أخر الاخبار

رواية حكاية زهرة الفصل العشرون20الاخير بقلم حكاوي مسائية


رواية حكاية زهرة الفصل العشرون20الاخير بقلم حكاوي مسائية

الخيانة ،وأد الأحلام ،الفقد ،الغدر ،الخذلان .
كؤوس من الألم جرعوني إياها،ثم يريدون أن أنسى،أن أسامح ،اعتذار بسيط ،آسف ،لم أكن أعرف ،لم أنوِ أذيتك. 
كلمات ،يريدون أن يجففوا بها انهارا من الدموع ،أن يردموا بها أخاديد الحزن التي حفرت بالقلب،كلمات يتوقعون أن تمحو سنين الأسى ،وتمسح من الذاكرة أيام الوحدة والعذاب. 
نزلت من الطائرة يسبقها قلبها الحنون ،رآها قادمة تكاد تهرول نحوه،استقبلها بابتسامته المعهودة 
-الحمد لله على سلامتك ماما رشيدة .
-الله يسلمك يا حبيبي،أتعبتك .
-لا تقولي هذا ،تعلمين معزتك عندي .
-هل أخبرت زهرة ؟
-لو فعلت لكانت هنا معي ،فضلت أن نفاجئها. 
-هيا بنا إذن .
تحركت السيارة نحو مدينة بيرث ،إلى ذاك البيت الصغير الذي استقبلها هاربة من حكم جائر. 
-هل رأيتها بعد أن تذكرت وعلمت انه سعد؟
-لا ،تركت لها وقتا مع نفسها ،ثم كلمتها كانت بخير ،كأنها تجاوزت الموضوع أو تجاهلته ،لا أدري ،ولكنها تتجنب الكلام عنه.
-لا ،لم تتجاوزه وإلا تكلمت عنه ،الكلام مؤلم، الجرح عميق يا أحمد ،تعفن وبه صديد تكون مع طول الأيام ،يجب أن نفتحه وننظفه حتى يلتئم ويشفى .
-وأنا معك ،ليتها تقبل أن نداوي جراحها.
-لهذا انا هنا ،أنا أدرى بابنتي ،رغم أنها تحتاجني لن تقول .عاشت عمرها تسقي حب سعد بأمل لقياه،وكيف يكون اللقاء ؟ليلة مدفوع ثمنها ،ثم زواج على ورق محفوف بالشك .
-كيف تنوين التصرف ؟
-لن افعل شيئا ،وجودي بجانبها هو الأهم ،من نفسها ستفتح لي قلبها عندئذ سأحاول أن أداوي جرحها .
-جراح يا ماما رشيدة،بقلبها جراح.
-سنداوي الأكبر ،والانتن، جرح التخلي ،زهرة عندها إحساس بسهولة التخلي عنها،أبوها تخلى عنها ،سعد تخلى عنها ،كل منهما آثر شيئا آخر على وجودها معه.
-إحساس فظيع،أن تكون أرخص شيء عند من تحب.
-إما أن يدمرك ،او ينحتك تمثالا من الجليد.
توقفت السيارة أمام البيت ،ترجلا منها ،ودلفا إلى المكتب حيث كانت منكفئة على على تصميم ما .
-مفاجأة!!!!
-ماما ،حبيبتي!
-يا حب عمري أنتِ!
عناق،حضن تحتاجه كل منهما بشدة .
-وانا متفرج مسكين(تظاهر بالبكاء)محروم من الأحضان .
ضحكت رشيدة 
-تعال الى حضن ماما رشيدة .
عانقها هامسا 
-بِحُبك ستكون بخير.
بعد أقل من ساعة ودعهما، عليه أن يتوجه الى عيادته الجديدة بالمغرب.
-سأتركك تنهين عملك وأصعد لأستريح.
مساء ،كانتا تجلسان على مائدة العشاء.
سمعت من بيتر أن عملك يسير جيدا .
-نعم ،قريبا سأستعين بمهندس حتى أستطيع التوفيق بين المكتب ومواقع الإنشاءات.
-تتابعين التنفيذ ايضا؟
-في بعض الأحيان ،ويبقى علي مراقبة تنفيذ كل التصاميم رسما وجودة .
-قريبا لن يسعك هذا البيت .
-وقد انتقل من بيرث الى جوار أحمد او بيتر .
-وإيزا؟
-بعيدة جدا ،أفضل أن أبقى قريبة من بيرث لأنني لن اترك هذا البيت الصغير .
-هذا يعني أنك قررت أن تستقري هنا .
-ماما،أعلم أنك تعلمين. اطمئني ماما انا بخير .
-لا لستِ بخير ،ولستُ مطمئنة. ابنتي تهرب من صحراء وحدتها لتغرق في بحر العمل، رأيت نسخة عن هذا، رغم التظاهر هي ليست سعيدة .
-إيزا ،ممم،من قال أنها ليست سعيدة ؟ انها مكتفية بذاتها عن العالم بإسره،فخورة بمكانتها في مجتمع نادرا ما يعترف بالغرباء. نجحت وفازت رغم كبوة تسبب فيها خائن فشل من دونها.
-ولكنها وحيدة .
-وانت وحيدة ،بيتر وحيد، هل مات أحد من الوحدة ،لا ،الغدر يقتل ،القهر يقتل ،الظلم يقتل .
-والشك يقتل ،والبعد يقتل .
-أجل ،يموت الحب بالشك والبعد .
-لا ،لم يمت ،لو مات لما رأيت الحزن بعينيك،لما شعرت بالألم بحنايا فؤادك، لا تنسي يا زهرة أنني أمك ،أحس بك قبل نفسك 
-أعلم ماما ،أعلم .
ضمتها وتوجهت بها نحو العلية 
-تعالي الى دفء غرفتك الصغيرة ،تحكين لي ،وتنامين بحضني .
-هذا يعني أننا لن ننام الليلة ،كل واحدة منا تعودت على الانفراد بفراشها. 
حكت ،بل فتحت دفتي قلبها لترى رشيدة الجرح وتحس الألم،ترى قلبا شاخ قبل أوانه.
ضمتها إلى صدرها 
-ابكي زهرة ،ابكي،دعي الدموع تغسل قلبك .
