أخر الاخبار

رواية لايليق بك الا العشق الفصل الثاني الاربعون42والثالث والاربعون43 بقلم سماح نجيب


رواية لايليق بك الا العشق الفصل الثاني الاربعون42والثالث والاربعون43 بقلم سماح نجيب
٤٢-" الثأر و القصاص "

لحظات مرت عليها كأنها دهر بأكمله ، حاولت أن تعى ما يحدث معها ، من مقابلة حبيب غائب ، ورؤيتها له بتلك العاهة ، التى يبدو أنها أخذت معها كل ما كان عليه قديماً من إبتسامة كانت دائماً تزين محياه وثغره الرجولى ، ومن مرح كان يضفى عليه طابع محبب لنفسها ، فكم كانت تهوى الجلوس برفقته يخبرها بإحدى المزحات ، أو أن تسمعه يخبرها بمدى حبه وعشقه لها ، ولكن كل هذا لم يعد له أثراً سوى ملامح وجهه المليحة ، التى ملأها الحزن والكآبة ، حتى جسده أصابه الهزال بعض الشئ 

رفرفرت بأهدابها عدة مرات ، كأنها تحاول إستجماع قوتها ، التى أفتقرت إليها ، خلافاً لعادتها من إظهار البأس والقوة ،شأنها شأن أبيها 

حاولت إخراج الكلمات من بين شفتيها ، ولكن شعرت بثقلها على لسانها ، ولكن ذلك لم يمنعها من أن تقول بصوت مرتعش :
– ببابا هو اللى عمل فيك كده يا عبد الرحمن ط طب ليه عمل فيك كده قولى وكنت فين السنين اللى فاتت 

أنحنى وألتقط سترته ، ووضعها مثلما كانت ، كأن بذلك سيحاول إخفاء الحقيقة ، التى ما فتأت تجعله يتجرع الحسرة والألم على ما أصابه 

فحاول قدر إمكانه أن يجيبها بهدوء :
– بيرى أعتبرى نفسك مشوفتنيش ، وأنسينى يا بيرى ، ومتسأليش كتير لأن معنديش حاجة أقولهالك غير أن أقولك أنسينى ولا كأنك قابلتينى

دار على عقبيه وأراد الإنصراف ، إلا أنها عادت وتمسكت بكف يده ، كأن شرار أنطلق من يدها لسائر جسده ، فظل يأنب نفسه على عودته للإسكندرية ثانية ، ولكنه لم يضع بحسبانه أن يقابلها مرة أخرى قبل أن يسافر 

شدت بيدها على كف يده ، فأهتز جسدها أثر نحيبها وهى تقول بصوت مختلط ببكاءها :
– عايزنى أنسى إيه يا عبد الرحمن أنسى حبيبى وروحى ، واللى كنت عايشة على أمل أن أشوفه تانى 

ألتفت إليها قائلاً وهو يسحب يده من يدها :
– إحنا مننفعش لبعض يا بيرى ، ولا كنا ننفع لبعض ، الظاهر كنا ناسيين إعتبارات كتير وما أخدناش بالنا منها 

انحدرت دموعها من عينيها ، حتى بللت شفتيها ، فتتابعت شهقاتها وهى تقول بغصة :
– مننفعش لبعض ! خلاص حبيت واحدة تانية واتجوزت

كم تألمه رؤية عبراتها ، ولكن من يخفف من شعوره بالألم ، الذى سحق خلاياه ، فقال متصنعاً البرود :
– يا ريت أنتى كمان تشوفى مستقبلك ومتعلقيش نفسك بوهم يا بيرى عن إذنك علشان زمان مراتى بتدور عليا دلوقتى 

أنفرجت شفتيها وهمت أن تعترض على حديثه ، إلا أنها رآت تلك الفتاة التى كانت جالسة برفقته قادمة إليهما ، ووقفت أمام عبد الرحمن 

فقالت بقلق :
– حبيبى كنت فين كنت بدور عليك هو فى إيه مالك قومت مرة واحدة وخرجت 

وضع عبد الرحمن ذراعه الأيمن حول كتفيها وجعلها تسير بجانبه ، فهتف بها بإبتسامة لم تصل لعيناه :
– مفيش يا حبيبتى يلا بينا ندخل جوا 

سارا مبتعدان عن مكان وجودها ، فألتفت وألقى عليها نظرة عابرة وهى مازالت واقفة مكانها متحجرة الساقين ، كأنها لن تستطيع الحركة ولو بعد ألف عام 

لم تحيد بناظريها عنهما ، حتى أختفيا من أمامها ، فحانت لحظة أنهيارها ، فأسندت ظهرها لإحدى الجدران ، ووضعت يدها على فمها ، لتكتم صوت بكاءها وشهقاتها ، ولكنها لم تتحمل هذا الوضع كثيراً ، فتعالت أصوات نحيبها على قلب ذاق مرارة الفقد ، وكل هذا بسبب أبيها ، الذى وإن كان يحرص على دلالها منذ مولدها ، إلا أن عندما أرادت شئ ضد رغبته ، فعل ما بوسعه ليضمن عدم حصولها عليها ، فكم كرهت الآن كونها أنها إبنته الوحيدة والمدللة 

فلولا ضرورة وجودها حتى يينتهى الحفل ، لكانت تركت كل شئ ورحلت الآن ، فهى علمت دلالة ما أخبرتها به حياء من شعور الألم والحزن والحسرة ،إذا رأت العاشقة معشوقها برفقة أنثى غيرها ، وهذا ما كان من أمرها الآن

لم يلتفت إليها ، بل قضى ما تبقى من الحفل جالساً مكانه ، يتحدث مع تلك التى تسمى زوجته ، كان شعورها اللامبالى والبارد الذى اكتسبته من أبيها ، لم يكن له وجود بتلك اللحظة ، فلا شئ يسرى بخلايا جسدها سوى نيران حارقة ولا شئ غيرها 

أبيها !

لما فعل به ذلك ؟ ولما أقدم على الكذب عليها وأخبرها بأنه رفضه فقط دون إيذاءه ؟ فأى دماء تسير بعروق أبيها تجعله قادراً هكذا على إيذاء من حوله ، فهى وإن كانت على علم ودراية بأفعاله الشيطانية ، إلا أن ما فعله بحبيها لن تستطيع تمريره بسهولة ، فهى كان يكفيها أن يتركها ولا يحاول الإقتراب منها ، بدلاً من أن تراه هكذا عاجزاً والسبب يعود لوالدها ولرفضه له ،فكم تريد رؤية أبيها الآن لتنفس به جام غضبها وحنقها ونزقها وضيقها وكل ما أعتراها بتلك اللحظة

فإنتهاء الحفل جاء تزامناً مع إنتهاء صبرها وشعورها بالإنهاك الشديد ، من كثرة الضغط الواقع عليها ، فهى حتى لم تنتظر لتتحدث مع العاملين لديها ، بل أسرعت بأخذ سيارتها وقادتها بأقصى سرعة للوصول للمنزل

– ليييييييييه ااااااااااه يا حبيبى ياريتنى كنت مُت يا عبد الرحمن ومشوفكش وأنت بالحالة دى ، ليه يا بابا لييييه

ظلت تصرخ بتلك الكلمات وهى تقود سيارتها ، حتى وصلت للمنزل ، فولجت للداخل كرياح شديدة ، ستقتلع المنزل من جذوره

فوقفت بمنتصف المنزل وهى تنادى بصوت جهورى :
– بااااااااابااااااا

خرج أدريانو من غرفته فزعاً على صياح إبنته ، فأصفر وجهه وهو يرى وجهها ملطخاً بأثار زينتها ، كأنها كانت بمأتم وعادت للتو

فأمسكها من كتفيها قائلاً بقلق :
– بيرى يا حبيبتى مالك فى إيه ومين اللى خلاكى تعيطى كده حد ضايقك قوليلى 

نفضت يديه عنها بقسوة ،ورفعت سبابتها بوجهه وهى تقول بتحذير من أنه يجب أن يصدقها القول والإجابة على ذلك السؤال الذى ستسأله له :
– بابا أنت عملت إيه فى عبد الرحمن ومتحاولش تكدب عليها لأن عرفت كل حاجة ، وإلا هقتل نفسى قدام منك دلوقتى 

على حين غرة ، سحبت سلاح أبيها النارى ، الذى أعتاد ان يحمله معه ، ووضعت فوهته على جانب رأسها ، وإصبعها على الزناد فعادت مستأنفة حديثها وتهديدها :
– قولى عملت فيه إيه ، وإلا ثانية كمان هتلاقينى جثة قدامك 

ربما تلك هى المرة الثانية فى حياته بأسرها يشعر بالخوف ، وضع يده على فمه بالبدء من رؤية أفعال إبنته الجنونية ، ولكن عاد ورفع يديه بإستسلام محاولاً تهدئتها قدر إمكانه :
– طب إهدى يا حبيبتى وأعقلى ونزلى المسدس 

جزت بيرى على أسنانها وقالت بنفاذ صبر:
– قولى عملت فيه إيه وليه ، خلاص هدوس على الزناد

رآى حركة إصبعها الضاغطة على الزناد ، فأتسعت مقلتيه ، فهتف بها سريعاً:
– خلاص هقولك على كل حاجة بس نزلى المسدس ، ثم أنتى قابلتيه فين هو مش موجود في إسكندرية أصلاً

– قابلته النهاردة فى حفلة الخطوبة وأكتشفت أن دراعه الشمال مقطوع فقولى ليه تعمل فيه كده

قالتها بيرى بصراخ كاد يصم أذنيه ، فرفع يديه يشير لها بإلتزام الصمت 

فأجابها بصوت كالصقيع :
– بتعلى صوتك عليا يا بيرى وعلشان مين علشان الواد ده ، أه أنا اللى عملت فيه كده وكويس أن مقتلتوش ، كان راكب دماغه ومش عايز يفهم أنه من المستحيل أجوزك ليه ، فقطعت إيده علشان تبقى قرصة ودن يفتكرها العمر كله ، ويعرف أن ادريانو إسكندر لما يقول كلمة مش لازم حد يراجعه فيها ، وبعد كده عرفت أنه سافر برا وعاش وأشتغل هناك ، بس معرفش أنه رجع شكله ناوى على موته المرة دى 

فوهة المسدس التى كانت تلامس بشرتها ، صارت الآن تعرف أين ستكون وجهتها ، فهى تنظر بالفراغ متحجرة النظرات ، كأنه تم نزع الروح منها ، فبضغطة واحدة على زناد المسدس ، أنطلقت رصاصة إستقرت بكتف أبيها من الأعلى ، ولم تفيق مما تفعله ، إلا على صوت الرصاصة المدوى وسقوط أبيها أرضاً ممسكاً بكتفه النازف ، فظلا يتبادلان النظرات بينهما ، نظرات مصدومة ونظرات معاتبة متألمة ، وكأن ما تعيشه بلحظتها تلك ماهو إلا كابوس ، فهى وإن كانت تمقت أفعاله ، إلا أنها لم تفكر يوماً بأن تجرؤ على إيذاءه ، ولكن هو من تخطى حدود العقل ، بأن لا يكفيه إبتعادها عن حبيبها ، بل تسبب له بعاهة مستديمة ، ستجعله يتذكر عشقه لها ، الذى تم الحكم عليه بالفشل وتركه بتلك الحالة ، فهو إن لم يرغب برؤية وجهها ، ستعطيه ألف عذر لأفعاله 
____________
جلست تهز قدميها بعصبية مفرطة ، فهى جالسة هكذا منذ ما يقرب من النصف ساعة تقريباً ، ولا تعلم أين ذهب ذلك المسمى زوجها ، الذى بات يتفنن فى إغاظتها ، وحرق قلبها بنيران الغيرة ببطئ شديد ، حتى وإن كانت لم تلاقى اللوم من أحد بالمنزل سواه ، إلا أنها فضلت الجلوس بمفردها ، تخشى أن تتفوه بكلمة وسط حديثها الغاضب والناقم من أفعاله ، التى يبدو عليها أنها أصبحت خارج نتاج سيطرتها ، ففكرت بأن تسبح قليلاً بالمسبح الواسع بالحديقة ، لعلها تهدأ من وجيب قلبها وتلك النيران التى تشعر بها 

فبدون تفكير قفزت بالمسبح بثيابها كاملة ، وظلت تسبح وتجوب المسبح من كل أرجاءه ، حتى أصابها التعب ، ففضلت أن تسترخى قليلاً ، وتركت جسدها يطفو على سطح الماء وأغمضت عينيها بإسترخاء تام 

وظلت تهمس بداخلها بلوعة :
– ياربى أنا هفضل مستحملة كل ده لحد أمتى يارب أفرجها من عندك يارب لأن خلاص مش قادرة أستحمل أكتر من كده

أثناء مروره من الحديقة بعد عودته ، رآى جسدها الطافى على سطح الماء ، فلم يمهل نفسه ثانية واحدة ، إذا قفز بالمسبح يخشى أن يكون أصابها مكروه ، فانتشل جسدها من الماء فشهقت بصوت مسموع ، وهى تراه يحملها بين ساعديه القويتين 

ظل يحملها بين ذراعيه وهو يحدثها بخوف :
– حياء مالك فى إيه أنتى كنتى هتغرقى ولا إيه ، بس أنتى بتعرفى تعومى فى إيه اللى حصل

