أخر الاخبار

رواية جراح الماضي الفصل الثامن 8 بقلم سارة الزعبلاوي



رواية جراح الماضي

الفصل الثامن 8

بقلم سارة الزعبلاوي



صرخته باسمها هزت المكان من حوله،، صرخة جعلت قلبه يزرف الدماء بلا توقف..

و تزامنا مع ركضه نحوها ركض " أحمد" هو الآخر فتشتت " سعد" و هو يراهما قادمين نحوه..

استغلت " ليلي" هذه الفرصة المتاحة للحياة و اعتمادا علي خبراتها السابقة التي اكتسبتها من " فارس"

لكمته بمؤخرة رأسها في أنفه ليتركها هو متأوها،،

فتستدير هي نحوه و تمسك بذراعه بعنف جاذبة إياة نحوها و تعطيه اللكمة الثانية،، حيث ضربت جبهتها بجبهته و في لحظة وقع مغشيا عليه


ليلتقطه " أحمد" و هو ينظر لها مشدوها،، بينما لم يعر " فارس" اهتماما لكل ما حدث هذا.. فكل ما يهمه في هذه الحياة وجودها!!

حتي و إن كانت بعيدة فيكفيه شعوره أنها موجودة معه في هذه الحياة،، تستنشق الهواء الذي يستنشقه!!


جذبها نحوه محتضنها بلهفة و قوة و هو يدفن رأسه في رقبتها،،

و تفاجئ برد فعلها هذا حينما وجدها تدفعه بعيدا لينظر لها و يجدها تطالعه بخوف باد في عينيها.. حسنا لقد أخافها منه!!

تبا له.. لكن ألم يكن هذا ما يريده؟!


اتجه نحوها و هي تتراجع بخوف،، فقطب حاجبيه بذهول قائلا


- معقول خايفة مني يا ليلي!!


احتمت ب " أحمد" و هي ممسكة بذراعه و مشهده و هو يقبض بيده علي رقبتها في السيارة لا يفارقها،، كلما رأته كلما تذكرت ما حدث!!


أدمعت عينيه و هو يري نظرات الرعب في عينيها كأسهم من النار تخترق جدار قلبه،، 


- كتف الواد دة يا فارس و ارميه علي جنب!! 


قالها أحمد و هو يربت علي ظهر " ليلي" في محاولة لتهدئتها.. و النيران تشتعل في قلب " فارس" ليتجه نحو " سعد" الملقي أرضا و يكاد يكون فاقد للوعي و امسكه من تلابيب قميصه و هو يرفعه نحوه قائلًا بهمس


- شايف الرعب اللي في عينيها دة... انا هخليك تتمني الموت و متطولهوش بحق النظرات اللي في عنيها دي!! 


بينما كان " حسام " مكبلا " سميح " و هو يقول بتهديد 


- ها.. هتقول اللي تعرفه و لا عايز تبقي زي صاحبك؟! 


هز " سميح" رأسه مسرعا بنفي و قال بخوف و قلب منتفض


- لا لا يا باشا و الله هقول كل اللي اعرفه.. 


ألقاه " حسام" أرضا بعدما انتهي من تكبيله و وقف أمامه واضعا يده بجيب بنطاله و هو يقول.. 


- ايوة،، شاطر.. قولي بقا كدة اية اللي حصل بالظبط


أطرق الآخير ينظر بحزن و هو يقول بندم 


- و الله يا باشا البشمهندسة هنا كان خيرها عليا.. بس الحوجة وحشة،، من يومين لقيت واحد بيلف حوالين الموقع اللي بنشتغل فيه.. رحت سألته لو عايز حاجة،، قالي انه عايز مصلحة و هيديني قدامها 10 آلاف جنية.. قالي اني اقول للعمال أن البشمهندسة بعتت تقولهم أن النهاردة باقي اليوم إجازة.. و اتصل بالشركة اقول ان فيه عامل وقع و أكيد البشمهندسة كانت هتيجي جري.. قالي لما دة يحصل رجالته هتبقي حوالين الموقع اديهم إشارة عشان يخطفوها،، و انا كنت واقف لما هي جت و كان معاها واحد و أديت إشارة لرجالته و هجموا عليهم و خدروهم و خطفوهم


- و بعدين.. و راحوا بيهم فين،، و متقولش مش عارف عشان انا واثق ان انت عارف!! 


تفوه بها " أحمد" و هو ينظر له بتساؤل ليرد الآخر بتردد 


- ايوة يا باشا هو بعدها كلمني و قالي أجيله علي عنوان عشان آخد الفلوس و قالي اني اختفي عشان الموضوع ميتعرفش.. بس انا متأكد ان المكان دة هو اللي كانت مخطوفة فيه البشمهندسة لأني سمعت صوت صريخها جوة!! 


- عمل فيها حاجة صح،، هنا جرالها حاجة!! 


هتفت بها " ليلي" محدثة " أحمد" بانهيار و قد كان البكاء هو الغالب علي نبرتها

اقترب منها " فارس" بتردد و هو يقول بصوت خفيض


- اهدي يا ليلي.. معملوش فيها حاجة هنرجعها إن شاء الله


التجاهل كان عنوان الحوار الدائر بينها هي و " فارس"،، ليزفر هو بضيق قائلًا 


- حسام فك الواد دة و جيبه علي العربية مش عايزين تضييع وقت أكتر من كدة.. خلينا نلحقهم قبل ما يجرالهم حاجة


استجاب  " حسام" لمطلب " فارس" و في أقل من ساعة كانوا في المكان المنشود!! 


_________________________________________


¶ دعونا نتجه بعيدا،، بعيدا تماما عن مصر... 

إلي ألمانيا!!!! 


في مكان تعانق فيه فروع الاشجار بعضها،، خالي من جميع مسببات الحياة.. و فوق جبل مرتفع شاهق يوجد قصر كبير 


إذا نظرت له من بعيد تشعر بالرهبة،، منظره يبعث الخوف و الكآبة في النفس كدلالة علي بشاعة ما يحدث فيه 


و في داخل هذا القصر و علي مقعد يشبه مقاعد الملوك.. و لكن ليسوا أي ملوك،، بل الطغاة فقط.. 

يجلس رجل في عقده السابع.. الظلم و الشر و البشاعة كان لهم نصيبا من ملامحه 

طويل البنيه قمحي البشرة،، ذات عيون سوداء قاتمة تشع شر.. 


و أمامه رجل آخر في بداية الأربعين من عمره،، ذات لحية نامية تسلل إليها الشيب لتصبح بيضاء،، 

هزيل الجسد و لكنه فارع الطول 


- عملت اية يا عماد.. فارس رد عليك بإية؟! 


