أخر الاخبار

رواية جراح الماضي الفصل الرابع 4 بقلم سارة الزعبلاوي

 



رواية جراح الماضي

الفصل الرابع 4

بقلم سارة الزعبلاوي




- عايزة تعرفي انا مين .. انا ست البيت اللي أنتي بتقولي عليه بيتك ، انا مرات حسام !

- نعم .. مرات حسام مين انا مراته !!

- مرااته !!


قالتها " نور " بصدمة و قد بدأ طبول قلبها بالدق ..

لتسمع صوت بوق سيارة آتٍ من خلفها لتلتفت و تجدها سيارة " حسام "


دخل بسيارته إلي الفيلا و أوقفها و خرج منها و هو ينظر نحو " نور " و " سما " بقلق .. فقال باضطراب و توتر

- نوور !!

- مين دي يا حسام .. دي بتقول أنها مراتك أنت مش قولتلي انك طلقتها !!


أخذ نفس عميق و من ثم أغمض عينيه لتقول " نور " بالم بادٍ في صوتها

- عمري ما كنت اتخيل ان العلاقة توصل بينا كدة يا حسام في يوم من الأيام !!

- نور ممكن تهدي و تفهمي 

- لا انا اصلًا مكنتش جيالك .. و مش عايزة اتكلم معاك ، أنا كنت جاية لأنكل محسن يا ريت تخليني أقابله لأن الهانم مراتك مش راضية تدخلني 


نظر نحو " سما " بغضب و قال

- مين دي اللي مش راضية تدخلك ، أنتي ست البيت دة .. اتفضلي يا نور 


 دلفت " نور " إلي داخل الفيلا مع زوجها و جلست لتمنع حديثه قبل أن يتكلم بقولها

- لو سمحت يا حسام انا جاية لأنكل محسن يا ريت تندهه و تمشي لأنك مهما عملت مش هتكلم معاك علي الأقل دلوقتي

- يا نور طيب أفهميني ..

- مش قالتلك انها مش عايزة تتكلم معاك يا حسام دلوقتي .. سيبها براحتها !!


نظر " حسام " إلي والده بنظرة رجاء ليردف الآخير

- سيبونا لوحدنا دلوقتي .. 


صعدوا جميعا و اتجه " محسن " نحو " نور " و ربت علي كتفها بحنية لتنفجر هي في البكاء قائلة

- أتجوز !!.. للدرجادي هنت  عليه ، اومال بقي فين الحب اللي كان بيحكي عنه !!

- متعيطيش يا نور .. أنا قولتلكم ميت مرة قبل كدة أن البعد بيولد الجفا ، استحملوا بقا انتم الاتنين .. مش انتي لوحدك اللي موجوعة ، هو كمان موجوع زيك !!

- موجوع و لما هو موجوع راح اتجوز ليه ها ؟!.. مين دي أصلًا

- دي بنت خالته يا نور 

- اه  و اية سبب جوازهم يعني و بعدين دة مفهمها أنه طلقني !!

- طيب أهدي بس كدة عشان افهمك !!

____________________________________________


¶ يجري في غابة طويلة ، عريضة .. ليس لها حدود و هي تجري أمامه و كأنها تحاول الهروب منه .. كلما اقترب منها كلما أبتعدت عنه ، تركض و تركض حتي سقطت في حفرة عميقة ليصرخ هو باسمها 


- ليلي ، ليلي 


استيقظ " فارس " من هذا الكابوس الذي يطارده منذ أن ابتعدت " ليلي " عنه .. لتستيقظ تلك العارية التي كانت نائمة بجواره و هي تحتضنه من الخلف بدلال قائلة

- حبيبي شو بك ؟!

- مفيش يا لينا .. أنتي لسة موجودة لحد دلوقتي ليه ؟!

- كنت مشتاقتلك كتير ما قدرت بعد عنك !!

