أخر الاخبار

رواية جراح الماضي الفصل الثالث 3 بقلم سارة الزعبلاوي

 



رواية جراح الماضي

الفصل الثالث 3

بقلم سارة الزعبلاوي


 تري هل مازال يفكر بها ... هل مازال يحبها .. لا تعرف بمـَ تفسر له وجودها مع " مروان " .. هل تخبره أنها تفعل هذا حتي تكسب المناقصة التي تخوضها شركتها.. و بدلا من ان تنال رضاه تسقط من نظره 


تنهدت بتفكير ... بعد تلك السنوات التي جلست تنتظره فيها، لم يجد سوي تلك اللحظة التي تكون فيها مع هذا المعتوه ليعود..

أعتدلت بجلستها حينما خطر ببالها أنها كانت تخونه.. هل حقا ما كانت تفعله خيانة له!!!

لا.. ليس هذا ما كانت تفكر به حينها .. فقد كان كل همها أن تتأكد انه سيجعل شركتها تفوز بتلك المناقصة

 لعنت تفكيرها الساذج و طمعها ...


وجدت باب مكتبها يُفتح بدون أذنها فقطبت حاجبيها بغضب و هي تراه يدخل بهمجية و سكرتيرتها خلفه تحاول منعه من الدخول .. فقالت بغضب

- اية اللي أنت بتعمله دة يا مروان !!!

- أنتي مش بتردي عليا لية يا هنا ..


قالها بصوت مرتفع و بملامح ساخطة ... لتقول سكرتيرتها

- أتصل بالأمن يا بشمهندسة ؟

- لا ، اتفضلي يا مروة انتي دلوقتي 


التفتت له و قالت و هي تقف أمامه ضامة يدها 

- انا عايزة أفهم اية اللي أنت بتعمله دي ؟!

- انا اللي عايز أفهم أنت مش بتردي عليا لية .. مطنشاني ليه .. و لا عشان المناقصة رسيت علي شركتك خلاااص بحح !!

- اه.. تقدر تقول كدة .. عشان كدة بقا مش عايزة أشوف وشك و لو بالصدفة يا مروان .. انت فاهم..

- لا مش فاهم يا هنا .. مش مروان العجاتي اللي يحصل معاه كدة 

- اطلع برة


هتفت بها بصوت ٍ عالٌ .. و هي تشير بيدها نحو الباب .. لينظر هو لها بغضب و قد ارتسمت ابتسامة شيطانية علي وجهه و قال

- ماشي يا هنا .. بس صدقيني انتي هتندمي ، و هتيجي تبوسي رجلي علشان ارحمك و مش هرحمك

- قولت برة.. بررة


نظر إليها نظرة أخيرة و انطلق خارجًا .. لتجلس و هي تلعن اليوم التي رأته فيه ، فلا شيء يسير علي ما يرام منذ أن تعرفت عليه 


___________________________________________


¶ كانت تستقل معه السيارة و هي ممسكة بيده و هو يقود و تحركها معها و هي تتراقص علي أنغام الموسيقي التي تعشقها .. و هو ينظر لها مبتسمًا

فلا شيء يسعده في هذه الحياة سوي رؤيتها سعيدة ... 

أوقف السيارة و أطفأ الموسيقي ليجعلها تنتبه له .. التفتت له فقال 

- وصلنا


ابتسمت بارتباك و هي تبتلع ريقها قائلة

- كنت عايزة اكلمك في موضوع يا أحمد .. 

- طيب خلينا نتكلم لما نطلع .. كدة هنتأخر علي العشا و ماما هتزعل !!

- أحم .. أصلي عايزة اتكلم معاك لوحدنا 

- طيب نتعشي و نقعد مع ماما شوية و بعد كدة ندخل البلكونة نقعد لوحدنا .. اية رأيك ؟!!

- تمام .. يلا


صعدا سويًا نحو منزل الذي تقطن فيه والدته.. فقد توفي والده منذ ان كان صغيرًا و تركه هو و ووالدته بميراث ليس بالقليل ليشب " أحمد " و يقوم بافتتاح شركة خاصة بالأسمنت و مواد البناء .. 