ابتسم " عماد" ابتسامة شيطانية و هو يقول بمكر


- و هو يقدر يعمل حاجة غير أنه يوافق يا مستر جون.. خصوصا بعد ما هددته بليلي و بنته !! 


- بس انت متأكد من حكاية بنته دي يا عماد؟! 


مط " عماد" شفتيه بعدم اكتراث و هو يقول


- مش مهم اكون متأكد يا باشا.. المهم انه بلع الطعم،، و بعدين المعلومات اللي قولتهاله فعلا صح.. لكن حكاية بنته لسة عايشة و لا ميتة دي بقا مش متأكد منها.. 


لمعت عين " جون" بانتصار و هو يقول


- برافو عليك يا عماد،، مكافأتك هتوصلك النهاردة.. و متنساش مكافأة لينا معاك،، تعبت معانا كتير.. قولها خلاص ان دورها قرب ينتهي بس تصبر شوية!! 


- تمام يا باشا،، عن أذنك.. 


هز " جون" رأسه بالموافقة علي رحيله و هو ينظر إلي نقطة غير محددة.. سارحا في بحور الشر الذي غرق فيها منذ قديم الأزل و خطفت روحه ليعود بروح جديدة لا تشبه القديمة في أي شيء!!! 


و بعد مرور دقائق.. دخلت امرأة يبدو أنها في نهاية عقدها الخامس.. متوسطة القامة ذات جسد ممتلئ بعض الشيء،، 

ملابسها لا تتناسب قط مع مرحلتها العمرية... بل تتناسب مع العاهرات فقط! 


تهادت في سيرها و هي تبتسم ابتسامة أظهرت التجاعيد التي حاولت بشتي الطرق أن تتخلص منها و لكن الزمن أبي ألا يترك بصمته عليها.. 


وقفت أمامه و هي تقول بدلال


- وحشتني اووي يا جون.. 


أبت علامات الصرامة أن تتزحزح عن وجهه و قال باقتضاب


- عرفتي أي أخبار عن سمير يا ناريمان... 


تنهدت و هي تحاول منع الغصة التي تمكنت من قلبها أن تظهر و قالت في محاولة منها لإخفاء كذبها


- معرفش اي معلومات عنه يا جون من بعد الحادثة!! 


ضيق عينيه و هو ينظر لها بخبث قائلا


- طيب محاولش يتواصل مع ولاده.. دة نازل مصر مخصوص عشانهم!! 


- انا بكلمهم كل يوم و عرفتهم انه نزلهم مصر و انا معرفش عنه حاجة عشان يدوروا عليه،، متقلقش اول لما يعرفوا عنه حاجة هيبلغوني.. 


- إياك يا ناريمان تخبي عني اي حاجة..  و تنسي ان سمير جوزك اصلا،، هو اختار يخرج عننا و عقابه خده... و إلا نهايتك هتكون زيه


تنفست ببطء و هو تهز رأسها بالموافقة علي حديثه قائلة


- انا مقدرش اخبي عليك حاجة يا جون... و بعدين لو كنت ناوية اغدر من الاول كنت هربت معاه!! 


احتدت نظراته المصوبة نحوها و هو يقول بحنق


- بس انتي ما منعتهوش انه يهرب.. 


فردت ذراعيها بقلة حيلة قائلة


- معرفتش امنعه و حاولت ابلغكم قبل ما يهرب بس كان حابسني.. و أول لما عرفت اوصلك بلغتك علي طول!! 


أشار لها بكفه كعلامة لنهاية الحديث... فتنهدت هي و استدارت خارجة من ذاك الوكر،، 

و ما إن خرجت حتي استندت علي جدار جانبي و حاولت التقاط أنفاسها بصعوبة و من ثم،، 

اجهشت في بكاء مرير.. بكاء علي زوجها و حبيب عمرها،، 

انهارت جالسة علي الارض و هي تشهق بقوة.. 

لم يكن بيدها شيء سوي حمايته،، لأنها تعلم جيدا انهم لن يتركوه يعيش إن ابتعد عن تلك العصابة!! 

فما كان بيدها إلا أن ترفض الهروب معه و البقاء هنا لمنع أي ضرر سيلحق به و تحذيره!! 


___________________________________


¶ وقف " حسام" أمام " أحمد" موجها حديثه نحوه قائلا


- انا و فارس هندخل يا احمد و هنحاول نوصلهم و انت هتقف هنا مع ليلي تستني الشرطة،، تمام!! 


زمجرت " ليلي" بغضب قائلة


- ليلي مش هتستني في حتة،، انا هدخل معاكم.. 


- هو انتي مينفعش تسمعي الكلام شوية!! 


قالها " فارس " بضيق من تصرفاتها الطفولية رغم أنها امرأة ناضجة في الثلاثون من عمرها،، لتتجاهله هي ناظرة نحو " حسام" قائلة برجاء


- حسام و النبي انا عايزة ادخل معاكم.. مش هقدر استني اكتر من كدة،، عايزة اطمن علي هنا!! 


تنهد " حسام" قائلا بارهاق


- ليلي لازم تسمعي كلام فارس،، انتي اصلا المفروض متبقيش هنا من الاول.. 


اغمضت عينيها بحزن محاولة أن تبث الطمأنينة في قلبها،، ليقول " فارس" 


- خد بالك يا احمد من الواد سميح،، احنا ربطناه و مرمي برة في العربية 


هز " أحمد" رأسه موافقا علي حديثه،، 

ليتجه كلا من " فارس" و " حسام" نحو الداخل بحذر... 

استوقف " حسام" " فارس" و هو يخرج مسدسه و مسدس آخر ليعطيه له قائلا


- خلي المسدس دة معاك،، هنحتاجه! 


أخذه " فارس" منه و هو يقول بسخرية


- اة انا نسيت يا حسام بيه الحاجات دي تخصصك.. 


سار " حسام" متقدما للأمام.. ليتقدم " فارس" في الجهة الأخري ليكون كلا منهما في اتجاه مختلف... 


- انت مش ناوي تنسي و لا إية يا فارس؟! 


استند " فارس" بظهره علي جدار و هو يقول بضحكات سخرية


- أنسي؟!،، يا راجل دة انت السبب في دمار حياتي!! 


- ليه هو انا اللي خليت ليلي ضميرها يأنبها و تحس انها السبب في موت ابوها و تطلب الطلاق منك!! 


لم يستطع " فارس" إجابته لأن أبواب جهنم فتحت عليهم.... 

