أخر الاخبار

رواية حكاية امل الجزء الثاني2الفصل الاول1والثاني2بقلم سلوي فاضل

رواية حكاية امل الجزء الثاني2الفصل الاول1والثاني2بقلم سلوي فاضل 


استنو الحكاية لسه ما خلصتش أنتم سمعتوا من أمل بس، مش بقول أنها غلط أو ظلمتني أبدًا؛ لكن من حقي أدافع عن نفسي، أنا فعلا أذيتها وعذبتها، بس بدون قصد وعارف أن ده مش عذر أو عذر أقبح من ذنب، مواقف كتير عدت تصرفاتي كانت غامضة ومش مفهومة حيرتها وحيرتكم؛ لكن عندي عذري.

 في حكايتي أنا ظالم ومظلوم حبيب مُعَذب ومنقذ زي ما وصفتني، وللأسف جلادها بس غصب عني كنت بجلد نفسي معها، وجعني وجعها، قلبي ما رحمنيش وضميري ما قتلني.

زمان حبيت بصدق التمست الأعذار واتغدر بيا،  افتكرت جنس حواء  واحد، وإن كلهم زي  بعض.
 زي ما كنت منقذها هي كمان أنقذتني، رجعتني لنفسي داوت جرحي، عيشتني اللي عمري ما تخيلته فرحت وقلقت، طلعت فوق السحاب، حتي مشاعر الأبوة ما حرمتنيش منها قدمتها ليا بدون ما تشعر، أمل ملكتني كانت قدري اللي لازمني سنين، وبعدين بقت مليكتي ملكة لمملكة قلبي ملكة بقلبها الكبير المتسامح.
حبدأ معاكم حكايتي من أول طفولتي 

الفصل الأول ( سمر)

أعرفكم الأول بأسرتي، بابا ماجد حشمت ضابط، من يوم ما وعيت وهو بيقولي نفسه أكون ضابط زيه، هو شديد شوية حازم محدش يقدر يراجعه في قراراته، وبالرغم من كده حنين جدًا يعامل ماما بمنتهي الود والاحترام، ماما سعاد فاروق ليسانس آداب وربة منزل، طيبة جدًا جدًا مدلعاني شوية الحقيقة شويتين تلاتة.

أنا وحيدهم اكتفوا بيا، شقي جدًا في حالة عدم وجود بابا، مؤدب جدًا وبابا موجود لان عقابه شديد جربته مرة وحرمت بعدها.

معظم عائلتي بالصعيد  بشوفهم في المناسبات والأعياد؛ لكن في جزء صغير من اقاربنا من بعيد ساكن بالقاهرة؛ لكن حالتهم المادية بسيطة مش فقراء تقدروا تقولوا بدايات الطبقة المتوسطة، ودول مش مندمجين مع العيلة، ودايما مختفيين، اخدين جنب كده ومش يظهروا غير في الأعياد والمناسبات أو الأفراح، ومن ضمنهم أسرة سمر.

أعرفكم عليها " سمر" ملامحها جميلة، بشرتها بيضا، رقيقة شعرها عامل، زي ملكات دزيني بني محمر شوية وناعم جدًا، وهي طويلة ورشيقة أصغر مني ب ثلاث سنوات. 

هي بردوا وحيدة، بحب أشوفها جدًا، بتلفت انتباهي بشوفها مختلفة عن باقي بنات العيلة، طموحة ودة واضح من كلامها من صغرها، بحب اللعب معاها بحس بسعادة جامدة جدًا كل ما اشوفها واتكلم معاها، وهي عادي، لما كبرت شوية ساعات أحسها مهتمة وأشوفها مبسوطة، وساعات تانية أحس أنها مش شايفاني أصلًا متجاهلاني وكأني مش موجود. 

بقيت قبل كل عيد أحلم بها وأتخيل كلامنا وضحكها وطبعًا إجازة العيد ما تكمل بدونها،  اه نسيت أقول لكم أنها دايما سبب لعقابي، كل عيد أو إجازة أحكي لكم.