-قلبي الذي يبكي ماما ،انا لست قوية، انا مكسورة ماما ،الشرخ الذي احدثه غدر غانم اجهزت عليه ليلة سوداء ،تلك الليلة مت ماما ،تلك الليلة مت.
-عودي معي إلى الوطن،أخبري سعد الحقيقة .
حركت رأسها نفيا 
-لا ماما ،سعد أغلق عقله على ما يعتقده حقيقة ،أغلق قلبه على حب طفلة لم تخنه
-انت لم تخونيه زهرة .
-بلى ،خنته،بعت جسدي لغريب مقابل المال.
-ولكنه هو سعد 
-وهل كنت أعلم أنه هو ؟إذا كنت أنا كرهت نفسي وجسدي بسبب تلك الليلة ،ماذا سيكون شعوره هو ؟
-لو يعرف سيسامحك
-وهل سأسامحه أنا ؟لقد كسر قلبي وهو يقول انه يحب سارة وتمنى لو أني رفضته وأحللته من وعده لأمه.عاملني كغريبة لا مرحبا بها،ولما علم بحملي صار ينظر إلي باشمئزاز كأنني قذارة ،فعل كل شيء ليبعدني. 
-ولكنه عاقب سارة وطردها ،كما انتقم من غانم.
-طرد سارة لأنها خانته ،تلاعبت به وبمصالح الشركة ،أما  غانم فهو الذي طمع ،ونوى أن يغش ولكنه فضحه وسجنه ،ليس انتقاما لنا ،بل حفاظا على ماله و سمعة شركته ،سعد فعل ما فعل لأجله هو ،سعد أناني ماما ،حتى في حبه لو أحبني يوما.
-سعد يحبك ،قد يكون أنانيا وأي عاشق ليس أنانيا في عشقه ،قد يكون حريصا ولكن الناس حولنا يعلموننا الحرص ،قد يكون متكبرا ،او متعجرفا ذاك لأنه عاش منعما ،مجاب الطلبات ،تعود أن يأمر فيطاع، نما على حب والديه،ولكنه بعدك سعد حزين مشوش ،تائه بين عقله وقلبه ،لو علم الحقيقة سيرتاح.
-ماما ،إكرام الميت دفنه ،حبنا مات ودفنه تحت شكوكه ،وانا مت واخترت قبري هنا.سأدفن نفسي بعملي ،أنسى حياتي بين تصاميمي ورسوماتي. 
استلم شركة غانم المفلسة كتعويض عن الإخلال بالعقد ،يعمل كأن حياته رهينة العمل، نادرا ما يلتقي بابيه او بغيثة ،يبتعد حتى لا تأتي سيرتها أمامه،لايحتمل ،ذكراها تؤرق ليله ،عرف السهاد يوم ابتعدت، تجرع مرارة الشوق، ضاقت به الدنيا بما رحبت لأن دنياه لا زهرة فيها .حتى عطرها هجر قميصه ذات ليلة وهو يفتقده لعله يرحم جفنيه من التسهيد.
تعب ،اتعبته حرب خاسرة أعلنها على قلبه ،أتعبته المقاومة الجوفاء،فقرر أن يرحم نفسه.
قصد المطعم يسأل عن رشيدة 
-سافرت (أجابه يونس).
-متى تعود ؟
-لا أدري ،لأ أخفيك أن الأمر له علاقة  بمدام زهرة ،أخشى انها مريضة او ما شابه.
لم يعقب ،استدار مسرعا نحو سيارته وبها نحو الشركة الى مكتب غيثة.
-ألم تسمعي عن زهرة ؟
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
-أجيبي !!هل من خبر عن زهرة .
-لا ،ماعدا سفر رشيدة أليها.
-وذاك الدكتور ،هنا أم هناك؟
-لا أدري،ما الأمر أخي؟
-الخالة رشيدة سافرت ،والسبب أمر متعلق بزهرة ،قد تكون مريضة أو ..أو ..
-أو ماذا سعد؟
-أو تتزوج ذاك الدكتور .
-الافتراض الثاني خطأ.
التفت إلى صاحب الصوت خلفه .
فتح أحمد يديه 
-لأن ذاك الدكتور هنا أمامك.
-دكتور احمد ،اهلا بك .
قالت غيثة بينما وقف سعد محرجا.
-أشكرك آنسة غيثة ،جئت لأعرف إن أمكن تصميم حديقة الفيلا .
-بكل سرور ،ولكنني اقترح عليك متخصصا في هندسة الحدائق،سيجعل منها لوحة رائعة .
-لك حرية التصرف ،كل ما احتاجه هو أن تسلميها لي بنفس جمال العيادة .استأذن.
وانت أستاذ سعد ،الافتراض الأول أيضا خطأ ،لعل السبب لا يخطر على بالك ،الى اللقاء .
ترك وراءه تمثالا متجمدا من صقيع الخجل.١
انتبه أخيرا 
-هات رقم هاتف الدكتور .
فتحت درجا بخزانة لتخرج ملفا ،كان لصفقة الديكور ،بحثت لتجد الرقم ،دونته بورقة مدتها لسعد الذي أمسكها وخرج.
لم ينتظر ،كلمه وهو يسوق نحو العيادة
-ألو ،دكتور أحمد، اريد ان أكلمك ،انت بالعيادة ،تمام ساصل خلال ثواني.
ابتسم أحمد 
-ها قد جئت إلي يا سعد ، أخيرا فهمت أن الحل عندي أنا .
وصل سعد ،ليجد أحمد ينتظره.
-أهلا سعد ،زيارة أم كشف ؟(كاد يضحك من رد فعل سعد )الظاهر أنها زيارة اجتماعية ،تعال معي ،صالون ضيوفي في الطابق العلوي.
تقدم يتبعه سعد بصمت ،أعجب بمهارة أخته في تغيير الفيلا 
-قهوة او شاي،ربما شيء آخر ؟
مرة آخرى علت تلك النظرة عيني سعد 
-قهوة لو سمحت .
-تفضل ،سأعد لنا القهوة ،تعلم أنني أعيش وحدي ،سأعود.
دخل المطبخ قاصدا أن يترك له وقتا ليهدأ ويرتب أفكاره،
صب فنجانه ،و إلى الفنجان الثاني أضاف عدة قطرات من زجاجة صغيرة .