وابل من الرصاص أصبح متبادل بينهم و بين رجال " مروان" 


و لأن "  الكثرة تغلب الشجاعة  " فقد تمكن منهم الرجال،، 

ليخرج " مروان" مصفقا بيده و قد كبل الرجال " فارس" و " حسام" 


- لا برافو... هو انتم متخيلين انكم هتقدروا تدخلوا هنا عادي!! 


- فين يوسف و هنا؟! 


قالها " فارس" و هو يتشنح بين يدي ذلك الرجل الذي أقل ما يقال عنه انه أشبه بالحائط،، بالطبع " فارس" قوي البنية.. عريض المنكبين، طويل القامة و لكن إذا ما وضع في مقارنة مع ذاك الرجل سيخسرها بالطبع 


- اممم.. اعرف الأول بس انتم مين؟! 


تفوه بها " مروان" و هو يسير أمامهم باستفزاز... ليقول " حسام" 


- سلمنا هنا و يوسف و صدقني هتخرج من الموضوع دة و محدش هيجي جنبك!! 


ضحك" مروان" بصوت صادح حتي أدمعت عيناه،، 


- تصدق ضحكتني.. و مين اللي قالك ان حد هقدر يجي جنبي!! 


- اا.. 


قطع حديث " حسام" " فارس" قائلا بقلق


- تقصد اية بكلامك دة!! 


- أمم،، مش هقولولكم.. انا هسيبكم تشوفوا بعنيكم!! 


و بإشارة منه تحرك الرجال المقيدين لهما إلي الداخل،، 

جحظت عيناهما و قد هالهما المشهد... 


كان " يوسف" مقيد من ذراعيه و ساقيه بسلاسل حديدية في الجدار،، 

لا يوجد مكان في جسده خالي من الجروح و الكدمات.. فاقد للوعي 


صرخ " فارس" باسمه قائلا


- يوسف.. انت عملت فيه اية،، و رحمة امي انا هندمك علي اللي انت عملته دة!! 


اقترب منه " مروان" و هو يربت علي كتفه قائلا 


- لا اهدي كدة،، دة انا بس قرصت ودنه علشان ميبصش لحاجة مش بتاعته،، دة انت لسة ما شوفتش القمورة التانية!! 


تقدم رجل من رجاله و هو يحمل " هنا" التي كانت ممزقة الثياب،، و الدماء موزعة علي جسدها بطريقة عشوائية... سواء كانت دماء ناتجة من جروح أو دماء عذريتها التي لم يستطع أن يميزها " يوسف" من شدة غضبه!! 


و في ذلك الوقت و وسط حالة الصدمة المسيطرة علي الجميع كانت الشرطة قد أتت،، 

و دخل كلا من " أحمد" و " ليلي" التي ما إن رأت شقيقتها علي هذا الحال صكت وجهها و هي تبكي قائلة


- يا نهار اسود،، يا نهار اسود... هنا!! 


وقفت الشرطة محاصرة " مروان" و رجاله ليستسلم راميا سلاحه أرضا.... 


في ظرف ساعة كان الأمر منتهي.. انتهي كل شيء كما بدأ،، حتي " هنا".. تلك المسكينة التي أنتهت و تحولت حياتها مائة و ثمانون درجة!! 


دخلت معها " ليلي" إلي سيارة الإسعاف و هي لا تكف عن البكاء و الصك علي وجهها،، 

و في سيارة إسعاف أخري كان " فارس" مصاحبا ل " يوسف"،، صديق دربه و الذي كان بمثابة أخيه.. 


بكي بحرقة و هو يمسح علي شعره قائلا


- قوم يا صاحبي و الله ما هسيب حقك،، قوم متسبنيش لوحدي يا يوسف.. مش انت اللي قولتلي أن احنا هنفضل مع بعض علطول!! 


___________________________________


¶ في حديقة هادئة بعيدة عن كل هذه الأحداث الصاخبة،،، و في قصر كبير متسع... و لكنه فارغ،، الا من شخصين 


كانت تجلس فتاة في نهاية عقدها الثاني،، بيضاء البشرة ذات عينان عسليتين و خصلات شعرها السوداء تستجيب لنداء الهواء من حولها و تتراقص معه علي أنغام حزينة!! 


سمعت صوت خطوات قادمة فاستدارت لتجد شقيقها،، ابتسم لها و هو يجلس مربتا علي ظهرها بحنو قائلا 


- طيب في عروسة خطوبتها تبقي الأسبوع الجاي و تبقي عاملة كدة!! 


نظرت به بحزن و قالت 


- خطوبة اية يا فهد و احنا منعرفش بابا فين؟! 


تنهد و هو يمسك كفيها بحب و يقول 


- يا داليا سيبك من موضوع بابا دة انا هتصرف فيه،، ركزي انتي في حياتك اللي جاية.. كفاية كدة بقا.. 


نزلت دموعها معلنة رفضها لحديثه و قالت


- يا فهد مهما حصل دول هيفضلوا أبونا و أمنا و مش هنقدر ننساهم!! 


- بس عارهم هيفضل يلاحقنا طول عمرنا! 


صمتت،، فهذه هي الحقيقة التي لا يستطيع عقلها تصديقها... 


- انتي فاهمة يعني اية يطلعوا تجار أعضاء يا داليا.. هتقولي لجوزك اية،، معلش ابويا و امي طلعوا تجار أعضاء... 


ازدادت دموعها و الصمت قد أسدل ستاره،، 

ضمها إليه و هو يقول


- يا حبيبتي انا مقولتش أن احنا هننساهم،، انا هدور علي بابا و مش ههدي غير لما اجيبه.. بس انا عايزك تركزي في خطوبتك و بس!! 


- طيب و ماما؟! 


أغمض عينيه محاولا محي أي ذكري في قلبه لهذه المرأة... 


- هي اختارت انها تسيبنا يا داليا و تمشي في طريق نهايته سد،، يبقي احنا كمان ننساها.. 


- انا مش فاهمة،، يعني بابا قرر يرجع عن الطريق اللي كان ماشي فيه و رجع مصر و فجأة اختفي.. هي عرفت منين،، طيب و هي كمان مرجعتش معاه ليه،، انا مش فاهمة حاجة يا فهد!! 


- و لا انا كمان فاهم حاجة يا داليا،، بس متقلقيش كل حاجة هتوضح قريب.. 


_____________________________


¶ كانت تهرول بوهن بمساعدة " فاطمة" و " نور" في الردهة الخاص بالمشفي... كادت أن تتعثر " مرفت" مرات عديدة و هي تبكي ناطقة باسم ابنتها


- هنا،، يا رب ما يكون حصلها حاجة يا رب.. ما تبتلنيش في حد من ولادي يا رب!! 


