره بدموع تحاول الحديث لولا غصتها التي جعلتها تخرج كلمات خافتة متوجعة:

" لكنني لست قلقة، أنا خائفة عليك إيفان...."

انهارت من بعد تلك الكلمات تجلس ارضًا وهي تنظر أمامها تحاول أن تدرك ما يحدث في عالمها.

الآن وفي هذه اللحظة فقط شعرت أنها ندمت، ندمت وبشدة على ما فعلت، يا الله لو أنها فكرت لثانية أو رأت ما سيحدث لإيفان جراء كل هذا، لو أنها علمت ما سيحدث تقسم ما كانت فعلت كل هذا، لكانت قسمت ظهر شيطانها وكظمت غضبها .

بدأت اصوات شهقات زمرد تعلو في المكان، هي لعنة، صدق والدها، تدرك في كل لحظة تمر على حياتها أن أي كلمة نطق بها ذلك الحقير كانت حقيقة .

ودانيار الذي شهد كل ما حدث كان يقف يراقبها بعجز وقد شعر أنه يومًا، لن يستطع أن يسكن اوجاعها، شعر في هذه اللحظة أنه لا يستطيع فعل أي شيء لها، فقط كلمات هي كل ما يمكنه تقديمه لها .

اقترب بخطوات مترددة ينظر حوله وقد كان يقف في أحد الغرف الجانبية لغرفة الاجتماعات، تنفس بصوت منخفض مخافة أن تزعجها اصوات انفاسه، تقدم خطوات قليلة، ثم وعلى بعد مناسب توقف يجلس على ركبتيه يراقبها دون كلمة واحدة، يبحث في رأسه عن شيء يفعله قد يخفف عنها كل ذلك ولم يخرج عقله سوى بفكرة واحدة شاركها إياها دون تردد :

" استطيع تحمل كل ذلك "

توقفت زمرد عن البكاء ترفع عيونها بصدمة صوب ذلك الصوت لتبصر الاصرار الذي يعلو ملامح دانيار ليكمل هو حديثه :

" يمكنني الاعتراف أنني من قتلها، والملك يمكنه أن يكون القاضي ويحكم عليّ أنا، يمكنني تحمل ذلك "

تساقطت دموع زمرد أكثر، وهي تنظر لعيون دانيار المصممة لتدرك أنه كان في هذه اللحظة يتحدث بتصميم كبير، شعرت بالجرح يكبر في قلبها وهي تقول بصوت خافت :

" أنا أشعر أنني لا اتسبب إلا في أذية من يحيطون بي، أولًا إيفان والآن أنت دانيار، يا ويلي أنا ابتلاء للجميع، أنا اورط الجميع في مصائب "

تأوه دانيار يقترب خطوات صغيرة منها رافضًا كل ما تقول :

" لا ليس صحيحًا أنتِ لستِ كذلك، بل أنتِ رقيقة للحد الذي يجعل الجميع يتورطون في المصائب لاجلك وبطيب نفس "

نظرت له زمرد ثواني تضحك من بين دموعها دون شعور وهو ابتسم كذلك دون شعور وكأن مشاعرهم في هذه اللحظة لم تكن في أيديهم .

" هذا لا ينفي أنني اتسبب في المصائب في كلا الحالتين، لا فرق "

" بل هناك فرق وفرق كبير أيضًا "

نظرت له بعدم فهم، ليسترح هو في جلسته يضم قديمه له ينظر لها وقد شعرت أن الجلسة تحولت فجأة دون شعور منها وهو يشرح لها الفرق بين أن تلقيهم هم في المصائب أو أن يلقوا هم أنفسهم فيها لأجلها .

" الاولى تعني أنكِ تلقينا دون إرادة منا في المصائب وهذا يسبب عبء علينا، والثانية تعني أننا نستطيع تحمل هذه المصائب بطيب خاطر دون أي تأفف لاجلك "

ابتسمت زمرد دون وعي وهي تراقبه يتحرك يديه أثناء الحديث لتنتبه لتلك النقطة تقول :

" أنت تتحدث بيدك ؟؟"

نظر دانيار لها بتعجب، ثم نظر ليديه ثواني قبل أن يبتسم قائلًا :

" ربما لهذا احترفت مهنة تعتمد على يدي، فهي أطلق من لساني "

ابتسمت له زمرد بسمة صغيرة من بين ملامحها الشاحبة وعيونها المحمرة، لتتسع بسمته أكثر يقول :

" أنتِ لم تسأليني يومًا أن أعلمك الرماية زمرد "

ولم تعلم زمرد سبب تحول الحديث بهذا الشكل الكبير، إلا أنها ردت وهي تنظر له مبتسمة :

" ربما لأنني استطيع ذلك بالفعل، انا استطيع الرماية"

رفع حاجبه بسخرية مصطنعة :

" لم يكن هذا واضحًا حين هزمتك تلك المرة في المسابقة التي أُقيمت في السوق "

نظرت له ثواني قبل أن تضربها تلك الذكرى لذلك الرامي الذي اقتحم عليهم المسابقة يسحب منها جائزتها ثم تحرك مبتعدًا بكل تكبر .

ابتسمت بعدم تصديق ليضحك هو لها ضحكة سحرتها في هذه اللحظة وقد سعد أنه استطاع صرف نظرها عن كل ما يؤلمها :

" استطيع التنازل عن وقتي الثمين واتعهد لكِ بالصبر التام عليكِ أثناء التدريب لكن لذلك مقابل بالفعل، وستوقعين عقود قبل أن اشرف بنفسي على تدريبك"

" أي عقود تلك  ؟!"

" عقود زواجنا "

نظرت له بصدمة ليبتسم هو :

" تزوجيني زمرد وكفى ما حدث، ارجوكِ، اريد أن تصبحي زوجتي وحلالي قبل تلك المحاكمة أنا أشعر بنفسي مقيدًا "

تنفست زمرد بصوت مرتفع وهي تشعر أنها لا تستطيع التفكير :

" أنا لا اعلم، ربما الوقت غير مناسب وإيفان يحمل ما يكفيه من الهموم بالفعل، لا استطيع الذهاب إليه وفي وسط كل مايحدث الآن وأخبره أنني أريد الزواج "

رفع دانيار حاجبه يقول ببسمة جانبية :

" يسعدني معرفة أنكِ تصنفين زواجنا همًا سيحمله شقيقك "

نظرت له بصدمة وهي ترى مهارته في التقاط الكلمات من بين جملها :

" هل تمزح معي ؟؟"

" لا أنا لا أفعل، أنا فقط لا أطالب بالمستحيل، أنا أطالب بحقي فيكِ زمرد، أنا أعلم قبل الجميع هنا، قبل إيفان حتى، أنا الأحق بكِ من الجميع، أنا الأحق بمواساتك ومشاركتك كل هذا "

ابتسمت تحاول تهوين الأمور عليه :

" أنت تتعجل مصائبك دانيار "

" إن كان امتلاكي لكِ مصائب فأنا ارحب بكل المصائب من هذا النوع "

شعرت زمرد أنها لا تستطيع الرد عليه في هذه اللحظة فقد الجمها الخجل، تبتسم دون شعور وهو ابتسم لها ينهض لينفض ثيابه بهدوء :

" هيا انهضي "

نظرت له بعدم فهم :

" إلى أين؟!" 

قال بكل بساطة :

" إلى مكان لا يستطيع حزنك الوصول لكِ به سمو الأميرة "

لم تفهم زمرد ما يقصد، لكنها نهضت بالفعل تعدل من وضعية ثيابها وحجابها، تتحرك بهدوء وهو ابتسم لها يميل نصف ميلة واضعًا كفه على صدره مشيرًا بكفه الآخر للطريق في علامة على احترامه لمكانتها كأميرة .

تحركت خلفه وهي لا تعلم أين يقودها حتى وجدت نفسها تتوقف أمام البوابة الصغيرة التي كانت تستخدمها للهرب صوب الأسواق، نظرت لها بتعجب، ثم حدقت خلفها في دانيار الذي ابتسم لها يشير لأحد الحراس بالاقتراب يقول برسمية شديدة وهو ينظر لعيونها بنظرات لا تمت لرسميته بشيء :

" سوف تأتي معي باصطحاب الأميرة إلى السوق الشعبية فهي تود التبضع لبعض الوقت، أحضر الأحصنة"

رمشت زمرد دون فهم وهي تدير رأسها لتبصر تحرك الحارس مجددًا بعيدًا ليحضر الأحصنة وهي تنظر لدانيار:

" ما الذي يحدث هنا ؟!"

أبصر دانيار اقتراب الرجل بالحصان ليبتسم يمسك منه اللجام يجذبه صوبها هامسًا :

" سأصطحبك لمكان تتغلب ضوضائه على ضوضاء عقلك سمو الأميرة ..."

ختم حديثه ينظر لها ببسمة مشيرًا بعيونه أن تصعد فوق ظهر الخيل، وهي نظرت له ثواني تقول :

" لكن إيفان...."

" سأرسل له من يخبره وأعتقد أنه لا يمانع الأمر طالما أن هناك حراسة معكِ "

ختم حديثه يشير لنفسه مبتسمًا، ثم أشار للحارس الذي أخذه كي يصطحبهم في حراسة الأميرة فقط كي لا يتحدث أحدهم أنه خرج معها وحدهم، أو يستغل شيطانه الموقف بأي شكل من الأشكال .

" إذن مولاتي هل نتحرك ؟!"

ابتسمت زمرد تشعر لأول مرة منذ فترة طويلة بالحماس يندفع لاوردتها :

" نعم ارجوك .."

انحنى لها نصف انحناءة غامزًا :

" نحن طوع أوامر سموك ...."

________________________

" أنتِ عنيدة كهرمان "

" نعم مثلك أخي، لا أظن أن الأمر موروث لي من والديّ، فلا تبتأس من صفة أنت سيدها أرسلان "

ختمت حديثها تنتزع الحجاب الذي كان يقيد خصلاتها داخل الجناح الذي يجلس به أرسلان في العادة، بينما الاخير رفع حاجبه :

" إذن هل لي أن اعلم سبب مجيئك هنا، رغم أنني أكدت على عدمه ؟!"

نظرت له باستنكار شديد :

" بالله عليك أرسلان، أنت لم تربني على نكران الجميل، وهذا ليس جميل، بل دين في رقبتي، هذه زمرد التي انقذتني اخي ولولاها من بعد الله لكنت ميتة الآن تبكيني مع أمي"

تحرك لها أرسلان بسرعة يقول مقاطعًا إياها:

" لا حرمني الله منكِ كهرمان، توقفي عن هذا الحديث" 

شعرت كهرمان أنها تضغط على جروح أخيها والتي لم تبرأ بعد، لذا تنهدت تقول بصوت هادئ وهي تقترب منه :

" أرسلان، حبيبي هذه الفتاة أدين لها بحياتي، الآن وهي تواجه مشاكل ومصائب لا تعد ولا تحصى اتركها؟! علمتني الكثير لا أذكر أن التخاذل كان جزءًا منه أرسلان "

ابتسم لها أرسلان يربت على خصلاتها بحنان شديد، ثم جذبها لاحضانه :

" لا لم يكن، لكن أنا لدي الكثير خلفي في البلاد ولا يمكنني البقاء هنا طويلًا ليس وهناك من يتربص بالجميع، كما لا يمكنني تركك كذلك والعودة "

" لماذا أرسلان؟! ألا تثق بي ؟!"

" بل لا اثق بمن يحيطك حبيبتي "

قلبت كهرمان عيونها في ملل وهي ترى نظرات الحنق تعلو وجه أخيها :

" يا الله أرسلان الرجل به ما يكفيه من المصائب" 

تشنج أرسلان بحنق شديد :

" أتعتقدين أن هذا قد يحول بينه وبين استفزازي بكِ ؟!"

" يستفزك بي ؟؟"

" نعم هو يريد الزواج منكِ وهذا يستفزني "

ابتسمت له كهرمان ليزفر هو بضيق :

" أنتِ تبتسمين، إذن أنتِ توافقين عليه زمرد ؟!"

" بل اوافق على ما توافق أنت عليه اخي، وأدرك أنك توافق عليه "

رفع أرسلان حاجبه بضيق فابتسمت له ليبتسم هو يقول بصوت منخفض :

" أنا فقط اتبع اسلوبه، ما يأتي بسهولة يسهل الاستغناء عنه عزيزتي، وانا شقيقتي ليس الوصول لها كشربة ماء، بل هو اصعب من عبور الصحراء في الصيف سيرًا على الأقدام ودون قطرة مياه بينما يطاردك قطيع من الذئاب الجائعة الشرسة "

فغرت كهرمان فاهها بصدمة من وصفه :

" يا الله ما بك أرسلان؟! لتقتل الرجل بسيفك وننتهي سيكون أكثر رحمة من وصفك هذا "

" نعم الموت اهون من أخذ شقيقتي "

هزت رأسها بيأس، ثم تحركت تفتح الحقيبة التي احضرتها معها لتخرج ثياب أخرى غير تلك التي فسدت من الطريق، وهو لم يتجاهل ذلك يقول :

" لقد جهزتي حقيبة، هذا إن دل على شيء يدل على أنكِ تنتوين البقاء كثيرًا هنا تاركة إياي وحدي، وهذه ليست بداية مبشرة "

نظرت له كهرمان بصدمة:

" يا أرسلان بالطبع سأحضر ثيابي، أنت لا تريد أن أبقى بهذه الثياب لأيام هنا صحيح ؟!"

" ايام ؟!"

كانت صرخة منفعلة منه لتهرول هي صوبه تبرر بسرعة :

" هذا تحسبًا فقط أن تستمر مشكلة زمرد لأكثر من يوم أخي، ما بك أهدأ اقسم أنني سأعود ولن اقضي المتبقي من عمري هنا "

نظر لها أرسلان بحزن شديد وقد شعر بالمرارة لوحدته الوشيكة :

" بلى، ستفعلين كهرمان "

تأوهت كهرمان وهي تقترب منه تضمه بحب :

" يا ويلي أرسلان لا تنظر لي بهذا الشكل الذي يجعلني اترك كل شيء لاجلك اقسم سأفعلها "

ضمها أرسلان منه يقول بصوت خافت :

" أنا فقط لم اشبع من قربك كهرمان، وهذا لا يعني أن أكون انانيًا فأنا لن احب أن أفسد حياتك، إيفان هو الانسان الوحيد الذي يستطيع العناية بكِ، ورغم عنادي معه إلا أنني أدرك أنه أكثر الرجال حنانًا وتفهمًا ولن يحزنك يومًا، أو يدع لغضبه العنان، أي إنسان تحملني في غضبي ولم يخرج عن طور هدوئه، يستطيع التعامل مع اقسى الأمور دون أن يهتز له جفن، وإيفان كان الانسان الوحيد الذي استطاع هذا"

نظرت له كهرمان لتبتسم له وهو ابتسم بسمة واسعة يقبل رأسها بحنان :

" وهذا لا يعني أنني سأمنحه موافقتي بسهولة "

زفرت كهرمان وهي تقول بغيظ شديد :

" يا الله يا أرسلان "

ضحك أرسلان بصوت مرتفع وهو يجذبها له يقبل رأسها بحنان وحب :

" انسي أن ينال جوهرتي بهذه السهولة....."