-(هكذا نتكلم بصراحة )
القطرات كانت عبارة عن مخدر او ممكن محفز ،لأنها ستجعله يتخلى عن حرصه او خجله، ويجيب عن أسئلة احمد بصراحة ووضوح ،سيكون مدركا لما يقول،وقد يتعجب كيف انه يبوح بمكنوناته دون تحفظ.
مد له الفنجان قائلا 
-اعتذر منك ،فلابد أن أرى ملخص البطولة الأنجليزية لكرة القدم ،هل تشجع فريقا محددا؟
كان يحدثه بعيدا عن ما يشغلهما معا ،منتظرا أن يفعل الدواء مفعوله.
-نعم ،اتابع البطولة الاسبانية .
-وكرة الوطن ؟
-طبعا حتى أنني***متعصب.
-عجبا ،نحن خصمان إذن ،لأنني ****حتى النخاع.
كانت جملة يقصد بها استفزازه،وأدت مهمتها لأن سعد تخلى عن لياقة الضيف ليهاجم الفريق وبشراسة، حينها تأكد أحمد أن الوقت قد حان ،فأغلق التلفاز ضاحكا 
-مابك يا أخي ،تبقى مجرد لعبة ،وأظنك جئت اليوم لحاجة أهم.
-أعتذر ،فعلا جئت أسأل عن زهرة.يجب أن أكلمها
-هل يمكن أن أعرف السبب ؟
-لا ،ولكن أحب أن تجيبني بصراحة ،الجنين الذي فقدت زهرة هل كان منك؟
-وبماذا ستفيدك إجابتي ؟
-يجب أن أعرف ،يجب أن يهدأ هذا الشيء هنا .
وأشار الى رأسه.
-هل تشك بأخلاق زهرة ؟
-ههههه،حامل بدون زواج ،ماذا تظن؟
-أمامي ألف سبب ،هل تسمع عن تأجير الرحم؟ انس هذا ،هل سمعت عن الحمل بالحقن، ولعلمك ،حدث لفتيات ماكن على علم به والسبب دكتور لا ضمير له ،ينفذ أمرا او طلبا مدفوع الثمن ،دعك من هذا ،هل سمعت عن الاغتصاب ؟
-ولكنها كانت متمسكة به ،كانت تحبه.
-لأنه منها ،لأنه جاء في الوقت الذي فقدت فيه أخاها ،اخوها الذي جاء في الوقت الذي فقدتك فيه فسمته على اسمك.
-ولكنني رأيتكما ،رأيت الحب بينكما.
-والحب بيننا موجود ،أنا احبها فعلا ،كامرأة، أريدها شريكة لي في ما بقي من عمري .
-ولهذا جعلتها تحبل منك.
-انت تريد أن تصدق أن بيننا علاقة ،قل لي لماذا هذا الإصرار .
-ألم تعترف انك تحبها 
-ولكنها لا تحبني ،على الأقل ليس كما أريد ،تعتبرني أخاها الأكبر الذي تلجأ إليه ،فماذا تكون انت لها؟
-أنا ،أنا، لا أدري .
-هل تحبها ؟
-كيف لا أحبها وقد ولدت وهي تمسك زمام قلبي.ما عرفت حب النساء بعدها وقد فارقتني وانا صبي صغير ،حفظت حبها ،عشت وفيا لها حتى أصبحت مسخرة أقراني،ولما أراها تكون حاملا من غيري.
-هل وفيت لها فعلا ،ألم تلمس غيرها أبدا؟
كان يجره حيث يريده أن يكون.
-بلى ،مرة واحدة ،لم أكن واعيا ولا مدركا لما أفعل .
-مع من ؟مع مساعدتك؟
-هكذا أرادت سارة  مساعدتي أن تفهمني، ولكنني منذ تلك الليلة احلم بمن كانت معي ،وتأكدت انها ليست هي .
-كيف تأكدت؟
-اعترفت لي قبل أن تهاجر .
-وأحلامك ،هل يمكن أن تصفها لي ؟
-بدأت يوم وجدت قميصي يحمل عطرها ،كل ليلة تتضح ملامحها أكثر ،حتى شككت أنها كانت زهرة .
-ولماذا زهرة ؟
-رأيت عيونها ،ثم شعرها ،عرفت عطرها ،نحافة جسمها.
-كل هذه أشياء متكررة في عدة نساء .
وضع يده على قلبه
-كل ليلة استيقظ من حلمي وهذا متأكد أنها هي ،ومع تعاقب ساعات النهار يضعف يقيني ليحل الشك محله.
-لِمَ لم تسألها؟
-التوتر ،علاقتنا توترت منذ أول لقاء ،عرفت أنني كنت أتظاهر بالعجز ،وعرفت أنها قبلت الزواج لترد ممتلكات والدتها.
-شق التوتر اتسع ليصبح هوة كبيرة بينكما.
-كانت قوية مستقلة ،معتمدة على نفسها ،وكنت عنيدا، معتدا بنفسي أنتظر منها الخطوة الأولى.
ابتسم احمد ساخرا
-ومتى رأيت امرأة عربية بادرت بالخطوة الأولى ،يا اخي نحن لو فعلت وضعناها في خانة الجريئة منعدمة الحياء هذا إن لم ننعتها بأرذل الصفات.أم حسبت انها تخلقت بخلق الأوروبيات. 
-وزكى ظني حملها.
-واليوم ،ماذا تريد ؟
-أريد أن اعرف منها ،هل كانت هي .
-وإن نفت ،هل ستبحث عمن كانت معك تلك الليلة ؟
-لا.
-لماذا ،الا يهمك أن تعرف؟
-يهمني أن تكون هي ،أريدها أن تكون هي ،دعوت الله في كل صلاة أن يجعلها لي ،لي أنا .
-ممكن أن تكون لك ،لا يهم إن عرفت أحدا قبلك ،أم لك رأي آخر؟
سأله بخبث.
-لو عرفت غيري فقد أضعت عمري واهما أنها تحبني كما أحبها .
-ربما حكمت عليها ظروفها .
-أنت تعرفها ،وقلت أنها تلجأ لك ،هل تحب رجا آخر ؟
-لما رفضت حبي لها ،أخبرتني انها تحب ،ولكنها لم تقل من يكون.
-أكاد أجن ،عقلي يرفض أن أفي لها وهي تحمل من غيري ،وقلبي مستعد أن يسامحها لو كانت تحبني.