وضعت رأسها على كتفه وذراعيها حول عنقه ، وقالت بإبتسامة :
– أنا غرقت من زمان يا راسل ، غرقت فى بحر عشقك 

ملامح وجهه الخائفة ، صارت حانقة فهو لم يكن بوضع يخوله بأن تمزح معه ، فالخوف سحق قلبه ، خشية أن يكون مسها سوء أو مكروه ، ومشاعره صارت متضاربة بتلك اللحظة ، من شعوره المتزايد بالإشتياق إليها ، ومن شعوره بالسخط على أفعالها معه 

– شاطرة أوى فى الكدب يا حياء
قال راسل بهمس وعيناه تتأملها وهى تضم شفتيها وتعود وتطلق سراحهما ، فشفتيها كالخمر المُحرم ، والتى يعلم كيف يكون مذاقها عندما تغشاه حالة من جنون العشق ويرتشف من رحيقها ، فمن المؤكد أنها دعته لأن يتذوق طعم الغرام ، ودعت أن لا يرتوى منه أبداً ، ويظل ظمأن لودها طالما قلبه ما زال يخفق بين ضلوعه

 ولكن هو غاضب منها بشدة ، ولكن أين هذا الغضب الآن ؟ فهو درئه عنه لأقصى غياهب العقل  ولم يجد ضرراً من عناق صغير ، خاصة وأن الحديقة خالية الآن من أى أحد بإمكانه أن يتلصص عليهما 

لم يعودا يشعران ببرودة مياه المسبح ، فذلك الدفء الذى سكنهما من تبادل عناقهما الشغوف ، جعلهما لا يدركان أين هما بالأساس ، فهى كأنها قبضت بيدها على النجوم بذلك الليل البديع ، الذى أرتدى حُلته السوداء ، وأرسل ضوء قمره المنير يضفى لوناً فضياً على سطح الماء 

ليلة جميلة وربما الأنسب لتذوب بها الخلافات بينهما ، فهى لم تعد تتحمل رؤية أنثى أخرى غيرها بجواره ، كم إشتاقت هى لمسكنها بين ذراعيه وغفوتها على صدره الصلب ، وتسمعه يهمس بأذنها بكلمات الحب 

ولكنه فصل العناق رغماً عنه ، فتمتم بأذنيها :
– شكلنا هيبقى وحش لو حد جه وشافنا كده 

حركت رأسها دلالة على أنها توافقه الرأى ، فأخرجها من الماء وخرج هو أيضاً ، والماء تقطر من ثيابهما ، وأخذها للداخل حتى وصلا لغرفتها ، فأمرها بأن تسرع بتبديل ثيابها حتى لا تصاب بإحدى نزلات البرد

ولكنها رأته يخرج من الغرفة ، فنظرت إليه قائلة بغرابة :
– أنت رايح فين

بدون أن يلتفت إليها ، أجابها بهدوء :
– رايح أوضتى أغير هدومى ولا عيزانى أخد برد وكمان هخرج مع إيلين نعمل شوبينج تيجى معانا

ذكره لإسم غريمتها كان كافياً لأن تدفعه هى خارج غرفتها وهى تصرخ به :
– مع السلامة أنت وهى ومش عايز أشوف وش حد فيكم 

رد راسل ببرود :
– براحتك يا روحى 

خرج من غرفتها ، ولكن عوضاً عن أن تجلس وتبكى وتنوح على حظها ، أغتسلت و أبدلت ثيابها سريعاً وخرجت من غرفتها متجهة لغرفته ، فبدون إستئذان وبدون أن تطرق الباب ،أدارت المقبض وولجت الغرفة تفتش عنه 

رآته خارج من غرفة الثياب يغلق أزار قميصه ، فألقى عليها نظرة عابرة ورفع يده يغلق زر معصمه متسائلاً:
– فى إيه يا حياء كنتى عايزة حاجة 

عقدت ذراعيها وهى تقول بغيظ :
– أخرتها إيه يا راسل مش شايف أن التمثلية دى بقى دمها تقيل أوى خلاص عرفت أنك بتعمل كل ده علشان تغيظنى إيه لازمة عمايلك دى مع إيلين ، وياريت تنسى اللى فات ونحاول نتأقلم على وضعنا الجديد ، بعد ما عرفت أهلى مين

وقف أمام منضدة الزينة وأخذ قنينة عطره ونثر منها بسخاء ، ونظر لها عبر المرآة قائلاً بهدوء مميت:
– تمثلية إيه يا روحى اللى بتتكلمى عليها ، هو أنتى مفكرانى بهزر بخصوص علاقى بإيلين ، لاء دى بقت واقع وخلاص هنتجوز قريب ، ومتقلقيش أنتى برضه هتفضلى زى ما أنتى مراتى وأم بنتى 

تهدلت ذراعيها بجانبها وهى تقول بتيه:
– هى دى بس مكانتى عندك يا راسل مراتك وأم بنتك ، مبقاش ليا أى قيمة تانية خلاص 

بتلك اللحظة ثار كبرياءها وكرامتها ، وتلك الوخزة بقلب بنات حواء ، التى وإن رضخت مرة لن ترضخ مرة أخرى ، فرفعت وجهها بأنفة وكبرياء وقالت بإعتداد بالنفس مستطردة :
– أنا مش هذل نفسى ليك تانى وإن كان على جوازك من إيلين أتجوز براحتك يا راسل ، بس قبل ما تتجوزها تطلقنى فاهم لازم تطلــ.....

قبل أن تعيد الكلمة على مسامعه مرة أخرى ، أخرسها بأن قبض على فكها أمراً إياها بإلتزام الصمت :
– هششش أسكتى ومش عايز أسمعك بتقولى الكلمة دى تانى فاهمة أنتى هتفضلى " حياء راسل النعمانى " لحد أنا ما أموت فاهمة 

أزاحت يده عن فكها ، وركضت خارجة من الغرفة ، وعادت لغرفتها ثانية بينما هو جلس على طرف الفراش ، وصدره يعلو ويهبط من شدة غضبه ، فعوضاً عن محاولتها لتصحيح أخطاءها وتخبره بما تخفيه ، تطالبه بطلاقها ، فالنجوم أقرب إليها من أن يمنحها كلمة الطلاق أو أن يتركها تبتعد عنه ثانية ، حتى وإن صار زوجاً لأخرى ثأراً لكبرياءه اللعين ، الذى لا يجعله يهدأ ولا ينعم بلحظة واحدة من الراحة كلما رآى وجهها ، فعندما يحاول إخماده ، يعود ويستيقظ معنفاً إياه على السعى والركض خلف قلبه 
______________
عاد للمنزل يحمل معه العديد من الحقائب ، التى تحوى ثياب لحديثى الولادة ، وألعاب ودمى ، وكل ما يمكن أن يحصل عليه طفل صغير منذ ميلاده ، حتى سنوات عمره الأولى ، دلف معتصم المنزل ، ووجه يختفى خلف تلك الحقائب الكثيرة التى يحملها ، إلا أنه رآى الطريق بصعوبة من شقى حقيبتين ، سار بحذر يخشى أن يسقط منه شئ ، إلا أن الخادمة التى هرولت إليه ، بعد رؤيته يلج للمنزل هكذا ، أسرعت بمساعدته ، وحملت عنه بعض الحقائب 

تنفس معتصم الصعداء ، بعدما تم تخفيف أحماله ، إلا أنه نظر للخادمة وهو يقول بحرص شديد:
– خلى بالك لحاجة تقع 

أجابته الخادمة وهى تبتسم :
– متقلقش يا معتصم بيه ييجى إن شاء الله البيه الصغير بخير وسلامة ويتربى فى عزك إن شاء الله 

أمن معتصم على دعاءها ، فنظر إليها متسائلاً :
– أنت عندك أطفال مش كده

هزت الخادمة رأسها بالايجاب وهى تقول بإستحياء :
– أيوة يا بيه عندى أربع أطفال ، بنتين وولدين أكبرهم فى الاعدادية والصغيرة لسه داخلة المدرسة السنة دى 

قال معتصم وهو يخرج ما بجيبه من نقود :
– بسم الله ماشاء الله ربنا يباركلك فيهم يارب ، طب خدى دول علشان تجبيلهم حاجة حلوة 

نظرت الخادمة للنقود ، فأخذتها منه بإستحياء ، ولسانها يلهث بالدعاء على أن يرزقه الله بالذرية الصالحة

وصلا للغرفة الخاصة به وبزوجته ، فأخبرته الخادمة ، أن والدة زوجته برفقتها بالداخل ، ولج معتصم الغرفة باسماً وهو يلقى التحية عليهما :
– السلام عليكم

ردت ولاء وإسعاد بإبتسامة :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

فأزدادت إبتسامة ولاء إتساعاً وهى تنظر لكل تلك الأغراض التى أشتراها معتصم ، فقالت بدهشة ممزوجة بسعادتها :
– إيه كل ده يا حبيبى

وضع معتصم ما بيده وهو يجيبها :
– دى حاجات علشان النونو لما ييجى بالسلامة ، علشان ييجى يلاقى باباه جايبله كل حاجة 

قهقهت ولاء وقالت وهى تسعل بخفة :
– محسسنى يا معتصم أنه جاي بكرة الصبح ، إهدى يا حبيبى مش كده دا أنا لسه فى أول الحمل 

– مش مشكلة علشان قيصر لما ييجى يلاقى كل حاجة موجودة

قالها معتصم بتفكه ، فهو رآى ملامح وجه زوجته المصدومة بعدما تفوه بذلك الإسم ، فهى قالته مرة من باب المزاح ، وليس من أجل أن يصبح إبنها يسمى بإسم " قيصر "

فغرت فاها وهى تقول بذهول :
– معتصم أنت بتهزر صح أكيد يعنى مش هتسمى إبننا قيصر 

أدعى الجدية وهو يقول بهدوء:
– فيها إيه يا حبيبتى لما أسميه قيصر حتى إسم مختلف كده ومش تقليدى

إبتسمت إسعاد على الحديث الدائر بين إبنتها وزوجها ، فهتفت بها بتفكه هى الأخرى :
– تلاقيه بيهزر معاكى يا ولاء أكيد طبعا لما ييجى إن شاء الله هنسميه "قلبظ"

– نعععععععم
صاحت ولاء بتلك الكلمة بعد سماع قول والدتها ، فعادت تكمل قولها :
– أقولكم مش هخلى حد فيكم يسميه ، أنا هخلي أبيه راسل هو اللى يسميه 

أمسكها معتصم من ثيابها ممازحاً :
– ليه متجوزة قفص جوافة ولا إيه مش هيبقى إبنى ده ولا إيه

مسدت ولاء على صدره بلطف محاولة إسترضاءه :
– أسفين يا باشا سيب هدومى وبلاش ماسكة الحرامية دى ، برستيجى قدام ماما بقى فى الأرض

قهقه ثلاثتهم على ذاك النقاش بينهم ، ولكن صمتت إسعاد فجأة ، كأنها تذكرت شيئاً ، فلاحظت ولاء صمتها المفاجئ ، وعيناها الزائغتان ، كأنها تشعر بتوتر 

فربتت على يدها متسائلة :
– مالك يا ماما سكتى مرة واحدة ، وباين عليكى كده قلقتى فى إيه 

إبتسمت إسعاد بتوتر ، وأخذت كف إبنتها بين يديها ، وهى لا تعلم كيف تخبرها هى وزوجها بما لديها ، وما أرجأته كثيراً خشية أن ترى رد فعلهما على ما ستقوله 

ولكن تنفست بعمق وقالت بهدوء فى حين أن قلبها يرجف بين أضلعها :
– هو الحقيقة يا ولاء كان فى موضوع مهم كنت عايزة أقولكم عليه أنتى ومعتصم بس الصراحة كنت مترددة وخايفة 

شعرت ولاء بالقلق ، فأحثتها على قول ما لديها :
– قولى يا ماما فى إيه علشان كده قلقت بجد 

حاولت إسعاد أن تبتسم ولكن فشلت في ذلك ، إلا أنها قالت بتوجس :
– هو الموضوع فى راجل محترم صاحب شركة من شركات العطور اللى كنت بتعامل معاها عرض عليا الجواز وأنا ما أخدتش قرار وكنت خايفة أقولكم 

قالت ما لديها دفعة واحدة ، وأنتظرت سماع قرارهما ، ولكن وجدت ولاء تتبادل النظرات مع معتصم ، فشعرت إسعاد بالندم لإخبارهما بذلك الأمر ، فهى كانت بنيتها الرفض ، ولكن لا تعلم لما أرادت معرفة رد فعلهما على ما قالته 

ولكن وجدت ولاء تطوق كتفيها وتبسمت قائلة بهدوء :
– وأنتى رأيك إيه يا ماما الأول علشان دى هتبقى حياتك أنتى مش حياتنا أحنا 

دعم معتصم قول ولاء :
– فعلاً ولاء بتتكلم صح ولو هو راجل كويس على خيرة الله ليه لاء وأنا كمان هجبلك أصله وفصله وهعرفلك عنه كل حاجة علشان نطمن أكتر 

