أخر الاخبار

رواية جراح الماضي الفصل الاول 1بقلم سارة الزعبلاوي

 


رواية جراح الماضي

الفصل الاول 1

بقلم سارة الزعبلاوي


- يلا يا ليلي.. الطيارة مفضلش عليها غير ساعة.. هنبدأ تأخير من أولها ؟!!

- جاية يا بابا .. خلاص اهو


هبطت برشاقة علي الدرج و هي تنظر الي والدها الواقف أمام حقائبها بهيئته الصارمة و تقول بإعتذار

- أسفة يا بابا .. صحيت متأخر. 

- ليلي..  الحياة في أوروبا مفيهاش هزار الحياة في أوروبا عايزة انضباط و جد و مواعيد مظبوطة.. لو مش هتعملي كدة يبقي عمرك ما هتنجحي و تقعدي هنا أحسن ..

- لا لا .. أنا هبقي منضبطة و الله.. أنا أسفة .

- طيب يلا أتفضلي قدامي قبل ما الطيارة تفوتنا !!


سارت بجانب والدها و هي تتنفس الصعداء.. كم بذلت من الجهد حتي جعلته يوافق علي سفرها هذا ..

وقفت أمام السيارة و هي تنظر تجاة منزلهم لأعلي نحو شقيقاتها الباكيات اللائي ينظرن لها أنها قاسية القلب متبلدة المشاعر حتي تستطع تركهن و تغادر لمدة ليست بالقصيرة.. و لكن دائمًا ما كان تفكير " ليلي " مختلف... دائمًا ما كانت تتطلع الي كثير من النجاحات و الطموحات..

فبمجرد أن وصلت الي المرحلة الثانوية أخذت تلح علي والدها بطلب سفرها الي " ألمانيا " لتكمل دراستها و تلتحق بكلية الطب

و هو ما لم ينل إعجاب شقيقاتها اللائي يرون أن ابتعادها عنهن جريمة حتى و لو كان في سبيل مستقبل مشرق !!!


أخذت السيارة التي أستقلتها مع والدها تبتعد عن مرمي أنظارهن و صوت شهقاتهن يتعالي لتقول والدتهن في محاولة منها لتهدئتهن

- أهدوا يا حبايبي هي كل ٣ شهور هتنزل تقعد معانا .. يعني مش هتفضل مسافرة علي طول..

- هنتزل تقعد معانا ٣ أيام بالعدد صح .. أنا بجد بكره ليلي عشان هي سابتني يا ماما


قالت هذا " فاطمة " و هي تخرج منصرفة باكية .. فدائما ما كانت مرهفة الإحساس..تجعل مشاعرها هي التي تتحكم بها 


نظرت " مرڤت " بأسي نحو ابنتها المنصرفة لتنظر نحو الفتاتان الأخرتان قائلة

- حبايبي مفيش حد بيكره أخوه..أنتم بس عارفين فاطمة دايما بتقول كلام ملوش معني لما بتكون زعلانة.. لكن ليلي اختكم بتحبكم.. بس هي سافرت عشان تبني مستقبلها .. صح و لا أية !!!


أطرقت الفتاتان ينظرن أرضًا و هما يومئان بالإيجاب و الحزن بادٍ علي ملامحهما لتأخذهما " مرفت " بأحضانها و تتجه للداخل !!


" نداء.. علي جميع الركاب المسافرين علي الرحلة رقم ٧١٢.. التوجه الي البوابة رقم٥ .. و الاستعداد للركوب علي متن الطائرة " 


بهذه الكلمات كانت بداية لمرحلة جديدة في حياتها.. بداية لحياة مختلفة كليًا .. حياة رائعة كما في مخيلتها.. لكن لا أحد يعلم الغيب !!