_________________________

ابتعد للخلف وهو يرى المزهرية تتحطم بالقرب من قدمه، كانت هذه الثالثة التي تحطمها منذ جاءت بها لهنا، رفع عيونه لها وهي ضمت ذراعيها لصدرها بعناد :

" تخطها إن استطعت .."

تشنج وجه تميم بسخرية مشيرًا صوب الخزف المحطم أمامه :

" حقًا ؟! هل تصنعين سور حماية من الخزف المحطم ؟؟ برلنت بالله عليكِ لا تثيري شياطيني "

" تميم إياك والاقتراب مني انا حذرتك، مازال غضبي منك في أوجه، لذا حاول أن تتخطاني "

دفع تميم بقدمه الخزف جانبًا ثم اقترب منها يقول بحنق :

" عليكِ أن تجربي التفكير قبل الحديث برلنت هذا سيفيدك ويوفر علينا الكثير من المشاكل صدقيني" 

" وهل تحاول القول الآن أن كل المشاكل التي تحدث بيننا أنا السبب فيها ؟؟"

" ربما نصفها، نحن الآن لا نحصي عدد المشاكل التي يتسبب فيها أحدنا للآخر، نحن هنا فقط كي نحل تلك المشاكل "

رفعت عيونها له بتحدي :

" أي مشاكل تلك ؟؟ تصغيرك لحديثي، ورؤيتك لكل ما يصدر مني حماقة، أم منعك لي أن اقابل والدي، ام تركي أنام باكية ليلة أمس دون حتى التفكير في مساعدتي "

أطلق تميم ضحكة مرتفعة ساخرة :

" باكية ؟؟ كل هذا وكنتِ باكية ؟! يا الله لقد كنتِ تنامين قريرة العين برلنت، كنتِ أشبه بطفل حاز وجبة دسمة منذ ثواني، ينام بسعادة شديد "

رفعت حاجبها تنظر له بعدم فهم :

" وما ادراك أنت ؟! يمكنك أن تسأل والدتي فهي من شهدت انهياري ونومي المتقلب "

" وهي نفسها من أكدت لي أنك نمتي مبكرًا بكل راحة، واخبرتني ألا اصطنع الضوضاء أثناء نومتك المتقلبة، ورغم هذا أكاد أجزم أنني لو أقمت اختبارًا لقنابلي داخل غرفتك ما كنتِ شعرتي بي حتى "

زفرت برلنت وهي تشعر بالخجل من حديثه تصرف عيونها عنه، تضم يديها لصدرها مدعية الغضب :

" ألم تقرأ سابقًا أن كثرة النوم من علامات الحزن الشديد ؟؟"

" وأين قد اقرأ هذه المعلومة يا ترى ؟!"

" لا ادري أخبرني أنت ؟! أين لامثالك من عديمي الثقافة أن يمتلكوا مثل هذه المعلومات ؟!"

ابتسم لها بسخرية :

" نعم صدقتِ، أين أنا من الأفاعي السامة التي تستمد معلوماتها الثقافية من الروايات الرومانسية" 

نظرت له بغضب تهتف في وجهه :

" على الاقل امرن عضلات خيالي وعقلي، ولا اتركه يصدأ كالبعض "

ختمت حديثها تتحرك بسرعة صوب المرحاض وهي تجذب الثياب عن الفراش غاضبة ثم أغلقت الباب بقوة في وجهه وهو فقط نظر لها بعدم فهم يهمس :

" هل تمزحين معي ؟؟ عقلي أنا صدأ ؟؟" 

هزت رأسها في إشارة لنعم، وهو اتسعت عيونه يحاول كظم غيظه عنها، لكنها لم تقدر له محاولاته للهدوء تلك، تنفس بصوت مرتفع يحاول إنهاء هذه الأحاديث المتعلقة قبل بداية الحرب :

" بيرلي .."

" بل برلنت "

نظر لها باستنكار وهي أكملت :

" لا تناديني بلقب كان يحمل ذكرى جيدة بيننا في لحظات كهذه تميم "

" برلنت ما الذي ..."

قاطعته بجدية وهي تقترب منه بإصرار تشير له أن يصمت حتة تكمل ما يقف في حلقها :

" أنت تسخر من كل ما احب، تقلل من كل ما اهتم تميم، أنت شخص ..."

توقفت فجأة تحاول أن تجد كلمة تصفه وتميم اتسعت عيونه بصدمة من اتهاماتها له، هو يتفه ويقلل منها ؟! هو من سعى ليسعدها في حياتها، هو من كاد يموت كمدًا لأجلها ؟!

" كل هذا ؟! أنا كل هذا برلنت ؟! أنا بمثل هذا السوء في عيونك ؟! إذن ما الذي يدفعك لتحملي طالبي بالخلاص مني برلنت ؟! "

نظرت له برلنت بصدمة كبيرة وهي تقول بتردد وقد أدمعت عيونها من كلماته :

" أنا أحبك تميم "

نظر لها وهو يبتسم بغضب شديد :

" وأنا أحبك، لذلك لا ارتضي لكِ العيش مع شخص مؤذي مثلي برلنت، هذا ليس حبًا، أن تري جميع تصرفاتي لاحميكِ عبارة عن تحكم وتقليل من شأن أفعالك، هذا لن ينجح "

شعرت برلنت بالخطر يقترب من علاقتها بتميم، تنفست بصوت مرتفع وهي تتراجع للخلفء ثم جلست على الفراش دون كلمة واحدة، لم تستطع التحدث بشيء، اكتفت بصمت وهي تنظر له تهمس بصوت منخفض :

" لا أريده أن ينجح، إن كان الفشل يعني بقائي جوارك، فأنا ارتضي بالفشل مصيرًا لعلاقتي "

اقترب منها تميم يجلس ارضًا جوارها يتنفس بصوت مرتفع وهو يحاول التفكير في رد :

" برلنت، ما الذي يريحك لأفعله ؟!"

" أن تبقى جواري تميم "

نظر لها ثواني ثم استقام يقول بجدية :

" إذن علينا أن نحاول إنجاح كل هذا "

رفعت عيونها له تقول ببسمة وامل:

" ستسمح لي بزيارة أبي ؟؟"

نظر لها طويلًا يرفض عقله أن يتقبل هذا الأمر بأي شكل من من الأشكال، لكن نظراتها المتوسلة له وكأنها تترجاه ألا يخذلها، وكلماتها السابقة له أنه يقلل من كل ما تفعل منعوه الرفض، وكبلوه ..

وهي أبصرت كل هذا لكن أبت التراجع عما تريد، هذا والدها وهي لن تتخلى عن فكرة رؤيته، هو يحتاجها كما أكد عليها في خطابه الاخير، لربما ...لربما كان على أعتاب الموت ويريد وداعها .

شعر تميم أنها تجبره بنظراتها على تنفيذ ما تريد لذا نهض يمسح وجهه وهو يقول بجدية :

" سنفعل ما تريدين برلنت، كل ما تريدنه سأفعله، فقط كي لا أصبح شرير روايتك في النهاية، واكون الشخص الذي يقف في وجه ما تحلمين به ويقلل من اهتماماتك، فآخر ما أريده أن أكون ظالمًا لزوجتي"

ختم حديثه ينظر لها نظرات صغيرة دون أن يبتسم ولو بسمة صغيرة، ثم اقترب منها يقبل رأسها بحنان، وبعدها رحل عنها دون كلمة، في اعلان منه لانتهاء النقاش وبداية التصدع بينهما .

وهي تجلس على الفراش بصدمة تحاول التنفس بشكل صحيح، تشعر أنها تائهة لا تعلم ما يجب فعله، هل هي محقة في المطالبة برؤية والدها، ام اخطأت في الحديث مع زوجها بهذا الشكل ؟!" 

ابتلعت ريقها تلقي بجسدها على الفراش تنظر للسقف ثواني دون أن ترمش حتى، وقد بدأت دموعها تتساقط بهدوء وقلبها يؤلمها، هي تبعد تميم عنها، تبعده عنها بكل ما تفعل ..

_____________________

" توقف عن الدوران بالله عليك، أنا امتلك ما يكفيني من المصائب "

توقف عن الدوران يتحرك بشر صوب المتحدث وعيونه تطلق شرارًا يميل على مقعده يتمسك بذراعي المقعد وهو يردد من أسفل أسنانه :

" وجدت مصائبك كثيرة فألقيت لي بواحدة، بل ألقيت لي بأثقلهم، وكأنني لا امتلك ما يكفيني إيفان"

" كل هذا لأنني اطالبك بالحكم في جريمة أختي ؟! أنت مستشاري الاول والسلطة الثانية بعدي في البلاد، من تريد مني أن اوكله بالأمر إن لم يكن أنت" 

نهض عن مقعده يتحرك صوبه وهو يرى ملامحه واجمة بشكل غريب :

" ما الذي حدث لك سالار ؟؟ هل حدث شيء لزوجتك ؟!" 

نظر له سالار ثواني قبل أن يتنهد ويقص عليه حكاية ذاك الجندي الذي تحدث مع تبارك وهو ما يزال يحترق كلما تذكر ما حصل، ختم حديثه بصراخ وغضب :

" والقذر يستحل لنفسه أن يطالب زوجتي بذلك، أيًا كان من هو فأنا اتبرأ أنه من رجالي "

دخل في ذلك الوقت أرسلان يبصر اشتعال سالار ليبتسم قائلًا :

" يا ويلي من تسبب في اغضاب الرجل الاحمر !!"

استدار له سالار بشر يرفع إصبعه محذرًا :

" أرسلان ..."

" ماذا ؟؟ انزل اصبعك يا عزيزي فأنت تعلم أنني لا أحب أن يرفع أحدهم إصبعه في وجهه، هذا يشعرني كما لو أنه يأمرني "

ابتسم سالار بسخرية :

" جيد فأنا بالفعل كنت على وشك أمرك بالتوقف عن استفزازك هذا "

نظر أرسلان لإصبعه ثواني قبل أن يضربه بيده مبعدًا إياه على وجهه يهتف ببرود شديد ونبرة جادة :

" خسئت، لم يُولد بعد من يأمرني "

اشتعلت أعين سالار وهو بعض شفتيه وينظر له بغضب صارخًا :

" إيفان لتبعد هذا الشخص المستفز من أمام وجهي، أبعده قبل أن اقتله بيدي واضيع اعوامي التي قضيتها في طاعة الله لأجل قتل قذر مثله "

ابتسم له أرسلان ثم قال ببرود أشد :

" خسئت مليون مرة سالار "

صرخ سالار بغضب شديد :

" لعنة الله على الكافرين "

رفع إيفان يديه يصيح بصوت مرتفع :

" ليرحمني الله، يا الله رحمتك بي، لقد اكتفيت اقسم بالله أنني اكتفيت، يا الله متى الخلاص من كل هذا ؟!"

كان إيفان يتحدث وهو يتحرك في القاعة يمينًا ويسارًا وكأنه يطالب أجساد وهمية حوله بإنقاذه، والإثنان يراقبانه بعدم فهم .

وفجأة وقف إيفان ينظر لهما دون أن يتحدث بكلمة وطال الصمت، قبل أن يتحرك صوبها يرفع إصبعه في وجوه الاثنين آمرًا بغضب :

" لا ينقصني تُراهاتكم، لا ينقصني أن أحمل سخافاتكم، أنا بي ما يكفيني "

فتح أرسلان فمه بحنق وهو يشير لاصبعه بغضب :

" لا ترفع اصـ "

لكن إيفان لم يمنحه فرصة التحدث :

" اصمت، ولا كلمة، يغضبك إصبعي ؟؟ إذن تفضل "

ختم حديثه يرفع أصابعه العشرة في وجه أرسلان بعناد وهو يصرخ :

" كلمة أخرى واضعهم في عيونك أرسلان "

نظر أرسلان ليده قبل أن ينقض عليه فجأة لاكمًا إياه في وجهه يدفعه للخلف بغضب :

" خسئت أنت واشباهك الاربعين، لا ترفع صوتك عليّ، ولا توجه لي أوامر أنت لست ملكًا عليّ ولو كنت فلعنة الله على الملك الذي يجعل انسان يظن أنه قد يأمرني بكلمة واصمت "

نظر له إيفان بصدمة قبل أن ينقض عليه يرد له الضربة اثنين وتشتعل المعركة بينهما وسالار يراقب ما يحدث بتعب شديد وقد شعر فجأة أنه سينفجر، يقسم أنه سينفجر، فقط ليتوقفوا، وحين طال الشجار دون توقف تحرك يبعدهما عن بعضهما البعض كالعادة يلقي كل واحد منهما بلكمة في وجهه، ثم صرخ فيهما بغضب :

" توقفا أنتما الاثنين، لعنة الله على الكافرين، أنا لا ينقصني كل هذا الهراء، أخبركم أن الأوساخ يريدون خطف زوجتي وأنتم تتشاجرون ؟!" 

توقف الاثنان بسرعة ونظروا له باهتمام ليتنفس سالار بصوت مرتفع، وارسلان مسح وجهه يقول باهتمام شديد وقد ركن عناده جانبًا:

" ما الذي تقصده بخطف زوجتك سالار ؟! ألم تجدها ؟؟"

نظر سالار صوب إيفان الذي تحرك لأحد المقاعد يلقي جسده عليه بتعب شديد يمسح وجهه وقد بدأ سالار يقص عليهم ما علمه من تبارك عن ذلك الرجل .

وارسلان اشتعلت عيونه يهمس بغضب :

" وصلت بهم القذارة للنساء ؟؟ يا الله على هؤلاء الأوساخ "

تنفس إيفان وهو يمسح وجهه يحاول التفكير في القادم :

" إذن لنبدأ التفكير في كل مصيبة على حدة يا رجال، نبدأ بمصيبتي التي ستحدث غدًا ومن ثم نرى مصيبة زوجة سالار ..."