-عقلك يبيح لك علاقة ليلة لم تعرف مع من كانت ،ويرفض أن يمسها رجل قبلك،هكذا نحن الرجال ،المهم أن أكون الأول .
-لقد عاشت بأوروبا ...
-لا تكمل ،ليست زهرة ،لا ،انا عرفتها ،لم تكن كما تخالها،كما أن نظرتك عن الأجانب غريبة ،رغم ما نسمع عنهم ،فكثير منهم عادوا الى التحفظ ،بل منهم من ينادي برفض العلاقات خارج إطار الزواج ،وتوجه الفتيات الى الحفاظ على أنفسهن حتى ليلة الزفاف ،الرجل في كل الارض هو الرجل يريد ان يكون هو الفاتح العظيم ،والنساء بالغرب يردن المساواة في كل شيء حتى في هذا ،من يريد فتاة طاهرة عليه أن يكون هوايضا مثلها طاهرا.
فهل انت طاهر يا سعد لتنصب لزهرة المشنقة؟!!!!!!
-لا ،لست طاهرا لأنني تلك الليلة رغم غياب وعيي اذكر أنني كنت سعيدا لاعتقادي أنني بحضن زهرة ،لم أكن بريئا وانا أتهمها وأبعدها عني،لم أسألها عن سبب بكاءها كل ليلة وافترضت أنه شوقها إليك ،سلكت الطريق السهل الذي يريح ضميري.
رفع بصره نحو جليسه
-هل ستسامحني؟
-هل تحبها؟
-أكثر ،استهلكت الحب وأحرقت العشق وتجاوزت الهيام ،أنا وصلت مرحلة الوله.تعرفها؟
-نعم ،وبعدها الجنون.
-إن لم تسامحني أضيع .
-إذهب اليها.
النظرة بعينيه جعلت أحمد يشفق عليه ،نظرة طفل أعطيته الأمل في حضن أمه التي تاه عنها زمنا.
هز رأسه مبتسما
-نعم ،سافر إليها ،صارحها ،احكي لها ،اسألها ،بثها حبك وشوقك .
-هل ستسامحني؟
-هل ستيأس ،انت داخل مباراة مع خصم عنيد ،توقع أشواطا إضافية وربما قد تصل الى ضربات الجزاء.
قام متحمسا ،حاسما أمره 
-وانا لها ،ما جعلني أصبر سنينا يجعلني أصر أن تكون لي.
-الكرة بملعبك ،وانا أنتظر النتيجة .
-ستكون لصالحي بإذن الله .
-استعد وتسلح بطول النفَس.
مد يده مصافحا.
-أشكرك  احمد اليوم كسبت صديقا أفتخر به.
-وانا سعيد انك لجأت إلي كصديق ،الى اللقاء 
رافقه حتى البوابة وودعه قائلا 
-أنتظر البشرى .
رفع سعد ابهامه بثقة ورحل . 
كانوا بشرفة البيت الصغير ،بيد كل منهم فنجان شاي ساخن ،أمامهم بساط أبيض من الثلوج.
-سمعت أن الإقبال على عيادة احمد في تزايد .
-بالفعل إيزا ،سُمْعته ماشاء الله.
-أحمد يحب عمله ماما ،من طبيعته أنه خدوم،ومتعاطف مع الآخرين وهذا يزيد من تفانيه في خدمة مرضاه. 
-زارا ،هل لي بفنجان آخر ،هذا برد بيدي 
-حاضر بيتر ،لا أدري سر حبك المفاجئ للشاي .
-ومن لا يحب الشاي بالليمون من يد زهرة .
توجهت نحو المطبخ ضاحكة ،بينما همس بيتر .
-عرفت الشركة التي تعاقد معها سعد وذهبت إلى السكرتيرة ،وبعد أن هددتها أن شركة العامري سترفع دعوى احتيال عليهم ،اعترفت أن سارة هي التي اتفقت معها حتى تأخذه إلى فراشها.
-الآن اتضحت الرؤيا .والمقابل طبعا كان هو تشجيع سعد على توقيع الاتفاقية .
-أجل ،هل ستخبرين سعد ؟
-يجب أن أكلمه، لأجل ابنتي سأفعل .
رن هاتفها لتهتف
-هذا احمد
الو ،اهلا بني ،ماذا ؟...متى ؟....نعم نعم ..أشكرك ،الى اللقاء.
جاءت زهرة تحمل فناجين الشاي الساخن 
-الشاي لكم كلكم.من كلمك ماما؟
-أحمد ،سأل عنك ،ويقرؤك السلام
-سلمه الله.سأدخل لأجري مكالمة مع مهندس يتابع ورشا مكاني.
انتظرت إيزا حتى ابتعدت زهرة ثم
-قولي بسرعة ،ماذا قال احمد
-سعد قادم الى هنا ،يريد أن يكلم زهرة .
-الحقيقة انه اختصر لك الطريق ،قابليه أولا ،حدثيه، قد ترأبين الشرخ الذي بينهما.
-سأحاول والله المعين .
-افعلي أكثر من المحاولة ،زهرة تستحق السعادة .وانا سأكون معك ،وأسمعه اعتراف السكرتيرة وكذلك اريه شريط تسجيل كاميرات الفندق تلك الليلة.
-حاضر ،بيتر ،سأعرف من غيثة موعد وصوله ونستقبله في المطار . 
خرج الى قاعة الزيارة يترقب زائره،كانت زوجته ،جلست أمامه باستياء 
-أنا ،أنا أدخل السجن !!!
-احمدي الله انك تدخلينه زائرة ،ماذا عني انا السجين ؟
-نتيجة أفعالك.
-ومن الشيطان الذي وسوس لي أن آكل من الشجرة المحرمة .
-كنت راغبا مستعدا.
-كنت راغبا في حبك ،مستعدا أن أفعل أي شيء يرضيك ،(رفع يديه)وها أنا خرجت من رحمة الله.
-لا تبالغ ،هما شهران عقابا على محاولة الهروب ،أما الديون فقد سددت .
نحن نحتاج مالا لنعيش انا وابنتك ،نفذ ما كان معنا.
-بل معك خير كثير ،بيعي مجوهراتك او سيارتك 
-أبيع ؟هل جننت ؟
-إذن تضحي ابنتك لأجلك تبيع هي .
-ولماذا نبيع نحن ،بع انت البيت القديم .