و كانت شركته تتعامل مع شركة شقيقتها " هنا " .. و بدأت " فاطمة " تراه بشركة شقيقتها كثيرًا ، لم تنكر أنها كانت معجبة به .. و لكنها أندهشت حينما قالت لها " هنا " أنه يريد خطبتها .. لم تكن مستعدة لهذا الامر .. و لكن بعد تفكير و إلحاح والدتها عليها بأنها لن تدم لها في هذه الحياة طويلًا و أنه يجب أن يكون لها رجلًا يحميها و يخاف عليها وافقت.. 


دخلا سويًا لتظهر والدة " أحمد " سيدة تخطت الخمسين من عمرها ، يبدو عليها البشاشة 

اقتربت منهما و هي ترحب بهما .. دخلوا جميعًا و جلسوا علي مائدة الطعام التي كانت ممتلئة بما لذ و طاب من الطعام

كانوا يتحدثون بأمور شتي و يتضاحكون و هي تبتسم فقط و هي جالسة بعقل شارد افاقت حينما قالت والدة " أحمد "

- مالك يا فاطمة يا حبيبتي .. هو الاكل معجبكيش و لا أية ؟؟

- لا طبعا يا طنط تسلم ايد حضرتك الاكل تحفة

- اومال مالك .. الواد أحمد زعلك و لا اية


رفع هو يده مثل المجرمون و هو يقول

- أبدًا و الله ما عملت حاجة !!


ضحكت " فاطمة " و قالت

- لا يا طنط احمد مزعلنيش .. بس انا بس بفكر في ماما أصلها تعبانة اليومين دول !

- ألف سلامة عليها يا حبيبتي مالها ؟


مال " أحمد " عليها قليلًا و قال بصوت خفيض

- مقولتليش يعني .. الكلام دة من أمتي ؟؟


نظرت له بطرف عينيها و قالت بصوت مثله

- بعدين هبقي احكيلك !!


ثم اردفت و هي ترد علي والدته

- انتي عارفة يا طنط حكاية قلبها و كدة و هي مش بتنتظم علي الدوا .. فتعبت

- لا ألف سلامة عليها يا حبيبتي .. قوليلها هبقي أجي بكرة ازورها 

- تنوري طبعًا يا طنط 

- طيب انا هقوم اخلي صابحة تعملكم حاجة تشربوها

- ماشي يا ماما


نهضت والدته لتأمر الخادمة بإعداد المشروبات ، لينظر هو لها نظرة استفهام و يقول

- مفولتليش يعني ان طنط كانت تعبانة !!

- مرضتش أوجع دماغك يا حبيبي و بعدين هي الحمد لله بقت كويسة 

- طيب اية الموضوع اللي كنتي عايزة تكلميني فيه ؟؟


يا الله .. العيب الوحيد الموجود به أنه لا ينسي شيء أبدًا ، فقد كادت ان تتراجع عن القرار الذي يدور برأسها .. عضت علي شفتيها و قالت بتوتر

- طيب لما نقعد لوحدنا يا أحمد

- ما احنا لوحد..


بتر جملته حينما وجد والدته قادمة هي و الخادمة بصحن من الحلوي و المشروبات ، جلست والدته و هي تشعر أنهما يحتاجان لأن يكونا بمفردهما قليلًا فهي تستشعر وجود مشكلة بينهما .. فقالت

- طيب هستأذنك معلش يا حبيبتي يدوب أخد الدوا و أنام .. طبعا البيت بيتك انتي مع احمد لو عايزين حاجة قولوا لصابحة 

- اتفضلي طبعا يا طنط .. تصبحي علي خير

- و أنتي من اهله يا حبيبتي


سارت والدته و خلفها خادمتها التي تعيش معها منذ ولادة " احمد " لتقول

- عايزة حاجة يا زهرة هانم قبل ما تدخلي تنامي ؟

- مين اللي قالك اني داخلة انام يا صابحة .. أنا بس عايزة اسيبهم لوحدهم لأنهم شكلهم عايزين يتكلموا ، و أنتي خليكي فايقة علشان لو أحتاجوا حاجة منك 


مصمصت الاخري شفتيها و هي تقول

- متزعليش مني يا زهرة هانم .. بس حضرتك طيبة اووي .. انا عمري ما استريحت لفاطمة هانم دي !!

- صابحة،، متدخليش في اللي ملكيش فبه .. اتفضلي اعملي اللي قولتلك عليه.. يلا !!