وصلن نحو بهو واسع يجلس فيه " حسام" و " أحمد".. انطلقت " مرفت" نحوهما قائلة بهلع


- آية اللي حصل،، طمنوني عليها هي فين!! 


- اهدي يا طنط،،هي مع ليلي في العمليات...


قالها " أحمد" مربتا علي كتفها ليطمئنها و هو يساعدها علي الجلوس،، لتقول هي ببكاء


- عمليات ليه!!،، هنا حصلها اية يا احمد، رد عليا يا ابني!! 


نظر نحو" حسام" بتوتر،، ليقول " حسام" بتلعثم


- يا طنط هي بس كان مغمي عليها و ليلي بس حبت تطمن عليها مش أكتر


نظرت له " فاطمة " و " نور" بعدم تصديق.. فسحبته " نور" بهدوء لتسير خلفها " فاطمة"،، 

قالت " نور" بتساؤل


- هنا حصلها اية يا حسام!! 


ضرب كفيه ببعض و قال بضيق


- يا حبيبتي ما حصلهاش حاجة.. 


- يعني عشان كان مغمي عليها تدخلوها عمليات،، دة مش منطق ابدا يعني!! 


قالتها " فاطمة " و هي تنظر له مشككة في صحة حديثه،، ليصمت هو..

أمسكت " نور " بذراعه قائلة بترجي


- حسام عشان خاطري قولي هنا مالها؟! 


لم يجيبها،، فزفرت " فاطمة" بضيق و اتجهت نحو " أحمد" قائلة


- انت رايح فين؟! 


- هشرب سيجارة.. عايزة حاجة؟! 


رد  " أحمد" عليها باقتضاب،، لتقف هي أمامه قائلة


- قولي الأول هنا حصلها اية يا احمد؟! 


أمسك ذراعيها بعنف و سحبها معه و هي تنظر له باستغراب.. حتي وقفا في ركن هادئ إلي حد ما فقال لها بحنق


- اهدي بقا انتي عايزة امك يحصلها حاجة!! 


جحظت عينيها و هي تنفض ذراعها عنه قائلة بغضب


- انا ليه هو انا عملت حاجة!! 


كور قبضة يده و هو يهددها قائلا


- بصي يا فاطمة انا مش طايقك و لولا امك و اخواتك مكنتش هبقي موجود دلوقتي،، فأحسنلك ابعدي عن طريقي.. 


كاد أن يسير مبتعدا عنها و لكنها أمسكت ذراعه قائلة بسخط


- هو انا عملتلك اية لكل دة.. 


- مش عارفة عملتي اية يا فاطمة،، انتي انسانة أنانية.. مش بتفكري غير في نفسك و بس،، محاولتيش تسألي عن اختك و كأنك عايشة لوحدك في البيت.. شايفة نفسك الضحية دايما و كلنا جايين عليكي!! 


نظرت له بصدمة جالية،، صدمها بحديثه المباشر... قالت 


- أنا وحشة اوي كدة في نظرك!! 


- انتي عملتي حاجات كتير و انا استحملتك يا فاطمة.. بس اعملي حسابك بعد ما اختك تقوم بالسلامة هننفذ اللي اتفقنا عليه عشان أخلص... 


و بهذه الكلمات التي أصبحت مثل السيوف التي تنهش فيها دون رحمة أختتم حديثه معها و تركها و ذهب 


ذهب لتجلس هي أرضا ضامة ركبتيها لصدرها... لم تحاول أن تبكي لأنها لم تعتد البكاء يوما،، 

اعتادت أن تكون متبلدة المشاعر قاسية القلب... حتي قلبها لا يعرف الحب،، و لم يكن حبها ل " أحمد" سوي  " حب مزيف"!!! 


الآن فقط اعترفت لحالها انها لم تحبه يوما،، كانت معجبه بمظهره الرجولي و وسامته المتناهية، مركزه الاجتماعي،، لم يكن بالنسبة لها سوي " شكليات"!!! 


اغمضت عينيها و هي تتذكر ذاك الاتفاق اللعين الذي حدث بينهما 


~ منذ  يومين ~


كانت جالسة أمامه في ذلك المطعم الذي طلب مقابلتها فيه،، مندهشة من ذلك التحول الذي صار له.. 

أصبح يعاملها بقسوة و شدة لم تعدها منه يوما.. 


- بصي يا فاطمة،، انا عارف انك محبتنيش و... 


قاطعته محاولة الدفاع عن حالها قائلة


- أحمد لو سمحت اديني فرصة ادافع عن نفسي.. 


- لو سمحتي انت سيبيني أكمل كلامي!! 


صمتت و هي تنظر له مشدوهة،، ليكمل هو قائلا


- احنا مش هنتجوز يا فاطمة... 


لم تتعجب كثيرا فهي توقعت هذا الأمر من قبل،، و لكنه صدمها حقا حينما قال


- احنا هنعمل فرح و كتب كتاب بس هيبقي وهمي،، يعني اللي هيكتب الكتاب مش هيبقي مأذون و بالتالي هيبقي عقد باطل.. كل الكلام دة لفترة مؤقتة عشان والدتك مش أكتر،، و عشان انتي كمان متبقيش مجبرة علي حاجة!! 


- يعني اية،، هعيش معاك في بيت واحد ازاي و انا مش مراتك!! 


ابتسم و هو يشعل سيكارته و ينفث دخانها قائلا


- أمم.. خلاص يبقي نكتب الكتاب و نحوله جواز حقيقي فعلا بس ساعتها بقي يا حبيبتي انا مش هطلق!! 


ابتلعت ريقها و هي تنظر له و بين لحظة و الأخري تحولت نظراتها من الصدمة إلي الجمود و قالت


- انا موافقة،، بس يا ريت الموضوع يخلص في أسرع وقت!! 


- أقل من شهر و هعلن أن انا طلقتك و كل واحد هيروح لحاله... لأن انا معرفتي بيكي من الاول كانت غلط يا فاطمة.. 


~ عودة إلي الواقع ~


نهضت من محلها و هي تنتزع قناع الضعف الذي لا يليق بها أبدا!!! 

اتجهت نحو المكان الذي كانوا يجلسون به،، لتجد " ليلي"   قد خرجت لتوها من غرفة العمليات.. 

اسرعوا نحوها جميعهم،، بقلق و خوف و مشاعر مختلطة تخبئ العديد من التساؤلات 


- طمنيني يا ليلي.. هنا عاملة اية،، اية اللي حصلها ؟! 