- طيب اتفضلي قومي عشان تمشي 

- ماشي حبيبي 


نهضت  و هي تختال في سيرها ليشعل هو سيجارة و هو ينفث دخانها بغضب 

أمسك بهاتفه و قام بعمل اتصال و وضعه علي أذنه ينتظر الإجابة .. بعد مرور دقيقة أتي إليه صوت أنثوي نائم قائلًا

- ألو

- صباح الخير يا نور ، أسف لو ازعجتك

- مين حضرتك ؟!

- أنا فارس طليق ليلي 

- فاارس !!!

__________________________________________


¶ في تمام التاسعة صباحًا ، كانت تقف أمام البناية الذي يقطن بها عازمة علي إنهاء هذة المهزلة 

فإما أن يعودا لبعضهما ... و إما .. الوداع !!

وقفت امام باب منزله و هي تدق الجرس مرات متتالية و قالت بصوت عالً لأنها تعلم انه بالداخل و لا يريد أن يفتح الباب لها


- يوسف .. افتح يا يوسف متهربش زي العيال الصغيرة .. افتح عشان خاطري و افهم مني و لو معجبكش كلامي ارميني برة .. عشان خاطري يا يوسف


بدأ صوتها يتخلله الدموع و هو خلف الباب لا يعلم أيستمر بتعذبيها ام ينهي كل هذا و يسمع مبرراتها !!!


و أخيرًا فتح الباب ليراها أمامه بهيئتها الباكيه ، حاول ان يتماسك و هو يقول

- اتفضلي اغسلي وشك و بطلي عياط


ابتسمت من بين دموعها و دلفت و هي تقول

- فين الحمام 


أشار لها بيده و هو يقول

- في آخر الطرقة علي أيدك الشمال 


دلف هو إلي المطبخ و هو يعد قهوته الصباحية لتخرج هي بتوتر و تقف بجانبة قائلة

- هعملهالك انا 

- لا انا هعملها 


مدت كفها لتأخذ منه الملعقة و هو ينظر لها متعجب لتقل هي

- اقعد و انا هعمل القعوة و هجيبهالك عشان نعرف نتكلم مع بعض


لم يتحدث كثيرًا و فعل مثلما قالت و اتجه ليجلس علي الاريكة المقابلة للمطبخ و هو يشاهدها ، أشتاق إليها كثيرًا 

انهت القهوة و اتجهت إليه و هي تحملها و جلست بجانبه

قال هو

- اتفضلي احكي يا هنا .. سمعيني الأسباب اللي تخليكي تبقي مع راجل تاني غيري !!

- انا مخنتكش يا يوسف


قالتها و هي تمسك بكفة لينظر لها بقسوة قائلًا

- اومال كنتي بتعملي اية .. لما الاقيكي في حضن راجل غيري دة معناه اية ها !!

- شغل 

- هههه.. شغل ، هي دي طريقة جديدة في الشغل يا هنا هانم و لا اية ؟!

- افهمني يا يوسف أنا شركتي كانت داخلة مناقصة لصالح وزارة العدل ، و شركته كانت داخله منافسة مع شركتي و ..


نظر نحوها بصدمة و قال و هو يحثها علي استئناف حديثها

- كملي 

- و اضطريت أني أعرض عليه فلوس و اتصاحب عليه كام يوم علشان يجيبلي المعلومات اللي في الملف اللي هتقدمه شركتهم عشان أكسب المناقصة 


هز رأسه محاولًا أن يستوعب ما تقوله و قال 

- أنتي أكيد بتقولي أي كلام و خلاص عشان اسامحك ، الكلام دة مش صح !!

أنتي لا يمكن تكوني هنا اللي أعرفها .. اية اللي جرالك ، اتحولتي من ملاك لشيطان !!!

- عشان سبتني لوحدي وسط وحوش ميعرفوش الرحمة ، متعرفش اية اللي حصلي و لا الايام السودة اللي شوفتها في حياتي كانت عاملة ازااى 


هتفت " هنا " بانهيار من وسط دموعها لينهض " يوسف " و هو يقول بصوت مثل زئير الأسد

- مش مبرر ، مبرراتك كلها واهية يا هنا ... 