وأنا عندي 12 سنة، في عيد الأضحى
اجتمعنا في البلد يوم الوقفة جدي وقتها حب يجمع العيلة، ونصلي العيد ونقضي العيد هناك إحنا روحنا الوقفة، وقضينا هناك معهم أول يومين، اللي بابا بالعافية قدر ياخدهم إجازة عشان ظروف شغله طبعا.

في أول يوم العيد بعد الصلاة والأضحية، أخدنا العدية وكأطفال روحنا نشتري حلويات، ونروح الألعاب المتواضعة اللي في البلد، لقيتها بتروح لكل حد منهم شوية، وبعدين تبعد وهي زعلانة تضايقت عشأنها، وقربت منها واتكلمت معاها.
-مالك يا سمر هما مزعلينك ولا إيه؟

 بصت لي شوية وركزت زي ما تكون بتفكر، وبعدينواتكلمت وهي زعلانة ونبرتها ومنكسرة: 
-أنا زعلانة بس مش عايزة أضايقك.

ابتسمت وفرحت من ردها واهتمامها:
-لا يا سيتي ضايقيني براحتك قولي لي زعلانة ليه؟
-لا روح أنت ألعب وأشترى اللي عايزه وأنا هافضل هنا.
أنا: يا بنتي قولي هو لازم أتحايل عليكِ يعني.

عينيها دمعت بصت في الأرض: 
 -مش هاعرف اللعب أو اشترى حاجات زيكوا.
-ليه جدو والكل كمان ادوكي عيدية، يعني معاكي فلوس كويسة.
-مش هينفع أصرف منهم، عشان عايزة اشترى حاجات مهمة، وبابا قالي هاتيهم من عيديتك، ولو جبت ولعبت زيكم ممكن تخلص أو تكون قليلة ومش هاشترى اللي عايزاه.

طبعا شكلها وهي بتحكي صعب عليا جدًا، وقلبي وجعني، كنت طفل صغير وهي أميرة ديزني اللي بحلم بها، واللي لازم أكون بطلها.
-ده اللي مزعلك، تعالي أنا عازمك علي اللعب والحلويات.

بصيت لي بفرحة وانتصار: 
-بجد ولا بتهزر.
-جد الجد كمان، يلا بقي اليوم هيروح مننا.

اللي لفت نظرى وما اتكلمتس فيه، أنها جابت حلويات كتير جدًا وحطيتها في شنطتها أكلت حبة منهم وعزمت عليّا بأقلهم سعر، وكانت بتدور عليها، اخدتها وشكرتها وشوفت إن ده اهتمام.

 وبعدين راحت ولعبت كل الألعاب تقريبا ما كانتش بتدور عليا، لعبت أو لأ، وكنت شايف أنها صغيرة وده طبيعي لسنها.

 الموضوع ما وقفش لحد هنا، صحيح في البلد ما حصلش حاجة؛ لكن لما رجعنا القاهرة بابا كالعادة بيشوف الباقي من العيدية كام، ساعات أحوشهم مع بابا وساعات اشترى حاجة كنت عايزها. ولأن سمر طول اليومين بتصرف من عيديتي ولو لمحت لها إن كدة كتير كانت بتزعل وتاخد جنب وارجع اصالحها بحاجات أكتر من اللي كانت عايزاها، فالعيدية تقريبًا خلصت، ودي كانت كارثة.

لما بابا حسب باقي العيدية، سألني باستغراب:
-دول بس اللي معاك ليه؟ هي الفلوس وقعت منك إستحالة تكون صرفت كل المبلغ ده.

الكلام هرب من علي لساني ما ينفعش أكذب بابا مش بيتهاون في الكذب، لدرجة إني ممكن أتضرب وأتحبس في أوضتي فترة طويلة.
-أنا...أنا...

صرخ جامد وأنا انتفضت: 
-اقف قدامي واتكلم عدل، والا والله ما هيحصل كويس.

ماما بصت لي تحثني اتكلم، وكانت مشفقة عليا، وطبعا ما تقدرش تتدخل.
-حاضر، اصلي عزمت سمر اليومين اللي فاتو علي الحلويات واللعب.