-لا ،سأحتاجه ،موقعه في حي شعبي سيخدم مشروعي الجديد .
-أي مشروع؟
-مقاول بناء صغير ،على سمسار مبتدئ.
-هل جننت ؟تريد أن تجعلني أضحوكة صديقاتي .
-عن أي صديقات تتحدثين ؟كلهن تنكرن لك بعد المحاكمة وإعلان إفلاسي ،إما هذا وإما أبيع الشقة والبيت ونبدأ في مدينة صغيرة نائية لا يعرفنا بها احد .شركة بناء صغيرة وتنتهز كارما الفرصة لتتعلم مهنة السكرتاريا معي.
اخذت حقيبتها بعنف وخرجت تزفر حمما من صدرها الحاقد. 
-وضح لي أكثر يا أحمد ،قلت انه زارك .
-نعم ،سعد يكاد يكون متأكدا أن زهرة من كانت معه،ولكن كبرياءه مجروحة ،أقنعته أن يخطو الخطوة الأولى ،هو يحبها ماما رشيدة ،بل يعترف بأكثر من الحب ،يبقى عليك أن تمهدي له الطريق الى قلبها.
-سأفعل،ولكنه سيضطر أن يصبر عليها حتى يذيب الجليد عن قلبها.
-سيفعل ،حدثيه وعودي ،اتركيها تحارب وحوش ماضيها وحدها ،فهذا أفضل لعلاقتها بسعد.
ادعميها من بعيد ،بنصيحة،تشجيع ولا بأس من تأنيب يعيدها الى الصواب. 
كلمتها غيثة تخبرها عن موعد طائرته، وتفاجأ بوجودها هي وبيتر ينتظرانه في المطار  
-خالة رشيدة ،ما هذه المفاجأة ؟
-تعال الى حضني يابن الغالية.
حياه بيتر وسبقهما الى السيارة 
-تسعدني رؤيتك خالتي
-وانا أكثر  إنما يجب أن اكلمك قبل أن ترى زهرة .
-كيف علمت بمجيئي؟
-احبابك كثر ،واولهم غيثة 
-ام الغيث ،سيكون لي معها كلام .
-ليس إن استمعت إلي .
ركبا سيارة بيتر الذي وجه كلامه لسعد .
-سيد سعد ،الحديث الذي سنتشاركه يجب ألا تدري به زارا.
تذكر يوم قدموها له بالمطعم باسم زارا فظن انها أجنبية رغم شعوره بالألفة لعينيها.
-نتوجه الى الفندق ،وهناك نتحدث بأريحية .
-تمام .
على طاولة بمقهى قرب الفندق ،جلست رشيدة صامتة تنتظرأن يبدأ بيترالكلام ،فقد اوصاها أن سعد يجب أن يرى ويسمع التسجيلات قبل أي كلمة ،حتى يصدق ،وإلا فقد يظن أنها مجرد كذبة لصالح زهرة .
-تفضلي خالتي،انا اسمعك .
-السيدة رشيدة تتكلم بعد أن ترى هذا سيد سعد (ساااد)
فتح حاسوبه الصغير لتظهر صورته لا يكاد يقف ،تسنده سارة ورجل مجهول حتى جناحه ،ثم تسجيل لسارة ملثمة ،عرفها من ثيابها،ومعها زهرة لا تجف دموعها ،ترددت برهة وهمت بالمغادرة ولكن سارة كلمتها بحركة تهديد من يدها ،فعادت تكاد تجر رجليها في ردهة الفندق ،ثم وهي تقف امام باب الجناح باكية تفرك يديها ،وسارة تكلمها ،والتسجيل الأخير يظهرها تعدو الى خارج الفندق والدموع لا تنضب على وجنتيها .
كانت ،رشيدة تراقب تغير ملامحه من الدهشة الى الغضب وكأن بركانا بداخله يكاد ينفجر .
-زهرة ،زهرة ،أحلامي لم تكن هوسا ولا جنونا ،كانت ذكرى تطفو كلما غفا العقل ،ولكن لماذا ،لماذا ؟
-اسمع أولا لهذا الاعتراف لتعرف سبب طرف واحد في المؤامرة .
استمع إلى اعترافات السكرتيرة، وكيف أنها اتفقت مع سارة أن تضع له مخدرا في الخمر،مقابل تشجيعه على إتمام اتفاقية الشراكة .
-لم أشك يوما ،لأن الاتفاق كان حسب البنود التي اشترطتها شركتنا .
-ولكنك كنت مترددا بين هذه الشركة وشركات أخرى من بلدان ثانية .
-فهمنا أسباب سارة وشريكتها ،وزهرة ؟لماذا قبلت هذا ؟كيف تقبل أن تكون في فراش رجل غريب؟
-الصدمة كانت المخدر الذي شل تفكيرها ،وخدر مبادئها،انا وسعد ابني كنا نحتضر، والمال هو المنقذ الوحيد ،قبلت عرض سارة بعد أن رفضته وشتمتها، ولكنها عادت وقبلته لتنقذنا،ولكن أمر الله نفذ في سعد وانا دخلت في الغيبوبة أياما، قلبي على ابنتي عاشت أسوأ أيامها وحدها .
-يجب أن أكلمها .
-زهرة لا تعرف أننا نكلمك الآن ولا أريدها أن تعرف.
-هل كانت تعلم أنني ...أعني انني...
-لا ،كانت تحاول أن تنسى ،حتى علمت بالحمل ،فأرادت أن تعرف،على الأقل لتعلم نسب ابنها ،وعندئذ بدأت تراودها كوابيس ،ربما من ضغطها على نفسها لتتذكر، ولكنها فشلت ،وبيتر لا يهدأ حتى يغلق ملف قضية كلف بها ،وقد كلفته إيزا بالتحري عن تلك الليلة ،فأصر أن تتذكر رقم الجناح أو الغرفة ،واستعان بالدكتور أحمد الذي جعل الذكرى تطفو رغم رفض العقل ،نومها ونبه ذكرياتها الكامنة خلف ستارة الهروب من الماضي ،وتذكرت انك كنت تكلمها بلغتك وتناديها باسمها كانك كنت تنتظرها هي دون غيرها ،تأكدت من هويتك ،ولكنها رفضت أن نخبرك ،جرحتها ياتهاماتك العديدة، كل مرة تختلق لها ماض احقر من المرة التي قبلها ،ولهذا فضلت أن تعود وتستقر حيث تظن انها سترتاح.