أطرقت إسعاد برأسها أرضاً وهى تشعر بالحرج من قولهما ، ولكن هى لم تحيا سعيدة بحياتها الزوجية من قبل ، فهى عانت الأمرين مع حسان ، ولم تذق للسعادة والراحة طعماً وهى تحيا معه زوجة على الهامش 

فخرج صوتها خافتاً بحرج :
– هو كويس وكمان أرمل ومعندوش أولاد وعايش وحدانى ، أنا كنت ناوية أرفض قبل ما أقولكم ، بس قولت اشوف رد فعلكم ، ولو كنتوا رفضتوا كنت أنا هرفض

قبلت ولاء وجنة والدتها ، فهى خير من تعلم تلك المأساة التى عاشتها مع والدها ، فحركت رأسها بالإيجاب :
–أنا يا ماما أكتر واحدة عارفة حياتك كانت عاملة إزاى وتستحقى تحسى بالراحة والسعادة ومش أنا اللى هرفض حاجة زى دى لو أنتى فعلاً عندك الرغبة تكملى فى الموضوع فمبروك مقدماً

إحتضنت إسعاد إبنتها ، وربتت عليها بحنان وهى تدعو أن يتمم الله لها شهور حملها بخير ، وأن تضع مولودها بصحة وعافية ، فبعد إطمئنانها لعدم حزن أو ضيق إبنتها من أمر زواجها ثانية ، أقترحت على ولاء أن يشاهدوا كل ما جلبه معتصم من أجل المولود ، وكلما رأت صيحة إبنتها السعيدة برؤية الأغراض التى إشتراها زوجها ، تشعر بالراحة أكثر ، فهى تترقب هى الأخرى وضع ولاء لمولودها ، فيكفى أنها لم يكن مقدر لها رؤية إبنتها الأولى متزوجة 
_____________
منذ ذلك اليوم الذى جاء به لهنا يخبرهما بشأن مخططاته المستقبلية ، وهى لم تراه ثانية ، فهى الأخرى أعتكفت داخل غرفتها ، ولم تريد رؤية أحد ، أو رؤيته وهو قادماً يخبرهما بشأن إصطحابهما معه من أجل خطبته لأخرى ، فجلستها بوسط فراشها ، وهى تضم ركبتيها وتستند بمرفق ذراعها الأيسر عليهما وكفها يحتضن وجنتها وتنظر بالفراغ ، يجعل الرائى لها يظن أنها تنظر للحديقة عبر النافذة المفتوحة على مصراعيها 

نسمة هواء باردة تسللت إليها ، جعلتها تشعر برجفة خفيفة ، فالطقس بتلك الأيام ، أصبح يميل للبرودة معظم الأحيان ، فأيام الشتاء قادمة ، وكثيراً ما أحبت ذلك الجو الذى يجمع بين الدفء و البرودة ، رغم أنها لا تحب الطقس الشتوى القارص البرودة ، ولا الطقس الصيفى شديد الحرارة 

رفعت أنامل يدها اليمنى ومررتها على شفتيها ، كأنها تتذكر تفاصيل عناقه لها ، فمازالت تشعر بطعم ودفء العناق ، كأنها حصلت عليه لتوها ، ولن يعود بمقدورها أن تتذوقه ثانية 

– ههههند
تلك الصيحة المنادية لها ، جعلتها تجفل على نحو أكثر ، إذا سمعت صيحة والدتها المتكررة ،كأنها تستغيث وأن تأتيها على وجه السرعة

فقفزت من الفراش ، وخرجت من الغرفة وهى تركض ، هبطت الدرج وهى تهرول بخطواتها حتى وصلت للصالة ، وجدت والدتها جاثية بجوار أبيها ، الذى يبدو عليه أنه مغشياً عليه 

فأقتربت منهما وجثت على ركبتيها وهى تسأل بخوف :
– ماما فى إيه بابا ماله ؟ إيه اللى حصله 

بكت والدتها وهى تقول بنواح مكتوم :
– مش عارفة يا هند كنا قاعدين بنتكلم وقال قايم أجيب حاجة من المكتب فوقع من طوله معرفش إيه اللى حصل 

حاولت هند إفاقته فلم تفلح ، فهاتفت الإسعاف الذى جاءها على وجه السرعة ، فتم نقل أبيها للمشفى ، فظلت واقفة هى ووالدتها خارج الغرفة ، لحين خروج الطبيب ليخبرهما بما يعانيه أبيها 

فعندما رأته خارجاً من الغرفة ، أقتربت منه على وجه السرعة وهى تسأله بلهفة :
– بابا ماله يا دكتور وعامل إيه دلوقتى 

رد الطبيب قائلاً بمهنية :
– السكر عنده عالى جدا إزاى ساب نفسه لحد ما وصل لكده

نظرت هند وأمها لبعضهما البعض وردت هند قائلة بغرابة :
– السكر ! بابا معندوش السكر يا دكتور 

فحولت بصرها عنه ونظرت لوالدتها مستطردة :
– هو بابا عنده السكر يا ماما وأنا معرفش 

أجابتها والدتها وهى تقول بدهشة هى الأخرى :
– ولا أنا كنت أعرف بالموضوع حصل ده إزاى ، المهم دلوقتى هو عامل إيه يا دكتور طمنا عليه

رمقهما الطبيب قائلاً بهدوء :
– هو هيفضل هنا شوية علشان نظبطله السكر ، لأن الارتفاع المفاجئ فيه ده غلط ولازمه عناية 

ما كاد الطبيب يبتعد ، حتى رأت هند زوجها يهرول عبر الرواق للوصول إليهما ، فهى ظنت أنها لن تراه ثانية ، إلا عندما سيمنحها الطلاق ، ولكن فكرت من أخبره بما حدث لأبيها ؟

وصل كرم لهما ، فسأل خالته بلهفة :
– خالتو فى إيه وعمى ماله ألف سلامة عليه 

شدت خالته على يديه ومسحت عبراتها النازفة على خديها :
– تعب شوية والدكتور قال لازم يفضل هنا فى المستشفى معلش يا حبيبى أتصلت عليك وقلقتك

أجابها كرم وهو يقبل يدها :
– متقوليش كده يا خالتو أنتوا متعرفوش غلاوتكم عندى أنتى وعمى 

دائماً يسثنيها من قائمة أحباءه ، فأبتعدت وجلست على أحد المقاعد عاقدة ذراعيها ، تحدق بالمارة ولم تحاول جذب الحديث معه ، فهى لا تريد أن ترى سعادته بشأن خطبته المرتقبة ،أو أنه سيتخلص من رابط الزواج بينهما ، لذلك فضلت الصمت التام ، كأنها صارت بكماء 

ولم تترك مكانها إلا عندما نادتها والدتها وأخبرتها بشأن عودتهما للمنزل ، ولكن سيرافقهما كرم ، فهو لن يتركهما بمفردهما خاصة بذلك الوقت 

 سار بجانب خالته ، يلقى عليها نظرات خاطفة من وقت لأخر ، وكأن الكون كله يتأمر عليه بأن يظل قريباً منها ، فعندما كان بصدد ترتيب حقيبته للعودة للأقصر ، جاءه إتصال هاتفى من خالته تخبره بأن زوجها سقط مريضاً وهو بالمشفى ، فلم يفكر وقتاً طويلاً ، إذ وجد نفسه يهرول خارج شقته بطريقه إليهما ، ولم يعد يفكر بشئ سوى أن خالته وزوجته بمحنة الآن ، ويجب عليه أن يكون هو سندهما بهذا الوقت 
_____________
 من خلف الباب المغلق ، أخبرتها الخادمة بمجئ خالها وزوجته من أجل زيارتهما ، فحاولت أن تجعل زوجها يفيق من غفوته ، التى أدركته بعد قضاء وقت لطيف برفقتها ، فإن كان النعاس خدعه وجعله يغرق بنوم هادئ ، إلا أنها هى ظلت مستيقظة تنظر فى وجهه بتمعن وحيرة ، فهى تشعر بالحيرة الشديدة ، من أنها صارت تحبه هكذا بتلك المدة القصيرة ، فما المميز به جعلها تشعر بحبها سريعاً له ، هل ذلك عائداً لأنه وسيم ذو شخصية جذابة وقيادية ، كذكر الذئب الذى يقود القطيع ، فارضاً هيمنته على من حوله ، ويتبعونه دون معارضة ، وهى أنثاه الوحيدة ، التى لا يرى غيرها ولا يجعل غيرها رفيقته 

مررت أناملها على لحيته الكثيفة وهى تناديه بهمس ناعم :
– عمران عمران حبيبى أصحى يلا خالو وغزل موجودين تحت 

تململ برأسه على الوسادة قائلاً بنعاس :
– أنا عايز أنام يا ماسة ملحقتش أنام ، أنتى كنتى مطيرة النوم من عينى

قال عبارته وجذبها إليه ، فاليوم هو يوم عطلته عن العمل ، لذلك أراد قضاء اليوم برفقة زوجته ، ولم يضع مخططه لرؤية أحد ، أو الخروج من غرفته، ولكن علمه بمجئ غزل ، كان ذلك أدعى بأن يطرد النعاس عن جفونه وينهض من فراشه ، فأطلق سراحها من بين ذراعيها ، وبعد إنتهاءهما من إستعدادهما لمقابلة غزل وعاصم ، خرجا من الغرفة تتأبط ذراعه بتملك ظاهر ، تاركاً إياها تمارس أمور دلالها التى تذهب عقله 

وصلا إلى غرفة الصالون ، فصاحت ميس بسعادة : 
– خالو نورتوا البيت 

أقتربت من خالها تحتضنه وأحتضنت غزل بمودة ، وأقترب عمران مصافحاً لعاصم ، ومقبلاً لغزل على وجنتيها 

فضحك عاصم قائلاً :
– لقينا نفسنا فاضيين جينا نرخم عليكم شوية ، هو فين معتصم ومراته 

ردت ميس قائلة وهى تضع ساق على الأخرى :
– معتصم وولاء خرجوا وزمانهم راجعين دلوقتى 

أنكشف جزءًا من ساقيها ، ففغر عمران فاه وهو ينظر لها ، فكيف غفل كل هذا عن ثيابها القصيرة ، فبإشارة واحدة من عيناه ورأسه ، أرسل لها رسالة بضرورة إنزال قدمها أرضاً

بالبدء لم تفهم ميس محتوى نظراته ، إلا عندما وجدته يشير بعيناه لساقيها ، فوضعت قدمها أرضاً وشدت طرف ثوبها ، كأنها تشعر بتأنيب نظراته لها 

حول نظره عنها وهو ينظر لغزل بحنان :
– عاملة إيه يا غزل وحشانى أوى 

أجابته غزل بإبتسامة ووداعة :
– الحمد لله يا حبيبى ، وأنتوا كمان وحشتونى فجيت أشوفكم من يوم خطوبة راسل مشوفتش حد فيكم غير ميس 

تشابكت أصابع ميس ببعضها وهى تقول بجدية :
– هو لسه راسل مكمل فى جنانه وهيتجوز فعلاً إيلين

– ما أنتى عارفة عمك وجنانه ، هو ده حد بيقدر عليه

قالها عاصم وهو يفكر فى حال إبن عمه ، فتلك المدة التى مكثها راسل معهما بالقصر ، كان يراقبه عن كثب ، وعلم مدلول أقواله وأفعاله الناتجة من شعور عاشق بالقهر من معشوقته 

تنهدت غزل بصوت مسموع وهى تقول :
– المشكلة أن الموضوع بينه وبين مراته مش عارفين رايح على فين وكمان مستغربة أن جدك ساكت على اللى بيحصل ، بالرغم من أن اللى عرفته وفهمته أنه حابب راسل يرجع لحياء ، بس إيه اللى مسكته على عمايل راسل مش عارفة وهو ده اللى محيرنى 

سمع عاصم رنين هاتفه ، فترك مكانه وبعد أن أنهى مكالمته ، عاد إليهم قائلاً بإعتذار لزوجته :
– غزل لازم أروح الشركة دلوقتى ضرورى خليكى هنا وهرجع أخدك ماشى

أماءت غزل برأسها وقالت بنعومة :
– ماشى يا حبيبى 

خرج عاصم من المنزل ، وجلست غزل تتحدث مع ميس وعمران ، فبعد ذهاب ميس لتوصى بتحضير العشاء لحين عودة خالها ، خرجت غزل للحديقة تتأبط ذراع عمران ، فهى تريد الإطمئنان على أحواله مع زوجته

فجلسا على أريكة خشبية أسفل إحدى الأشجار ، فسألته غزل بإلحاح :
– عمران قولى أخبارك إيه مع ميس لسه بتفكر فى موضوع الانتقام ده ولا اقتنعت أن هم ملهمش ذنب فى اللى حصلنا زمان والبنت اللى إسمها ليالى دى عملت معاها إيه