ضحك بابا بتهكم: 
-أنا بردوا باقول إيه كل اللي جايباه ده! وكمان جت تعزم عليا، البت دى مش سهلة، مش عارف لما تكبر هتعمل إيه؟ بس العيب علي الأهبل اللي صرف عليها كل اللي معَه تقريبا.

سمعت كلام كتير يوجع أكتر من الضرب وتوبيخ كتير، بابا قرر أنه يسحب باقي العيدية، وكان واعدني يغير حاجات في اوضتي لغاها، وده كان عقاب شديد لأن الحاجات دى كان نفسي فيها من شهور، وأخدت وقت عشان أقنع بابا؛ لحد ما وافق.
يومها بكيت وماما تاني يوم قعدت معايا وفهمتي إن بابا عمل كده ليه، وإني لازم أكون كريم بدون ما حد يستغلني.

مرة تانية كان لسه الفيديو جيم المحول لسه ظاهر جديد، وبابا اشتراه ليا، سافرنا واخدتوا معايا، لما وصلنا قبلها،  قعدت ألعب وخايف ما تجيش؛ لأنهم تأخروا علي غير العادة، ولما وصلت سلمت علي الكل، تهيأ لي أنها دورت عليّا بعنيها ولما شافتني جت سلمت عليا.
-أزيك يا عماد كل سنة وأنت طيب.
 كنت طاير من السعادة وملهوف: 
-الحمد لله كويس، كل سنة وأنت طيبة، تأخرتم ليه كده؟
-بابا كان ييفكر ما يجيش، وفضلنا نقنعه لحد ما وافق، كان معاد القطر عدى؛ فأنتظرنا القطر اللي بعده، أنت قاعد لوحدك ليه؟ وإيه اللي في إيدك ده؟

فرحت افتكرتها مهتمة: 
-ڤيديو جيم محمول لسه جديد، تحبي تلعبي شوية؟
-شكله جميل، نفسي بس مش هاعرف.
-أعلمك، تعالي ده سهل قوي.

استوعبت بسرعة واندمجت مع الألعاب وبتحقق رقم عالي كمكمأناعلي مني فضلنا نلعب به بعد ما علمتها، أو بالأصح هي تلعب وأنا بتفرج، كانت مبسوطة قوي، وأنا فرحان عشان هي مبسوطة، ولأنها سابت الكل وقاعدة معايا.

 وقتها افتكرت أنها فضلتني عن الباقي؛ لكن في الحقيقة هي فضلت اللعبة، وبما إني صاحب اللعبة ففضلت معايا، وقتها كان عندي ١٤ سنة وهي ١١ سنة، المهم طول اليوم تلعب بها وأنا معاها، ومر اليوم بسرعة وكل حد فينا فرحان لأسبابه. 

آخر اليوم وأنا باخد اللعبة منها، مش عارف إزاي وقعت وانكسرت، وباظت فضلت أقنع نفسي أنه غصب عنها، وصوت جوايا يقولي أنها تعمدت أنها تقع، وانكسرت اللعبة؛ لأننا قاعدين علي السور بأعلي جانب للسلم، وفضلت تتخبط في الدرجات لحد النهاية، وكانت نهاية اللعبة طبعا.

 نظرة بابا وقتها كانت حارقة، وكنت متأكد أن الموضوع مش هيعدي بدون عقاب، وكان أوله أنه زعق لي أمام الجميع، واتهمني بالإهمال وده كان صعب عليّا، لأني مش بحب يحصل كده امام أي حد، خصوصا سمر، وهي فلا اعتذرت ولا حتي اهتمت، اختفت من المكان لحد ما مشينا، وبردوا دورت لها علي عذر، قولت لنفسي أكيد أحرجت وخافت.

طبعا لما رجعنا البيت بابا عاقبني اول ما دخلنا من الباب، قبل حتي ما نقعد
-عماد تعالي هنا.
-طيب نغير ونقعد الأول يا ماجد.