¶ كانت صوت بوق السيارات من حولها هو المنقذ لها من بحر ذكرياتها الغريق.. البحر الذي كلما تذكرته كلما شعرت أنها تتمزق بين شعورين متناقضين.. الحنين و النفور


صفت سيارتها في الجراچ الخاص بفيلا " ليلي زين سويلم " ... 

هبطت من السيارة و صوت دقات كعب حذائها العالي يلحن نغمات عالية متناسقة ليقف عامل الأمن احترامًا لها و هو يقول

- اهلا دكتور ليلي.. 

- اهلا يا محمد .. خير في حاجة


انحني العامل قليلًا ليجلب باقة من الورد كانت علي المنضدة بجانبه لتقطب حاجبيها باستغراب ازداد عندما قال العامل

- البوكيه دة جه لحضرتك النهاردة يا دكتور 


مدت يدها لتأخد منه الباقه و تنزع منها البطاقة المكتوب عليها هذه الكلمات التي فصلتها عن الواقع لتعود الي الماضي المرير


" كان لك معايا اجمل حكايه في العمر كله

سنين بحالها مافات جمالها على حب قبله

سنين ومرت زي الثواني في حبك انت

وان كنت اقدر احب تاني احبك انت

كل العواطف الحلوه بيننا 

كانت معانا حتى في خصامنا

وازاي تقول انساك واتحول

وانا حبي لك اكتر م الاول


واحب تاني ليه واعمل في حبك ايه

دا مستحيل قلبي يميل ويحب غيرك ابدا

اهو ده اللي مش ممكن ابدا" 


دقات قلب تتسارع .. و عيون تدمع و يد ترتعش .. كل هذا يحدث بمجرد أن شمت عطره المفضل في هذه البطاقة .. و استعمت الي أغنيتهما المفضلة و التي دائـمًا ما تذكرها بحياتهما سويًا 


- خير يا دكتور فيه حاجة ؟!!

- لا شكرًا يا محمد..


سارت بضع خطوات ثم عادت قائلة

- متعرفش مين اللي جاب الورد دة يا محمد

- اللي جابه عامل في المحل يا دكتور

- طيب متعرفش اسم المحل دة ايه و لا هو فين؟؟

- أه أعرف هو في المهندسين اسمه ...

- شكرًا يا محمد

-العفو يا دكتور !!


¶ كانت جالسة أمامه تهز قدمها بعصبية واضحة .. ليضرب هو كف بكف قائلًا

- و الله انا ما شايف داعي للي أنتي بتعمليه دة!!

- يعني أنا مجنونة يا أحمد .. قصدك كدة؟؟!

- يا ستي أنتي ست العاقلين.. بس ممكن تهدي شوية


قالها و هو يقبل كفها برقة واضحة .. لتهدأ قليلًا و هي تقول

- ممكن بقا افهم أنت كنت واقف مع الزفتة دي لية؟!

- واحدة لقيتها جاية تسلم عليا.. أضربها بالجزمة يعني يا فاطمة.. أضطريت أسلم عليها..

- اه طبعا ودي ما صدقت أنك سلمت عليها و وقفت تحكي معاك صح.. دي بني آدمة خطافة رجالة أصلا..

- انتي عارفة يا فاطمة أنا نفسي في حاجة واحدة بس .. أنك تثقي فيا !!


ادمعت عيناها و قالت بصوت متهدج

- أنا واثقة فيك و الله.. بس أنا خايفة تسيبني زي كل اللي بحبهم ما سابوني .. ليلي و بعدين بابا .. خايفة !!

- و الله العظيم أنا ما أقدر أسيبك.. أنا روحي متعلقة بيكي.. و بعدين ليلي مسبتكيش يا فاطمة .. ليلي جنبك اهي... و عمو زين الله يرحمه في مكان أحسن دلوقتي..

- الله يرحمه.. بس ليلي مش معايا يا أحمد.. ليلي مش هي ليلي اللي كنت أعرفها من خمستاشر سنة..

- طبيعي تتغير .. ما كلنا بنتغير يا فاطمة!!