زفر عمران بقوة قائلاً:
– ليالى أخر مرة شوفتها فيها لما قالتلى أنها بتحبنى وطلبت أتجوزها وأنا رفضت وقولتلها أنا متجوز وبحب مراتى ، وعرفت أنها سابت الشقة ومعرفش راحت فين ، بس تصدقى خايف يكون حصلها حاجة أو يكون حد أذاها ، لأن لما سألتها على أن لو نادر ونصر كان فى حد وراهم وحرضهم على اللى عملوه فى راسل ، قالتلى أن فى راجل كبير أوى ساندهم بس متعرفش هو مين ، وبالنسبة لميس أنا لا بفكر فى الانتقام ولا حاجة ، أنا فعلاً بحبها يا غزل ولو كنت الأول كنت عايز أتجوزها علشان أنتقم ، بس دلوقتى لاء وخصوصاً أنها هى كمان حبتنى بس عارفة أنا خايف من إيه

رمقته غزل وقالت بقلق :
– خايف من إيه يا حبيبي مش بتقول أن هى كمان بقت بتحبك

وضع عمران وجهه بين كفيه مدمدماً :
– خايف ميس تعرف أن كنت متجوزها علشان أنتقم من عيلتها فيها على اللى حصل لعيلتنا ، وأن هى لما تحبنى أنا هكسر قلبها ، أنا كنت بخطط لكده من أول ما شوفتها وعرفت هى تبقى مين

صوت سقوط تلك الأكواب والصينية التى كانت تحملهم ، جعله يزيح يديه من أمام وجهه ، فوجد ميس تقف متصنمة بوقفتها وخضراوتيها متسعتان على أخرهما ، فتحققت مخاوفه وهاهى الآن من المؤكد سمعت ما قاله 

ترك مكانه على وجه السرعة وخطى بخطاه تجاهها ، فقبل أن يضع يده عليها ، رفعت هى يدها حائل بينهما ، فتساقطت دموعها من مقلتيها وهى تقول بصدمة :
– أنت يا عمران ! يعنى كنت عايز تنتقم منى لأهلك ، كنت واخدنى وسيلة تحقق بيها إنتقامك ، يعنى أختارت فريستك الضعيفة وأنا برضه اللى كنت مستغربة من تصرفاتك معايا كنت شوية كويس وشوية تصرفاتك مش مفهومة ، دلوقتى أنا فهمت

حرك رأسه بعنف رافضاً قولها ، فقال بصدق :
– لاء مفهمتيش يا ميس صدقينى يا حبيبتى والله جايز ده كان تفكيرى فى الأول بس أنا فعلاً بحبك حتى أسألى غزل ، أسألى قلبك أكيد مش هيكدب عليكى ، أنا والله بحبك 

لم تستمع لأى كلمة قالها ، فعندما حاول ضمها إليه ، دفعته عنها ، كأن ضمته لها التى كانت تتحين الفرصة لها ، وأن تكون أسيرة ذراعيه ، ستكون بمثابة خنقها وزهق أنفاسها ، فصارت لا تطيق إقترابه منها ، كأنه على وشك حرق جلدها إذا حاول لمسها ، وعندما حاولت غزل جعلها أن تفهم حقيقة الأمر ، تركتهما ودلفت للداخل ومنه لغرفتها ، فبكت وهى تجر حقيبة ثيابها لتلملم أغراضها ، فهى لن تمكث برفقته دقيقة أخرى ، فهى ستعود لمنزل جدها ، الذى ظنت بالأونة الأخيرة ، أنها لن تعود إليه إلا زائرة 
______________
إنتفاضته من مكانه فجأة ، جعلته يشعر بالألم الشديد بكتفه ، ولكن عندما أخبرته الخادمة بمجئ والدته وزوجها ، كان ذلك أدعى أن ينتفض من مكانه كالملدوغ بلدغة قوية من أفعى سامة ، فما الذى جاء بهما لهنا ؟ وكيف يجرؤ ذلك الحقير المسمى زوج والدته ، بأن يأتى لرؤيته بمنزل أبيه ، والذى أصبح هو مالكه الآن شأنه شأن كل ما تركه والده من إرث وثراء ، فهو وريثه الوحيد ، وأصبح يمتلك القوة والمال ، بل أصبح يمتلك رجالاً يمثلون تشكيل عصابى من الطراز الأول

خرج من غرفته يسرع الخطى ، كأن الشياطين تدفعه دفعاً لينهى تلك الخطوات الفاصلة بينه وبينهما ، فهبط الدرج بسرعة البرق ، حتى وصل لمكان جلوسهما بغرفة المعيشة

– أنتوا إيه اللى جابكم
قالها عمرو بجفاء ، جعل والدته تقطب حاجبيها وتنظر له بغضب طفيف على إستقباله الجاف لهما والغير مهذب على الإطلاق، فزجرته والدته بنظرة غاضبة من عينيها 

فقالت وهى تريح عظامها من عناء السفر:
– دا بدل ما تقولنا حمد الله على السلامة يا عمرو ، ثم إيه قلة الذوق بتاعتك دى فى حد يقول لمامته والراجل اللى فى مقام باباه ايه اللى جابكم 

– أنا أبويا مات ومليش أب غير اللى مات ، وده بالذات مستحيل أعتبره فى مقام حد
قالها عمرو وهو يحدج زوج والدته بنظرات نارية ، فشيطانه يوسوس له الآن بأن يسحب سلاحه النارى وأن يطلق عليه الرصاص ، بل سيفرغ به الطلقات كاملة ، حتى يخر صريعاً ، وربما وقتها سيشفى غليله وحقده على ما فعله به منذ صغره 

وضعت والدته حقيبة كتفها على المنضدة أمامها فقالت وهى تنظر له بتمعن :
– طالما باباك مات مرجعتش أمريكا ليه تانى ولا عجبتك القاعدة هنا ، أحنا قلقنا وجينا نطمن عليك

نظر زوجها بأرجاء المنزل وقال بإبتسامة جشعة :
– بس باين أبوك سايبلك ورث كبير أوى دا البيت لوحده تلاقى تمنه ملايين

مسد عمرو على ذراعه المعلق بعنقه ، فإبتسم بشر ونظرة شيطانية :
– لو قولتلك سايبلى ورث قد إيه مش هتصدق ومش سايبلى ورث بس لاء وحاجات تانية كتير هتنبسط منها أوى

بادله زوج والدته النظرات ذات المغزى المقزز ، فلم يدرأ عمرو نظراته عنه ، بل تركه يفعل ما يفعله ، ولا يعلم ماذا يخطط له بعقله ، فهو سيتفنن بأخذ حقه منه ، بل سيجعله يتوسله أن يقتله ليريحه من عذابه

فخرج من أفكاره وشروده على قول والدته :
– مش ناوى بقى تتجوز يا عمرو ، بما أنك شكلك ناوى تقعد هنا على طول ، فعايزة أطمن عليك

بتلك اللحظة قهقه زوج والدته بصوت مسموع ، فتعجبت زوجته من فعلته إلا أنه أبدى أسفه قائلاً بحنكة :
– سورى يا حبيبتى أفتكرت حاجة وضحكت عليها ، بس فعلاً يا عمرو يا حبيبى مش ناوى تتجوز وتخلف وتملا البيت الكبير ده عيال 

أحمر وجه عمرو إثر إحتقانه بدماء الغضب والإشمئزاز من رؤية وجه زوج والدته البغيض ، إلا أنه حاول أن يجارى سخريته منه :
– ماهو يا ماما هتجوز فعلاً بس كنت مستنى يعدى فترة على موت بابا أصل يبقى عيب أنه لسه ميت من فترة قصيرة وأتجوز أنا وأعمل فرح ، بس مقولكيش يا ماما لقيت بنت هتعجبك أوى وخصوصاً أنها عاملة زى القطة المغمضة ، بس مشكلتها أنها لسه صغيرة شوية فى السن دى لسه هتدخل الجامعة ، هى لسه فى الثانوية ، بس مش مشكلة 

إسترسل بحديثه وهو لا يعى عن أى سخافة وحماقة يتحدث هو ، فمواصفات تلك الفتاة التى يشيد بها لم تكن لأحد سوى تلك الفتاة المسماة سهى والتى عمل على إنقاذها 

 ولكن كأن والدته أنتبهت على حالته أخيراً فنظرت إليه متسائلة :
– مال دراعك يا عمرو أنت متعور ولا إيه 

رد عمرو ببرود :
– دى حاجة بسيطة متشغليش بالك أنتى يا ماما أتفضلوا أرتاحوا أنتوا

نادى عمرو إحدى الخادمات لتصطحبهما لإحدى الغرف ، فأسرعت الخادمة بتنفيذ أمره ، وتبعتها والدته فى حين تباطئ زوجها بالسير خلفها ، ووقف بجوار عمرو ينظر له بتسلية ، كأنه على علم بأنه يكذب بشأن تلك الفتاة التى ينوى الزواج منها ، وكأنه يتحداه أن ينفذ قوله ، فإبتسامته التى تجلت بها شماتته ، جعلت دماءه تسير حارة بعروقه ، وكأن اللعبة ستأخذ منحنى أخر ، فمن أين أتى له هذا الشيطان ، الذى وضعه على أول طريق الضياع والتيه ؟ ولكن ربما تلك فرصة مناسبة ليقتص منه على أفعاله ويأخذ منه ثأره
_____________
خرجت من المنزل خلسة بدون أن ينتبه عليها أحد ، واستغلت الوضع القائم بالقصر ، من إنشغال الجميع بعودة ميس من منزل زوجها وهى تجر خلفها حقيبة ثيابها ، ورفضها أن تتحدث مع أحد أو رؤية زوجها والإستماع إليه ، فهى أرادت الانتهاء من تلك المقابلة المُلحة 

فبعد إنتهاءها وعودتها ، خشيت بأن يعلم زوجها بشأن خروجها ، أو أن يكون بحث عنها أثناء غيابها ، فلو حدث هذا ، فمما لاشك فيه أنه سينشب بينهما مشادة وربما تلك المرة ، لن يحجم نفسه عن ضربها ، فصعدت الدرج الخلفى حتى وصلت للسطح 

فركت يدها بتوتر وهى تقوله بأمل :
– يارب راسل ميكنش عرف أن خرجت من وراه

إسندت يديها على السور العريض ، ونظرت للأسفل وجدت راسل يجوب الحديقة بحالة أشبه بالجنون ، فخفق قلبها هلعاً 

فأنكمشت ملامح وجهها بتوتر :
– يا خبر أبيض شكله عرف أن خرجت شكل النهاردة يوم مش هيعدى بالساهل 

لم يكن البحث عن مكان وجودها شيئاً يسيراً ، فهو بحث بأرجاء القصر كافة فى سبيل إيجادها ، ولكن قبل أن يأخذ اليأس حيزاً كبيراً بنفسه المستاءة ، كانت عيناه ترصدها وهى تقف بالأعلى ، هناك على سطح القصر ، تقف عاقدة ذراعيها وتحدق به ببرود ، كأنها كانت سعيدة بجعله يكلف نفسه عناء البحث عنها 

رآته يلج لداخل القصر فى طريقه للصعود إليها ، وشياطين العالم كافة تسير بآثره ، فهو لن يمرر لها الأمر هذه المرة ، بتلك السهولة التى تظنها ، فهو لن يجعل قلبه يجبن أو يضعف أمامها 

– حيااااااء 
ناداها بغضب ، يكاد يشعر بأن عظام أصابعه على وشك الكسر ، من تكوير قبضتيه ، وصدره يعلو ويهبط بنيران على وشك إحراقها 

حانت منها إلتفاتة عابرة إليه ، فعادت ونظرت أمامها ثانية وهى تتنهد بشجن لرؤية القمر يتوسط السماء ، باعثاً أنواره الفضية على الأرض 

أرادت سكب المزيد من وقود عدم إكتراثها ، لتشتعل نيران غضبه أكثر ، فردت بجفاء :
– نعمين يا راسل جاى عمال تزعق ليه صحتك يا حبيبى

كاد ذراعها ينفصل عن كتفها ، من قسوة جذبه لها ، لتنظر إليه ، فلم يأبه لأنينها المتألم ، فقال من بين أسنانه بغيظ:
– أنتى ليه بتعملى كده ، عمايلك دى علشان تحمى مين يا حياء ، مين اللى خرجتى من البيت علشان تقابليه أنطقى 

أزاحت يده عن ذراعها ، وحاولت قدر إمكانها تدليك مكان شعورها بالألم وهى تقول بتحدى أتقنت فى مزجه مع برودها وهى تبتسم :
– مالك بس يا حبيبى إهدى خالص شكل أعصابك اليومين دول تعبانة خالص كده هتقلقنى عليك يا قلب حياء 

تحاول إختبار صبره ، ولكنها لا تعلم أن عواقب أفعالها ستكون وخيمة ، ولكن ليحاول للمرة الأخيرة بأن يكون متحضراً قدر إمكانه ، فأعاد سؤاله ثانية :
– دى أخر مرة هسألك مين اللى خرجتى من القصر علشان تقابليه يا حياء وده أخر تحذير ليكى

إستندت حياء على السور المنخفض قليلاً ، وهى تحرك كتفيها بدون إكتراث ، بل أغمضت عينيها تشعر ببرودة النسمات على وجهها ، فسرعان ما فتحتهما وهى تقول ببرود وصوت خالى من الشعور :
– أنا بقول تنزل تنام يا راسل شكلك مجهد ولا تحب تقعد معايا فى الهواء الطلق الهوا النهاردة حلو أوى ومنعش ولا تحب ننزل نقعد فى الجنينة