في الحقيقة بابا ما اتكلمش، مجرد نظرة لماما سكتت والكلام مات علي لسأنها، أنا وقفت أمام بابا ووشي في الأرض، وقررت مع نفسي إني مش هقول أنها اللي وقعتها، واتحمل أي عقاب، نسيت أقول لكم ده كان أول يوم العيد.

-أسف يا بابا، أنا عارف إن اللعبة غالية، وحضرتك جبتها لي لما اتكرمت في المدرسة، أنا أسف بجد.

-أنت عارف أن الفكرة مش اللعبة غالية أو لأ، الفكرة أن الإهمال واحد، سواء في شئ صغير او كبير، وعارف مين اللي كسرها، واللي كانت معَه طول اليوم؛ لكن الغلطة غلطتك أنت، أنا حذرتك منها قبل كده، ومش بتسمع الكلام.

انكسفت من نفسي أكتر وشي في الأرض مش قادر أواجه بابا: 
-حضرتك عارف ظروف اهلها، هي ما طلبتش حاجة أنا اللي عرضت عليها.
-بردوا بتدور لها علي أعذار، الفكرة مش غني أو فقير، البنت دي مستغلة ومتمردة مش عاجبها حاجة، بسمع والدها يشتكي منها ومن طلباتها اللي مش بتنتهي.
-يا بابا...
قطع كلامي بعصبية شديدة: 
-خلص الكلام، أسبوع كامل ما تخرجش من غرفتك الأكل حيدخل لك جوه.
-حبس انفرادي.
-بالظبط. اتفضل من دلوقتي. 
-طيب خليها من بعد العيد يا ماجد، الولد كان نيته خير.

 لتاني مرة وبدون أي كلام، نظرة واحدة والكلام مات.
-اللي تشوفه يا ماجد.

وقضيت الأسبوع في غرفتي، بدون أي وسائل للترفيه، والوقت ممل وطويل جدًا، وتقريبا بقي كل عيد أتعاقب بسببها؛ لكن بحب أشوفها قوي واتكلم معاها، وهي الصراحة كانت مغرورة شويتين بس كنت بحب غرورها، دي مش كل المواقف؛ لكن أمثلة من اللي حصلت وفضلت تحصل.

مرت السنين، دخلت كلية الشرطة وطبعا بابا فخور بيا جدًا، ومتابعني ومتابع أحوالي بالكلية وأي خطأ في الكلية بتحاسب عليه مرتين مرة الكلية، ومرة في البيت من  بابا.

وبعد التخرج واستلام عملي بشهر واحد بابا أستشهد، تم اغتياله في حادث إرهابي، كانت صدمة شديدة ليا و لوالدتي، أثرت علينا بدرجة أعجز عن وصفها، رغم حدة بابا وقت الخطأ وحزمه الشديد معايا، إلا اني بحبه جدًا، وعارف ومتأكد انه كان قاصد مصلحتي.

 المهم حياتي تحولت، الحزن سمة أساسية فيها، أصبحت أنا كل حياة والدتي وهى كمان كل حياتي، كنا بنزور بابا كتير جدًا، تقريبا كل أسبوع وبالتدريج بقينا نروح كل فترة، ولأني تأثرت بوفاة بابا لدرجة الإكتئاب، فضلت ثلاث سنوات من بعد الحادث مركز في شغلي، بجهد نفسي لدرجة الأنتحار، باحاول أنسى واستعيد حياتي مش عارف، وكل ما أتعب قوي أروح ازوره وأتكلم معاه. 

 ماما كانت عايزة تخرجني من الحزن اللي لسه مسيطر عليا، حبت تحقق لي أكتر حاجة تمنيتها إني أخطب سمر،
فكرت كتير بين رغبتي لخطبتها وبين إحساسي أن رفض بابا لها، أكيد له سبب قوي، وأنه يقدر يحكم علي الناس أفضل مني؛ فرحت أزوره يمكن وأنا هناك أفكر بطريقة مختلفة، وأقدر أخد القرار الصح.