-أرجوك خالتي ،صارحيني ،ألم تحب رجلا آخر ؟شاب او زميل دراسة ،هل هي زهرة التي كانت لي وحدي ونحن طفلان.
-أجبه أنت يا بيتر .
-زهرة تعتبر ابنتي ،منذ عرفتها ،رأيتها أكبرمن عمرها ،تحب الوحدة ،وتستأنس بالكتب والرسم ،حلمها أن تنجح وتكون مهندسة معمار 
-ذاك كان حلمنا معا .
-كنت استفزها لتحكي لي عن الشباب زملاءها لعلني أستبين عاطفة نحو احدهم،أبدا ،اختزلت الرجال في شخصين ،أبوها الخائن الذي جعلها تحترس من كل الرجال ،وانت ،الوحيد الذي أشعرها بالأمان ،ولكنك ابتعدت ،حاولت التشبث بك فأسمت أخاها على اسمك ،ثم اسمت جنينها نفس الاسم ،ولكنها في كل الحالات تفقدك .أخيرا يئست فابتعدت .
-رأت نظرات الشك والاحتقار بعينيك ،الوحيد الذي كان يهمها رأيه بها ،يظنها تنتقل بين أحضان الرجال على أسرة الفنادق ،كيف سيكون الجرح برأيك ؟
قام بيتر يحمل مفاتيحه وحاسوبه 
-إن كنت تحبها ،وتريدها، فأمامك طريق طويلة وصعبة لتستعيد قلبها وثقتها،والأصعب غفرانها ،لأنها نادرا جدا ماتسامح.هيا رشيدة امامنا ساعتان لنصل .
-الى أين؟
-الى مدينة بيرث ،حيث زهرة ،الى اللقاء بني .
ودعاه، فمشى نحو الفندق وهو يستعيد كلام بيتر 
(امامك طريق طويلة وصعبة ،نادرا جدا ما تسامح)
استلقى يروم النوم لعله يريح تفكيره ،ولكن التسهيد عرف الطريق الى جفونه واستوطنها،يستعيد الشهور والأيام ،وليت ،كلمة لا تغادر جملة من تفكيره.
-سارة ،هي سارة أس المصائب،لولا مكيدتها لما عاشت زهرة ذل تلك الليلة ،كانت ستعود ،وكنت سأراها وأفرح لزواجنا، ولكنني عدت مثقلا بذنب لم أقترفه،أحتقر نفسي لأنني خنت عهدي لقلبي ومضطر أن أتحايل على وعدي لأمي.
لولا سارة لكانت ليلتنا الأولى حب وارتواء من ظمأ دام سنين ،لكانت تعبيرا عن شوق قلبين تعلقا ببعضهما منذ الأزل، لولا كيد سارة لما عاشت زهرتي الذل وهي تبيعني ماهو حقي وهي تجهل من أكون.
ااااه لو تطولك يدي ياسارة !!!!. 
دخلت عليها ،كانت منهمكة
في أحد التصاميم ،وصوت أم كلثوم يصدح بالمكان.
قابلني والأشواق فعينيه 
سلم وخذ إيدي فإيديه.
قامت نحو المكتب تنقر على لوحة الحاسوب 
-لا يا ست ام كلثوم ،هذا مرفوض .
ابتسمت رشيدة .
-أصبحت مدمنة أغاني أم كلثوم
-إلا البعض منها ،مثل هذه ،هه ،قابلتو نسيت إني خاصمتو،منتهى النفاق ،لايمكن ،من أذاك تذكر أذاه كلما رأيته.
-وإن كنت تحبينه؟
-ذلك أمَرٌّ،انت تحبينه وهو يؤذيك،طعنة الحبيب أشد فتكا،وانت أدرى ماما.لو جاء غانم معتذرا نادما، هل كنت تسامحينه؟
-ليس بعد أن فقدتكما تلك الليلة،ابني وحبيبي يموت  في رواق مستشفى مثل أي فقير متشرد وابوه يتمتع بمالي،وابنتي حب عمري تبيع نفسها لتنقذنا،ليس  بعد أن ذقت أشد انواع الألم ومرارته،ليس بعد ليلة بلغنا فيها الحضيض وانا اعتبر من أغنياء بلدي ،ليس بعد تلك الليلة .
حضنتها زهرة 
-لا تبكي حبيبتي ،انت مؤمنة بالله وقدره ،سعد مات لأن عمره قصير مثل كل الأشياء الجميلة ،ذهب الى حيث الصفاء والنقاء مثله تماما.
-وانت ؟ انت لست انت
-بل أفضل،اقوى ،ثم تعالي ابوح لك بسر (ضحكت)منذ عرفت أنه كان سعد ،كأنني ارتحت ،المهم انه كان هو ،ليس رجلا غريبا ،لايهم كيف ولا لماذا ،المهم أن الزهرة لم يقطفها غيره.
تغيرت نظرتها الى الحزن ،ثم الى الغيظ
-ولكنه داس عليها باحتقار وعنف حتى ذابت في وحل شكوكه.
-التمسي له العذر ،احبك وانتظر أن تكوني له .
-المفروض أنني الطرف الضعيف ،لماذا لم يلتمس لي العذر .
لا توجد كلمات تخفف هذا الكم من الألم .حضن الأم هو الوحيد القادر على ذلك. 
استيقظت صباحا ،أعدت مائدة الفطور ،وايقظت زهرة .
-سأذهب عند إيزا ،أقضي معها نهاية الأسبوع وأعود بعد غد .
-ليتني أستطيع أن أذهب معك ،ولكنني ملتزمة بتقديم تصاميم ،ورسوم داخلية ،علي العمل عليها.
-الاسبوع القادم إن شاء الله، ثم أتركك وأسافر.
-سأشتاق لك .
-تعالي معي إذن .
-لا تحاولي ماما .
قامت عن المائدة ،لتنهي حديثا ترفضه.
رشيدة تعمدت أن تتركها وحدها ،كأنها لا تعلم أن سعدا آت اليوم.
اغلقت باب البيت ،ودخلت مكتبها تبدع في تصميمات داخلية ،








ا موهبتها في الرسم .
رن جرس الباب.