كان سالار يستمع لحديثه وهو يضم يديه مستندًا على ركبتيه بذراعه وقد انفصل للحظات من الزمن عن جميع الأحاديث حوله قبل أن ينتفض فجأة وقد خطرت على باله فكرة واحدة جعلت عيونه تتسع وهو يهمس بصدمة متذكرًا أنه اغلق الباب عليها ونسي فتحه مجددًا .

ابتلع ريقه يهمس :

" تبارك ..."

__________________

حسنًا هي تستسلم، الآن وبعد الدوران في القصر بأكمله لم تجد أي أثر لفتاة واحدة، لا تبارك ولا زمرد ولا حتى برلنت التي كانت تدور حول معمل تميم طوال الوقت، الجميع تبخر من القصر، هل جاءت هنا لتجلس وحدها ؟؟ 

أين تلك الفتاة المنهارة الواقعة في ورطة ؟؟ لقد تخيلت طوال الطريق انهيار زمرد بين أحضانها وهي تعدها أنها لن تتركها إلا عندما تعود الأمور لنصابها الصحيح .

تنهدت بصوت مرتفع وهي تتحرك في المكان بملل حتى شعرت أنها جابت أركان القصر بأكملها دون أن تغفل عن ركن واحد به، وللحق كي لا تخدع ذاتها كما تخدع الجميع، فجزء خبيث قذر داخلها كان يضعه ضمن قائمة الأشخاص الذين تبحث عنهم .

وها هي تصل لأحد أهدافها المحددة، والهدف الذي كانت تدعو ألا تعثر عليه، لكنها ومن بين الجميع وجدته يقف في أحد الممرات الذي يطل على حديقة تنتصف المكان يضم كفيه خلف ظهره يشرد في المكان أمامها .

شعرت برغبة كبيرة في الاقتراب منه والتحدث، لكن جزء داخلها ما يزال واعيًا على ما تفعله زجرحها مانعًا إياها من ذلك، بالإضافة لحيائها الذي تسيد مشاعرها في هذه اللحظة، لذلك فقط وضعت يدها  على حجابها تتأكد منه بشكل عفوي، ثم تراجعت للخلف بظهرها وهي ما تزال تنظر لظهره .

واخيرًا ابتسمت بسمة صغيرة تستدير مبعدة عيونها عنه، ثم تحركت بهدوء بعيدًا عن مكان وقوفه.

في اللحظة التي شعر إيفان بشخص يتحرك بالقرب منه، استدار ببطء وهو يضم حاجبيه بتعجب يراقب ذلك الجسد الذي يتحرك مبتعدًا عنه، وما هي إلا ثواني استغرقها ليتعرف عليها وتتسع عيونه :

" هل احلم أم أنها تتحرك أمام عيوني بالفعل ؟؟"

فجأة استدارت كهرمان نصف استدارة وهي ترحل، وحين رأته ينظر لها ابتسمت بسمة صغيرة خطفت أنفاسه، ثم هزت رأسها في تحية صامتة تكمل طريقها مبتعدة وإيفان ما يزال يحدق في أثرها ببلاهة كبيرة لا يصدق أنها تتحرك، وكل تفكيره أنها مجرد طيف خرج من خياله .

لكن حتى ذلك الطيف ما كان له أن يتركه يرحل بهذه السهولة، لذا هرول بخطوات واسعة في الممر ينادي دون وعي :

" سمو الاميرة ؟؟ كهرمان ؟!"

توقفت اقدام كهرمان عن التحرك بصدمة لسماعها اسمها مجردًا منه للمرة الأولى منذ معرفتها به، وهو تحرك صوبها بأعين متسعة بعض الشيء يهمس مجددًا وكأنه لا يصدق أنها تقف أمامه.

" كهرمان ؟!"

ابتسمت كهرمان بسمة صغيرة تهز رأسها وهي تمسك طرف ثوبها بكل رقي كعادتها تميل بعض الشيء :

" مولاي .."

" أنتِ هنا ؟؟ منذ متى ؟؟"

ابتسمت له تقول :

" في العادة يبدأ الأشخاص حديثهم بالتحية مولاي"

ابتسم لها إيفان بسمة ساخرة :

" اعذري قلة لباقتي سمو الأميرة "

هز رأسه يضع يده صوب صدره :

" العين تمتن لرؤيتك بعد هذه الغيبة سمو الأميرة، انرتي سفيد، عسى أن ينيرها وجودك طوال الوقت "

شعرت كهرمان بالخجل الشديد من كلماته تخفض وجهها ارضًا متراجعة أكثر رغم أن المسافة بينهما لم تكن بالقصيرة، إلا أنها شعرت بها قصيرة لدرجة لا تمكنها من التنفس بشكل جيد .

" كان هذا ترحيبًا حارًا أكثر مما طلبت في الحقيقة جلالة الملك "

ابتسم لها إيفان بسمة واسعة :

" تستحقينه وأكثر "

رفعت عيونها له بتردد تقول وهي تحاول الابتعاد عن الحديث عنهما بأي شكل من الأشكال :

" إذن كيف حال زمرد ؟!"

هز رأسه بهدوء يدرك نيتها في الابتعاد عن مجال الحديث عنهما، ورغم هذا احترم رغبتها واكتفى بما ألقى لها منذ ثواني يبتسم بسمة واسعة قائلًا :

" ستكون بخير .."

" وأنت ؟!"

كلمة صغيرة خرجت دون إرادة منها حين أبصرت مرور شرارة حزن سريعة على عيونه حين حديثه، لقد كان ذابلًا عكس عادته، رغم أن ذبوله هذا لم يمنعه التحدث بنفس الطريقة المسيطرة المعروفة منه، إلا أنها شعرت أنه ليس هو الذي تعلمه .

ابتسم لها إيفان بسمة أوسع وهو يهمس لها :

" اصبحت بخير ."

هزت رأسها تشعر أن وقت التراجع والهروب كعادتها حينما تحتدم مشاعرها تجاه هذا الرجل أمامها، قد حان.

" إذن أنا سأتحرك لأرى اخي ومن ثم أعود لأجل زمرد "

رفع حاجبه يبتسم بسمة جانبية :

" مالي أراكِ وقد احترفتي الهروب سمو الأميرة ؟؟ "

رفعت كهرمان حاجبها في المقابل مثله تقول :

" احيانًا نضطر للانسحاب كرمًا منا ورأفة بالخصم مولاي "

" إذن ألا يستحق ذلك الخصم كرمًا مضاعفة منكِ ومن أخيكِ، لقد مللت الانتظار "

تراجعت بظهرها وهي تهمس له بصوت منخفض متوازن مبتسمة :

" معاذ الله أن تنال ما تريده كرمًا مولاي وأنت الكريم، ما عهدتك تنتظر ما تريده "

كان يراقبها تتحرك للخلف، ثم نظر لعيونها يتساءل بجدية :

" إذن إلى متى ستظلين هنا ؟؟"

هزت رأسها بجهل قبل أن تستدير مبتسمة :

" لا ادري، حينما ينتهي كل ذلك سأعود مع أخي لمنزلي "

ختمت حديثها تهز رأسها بهدوء :

" إلى اللقاء مولاي .."

راقبها تتحرك بهدوء ليبتسم دون وعي :

" إلى لقاء قريب سمو الأميرة، لقاء قريب أكثر مما تتوقعين ..."

__________________

هرول بخطواته صوب باب غرفته وهو يتضرع الله في قلبه ألا يكون قد تسبب لها في قلق أو خوف، ابتلع ريقه يفتح الباب بسرعة ينادي اسمها :

" تبارك ؟؟"

بحث عنها بعيونها في المكان بأكمله، حتى توقفت على الفراش يراها تنام بعمق هناك دون الشعور بشيء حولها .

ابتسم بهدوء يتحرك صوبها، ثم تنهد بصوت مرتفع يجلس على طرف الفراش يمد يده ليتحسس رأسها بحنان شديد وهو يميل عليها ليطبع قبلة على رأسها ورغم غضبه الشديد منها إلا أنه لا يهو....

ولم يكد يكمل طريقه صوب رأسها ليضع قبلته على رأسها، حتى شعر بانتفاضة كبيرة في جسدها تسببت في تراجعه للخلف بعدم فهم، وقبل التحدث بكلمة واحدة اتسعت أعين سالار وهو يسمع صرخات تبارك التي رنت في المكان بفزع ورعب وكأن هناك من يقطعها اربًا.....

تراجع سالار بسرعة كبيرة للخلف ينظر لها بأعين متسعة هلعًا من حالتها، كانت متعرفة بوجه احمر ترتجف كورقة ذابلة في وجه عاصفة خريفية، بعيون زائغة تدور في المكان وكأنها تبحث عن شيء ما .

حتى في النهاية سقطت عيونها على سالار ليترخي جسدها شيئًا فشيء، ثم تهدأ أنفاسها ببطء وفي النهاية عادت مجددًا تضع رأسها على الوسادة مغمضة عيونها مستسلمة بشبه راحة تولدت لرؤيته .

وهو فقط راقب كل ذلك بعدم فهم، ابتلع ريقه يمد لها يد مرتجفة وهو يحاول الحديث بهدوء خوفًا أن يروّع نومتها :

" تبارك .....تبارك "

لكن تبارك لم تتحدث أو تجبه بكلمة إلا بعد خمس دقائق حين همست بصوت متقطع :

" أنا خايفة، الاصوات كلها عالية و...الدنيا ضلمة "

نظر سالار حوله للغرفة المضيئة والهدوء الذي يعم المكان، ثم نظر لها مجددًا يهمس بصوت مرتجف بعض الشيء، صوت لم يعهده لنفسه سوى في موضعين والعجيب أن كلاهما متعلق بها، واحد يوم الاحتفال الوطني، والثاني الآن..

" تبارك لا تخيفنني حبًا بالله، إن ازعجتك اغضبي ولا تحزني، أنا آسف، اقسم أن غضبي كان نابعًا من رعبي أن تمس يدٌ نجسة طرف ثوبك عزيزتي "

لكن من طرف تبارك ما وجد منها رد، فقط انفاس تخرج وتدخل بهدوء شديد وهي تنظر لوجهه، مد يده ببطء مبتسمًا بسمة مترددة مرتجفة يتلمس وجنتها:

" لكِ مني قصاصك إن كان هذا يرضيكِ مُهجتي "

رمقته تبارك طويلًا بصمت قبل أن تهمس له :

" متسبنيش تاني لوحدي لأني بسمع صوتهم حواليا"

نظر سالار حوله بسرعة كبيرة وبملامح متحفزة، حتى أنه كان على وشك الانتفاض مخرجًا أسلحته :

" اصوات لمن ؟؟ من هنا ؟؟"

" الفيران "

توقفت يد سالار في الهواء بتعجب، ثم نظر لها بعدم فهم وهي أكملت توضح له :

" كانوا بيحبسوني في اوضة ضلمة فيها فيران كل ما اغلط، زي ما انت حبستني هنا "

اتسعت أعين سالار بقوة وهو يرتد للخلف قليلا مبتلعًا ريقه بصدمة، وتبارك استمرت في الحديث :

" أنا عارفة إن مكانش فيه فيران في الأوضة دي وأنهم كانوا بيكدبوا عليا، بس أنا...كنت بسمع صوتهم في المكان رغم أنهم مش موجودين، كنت ...كنت بخاف منهم والضلمة كانت بتخليني ارسم صور ليهم وهما في الأوضة حواليا، مش عايزة ارجع للاحساس ده تاني  "

تحرك سالار صوبها بسرعة كبيرة يجذب لها جسده بعدما كان مبتعدًا عنها بصدمة، يجذبها صوب أحضانه بقوة وهو يهمس لها :

" لم اقصد، لم اقصد تبارك، اقسم أنني ما قصدت أن أعيد لكِ كل تلك الذكريات بحبسي لكِ هنا، أنا فقط كنت أخشى أن يأتيكِ أحدهم مستغلًا غيابي و...."

نظرت له تقاطعه عن الحديث مقتربة منه تحتضنه أكثر تغمض عيونها تنام قريرة الأعين وهي تردد بصوت هامس:

" لا أحتاج لكلمات تبرر ما فعلته معي سالار، فأنا لن اسامحك على اجباري العيش تلك اللحظات المريعة مرة أخرى بسهولة ."

ورغم أن كلماتها تنافت بالكامل مع أفعالها إذ كانت تحتضنه بقوة وهي ترفض مسامحته، إلا أن سالار ارتعب من تلك الفكرة :

" تبارك أنا لم اقصد، أنا لا امتلك حراسة على باب غرفتي لذا خشيت أن يقترب أحدهم ويأخذكِ مني، اختفائك لساعة أو اقل قادني للجنون فجعل فكرة فقدانك تقتلني "

كان يتحدث وهو يضمها أكثر _ إن كان ممكنًا _ يربت على كتفها بحنان شديد :

" تبارك ؟!"

لكن لا شيء سوى صوت انفاس هادئة أخبرته أنها غرقت في نومة عميقة ...

قبل رأسها بحب يرفع يديه لينتزع حجابها يحرر خصلاتها مستاء من نومها بهذه السرعة دون أن تسمعه أو يبرر لها أنه لم يتعمد أن يجرحها بهذا الشكل وهو من كان يسعى ليضمد جراحها الأيام السابقة .

لكن رغم ذلك ابتلع كلماتها يمنحها الهدوء لتنام إن كان هذا ما سيريحها، وفي رأسه تدور طواحين وفكرة واحدة تؤرقه، تبارك غاضبة منه ولن تسامحه بسهولة ....

__________________

أن يسير معها بهذا الشكل في الأسواق حتى وإن كان خلفها لحمايتها لهو أقصى ما يمكنه الحلم به هذه الأيام وحتى تصبح له .

ابتسم يراقبها تتلفت حولها باهتمام شديد لكل ما يحيط بها، وهو فقط يركز جميع حواسه معها هي فقط .

هذا وحتى توقفت زمرد وأخيرًا أمام أحد المحال الذي نجح دون غيره في جذب انتباهها، فبعدما كانت ملامحها تضج بالملل، اشرقت بسعادة كبيرة حين أبصرت ذلك المحل أمامها، وخمنوا نوعية المنتجات التي يبيعها ذاك المكان يا ترى ؟؟

نعم، أسلحة .