 يومها وأنا هناك شوفت أمل لأول مرة بجنازة والدتها، اللي لفتني ليها أنها كانت واقفة في حالة ذهول، بعيدة نوعا عن الباقي، تنظر للقبر وهي مصدومة؛ بالرغم من إني ما قدرتش المح وجهها؛ إلا أن بدا عليها الجمال الهادي، كانت ممشوقة القوام طويلة، رافعة شعرها ذيل حصان.
فكرتني بنفسي في جنازة بابا؛ لكني كنت أقوي بتحرك وعملت كل حاجة المفروض أعملها، صعبت عليا جدًا فضلت مراقبها لحد ما تقريبا باباها أخدها في حضنه، كان معاهم شاب يظهر علي ملامحة الجمود بالرغم وسامته -وطبعا ده لؤي-.

بعد ما مشيوا بشوية مشيت ونسيت اللي حصل، وأخدت القرار باني اتقدم لسمر، وكان عندي وقتها ٢٤ سنة وهي كانت يادوب متخرجة

وفعلا روحنا، أهلها كانوا فرحانين جدًا،  والغريب إني ما شوفتش في عينها الفرحة، ولا الكسوف زي ما بسمع؛ لكن شوفت نظرت انتصار، زادت جدًا بعد ما اتفقنا وقرينا الفاتحة.

بدأت امي الكلام: 
-أنا وعماد مرينا بفترة حزن وحداد عشان ماجد الله يرحمه، عشان كده حبيت أننا ندخل الفرحة البيت، هيكون إن شاء الله مع العروسة.

سكتت ماما وبصت لي عشان اكمل
-عشان كده يا عمي أنا جيت النهاردة مع امي نطلب ايد بنت حضرتك سمر.

رد والدها بمنتهي التلقائية وبفرحة كبيرة: 
-البنت بنتكوا وحضرت الظابط ابننا وفي النهاية احنا أهل ومالناش طلبات غير سعادة بنتنا.
وهنا تدخلت سمر بسرعة في الكلام:
-بعد اذنك يا بابا أنا ليا شروط.
-عيب يا سمر.

ردت بمنتهي البجاحة وللي وقتها شوفتها قوة شخصية: 
-ليه عيب؟ ده حقي.
-يا تري طلباتك إيه؟ 
-شروط مش طلبات.

الكل بص لها وتعجب من كلامها حتي والدها ووالدتها، والحقيقة أنا كمان بس عديتها، اللي سيطر عليا أنها أخيرًا حتكون ليا، خطيبتي وشوية وتكون مراتي كمان زي ما كنت بحلم دايما.

 قالت حاجات كتير قوي، الشبكة رقم كبير، وشقة لوحدها والفرش وأنا وافقت حتي بدون ما أرجع لماما.
-موافق.
-استني بس يا عماد نتكلم.
-خلاص يا ماما موافق، عندك طلبات تاني. 
-لا شروطي خلصت خلاص.

انهينا القعدة دخلت معاها شوية لوحدنا البلكونة، والصراحة كل طموحاتي وتخيلاتي للوقت اللي قضيتوا معاها فيه أنهارت، ما حصلش أي حاجة منها كلامها كله عادي جدًا، وطبعا مفيش أي خجل أو كسوف،  قاعدة عادي جدًا مملة، الكلام سطحي ومفيش فرحة في عينها، وكملت بطلبها اني اشغلها في مكان كويس بعلاقاتي، قلت لنفسي مش معقول نتكلم في الحب من أول مرة كده وتوقعت أن ده أكيد احترام.

الفصل الثاني (ظابط قلبي)

 وأول ما رجعنا البيت، مع خطوتنا الأولى قبل ما نقعد حتى، ماما كلمتني في اللي حصل هناك، وأكيد عندها حق بس أنا ما كانش ينفع أرجع في كلامي، زي ما أكون أما صدقت وصلت لها.