- طيب عشان خاطري تسامحني و الله يا يوسف مش هعمل كدة تاني بس سامحني و أنا مستعدة أسيب شغلي لو عايز ، بس و الله انا ما خنتكش انت مكنتش بتغيب عن بالي و لا لحظة ، كنت مستنية و بعد الدقايق عشان ترجعلي ، أنت اللي مشيت و قطعت اخبارك عني  !!


نظر لها و هي ترتجف و تبكي بشدة و بدون مقدمات جذبها لأحضانه فدفنت هي رأسها في صدره

يعلم حجم الخطأ الذي ارتكبته ، و يعلم أيضًا أنها وصلت لمرحلة سيئة و تملك منها الجشع و الطمع

و لكن لا مفر من حبها، يحبها و سيظل يحبها فعليه تحمل عواقب ذلك و عليه مساعدتها لتخطي تلك المرحلة

_________________________________________


¶ لا تعلم إن كان قرارها بمقابلته صحيحة أم لا ،  ، و لا تعلم أيضًا لمـَ طلب مقابلتها سريعًا و بدون إخبار " ليلي " ، فكرت أنه يسعي ليرد " ليلي " إليه مرة أخري .. فإذا كان ماتفكر به صحيح فستفعل أي شيء في سبيل إسعاد شقيقتها 

      

نظرت إلي ساعة يدها لتري الوقت ، فقد تأخر كثيرًا .. زفرت بملل لترفع عينيها و تراه يقف أمامها ، ابتسمت بصدق و قالت


- اهلًا يا فارس 

- أهلا بيكي يا نور ، أزيك عاملة اية ؟


قالها " فارس " و هو يجلس علي الكرسي المقابل لها لترد " نور " قائلة


- تمام ، طول عمري اعرف أن مواعيدك مظبوطة .. بس اللي أنا شيفاه غير كدة ، من الواضح أن أنت حصلك تغيير جامد عن زماان !!


- اللي ليلي عملته غيرني ٣٦٠ درجة ، أكيد أنتي فاهمة !


نظرت إليه بندم علي ما فعلته شقيقتها و قالت


- فاهمة ، بس كماان فيه حاجة انت لازم تفهمها كويس .. الظروف اللي ليلي اتعرضتلها مفيش واحدة تقدر تستحملها ، صدقني هي استحملت كتير 


- مفيش داعي نفتح في القديم يا نور ،، خلاص ليلي اختارت حياتها و أنا كمان هعيش حياتي زي ما هي ما عاشت حياتها .. أنا كنت جايلك عشان موضوع تاني خاالص 


- اية هو ؟!


- بنتي !!

___________________________________________


¶ استيقظت باكرًا علي صوت والدتها و هي تقوم بفتح ستائر الشرفة و تقول


- يلا يا فاطمة ، أحمد علي وصول ، يلا علشان تلحقي تجهزي لأن يومك النهاردة طويل !!


- شوية يا ماما بس بليز 


- يلا مفيش وقت قومي 


قالتها " مرفت " و هي ترفع الغطاء عنها لتتأفأف " فاطمة " و هي تنهض بتكاسل و تقول


- يعني يا ماما كان لازم تديه معاد بدري كدة ، حراام و الله !!


- بتقولي حاجة يا فااطمة ؟


- لايا ماما ..  بقول هدخل آخد شاور بسرعة قبل ما أحمد يجي 


مرت أقل من ساعة استعدت " فاطمة " فيها لمقابلة  " أحمد " حيث كانت تقف أمام المرآة لتضع آخر لمساتها من مستحضرات التجميل حينما سمعت صوت بوق سيارته ، أنتفضت من مكانها و هي تهرول خارج غرفتها 

لتراها والدتها و تهتف قائلة


- فاطمة ، انتي يا بنت انتي رايحة فين !!