أما هما فجلسا في البلكونة الخاصة بالمنزل .. اخرج هو سيجارة ليدخنها لتقطب حاجبيها و هي تنتزعها من يده و تقول

- أحمد بلييز .. قولتلك مية مرة بلااش سجاير .. و لو أنت مش قادر تبطلها علي الأقل بلاش قدامي !!


زفر و هو ينظر لها محاولًا تمالك اعصابه و قال

- ماشي يا حبيبتي .. مش ناوية بقا تقوليلي اية الموضوع اللي بقالك ساعة بتلفي و تدوري عليه ؟!

- أحم .. أحمد أنا عايزاك تأجل الفرح !!


نظر لها ببلاهة و قال 

- فرح مين !!!

- فرح مين يا احمد يعني .. فرحنا ؟!!

- نعم!!!!

- اية يا حبيبي مالك ؟؟


قالتها و هي تفرك يديها ببعضهما و تنتظر رد فعله .. فما كان منه إلا أن أمسك بعلبة سجائره وأخرج سيجارة و أشعلها و التفت نحو الشرفة ينفث دخانها محاولًا ألا يسكب غضبه فوق رأسها .. 

فهو يفعل كل شيء حتي ينل رضاها و مازال لا يفهم ما يدور برأسها 

أقتربت منه و حاوطت كفه بحب و هي تقول بهدوء


- أولًا اطفي السيجارة لأنها بتستفزني .. ثانيًا أنت لازم تفهمني الاول قبل ما تتعصب


نظر لها و هو يجز علي أسنانه حتي شعر أنه كاد أن يهشمهم و ألقي بالسيجارة أرضًا بعنف و قال

- أنت بتقوليلي أنك عايزة تأجلي الفرح اللي بعد شهر و عايزاني أخد الموضوع بكل بساطة يا فاطمة !!

- و فيها أية يا أحمد .. أنا عايزة أتأقلم علي الوضع الجديد 

- نعم !!.. هو اية الوضع الجديد دة ان شاء الله ؟!!

- أني هتجوز و يبقي ليا بيت و مسئولية ..

- و الله بقالنا سنة و نص مخطوبين و كل دة و مأقلمتيش نفسك علي الوضع .. أومال كنتي هتتأقلمي امتي ان شاء الله .. و لا كنتي فاكرة ان انا عيل بلعب بيكي و مش قد كلمتي و مش هتجوزك ؟!! 

- لا طبعا عمري ما فكرت كدة يا احمد .. بس الموضوع ان مرة واحدة لقيت الوقت عدي و فرحي بقا بعد شهر .. مكنتش متخيلة ان الوقت هيعدي بسرعة كدة .. 

- ليه كنتي فاكرانا هنفضل مخطوبين طول العمر ولا أية ؟!!

- يووة .. هو أنت ليه مش راضي تفهمني ؟؟

- أنا مش راضي افهمك.. لا يا فاطمة أنا عملت كل حاجة عشان افهمك ، كل اللي بتتطلبيه بعملهولك .. انتي لو طلبتي القمر هجيبهواك تحت رجليك.. بس أنتي اللي مش عايزاني افهمك .. دايما عاملة حاجز بينا و مش عايزة تكسريه .. 

أفهّمك بقا أنتي عايزة تأجلي الفرح ليه ،، أنتي لقيتي موضوع الخطوبة دة قلب جد و فيه فرح و جواز و مسئولية و انتي عمرك ما كنتي بتاعة الحاجات دي، غير كدة بقا أن أنتي كنتي واخدة الموضوع تسلية و مكنتيش بتحبيني و لا نيلة .. أنتي بس كان عاجبك انك يتقال عليكي وسط صاحباتك خطيبة أحمد الديب .. صح و لا لأ ؟!!


نظرت له بصدمة مما قال و قالت

- يااه.. كل دة كان في قلبك يا أحمد ،، مكنتش متخيلة أن أنا انانية و طماعة كدة عشان أعمل فيك كل دة و ألعب بيك !!

- انا ما قولتش أنك انانية .. 

- كلامك معناه كدة .. 

- يعني كل اللي فهمتيه من كلامي اني بقول أنك أنانية !!