تحسست زمرد الأسلحة وهي تبتسم بسعادة بينما هو يرمقها بضيق وغيظ شديد يتحرك ليقف جوارها هامسًا :

" سمو الأميرة، هلّا نكمل الطريق رجاءً ؟؟"

استدارت له زمرد تقول ببسمة :

" ما رأيك بهذا الخنجر ؟؟"

ابتسم لها بسخرية يجيب بصوت هامس :

" لدينا الكثير منها في القصر، اعتقد أنكِ لا تحتاجين لشراء الخناجر فلديكِ طرقك الخاصة لإنهاء مخزوننا من الخناجر "

رفعت زمرد عيونها في وجهه تبتسم بخبث تدرك مقصده :

" حسنًا يبدو أن تلك الطريقة على وشك التغير، فأنا الآن أميرة يمكنني الحصول على ما اشاء من الخناجر، دون الحاجة لسرقتها "

كانت تتحدث وهي تتحرك بعيدًا عنه مبتسمة بسخرية بينما هو لحق بها يجيب بكل ضيق :

" وكأن كونكِ أميرة يؤهلك لأخذ الخناجر ؟؟ منذ متى تحمل الاميرات الخناجر؟؟؟ "

نظرت له من خلف كتفها تجيب بكل كبرياء :

" منذ أصبحت واحدة منهن ..."

ختمت حديثها تتحرك في المكان لتبصر الجميع يتحرك حولها في حيوية كبيرة، السوق الشعبي للعاصمة يشعرها بالحياة، الحماس، هذا كل ما تشعر به الآن .

نظرت خلفها صوب دانيار تراه يتحرك خلفها يتمتم بضيق لتبتسم بسعادة :

" أولست أنت من عرض الأمر دانيار ؟! تحمل ما عرضت إذن "

وهو فقط لوى ثغره بضيق يكمل طريقه خلفها، وهي فقط تراقب الجميع، كان كل شيء حولها طبيعيًا، تمامًا كما كانت تتخيل قديمًا حينما حلمت بنفسها تحيا مع والدتها في قرية صغيرة طبيعية بسوق شعبي .

فجأة أبصرت زمرد سيدة تحاول أن تساعد عجوز  للنهوض وهي تصرخ في أحد الرجال الذي أسقطها وتحرك دون اهتمام .

رفعت حاجبها تنتظر أن يمر بها الرجل ثم وقفت في وجهه تقول بصوت بارد مخيف بعض الشيء :

" عد وساعد تلك السيدة للنهوض واعتذر لها، هذا من شيم الرجال يا سيد "

رفع لها الرجل عيونه بسخرية :

" وماذا إن لم أفعل ؟؟"

فتحت زمرد فمها للتحدث لكن فجأة صمتت وقد اتسعت عيونها بقوة وهي تحدق في نقطة معينة جمدتها في أرضها، ولم تشعر إلا بدانيار الذي جاء ووقف أمامها يدفع الرجل بعيدًا بشر :

" سمعت ما قالت الأميرة، عد واعتذر من السيدة وتحلى ببعض الاخلاق "

كاد الرجل يعترض على حديثه، لكن نظرات الشر ومظهر دانيار منعوه العناد ليعود متأففًا صوب السيدة وهو يتمتم بغضب، ودانيار يراقبه باهتمام حتى ساعد السيدة واعتذر باقتضاب ورحل كل ذلك وزمرد صامتة بصدمة كبيرة تراقبه يتحرك، لكن وقبل أن يتخطاها صرخت بعنف :

" أنت أيها القذر توقف .."

توقف الرجل بصدمة واستدار دانيار صوب زمرد بتعجب ليرى اشتعال عيونها، وزمرد تحركت صوب الرجل الذي وحينما أبصرها تقترب شعر بالخوف والريبة وهو يبتعد عنها بخطوات سريعة تحولت لركض جنوني من شيء لا يدركه، لكن كانت هذه عادته فهو يومًا لم يناديه أحدهم لخير ..

ركض لتركض خلفه زمرد دون تفكير وهي تصرخ بجنون وقد سقط لثامها تصرخ بصوت مرتفع :

" أمسكوا ذلك الحقير امسكوه"

كان الرجل يركض وهي تركض خلفه بإصرار مخيف بينما دانيار والذي لم يكن يفهم ما يحدث ركض خلفهما بسرعة كبيرة وقد أخرج سهامه يرفعها صوب الرجل، لكنه لم يفلته خوفًا أن يصيبه وهو لم يخطأ، فقط يتوقف ليعلم ما فعل لزمرد ..

تحرك الرجل في بعض الأزقة الضيقة وزمرد خلفه لا تيأس، تركض يمينًا ويسارًا دون توقف، حتى توقف هو في زقاق يكاد يظلم لشدة تلاصق المنازل به، توقف ولم يكن وحده، بل امتلك رفقة .

فجأة ودون معرفة كيف وجدت زمرد نفسها محاطة بالعديد من الرجال، أو معذرة العديدة من ذكور قريتها، وهذا يجعلها تفكر، ما الذي يفعله كل هؤلاء هنا في سفيد ؟؟؟؟

ما الذي جاء بهذا العدد من المنبوذين لأسواق سفيد، وإلى ماذا يخططون ؟؟؟!

" مرحبًا يا قوم "


ربما حرب أخيرة تكفي بالغرض ....



الفصل الثاني والاربعون

صلوا على نبي الرحمة .



كانت تقف في المنتصف وهي تحدق في الأوجه حولها، الأجساد التي تدور حولها بتحفز شديد رغم جهلهم لهويتها بسبب لثامها الذي يخفي نصف وجهها تقريبًا، وهي ابتسمت بسمة ظهرت في عيونها، تراقب نظراتهم تلك لتنتزع اللثام الخاص بها تقول بحماس مصطنع :

" يا ويلي لا تخبروني أنكم لم تتعرفوا عليّ، هذه أنا زمرد "

نظر بعضهم للبعض، البعض بصدمة لمعرفته هويتها والبعض الآخر بجهل لها، فهم للتو فقط سقطوا في هذا الوحل ولا يدركون من تكون تلك المرأة التي رسمت كل هذه الصدمة على أوجه الباقيين ؟!

اتسعت بسمة زمرد تقول بقلة حيلة :

" وإيفان ينصحني بوأد شيطاني "

حركت يدها تمررها على الجميع وهي تقول بسخرية :

" آهٍ لو يرى هذه القذارة التي تبصرها عيوني، لمدني بالأسلحة بيديه حتى اتخلص منكم "

تحدث أحد الرجال وهو ينظر للباقيين مستفسرًا :

" من هذه المرأة التي تتجرأ وتتحدث معكم بهذه الطريقة ؟! "

رفعت زمرد حاجبها وتعجبت من ذلك الرجل الذي تبصره لأول مرة، تنفست تقول بصوت منخفض :

" وافد جديد؟ يا الله تتكاثرون كالحشرات، ما الذي تفعلونه هنا في سفيد بعد كل ما حدث لكم ؟؟"

تقدم أحد الرجال يقول بصوت جاد:

" جئنا نقتص منكم ومن الجميع لنستعيد أرضنا "

تشنجت ملامح زمرد بقوة وهي تمرر عيونها عليهم قبل أن تهمس بصدمة حقيقية :

" أرضكم ؟؟ حقًا ؟؟ هل تصدق ما تقوله ؟؟ "

نظر لها الرجل بإصرار مخيف جعلها تتراجع مصدومة من تلك النظرات في عيونه، لقد كذب القوم كذبتهم وصدقوها، اقنعهم بافل أنهم أحق بأرض _ لا علاقة لهم بها_ من أهلها .

" هل تمزح معي ؟! يا قوم أنتم لا وطن لكم، أنتم منبوذون، ليس من أهل البلاد فقط، بل من البلاد نفسها، البلاد نبذتكم، من أين أيتت أنت ببلادكم تلك، ما هذه الكلمة الشاذة المريبة ؟؟" 

كانت تتحدث ببسمة غير مصدقة في اللحظة التي وصل بها دانيار لهم ليبصر تجمهر عدد من الرجال حولها فتحركت يده ليحمل المزيد من السهام يضعهم داخل قوسه يقول بجدية :

" ابتعدوا عنها "

استدارت له زمرد تراقبه يرفع سهامه كلها في وجوه الجميع بشكل مريب وهي فقط تحدق في الجميع قبل أن تقول :

" تعال واسمع تلك النكات التي يطلقها القوم "

حرك دانيار سهامه على الجميع، وهو يمرر عيونه عليهم بنظرات جامدة دون بسمة صغيرة حتى :

" لا اعتقد أنني أحب سماع النكات من هؤلاء القوم أو حتى التحدث معهم، تحركي خلفي "

نظرت له باعتراض ولم تكد ترفض طلبه، حتى رمقها هو بصرامة جعلتها تتحرك، لكن وقبل أن تفعل امسكها أحد الرجال بسرعة يجذبها صوبه مخرجًا سيفه :

" أتظن الأمر بهذه السهولة ؟! لقد رأيتمونا وهذا سبب كي لا نتركك ترحل وإياها "

همست له زمرد بحنق :

" صدقني تركك لنا احياء بعد رؤية وجهك اكبر عقاب قد تسقطه علينا " 

ابتسم دانيار يدفع أحد الرجال الذين يشكلون حلقة حول زمرد جانبًا، لكن وبسبب دفعته الغير متوقعة والتي باغت بها الرجل، سقط الاخير ارضًا وبقوة، ثم خطى دانيار للحلقة وهو يقف أمام ذلك الرجل الذي يهدد زمرد بسيفه، وقبل أن يتحدث بكلمة واحدة كان سهمه قد أصاب يد ذلك الرجل ليطلق صرخة مرتفعة يعود للخلف، ودانيار أشار بعيونه لزمرد أن تقترب :

" ومن أخبركم أننا سنترككم ونرحل احبائي ؟! ليس بهذه السهولة "

ختم حديثه ثم جذب أربعة سهام يشير لزمرد بالتحرك خارج الزقاق حيث الحراس الذين أمرهم بالترقب، ومن ثم توقف هو يقول ببسمة :

" والآن ما رأيكم أن نتحدث حديث رجال ؟!"

صمت يدير عيونه بين الجميع ثم أكمل ببسمة أوسع :

" على الاقل من طرفي "

نظر الرجال لبعضهم البعض قبل أن يتحدث أحدهم وهو يشير للرجال ألا يسمحوا لهم بالتحرك :

" لا تدعوا أحد يتحرك من هنا ليس بعدما ابصرونا "

تنهد دانيار يقول بجدية وهو يشير للجندي :

" خذ الأميرة بعيدًا عن هنا وأنا سأنتهي من كل هذا والحق بكم "

  نظرت له زمرد باعتراض، لكنه قاطع كل تلك النظرات يقول بغضب شديد :

" تحركي معه "

تدخل أحد الرجال وهو يحاول منعها من الرحيل :

" أخبرتك أن أحدًا لن يتحر..."

وقبل أن يكمل جملته كان سهم دانيار يتوسط ذراعه وهو يتحدث بصوت مرتفع آمرًا :

" اخبرتك خذ الأميرة وارحل من هنا "

وبالفعل أشار الجندي لزمرد بالتحرك، لكن زمرد أبت أن تفعل وتترك دانيار وحده، لولا نظرة دانيار لها التي جعلتها تتحرك مكرهة، وهي تفكر في الرحيل لتحضر أي سلاح تراه، فهي عزلاء لن تنفعه، تحركت ببطء مع الجندي الذي أشار لها بالتحرك سريعًا، بينما دانيار راقبها حتى تحركت مع الحارس الذي أبعدها عنهم وكان آخر ما رأيته هو دانيار الذي أخرج سهامه ..

نظرت أمامها، تشعر أنها ترتكب خطأ كبير برحيلها، لذا أسرعت الخطى وهي تنظر حولها في كل مكان تبحث عن الحراس المنتشرين عادة في الأسواق بين الطرقات .

لكن ما أبصرت منهم أحد، ظلت تنظر حولها بجنون وهي تحاول إيجاد أثر لهم حتى شعرت بالتوتر يتملكها لتتحرك بعصبية شديدة صوب أحد محلات الأسلحة تنتزع منه سيف، ثم هرولت متجاهلة نظرات البائع المصدومة وهو يصرخ بأعلى ما يمتلك من صوت :

" لصة...أمسكوا تلك اللصة "

__________________

كان يتحرك بحصانه صوب الحدود وبسرعة كبيرة، منذ الصباح عقد العزم على التحرك للبلاد كي يعتني بشؤونها قبل أن يعود لمتابعة أمور الحرب .

خطى أرسلان للبلاد ليقابله اول ما يقابله اطلال بعض المنازل التي تقع على الحدود، المحطة الأولى التي طالها أذى هؤلاء الخنازير .

هبط عن خيله وقد ارتأى أن يكمل الطريق سيرًا على الأقدام، يتأمل مشاهد الدمار التي لم تبرأ بلاده منها بعد.

 ربما تخلصوا من المرض، لكن آثاره لم تمح بعد .

تحركت عيون أرسلان على كل تلك المنازل الشبه محترقة، وتلك الثياب البالية، والالعاب المحطمة و...بقايا الأجساد التي علقت بين الركام، مشاهد لم ينزع عيونه عنها بغية حفظ كل تفصيلة صغيرة بها.

تقدم أرسلان من ركام أحد المنازل وجلس جواره يستند على بقايا الجدار الذي ضم يومًا من الايام عائلة كاملة، عائلة امتلكت من الاحلام الكثير، لكن يبدو أن الموت كان اسرع من أحلامهم 

هو لم يبصر موت تلك العائلة أو غيرها من الأسر التي راحت ضحية قذرين استحلوا لأنفسهم بلاد ليست ببلادهم ودماء؛ القطرة منها اطهر من كامل أجسادهم كاملة، لكنه سيتخيل ما حدث، يمكنه أن يبني صورة عما حدث مما يرى أمامه .

طفل يلعب أمام منزلة ببعض الالعاب البلاستيكية، وام تخرج الثياب في صبيحة يوم مشرق كي يجف بعد الانتهاء من غسله، وأب يتجهز ليتحرك صوب عمله، فتاة تقف في مطبخ منزلها تعد الفطور للجميع قبل أن ينصرف كلٌ لعمله .

صوت ضحكات الصغير تنافس صوت صراخ الام صخبًا، صوت تأفف الاب واستغفاره يعلو في المكان، والابنة تتحرك تصرخ بشقيقها الأوسط أن يستيقظ للفطور، اصوات صاخبة يضج بها المنزل ومن ثم ..

صمت تام عم في الأجواء، صمت جاء يفسح الطريق للعاصفة؛ صمت يعقبه صرخات مرتفعة من الخارج، صرخات جهل الجميع سببها، وقبل أن يتحرك الأب ليرى ما يحدث أو تهرول الأم لتجذب صغيرها بعيدًا عن تلك الضوضاء، وقبل أن يفتح الشقيق الأوسط عيونه، أو تركض الفتاة للنافذة، وقبل أن يفكر أحدهم في أخذ خطوة واحدة لمعرفة ما يحدث أو لأخذ ساتر كان كل شيء يُباد على بكرة أبيه ..