-عماد أنا مش مرتاحة للبنت دي، أبوك كان عنده حق، أحنا لسه علي البر، بلاش يا ابني، أنا عايزة أفوقك من حالتك، مش أغرقك. 
-ليه يا ماما بتقولي كده؟
ردت عليّا والدهشة مرسومة علي ملامحها: 
-ليه؟ أنت نفسك انصدمت منها، لا ده أبوها وأمها انصدموا، البنت مش سهلة ومش مريحة، صدقني مش هاتسعدك أبدًا.
رديت بدفاع عنها كالعادة وأنا نفسي مش مقتنع : 
-لا يا ماما، هي شخصيتها قوية بزيادة، وعايزة الأمور تكون واضحة ، يمكن مش حاسة بأمان.
-يا ابني دي طالبة حاجات كتيره قوي، الشبكة لوحدها بمبلغ كبير، وكمان عايزة شقة لوحدها أنا كنت فاكراكم هتقعودوا معايا، مش تسيبوني لوحدي.

-اكيد مش حسيبك، وحاجى لك كل يوم أطمن عليكي واقعد معاكي وكل فترة نيجي نقعد معاكي كام يوم.

-شكلك مش ناوي تتراجع، بص يا ابني أنت عارف اني مش شديدة معاك زي ابوك ومش بفرض عليك حاجة، خصوصا دي بس أنا حذرتك أهو، حتتعب معاها وفي الغالب جوازكم مش حيستمر.
-يا ماما...
-خلاص يا عماد براحتك، قولي طلبت منك حاجة تاني ولا اكتفت بالشروط دي.

اتنحنحت وكملت بإحراج: 
-طلبت مني اتوسطت لها تشتغل في مكان كويس. 

ابتسمت بتهكم سكتت شوية وبعدين اتكلمت: 
-شكلك اخد قرارك خلاص، المهم تتحمل النتيجة، ومتأكدة أنها هتطلب منك حاجات تانية، وأحب اقولك ان اللي مش حقبل نقاش فيه، وهاغضب عليك فعلاً لو عملته، أنك تكتب الشقة باسمها، الشقة لازم تكون باسمك دي محددة عدد الغرف أنا أول مرة أشوف عروسة وشها مكشوف كده.

وسابتني ودخلت غرفتها، أنا كمان كنت قلقان وحاسس إني متضايق، بفكر بجدية في كلام ماما، لكن سمر كانت عاملة حسابها واتصلت بيا تاني يوم الصبح.
-صباح الخير يا ظابط قلبي.

أنا فرحت جدًا، قلبي رقص من الفرحة والسعادة، مش معقول كلام حلو منها أخيرًا. 
-صباح النور لو مش متأكد من الرقم والصوت كنت قولت أنك واحدة تانية. 
-ليه بس أنت زعلان؟
-شايفة إيه؟ 
-ليه بس يا عمري؟ أنا حبيت أكون صريحة معاك، عارفة أنك بتحبني  واللي طلبته عادي، ولا أنت مستقل بيا علي العموم لو في حاجة حابب تغيرها براحتك يا ظابط قلبي. 

 كلامها كان مخدرني وثبتني الحقيقة: 
-لا يا سيتي، مش حاغير حاجة، بس أنت خليكي كده، بلاش طريقتك إمبارح.
-عشان الكل كان موجود مش عايزة حد يحسدنا. 

استغربت اللي قالته طبعا وعديته أكيد: 
-وجهة نظر بردوا، أنت مش عايزة تقعدي مع ماما ليه؟ هي طيبة ومش معقول أسيبها لوحدها.

صوتها تغير شوية، سكتت لثواني كأنها ما توقعتش السؤال بعد الكلمتين الحلوين اللي قالتهم ولقيتها بتتكلم عادي.
-يا حبيبي يكون لينا بيت حاجة، وأننا نسيبها حاجة تانية، بيتنا خصوصية لينا نكون علي حريتنا، وما يمنعش نقعد معاها، تقعد معانا ويكون لينا حياه مستقلة. 