لم تجبه و أصبح الصمت هو المسيطر عليهما حتي قالت

- أنا عايزة أمشي لو سمحت روحني 

- اتفضلي قدامي


بعد مرور ساعة كان يقف بسيارته أمام منزلها و صوت بكائها يعذبه .. و لكن لابد أن يتخلص من عذاب حبها للأبد .. نظر لها و هو يقول

- ما تعيطيش يا فاطمة ، انتي مش غلطانة .. من الواضح أن انا اللي مش عارف افهمك 


صمت و هو يخلع دبلتها من كفه و أمسك بكفها بحب و هو يقبله و قد سقطت دمعة من عينه علي كفها ثم وضع الدبلة بكفها و مسح دموعها و قبل جبينها و قال بهدوء

- هتوحشيني ... بس مش عايزك تنسي يا فاطمة أن انا حبيتك و لا عمري حبيت و لا هحب حد غيرك


نظرت له و قلبها يتمزق .. ألهذا الحد هي ظالمة حتي تجرحه بهذا الشكل .. فتحت باب السيارة و أنطلقت شبه راكضة و هو ينظر لها حتي غابت عن مرمي بصره لينطلق هو بسيارته


اما في منزله فقد جلست " صابحة " شاردة تفكر فيما سمعت.. تري ما السر وراء طلبها تأجيل الزفاف ،، أهناك شخص آخر في حياتها.. أم أنها لم تحب " أحمد " من الأصل .. 

قطع تفكيرها دخول " زهرة " قائلة

- مالك يا صابحة سرحانة في اية ؟

- ممفيش يا زهرة هانم .. كنت عايزة أقولك علي حاجة كدة و متزعقيش

- خير !!

- أصل يعني أنا سمعت أحمد بيه و فاطمة هانم بيتخانقوا ..


رفعت " زهرة " حاجبها و قالت

- سمعتيهم برضو و لا اتصنطي عليهم !!

- يووة .. يا هانم أنتي سايبة الموضوع الأساسي و بتسألي في كدة .. المهم تعرفي اية اللي حصل

- اية بقا يا فصيحة اللي حصل ؟

- فاطمة هانم كانت عايزة تاجل الفرح !!


نظرت لها " زهرة " باستغراب و هي تقول

- اية .. تأجل الفرح ليه ؟؟

- قال اية يا هانم بتقول أنها عايزة تتأقلم علي الوضع الجديد و المسئولية و الكلام الفارغ دة

- صااابحة .. أتكلمي عنها عدل و متنسيش انها خطيبة ابني 

- و انا يا زهرة هانم .. ما انا اللي مربية احمد بيه ؟!


قالتها " صابحة " بحزن مصطنع لترد " زهرة " قائلة

- بقولك اية يا صابحة أنا مش باخد من الشويتين اللي بتعمليهم علي احمد دول .. يلا أتفضلي علي شغلك 


انطلقت " صابحة " و هي تتحدث بغضب بكلمات غير مفهومة ،، 

أما " زهرة " فقد جلست تفكر في السبب الذي جعل " فاطمة " تطلب هذا الطلب

وجدت باب المنزل يُفتح و يدلف منه ” أحمد “ و يبدو عليه الهم و الحزن 


سار حتي تقدم منها و جلس بجانبها و اراح رأسه علي ظهر الاريكة بتعب لتقول له

- احكي اية اللي مضايقك يا حبيبي !!

- أنا فسخت خطوبتي يا ماما 

- اية ؟؟


نطقت بها " زهرة " بدهشة و قالت 

- لية .. هي علشان طلبت تأجل الفرح تقوموا تفسخوا الخطوبة خاالص يا احمد .. دة كلام ناس عاقلة!!


نظر لها باستفسار عن كيفية معرفتها هذا .. لتشير إليه برأسها إلي تلك الواقفة خلف الجدار تستمع لهم خفية،، هز احمد رأسه و هو يهتف

- صاابحة 


تأخرت حتي أتت حتي لا يَشُكا أنها تتنصت عليهما .. ليهتف بضيق

- صااابحة


اتت مهرولة إليه و هي متلعثمة .. فقال هو

- هو انا قولت كام مرة تبطلي العادة اللي فيكي دي؟

- الله.. هو انا عملت حاجة يا أحمد بيه 

- خاالص .. اومال ماما عرفت منين اللي حصل بيني و بين فاطمة ؟!