وتلاشت ضوضاء العائلة ليحل محلها ضوضاء الجميع حولهم والنحيب والصراخ والذهول وهم يبصرون الأجساد تذوب من الانفجار ...

مشهد رسمه عقل أرسلان ببراعة بناءً على ما يرى من بقايا المنزل، ربما لم تكن هي نفسها قصة هذه الأسرة تحديدًا، لكنها ربما كانت قصة أخرى لعائلة أخرى، فما أكثر العائلات المنكوبة في بلاده ؟!

" نحن لم ننتهي بعد، عودة البلاد كانت بداية الحكاية، ومازال الطريق طويلًا، والنهاية أنا فقط من سأخطها بأناملي "

دار بعيونه في المكان حوله قبل أن يتحرك ليجذب الخيل خلفه وهو يردد بعض الكلمات بصوت جامد غاضب مقهور :

" أرادوا بالبلاد خرابًا، وستُرد عليهم حسرات، ساقوا لنا الموت، وسنسوق لهم من الأهوال ألوانًا، لكنه الصبر فالغد موعدنا، وما اقرب الغد لليوم..."

تحرك وهو ينظر أمامه بأعين ضبابية مبتسم يدور بعيونه في جميع الأماكن حوله والتي هجرها أهلها خوفًا :

" ما سبق كان لهم، والقادم لن يكون سوى لنا ..."

_______________________

استيقظت تنظر له طويلًا وهو كان يضمها له مغمض الأعين، لا يعي بنظراتها أو ربما يدعي أنه لا يعيها .

اقتربت تبارك منه أكثر تتأمل ملامحه لاول مرة وهو يغط في نوم عميق، لأول مرة تبصر ملامحه بهذا القرب دون أن تخجل من نظراته .

ابتلعت ريقها تشعر برغبة عارمة في إكمال نومها، لكنها أبت أن تفعل، فقط ابتعدت عنه بصعوبة شديدة بعدما جذبت نفسها من بين أحضانه بصعوبة تتحرك بعيدًا عنه، تجذب حجابها من أسفله، لكنها وجدته عالقًا، مالت بعض الشيء تحاول جذبه دون أن يشعر، لكن يبدو أن ذلك الحجاب كان حجة سالار الوحيدة ليبقيها جواره إذ تمسك به بقوة كبيرة رافضًا تركه وهي زفرت بغضب :

" دع الحجاب سالار .."

لكن لا رد وصل لها وهذا زاد غضبها، هي في هذه اللحظة تريد الرحيل من هنا، تدرك أنه إن استيقظ وتحدث لها قد تضعف وتستسلم له، وهذا ما ترفضه، ليس الآن على الأقل .

وحين أبصرت تشبثه بالحجاب تركته بغيظ شديدة ملقية إياه على الفراش جواره :

" لا؟؟ إذن يمكنك الاحتفاظ به، وانا سأخرج بهذا الشكل، لا اعتقد أن هناك حراس في هذا الوقت في الخارج، صحيح ؟!"

اكمل سالار ادعاءه للنوم يدرك في نفسه أنها لن تتجرأ وتفعلها، لكن صوت فتح الباب، وغلقه بقوة، أخبره أنها فعلتها دون أن تهتم لشيء، وفي ثواني قليلة كان ينتفض بسرعة يجذب الحجاب صارخًا بغضب وهو يهرول  :

" تبارك لـ ..."

وقبل أن يكمل كلماته صمت وهو يراها تقف جوار باب جناحه تراقبه بسخرية .

ضغط سالار على الحجاب بقوة، يهتف من بين أسنانه :

" اياكِ وأن تحاولي يومًا اللعب معي بهذه الطريقة تبارك، ليس بهذا الشكل الذي قد يدفعني للجنون "

مدت تبارك يدها بكل هدوء تقول :

" حجابي رجاءً .."

" لا، ليس الآن، وليس قبل أن نتحدث "

رفعت حاجبها ترفض الحديث، ليس وهي لم تستعد له نفسيًا :

" وأنا لا أريد الحديث في هذه اللحظة "

امسك سالار يدها رافضًا اي ملامح اعتراض أو كلمات كانت على وشك نطقها وهو يجرها خلفه بهدوء شديد يضعها على الفراش، ومن ثم جذب أحد المقاعد يجلس عليه أمامها بشكل جعلها تتذكر آخر مرة جلس هذه الجلسة قبل أن يتحول للوحش الاسطوري ويرحل .

فتح فمه للحديث، لتقاطعه هي بسرعة :

" أريد العودة لمنزلي"

نظر لها بعدم يتحدث :

" هذا منزلك .."

" لا ليس هذا، اقصد منزلي الذي اخذتني منه دون إرادتي سالار "

نظر لها سالار ثواني قبل أن تتسع عيونه بصدمة كبيرة من كلماتها، ليس لهذه الدرجة، ليس لأنه ثار عليها دون وعي .

" أنتِ تمزحين معي ؟!"

" لا أنا بس كنت ..."

قاطعها سالار بنبرة شبه جنونية يخشى أن تكمل حديثها، ليس بعد كل هذا تخبره أنها تود العودة، ليس الآن وليس أبدًا، ليس وهو حي على الأقل .

" أنتِ لا تعنين كل هذا، بالطبع لن تتركيني لأنني صرخت في وجهك مرة واحدة، وللعلم كنت محقًا"

نظرت له بغضب، ثم تنفست بصوت مرتفع تقول :

" أريد العودة لشراء أدوية تكفيني، أنت لا تريد لي الموت هنا بسبب سوء علاج مرضي سالار "

شهق سالار بصدمة كبيرة وقد شحب وجهه يتفحصها بأعين سريعة محاولًا معرفة إن كانت تعاني في هذه اللحظة أو لا .

" أنتِ بخير ؟؟"

" حتى الآن"

تأوه سالار يتحرك عن المقعد بسرعة وهو يقترب يجلس على ركبتيه ينظر لعيونها متحدثًا بجدية كبيرة وحنان :

" تبارك لا تتحدثي بهذا الشكل، ليس هكذا أرجوكِ "

نظرت له تقول بصوت منخفض :

" هكذا كيف سالار ؟؟"

ابتلع ريقه يهمس لها :

" بهذا الشكل الذي يشعرني أنني... أنني ربما على وشك ...على وشك فقدانك تبارك، أنا اترجاكِ ليس هذا الشعور أنا يكفيني ما أمر به في حياتي"

نظر لعيونها يهتف بجدية كبيرة وكبرياء رغم جلوسه بهذا الشكل أمامها:

" معاذ الله أن اقنط أو أيأس لكنني تحملت هذه الحياة فقط لأنكِ بها، فلا تختبريني بفقدانك فلا قِبل لي بعيشة لا تشاركيني بها "

امسك كفيها يداعب باطن يدها بحنان :

" لا تقسمي ظهري بكِ تبارك، اختبريني بأي شيء وإياكِ أن يكون بكِ "

كانت تبارك تسمع حديثه وهي تحاول أن تستوعب أنها تتلقى كل ذلك الحب والاهتمام من أحدهم، أنها وبعد سنوات من عيشها كشخص مهمش في العالم، أضحت العالم لشخصٍ لم تكن تدري أنه يعيش معها على هذا الكوكب .

رجل كان يستطيع أن ينتقي من النساء ما يشاء وسيكن في غاية السعادة، رجل لو جلست في ليلة هادئة تتأمل السماء وتجمع كل الصفات الخيالية الخارقة في عقلها ما اوفته حقه..

هذا الرجل هو نفسه قائد جيوش مملكة ضخمة، رجل يقود مئات الآلاف من الرجال ويدربهم، رجل متجبر للبعض مخيف للآخر، حنون عليها .

في هذه اللحظة أدركت تبارك للمرة التي لا تدرك عددها أنها أكثر نساء هذه الأرض حظًا بسالار .

ابتسمت بسمة صغيرة :

" معاذ الله أن أفعل يا قائد، فأنت ظهري كيف اتسبب لك بضرر، وأين لي من ملجأ إن فعلت؟؟"

هبطت عن الفراش تجلس أمامه ورغم فرق الطول والحجم بينهما إلا أنها مدت يديها تضم وجهه بحنان شديد :

" أنت فقط استوصي بي خيرًا سالار " 

نظر سالار لعيونها يقول بحب :

" أنتِ كل الخير تبارك "

ابتسمت له تهمس بجدية :

" أنا أتعجب من كلماتك، احيانًا تكون كرجال الكهف لا تفقه التعامل مع النساء، وأحيان أخرى اشعر بك شاعرًا "

" أنا فقط مجرد عبد فقير إلى الله، لا يطلب منه سوى الصحة  وراحة البال وجوارك تبارك، ولأجل جوارك استطيع التحول لشاعر إن أردتِ "

ابتسمت له تبارك تقول وهي تميل عليه تضمه :

" يكفيني أن تكون سالار، فقط احرص على ألا تتسبب لي في أي وجع، لا أريد أن يتخذ الشيطان غضبي منك ذريعة ليزرع بيننا بغض سالار "

ضمها له سالار يربت على ظهرها يتنهد بصوت مرتفع :

" إن شاء الله ستكون المرة الأخيرة التي اسمح فيها لغضبي بالتغلب عليّ، أنتِ فقط احرصي على الإنتباه لنفسك، فالقادم لن يكون بالهين، اعتني بنفسك لأجلي في لحظات غيابي تبارك، اريدك بخير "

ابتعدت عنه تبارك تهمس بعدم فهم :

" وما هو القادم سالار ؟!"

" الخطوة الأخيرة عزيزتي ...."

_________________

"ماذا تعني بأنها خرجت ؟! ولمَ لم يخبرني أحدكم ؟؟"

كانت تلك كلمات إيفان التي خرجت متعجبة بعدما سمع رد بعض الحراس على سؤاله " أين سمو الأميرة زمرد " ويبدو أن الرد لم ينل رضاه كثيرًا إذ بدأ غضبه يشتعل تدريجيًا وهو يكمل حديثه :

" أنا فقط اريد معرفة سبب أن اوامري لم يعد لها أهمية في هذا القصر، ما الذي حدث لكم ؟!"

تحدث أحد الرجال وهو ينظر أمامه بملامح خالية من أي مشاعر أو تعابير كرجل من الثلج عدا الاحترام :

" لقد جاء أحد الجنود يخبرنا أنه سيخرج لحراسة الأميرة في الأسواق رفقة قائد الرماة سيدي ."

رفع إيفان حاجبه يردد :

" قائد الرماة ؟؟" 

شعر بالغضب يزداد اضعافًا وهو يتوعد لدانيار بالويل، تنفس بصوت مرتفع يصرفهم عنه متحدثًا بجدية :

" حسنًا كلٌ لموقعه وليحضر لي أحدكم حصاني، سأذهب للأسواق بنفسي .."

ترقب تميم رحيل الجميع حتى لم يعد يبصر سوى إيفان فقط، ابتسم يقول بهدوء شديد وهو يحاول أن يهدأ من غضبه الواضح على ملامحه :

" مولاي ..."

نظر له إيفان بترقب فتحدث تميم بجدية :

" اقترح أن اتحرك أنا للأسواق للبحث عن الأميرة ودانيار، وأنت يا مولاي يمكنك البقاء هنا، فأنت كما ترى أمور القصر غير مستقرة "

رمقه إيفان ثواني قبل أن يقول ساخرًا من حديثه :

" أمور القصر غير مستقرة أم أنك تخشى على رفيقك مني تميم ؟؟"

ابتسم له تميم بسمة صغيرة :

" أنت بالفعل تعلم الإجابة مولاي، لذا لا اعتقد أن هناك حاجة للمراوغة "

تنفس إيفان بصوت مرتفع وهو ينظر حوله وقد أضحى يشعر أن كل شيء يتسرب من بين أنامله، الأمور في القصر أضحت شائكة وخطيرة هذه الأيام، هذا دون ذكر شقيقته وسالار وكهرمان ووو 

الأمر يزداد كل ثانية وهو قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، مسح وجهه بغضب ثم تحرك وهو يقول :

" قل لرفيقك أنه يثقل ميزانه بأفعاله تلك وأنني لن اتحمله طويلًا "

هز له تميم رأسه مبتسمًا وبمجرد اختفاء إيفان عن مرمى بصره تنفس بصوت مرتفع غاضب يتحرك تمامًا بسخط :

" يا الله يا دانيار منذ متى أصبحت بمثل هذه الحماقة ؟؟ "

تحرك صوب غرفته كي يبدل ثيابه ويتجهز للخروج وهو يفكر في الجميع والقادم، وقد كان تميم في هذه اللحظة شاكرًا لكل هموم العالم التي تمنعه التفكير في أموره هو وبرلنت، أو هذا ما يدعيه هو على الأقل.

أما عن إيفان فقد تحرك بين الطرقات بهيبته المعتادة يشمر أكمام ثوبه وكأنه على وشك الدخول في شجار مميت، يتحدث لمن يحيط به من الحراس :

" ارسلوا لإحضار العريف، أريده أن يأتيني للقاعة في دقائق معدودة "

ختم حديثه يدخل لتلك القاعة ينتزع عنه كل ما يقيده من أسلحة وثياب يرتديها كملك في العادة، تحرر من كل شيء وجلس بهدوء شديد يستند بذقنه على كفيه، قبل أن يسمع صوت الخاجب في الخارج يطلب إذن الدخول، لكن على عكس التوقع لم يطلبه للعريف، بل كان لها هي ...

" أميرة مشكى تطلب الإذن بالدخول ..."

رفع إيفان حاجبه متعجبًا لكنه رغم ذلك ابتسم يقول بهدوء :

" لها ما تريد من الإذن، ادخلها "

ثواني هي حتى طلعت عليه بثياب غريبة عن ثياب نساء مملكته، لكنها تميزها وبشدة، كانت تضع على وجهها الغطاء كما اعتادت قديمًا حين إقامتها في قصره .

" سمو الأميرة ؟؟ لمن أدين بالفضل لمجيئك حتى هنا ؟؟ "

ابتسمت له كهرمان من أسفل الغطاء تردد بهدوء :

" لقراراتك الحكيمة مولاي ..."

رفع إيفان حاجبه بتعجب من كلماتها :

" عفوًا ؟!"

" هل جننت ؟؟"

اتسعت أعين إيفان بقوة من كلماتها تلك يتحرك عن مقعده يهبط من فوقه يهيمن عليها لتشعر بضائلتها في هذه اللحظة لكنها حاولت أن تدعي العكس وهي ترفع ذقنها بكل كبرياء، بينما إيفان نظر لها من أعلى لاسفل يقول ببسمة غير مصدقة :

" أنا من جننت ؟؟ هل نسيتي أمام من تقفين سمو الأميرة ؟؟"

قالت كهرمان بكبرياء غبي ذكره بكبرياء شقيقها، بينما وجهها يختفي خلف الغطاء وكأنها اتخذته ساترًا لها عنه .