من وقت ما مشينا من عندهم وأنا قلقان من فكرة إني اسيب ماما لوحدها، مالهاش غيري وكنت بسألها عشان ءأكد لها ولنفسي، أننا حنفضل جنب ماما مش هنبعد وسألتها بوضوح بنبرة تأكد لها أن قربي من أمي مش مجال للنقاش: 
-يعني مش حتضايقي لو قعدنا معاها؟

 فضلت ساكتة شوية تفكر، مش عارف تفكر في رد، ولا تفكر في أننا نقعد مع ماما من الأساس، اتكلمت بحروف بطيئة نوعا، وقطعت الصمت ردت بإجابة عايمة ما تلزمهاش بحاجة.
-لا يا حبيبي اكيد مش حتضايق.

 وكملت بمياعة شوية
 -بس أكيد مش في شهر العسل. 
وانهت كلامها بضحكة سرحت فيها.

الحقيقة مكالمتها خلتني أرجع تاني أحلم باليوم اللي حنكون فيه مع بعض، حكيت لماما؛ فأكدت لي أنها مش سهلة، وإني حاتعب معاها، حاولت أقنع ماما أن ده عادي وماما طبعا ما اقتنعتش والحقيقة أنا كمان كان في صوت ضعيف جويا يأيد وجهة نظر ماما؛ وكنت بكتم الصوت ده، بالنهاية ماما سابتني علي راحتي.

 اشترينا الشبكة وبدأت أدوّر على الشقة، وفعلًا سمر حاولت معايا عشان اكتب الشقة باسمها، ورفضت بشكل قطعي؛ لأني استحالة أخسر ماما، كفاية أنها مش مرتاحة وساكته عشانى فاستحالة اعمل ده واخسرها و اكْسَرها.

 وبعد زن كتير من سمر، واستخدام كل اسلحتها من كلام حلو ودلال وخروجات مليانة رومانسية بدون فايدة، حصلت مشكلة كبيرة بيني وبينها، وحاولت بكل السبل تخليني أتنازل وأغير رأيي، وأكتب لها الشقة، وأنا علي موقفي هي ما توقعتش أني مش هغير رأيي؛ فاستمرالخلاف بقطيعة، ما حدش فينا بيكلم التاني.

 ومر شهرين أنتظرت خلالهم اني أحاول أصالحها؛ بس أنا أخد من بابا الدماغ الناشفة، وكان لازم تحس أنها زودتها قوي، أول شهر محدش فينا أتصل بالتاني، ومن الشهر التاني هي بدأت تتصل وأنا ما اردش، فضلت كده شهر، لحد ما لاقيتها أمامي بالقسم.

العسكري دخل وقالي في واحدة بتقول أنها خَطِبتي، استغربت جدًا، كان الطبيعي تكلم ماما وتيجي البيت مع والدها ووالدتها.
الحقيقة ما كنتش متوقع ده منها، وبدون تفكير طلعت أتأكد أن هي، وأول ما شافتني قربت عليّا وعملت نفسها مكسوفة، وتصرفاتها عكس الحالة اللي بتحاول تبينها.
-ازيك رغم أني زعلانة قوي بس وحشتني.

كانت بتتمايص بطريقة ملفته جوه القسم، بصيت لها بحدة وغضبي واضح، فرجعت تاني للجدية 
-اسفة نسيت أننا في القسم.
-ما تنسيش تاني، إيه اللي جابك هنا؟
-جيت أصالحك.
-هنا!
-أي مكان المهم أصالحك.
-مفيش بيت؟!
-عيب أروح لك البيت، وكنت عايزة اتكلم معاك لوحدنا.
-قصدك عشان ماما موجودة، وأنت عايزة الكلام بينا بس.
-اتفقنا لازم خصوصية، صح؟
-خلاص مش زعلان وبردوا اللي قولته حيمشي.
-أكيد يا حبيبي، هاه هاتعزمني علي الغدا ولا وراك شغل لسه؟
-خليها عشا، أخلص وأكلم عمي وأمُر عليكي نتعشى بره.
-أوكي يا ظابط قلبي، باااااي.

ما انكرش إن كلامها بسطني، بتعرف دائما تغير الأحداث لصالحها، وفي الوقت المناسب، وفعلا كلمت والدها وروحنا نتعشي بره حجزت في مطعم غالي جدًا، وعديت عليها وروحنا هناك، كنت متوقع أنها هتتبسط، وتعبر عن جمال المكان، اللي أكيد أول مرة تدخله لكنها أحبطتني.