قالتها  " مرفت" و هي تنظر بقلق في عينا  " ليلي" الذابلتين من البكاء 


تنهدت " ليلي " و هي لا تعلم بم تخبر والدتها،، أن مستقبل نجلتها انتهي علي يد شخص مريض!! 


- الحمد لله يا ماما هي كويسة،، كان عندها بس هبوط في الدورة الدموية و لحقناها.. 


زفرت " مرفت " بارتياح و هي تجلس قائلة


- الحمد لله،، مين اللي خطفها و كان عايز منها إيه؟! 


- معرفش يا ماما.. النيابة بتحقق معاه دلوقتي،، المهم انها كويسة.. انا هروح اشوف يوسف لأن حالته كانت خطيرة جدا!! 


سارت " ليلي" مبتعدة عنهم جميعا حتي أصبحت في ردهة فارغة،، رأت" فهد" أمامها قادما بابتسامته المعهودة و التي سرعان ما تلاشت حينما رآها في هذه الحالة التي يرثي لها 


أقترب منها بقلق قائلة


- انتي كويسة يا دكتور ليلي.. 


هزت رأسها بالموافقة و لكن ما حدث نفي إجابتها.. 

حيث وقعت مغشي عليها ليلتقطها هو بين ذراعيه بلهفة و يحملها قائلا


- ليلي.. ليلي فوقي


________________________________


¶ فتحت باب القصر القاطنة به و هي تري والدتها أمامها،، اتسعت ابتسامتها و هي ترتمي بأحضانها.... 


دلفا للداخل و جلسا لتقول " سما" بسعادة 


- نورتي البيت يا ماما... 


- منور بصاحبته يا حبيبتي،، هو مفيش حد غيرك هنا و لا إية؟! 


- اه.. عمو محسن سافر امبارح قال عنده مؤتمر في فرنسا،، و حسام مع الهانم عشان اختها مرجعتش البيت من امبارح! 


شهقت والدتها و هي تضرب صدرها بيدها قائلة 


- يا نهار اسود... ازاي يعني؟! 


- زي ما بقولك كدة،، عيلة عيارها فالت بعيد عنك.. المهم تعالي بقا نشرب حاجة كدة علي الغدا ما يجهز.. 


- يلا يا حبيبتي!! 


نهضا معا متجهتان للداخل و لكن استوقفهما صوت الباب و هو يفتح،، التفت ليجدا " محسن" قد جاء لتوه.. 

ابتسم و هو يدلف قائلا لوالدة " سما" 


- اهلا اهلا يا عصمت،، نورتينا.. 


- بنورك يا محسن،، عامل اية؟! 


- الحمد لله في أحسن حال خصوصا بعد ما عرفت اني هبقي جد قريب! 


قالها " محسن" بمكر،، فابتسمت " سما" بتلعثم و هي تقول


- اتفضل يا عمي.. حضرتك لسة جاي من السفر و شكلك تعبان!! 


هز رأسه بالموافقة و قال


- بس معايا ضيف لازم يدخل.. 


ابتسمت " سما" و هي تقول بترحيب


- اه طبعا خليه يتفضل يا عمو.. 


- اتفضل يا دكتور سامي!! 


دلف رجل في عامه الخمسون،، ممتلئ الجسد قصير القامة... 


- دة دكتور سامي صديقي،، كنت عازمة علي الغدا النهاردة.. و هو دكتور نسا و توليد اول لما عرف ان انتي حامل يا سما صمم يجي يكشف عليكي بنفسه،، اتفضل يا سامي!! 


شحب وجه " سما" و هي تنظر لوالدتها بخوف،، فقالت " عصمت" محاولة إنقاذ الموقف


- ما هو انا جاية النهاردة يا محسن عشان اوديها للدكتور... ملهوش لزوم نتعب الدكتور معانا دة ضيف يعني!! 


- لا مفيش تعب يا هانم و لا حاجة،، حسام دة زي ابني و انا يسعدني اني اتابع حمل مراته.. 


قالها " سامي" ليتشنج جسد " سما" و تبدأ ضربات قلبها تزداد معلنة اللعنة علي كذبتها التي لن تدوم و سينقلب الأمر عليها،، 


- طيب يا سما،، خلي سامي يكشف عليكي لحد ما الغدا يجهز 


لم تستطع الاعتراض و سارت مجبرة و هي تحاول التفكير في مخرج من هذا المأزق،، 


و بعد مرور ما يقارب عشر دقائق كانت" سما" تنعي فيها حالها استعدادا لفراقها هي و " حسام"،، 

ابتسم " سامي" بسرور قائلا


- مبروك يا مدام سما.. مبروك يا محسن 


جحظت عينا " محسن" و هو يسير مع " سامي" إلي الخارج،، الذي قال


- آية يا محسن مش قولتلي انك سمعتها و هي بتكلم امها بتقولها انها مش حامل و انها قالت كدة عشان حسام ميطلقهاش؟! 


هز " محسن "رأسه مسرعا مؤكدا علي حديثه و قال


- انا متأكد انا سمعتها فعلا،، ازاي بقا.. هي حامل ازاي؟!! 


مط " سامي" شفتيه و قال 


- عادي يا محسن.. ممكن تكون فعلا كانت حامل بس هي متعرفش،، و اضطرت تقول كدة لحسام.. المهم انت افرح انت هتبقي جد!! 


قطب " محسن" حاحبيه و قال بضيق


- مكنتش عايزه يخلف منها،، دي عقربة عايزة تهد البيت هي و امها و تخلي حسام يطلق نور و تكوش هي علي كل حاجة!! 


أما في الطابق العلوي.. جلست " سما" علي الفراش غير مصدقة،، بالفعل هي لم تكن حامل.. 


- الف الف مبروك يا حبيبتي،، مش قولتلك متقلقيش و هتحملي منه إن شاء الله


قالتها " عصمت" و هي تحتضن " سما" بفرحة،، و الأخري شاردة.. هزتها " عصمت" برفق قائلة


- مالك يا حبيبتي؟! 


- عمو محسن كان شاكك اني مش حامل عشان كدة جاب الدكتور و مش بعيد يكون سمعني و انا بكلمك!! 


- طيب و اهو طلعتي حامل و خيبتي ظنه.. 


- بس ممكن يروح يقول لحسام!! 


- يبقي يثبت ساعتها،، انا عايزاكي يبقي قلبك جامد كدة.. خصوصا انك حامل و تقدري تحركي البيت دة كله بصباع رجلك الصغير،، بس بردو خدي بالك من البت اللي اسمها نور دي احسن تكون بتخطط انها تسقطك.. 


- لا متقلقيش هي طلبت من حسام يجبلها شقة بعيد عن هنا،، و ساعتها بقي انا هبقي ست البيت دة و هقدر اخططلها براحتي!! 