لم تستمع إلي نداءات والدتها المتتالية و هرولت إلي الخارج لتفتح باب القصر لتصطدم به و هو يحمل باقة من الزهور و صندوق مغلف بطريقة تجذب الناظر إليه ، نظرت له ثم إلي يده التي تحمل هذه الأشياء ثم عاودت النظر إليه مرة أخري و بدون مقدمات تعلقت برقبته ، ابتسم هو و دق قلبه فرحًا و همس لها قائلًا


- أمك واقفة وراكي يا مجنونة !!!


ابتعدت عنه ما إن سمعت هذه الجملة و يبدو أنها نست كل شيء بمجرد ان سمعت بوق سيارته .. ابتلعت ريقها بخجل و قد احمرت وجنتيها ، لتقول والدتها


- اللي يشوفك دلوقتي ما يشوفكيش و أنتي بتقولي سيبيني انام شوية يا ماما !


ضحك " أحمد " ، لتردف " مرفت "


- أتفضل يا حبيبي ، اية هتفضلي سايبة خطيبك واقف علي الباب  كدة  !!


دخلوا جميعًا لتجلس والدتها و تبدأ التحدث مع " أحمد " و هي تقول 


- طلعي الحاجات اللي في أيديكي دي أوضتك و كملي لبس عشان تنزلوا يلا 


- بتوزعيني يا ماما ، علي العموم ماشي !


صعدت  " فاطمة " نحو غرفتها و وضعت باقة الزهور جانبًا و أمسكت بهذا الصندق متوسط الحجم و فتحته ، ارتفع جانب شفتيها بسخرية و تعجب حينما وجدت عدد هائل من كرات الفلين الصغيرة تملأ الصندوق .. فكرت قليلًا و مدت يدها داخل الصندوق لتلمس يدها شيء صلب ، أمسكته و قامت بإخراجه لتجده صندوق لهاتف محمول جديد .. ابتسمت بفرح و مدت يديها مرة أخري لتخرج هدايا كثيرة اخري كمستحضرات التجميل و أنواع الشيكولاتة التي تحبها

صفقت بيديها مثل الاطفال لتدخل عليها " هنا " و قد ارتسم الفرح علي معالم وجهها هي الأخري لتتجه نحوها " فاطمة " و تقوم باحتضانها و هي تهتف بجنون


- بيحبني يا هنا ، و الله بيحبني .. 


- فيه اية يا مجنونة انتي ، مين دة اللي بيحبك !!


- مين غيره يعني يا هنا ، أحمد !!


جلست " هنا " واضعة ساق فوق الاخري و رفعت حاجبها بدهشة و قالت


- و انتي كنتي متخيلة أن هو مش بيحبك يا فاطمة ، يعني كل اللي عمله معاكي قبل كدة دة مدكيش إحساس أنه بيحبك .. عارفة يا فاطمة أنا ساعات بحس أنك أنانية !!


أما في الدور السفلي في هذه الفيلا كانت " مرفت " جالسة أمام " أحمد " و هي تقول 


- بص يا أحمد أنا مش محتاجة اقولك أنك زي ابني ، بس أنا هوصيك وصية و مهما حصل انت لازم تنفذها


- طبعًا أتفضلي يا طنط !


- مبدأيًا كدة .. فاطمة .. أنتم ان شاء الله كتب كتابكم بعد اسبوع ، و لحد كتب الكتاب أنا عايزاك تستحمل أي حاجة منها ، بعد الجواز هي هتبقي مراتك و تقدر تحكم عليها و أنا واثقة من حبك ليها و أنك لا يمكن تأذيها ، فاطمة بنتي أنانية ، فاكرة ان الحياة اتخلقت عشان تتسخر ليها  و أنا عايزاك انت تعالج الموضوع دة عندها


- ازاي يعني ؟!


- قلل دلعك ليها دة شوية ، متحسسهاش أنك مضمون في أي وقت ممكن تلاقيك .. هي لازم تحس بنعمة وجودك جنبها و بعد موتي استحملها هي مش هيبقي ليها غيرك يا احمد .. 


- بعد الشر عن حضرتك يا طنط !!