" أمام شخصٍ تناسى شقيقته وواجبه نحوها ولم يتذكر سوى دوره كملك، كيف تفعل ما فعلت ؟! تُعرض زمرد لمحاكمة ؟؟ هل تمزح معي ؟؟"

رفع حاجبه وقال بصوت هادئ:

" نعم أفعل، أي اعتراض من سموك ؟؟"

" نعم، ولا ليس اعتراضًا واحدًا، بل دزرينة اعتراضات لك جلالة الملك، بالله عليك هذه شقيقتك كيف تجرأ على وضعها في هذا الموقف، ومن قبلها سالار، أنت لا تفرق بين قريب وغريب "

هز رأسه يجيب ببسمة هادئة شبه باردة :

" نعم أحسنتِ، أنا لا افرق بين غريب او قريب، هذا العدل، الجميع مطالب بتقديم دليل براءته سمو الأميرة، من يخطأ يُعاقب، وأمام أعين الجميع يُحاسب، العدل اساس الملك "

بُهت وجه كهرمان من خلف الغطاء تقول بصدمة :

" أنت.... أنت حقًا ..."

صمتت ولم تدرك ما يجب قوله فمن ناحية هو محق ألا يفرق بين أبناء شعبه وعائلته، ومن ناحية أخرى، هذه أخته كيف يفعل بها هذا .

وإيفان نظر لها بحسرة وهو يراها وقد ابصرته كما يبصره الجميع لا أحد يراه خلف قشرته الصلبة، الجميع يراه جامدًا وهو أكثرهم لينًا، يرون ما يفعل بعائلته ولا أحد يبصر أنه يدفعهم صوب المحاكمة كي يبرأهم وينظف حياتهم من أي جريمة قد تلتصق بهم، ما كان ليتخذ يومًا الهرب كحل دائم، لذا كان يلجأ للمواجهة وحل كل شيء ببساطة، وهي لم تر كل ذلك ..

شحب وجه كهرمان مما ترى، كل تلك المشاعر التي مرت فجأة في أعين إيفان، شعرت بضربة توجه لصدرها وهي ترى لوم وعتاب يعلو عيونه بشكل واضح رغم بسمته الهادئة وملامحه الباردة .

ابتلعت ريقها تقول بهدوء وصوت خافت :

" أنا فقط لم ...لم أصدق أنك قد تعرض اختك لكل هذا وهي مرت بالكثير بالفعل، تجلس على عرشك تحكم عليها وهي المسكينة لا حول لها ولا قوة تـ .."

" لست أنا من سيحكم عليها، أنا تخليت عن مكانتي لسالار ليحكم هو وأنا سأكون شاهدًا مع اختي، كي لا يتهمني البعض بالتواطؤ معها بالحكم، أو ربما يتهمونني بالظلم في حق أختي ."

شعرت كهرمان بطعنة توجه لها من كلماته القليلة التي نطق بها، وابتلعت ريقها تقول بهدوء :

" أنا لم اقصد ما فهمته أنا فقط لم أشعر بنفسي من شدة الغضب حين سمعت ما حدث من بعض العاملات هنا، أنا فقط...."

صمتت ترى نظرات إيفان الباردة لها، وكأنه لا يهتم بما تقول ليصيبها كل هذا في مقتل، فهي ما اعتادت منه هذه النظرات .

عادت للخلف تردد بصوت منخفض :

" يبدو أنني تماديت في شيء لا يعنيني "

أمسكت طرفي ثوبها وهي تميل قليلًا ثم رفعت رأسها تقول بهدوء ورقي ورسمية كبيرة :

" اعتذر عن وقاحتي جلالة الملك، استأذنك الرحيل رجاءً تقبل آسفي الشديد عن تدخلي بهذا الشكل "

ختمت حديثها تتحرك بعيدًا ببطء تحت أعين إيفان الذي ظل يراقبها لا يدرك ما يجب أن يحدث، هل يوقفها أم يتركها ارحل بهدوء .

تنفس بصوت مرتفع وهو ينظر لها مجددًا ودون شعور فتح فمه يقول دون أن يبتسم ولو بسمة صغيرة يهز رأسه لها هزة خفيفة وقد على نظراته التحدي والبرود الشديد :

" اعتذار مقبول سمو الأميرة، ولا تحملي في المستقبل هم قبول اعتذارك فهو مقبول لدينا طوال الوقت، نحن اهل مروءة وكرم، لا تمسنا كلمات النساء العاطفية الغبية، يمكنك الرحيل إن أردتي "

ختم حديثه وهو يستدير عنها يتحرك صوب أحد الأبواب في القاعة معلنًا انتهاء الحديث بالنسبة له، وبشكل مهين لكهرمان التي شعرت بالسخافة من كل ما يحدث ليعلو صوتها دون شعور وبملامح مستنكرة :

" أنت من تظن نفسك يا هذا ؟!" 

توقف إيفان فجأة عن التحرك واستدار لها مبتسمًا باستنكار أكثر من خاصتها :

" عفوًا منكِ ؟؟"

رفعت كهرمان رأسها أكثر تهمس بصوت حاد وكبرياء غاضب :

" أخبرك من تحسب نفسك لتتحدث معي بهذه الطريقة ؟؟"

" ملك سفيد آنستي، أنا ملك سفيد، وأنتِ ؟؟"

رفعت رأسها أكثر حتى كادت رقبتها تُكسر تقول بصوت قوي :

" أميرة مشكى و..."

قاطعها ببسمة صغيرة وكأن الأمر لا يعنيه حقًا :

" أميرة، مجرد أميرة لمملكة وما أكثر الاميرات" 

صمت ثم أكمل بهدوء:

"في الترتيب الهرمي الملك يسبق الأميرة كما تعلمين سمو الأميرة "

" هذا في ترتيبك الهرمي أنت ومملكتك جلالة الملك، أما في مملكتي فأنا امتلك صلاحيات لا اعتقد أنك تمنحها للاميرات في مملكتك إن كان تفكيرك بهذا العقم "

ارتفع حاجب إيفان يبتسم بسمة جانبية ساخرية :

" الأميرات في قصري لا يناطحن الرجال بهذا الشكل، ولسن مضطرات للوقوف أمام الرجال ليثبتن أنهن تمتلكن مكانة عالية، لأنهن بالفعل يفعلن دون الحاجة لمجادلة عقيمة منهن "

ختم حديثه يبتسم لها وهي اشتعل وجهها تقول :

" أشفق عليهن لاضطرارهن التعامل مع ملك مثلك مولاي "

انحنى إيفان برأسه مبتسمًا :

" اشكرك سمو الأميرة، يمكنك الشفقة على نفسك سلفًا سيكون هذا مفيدًا أيضًا " 

رفعت كهرمان الغطاء عن وجهها تبتسم بغضب وقد أصرت على أن يرى نظراتها الحانقة الرافضة وهي تنطق بقوة :

" ولماذا عليّ القلق وأنا لا انتمي لمملكتك والحمدلله؟؟"

اقترب منها إيفان ينظر لملامحها الحبيبة بحب شديد :

" لأنكِ ولسوء حظك سمو الأميرة وحسن حظي بالطبع، سترافقيني نفس مكانتي في الهرم حينما تصبحين ملكة هذه البلاد التي لا تطيقين ملكها "

أطلقت كهرمان ضحكة خافتة ودت لو جعلتها صاخبة رنانة لولا اخلاقها التي تمنعها، نظرت لعيونه من بين ضحكاتها :

" يا ويلي من تلك الثقة التي تتحدث بها "

ابتسم لها بسمة جانبية وقد بدأت بسمته تتسع بشكل خطير ...عليها .

" رائعة صحيح ؟؟"

" ماذا ؟؟"

" ثقتي، رائعة أليس كذلك ؟؟"

تنفست كهرمان بصوت مرتفع وهي تبعد وجهها عنه :

" بل مضحكة "

ابتسم لها يتحدث بجدية وهو يهز كتفيه بهدوء شديد يردد ببساطة :

" ليس أكثر من عنادك الغبي وكبريائك الاحمق "

اتسعت أعين كهرمان بقوة تستدير صوبه بشكل عنيف تهتف بصوت شبه مرتفع :

" جلالة الملك أنت تتخطى حدودك معي "

" أي حدود تلك ؟؟ أنا لم أفعل شيء بعد "

وقبل أن تستفسر كهرمان عما يقصده، قاطع ذلك الحوار المشوق بالنسبة لإيفان والحارق للأعصاب بالنسبة لكهرمان والتي كادت تفحمه بخطبة طويلة تصمته _ كما اعتقدت _ فمن ذا الذي يستطيع أن يضمن إيفان أو أرسلان حتى إن تحدثوا ؟؟ 

قاطع كل ذلك استئذان أحد الجنود للدخول ومن ثم ارتفاع صوته يتحدث بجدية وهو ينظر لإيفان باحترام :

" سيدي وصلتنا أخبار من أحد الحراس الذين يشرفون على نظام الأسواق أن هناك قتال قوي نشب هناك "

نظر له إيفان ثواني يقول بصوت عادي قبل أن يستوعب ما يحدث :

" وما الذي في ذلك ؟؟ دعهم يتدخلون ويفصلون بين المتقاتلين وليأتوا بهم لأرى ما حدث بينهم"

لكن الحارس ابتلع ريقه يقول بصوت هادئ وهو ينظر للملك بتردد :

" مولاي القتال ليس مجرد مشاجرة بين تجار أو تاجر وشاري، بل هو قتال أشبه بالحروب بين قائد الجنود و...الأميرة زمرد وبعض الأشخاص مجهولي الهوية، لقد تحول السوق لساحة حرب بكل ما للكلمة من معنى "

اتسعت أعين إيفان بصدمة كبيرة وهو يهتف دون تفكير :

" زمرد ؟؟"

ابتسمت كهرمان بسمة واسعة :

" نعم ستفتخر بما تستطيع اميرات مملكتك فعله مولاي ...."

_________________________

تشاهدهن بأعين متسعة، تراقب الحركات باهتمام شديد وسؤال واحد فقط هو ما طرأ على عقلها في هذه اللحظة، هل يعلم رجل الكهف خاصتها هذه الأمور ؟!

هل سبق ورأى من قبيل الصدفة حتى ولو لمرة واحدة في حياته امرأة ترقص بهذا الشكل في المملكة ؟؟ 

وعقلها الذي يدرك أي نوع من الرجال تزوجت نفى تلك الفكرة، لكن الجزء الذي يحب أن يحيل حياتها لجحيم أخبرها أن رجل في عمر الثالثة والثلاثين تقريبًا، لا يعقل أنه عاش كل هذا الوقت لم ير امرأة ترقص ولو بالصدفة لثواني، أو ربما فعل .

كانت تجلس في تجمع نسائي بعدما ملت الجلوس وحدها حينما فشلت في إيجاد إحدى الفتيات، فعرضت عليها إحدى العاملات مرافقتها إلى الغرفة التي تقع في أقصى حدود القصر بعيدًا عن الرجال والتس تقضي النساء فيها معظم وقتهن .

حدثها عقلها في هذه اللحظة وهي تسمع صوت تلك المرأة الجميل وحركاتها الرشيقة وقرع الدف جوارها يزيد من حماسة الأجواء "وماذا في ذلك تبارك ؟؟ لا تقسي على نفسك عزيزتي، أنتِ وُلدتي في بيئة مختلفة عنهن لذا من الطبيعي ألا تعلمي فنونهن، لا بأس أن تجهلي رقصاتهن، لكن ما حجتك لتجهلي كذلك الرقصات التي ترعرتي وسطها أيتها الجاهلة الغبية عديمة النفع ؟؟"

" حاسة إن باجي على سالار بزيادة، اكمنه يا عيني على الله وميعرفش حاجة في حياة الستات ومش فاهم أي حاجة بستغل ده اسوء استغلال "

ابتسمت بعد تلك الجملة بحسرة وقد قررت أنه الوقت المناسب للانسحاب من بينهن كي لا تظهر نظراتها الحاسدة لهن على الملأ.

خرجت وهي تحمد الله، على زوجها العزيز الذي ربما لا يعلم عن الرقص سوى أنه نوع من أنواع الرياضة ربما .

وعلى ذكر زوجها البدائي المسكين الذي لا يفقه عن حياة النساء سواها هي، ابصرته يركض بسرعة كبيرة في الإرجاء وخلفه العديد من الرجال، يركضون بسرعة كبيرة حول ساحة القتال وقد أظهرت قطرات العرق التي تعلو وجهه والجميع أنهم يركضون منذ فترة ليست بالقصيرة و.....

مهلًا، ساحة القتال ؟؟ ما الذي جاء بها لساحة القتال هي ؟؟

نظرت حولها بصدمة كبيرة تحاول إدراك كيف وصلت بقدمها صوب هذا المكان، ربما هو عقلها الباطن الذي تمنى رؤيته في هذه اللحظة، و...حسنًا عقلها الباطن كان محقًا فمن يستطيع تفويت مثل هذا المشهد عليه ؟؟

ابتسمت دون شعور وهي تراقبه .

بينما عند سالار كان يركض بسرعة كبيرة وقد بدأ العرق يتساقط بشدة وهو يصيح بصوت جهوري كل ثانية :

" تبقى خمس جولات، أكملوا "

تنفس الجنود بصوت مرتفع، أو ربما كان زفير تعب، لكن سالار لم يعنيه كل ذلك وهو يكمل طريقه دون أن يهتم بأي شيء حوله، دار بعيونه في المكان بشكل سريع كعادته، ومن ثم عاد بعيونه صوب الطريق أمامه يكمل ركض، لكن فجأة توقف جسده بسرعة كبيرة مخيفة جعلت جميع الجنود يتوقفون كذلك دون مقدمات وبشكل كاد يسقطهم ارضًا .

نظر لهم سالار يهتف بجدية :

" لا عليكم أكملوا الركض، تبقى خمس جولات "

أشار لهم بالاستمرار وهو تحرك بسرعة صوب تلك التي تقف هناك في منطقة الرجال والتي حذرها مئات المرات أن تطئها .

نظر حوله بغضب قبل أن يتحرك بسرعة صوبها يقترب منها وهي ابتسمت له بسمة واسعة جعلت يود لكمها لتتوقف عن كونها حمقاء يمكن خداعها أو اذيتها .

وبمجرد أن وصل لها رفعت يدها تقول ببسمة واسعة :

" مرحبًا يا وسيم ..."