أبتعدت عن السور ، ونظرت إليه بطرف عينيها ، وهو يقف بجانبها جفنيه حمراوين ، وعيناه متسعتان ، كأنه ينظر بالفراغ وليس كونه يحدق بوجهها ، فألتوى ثغره بإبتسامة قائلاً :
– مفيش مانع ننزل الجنينة بس هتنزلى من هنا أسرع يا حياء 

أنهى عبارته وهو يجذب يدها ، فظنت أنه سيجرها خلفه ، ولكنها لم تضع بحسبانها أنه سيدفعها ناحية السور ، فطاح جسدها فى الهواء وهى تصرخ بإسمه :
– رااااااسل



٤٣–" أنفاس تذوب شوقاً "

أفترشا الأرض وأسند راسل ظهره للسور ، تتصاعد رأسها وتهبط ، تزامناً مع صعود وهبوط صدره ، وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة ، جراء وقوفه أمامها ليتلقى جسدها بين ذراعيه ، ويحول بين سقوطها من على السور ، فإختلال توازنهما سوياً كان ولا شك سيودى بحياتهما معاً ، فهى بإمكانها سماع دقات قلبه النابضة بخوف شديد ، وهى واضعة رأسها على صدره مستكينة وعيناها تتساقط منها الدموع ، فكلما تتذكر ما حدث معهما منذ برهة ، تعود وتقبض بيديها على كتفيه ، كأنها تريد التأكد من أنه مازال هنا وأنهما مازالا على قيد الحياة ، بعد ما كادا يسقطان بالحديقة ، فلو كان حدث هذا ، كانا سيلقيان حتفهما على الفور ، فالمسافة بين الأرض والسطح بعيدة وتقدر بعدة أمتار ليست بالقليلة 

سالت دموعها على عنقه وهى دافنة وجهها بتجويفه ، فقالت وصوتها مازال يرتعش بخوف :

– ليه كده يا راسل ، معقولة كنا هنموت إحنا الاتنين دلوقتى

فصيحتها المنادية بإسمه ، لم تكن سوى صرخة خوف وهى ترى ظهره منحنى على السور ، تزيد هى من إحتمال سقوطه ، وهو متشبث بها بين ساعديه ، إلا أنها أسرعت بالابتعاد لتخفف من ضغطها على جسده ، فالله أنقذهما إذ كان السور بالإرتفاع المناسب ، الذى مكن راسل من إنقاذها وإنقاذ نفسه ، فإحتمال سقوطه كان وشيكاً نظراً لطوله الفارع 

أغمض عينيه بإرهاق قائلاً بخفوت :
– الحمد لله أنها عدت على خير

أنتظر ريثما إستعادت هدوءها ، فحدق بها بتعبير مبهم ، وخشيت هى أن تمعن النظر بوجهه ، فكيف وصلا إلى تلك الحالة ؟ 

فقال وهو يحل أزرار قميصه الأولى ، كأنه يشعر بالإختناق :
– يعنى فضلتى تستفزينى يا حياء وتعملى عمايلك دى لحد ما قربتى تجننينى وخلتينى فقدت أعصابى بس لو بتفكرى أن كان ممكن أذيكى بحاجة زى دى تبقى غلطانة 

ردت نظرته لها وهى تقول بصوت جاف :
– كنت بتحاول تخوفنى مش كده علشان تبينلى أنك تقدر تأذينى فى الوقت اللى أنت عايزه يا راسل ، بس كده كان ممكن تموتنى 

قبض على كتفيها وأبعدها عنه بجفاء ، فهو ممتعض من نفسه ومنها ومن كل ما يحيط به ، فأنفاسه صارت تسبب له الضيق ، فما بال رؤيته لنظراتها التى أشبعته إتهاماً بأنه كان قاصداً بث الرعب بنفسها ، ولكن ليست تلك الحقيقة ، فهو كان يحسب حساباً لكل فعل يصدر منه بحقها ، وهو ليس معتوهاً ليجعلها تلقى حتفها هكذا ، فإن كان جعلها تظن ذلك ، فهو كان على علم ودراية بأنه قادراً على إنقاذها قبل أن يمسها سوء ولكن ربما أخطأ بتقدير طوله وأرتفاع السور ، لذلك كان من المحتمل أن يسقطا سوياً

عبس راسل بوجهها وقال بإنفعال :
– لو اللى بتفكرى فيه ده صح ، كنت أنا كمان هقع معاكى يعنى مكنتيش هتموتى لوحدك ، وإحتمال كنت مت قبل منك وياريت ده كان حصل خلينى أخلص من حياتى اللى خلاص زهقت منها 

ترك مكانه ونفض ثيابه من الأتربة العالقة بها ، وتركها جالسة مكانها وهبط الدرج مهرولاً حتى وصل للحديقة ، رأى إبنته تركض هنا وهناك خلف هرة صغيرة ، إبتاعها لها بعد إلحاحها الشديد 

فجلس أسفل إحدى الشجيرات ، وأسند ظهره ورأسه لها ، فأغمض عينيه يلعن نفسه مراراً وتكراراً على تفكيره وعلى تلك الحالة من الضعف التى سكنته 

فلما يصر على تعذيب نفسه هكذا ؟

أفمن أجل قلبه وذلك الشعور النابض به ، صار يلتمس لها العذر تلو الآخر ، فتارة عصبى وتارة يحاول ممارسة الهدوء ، وهى بكلتا الحالتين أفعالها لا تفى بالغرض المطلوب منها ، من أن تحاول إعطاءه الجواب الذى يريح قلبه وعقله ، ولكنها صارت متمكنة من تعذيبه ، بل تجعله يرقص على ألحانها ، فما عليها سوى إظهار وداعتها وتذرف بندقيتها الدموع ، ويجد قلبه ينشق لنصفين لمجرد بكاءها ، ولكن إلى متى سيظل ضعيفاً قبالتها ؟ فحتماً لو إستمرت بأفعالها تلك ، سيأتى الوقت ويتهدم كل شئ بينهما ، ولن يكون الإكتفاء بجلب زوجة أخرى ، بل ربما سيصير الفراق حتمياً

شعر بثقل على ساقيه ، ففتح عيناه على الفور ، ووجد صغيرته تطالعه بزرقاوتيها الوديعة وهى تبتسم إبتسامة صافية من شأنها أن تنسيه همومه ولو مؤقتاً

رفع كف يده العرض ، ووضع خصيلاتها الناعمة المنسدلة حول وجهها خلف أذنها ، فقبل وجنتها المكتنزة والمشربة بحمرة حفيفة ، تضفى عليها رونقاً خلاباً كقطعة الحلوى

رفعت سجود يديها ورمقت والدها بحب وناولته تلك الزهرة البيضاء ، التى قامت بقطفها من الحديقة ، وهى تقول بشغب طفولى محبب لنفسه العاشقة لها :

– بابى الوردة دى إسمها سجود مامى قالتلى كده

 بعد ذكرها لحياء ،أختفت إبتسامته التى كانت تزين محياه منبسط الأسارير بعد تلك اللحظات التى كانت أشبه بالمحنة 

فعاد وإبتسم بدون مرح قائلاً :
– أه يا روحى أنتى أحلى من الوردة وأنتى وردة بابى ودنيتى كلها 

– هى بس
هاتان الكلمتان الصادرتان من إيلين وصلت لمسامعه وجعلته يحيد بناظريه عن وجه إبنته ، ليمنح تلك المتحدثة إنتباهه على قولها 

فبعد جلوسها بجوارهما ، رأت إيلين كيف كان جالساً يضم صغيرته كأنها جوهرة نفيسة أو كنز ثمين ، فبتلك المدة القصيرة التى عاشتها هنا ، إستطاعت معرفة قوة تلك الرابطة بينه وبين صغيرته ، ومتعجبة قليلاً من أنه شغوفاً بحب إبنته على الرغم مما حدث من والدتها الحقيقية بحقه ، عندما أخبرها بشأن زيجته الأولى

داعبت وجنة سجود التى إبتسمت لها وسرعان ما أخفت وجهها بصدر أبيها لشعورها بالخجل ، فإبتسمت إيلين بدورها وهى تقول بصوتها الناعم الرقيق:

– عسولة أوى سجود واللى عنده بنت زيها مظنش أنه يفضل زعلان ومكشر ومهموم كده على طول ، كفاية أنك تبص فى وشها الجميل ده وتنسى كل مشاكلك

ضم صغيرته إليه أكثر ، فهى محقة بشأن كل ما قالته ، ولكن قلبه مقسوم لشطرين أحدهما خاص بصغيرته والأخر خاص بمعشوقته العنيدة ، والتى لن تهدأ وتكف عن أفعالها ، إلا إذا صارا كندين متواجهان بحرب ضارية وربما تنتهى بنهاية أحدهما 

قبلة رقيقة ومحبة وضعها على رأس صغيرته ، التى يبدو أنها تتهيأ للنعاس ، وعلم ذلك من كونها كفت عن حركتها المفرطة ، وأسندت رأسها لصدره بوداعة ولا تثرثر أو تحاول جذب إنتباهه مثلما تفعل 

فناداها همساً :
– سيجو أنتى هتنامى يا روحى 

حركت الصغيرة رأسها بالإيجاب ، فقالت إيلين وهى تمد يديها لحملها :
– أنا هوديها أوضتها علشان تنام 

ما كادت إيلين تضع يديها على الصغيرة ، حتى وجدت يدان تمسكان بمعصميها بقوة وحزم ، فنظرت إيلين بجانبها وجدت حياء منحنية إليها ، تناظرها بعداء سافر ، تراه بعيناها لأول مرة منذ مقابلتهما 

كزت حياء على أسنانها وقالت بتحذير وتحدى :
– متحاوليش تقربى من بنتى تانى مفهوم ، كفاية هسيبهولك هو متبقيش طماعة بزيادة 

نفضت حياء يد إيلين ، ومازال راسل ينظر لها بتعجب ودهشة من هجومها الغير مبرر إلا تحت بند الغيرة ، فإن كانت تغار هكذا فلما تترك الأمور تأخذ ذلك المنحنى الخطر 

فأخذ راسل دوره من حدة حديثها ، حيث نظرت إليه وكأنه تأنبه على سرعة إيجاده من تأخذ دورها بحياته وحياة صغيرته ، فهتفت به بسخرية مبطنة :

– أنا لسه موجودة هنا وطالما أنا موجودة محدش يهتم ببنتى غيرى يا دكتور ماشى 

حملت الصغيرة من بين ذراعيه ، ولفت سجود ذراعيها حول عنق حياء ووضعت رأسها على كتفها ، فزادت من ضم الصغيرة لها ، كأنها ترسل لهما رسالة بليغة من أنها هى فقط ، من رآت بها سجود صورة والدتها التى كانت تنتظرها دوماً ، حتى وإن كانت الصغيرة لا تعى كون حياء زوجة أبيها وليست هى من أنجبتها ، ولكن يكفى حياء أنها قطعة من زوجها الحبيب ، والذى تعلم أنه وصل لأقصى درجات الغضب من أفعالها ، ولكنها مجبرة على ما تفعله ، فلو كان الأمر سهلاً لكانت أخبرته بكل شئ ، ولكن كل شئ سيتهدم إذا علم راسل خاصة وأنه عصبى المزاج ، بل يعانى من عصبية مفرطة قادرة على جعل الأمور أسوء
____________
لم يكن تلك المرة متشدداً برأيه أن يمكث بالغرفة المنفصلة بالحديقة ، بل وافق على عرض خالته ، عندما أقترحت عليه أن يقيم بإحدى الغرف بالطابق الثانى من المنزل ، فأولاً وأخيراً هى خالته وإبنتها مازالت زوجته حتى الآن ، لذلك صعد للغرفة بدون أن ينبس ببنت شفة ، فولج للداخل ودارت عيناه بأرجاء الغرفة كافة ، فمساحتها الفسيحة ربما تعادل مساحة شقته بذاك الحى الفقير ، وآثاثها الفاخر ربما لن يستطيع شراءه إلا بعد عمله بكد لمدة سنوات 

فكل تلك الدلائل والظواهر تثبت له مدى الفرق الشاسع بينه وبينها ، وكأن ألف جدار بينه وبينها وليس جدار واحد كالذى يفصل بين الغرفتين 

طرقت الخادمة الباب وهى تحمل له الطعام ، الذى أوصتها به سيدة المنزل الأولى ، ففتح كرم الباب متسائلاً بتهذيب :
– إيه ده

تبسمت الخادمة وهى تقول بإحترام :
– حضرتك ده أكل الهانم الكبيرة قالتلى أجبهولك علشان لو حبيت تتعشى قبل ما تنام 

أراد الرفض بالبداية ، إلا أنه شعر بالحرج من رد الخادمة بما تحمله من طياب الأكل ، فدعاها للدخول ، ووضعت الصينية على المنضدة وخرجت بعد أن سألته إذا كان يريد منها شيئاً أخر قبل ذهابها ، وأجابها بأنه لا يريد سوى بعض أقراص الدواء ، لعل الصداع الذى ألم برأسه يهدأ قليلاً ، فأخبرته أن بأحد الجوارير  يمكن أن يجد ما يريده