--من يكون ،ماما عند إيزا ،بيتر كان هنا قبل يومين ،واحمد ليس موعد رجوعه .واليوم عطلة ،لا زبائن ولا عملاء ،إذن لن أفتح.
الزائر مصر ،ورنين الجرس يقطع تواصلها العجيب بعملها.
-اوووووف ،لنرى من يكون مسبب هذا الإزعاج.
لفت حجابها على رأسها ،تأكدت من هندامها الساتر قبل أن تفتح.
إنه من لم تتوقعه 
-أنت؟!!!ماذا تفعل هنا؟
-جئت أستعيد ما هو لي .
-آسفة ،لا أفهمك.
-هل انت بخيلة زهرة ،تتركين ضيفك على عتبة بابك؟
-آسفة ،لم انتبه ،تفضل .
جالت عيناه بالمكان بنظرة خبير.
-ممم ،دافئ وحميمي.
-ولكنه أصغر من مكتب حضرتك.لا يصل إلى مستوى العامري.
-ولكن فيه ما ليس بمكاتب العامري ،فيه ما جئت أبحث عنه.
-والذي هو؟
-انت ،زهرتي.
علت ضحكتها .
-هههههههه،زهرتك ،عليك مراجعة طبيب عيون سيد العامري.لا وجود إلا لعود مليء بالأشواك ،الزهرة قطفت وذبلت وماتت .
وقف أمامها فظهرت أمامه كطفلة مراهقة ،ولكن القوة بعينيها لمحاربة خاضت معارك وخرجت منها منتصرة .
-زهرة ،انا هنا لأنني أحبك ،لم أستطع العيش بدونك .
-بل استطعت يا ابن العامري ،عشت ثمان عشرة سنة بدوني .
-مجبرا ،اختفيت فجأة .وكنت طفلا لا حول لي.
-وكبرت ،وصرت رجلا ومسؤولا عن شركة مشهورة وناجحة، ماذا فعلت لتعرف عني ،هل بحثت عني ،هل سألت أين أكون وكيف أعيش؟!
لا،نسيت زهرة ،وعشت حياتك.
-عن أي حياة تتحدثين ،لقد نذرت نفسي لك ،حتى صرت أضحوكة الشباب ،ثم المهندس المعقد ،ربما كان مريضا ،ربما ليس رجلا ،او قد تكون له ميول شاذة .كلام مسموم أسمعه كل يوم ،واتجاهله، تكفيني أحلامي بيوم ألقاك.
-وماذا فعلت لتحقق أحلامك ؟هل خطوت خطوة واحدة نحوي ؟ أبدا، انظر كم اجتهدت لتحقق ذاتك كمهندس ناجح ،حققت حلما حلمناه معا ونحن طفلان، وتدعي أنني كنت حلم عمرك !!ههه،أي إصرار كان بنفسك لتحققه ،أم اكتفيت بأحلام الكرى!!!
-ولماذا رضيت بالبعد وقنعت بالوحدة ؟
-لأنني كنت الطرف الضعيف في الموضوع ،طفلة نفيت مع أمها قسرا ،ثم فتاة يجب أن تنجح لأجل أمها وأخيها. 
-وفي خضم حياتك نسيتني.
-لا لم انسك ،وانتظرتك ،كلما كبرت عاما اعد على أصابعي الصغيرة سنوات عمرك ،و أصبر نفسي (انتظري حتى يكبر وسيأتي إليك ،سينتقم ممن آذوك )ولما بلغتَ العشرين تحول الأمل الى انتظار ولهفة ،اليوم سيسأل ،الليلة ستخبرني ماما أن ماما أمينة قد أعطت رقمها لسعد وكلمها يسأل عني ،ويوم عن يوم يتضاءل الأمل ،ثم سنة بعد سنة تضخمت الخيبة، وحل اليأس ،وانكمش القلب في زاوية كأنه غريب غير مرغوب فيه ،ولماذا كأنه ؟!أنا فعلا عشت غريبة غير مرغوب فيّ.
-بل انا راغب فيك عاشق لك .
-بعد ماذا ؟بعدما أهنتني .
بعد أن رأيتني أمامك ،لم تبذل جهدا ولا حركت أصبعا لأجلي،لست سعد الذي كان حماي وأماني ،بل رجل عرضت عليه امرأة وأرغم عليها.
-عرفت خطأي ،ندمت على شكي بك 
-ولماذا تندم وشكك في محله ،انا فعلا كما قلت ،بعت نفسي لغريب على فراش بغرفة بفندق.
اخذ يديها معا بين راحتيه وأجلسها قبالته على الأريكة الصغيرة .
نزعت يديها من يديه ،أحس غربتها وبعدها عنه.
-ليلة بعد ليلة تجمعت أجزاء اللغز بعقلي ،صور متفرقة كونت الصورة الكبيرة ،كل ليلة احلم بليلة مع فتاة في غرفة بفندق ،فتاة لا أعرفها ،لم أعلم من وضعها بفراشي ،ولكنني ضممتها بشوق ،وناديتها زهرتي ،تسللت من بين يدي كالسراب، فكذبت نفسي وقلت هو حلم .وصدقت سارة ،واحتقرت نفسي لأنني خنتك ،ولأنني حكمت على نفسي بالزواج من أخرى لأنني أخطأت معها.
-فادعيت العجز لأرفضك.
-وقبلت بي لتحقيق انتقامك.
-لم أكذب عليك ،أخبرتك بأسبابي. 
-لحظك كانت الرؤية واضحة أمامك ،أما أنا فكنت مشوش العقل تائه الفكر ،اكتشفت كذب سارة ،وعلمت بحملك ،وتتراءى لي صور عنك وانت بين يدي في كل حلم ،وعطرك الذي لا يفارقني منذ تلك الليلة.
-أية ليلة ؟
-رأيتك بالمطعم ،عرفت عينيك ،هفا قلبي الى الطاهية النحيفة التي قدموها لي انها الشيف زارا ،ولم تفارق عقلي ،وفي الليلة التالية ،أصرت سارة أن اجامل العميل بكأس خمر ،كأس واحدة لن تضر ،ولكنها كانت كأسا ملغمة بمخدر، أفقت صباحا لأجدها معي تحت غطاء واحد ،تدعي أنني استغللت ضعفها وحبها لي ،رأيت الدم على المفرش ،عقلي مايزال مشوشا، لا أذكر ما حدث قكيف أذكر أنها لم تكن عذراء منذ أيام الجامعة ،وعدتها بالزواج،وعدنا الى الوطن .