- لا أحنا بنتغير تغيرات بسيطة.. مش جذرية.. ليلي مفيهاش حتي صفة واحدة من اللي كانت فيها زماان…


¶ لم أكن أعلم أن الفراق مؤلم هكذا...  ليتني كنت مريضًا و أحتضر .. حينها كنت سأعلم أن ألمي له نهاية حتي و لو كانت " الموت " !!

لكني لست مريضًا.. و لا أعلم لألمي هذا نهاية يا معذبتي..

كان ينفث دخان سيجارته بملل.. فمنذ فراقها و الساعات أصبحت كالسنوات.. الوقت يمر ببطئ شديد.. 

الحياة مملة ليست لها معني و لا غاية ... برغم كل هذا الثراء و الجاة و السلطة.. لم أعد أرغب في الحياة.. الآن فقط أقتنعت بحديث " زين سويلم " حينما كان يقول

" لا فائدة للأموال دون وجود من تحبه " !!


أفاق علي صوت هاتفه .. وضعه علي أذنه قائلًا

- ايوة يا يوسف .. ها عملت اية في اللي قولتلك عليه ؟!!

- كله تمام يا فارس.. كل اللي انت قولتلي عليه حصل.. تقدر من دلوقتي لو عايز تنزل الفيلا اللي انت كنت عايز تشتريها .. و بكرة الساعة ٨ في معاد مع مدير المستشفي عشان نمضي العقود ... 

ابتسم برضا و قال

-  تمام يا يوسف.. اتفضل أنت نام عشان تبقي معايا الصبح و أحنا بنمضي العقود

- تمام  .. مع السلامة 


¶ غضب العالم بأجمعة مجتمع بها الآن.. تريد أن تصرخ حتي تكتفي.. لمَـ لا يقدرون ألمها و وجعها.. لمـَ يضغطون علي جرحها الدامي و يرونها دائمًا المخطئة برغم كل ما تفعله لتجعلهم سعداء و تنال رضاهم...


قالت بغضب 

- يعني اية يا ماما هنا هانم لسة مرجعتش لحد دلوقتي!!

- ممكن تهدي بس يا حبيبتي .. هي قالت خارجة مع صحابها و زمانها راجعة ..

- بقولك اية متعمليش نفسك خايفة علينا اووى كدة .. احنا مش بنأكل من الشويتين بتوعك دول!!


أتاها صوت " فاطمة " هذا من خلفها لتستدير قائلة

- لو مش هخاف عليكم يا فاطمة هانم هخاف علي مين؟؟

- قولتلك انا مش بأكل من الكلام دة .. روحي شوفي نور اللي بتضحكي عليها بكلمتين يا دكتور ليلي.. انا لا!!

- مبتكليش من الكلام دة ؟!!.. انا مش عارفة يا فاطمة أنتي أمتي بقا هتبطلي تتعاملي معايا كدة؟؟

- هبطل أتعامل معاكي كدة لما ترجعي ليلي بتاعة زماان.. و للأسف دة مش هيحصل.. لأن أنا أحيانًا بقيت أشك أنك أختي أصلًا


- بس.. كفاية منك ليها بس...

قالتها " مرڤت " صارخة بهم و هي علي وشك الانهيار.. فمنذ وفاة زوجها الحبيب " زين " و هي تعاني من تفرق فتياتها و عنادهن و علي وجه الخصوص " ليلي " و " فاطمة " اللتان لا تنتهي مشاجرتهما سويًا دائمًا


- أهدي يا ماما.. خلاص أهدي.. ممكن بقا تهدي يا فاطمة أنتي و ليلي حرام عليكم ماما مبقتش قادرة علي اللي أنتم بتعملوا


قالتها " نور " في محاولة منها لتهدئة الوضع


- أنا اسفة يا ماما.. أسفة أن أنا بخاف علي أخواتي.. أسفة... عن أذنكم !!