ضغط على جانبى رأسه قائلاً بألم :
– أه يا دماغى ، ايه الصداع ده دماغى هتنفجر

فتش بالمكان المخصص لوضع الأقراص ، ووجد ما يريده ، فتناول الدواء وولج للمرحاض ووضع رأسه أسفل صنبور الماء ، لم يشعر بما يفعل إلا بعدما إبتل رأسه وتساقطت الماء على ثيابه ، فتناول منشفة وجفف رأسه وخرج من المرحاض

– يا الله هدومى أتبلت وانا أساساً مش معايا هدوم

قالها بسخط وهو يخلع عنه قميصه ، وألقاه على المقعد حتى يجف 

جلس أمام الصينية ونظر للطعام عدة ثوانى ، فبدأ بتناوله ببطئ وهو يفكر بوضعه الحالى ، وعندما شعر بالإكتفاء من الطعام والتفكير خرج للشرفة، بعدما أرتدى قميصه الذى مازال رطباً من الماء ، ولكن هذا أفضل من أن يخرج بجزعه عارياً وهو ليس بمنزله  

إسند ذراعيه على السور وأنحنى بجزعه العلوى ينظر للأشجار بالحديقة تارة ، وينظر للسماء تارة أخرى ، إلا أنه أسترعى إنتباهه صوت حركة بالغرفة المجاورة ، فالغرفتان متصلتان بشرفة واحدة 

فسار بخطوات وئيدة حتى وصل لباب الشرفة الأخر المفتوح على مصراعيه ، ولم يكن يعلم أن تلك الغرفة تخص هند ، فوقف بجانب أحد شقى الباب الزجاجى ونظر بداخل الغرفة ، وجد زوجته تخرج من غرفة الثياب ترتدى ثياب النوم خاصتها والتى لم تكن سوى ثوب أسود قصير ورداء من اللون نفسه 

فإن كان سبق ورآها بثياب مماثلة ، إلا أن تلك المرة كأنها تختلف عن سابقيها ، ولا يعلم مصدر تلك الحرارة التى غزت وجهه فجأة ، فرفع يده ومسح وجهه وكأن جبينه صار متعرقاً بغزارة 

أرتطمت يده بزجاج الباب ، فأنتبهت هى على الصوت قبل أن تستلقى على الفراش ، فإستدارت للخلف وحدقت به وهى تضم حاجبيها بتعبير الدهشة ، عما يفعل هنا بهذا الوقت ؟

بادرت هى بسؤاله عن سبب وقوفه هكذا ، وهى تقترب منه :
– فى إيه وواقف هنا ليه كده فى حاجة ؟

حرك رأسه بعنف نافياً أنه يريد منها شئ ، وربما لم يفعل ذلك إلا لينفض عن رأسه تلك الأفكار التى تراود عقله ، بأن يراودها هى عن نفسها :

– لاء مش عايز حاجة يا هند أنا سمعت صوت ومكنتش أعرف أن دى أوضتك فأفتكرت أن فى حاجة 

ردت قائلة وهى تشير بيدها لمدخل غرفة الثياب :
– أه دا فى مراية أنكسرت فى الدريسنج روم وجايز هو ده الصوت اللى وصلك سورى لو كنت قلقتك من النوم

تباً له ولكل ما أعتراه بتلك اللحظة ، فهل هو مراهقاً رآى صورة لممثلة جذابة ، فأراد الحصول عليها ؟ ولكنه ليس مراهق ، بل هو رجل بالغ وبإمكانه تفسير تلك العواطف التى عادت تزوره ثانية بشأنها 

مسد بيده على خصيلاته الرطبة وهو يغمض عينيه :
– لاء مكنتش نمت كان عندى شوية صداع 

أقتربت منه أكثر وسألته بإهتمام :
– عندك صداع ، ثوانى هجبلك برشام مسكن 

قبل أن تبتعد ، تحدث قائلاً برفض :
– لاء أنا أخدت من شوية مسكن وشوية كده والصداع هيروح ، متقلقيش نفسك أنتى

أبتعد عن الباب وظن أنها ستعود لغرفتها ، ولكن وجدها تقطع المسافة الفاصلة بينهما ، ووقفت بجانبه عندما عاد مستنداً بكفيه على السور ، فأربكته برائحة عطرها ونعومة صوتها وهى تسأله بتوتر :

– هو أنت خلاص كلمت البنت اللى قولت أنك جاى علشان تخطبها ، أصل من ساعتها مشوفتكش ومعرفش حتى موضوع طلاقنا عملت فيه إيه 

أماء برأسه دون محاولة منه أن يقول شيئاً ، فأزدردت لعابها وقالت بتوجس :
– وكان رأيها إيه ؟ أكيد وافقت لأن اللى تعرفك يا كرم تبقى محظوظة لو هى بقت مراتك 

نظر إليها رافعاً حاجبه قائلاً بدهشة وسخرية :
– يا سلام ليه يعنى ، دا على أساس أن واحد محصلتش يعنى ولا فى منى إتنين فى البلد ، بس هى موافقتش بيا ولا حاجة وخصوصاً لما عرفت أن أنا متجوز 

– على الأقل فى عينيا أنا ، أنت فعلاً مفيش منك إتنين يا كرم
قالت هند بصوت متهدج ، وأنتفض قلبها بصدرها ، أشبه بطائر تم ذبحه وتُرك يرفرف بجانحيه حتى الرمق الأخير 

حط بكفه العريض على يدها ، التى وضعتها على السور ، فشعرت كأنه تم سحب الهواء من رئتيها ، وفتحت فمها الصغير لتطلق تلك النهدات الحارة العالقة بصدرها من بين شفتيها ، اللتان كانت تشعر بأنهما ستنزفان دماً من قضمها لهما بعدما قالت عبارتها

– معقولة للدرجة دى حبتينى يا هند

قال كرم متسائلاً ومتلهفاً لسماعها منه ثانية ، فالمرة الأولى لم يمهل نفسه الوقت الكافى ليستشعر صدق قولها ، ولكن تلك المرة سيتمعن بتفكيره فى الأمر ، فهو لن يستطيع أن يعاند قلبه أكثر من هذا ، وإن كانت حقاً تحبه وهو مازال مغرماً بها ، فسيحاول إعطاءها فرصة ثانية 

أطرقت هند برأسها أرضاً وهى تقول بخفوت :
–أوى أوى يا كرم ، أنا كنت عمية عن أن أشوف معدنك الحقيقى وأنك أفضل مليون مرة من أى واحد من الوسط اللى أنا عايشة فيه ، بس الفترة اللى قعدتها معاك عرفت قد إيه أنت راجل بمعنى الكلمة ، على الرغم من الخناقات اللى كانت بتحصل بنا وكنا....

كادت تشعر بذوبان عظامها من شدة ذلك الشعور بالخجل ، والذى لا تعلم من أين جاءها بتلك اللحظة ؟ ولكن إستطاعت تفسير ذلك ، بتذكرها لتلك المشادات الكلامية بينهما والتى كانت تنتهى بعناق عاصف من جانبه 

أبتعد عن السور وأخذ يديها بين كفيه قائلاً بحذر:
–لو أنتى فعلاً بتحبينى وهتكونى راضية تعيشى معايا فى المستوى اللى أنا عايش فيه ، وتستحملى ظروفى ، أنا حابب نكمل حياتنا مع بعض ، لكن لو حاسة أن ده مجرد زهوة أو نزوة وبعد كده ممكن تفوقى منها ، فلازم تاخدى وقتك وتفكرى علشان حتى أنتى متتعبيش فى حياتك معايا 

إتسعت عيناها قليلاً وقالت بعدم إستيعاب :
– يعنى أنت سامحتنى حتى على الغلطة اللى حصلت يا كرم 

أرادت معرفة صدق مسامحته لها ، فهى حتى الآن لم تخبره بشأن أنها مازالت فتاة عذراء ، وأن الأمر برمته تم بتدبير شيطانى وتم إيقاعها بفخ دنئ ، ولكنها وجدته يبادر بشأن مسامحتها على الرغم من جهله بحقيقة الأمر 

إستنشق القدر الكافى من الهواء وعاد يزفره ببطئ ، للتخلص من توتره ، فإن شق عليه أن يقول ما لديه ، فلابد من أن يجعلها تفهم حقيقة وضعه وتفكيره بهذا الشأن خاصة 

فأجابها بهدوء وروية :
– صدقينى يا هند مش من السهل أن أنسى الموضوع ، وخصوصاً أن لما تكون البنت اللى فضلت عمرى كله أحبها وأتمنتها ، يكون فى حد قبلى لمسها وبالطريقة دى ، فالحرب بين قلبى وعقلى مش هتهدا إلا لما أحاول أوزن الأمور كويس ، حتى لما رجعت وقولت هخطب واحدة تانية كنت عايز أهرب من كتر التفكير وبين رغبتى فى أن أسامحك أو أبعد عنك ، بس حتى دى فشلت فيها لما لاقيت البنت فهمت أن أنا لسه بحبك وواجهتنى بحقيقة الوضع اللى كنا هنبقى فيه لو الموضوع تم ، فعلشان كده  هحاول أدى حياتنا مع بعض فرصة تانية ، ويمكن الأيام تقدر تنسينا المر اللى فات ، فهل أنتى موافقة على كلامى ؟ ولو موافقة هنستنى باباكى يخرج من المستشفى بالسلامة وهطلب منه أنك تسافرى معايا الأقصر وتكونى برضه أخدتى وقتك فى التفكير

سكتت هند لهنيهة قبل أن تهز رأسها بدليل الموافقة ، فإن كان راغباً فى إكمال حياتهما الزوجية سوياً بدون علمه بحقيقة أمرها ، فهى ستجعله يكتشف الأمر بنفسه ، فإبتسمت لا إرادياً عندما طاف بمخيلتها كيف ستكون ردة فعله حينها ؟ 

وجدها تشد بأناملها على يديه التى تحتضن كفيها ، ووجد إبتسامة هادئة تزين محياها ، ولا يعلم علام هى تبتسم ؟ فأرادت زيادة حيرته وأن تربكه أكثر ، بأن سحبت يديها من بين كفيه ووضعتهما على كتفيه ، كأنها شعلة من نار كادت تحرق جلده من أسفل قميصه بدون رحمة ، فقبل أن يطاوع وساوسه بأن يعانقها فر هارباً لغرفته ، ورآى أنه من الأفضل أن ينتظر حتى تكون معه وبمكانهما الخاص ، وليس أن يتمم زواجه منها هنا ببيت أبيها فالوقت والمكان ليسا ملائمان حسب معتقده
____________
بحثت عن الصغيرة بغرفتها وبكل الغرف ، التى يمكن أن تتواجد بها ،ولكنها لم تعثر لها على أثر ، فكرت بالذهاب لغرفة راسل فربما هى هناك الآن ، فخرجت من غرفتها وسارت بالممر المؤدى لتلك الغرفة الفارهة التى يقيم بها راسل ، ولكن بوصولها أمام الباب خشيت أن تطرقه وتراه يخرج إليها 

كلما رفعت يدها وتقترب بها من الباب تعود وتسحبها سريعاً ، ففكرت أن تعيد أدراجها لغرفتها وأن الصغيرة لابد لها من أن تعود إليها 

– لاء يا راسل بس بقى 
أخترقت تلك الجملة مسامعها مع صوت ضحكات عالية ، فذلك الصوت هو صوت إيلين 

قبل أن تبتعد خطوة ، أنفتح باب غرفة راسل ورآت إيلين تخرج راكضة وهى تضحك ، فأصطدمت بها وكادت تسقطها أرضاً لولا حفاظها على توازنها بأن تشبثت بجانب الدرج 

أبتعدت عنها إيلين وهى تعتذر بصوتها الناعم :
– أوه سورى أسفة مشوفتكيش 

– أنتوا كنتوا بتعملوا إيه جوا ؟ وإيه اللى دخلك أوضة راسل أساساً 
تساءلت حياء وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها ، كأنها تحكم سيطرتها عليهما قبل أن تعمل على جذب شعر إيلين ، وعيناها تبحث عنه ، فهو لم يكلف نفسه عناء أن يخرج إليهما ويعلم ما يدور بينهما أمام غرفته 

ردت إيلين وهى تطوف بعيناها على محيا حياء :
– والله أنا حرة ثم دى هتبقى أوضتى أنا وراسل يعنى أدخل أخرج ملكيش فيه 

فكت حياء عقدة ذراعيها وقبضت على ذراعى إيلين بقسوة وهى تصيح بوجهها :
– هو إيه اللى مليش فيه ، ده جوزى فاهمة يعنى إيه جوزى 

دفعتها إيلين عنها فذراعيها بدأتا تؤلمانها من غرز حياء لأضافرها بلحمها فصرخت بوجهها هى الأخرى:
– وهيبقى جوزى أنا كمان ومتنسيش أن أنا أصلاً أول حب فى حياته مسمعتيش عن جملة وما الحب إلا للحبيب الاول

تبسمت حياء قائلة بسخرية :
– بس مش هتقدرى تخليه يحبك زى ما بيحبنى أنسى يا إيلين 

ألتوى ثغر إيلين بإبتسامة جانبية فأحنت رأسها وأقتربت من أذن حياء قائلة بهمس :
– ولما هو بيحبك أوى كده رافض يقرب منك ليه متفتكريش أن معرفتش أنك روحتيله أوضته وحاولتى تخليه يسامحك وفشلتى وخرجتى زى ما دخلتى 