- لا يا هبلة،، دي فرصتك انك تبيني لحسام انك نيتك صافية من ناحيتها.. 


- ازاي يعني يا ماما؟! 


- يعني تقوليله لا يا حسام البيت دة بيتها مينفعش تسيبه و تقعد لوحدها،، اصل انا خايفة عليها و الشويتين دول!! 


- طيب و انا هستفاد اية كدة؟! 


- كدة هتثبتيله انك مش بتكرهيها و لا حاجة عشان لو هي طلبت منه يطلقك أو يبعد عنك يبقي كدة هي في نظره اللي وحشة... و كمان يبقي انتي كدة خلتيها قدام عينكي و تخططلها براحتك،، و يبقي انتي كدة ضربتي عصفورين بحجر واحد!! 


_____________________________


¶ خرج " فارس" من غرفة العمليات بعدما أتم علاج " يوسف".. 

كانت حالة " يوسف" خطر للغاية فقد حدثت عدة كسور في أماكن متفرقة من الجسد و خلع بالكتف الأيسر.. 


تنهد " فارس" و هو يتجه نحو الغرفة التي يوجد بها " هنا"،،

طرق الباب و هو يسمع الأذن بالدخول... دلف ليجد " مرفت، نور، هنا ، حسام" 

ألقي التحية و هي يري حالة" هنا" التي لا تقل أذي عن حالة " يوسف".. 


- عاملة اية دلوقتي يا هنا؟! 


قالها " فارس" بإرهاق باد عليه،، لتهز رأسها كإجابة أنها في حال جيد و قالت محاولة للتحدث بضعف


- يو.. يوسف!! 


زم شفتيه بحزن و قال


- هو كويس الحمد لله متقلقيش.. 


" كاذب"!! 

حدسها يقول أنه كاذب بالطبع،، فلا أحد يشعر بـ" يوسف" سواها،، تعلم جيدا أنه يتألم.. 


أدمعت عينيها و هي تهز رأسها برفض و قالت بضعف


- لا.. مش كويس!! 


ضمتها " نور" لها مربتة علي ظهرها بحنو و قالت


- اهدي يا حبيبتي.. فارس بيقول انه كويس اهو متخافيش!! 


اجهشت في البكاء و هي محتضنة " نور" بقوة،، و هي تعلم أنه لن يتقبلها بعد ذلك مهما حدث... فقد تشوهت صورتها أمامه بعد كل ما حدث!! 


تنهد " فارس" و قال بأسف


- طيب انا هخرج دلوقتي،، هي ليلي فين؟! 


- خرجت من العمليات و بعدها ملقينهاش!! 


قالتها " فاطمة".. ليقطب " فارس" حاجبيه باندهاش و قال 


- طيب هروح اشوفها.. 


كاد أن يتوجه إلي الخارج لكن صوت " مرفت" أوقفه حينما قالت


- انا عايزاك يا فارس.. 

 

استدار لها في لمح البصر و هو يقول بتساؤل


- احم.. حضرتك عيزاني انا يا طنط؟! 


هزت رأسها له و هو يري الانكسار باد في عينيها و كأنها ترجوه


تقدم منها و هو يمد يده لها لمساعدتها علي النهوض،، 

خرجا معا ليقفا في بهو واسع.. أشار لها " فارس" بالجلوس علي أريكة.. 


- انت لسة بتحب ليلي يا فارس؟! 


ارجع رأسه للخلف و هو يمسح علي شعره،، و كانت تلك الكلمات هي الشرارة التي أشعلت قلبه بمشاعر يكتمها في قلبه لها.. ل " ليلاه"!!! 


- انا محبتش غير ليلي،، مهما تعمل انا هفضل احبها لحد آخر نفس فيا!! 


قالها " فارس" بلهفة واضحة تتسل من بين ثنايا حديثه،، ثم أكمل قائلا و كأنه يفرغ كل ما اعتمل في صدره طوال الخمس سنوات السابقة


- انتي مش متخيلة انا تعبت قد إية من بعد ما سابتني،، انا حياتي اتدمرت بعدها و اتصدمت من بعد ما رفعت عليا قضية الخلع.. مكنتش متخيل انها تتخلي عن الحب اللي بينا بكل سهولة كدة


صمت و هو يستشعر حرارة الدموع السائلة علي وجنتيه دون إرادة منه،، و قد عاد الماضي ليطارده و عادت جراح الماضي مرة أخري لتفرض حالها عليه!!! 


~ منذ عشر سنوات ~


كانت قد أتمت عامها الثاني في الجامعة،، و مع كل يوم يمر عليها تزداد تعلقا به... حبه يتمكن منها يوما بعد يوم،، رغم أنه لا يعيرها أي اهتمام..


نظرت أمامها و هي تراه يدلف إلي الجامعة بوسامته المعهودة التي تجعل قلبها يهوي أرضا،، 


لم تستطع البقاء أمامه أكثر من ذلك فنهضت من مقعدها متوجهة نحو المدرج الخاص بها،، 

و لسوء حظها... أو لحسن حظها تعثرت قدمها في حفرة في الأرض فسقطت متألمة،، 

و كالعادة لم ينتبه أحد لها... فلا أحد يهتم بشأن الآخر في هذة البلدة.. 

و لكنها شعرت بشخص ما خلفها.. استدارت و هي تحاول النهوض،، 

و لكنها رأته قادما و هو يهرول نحوها... ابتلعت ريقها بتوتر و قلبها تدق طبوله بعنف 

نزل لمستواها و هو يقول بلهفة واضحة في حديثه 


- انتي كويسة،، حصلك حاجة!! 


نظرت له ببلاهة و من فرط توترها لم تجيبه...

و حاولت النهوض و لكنها تألمت و كأنها علي وشك البكاء 


لم يترك لها أي فرصة بعد تلك الصرخة التي صدرت منها فأصابته في مقتل و حملها علي ذراعيه.. 


شهقت و هي تحيط رقبته بتلقائية و لأول مرة تري عينيه عن قرب هكذا... 


ابتسم لها تلك الابتسامة الساحرة التي جعلت عقلها يترك محله و يحلق في السماء 


- متخافيش مش هاكلك.. 


ابتلعت ريقها بتوتر و هي تعض علي شفتها السفلي... 

دخل بها إلي مكتبه و وضعها علي الاريكة برفق و جلس علي ركبتيه بجانبها يتفحص قدمها بين كفيه و قال بابتسامة 


- مزق خفيف عادي يعني،، بس مش هتعرفي تمشي عليها علي الاقل لمدة يومين.. 