قالتها " ليلي " بحزن و أسف و أتجهت دون أدني كلمة الي الغرفة التي أحتوت أحزانها منذ خمس سنوات مضت


نظرت " مرڤت " نحو " فاطمة " بغضب و قالت

- انتي هتفضلي لحد أمتي مش بتحسي.. مش كفاية أنها لحقتنا كلنا من البلاوي اللي كنا هنقع فيها بعد موت أبوكي .. و كفاية أنها شايلة حملنا كلنا علي أكتافها و مبتتكلمش .. شايلة الشركة  علي دماغها اللي محدش منكم يا بهوات بيقرب منها و كمان شغلها.. و أنتم بس كل اللي بتعملوا أنكم بتأخدوا الفلوس تفرتكوها يمين و شمال علي الكلام الفاضي و محدش فيكم فالآخر بيقولوا حتي كلمة شكرًا


¶ بالنسبة إليه اليوم هو صباح مختلف... فأي شيء سيقربه الي محبوبته.. فسيسعي إليه بكل قوة حتي و إن كان سيكلفه حياته

- ألف مبروك فارس  ... أنا واثق أن المستشفي علي أيدك هتوصل لمكان عالي جدًا..

- الله يبارك فيك يا محمود.. يا ريت بقي تجمع الدكاترة عشان تعلن عن بيع المستشفي و طبعًا مش عايز اوصيك اسمي ميتقالش ..

- تمام يا فارس  ... علي ما حضرتك تخلص قهوتك هكون أنا عملت أجتماع لدكاترة المستشفي .. بس استفسار لو دكتور ليلي سألتني علي الشريك اللي بعتلوا نصيبي اقولها ايه.. و معلش سؤال كمان ، هو ليه حضرتك مش عايز تظهر قدامها دلوقتى!!


¶" دكتور ليلي... دكتور محمود عامل اجتماع عاجل في مكتبه.. "

ارتفع حاجبها باستغراب و هي ترفع رأسها نحو تلك المتحدثة لتقول

- اجتماع عاجل !! ، من أمتي محمود بيعمل اجتماعات من غير ما يقولي ؟!

- معرفش و الله يا دكتور.. هو بس بيقول لحضرتك تيجي بسرعة لأنه عايز يتكلم معاكي علي أنفراد قبل ما الدكاترة ما يجوا...


نهضت " ليلي " و دهشتها تزداد.. فهي و " محمود " شركاء في هذه المشفي منذ اربع سنوات .. 

دلفت الي مكتبه و هي تنظر إلي التوتر البادي علي ملامحه لتقول

- خير ... مش مستريحالك !!

- بصي يا ليلي انا عارف أنك مبتحبيش اللف و الدوران .. و عشان كدة أنا هاجي معاكي دغري ... أنا بيعت نصيبي في المستشفي..


أتسعت عيناها بغضب و نهضت كالعاصفة التي علي وشك الهبوب قائلة

- نعم.. أنت أزاي تعمل حاجة زي كدة من ورايا...

- يا ليلي أنا بقالي فترة قايلك أني برتب نفسي عشان إسافر لمراتي و اولادي في فرنسا و أستقر هناك.. و أكيد كان لازم أبيع نصيبي

- طيب ما انا قولتلك أني أنا هشتري منك نصيبك..

- يا ليلي أنتي مش هيفرق معاكي خصوصا أن أنا صلا نصيبي ٢٥℅ من المستشفي..


كانت علي وشك أن ترد عليه و تعنفه علي غبائه هذا الذي  أضاع منها المشفي التي كانت تسعي لجعلها ملكها دون شراكة أحد .. لكن دخول الأطباء جعلها تنظر له و الشرر يتطاير من أعينها و تصمت نهائيًا


- أنا جمعتكم النهاردة عشان أعرفكم ان النهاردة آخر يوم ليا في المستشفي هنا !!!


                     الفصل الثاني من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close