- دي اول حاجة ، ثانيًا بقي ... ليلي و هنا و نور اعتبرهم زي اخواتك اقف جنبهم هما ملهمش حد في الدنيا دي ، أنت ابن حلال و عشان كدة انا مأمناك علي بناتي .. اقف جنبهم في اي  محنة يا احمد حتي لو أنت و فاطمة ملكمش نصيب في بعض 


- ربنا يديكي طولة العمر يا طنط و ان شاء الله  تشوفي ولادي أنا و فاطمة !!


- ان شاء الله يا حبيبي ، بس محدش ضامن عمره و الناس بقت وحشة و دول بنات لوحدهم من غير حد في ضهرهم .. أوعدني يا احمد انك هتنفذ كلامي تحت اي ظرف من الظروف 


- اوعدك يا طنط !!!


_________________________________________


¶ كانت تسير ما بين طرقات المشفي و هي تطمئن علي المرضي ، الشيء الوحيد الذي ينسيها هم العالم هو عملها الذي تعشقه و بشدة 

تفاجأت بممرضة امامها تأتي مهرولة و هي تقول 


- دكتور ليلي ، يا دكتور ليلي !!


التفتت لها و قالت

- نعم يا فاتن 


- في واحد مستني حضرتك فوق في مكتبك 


- واحد مين ، اسمه ايه يعني !!


- بيقول انه شريك حضرتك الجديد في المستشفي 


- اخيرًا شرف ، طيب اتفضلي انتي يا فاتن 

 


صعدت ” ليلي “ نحو مكتبها و دلفت لتجد السكرتير الخاص بها بمفرده و ليس معه احد لتقول


- هو كان فيه حد عايز يقابلني يا مراد !!


- أه دة في مكتب حضرتك 


- مكتب حضرتي!! .. دة مين اللي اداه الأذن يدخل ان شاء الله !؟


- يا دكتور هو قالي أنه الشريك الجديد في المستشفي  و أنا مقدرتش امنعه انه يدخل مكتب حضرتك !!


تركته " ليلي " و اتجهت نحو غرفة مكتبها و فتحت الباب لتصطدم انفها بتلك الرائحة الرجوليه التي تعرفها جيدًا ، توقف نبض قلبها لثواني

نظرت أمامها لتجد رجل يعطي لها ظهره .. طويل القامة ، شعره متوسط الطول ناعم الخصلات ... 

ارتعشت شفتيها و حاولت ان تقنع حالها ان الماثل أمامها ليس " فارس " 

و لكن صوته هدم كل آمالها حينما قال و هو مازال موليًا ظهره لها


- هتفضلي واقفة عندك كدة كتير يا دكتور ليلي و لا اية ، ادخلي دة حتي مكتبك !!


نظرت له بصدمة حينما أستدار ،، اتسعت عيناها و هي تنظر إلي ذلك التغير الواضح علي ملامحه ، حتي  معظم خصلات شعره تحولت إلي اللون الابيض     


تقدم منها و هو يسير ببطئ و كل خطوة يخطوها كأنها علي اوتار قلبها ،، اصبح أمامها مباشرة .. نظر في تلك الاعين البندقية اللتان كانتا تأسرانه بشكل غير طبيعي .. و لمـَ يقول " كانتا " ، فمازال تأثيرهما واضح عليه حتي الآن !!!


تنهد بعمق و قال بهمس

- وحشتيني !!


رمشت عدة مرات غير مصدقة أنه واقف أمامها الآن ... نظرت له و هي تدقق في ملامحه.. تشعر بتغير كبير اجتاحه ، إنه ليس " فارس " الذي تعرفه 

شخص آخر ربما يمتلك نفس ملامحه !! ، لكنه ليس هو .. ليست نفس نظراته الحنونة التي تحتويها 


أفاقت من دوامة التفكير التي أطاحت بها و هي تقول


- أنت اية اللي جابك هنا يا فارس !!


وضع يده بجيبا بنطاله و قال بغموض


- تفتكري أنتي اية اللي ممكن يكون جابني ، أكيد أنا مش راجع عشانك مثلًا يا ليلي !!