نظرت له باستغراب و لم تتحدث،، فبعد عامان من التجاهل و عدم الاكتراث لها... يعاملها الآن بلهفة جالية 


رفع حاجبه و هو ينظر لها بدهشة قائلا 


- اللي اعرفه عنك انك مش خرسة.. 


ابتسمت بتلعثم و قالت و هي تحمحم قائلة بتوتر 


- لاء بس.. اصل حضرتك بقالنا سنتين،، يعني عمرك ما اتكلمت معايا أو.. 


ابتسم بمشاكسة و قال 


- متأكدة اننا عمرنا ما اتكلمنا،، يعني علي ما اتذكر ان احنا اتقابلنا قبل كدة في الباص و اتعرفنا علي بعض!! 


فغرت فاهها و هي تنظر له مشدوهة،، لم تتوقع قط أنه يتذكرها أو حتي يكترث لوجودها في حياته!! 


- اه.. و انت كنت ساعتها مش طايق نفسك،، 


عضت لسانها و هي تقول بخجل من تلقائيتها


- احم،، آسفة.. 


ضحك و هو ينهض ليجلس بجانبها علي الاريكة،، و قال.. 


- لا فعلا انا مكنتش طايق نفسي،، كان عندي شغل مهم و عادة مبحبش حد يكلمني و انا بشتغل و انتي بقا جيتي في طريقي،، معلش اتعصبت عليكي!! 


ابتسمت باشراق،، ليسرح هو في تلك الابتسامة التي أرقته لمدة عامان،، عامان يراقبها فيهما و هو يحلم بها في كل يوم.. 


- حضرتك عايش في ألمانيا بقالك قد اية؟! 


- بقالي خمس سنين،، مقولتليش اسمك ليلي اية؟! 


قطبت حاجبيها باستغراب و هي تقول


- هو حضرتك عرفت اسمي منين؟! 


- هو مش انا الدكتور بتاعك و لا إية؟! 

  

قالت بعدم اقتناع 


- اسمي ليلي زين سويلم... 


- سلامتك يا ليلى... 


ابتسمت له برقة،، فمد هو ذراعه نحوها قائلا


- طيب يلاعشان اوصلك لأنك مش هتعرفي تمشي برجلك دي! 


تحمحمت قائلة بإحراج


- لا شكرا لحضرتك يا دكتور،، انا هعرف اروح لوحدي... 

 

- مش هتعرفي فياريت مترفضيش،،انا مش هخطفك يعني!! 


استجابت له و هي تمسك بكفه و تستند عليه ليساعدها في السير،، فقالت هي


- مش قصدي بس مش عايزة اتعب حضرتك.. 


اتجهت معا خارج مبني الجامعة.. فقال هو 


- تعبك راحة يا ستي،، مفيهاش تعب و لا حاجة 


~ عودة إلي الواقع ~


عاد إلي ذلك الواقع المرير الذي خطف منه أروع فترات حياته،، سلب منه تلك الرقيقة..  " ليلي"!! 


نظر نحو " مرفت" و هو يري دموعها تنساب علي وجنتيها،، نظر لها بقلق قائلا


- مالك يا طنط؟! 


أمسكت كفه بحنان فطري و قالت


- يعني عمرك ما هتتخلي عنها،، مهما تعمل!! 


كانت الدهشة مسيطرة عليه عندما قال


- انا متخلتش عنها قبل كدة عشان اتخلى عنها دلوقتي!! 


- فارس انا خلاص،، مش هعيش اكتر ما عشت... و ليلي لوحدها في الدنيا،، اوعي تسيبها هي ملهاش غيرك،، انا واثقة انها هترجعلك قريب.. بس انت خليك قريب منها،، حسسها انك لسة بتحبها و صدقني هترجعلك لأنها هي كمان بتحبك! 


- ربنا يدي لحضرتك طولة العمر.. 


- خلاص يا فارس،، انا مش هعيش اكتر من شهر.. الموضوع محسوم! 


اعتلت الصدمة ملامحه و قال


- هو في أية،، حضرتك بتقولي كدة لية؟! 


- انا عندي لوكيميا يا فارس!! 


_______________________________


¶ جلس بجانبها و قلبه يتآكل من خوفه عليها،، يشعر و كأن نبض الحياة توقف من حوله.. نظر للطبيب الواقف بجانبه قائلا بلهفة


- هي كويسة يا دكتور؟! 


- الحمد لله كويسة يا فهد بيه ،، بس واضح انه إرهاق و انخفاض في ضغط الدم.. 


هز رأسه باطمئنان،، ليردف الطبيب


- شوية و هتبدأ تفوق.. عن أذنك 


خرج الطبيب ليبقي هو بجانبها،، تأمل تلك الملامح الشرقية.. 

ذلك الشعر البندقي القصير... البشرة البيضاء الذي يسري بها حمرة طبيعية،، 

تجرأ لأول مرة و بيد مرتعشة مد يده يتحسس خصلات شعرها برقة... 

اااه كم اتعذب بلوعة عشقك و انت لا تبالي،، لم لا تشعرين بي أيتها الحبيبة،، و ليس في فؤادي سواكي؟! 


قبل جبينها بخفة و هو يعود إلي محله،، 

بدأت تتململ في فراشها و هي تشعر بثقل جفنيها.. 

و بالكاد فتحت عسليتاها ليلتقوا به،، رمشت لعدة ثواني محاولة استرجاع ما حدث.. و فجأة أنتفضت من محلها و هي تحاول النهوض بتعب ليمنعها هو قائلا


- اهدي يا ليلي،، انتي تعبانة و لازم تستريحي شوية!! 


هزت رأسها برفض و بدأت طبقة من الدموع تزين عينيها.. امسك كفها ماقتا لتلك الدموع التي تحجب عنه عينيها.. 


- اهدي بس.. مالك؟! 


بدأت تبكي بقهر و هي تقول بدون وعي 


- اغتصبها،، هنا ضاعت خلاص.. خلاص!! 


ظهرت معالم الصدمة علي وجهه،، هو لا يعلم عن من تتحدث و لكن بالطبع ما تقوله كارثة!! 


- هنا مين.. اهدي بس خليني افهمك!! 


_______________________________


¶ سار في ردهات المشفي غير مصدقا ما قصته له " مرفت".. 


قابله أحد الأطباء الذي ما إن رآه حتي تقدم منه قائلا


- دكتور فارس... 


توقف أمامه و هو ينظر له بتساؤل ليردف الطبيب 


- دكتور ليلي من شوية اغمي عليها و استاذ فهد جابها علي الطوارئ و انا علقتلها محاليل عشان عندها انخفاض في ضغط الدم.. 