وهو فقط وبدون مقدمات امسكها من يدها يجرها خلفه بعيدًا عن منطقة تدرب رجاله :

" مرحبًا يا كارثة ..."

جذبها بعيدًا خارج منطقة التدريبة بالكامل قبل أن يتسدير وينظر لها بغضب وهي فقط ابتسمت له تقول :

" كنت رائعًا هناك "

" أنتِ تصرين على جعلي أخرج بالشكل الشرير في هذه الحكاية، تظهرين بشكل لطيف مستفز لي، وأنا أظهر بشكل قذر، لو أن ما يحدث معنا قصة لقال الجميع أنني الشرير الخاص بها بسبب تصرفاتي التي تدفعينني إليها بتصرفاتك "

نظرت له تبارك بعدم فهم لا تدرك ما يريده من كل ذلك الحديث :

" لا افهم ما تريد قوله، هل تريد تحويل حكايتنا لقصة مكتوبة ؟؟ ربما يستطيع العريف فعل الأمر اعتقد أنه يجيد الكتابة أو ربما ساعدنا مرجان في ذلك، تخيل أن نصنع كتاب يضم حكايتنا ونورثه لابنائنا"

كانت تتحدث يكل عفوية وهو يراقبها مصدومًا حقًا من طريقة تفكيرها، قبل أن يبتسم بغضب يقترب منها خطوات أكثر وهي تراجعت للخلف بريبة :

" ايه بتقرب ليه ؟؟ احنا برة الغرفة على فكرة "

تشنج وجه سالار يهمس لها باستنكار :

" من يسمعك الآن سيظن أنني افعل اشياء مخجلة داخل الغرفة، يا ويلي أنا أكثر شيء منحرف فعلته كان عناقك تبارك "

اشتد خجل تبارك وهي تتراجع عنه ترفض أن تستسلم لكلماته تلك، وهي من كانت ترثيه منذ ثواني وتصفه بالمسكين الذي لا يفقه شيء، تالله ما من مسكين سواها هنا .

" سالار أنت بدأت تتجه لطريق آخر لا أحبذه، أنا افضلك جادًا عن كونك منحرفًا "

اتسعت أعين سالار بصدمة يهمس :

" منحرف ؟؟ أنا ؟؟ لأنني عانقت زوجتي ؟؟ ما هذه المسميات التي تصفين بها افعالي يا امرأة ؟؟"

نظرت له بحنق :

" لقد كنت منذ ثواني في الغرفة المنعزلة للنساء "

" ومن ثم ؟!"

" هذا يجعلني أتساءل، هل سبق وحضرت حفلة مختلطة أو ربما زفاف، سبوع ...صباحية ..أي حاجة فيها ستات ؟؟"

لم يفهم سالار ما تقصد يهمس باستنكار :

" ماذا ؟! ما هذه الجملة الأخيرة ؟!"

" باختصار سالار هل سبق لك وحضرت أي احتفال بوجود النساء ؟؟"

" لا نحتفل بوجود النساء تبارك، النساء لهن احتفالات خاصة والرجال كذلك "

ابتسمت له تهز رأسها براحة شديدة وهي تهمس في نفسها كلمات خفيفة :

" جميل، لسه بيور "

" ماذا ؟!"

" ايه ؟!" 

" ماذا قلتي للتو ؟!" 

" أنا ؟؟"

" تبارك توقفي عن هذه التصرفات وادعاء الحماقة عزيزتي، ما سبب سؤالك هذا ؟؟ هل تخططين لعمل احتفال في القصر ؟!"

فتحت تبارك عيونها بصدمة تحاول أن تبعد أفكاره عن مجرى أفكارها بعرض أسخف الأفكار في رأسها وهي تنفي بكلمات غير مرتبة :

" لا يا شيخ متقولش كده هو أنا يعني معنديش دم اعمل احتفال في وسط الظروف المنيلة اللي بتمر بيها سفيد دي ؟؟ ايه معنديش دم ؟! أي نعم أنا مش سفيدية بس كلنا عرب في الآخر يا جدع " 

تشنجت ملامح سالار وهو يستمع لكلماتها وهي نظرت له تقول بترقب :

" ايه ؟؟"

اجاب سالار بهدوء وبمنتهى البساطة :

" نحن لسنا عرب "

" أنت بتستعر من اصلك ؟؟ "

فرك سالار ذقنه يقول بجدية :

" تبارك عزيزتي نحن لسنا عرب، نحن من اصل الفرس "

صمتت تبارك ثواني وكأنها نست تلك النقطة خلال هذه الفترة التي عاشتها بينهم لكثرة تحدثهم معهم بالعربية :

" أوه صحيح لقد نسيت الأمر، حسنًا وأنا مصرية، تشرفت بمعرفتك "

ابتسم لها سالار ثواني قبل أن يضحك ضحكة خافتة :

" نعم أعلم، تشرفت كذلك بتعرفي لأحد المصريين "

هزت تبارك رأسها بتفاخر وهي تحرك حاجبيها له بمزاح :

" نعم يحق لك التفاخر بذلك، ستمتلك زوجة مصرية عربية مسلمة "

اقترب منها سالار خطوات بطيئة يقول بصوت هامس بالقرب منها :

" وأنتِ ستمتلكين زوجًا فارسيًا مسلمًا "

رفعت عيونها له تهتف ببسمة وهي تطيل التحديق بعيونه :

" يسعدني أن أفعل "

ابتسم لها سالار يمد يده لها بحنان لتغمض هي عيونها تنتظر لمساته الحنونة المعتادة لوجنتها، لكن فجأة شعرت بشيء يوضع على وجهها، فتحت عيونها بتعجب تبصر وجه سالار الذي قال بتنبيه :

" هذه ستكون المرة الأخيرة التي تتحركين بها دون غطاء وجه "

نظرت تبارك ليده التي أعادت غطاء الوجه لها، لترفع حاجبها بحنق شديد، ولم تكد تتحدث بكلمة حتى انتبهت هي وسالار على تلك الجلبة التي حدثت في المكان، تحركت الأعين صوب تجمع الجميع ليبصر سالار إيفان يمسك الحصان من أحد الجنود ويتحرك بسرعة كبيرة وخلفه بعض الجنود .

تحرك يتحدث بجدية وهو يشير لتبارك بالعودة لغرفتها :

" تحركي صوب الغرفة تبارك "

ختم حديثه يتحرك صوب إيفان بسرعة كبيرة، وتبارك تحركت خلفه وكأنه لم يأمرها منذ ثواني بشيء، تتحرك بفضول وهو اقترب من إيفان الذي صعد فوق حصانه بتحفز :

" إيفان ما الذي يحدث ؟!"

نظر له إيفان يقول بسرعة قبل أن يتحرك :

" يبدو أن زمرد أشعلت حربًا مُصغرة في الأسواق بدعم من قائد الرماة سالار "

تقدم بسرعة مبتعدًا عن سالار الذي قال بصدمة :

" الأميرة زمرد ودانيار ؟؟؟"

__________________________

قبل ساعة من كل ذلك في أسواق العاصمة ..

سحبت السيف من المحل دون اهتمام بصراخ الرجل أو الجندي، بل ركضت في الأسواق تتوعد بالويل للرجال، تكره نفسها أنها ازعنت لحديث دانيار وتركته وحده في وسط كل هؤلاء القذرين وهي أكثر من تعلم غدرهم .

نبض قلبها برعب تزيد من ركضها بين الجميع في السوق بشكل جذب انتباههم ليحاولوا معرفة ما يحدث، وهي لا ترى سوى الزقاق الذي تركت به دانيار تردد بإصرار شديد :

" أنا قادمة دانيار، سأقتلهم إن مسه خـ...."

فجأة توقفت بصدمة في منتصف السوق وهي تبصر اندفاع شديد لقومها يركضون برعب وهم يصرخون يحاولون الفرار من أحدهم، يركضون حولها في كل مكان وهي تنظر لهم بعدم فهم .

تتنحى جانبًا بعيدًا عن ركضهم تضم يديها لنفسها لا تدرك ما يحدث، مما يركض هؤلاء القوم، وفجأة أبصرت دانيار يركض بجنون مخيف وهو يحمل قوسه والسهام، يلاحقهم بضراوة واعين حمراء غاضبة وقد تخطى زمرد دون حتى أن ينتبه لها .

كل ذلك وزمرد تقف في منتصف الطريق متسعة الأعين فاغرة الفاه، وفي ثواني أدركت ما يحدث لترفع سيفها وهي تركض في نفس الاتجاه تصرخ بجنون :

" انتظرني أنا قادمة "

وبهذا أصبح المنبوذون يركضون وخلفهم دانيار ومن ثم زمرد ..

ودانيار الذي وبمجرد تحرك زمرد مع الجندي تحول بشكل مخيف يتذكر كل ما نال زمرد بسببهم ليخرج سهامه ويسقط منهم ما يسقط مصيبًا إياهم إصابات سطحية تمنعهم الحركة ولا تقتلهم، فهم سيحتاجونهم في التحقيق ...

ولأنه يستطيع إصابتهم من على بعد كبير دون الحاجة للاقتراب، كان هذا في صالحه ليتفادي تكالبهم عليه، وانتصارهم لكثرة عددهم، لم يعطهم فرصة التنفس وهو يخرج أربعة سهام يصوب على كل من تقع عيونه عليه حتى فروا مرتعبين أن تصيبهم سهامه ..

وها هو يركض خلفهم حتى حاصرهم في إحدى الزوايا واخيرًا وقد خرجوا بالكامل من منطقة الازدحام في الأسواق وهذا لصالحه بالطبع .

ابتسم دانيار يخرج السهام المتبقية معه يقول :

" متبقي ثلاثة أسهم فقط، ترى من نصيب من منكم ستكون ؟!"

نظر الرجال لبعضهم البعض وهم يحاولون الاقتراب منه لإيقافه، لكن دانيار رفع السهام في وجوههم يهمس بشر :

" إياك أن تفعل أيها اللقيط، تراجع للخلف يا وسخ، لعنة الله عليكم اجمعين "

تراجع الرجل للخلف يقول بصوت خافت وانفاس لاهثة :

" ما الذي تريده أنت ؟! أنت تتهجم علينا دون سبب، أوليس هذا مرفوضًا في دينك الذي تتغنوا به ؟! ام هي شعارات فقط ؟؟ ترفع سلاحك في وجه عُزل ؟؟" 

ابتسم لهم دانيار وهو يسخر منهم :

" من يتحدث الآن ؟! سفير السلام في الممالك ؟؟ لا ينقصك سوى أن تخرج مسبحة من جيبك وتستغفر ربك "

صمت ثم قال بشر :

" ديني يأمرني ألا اقاتل اعزلًا أو امارس قوتي على ضعيف، لكن أي أعزل هذا وأنتم تمتلكون كل هذه السيوف ؟؟ وأي ضعيف هذا وأنتم استكبرتم في الأرض؟!"

اقترب خطوات أكثر منهم وهو يحدق فيهم بشر :

" والأهم من كل ذلك، أي سلام مع شعب غدر ببلاد آمنة وقتلوا منهم ما قتلوا وانتهكوا النساء وشردوا الاطفال بعدما قتلوا نصفهم، أي تبجح هذا الذي يجعلك تطالبني برحمتي ؟؟"

كانت كل خطوة يقتربها منهم دانيار يعودها الجميع للخلف .

اتسعت بسمة دانيار وهو يرفع سهامه في وجوههم سوى دموع زمرد وشهقاتها ترن في أذنه وهو يردد :

" أي أمنية أخيرة ؟؟" 

واخيرًا وصلت زمرد التي كانت تحاول أن تلتقط أنفاسها وهي تردد :

" انتظر ...انتظر .."

كانت تحاول التنفس وهي تستند على ركبتيها، ترفع لهم إصبعها إشارة منها أن ينتظروا والجميع يحدق فيها بترقب واستنكار حتى اعتدلت تنفخ بصوت مرتفع تقول :

" حسنًا أين كنا ؟!"

نظر لها دانيار بغضب شديد :

" كان من المفترض أن تكوني في القصر الآن"

" نعم لكنني هنا الآن، لذا دعنا ننتهي من الأمر سويًا ونعود للقصر "

ازداد غضب دانيار وهو يحرك عيونه عليهم وعليها بسرعة كبيرة ومازال يرفع سهامه في وجوههم ..

وقبل أن يتحدث أحدهم بكلمة تحرك أحد المنبوذين بسرعة كبيرة يرفع سيفه متحركًا صوب زمرد بغية الامساك بها وأخذها رهينة للنجاة من هذا المجنون هنا، مجرد تفكير غبي متهور من شعب لا يفكر سوى في الغدر والنجاة بأي طريقة ..

لكن وقبل أن يصل لها كان سيف زمرد يلوح أمام عيونه وهي تردد بسخرية مخيفة :

" ليس بهذه السهولة يا وسخ، ألم يخبرك هؤلاء الحمقى عني ؟!"

نظر لها الرجل وللسيف بارتجاف غير محسوس، وفي ثواني كان رفاقه يشتبكون مع دانيار، لتشتعل المعركة بينهم في ثواني .

بدأت سهام دانيار تنفذ وهو ينظر لهم بغضب يطلق سبة منخفضة، ثم مال يخرج خنجرًا من حزام صغير يعقده جوار حذائه :

" عليّ التفكير جديًا في حمل سيوف معي "

انتهى من حديثه يتحرك صوب أحد الرجال الذي هاجمه بسيفه ليحاول دانيار تجنبه، لكن كانت النتيجة جرح شبه عميق في كتفه، كتم تأوهه يطلب سبات متتالية جعلت أعين زمرد التي كانت تقاتل اثنين تتسع وهي تردد :

" انظروا من سليط اللسان الآن، هذا لتدرك أنني مسالمة وهم من يخرجون اسوء ما في "

رفع دانيار قدمه يضرب الرجل في معدته بقوة وحين سقط ارضًا انقض عليه بخنجره يصيبه، ثم اعتدل يمسح الخنجر في ثيابه ينظر صوب زمرد يقول :

" لست اسفًا لقول هذا لكن في الحقيقة قومك قذر وسخ حقير "

" نعم عليك ألا تكون آسفًا في الحقيقة "

في هذه اللحظة وحين بدأ القتال يشتعل استمع الجميع لصوت جهوري يجمدهم ارضًا تبعه اصوات كثيرة صاخبة .

" ما الذي يحدث هنا في مملكتي ؟؟"

تجمدت جميع الاجساد واستداروا صوب الصوت ليبصروا إيفان الذي كان يقف بكل قوة يحمل سيفه،  وجواره سالار الذي كان يضم يديه لصدره يراقبهم بأعين غامضة متفحصه، وتميم الذي حمل سيفه والسلسلة الحديدية الخاصة به، وبعض الجنود المتحفزين لحرب ضارية وليس مجرد قتال في الشارع.