- طيب من غير لف و دوران بقي .. جاي هنا ليه ؟!!


ضحك هو بصوت صادح و قال و هو يتجه ليجلس علي كرسي مكتبها و حالة من الصدمة تتملك من " ليلي " 


- هما ما عرفوكيش أن انا الشريك الجديد اللي معاكي في المستشفي !!


  _________________________________________


¶ أعلم أن الله دائمًا ما يخبئ لنا الامور الصالحة ، و لا أستطيع أن أنكر النعم التي يغدقها علينا ، 

لكن في مثل هذه الظروف التي نمر بها لا اري إلا ان الوضع يصير أسوأ فأسوأ

لا أستطيع ان أدرك هل هذا اختبار من الله أم عقاب منه علي شيء لا أعلمه !!


طوال تلك السنوات السابقة حاولت أن أقنع حالي أن الوضع سيتطور ، أننا سنجتاز كل هذه المحن .. لكن عقلي توقف مع كل هذه الوعود التي اعطيها له و لا تتحقق !!

حاولت ايضًا ان اعرف إن كان الخطأ مني أم لا و لكني لم أري نفسي مخطئة يومًا ما

فيا تري من المخطئ و من المتسبب في كل هذا  ؟!


تركت " نور " القلم من يدها و تنهدت و هي تفكر في حديث " فارس " معها 


صوت طرقات الباب علي غرفتها أيقظها لترد هي قائلة


- أدخل


دلفت الخادمة و هي تقول


- مرفت هانم عايزاكي في أوضتها يا نور هانم 


- طيب يا سمر روحي دلوقتي  


نهضت " نور " و توجهت نحو غرفة والدتها و دقت باب الغرفة لتسمع الأذن بالدخول

دلفت لتجد والدتها جالسة علي الفراش الخاص بها ، اقتربت منها و قبلت يديها لتمسد والدتها علي شعرها و هي تقول


- مالك يا نور ، حساكي مخبية حاجة عني ..


تنهدت بعمق و كأن هناك جبل من الهموم ملقي علي عاتقها و قالت بحزن دفين 


- حسام أتجوز يا ماما !


نظرت لها والدتها و هزت رأسها بعد رضا عن الوضع الذي وصلت إليه ابنتها ، لتقول


- و مفهمتيش اية اللي خلاه يعمل كدة يا نور 


- انا مش عايزة افهم منه حاجة .. أنا للي عايزاه دلوقتي اني اطلق منه 


- مينفعش الكلام دة ، انا طول عمري بقول عليكي اعقل واحدة في اخواتك .. فكري بعقلك و حاولي ترجعي جوزك ليكي قبل ما يروح منك يا نور !!


- و هو ما رحش مني يا ماما ، خلاص حسام مبقاش بتاعي !!


- يا حبيبتي انتي بس عشان زعلانة فبتقولي كدة ، متفكريش بقلبك يا نور .. فكري بعقلك


- يعني أعمل اية يعني ، اروح اقله و النبي ارجعلي احسن هموت من غيرك يا ماما و لا اعمل اية !!


- لا طبعًا مش قصدي كدة ، انتي بس خدي وقتك عشان تهدي و بعدين نشوف هنعمل اية فالموضوع دة !! ، المهم انا كنت عايزاكي في موضوع مهم


- خير يا ماما ؟!


نظرت " مرفت " بجانبها و مدت يدها نحو مصحف موضوع علي منضدة  بجانبها و أمسكته و وضعته امام " نور " و قالت


- قبل ما اقول اي حاجة احلفي علي المصحف دة انك هتنفذي كل اللي هقولك عليه و محدش هيعرف الكلام اللي بينا دة !!


_________________________________________


¶ لماذا عاد ؟! ،،، أيعقل أن يتحول الحب إلي كره و انتقام .. هذا ما تراه في نظرات عيونه القاسية و قسمات وجهه التي تصدر تعبيرات مخيفة !!