- يووة، دة انا سمعتكم غصب عني و انا بشيل الاكل

- غصب عنك قولتيلي بقا... طيب يا صاابحة قسمًا بالله إن اتكرر الموضوع دة تااني لا هعمل حساب و لا لعشرة و لا لتربيتك ليا و لا لأي حاجة .. مفهوم

- مفهوم مفهوم 

- أتفضلي


هتف بها " أحمد " غاضبًا لتربت والدته علي كتفه مهدئة إياه و هي تقول 

- أهدي بس و احكيلي كل حاجة 


¶ مر ساعتين و هي تحاول الاتصال به .. في بادئ الأمر كان لا يجيب علي الهاتف ، ثم أخيرًا أغلقه..

زفرت بضيق و هي تضع الهاتف بجانبها و تهز قدمها بعصبية واضحة حينما وجدت شقيقتها تركض باكية


نهضت خلفها و هي تهتف

- فاطمة.. يا فاطمة .. يا بنتي ردي عليا مالك


دخلت خلفها غرفتها لتجدها تدفن نفسها في الفراش و صوت بكائها المكتوم يملأ أنحاء الغرفة .. ربتت علي ظهرها و هي تقول

- يا بنتي بطلي عياط.. مالك اية اللي جرا ؟؟

- سابني يا هنا خلاص .. سابني


قالتها " فاطمة " و هي تفتح كفها لتريها دبلته لتتسع عينا " هنا " بذهول و هي تقول

- يا نهار اسود.. انتوا فسختوا الخطوبة دة الفرح بعد شهر .. دي ممكن ماما تروح فيها !!

- اوعي تقوليلها احنا مش ناقصين .. 

- طيب بس احكيلي اية اللي حصل خلينا نعرف هنتصرف في المصيبة دي ازااى ؟؟


___________________________________________


 و لكنه تجاهل

¶ صوت عقارب الساعة كان مسموع لديها الآن إلي حد كبير .. 

فقد كانت منجرفة في تفكيرها و صورته لا تغيب عن عقلها..

سامحك الله يا " فارس " .. فبعد كل تلك السنوات التي جاهدت فيها لأنساك و لم استطع تأتي أنت و تفسد لي كل هذا ،، و كل هذا يحدث و لم اراك بعد.. فماذا إن رأيتك !!


أخرجها من تفكيرها صوت الفوضي الحادث في المشفي ... هرولت متجهة إلي مصدر الصوت لتجد رجل تعدي الستين من عمره غارق في دمائه و جسده الهزيل ممتلئ بالجروح العميقة 

هرولت نحو الطاقم الطبي و هي تهتف

- دخلوه علي العمليات بسرعة ..

 _________________________________________


¶ استيقظت من نومها علي صوت والدتها و هي تهزها برفق قائلة

- أصحي يا فاطمة .. يا بنتي أصحي زهرة تحت


فتحت إحدي عينيها بكسل و هي تقول بصوت نائم

- زهرة مين يا ماما ؟؟

- يا بنتي حماتك .. 


انتفضت من محلها و هي تفتح كلتا عينيها بدهشة قائلة

- و دي اية اللي جابها دي

- نعم .. يعني اية اية اللي جابها ؟؟


حمحمت و هي تقول بتذكر

- اه أفتكرت .. صحيح هي قالت أنها هتيجي بكرة تزورك علشان عرفت انك تعبانة.. ماما هي ما قلتلكيش علي حاجة ؟!


 قطبت والدتها حاجبيها و قالت بتساؤل

- حاجة اية ؟؟

- خلاص يا ماما مفيش

- طيب انتي مالك عنيكي منفوخة كأنك كنتي بتعيطي كدة ليه ؟؟

- لا لا مكنتش بعيط و لا حاجة .. بس عنيا فيها فيروس مش أكتر !

- فيروس!! .. بقيتي تعرفي تكدبي عليا يا فاطمة .. علي العموم مش وقته يلا عشان متتأخريش عليها 


نهضت " فاطمة " و قلبها يدق بخوف من أن تقول " زهرة " لوالدتها شيء بخصوص انفصالها هى و " أحمد "

خرجت من غرفتها و قد قابلت في طريقها " نور " التي ابتسمت لها بدورها و قالت

- مالك يا طمطم .. شكلك مضايق في حاجة ؟؟

- لا مفيش يا نور .. أنتي رايحة فين بدري كدة ؟!

- مشوار كدة .. 