-تصرف شهم ،أحسنت،حتى لو كانت كما تقول ،ليست عذراء ،فقد استغللت ضعفها ،رئيسها وحبيبها ،كان يجب أن تحفظ لها كرامتها وتتزوجها.
-ولكنني ،بعد أن عدت وشممت العطر على قميصي ،أصبت بداء الحلم بتلك الليلة كل ليلة ،وكل ليلة يضهر جزء من الصورة ،حتى اتضحت معالمك أخيرا.
-وتأكدت من أحلامك انها كانت أنا !!!!!
-ليست أحلاما ،هي ذاكرتي تطفو الى السطح لما يختفي حاجز العقل واليقظة .
-متى تأكدت أنني انا تلك الفتاة ؟
-قبل افتتاح المطعم .
-ولكن يبقى أنني فعلا بعت نفسي تلك الليلة لامرأة ملثمة لتقدمني لرجل لا أعرفه ،وأخذت الثمن.
-لماذا ،لماذا تبيع زهرة نفسها ،ما الشيء الأغلى منها على قلبها لتقدم تلك التضحية لأجله .
-هو فعلا كان أغلى من نفسي .
شردت بعيدا ولمعت الدموع بعينيها .أمسك ذقتها يدير وجهها إليه.
-من هو ،وأين هو ؟ احكي لي .
وقفت بقوة ،ومنعت الدموع أن تفر من جفونها.
-لا تعرفه ،ولن تعرفه.
-أريد أن أعرف .
-يكفي أنك علمت أنك الذي قطفت زهرتك ،ويكفي أنني أعلم أنني وهبتك نفسي مجبرة ،بمقابل ،ليس عن حب كما حلمت زمنا قبل يأسي من الأحلام.
-وانا يكفيني أنني الرجل الوحيد بقلبك وبحياتك .
-هههههه،وما أدراك ؟أصعب الطريق الخطوة الأولى .
-لا تحاولي لن أصدق .
-سبق أن صدقت ،وأصدرت حكمك.
-سامحيني زهرتي ،غيرتي الغبية تحكمت بي.
-الشهور الأخيرة ،مهما كانت قسوتها ليست هي التي فرقتنا،لك كل الحق أن تشك ،وانا أعذرك .
-سامحتني إذن .
-على الأمس القريب،نعم ،ولكنني لن أسامحك على أيام خلت ،استسهلت البعد ،و لم تبحث عني ،وحتى لما رأيتني لم تتذكرني،تركتني أنفذ حكم والدي ،وقد أصبحت شابا ناجحا ،لم تمد لي يدك ،ولا حاولت أن تعرف أخباري، لولا وصية أمك لما ذكرتني.
-لم أنسك يوما لأذكرك.
-كلام الأغاني لا ينفع في الواقع ،لو ذكرتني لسألت عني ،لو أحببتني لبحثت عني وأعدتني الى جانبك.
لن أصدقك ،وكيف أفعل وانا اراك لا تصدق نفسك .
-انسي واغفري،أعدك أن انسيك حزن الأيام، واعوضك بسعادة أيامنا القادمة. 
-أنسى !هه،هات لي قلبا جديدا لأن اخاديد الأحزان شوهت قلبي المكسور ،هات لي ذاكرة بيضاء لأن كل ذكرياتي غدر وخيانة وخذلان ،هات لي عيون ضاحكة لأن عيوني انهكتها الدموع.هات لي عمر الصبا لأنني شخت وكل يوم من عمري بسنة من الشقاء.
أنسى ،كلمة سهلة يا ابن العامري.
توجهت نحو الباب.
-اذهب سعد ،اذهب ولا تعد ،ابحث عن زهرة أخرى ،فهذه يبست تحت حر الحياة ولن تحييها كلمات حب أتت بعد فوات الأوان.
-احبك زهرتي ،ولن أيأس،تذكري أن هنا(أشار الى صدره)قلب ينبض بعشقك ،مستعد أن يحمل عنك أحزانك ،أن يريح قلبك ويسعد روحك .
-تأخرت سعد ،تأخرت كثيرا .
كانت تدفعه نحو الباب.
-لم أتأخر ،نعم أخطأت حين لم أبحث عنك ،أخطأت حين لم أسألك مابك لم تعودي زهرة التي أعرفها ،أخطأت لما شككت في تربية خالتي لك ،تماديت لما اشتعلت الغيرة بصدري ،ولكنني هنا اليوم ،أقدم لك الحياة التي حلمنا بها ونحن طفلان.
-أحلام الطفولة لا تتحقق لأنها ساذجة، فانسها أفضل لك.
-لم أنسها يوما ،ولم انسك ،خطيئتي أنني كنت سلبيا في حبي لك ،انتظرت أن تعودي وانت سجينة ،ولم آت إليك وانا القادر الحر .لن أيأس زهرتي وسأعود حتى أنال غفرانك وأسعد بوصالك،انا أحتاجك زهرة.
-وأنا لا أحتاجك اليوم ،ولن أحتاجك غدا ،لأنني احتجتك أمس ولم أجدك ،لم تمسك يدي في أحلك أيامي ظلمة،لم أسمع صوتك يطمئنني أنك معي حتى لا أخاف،وتريدني معك لأنك اليوم تحتاجني،أمض سعد ولا تعد هيا.
-لن أمل ولن أتعب ،حان وقت عذابي وعقابي،وأنا راض به حتى ترضي عني وتدخليني جنتك ،سأعود زهرتي ومهما رفضتني سأعود. 
وقفت تنظر إلى السيارة تبتعد ،بينما كان يتابع خيالها الهزيل بالمرأة الأمامية، وهو يبتعد شيئا فيها الى أن اختفى. 

 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹
             💚 مرحبا بكم ضيوفنا الكرام 💚
هنا في كرنفال الروايات ستجد كل ما هوا جديد
 حصري ورومانسى وشيق فقط ابحث من جوجل باسم 
الروايه علي مدوانة كرنفال الروايات وايضاء اشتركو في قناتنا👈علي التليجرام من هنا يصلك اشعار

 بكل ما هوه جديد من اللينك الظاهر امامك        

  🌹🌹🌹🌹 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

                   تمت بحمد الله 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close