في هذه اللحظة فقط أدرك المنبوذين أنهم أصبحوا في عداد الموتى، وأن الحل الأسلم لنجاتهم هو ...الاستسلام .

________________________

كان يجلس على مقدمة الطاولة وهو يحمل كتابه كالمعتاد يراقب الجميع من خلف صفحاته ببرود شديد قبل أن يزفر قائلًا بسخرية :

" أنتم لا تتذكرون وجودي إلا في حالة سقطت كارثة على روؤسكم صحيح ؟!"

نظر الجميع لبعضهم البعض وتحدثت برلنت بصوت هادئ وخافت تحاول أن تدعي القهر :

" أولست أنت العريف في هذه المملكة !!"

نظر لها العريف بترقب لتكمل ببسمة :

" وامي كانت تخبرني منذ الطفولة أن مهنة العريف هي أعلى وأسمى مهن المملكة، وأن الشخص الذي يصبح عريفًا يتسم بالحكمة والصبر والذكاء الخارق، حتى أنني للحظة كنت اريد أن أكون عريفة "

تشنج وجه العريف ساخرًا :

" نعم هذا ما ينقصنا، كل من يجد نفسه متفرغًا يصبح عريفًا "

ختم حديثه ينظر صوب مرجان الذي كان يجلس في أحد الأركان جوارهم يجمع حوله العديد من الكتب، لكن حين شعر بالانظار توجه عليه رفع عيونه للجميع يقول بعدم فهم وهو ينظر حوله :

" ماذا ؟؟ هل تحتاجون لشيء ؟؟"

ابتسمت له تبارك تجيبه بهدوء :

" لا، شكرًا لك مرجان، عد لما كنت تفعل "

هز مرجان رأسه وهو يعود للقراءة والتفحص، بينما زمرد لوت شفتيها بحنق تهمس :

" هذا الشاب لن يتوقف حتى ينفجر عقله ومقلتيه بسبب القراءة، غبي "

عادت بانظارها للعريف الذي كان ينتظر ما يريدونه منه، بينما كهرمان تتابع كل ذلك بملامح متذمرة .

وبرلنت أكملت حملة مدح العريف التي أقامتها منذ جاءت :

" إذن أنت هنا لتساعد الشعب في حل مشاكله صحيح ؟؟"

" وهل أخبرك أحدهم أنني أعمل مستشارًا نفسيًا أو قاضيًا؟؟ دعوني ومشاكلي في الحياة فهي تكفيني لاحمل مشاكل غيري "

نظرت برلنت لزمرد التي أحدثت بحنق شديد :

" اسمع أيها العريف "

أشار لها العريف بتحذير :

" تحدثي باحترام يا فتاة كي لا اطردكم جميعًا للخارج "

زفرت زمرد بسخرية تبتسم له :

" أنت في كل الأحوال ستطردنا، لذا سأتحدث كيفما اشاء "

هز لها العريف رأسه باقتناع :

" نعم هذا صحيح، ما الذي تريدونه ؟؟"

تحدثت برلنت بصوت خافت :

" أريد أن تساعدني في مراضاة تميم "

قالت زمرد وهي تتدخل بسرعة :

" وأنا أريدك أن تتوسط لي عند إيفان و...دانيار كذلك"

تنحنحت كهرمان تقول بصوت خافت وهي تحاول ألا تمحو نظرات الكبرياء في عيونها :

" وأنا ربما الملك غاضب مني بسبب طريقتي الوقحة بعض الشيء في الحديث، لذا ربما تساعدني في هذا الأمر فأخلاقي لا تسمح لي بالإساءة لأحدهم وتجاهل الأمر "

تحركت أنظار العريف صوب تبارك التي كانت تتابع الجميع بانتباه يقول :

" وأنتِ لا تريدين مني أن اتوسط لكِ عند أحدهم ؟؟"

نظرت له تبارك بعدم فهم قبل أن تستوعب فجأة ما يقصد :

" أوه لا، أنا بخير جئت فقط معهن لأنني لا امتلك ما افعل في الحقيقة "

رفع العريف حاجبه، ثم نظر للنساء وهو يقول بحنق :

" هل تتحدثون مع مستشار في العلاقات الإنسانية ؟؟ أنتم الآن أمام أكثر انسان يشجع قطع أي علاقة في هذا العالم، ثم على تظنون علاقتي بالرجال جيدة لدرجة التوسط لكم عندهم ؟؟ إن كنتن تسعين لخراب كل تلك العلاقات فلا بأس سأتوسط "

تحدثت زمرد بكل وقاحة دون أن تأبه لشيء :

نحن لم نأتي هنا لتتوسط لنا، بل جئنا لتحل لنا مشاكلنا فقط، أولست أنت العريف هنا تعلم حل جميع المشاكل ؟!"

رمقها العريف ثانية قبل أن يردف بسخرية لاذعة :

" من ذلك الاحمق الذي أخبرك بهذا ؟؟"

نظر الجميع صوب برلنت التي قالت بغيظ :

" ماذا امي هي من كانت تخبرني ذلك كل يوم "

التوى ثغر زمرد وهي تتمتم بغضب شديد وقد سئمت من كل ذلك :

" وهل تصدقين كل ما تخبرك به والدتك قبل النوم برلنت ؟! لقد كانت والدتي تخبرني أن هناك وحش يتناول الصغار الذين يسرقون الأسلحة ويضربون بها صغار المنبوذين، لكن هل حدث وتناولني ؟؟ لا، كل هذه اساطير كأن يساعدك العريف "

هزت تبارك رأسها وهي تضيف بجدية :

" بالضبط زي امنا الغولة كده "

تنفست برلنت بصوت مرتفع :

" حسنًا، دعونا من كل ذلك ولنجد حلولًا لما يحدث معنا هنا "

شردت زمرد بعيدًا وهي تحاول إيجاد حل لما فعلت وعقلها يعيد عليها آخر مشهد مع إيفان الذي بمجرد أن أبصر بقايا قومها الذين نجوا من دانيار حتى تحرك صوبهم بغضب يجرهم صوب القصر هم ومن تركهم دانيار مصابين في الزقاق، وقبل ذلك لم ينس أن ينظر لها بشر راميًا بآخر كلماته معها :

" عودي للقصر مع الجنود، لنا حوار يجمعنا بعدنا ننتهي من الكارثة الاولى زمرد ."

ومنذ تلك اللحظة وهي تحاول أن تفكر في شيء قد يقلل من ميزان خطاياها عند إيفان والذي تشعر أنها أثقلت عليه أكثر مما يجب وهي لم تكمل شهرًا واحدًا معه حتى .

وعلى ذكر ميزان خطاياها، ها هو أول ثقل يقترب منها حين سمعت صوت الحارس يهتف بجدية في الجميع :

" الملك يستدعي الجميع لأجل المحاكمة "

نظر الجميع صوب زمرد بتردد وهي فقط ابتلعت ريقها تنهض عن مقعدها تقول بضيق :

" لنتحرك جميعًا "

وبالفعل تحركت والجميع خلفها دون كلمة واحدة والعريف نهض يزفر بغيظ شديد متمتمًا :

" حتى وهي ميتة تصر على تحويل حياتنا لتعيسة يا الله من تلك المرأة .."

________________________

" سيكون كل شيء بخير "

رفع إيفان أنظاره لسالار الذي كان يرتدي ثوبه العادي باللون الاسود المطرز بالاحمر، مرددًا :

" ستكون أختك بخير اطمئن "

ابتسم إيفان بسمة صغيرة يحاول صرف ذهنه عما سيحدث بعد قليل :

" ربما، لكن مكانة القاضي لن تكون بخير بعدما تتولاها أنت بهذا الثوب سالار "

نظر سالار صوب الثوب بعدم فهم والذي كان ستكون من بنطال وسترة، ثياب مريحة تصلح للخروج مع زوجته، أو تصلح للتحرك بها بين ممرات القصر بكل راحة، أو ربما تصلح للسفر بها إلى مشكى وزيارة أرسلان، لكنها بالطبع لا تصلح بأي شكل من الأشكال أن تكون ثوب رسمي لقاضي في محاكمة سفيد ...

نظر سالار لنفسه ثواني قبل أن يرفع عيونه بسخرية صوب إيفان مرددًا :

" صدقني لم يمنحني أحدهم المعطف الملكي والتاج ورفضت "

أطلق إيفان ضحكات مرتفعة في وقتٍ كان في أمس الحاجة لشيء يهون عليه، وفي نهاية ضحكته خرجت زفرة متألمة استشعرها سالار بكل وضوح، لذا أراد صرف انتباهه عما سيحدث بعد قليل :

" حسنًا نحن على موعدنا بعد المحاكمة صحيح ؟؟"

نظر له إيفان ببسمة واسعة يقول :

" ستكون هذه النزهة هي الشيء الوحيد الذي يرفه عني هذه الأيام حقًا، أنا فقط انتظر أن ننتهي من كل هذا لتنفس بعض الهواء النقي وأخرج للاستمتاع بعض الوقت، سيكون هذا مفيدًا "

" نعم سيكون مفيدًا للجميع وممتعًا كثيرًا، خاصة أننا لم نتجمع في مثل هذه الجلسات منذ سنوات طويلة، تحديدًا منذ تغابيت أنت وارسلان وتشاجرتما .."

تجاهل إيفان جملته الأخيرة، ونهض بحماس شديد وهو يربت على كتف سالار بسعادة :

" إذن نلتقي بعد المحاكمة، والآن اسبقني لقاعة العرش، سأحضر زمرد والحق بك "

هز له سالار رأسه وهو يتحرك ليسبقه، بينما إيفان تنهد بصوت مرتفع، ومن ثم تحرك خارج الغرفة يتوجه صوب غرفة زمرد وهو يفكر في تلك الرحلة التي ربما ستساهم في تحسين مزاجه للفترة القادمة، هو عانى من ضغط كبير الايام السابقة ورحلة كهذه ستفيده كثيرًا .

توقف أمام باب غرفتها يطرق الباب الخاص بها وانتظر ثواني قبل أن يُفتح الباب على مصراعيه أمام عيونه، فتح فمه للحديث، لكن فجأة توقفت كلماته يبصرها تواجهه بملامح مصدومة قليلًا متوترة وبشدة .

ترددها جعل إيفان يبتسم بسمة واسعة يدرك تأثير حضوره عليها، أو هذا ما تمناه هو في الحقيقة .

" مرحبًا "

ابتسمت له بسمة صغيرة :

" أوه مرحبًا جلالة الملك "

رفع حاجب إيفان بسخرية :

" مرحبًا سمو الأميرة .."

نظرت له ثواني قبل أن تتحرك تقول بسرعة:

" زمرد تنتظرك سأناديها لك "

وقبل أن تتحرك ظهرت زمرد من خلفها تقول :

" أنا هنا "

ابتسم إيفان بحنان شديد وهو يمد يده لها قائلًا :

" اقتربي حبيبتي "

نظرت له بتوتر شديد ليطمئنها بنظراته :

" لا تقلقي لن يمسك سوء، أما أن يبرأك سالار من هذه التهمة، أو يثبت تهمة القتل على كلانا بعدما اتخلص منه "

ضحكت زمرد ضحكة صغيرة وهي تقترب منه تسلمه يدها براحة وشعور أمان بدأ يتسلل لها، بينما كهرمان تتابع ما يحدث وهي تلوم نفسها على تفكيرها الغبي الذي دفعها للظن أنه يسيئ معاملة زمرد .

نظرت لها زمرد وهي تبتسم بسعادة وكأنها تخبرها أن ترى ما يفوتها لأنها ليست زوجة إيفان، وفي الحقيقة زمرد لم تكن من ذلك النوع الذي يحب التلميح، بل قالت بكل صراحة :

" انظري إلى أخي حنون وسيم حكيم ذو هيبة تبارك الرحمن، أنتِ يا ابنتي فاتك الكثير في تلك السنوات التي قضيتها دون أن تكوني زوجة لهذا الوسيم "

ابتسم لها إيفان يكتم ضحكاته، يحاول عدم الاندماج في مثل تلك الأحاديث، يجذب يد زمرد :

" هيا زمرد الجميع ينتظرنا.."

تحركت معه بسخرية :

" وكأنهم يترقبون لحظة زفافي، وأنتِ يا زوجة أخي الحقي بنا "

رمقتها كهرمان بشر وهي تود الصراخ في وجهها، لكن زمرد قاطعتها تقول بجدية :

" تذكري كم محاكمة وقفت فيها جوارك ودافعت عنكِ "

ختمت حديثها تتحرك مع إيفان تاركة كهرمان ترمق أثرهما وهي تفكر في حديث زمرد تهمس باعتراض وحنق :

" تلك الحقيرة تنافس شقيقها إزعاجًا...."

لحقت بهما بسرعة تتحرك صوب المحاكمة لتقابل تبارك التي كانت ترتدي فستانًا جميلًا وحجاب زادها بهاءً ولثام يغطي وجهها بالكامل .

" تبدين جميلة تبارك ؟؟ هل هناك مناسبة ما أم هذه الثياب خصيصًا لأجل محاكمة زمرد ؟؟"

ابتسمت تبارك تقول:

" حسنًا هذا هو الثوب الوحيد الملائم لي في ثيابي النظيفة لذا ارتديته، لم أرد أن افوت هذه المحاكمة بأي شكل من الأشكال ."

هزت كهرمان رأسها تقول :

" نعم لا نستطيع لأجل زمرد "

أسرعت تبارك الخطى وهي تقول بجدية وبساطة شديدة :

" زمرد من ؟؟ أنا أريد رؤية زوجي وهو قاضي، سيكون رائعًا وهو يحكم على زمرد سليطة اللسان هذه، لقد اوصيته بها "

اتسعت أعين كهرمان تسير خلف تبارك بأقدام سريعة لا تصدق حقًا ما يحدث حولها تردد بصوت منخفض :

" صدق أرسلان حين أخبرني أنكم مملكة مجانين ...."

تحرك الجميع داخل القاعة ليبصروا سالار يتوسط القاعة وأمامه زمرد وإيفان وكذلك العريف وقد انتبه لهم الجميع وانتشر الترقب بين الكل للمحكمة المرتقبة، مقتل الملكة على يد الأميرة الجديدة  .

وها نحن ذا ......

______________________

تبقت خطوة واحدة على المعركة الأخيرة، خذها إن استطعت .....

وتذكر أنها حرب إما أن تنتصر أو تنتصر، لا خيار ثالث أمامك.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close