-إيه رايك في المكان؟ عجبك؟
-مش بطال كنت فاكرة حتوديني مكان أحلي من كده.
رديت بذهول ومتضايق من ردها: 
-أحلي من كده؟! المطعم ده غالي جدًا، ومش أي حد يدخله، وأنت بتقولي مش بَطّال.
-ماتزعلش كده، حلو قوي، كنت بهزر معاك نتعشى بقى.
-علي طول كده نشرب حاجة الأول.
-لا، أنا جعانة ما اتغدتش أصلًا.

حاولت أهزر شوية يمكن اليوم يبقي جميل: 
-خلاص ما تعيطيش، تحبي تختاري الأكل ولا أختار لك أنا.
-امممممم حتعرف تختار لو ما عجبنيش حغيره. 

ضحكت بسخرية على طريقتها وكلامها: 
-لا مش بعرف اختاري أنت.
-ماشي تحب اختار لك؟
-لأ، بعرف أختار لنفسي.

هي طبعا ما اهتمش للسخرية بكلامي،  واكلنا والوقت كان ممل جدًا وزهقت، دايما كل حاجة أتخيلها معاها يكون الواقع غير، وأشعر بعدها بالإحباط، وأمني نفسي إن بعد الجواز حيكون أفضل.

مر الوقت وزادت الإحباطات، مفيش حاجة تمنتها لقيتها، برود فظيع في كلامنا؛ إلا إذا كانت عايزة حاجة، وقتها طريقتها وكلامها حتي نظراتها بتختلف، وعدت السنة اللي هي فترة الخطوبة، وخلالها توسطت لها واشتغلت في إحدى الوزارات، وطبعا مش أي وظيفة تعينت في وظيفة ممتازة، كان صعب توصل لها في العادي؛ لكن كانت خدمة ليّا عشان تاريخ بابا وشغلي اللي عمري ما تأخرت عنه. والصراحة لما راحت واستلمت يومها كان في مكالمة رومانسية جدًا؛ علي غير العادة وكمان خروجة رومانسية جميلة ابتسامتها فضلت مرسومة علي وشها طول الوقت علي غير العادي طبعا.

 تم الزفاف، وزيه زي باقي أحلامي الواقع فيها عكس حلمي، ما كانتش فرحانة وعصبية جدًا، احرجتني في الفرح كتير، زعقت في الكوافير وعمال الأوتيل، طول الوقت كنت حاسس إن في حاجة غلط، أو حاجة ناقصة شايفها زي ما تكون بتمثل الفرحة.

 اختفت عصبيتها وحل مكانها البرود، خلص شهر العسل ورجعنا البيت كانت زعلانة قوي إن الإجازة خلصت، تأنب ضميري لأن الإجازة أسبوعين مش شهر.

 المهم كالعادة كل طموحاتي معاها تنهار زي ما كانت زمان بتكسر العابي، بدأت تكسر قلبي كمان، وطبعا مش بظهر لها أي حاجة ودايما أحاول أفاجئها وابسطها، وهي مافيش فايدة، كل مدى تتمادى وتتعامل علي إن اللي بعمله فرض وواجب عليا، وماما شايفة كل حاجة وتصبرني وتواسيني وبشوف في عينها دايما نظرات لها معنى،
 كأنها تقول لي أنا حذرتك منها.

 
مرت سنة بدأت سمر تسأل وتهتم بالإنجاب، عشان تربطني بها أكيد؛ لأن لا هي ولا أنا مبسوطين، ومحاولة أني أسعدها وأشعر معها بالسعادة،  تقابل منها بلا مبالاة وعدم اهتمام، والتقليل من أي حاجة أعملها.

بدأت أختنق و زياراتي لبابا تزيد، وأنا في المقابر ساعات كنت بشوف أمل وباباها هناك كانوا معظم الوقت لوحدهم ولا مرة شوفتها من قريب وكنت دايما مهموم وحزين.
يتبع 

                     الفصل الثالث من هنا





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close