- مش عايزة تقولي طبعا .. هتلاقيكي ريحاة أنتي و السنيورة ليلي

- مفيش داعي أن احنا نتخانق دلوقتي يا فاطمة .. يلا باي !!


هكذا أنهت " نور " حديثها مع شقيقتها لانها تعلم جيدا أنها إن أطالت معها فسينقلب الحوار إلي مشاجرة كبيرة


هبطت " فاطمة " لتجد والدتها جالسة مع " زهرة " و يبدو عليها علامات الإنزعاج .. دعت بداخلها ألا تكون " زهرة " أخبرتها شيء مما حدث البارحة

أقتربت منهما و هي تقول بابتسامة مهزوزة 

- صباح الخير

- صباح النور يا حبيبتي 


قالتها " زهرة " بابتسامة نقية تدل علي أنها آتية لإصلاح ما حدث البارحة ، كادت " مرڤت " أن تتحدث و لكن " زهرة " سبقتها قائلة

- اقعدي بقا يا حبيبتي و أحكيلي اية اللي حصل ؟؟


جلست " فاطمة " بتوتر و قالت

- مفيش حاجة حصلت يا طنط !!

- متلفيش و تدوري يا فاطمة .. أنتي أتخانقتي أنتي و أحمد أمبارح و قلعتوا الدبل ليه ؟


قالتها والدتها بلهجة صارمة لتخفض " فاطمة " عينيها نحو كفها و تنظر نحو أصبعها المتوج بخاتمه الخاص و قالت و هي ترفع كفها

- أحنا مقلعناش دبل يا ماما و لا حاجة دي خناقة عادية يعني !!

- لا .. بس أحمد قالي غير كدة .. دة قالي أن هو قلع الدبلة و ادهالك بعد ما أنتي طلبتي تأجيل الفرح ، لو فيه حاجة مضايقاكي منه قوليلي و أنا هقعد اتكلم معاه و نصلح الامور !!


 قالتها " زهرة " في محاولة لاستكشاف اسباب " فاطمة " لترد قائلة

- يا طنط مفيش مشكلة و لا حاجة ، انا حكيت لأحمد أسبابي و هو مفهمنيش !!

- يا ريت بقي يا فاطمة هانم تفهمينا أية اسبابك ؟!

________________________________________

¶ جلست علي الكرسي الخاص بمكتبها و هي مرجعة رأسها للخلف بتعب .. فقد قام بعملية متعبة للغاية أستمرت لمدة خمس ساعات ..

تذكرت مظهر الرجل الذي ذكرها بأبيها _ رحمه الله _ أدمعت عينيها و قد عاد الماضي ليطارد أفكارها مرة أخري


~ منذ خمسة عشر عام ~


¶ اليوم قد مر ثلاث أعوام علي وجودها بألمانيا ، و اليوم أيضا هو اليوم الأول لها بجامعتها .. ابتسمت بفرحة فقد حققت حلمها و بدأت طريق جديد تتبعه أحلام أكثر

هبطت من منزلها و سارت بشوارع ألمانيا.. فرغم أنها ابنة رجل الأعمال المشهور " زين سويلم " إلا أن نصائح والدها دائمًا لها هي ان تعتمد علي حالها و ليس علي ثروته و أن تشعر بمعاناة الآخرين ،فليس لأنها تدرس بألمانيا فهذا يعني أن تتعالي علي الخلق ، و احاديث كثيرة من هذا القبيل قد حفظتها 

و بالتالي فليس كما يتخيل البعض أنها مدللة ابيها التي تمتلك سيارة بسائق خاص بها ..

وقفت أمام المحطة الخاص بالحافلات .. لم تمر دقيقتين حتي استقلت الحافلة و جلست 

بعدها بدقائق وجدت رجل يبدو أنه في الثلاثين من عمره ، طويل البنية عريض المنكبين .. عيناه عسليتان 

جلس بجانبها ، ظلت هي تنظر له ليس إعجابًا به ، بل لأنها تشعر أنه عربي مثلها

ترددت كثيرًا قبل أن تنطق قائلة

- Bitte, bist du ein Araber?( لو سمحت ، هل أنت عربي ؟! )

- ايوة


قالها و نظر إلي الاوراق التي كانت في يده مرة أخري بعجرفة ، رفعت حاجبها بدهشة و قالت

- آسفة لو ضايقتك .. بس كان مجرد سؤال !!