نعم يعقل ،، فما فعلته به ليس بقليل ،، ما فعلته به قادر علي ترك جرح دامي ذات أثر و مفعول طويل  في قلب اي رجل .. و إنه ليس اي رجل ، بل راجل عاشق .. 


استندت بكفيها علي المكتب الذي يترأسه و هي تقول بصدمه


- أية اللي انت بتقوله دة يا فارس  !! ، شريكي ازااى يعني ؟


- هو إية اللي شريكك إزااي ، دي مفيهاش إزاي .. الفلوس بتعمل أي حاجة يا ليلو .. و خصوصًا بقا ان محمود طلع بيحب الفلوس و وافق انه يخدعك  


قالها " فارس " و هو ينهض من علي كرسي مكتبها ليسير حتي يتقدم منها و هي ثابتة ، فأصبح الفاصل بينهما خطوة واحدة فقط 

و يا ليته بالفعل الفاصل بينهما خطوة واحدة .. بل الفاصل بينهما بحور من النيران المتوهجة ، لا شيء يستطيع عبورها و لا حتي إخمادها !!


هزت رأسها غير مصدقة ، رفعت يديها تضغط علي رأسها بقوة و هي تجبر عقلها علي إستيعاب تلك المصيبة التي ترمي علي عاتقها فوق جبل من الهموم 

و كلما ازداد هذا الجبل قوة ، كلما ازدادت الارض الحاملة له تصدعًا !!


- انت بتعمل كدة ليه يا فارس .. احنا اللي بينا انتهي .. لو في بينا حاجة حلوة متضيعهاش انت باللي ناوي تعمله !


هتفت بها " ليلي " بنبرة يشوبها شيء من الرجاء ، لا يدل علي ضعفها .. بل يدل علي رغبتها في احتفاظها بذكرياتهما معًا 


ليلوي هو جانب شفتيه بسخرية و هو يقول


- أي حاجة كانت حلوة بينا أنتهت يا ليلي بمجرد ما عملتي اللي عملتيه !!


ازداد خوفها و أيضًا تيقنها مما هو مقبل علي فعله .. فالقسوة التي تتسل من بين كلماته تنذر بعاصفة لا يستطيع إيقافها سوي الخالق !!!


- طيب ممكن افهم انت ناوي علي أية دلوقتي ؟!


- عادي ، انا بقيت شريكك في المستشفي .. يعني هدير معاكي المستشفي زي ما محمود ما كان بيعمل 


ثم هبط لمستواها و اردف بلهجة خاصة بهما فقط


- و متنسيش ان أنا استاذك برضو


- انا مش مصدقاك، انت لا يمكن تكون فارس اللي انا اعرفه.. انت مجرد مسخ، شايل جسمه بس روحه ضاعت.. يا خساره يا فارس!!!


لمعه عيناه بضعف سرعان ما محي اي اثر له و قال بجدية


- أظن بقا كفاية كلام عن الماضي لحد كدة يا دكتور و نبدأ شغل، و عايزة اقولك علي حاجة مهمة.. انا هنا شريكك و بس يعني مفيش مجال لأي علاقات اجتماعية يا دكتور.. فهماني طبعا!


ظلت متسمرة في محلها فزفر هو بضيق و اردف


- يا ريت بقا تفوقي من الصدمة اللي انتي فيها دي و تتفضلي معايا دلوقتي عشان توريني مكتبي..


- ماشي يا فارس


قالتها بصوت متحشرج.. ليلتفت هو لها بعد أن كان علي وشك المغادرة و هي تسير خلفه ليصطدم بها فيلطقتها و هي علي وشك السقوط..

نظرة قاسية، يد حديدية لا تحمل أي لين، قسمات وجه مخيفة

لا يدل هذا علي اي عاطفة " حب " يكنها لها!!


قال بصوت كفحيح الافعي

- اسمي دكتور فارس..


هزت رأسها برعب..

" ليلي سويلم "، التي لا تخشي احد و يخشاها الجميع.. تخشي أقرب شخص إلي قلبها، تخشي " فارسها"!!!