خرج راسل من الغرفة قبل أن تهم حياء بالرد عليها ، فناولها هاتفها وهو يقول باسماً:
– نسيتى تليفونك يا مجنونة جوا وفى حد بيرن عليكى 

ضحكت إيلين وهى تقول برقة :
– ميرسى يا حبيبى هنزل بقى أجبلك القهوة بتاعتك 

أخذت الهاتف ووضعته بجيب بنطالها وهبطت الدرج ، تابعها بإبتسامة وهى تهبط الدرج ، فتعمد ألا ينظر لحياء ، ولكن عندما أراد العودة لغرفته ، قبضت حياء على مرفقه وجعلته يقف مكانه 

فنظر ليدها الممسكة بذراعه وسرعان ما حدق بوجهها وأنتظر أن تقول ما لديها ، فأختلج صوتها وهى تقول بصعوبة :
– أنتوا خلاص هتتجوزوا الأسبوع الجاى 

أماء راسل برأسه قائلاً ببرود:
– أظن أنك عرفتى ميعاد الفرح مش أنتى اللى هتنظمى حفلة الجواز زى ما عملتى حفلة الخطوبة ؟

أشارت حياء لنفسها وهى تقول بصدمة :
– أنا ! عايزنى كمان أنظملكم حفلة الجواز 

وضع يديه بجيبى سرواله البيتى وهو يقول بتهكم:
– وفيها إيه مش هتاخدى فلوس قصاد كده ومتخافيش المرة دى هديكى فلوس أكتر من اللى أخدتيها المرة اللى فاتت ، دلوقتى بقى عندى فلوس متتعدش، وأكيد مش هبخل على حفل جوازى اللى أكيد هيكون أسطورى ، طالما العريس والعروسة من عيلة النعمانى ، يعنى كمان هحقق أمنية والدى اللى كان دايما فى كل مرة أتجوز فيها يقولى إزاى تتجوز واحدة مش من عيلتك ، فأكيد المرة دى هيكون مبسوط ، وزى ما بيقولوا التالتة تابتة

عادت تعقد ذراعيها بإحكام كحركة دفاعية ، حتى لا تجد نفسها تقبض بيديها على عنقه ، فهى تعلم أن كل ما يفعله ويقوله ، لا يريد به سوى أن يزيد من نيران غيرتها والشعور بفداحة أفعالها 

فإبتسمت قائلة بسخافة :
– يا سلام حسيت فجأة كده بأنك الإبن البار واللى عايز ينفذ رغبة باباه ، قلبك حنين أوى يا دكتور ، دا على أساس أن أنا معرفش اللى فيها وأن ده....

رفعت يدها تشير لكتفها الأيمن وعادت تكمل حديثها :

– ياما حطيت رأسك عليه وأنت بتشكيلى من وجعك واللى حصلك ، وإن علاقتك أنت وباباك  أنا عارفة حقيقتها ، شوف واحدة تانية تضحك عليها بكلامك ده يا راسل ، لأن زى ما قولتلك أنا الوحيدة اللى أنت كنت قدامها زى الكتاب المفتوح ، كنت بتبقى زى البيبى اللى فى حضن مامته وبيحكلها عن كل اللى مضايقه وواجعه وميرتحش إلا لما هى تهديه وتطمنه أنها جمبه 

إستند بكتفه على إطار الباب ورمقها بنظرة باردة وهو يقول بسخرية :
– ماهو أنا لقيت دلوقتى واحدة تانية يا روحى وهحط رأسى على كتفها وأشكيلها همى ، وهى مش هتقصر فى واجبها بأنها تهون عليا ، وأديكى شايفة من ساعة إيلين ما رجعت وأنا أحوالى أتغيرت ، وواحدة بجمالها أظن مش هتلاقى عقبة فى أنها تنسى جوزها نفسه مش بس همومه

نظرت إليه ملياً ، فهى لم تكن عمياء حتى لا تلاحظ التغيير الجذرى الذى حدث بمظهره ، من طلة جذابة أكثر شبابية عن ذى قبل ، ولم يقتصر التغيير على مظهره فقط ، بل وأنه يحاول الآن جعل إيلين البديلة لها ، فكل غدوة وروحة تكون هى برفقته ، بل وأنه يبدو عليه أنه أكثر إستمتاعاً بممارسة الرياضة وتمارين الإسترخاء ، التى ربما ساهمت بأن يعود لما كان عليه من صفات البرود واللامبالاة مثلما كان أول مرة قابلته بها ، كأنه عاد راسل القديم ، ذو الشخصية الباردة والغير مكترثة 

فبإتيانه على ذكر حُسن وجمال إيلين ، أيقنت أن أبواب الجحيم على وشك أن تفتح بوجهها، فلم ترد جواباً على ما قاله ، بل جل ما فعلته أنها دبت الأرض بغيظ وعادت لغرفتها

ولجت الغرفة وسمعت رنين هاتفها ، ففتحت الهاتف وهى تصرخ دون أن تعى قولها :
– سيبووونى فى حالى بقى أنا حياتى باظت هيحصل إيه تاااانى 

لم تمنح المتصل فرصة للرد ، إذ أغلقت الهاتف وألقته من يدها  ، فخرجت من غرفتها لتبحث عن والد زوجها ، حتى وجدته بغرفة المعيشة يتحدث مع أحد رجاله ، فبرؤيته لها صرف الحارس وجعله يغلق الباب خلفه 

وما كاد الباب يُغلق حتى وجد حياء تدور حول نفسها بجنون وهى تبكى وتصرخ بأن واحدٍ :
– إحنا لازم نشوف حل للى بيحصل ده أنا خلاص أعصابى مش مستحملة أكتر من كده ، دا هيتجوز عليا الأسبوع الجاى 

نقر رياض الأرض بعصاه ، فرد قائلاً بهدوء ورصانة :
– إهدى يا حياء راسل لا هيتجوز الأسبوع الجاى ولا هيتجوز عليكى 

أرتمت على أحد المقاعد ووضعت وجهها بين كفيها وصوت شهقاتها تعلو أكثر فأكثر ، فقالت بنحيب :
– دا مصمم وكمان عايزنى أحضرله حفلة الجواز ، دا عايز يموتنى بالبطئ ، أنا مش قادرة أستمر فى اللعبة دى أكتر من كده

– تحبى نقوله ونعرفه كل حاجة 
قالها رياض بصوته الرصين ، وأنتظر إجابتها على إقتراحه 

فرفعت وجهها عن يديها وقالت بفزع :
– لاء لاء راسل لو عرف مش هيسكت وراسل عصبى يعنى كل حاجة هتتهد ، أنا لما حكيتلك على كل حاجة وعرفتك حقيقة وضعى ، كنت مطمنة أنك أنت هتتصرف بحكمة وهتقدر تسيطر على الوضع لحد ما نخلص من الكابوس ده ، بس أن راسل يعرف باللى حصله واللى كان هيحصله وخصوصاً لسجود ، فده مش يخليه عصبى دا يخليه يتجنن 

زفر رياض بخفوت فقال وهو يدير عصاه بين يده :
– عارف وحاسس بخوفك وأن فعلاً ممكن عصبية راسل تبوظ الدنيا ، بس عايزك تطمنى مش هخليه يتجوز عليكى لا دلوقتى ولا بعدين 

تركت مكانها وجلست على مقربة من والد زوجها ، فأطرقت برأسها أرضاً وهى تقول بأسف وإعتذار :

– أنا عارفة أنه مكنش سهل عليك أنك تعرف أن أهلى الحقيقين هم اللى سببولك الأذى وأنك خسرت إبنك الكبير وكمان إبنك التانى أتأذى وكان ممكن يروح فيها ، أنت لو واحد تانى مكنتش رضيت أدخل بيتك ولا تبص فى وشى ، وخصوصاً لما كل ما هتشوفنى هتفتكر اللى حصل 

منحها إبتسامة هادئة ، على الرغم مما يكتنفه من حزن وهم خاصة بعدما هى أخبرته بحقيقة الأمر منذ أول يوم وطأت بقدميها المنزل 

فرد قائلاً بهدوءه وحكمته المعتادة :
– لما جيتى وحكتيلى على كل حاجة يا حياء مش هقولك أن الموضوع كان سهل عليا ، بس برضه أنتى ملكيش ذنب فى اللى حصل ، أنتى لا كنتى تعرفى مين أهلك ولا كان ذنبك أنك تلاقيهم هم اللى أذوا جوزك وأهله ، فأنا مش هأخدك بذنبهم وكفاية أنك بتحبى إبنى وخايفة علينا كلنا لدرجة أنك كنتى هتضحى بحبك ونفسك علشان تنقذيه 

تغشى الحب عينيها وتهدج صوتها وهى تقول بصدق :
– أنا أفديه بروحى وأشوفه هو وسجود كويسين وبخير

ولكن عادت مستطردة بغيظ :
– بس أنه يتجوز عليا ويعمل عمايله دى ، يبقى أقتله أحسن ومفيش واحدة تانية تاخده منى 

على الرغم مما يحدث بتلك الأونة من أحداث مؤسفة وأخرها عودة ميس من منزل زوجها ، إلا أنه لم يمنع ضحكته على قول زوجة ولده ، التى يبدو عليها أنها مهوسة بحب زوجها ، تكاد غيرتها تقتلها ، فهو يراقب أفعال كل قاطنى القصر ، ويفرض حمايته على كل من حوله ، وتلك المرة التى خرجت بها حياء من المنزل ، كان هو الذى مهد لها الطريق للخروج والعودة ، فهى لا تتحرك خطوة واحدة إلا بعد علمه 

 فإن كانت علاقته براسل أخذت بالتحسن عن ذى قبل ، فبعد أن يعلم بشأن الإتفاق بينه وبين حياء على إخفاء الأمر عليه ، فربما سيعود الوضع بينهما لما كان عليه سابقاً ، وربما يعودان لنقطة الصفر من جديد ، ولكن الإبقاء عليه هو وعائلته بخير ، أفضل من أن يخسرهم جميعاً دفعة واحدة ، وبالأخص تلك الصغيرة " سجود "  والتى باتت تعنى له الكثير ، فإن كان مقصراً بدلال أبيها وهو صغير ، فسيحاول تعويض ذلك بها ، بأن يمنحها كل الحب والدلال
____________
طرق معتصم باب غرفة شقيقه ، فمنذ أخر محاولة لعمران بأن يجعل ميس تفهم حقيقة الوضع وتعود معه للمنزل وهو حبيس غرفته ، ولكن اليوم سيذهبان لقصر النعمانى بأمر من مالكه بأن يأتياه من أجل البحث عن حل لتصليح الأمور بين الزوجان المتخاصمان 
فتح عمران الباب وهو على أهبة الإستعداد للذهاب ، فربت معتصم على كتفه محاولاً أن يبث به الأمل على أنهما سيعودان اليوم وقد تم حل الأمور كافة 

ولكن ما كاد معتصم يفتح فمه ، حتى سبقه عمران القول :
– يلا بينا يا معتصم عارف أنت عايز تقول إيه 

حاول معتصم الابتسام كعادته وهو يقول بهدوء:
– إن شاء الله خير يا عمران ومراتك هترجع معاك وكل حاجة هتنتهى على خير 

– إن شاء الله
لم يزد عمران كلمة أخرى ، فهبطا الدرج سوياً ،ووصلا لمرآب السيارات وأخذ عمران سيارته يجاوره شقيقه ، فقادها بهدوء خلافاً لذلك الخوف الذى سكنه من إصرار ميس على رفضها لرؤيته أو عودتها معه ، فعنادها وتصميمها بعدم عودتها لمنزله ، كان بمقدار شغفها بوجودها قريبة منه 

لم ينتبه على حاله إلا عندما وجد نفسه أمام قصر النعمانى ، فولج بسيارته حتى الباب الداخلى وترجل منها هو ومعتصم ، و دلفا سوياً لغرفة الصالون ووجدا رياض وعاصم بإنتظارهما ، وأنتظروا مجئ راسل لبدء الجلسة ، التى كانت أشبه بالجلسات العرفية ، التى يتم عقدها من أجل التصالح والتسامح بين المتخاصمين 

فبالطابق الثانى ، كان راسل يتهيأ للنزول إليهم ، رابطة عنق أنيقة ، تتماشى مع حُلته الرمادية ، مثالاً للرجولة والوسامة والهيبة هكذا كانت هيئته للناظرين ، مشط خصيلاته الرطبة ، ووضع عطره الثمين ، وخرج من غرفته ، وجد باب غرفتها موارباً تطل برأسها من فتحته الضيقة ، لعلها تراه أثناء هبوطه الدرج

ولكن إصطدمت عيناها بساقيه ، بعد وقوفه أمامها واضعاً يده بجيبى بنطاله ، فرفعت عيناها ورأته يطل عليها بإبتسامة من فعلتها 

فخرج صوته هادئاً وهو متسائلاً:
– أنتى بتعملى إيه يا إيلين 

حمحمت إيلين وإعتدلت بوقفتها وفتحت الباب على مصراعيه وهى تقول بإبتسامة وحماس :
– كان نفسى أشوفك وأنت نازل تقعد مع جدو رياض علشان الجلسات العرفية اللى بتعملوها دى 