تنهد بضيق و قال

- مضيقتنيش و لا حاجة ، بس ممكن بلاش تتكلمي معايا دلوقتي لأني مشغول ؟!


عضت علي شفتها بخجل من إحراجه لها و أدمعت عيناها و نظرت امامها مرة أخري 


عاود ليتابع عمله مرة أخري و قد لاحظ صمتها

¶ 

 فتجاهل وجودها بجانبه .. 

وقفت الحافلة في المكان الذي من المفترض أن تهبط به 

نهضت و تفاجأت أنه نهض معها ، لكن ليس من شأنها أن تسأله .. فلا تريد إحراج حالها أكثر من ذلك 

سارت حتي نزلت من الحافلةو بعد فترة من أستكشافها للجامعة دخلت نحو المدرج الخاص بها

لاحظت كثير من الطلاب ذات جنسيات مختلفة

كانت أجتماعية بعادتها .. بدأت تتعارف عليهم و قد سهل عليها هذا إتقانها للغة الإنجليزية و الألمانية

و لبرهة حل الصمت في القاعة لترفع نظرها و تراه مرة أخري

فغرت فاهها و هي تقول بحالها

- يا نهار اسود .. دة الدكتور !!

 

بدأ بإلقاء المحاضرة و هي شاردة تماما بعواقب هذا الموقف الذي جمع بينهما بالحافلة إن علم أنها تلميذته


صوت دقاته ليلفت أنتباهها زامن صوت الدقات علي باب مكتبها لتعود مرة أخري إلي واقعها و هي تقول

- ادخل 


ابتسمت حين رأت شقيقتها تدلف إليها و قالت و هي تمد يدها كإشارة للدخول

- أهلا و الله نور هانم بنفسها عندنا، حصلنا الشرف !!

- علي فكرة مش جاية عشانك..

- دة أنتي مصممة بقا !!


هتفت بها " ليلي " و هي ترفع حاجبها بدهشة لتردف " نور "

- ليلي انا داخلة علي سنة و نص مش بشوفها وحشتني جدًا ، عشان خاطري خليني اشوفها

- يا نور افهمي.. هي مش متقبلة الدنيا و لا راضية تكلم اي حد أصلا حتي أنا

- بس أنتي قولتي انها بتسمع اللي بيتكلم معاها .. سيبيني أتكلم معاها يمكن تتفاعل معايا

- براحتك يا نور ، عايزة تروحيلها تعالي اوديكي


خرجا معًا و استقلا المصعد و صعدا نحو الطابق الثالث و اتجها نحو غرفة يجلس امامها حارس مخصوص بخلاف جميع الغرف

قالت " ليلي "

- أزيك يا عم صلاح ، عامل اية ؟

- الحمد لله يا دكتور ليلي ، بخير 

- طيب أنا هدخل و مش هطول ، لأني عايزة أخرج اتكلم معاك

- أتفضلي يا دكتور


مدت " نور " يدها لتفتح الباب الخاص بالغرفة ، نظرت إلي تلك الحجرة ذات اللون البنفسجي و الرسومات الكارتونية علي جدر هذه الغرفة،

التي في زاوية منها تكمن طفلة يبدو أنها لم تتعد الخامسة من عمرها ،، ذات شعر بني قصير و عينين عسليتان

أقتربت منها " نور " لتدلف " ليلي " إلي الغرفة و تغلق بابها و تقف لتشاهد ماذا سيحدث ،، هل ستكون " نور " قادرة بالفعل علي جعل هذه الصغيرة تندمج معها بسهولة أم لا ؟!


- صباح النور يا هند !


قالتها " نور " و هي تجلس أمامعا بحذر ، لترفع الطفلة عينيها نحوها و تبتسم 

رفعت " ليلي " حاجبها باندهاش ، فكم حاولت مع هذه الصغيرة لكي تجعلها حتي تنظر لها و لم تستجب !!


- عاملة اية ؟!


اردفت " نور " في محاولة منها لجذب أنتباهها ، هزت " هند " رأسها بمعني أنها بخير و لم تتحدث لتقول " نور "

- طيب بترسمي أية بقا ، وريني كدة !


اعطت " هند " الدفتر الذي ترسم به لـ " نور " و هي تنظر لـ " ليلي " بسخط و كأنها الساحرة الشريرة ،، لتهز " ليلي " رأسها باستغراب و هي تقول موجهة حديثها لـ " نور " 

- أنا خارجة برة يا نور .. لما تخلصي أبقي تعالي !!