يا له من زمن غادر... فمن يصدق ان قصة حبهما الخرافية تتحول الي كره و خوف!

كانت تظن أنها تملك زمام الأمور جيدا حتي ظهر هو و عبث بقلبها فانفلتت منها الأمور مجددا


خرجا معا و توجهت " ليلي" نحو احد العمال قائلة


- عم سلامة.. معلش عيزاك تجهزلي اوضة المكتب اللي في الدور الرابع


كاد ذلك العامل أن يتحدث فقاطعه " فارس" بلهجة صارمة أخافته قائلا


- لا انا عايز اوضة مكتب اللي كانت بتاعة محمود اللي جنب مكتبك..


نفس عميق، يدان مرتعشتان، قلب متمرد يكاد يغادر تلك الأضلاع.. 

فيبدو انه علي علم تماما بكل خطوة يخطوها.. فقد علم أن هذه الغرفة التي يطالب بها مطلة علي مكتبها

بمعني أن بها باب داخلي يؤدي لمكتبها

لم ترد مجادلته.. فهي تعلم جيدا أن أي نقاش بينهما سيستحوذ هو عليه نتيجة لاطلاعه علي عقلها و امتلاك قلبها! 


- طيب يا عم سلامة.. جهز المكتب اللي الدكتور قالك عليه 


ثم توجهت إلي السكرتير الخاص بها و قالت بنبرة جاهدت لتخرج بذلك الثبات


- انا عايزة اجتماع عاجل يا مراد 


ثم التفتت إلي " فارس" و قالت


- اتفضل في مكتبي يا دكتور لحد الاجتماع ما يجهز   

 __________________________________________


¶ كانت عيناها زائغة و الصدمة استحوذت عليها و هي تتذكر حديثها مع الطبيب 


~ منذ أقل من ساعة ~

إلي جانب مرضها بالقلب الذي يتآكلها يوما تلو الآخر.. كانت قد بدأت أعراض أخري تظهر عليها.. فمهما زاد قسطها من الراحة دائما ما تشعر بالتعب الشديد، تنزف بسهولة، تظهر كدمات في مناطق مختلفة في بدنها دون أن تتعرض لاي كدمة!! 

كان لا بد من معرفة نهاية لذاك التعب 

فتوجهت إلي المشفي و قام الطبيب بعمل فحوصات كثيرة و قد بدأ القلق يتسلل إلي قلبها 

و بعدها بأيام معدودة ذهبت مرة أخري لتعرف نتيجة تلك الفحوصات 


- ها طمني يا دكتور؟! 


بلل الطبيب شفتاه و قال بتلعثم 


- انا مش هقدر اخبي عليكي يا مرفت هانم... 


نظرت له بتوجس، فخفض هو الآخر بصره.. فبماذا يخبرها ؟! 

أخبرها أن مرضها يزداد؟! 

ام يخبرها أن أيامها أصبحت معدودة في هذه الحياه!! 


اكمل حديثه بتوتر باد 


- حضرتك مريضة باللوكيميا.. سرطان دم!! 


شهقة لا إرادية صدرت منها و هي تضع يدها علي شفتيها.. ليردف هو متخلصا من ذاك العبء


- و آسف إني اقول لحضرتك كدة.. بس المرض في حالة متأخرة و كمان مع مرض حضرتك بالقلب العلاج أصبح شبه مستحيل!! 


دمعة حارة سقطت منها وشعور لا يوصف و هي تنهض تاركة الطبيب  متجاهلة لندائاته


- مرفت هانم.. يا مرفت هانم!! 


إذا كان عمري سينتهي قريبا فلا بد من فعل أشياء كثيرة جدا.. ففتياتي أهم من أي شيء آخر!! 


~ عودة للواقع ~


كانت داخل سيارتها حينما انتبهت لحديث سائقها الخاص الذي يقول متعجبا من تلك الحالة التي انتابتها


              

- هنطلع علي فين يا مرفت هانم؟! 


- اطلع علي العنوان اللي هقولك عليه دة يا سيد 


                  الفصل الخامس من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close