شحب وجهه،، بالطبع هو قلق عليها لكن ما أثار غضبه أكثر هو وجود ذاك " الفهد" معها،، 

يبدو أنه يسعي لسلب قلبها منه.. و هو ما لم يسمح به قط ،، 


اتجه بخطي مهرولة نحو الغرفة المنشودة،، وقف أمام باب الغرفة ململما شتات أمره و هو يتنفس بعمق محاولا الا يسكب غضبه عليها،، فكفي بها إرهاق و ضغط نفسي.. 


فتح باب الغرفة دون أن يطرق و قد بدأت الخطوط الحمراء ترتسم في عينيه كدلالة علي غضبه الذي يتصاعد،، 

فقد كان ذلك المعتوه ممسكا بكفها بيد و باليد الأخري كان يمسح دموعها.. 


نظرت " ليلي" نحوه بخوف،، و بتلقائية شديدة و بدون تفكير من عقلها الذي يعلم تماما انها ملك له حتي مماتها.. سحبت كفها من كف " فهد".. و ارتدت للخلف بعيدا عنه،، 


دخل " فارس" مغلقا الباب خلفه و عينيه مثبتة عليها،، حتي أصبح أمامها مباشرة علي الفراش التي ترقد عليه.. 


- اهلا يا دكتور فارس.. 


قالها " فهد" باستغراب من تصرفاته و من غضبه الباد،، 

لكن " فارس" لم يجيبه بل جلس بجانبها علي الفراش ملتصقا بها.. قائلا بصوت أجش 


- انتي كويسة يا ليلي؟! 


أغمضت عينيها بألم يعلم هو مصدره جيدا،، لينظر نحو " فهد" بنظرات ماقتة و ابتسامة صفراء قائلا 


- آسف يا استاذ فهد بس مخدتش بالي منك،، كنت قلقان علي ليلي... 


تعمد النطق بتلك الكلمات،، ليشعرها بخوفه عليها.. و ليجعل ذلك الابلة يعلم أنها " ليلاه".. فقط ملكه هو!! 


 - و لا يهمك يا دكتور،، هي بس ضغطها كان واطي.. 


قالها " فهد" بعدم فهم لما يدور حوله،، فاردفت " ليلي" باستفهام


- هنا عاملة اية يا فارس،، و يوسف ؟! 


تنهد بحزن علي حال شقيقتها و " يوسف" ،، فيبدو أن القدر يعاندهما و يرفض اجتماعهما 


- هنا فاقت الحمد لله بس يوسف لسة في العناية المركزة،، 


- حالته وحشة يا فارس؟! 


تساءلت " ليلي" و هي منتظرة إجابته بترقب،، ليجيبها هو بحزن


- عنده كسر  في الحوض و خلع في الكتف و كدمات و كسور في كل جسمه.. مفيهوش حتة سليمة!! 


نهض " فهد" لأنه يشعر أن الحوار الدائر بينهما خاص.. فلا وجود له بينهما،، 


- طيب عن أذنكم يا جماعة... هاجي بكرة إن شاء الله يا دكتور ليلي اطمن عليكي


هزت رأسها بالموافقة بينما أعلن " فارس" رفضه لقرارها حينما قال بامتعاض


- مفيش داعي تتعب نفسك،، انا جنبها و أهلها كمان جنبها!! 


نظرت له و كأنها توبخه بنظراتها علي انعدام ذوقه،، و لكن رد " فهد" كان كالصاعقة بالنسبة لها 


- بس هي طلبت مني ابقي جنبها... و انا مقدرش منفذلهاش طلبها


بالطبع " فارس " لن يدرك مقصد " فهد" انها طلبت منه مساعدتها في ورطة شقيقتها " هنا" بسبب علاقاته الناتجة من كونه من كبار رجال الأعمال في مصر.. 


أو ربما لن يدركه لأن" فهد" كان يتعمد قولها بطريقة ماكرة... 


- عن أذنكم،، 


قالها " فهد" و انطلق خارجا ليتركها وحدها مع ذاك الشبح ،، 

استدارت إلي" فارس" لتشرح له مقصده من تلك العبارة التي من التأكيد أنه فهمها خطأ

و لكنه كان أسرع منها فقبض علي ذراعيها بقوة،، تأوهت هي و قالت


- فارس افهم قبل ما تحكم،، هو مش قصده حاجة من اللي في دماغك..


- و الله،، اومال يقصد اية يا ليلي هانم.. بصي يا ليلي لآخر مرة هقولهالك،،انتي لو مكنتيش ليا مش هتكوني لغيري في يوم من الايام.. انتي ملكي انا و بس!! 


قالها " فارس" بعصبية و غيرة واضحة... دققت في عيناه جيدا و هي تري تلك النظرات التي تعرفها جيدا.. 

تلك النظرات التي أسرت فؤادها من قبل،، نظرات العشق المنطلقة من عيناه كانت قادرة علي تهدئة قلبها و طمأنته.. 


- أنت ملكش الحق أنك تتحكم فيا،، مفيش بينا حاجة اصلا.. 


قبض علي خصلات شعرها لكن ليس بقوة.. بلين جعلها تنظر له باستغراب 


- لو انتي نسيتي حب عشر سنين يا ليلي أنا منستهوش.. و لا نسيت كمان  انتي جرحتيني و كسرتيني ازاي!! 


بدأت نبرة صوته تتهدج و كأنه علي وشك البكاء كالطفل الصغير،، 

هالها حالته تلك و قالت


- انت كنت عايزيني اعمل اية يا فارس،، لما اعرف انا ابويا مات و هو غضبان عليا عشان انا اتجوزت من وراه.. لا و مش بس كدة بعتله قسيمة الجواز في جواب بعد ما سافرت و كأني كنت بموته بالبطيء.. بنته اللي قعد يربي فيها سنين و كان فاكر انها سنده و ضهره في الدنيا كسرته و طعنته في ضهره... كان لازم نبعد،، كفاية اني عذبته في حياته يبقي اريحه و هو ميت.. يمكن ربنا يسامحني!! 


- انا عارف ان احنا غلطنا زمان لما اتجوزنا من ورا أهلك و يمكن اللي احنا فيه دة عقاب ربنا لينا،، بس يا ليلي انا استحملت فوق طاقتي خلاص و معدتش قادر اكتم اكتر من كدة!! 


نظرت له بتعجب و كأنه يهذي،، فأكمل هو قائلا و قد طفح كيله 


- يا ليلي انتي مش السبب في موت ابوكي.. حسام كان هو السبب الرئيسي في موت ابوكي...


                        الفصل التاسع من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close