خرجت " ليلي " و هي في حالة من الاندهاش ، فهي لا تتقبلها و تعيش حالة من العزلة لا أحد يستطيع إخراجها منها و لكن عندما تري " نور " ينقلب حالها تمامًا

التفتت نحو تلك الحارس الذي يجلس علي الكرسي مترقب حديثها و قالت


- طمني يا عم صلاح ، هند عاملة اية ؟!

- بصراحة يا دكتور ليلي هي مش بترضي تتكلم مع أي حد و لا تشوف أي حد .. حتي الأكل لما بندخلهولها ممكن تسيبه زي ما هو باليومين و متقربش منه و متأكلش إلا لما نغصب عليها و تعيط عياط يقطع القلب 


تنهدت " ليلي " بحزن ليردف " صلاح " قائلًا لها

- شوفي يا دكتور أنا هنصحك نصيحة لأني بعتبرك زي بنتي ، انا معرفش أية صلتك بالبنت دي ، بس اللي اعرفه نظرات الحزن اللي في عينك عليها .. لو تهمك فعلا قربي منها و خليها تحبك ، صدقيني الطب مش هو علاجها .. البنت دي محتاجة حنية و لو أنتي وفرتيهلها يبقي مشكلتها أتحلت    


نظرت له " ليلي " مطولًا و هي تفكر بحديثه لتجد باب الغرفة يُفتح و تخرج منه " نور " مبتسمة بشدة و هي تقول

- يلا يا ليلي !!

- يلا علي فين ؟!

- علي مكتبك هتكلم معاكي شوية و همشي عشان عندي مشاوير كتير النهاردة 

- طيب يلا 

_______________________________________


¶ دخلت إلي غرفتها بغضب و جلست علي فراشها بوجه محتقن و قالت

- عاجبك اللي ماما عملته دة يا هنا !!

- لا مش عاجبني .. و لا اللي أنتي عملتيه كمان عاجبني يا فاطمة

- يا سلام ، يعني كل دة عشان قولت نأجل الفرح !!

- فاطمة أنتي ممكن تلفي و تدوري علي اي حد إلا انا ، أنا واثقة تماما أن انتي طلبتي تاجلي الفرح عشان حاجة معينة في دمااغك !!

- حاجة .. حاجة اية يعني ؟!


قالتها " فاطمة " بتوتر لتنظر لها " هنا " بنظرة متفحصة و تقول

- الله اعلم اية هي بقا ، اللي اعرفه انك كنتي فرحانه جدًا أن فرحك قرب و فجأة كدة تطلبي تأجلي الفرح يبقي أنتي ناوية علي حاجة ، صح و لا لأ ؟!

- مش ناوية علي حاجة يا هنا .. مش هيبقي انتي و ماما عليا ، ارحموني !!


في هذه اللحظة فُتِح الباب لتدلف منه والدتهما بغضب و تقول

- أنتي أمتي بقي هتبطلي تبقي عديمة الزوق كدة ، سيبتيني انا و الست و احنا قاعدين و قومتي و معملتيش احترام لحد !!

- عشان أنتي هزقتيني بما فيه الكفاية يا ماما و انا مش عيلة صغيرة .. أعمل اللي انا عيزاه ، اتجوز بقي او افسخ خطوبتي الموضوع دة يخصني بس !!!

- لا .. لا يا فاطمة الموضوع مايخصكيش لوحدك ، الفرح هيتعمل في معاده و رجلك فوق رقبتك .. انا مش هعيشلك طول العمر 

- اهدي يا ماما بس علشان متتعبيش !


قالتها " هنا " محاولةً تهدئة والدتها ، لتردف " مرفت " 


- فهميها أن أحمد جاي بكرة و هي هتقعد معاه و تعتذرله كمان و مفيش خطوبة هتتفسخ و تجهز نفسها خلاص فرحها فاضله أقل من شهر ، و لو اللي انا بقوله فيه حاجة منه ما أتنفذتش مش هيحصل طيب 


انهت " مرفت " حديثها و اتجهت للخارج لتجلس " فاطمة " و هي تدبدب بقدميها و تقول

- دي كما


                الفصل الرابع من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close