رفع حاجبه الأيسر قائلاً بحزم :
– طب يلا أدخلى أوضتك وحسك عينك تعملى عمايلك دى وألاقيكى داخلة علينا الصالون علشان تقعدى معانا

قهقهت إيلين من تحذيره لها ، فوضعت يدها على فمها وقالت:
– بموت فى بتقولوها إيه أه حمشنتك  لاء متخافش يا حبيبى مش هاجى مع ان هموت وأشوف خطيبى حبيبى والكل عامله ألف حساب فى القاعدة 

تبسم وحرك رأسه بيأس من أفعالها ، فجعلها تغلق الباب وتستمع لأمره ، فأكمل سيره ولكن توقفت قدماه فجأة أمام تلك الغرفة الثانية ، فعلى حين غرة فتحت حياء الباب ، فظل كل منهما ينظر للأخر بصمت 

أراد إكمال سيره ولكنها إستوقفته بقولها :
– كانت عايزة أتكلم معاك فى موضوع مهم

إستدار برأسه قائلاً ببرود من خلف منكبه العريض:
– خير كنتى عيزانى فإيه مظنش فى مواضيع مهمة بينا يا حياء 

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ببرود يماثل بروده :
– كنت عايزة أقولك أن هنزل الشغل من بكرة لأن مش هفضل قاعدة فى القصر ده وأنا شيفاك أنت وهى قدام عينيا وكمان هى مش مقصرة فى الدلع عليك خلاص معدتى بقتى بتقلب من شوفتكم مع بعض

إستدار لها بكامل جسده وخطى خطوتين تجاهها ، ففضلت الابتعاد عن مرماه ، ولكن حظها السيئ جعلها تصطدم بالجدار خلفها 

حاصرها بالزاوية وأدنى رأسه منها وهو يقول بهمس :
– موجوعة يا حياء حاسة أن قلبك بيوجعك أوى ومفكرتيش فى اللحظة دى ليه وإحنا الاتنين بقينا قصاد بعض كل واحد عايز يجرح التانى ، أنا قولتهالك قبل كده لو قلبى أتكسر هيموت يا حياء وأنتى كسرتينى فى عز وجعى وشدتى يبقى ملكيش حق تلومينى على اللى بعمله

لا حساب للزمن ولا للمكان ، كأن العالم أصبح خالياً فجأة إلا من وجوده قريباً منها ، عيناها تكاد تلتهم وجهه من نظراتها المشتاقة إليه ، ولكن لا فلتنتهى أنفاسها خيراً من أن يعلم أنها تشتاقه 

فأبتعد عنها ليهبط الدرج ، ولكنه عاد ينظر إليها من جديد قائلاً بما يشبه الأمر:
– أه نسيت أقولك أن النهاردة هبات فى أوضتك ، أصل الصراحة مليش مزاج أنام فى أوضتى لوحدى فعلى ما أخلص القاعدة تحت أرجع ألاقيكى جاهزة يا مراتى يا حرم راسل النعمانى، قصدى يا مدام حياء ، أحسن تكون كلمة حرم راسل النعمانى مضيقاكى

لا تشعر هى بهويتها إلا إذا صرح هو بترافق كنيته مع إسمها ، حتى وإن كان يتلفظ بها من أجل إغاظتها وأن يمارس معها إحدى ألاعيبه اللفظية المنهكة للأعصاب 

فمارست كيد حواء وهى تجيبه :
– وأنا إيه اللى يضايقنى يا حبيبى فى كده ، متعرفش فايدة إسم النعمانى إيه ، ساعات بيفتحلك الأبواب المقفولة

رفع ذقنها بطرف سبابته قائلاً بدهاء هو الآخر:
– طب طالما حابة وجود إسم النعمانى مع إسمك ، فحاولى بقى تبقى مطيعة وتسمعى الكلام ، لأن مش حابب الليلة دى إن إحنا نتخانق ، لاء عايزها ليلة محصلتش يا روحى 

تركها وهبط الدرج ببطئ ، ويعود وينظر لها من وقت لأخر وهو يبتسم تلك الإبتسامة التى إن لم تكن سمجة ، فهى إبتسامة من ينتظر لقاءها على أحر من الجمر 

 ولكن قبل أن تعود لغرفتها ، رآت إيلين تخرج من غرفتها ويبدو عليها أنها بطريقها للخروج من المنزل ، وهذا ما كان إذ نادت راسل قبل دخوله غرفة الصالون وأخبرته أنها خارجة من القصر لأجل قضاء أمر هام خاص بزفافهما الوشيك ، فمنحها موافقته وإصطحب ميس ، التى وافته عند الباب بأمر من جدها 

دلفا غرفة المعيشة سوياً وميس تتأبط ذراعه ، فألقى راسل التحية ، بينما أكتفت ميس بعدم النظر لزوجها ، وجلست بجانب عمها بهدوء 

بدأ رياض الحديث وهو يقول بحكمته المعتادة :
– دلوقتى إحنا سمعنا منك يا ميس ودلوقتى دورك يا عمران تبرر كلامك ، وهنعتبر كأننا أول مرة نتكلم فى الموضوع

إهتاجت ميس وقبل أن يفه زوجها بكلمة سبقته وهى تقول بإنفعال :
– هيقول إيه يا جدو ، هيقول أنه كان حابب ياخد حق أهله منى بكسرتى وكسرة قلبى وفرحتى ، فين بقى الرجولة فى اللى هو عمله أو كان بيفكر فيه ده دى تبقى....

– ميس 
صاح عمران بإسمها قبل أن تكمل حديثها وتحاول الإنتقاص من رجولته لفظياً ، فإن كان هو فعل ذلك بالبداية ، لم يكن هذا عجزاً من قدرته على إيذاء تلك العائلة ، ولكن رغبته بأن تكون زوجته والتى كانت دفينة حقده ، هى من كانت تحركه ، وحاول هو تبرير أفعاله وزواجه منها بمنطق الإنتقام

شد راسل على يد ميس ، ومال برأسه إليها يهمس برفق :
– متحاوليش تقللى من جوزك قدام حد علشان لو رجعتوا لبعض مش هينسهالك وهتفضل تحز فى نفسه ، فخليكى عاقلة يا حبيبتى فى كلامك

رفرفرت بأهدابها كأنها تقدم إعتذار مسبق قبل إعتذارها اللفظى ، فهى لا تريد الحط من شأن زوجها قدر ما تريد إظهار غضبها مما سمعته منه ، فهى حتى الآن لا تريد النظر بوجهه ، حتى لا يخذلها قلبها ، أو أن تعيث عيناه الإضطراب بأنفاسها ، فهى مستاءة منه أشد الإستياء 

ضم رياض كفيه على عصاه وهو يقول بإرهاق :
– أظن إحنا قاعدين علشان نتكلم بالعقل لكن لو هتبتدوا تغلطوا فى بعض هحكم فى القاعدة من غير ما أسمع حد فيكم لأن أنا الصراحة تعبان ومش مستحمل وجع قلب 

تركت ميس مكانها على الفور وجلست بجانب جدها ، وقبلت يده وهى تقول بإهتمام :
– جدو لو تعبان بلاش ترهق نفسك أكتر صحتك أهم من اللى بيحصل ده 

ضمها إليه بحنان وقبل رأسها ، ونظر لعمران الذى قرأ بعيناه تلهفه لعودتها معه فأشار إليه بأن يقول ما لديه ، فزفر عمران بقوة قبل أن يقول :

– أنا عارف أن ليها حق تزعل من اللى هى سمعته ، بس هى سمعت أخر كلامى يعنى لو كانت سمعت الكلام اللى قبل كده كانت سمعتنى وأنا بقول لغزل أن أنا بحبها وأن لا بفكر أنتقم ولا أعمل فيها أى حاجة وحشة وكل خوفى أنها كانت تعرف بدافع جوازى منها فى الأول علشان متزعلش

رفعت ميس رأسها عن صدر جدها وهى تناظره بغيظ وقالت بإمتعاض :
– يعنى أنت مش بتنكر أن ده اللى كنت بتفكر فيه أول ما أتجوزتنى ، وتنتقم من عيلتى ليه أصلاً وأنت قولتلى ان عيلتك وعيلتى أصحاب من زمان ، إيه بقى اللى حصل عايزة أفهم

هتف بها عمران بثقة :
– لاء مش هنكر بس جايز كان كل ده ستار على السبب الحقيقى وهو أنك كنتى حبى من أيام طفولتى ، وموضوع الخلاف بين العيلتين كان سوء تفاهم وراح لحاله وبلاش نفتح فى مواضيع توجع دماغنا كلنا

إستمر النقاش بينهم وقتاً طويلاً ، فشعور رياض بالإرهاق يتزايد من كثرة تلك العقبات والعراقيل ، التى تعترض طريقهم بتلك الأونة ، ولكن إستطاع فض الجلسة بقرار عودة ميس مع زوجها لمنزله ، وأن يحاول عمران جعلها تسامحه ، فإن كانت ميس قبلت بقرار جدها دون مناقشة ، فهى من داخلها لم تكن تريد العودة معه بهذا الوقت ، خاصة وأنها تشعر كأنها كالجدباء لاتفهم شيئاً من تلك الأسرار التى يحاولون التستر عليها ولا يجعلونها تعلم حقيقة الأمر بين العائلتان 

أخذت حقيبتها ووضعها زوجها بالسيارة وما كادت يده تلمس يدها ، حتى نفضتها هى بجفاء ، فيبدو أن مهمته بإقناعها ستكون شاقة ، فلولا وجود معتصم معهم بسيارة واحدة ، لكان تصرفه معها سيكون غير ذلك الهدوء ، الذى يحاول أن يمارسه معها حتى لا تتفاقم الأمور أكثر 

وصلوا ثلاثتهم للمنزل ، فولجت ميس بتؤدة وقابلت ولاء التى رحبت بعودتها بحرارة على الرغم من عدم غيابها سوى بضعة أيام :
– ميس الحمد لله أنك رجعتى معاهم ، البيت ملوش طعم من غيرك 

إبتسمت لها ميس وردت قائلة بهدوء :
– تسلمى يا ولاء اخبارك إيه واخبار النونو إيه

مسدت ولاء على بطنها بحركة دائرية وهى تقول بتفكه :
– زى الفل يا حبيبتى وبيسلم عليكم نفر نفر

إبتسمت ميس على قول ولاء الممازح لها ، فبرؤية عمران لإبتسامتها أطمئن قليلاً لحسن مزاجها ، ولكن ما أن كادا معتصم وولاء يخرجان للحديقة ، وصعدا هما الدرج حتى وصلا غرفتها ،حتى ولجت ميس الغرفة وأغلقت الباب خلفها ومنعت دخوله ، بل أنها هتفت به من خلف الباب ، أن يبحث عن مكان أخر يقيم به ، فهى وإن كانت عادت معه ، فهى لن تسمح له بالأقتراب منها أو أن يقيما سوياً بغرفة واحدة ، فألح بطرق الباب ومناداتها ، إلا أنها لم تعيره إنتباهها ، بل قامت بتشغيل الموسيقى بصوت عالى ، حتى لا تستمع لصوته وتجد نفسها تخرج إليه وتراه يفرض هيمنته وسيطرته عليها 
______________
أراد رؤيتها على وجه السرعة ، فهاتفها بأن تقابله بتلك الشقة التى أعتادا أن يتقابلا بها ، والتى يبدو كأنها وكر للخطط الشيطانية ، فهو يمارس بها كل ما يمكن أن يفعله بشرى من أمور الفساد والفسق ، فهو جاحد بكل منطق ، ولا يرى ما يردعه عن أفعاله ، فهى واحدة فقط من إستطاعت تقويم سلوكه قليلاً بتلك الأيام التى عاشتها بكنفه ألا وهى شقيقته الصغرى " حياء " ، فبعد عودتها لزوجها وكأن تلك الطباع اللينة واللطيفة التى كان يظهرها لها ، لم يعد لها وجود ، وعاد لما كان عليه من أمور الفسق والفجور 

لم يطيل المكوث ببيت عمه أدريانو ، خاصة بعد علمه بما حدث بينه وبين إبنته بيرى ، التى أطلقت عليه رصاصة بإحدى نوبات جنونها المفاجئ ، فهو إطمئن أن أموره صارت بخير ، ولا يحتاج سوى الراحة بفراشه عدة أيام ليلتئم جرحه ، ويعود ثانية زعيم المافيا الدامى ، والذى زرع به حب الانتقام، وجعله يفعل ما بوسعه للإنتقام من تلك العائلة ، التى يرى أنها هدمت حياته وحرمته من والديه وأشقاءه ، وقضى حياته بأسرها يسمع بأمور القتل والدماء من عمه ، ولم يحيا حياة طبيعية خارج نطاق دائرة الإنتقام 

فأراد الاطمئنان عليه ثانية عبر الهاتف ، إذ أخذ هاتفه الجوال من جيب بنطاله ، وأنتظر حتى جاءه الرد من عمه وهو يقول بصوت خشن :
– أنت فين دلوقتى يا ديفيد 

أجابه ديفيد وهو ينظر لإنعكاس صورته بإحدى المرايا :
– عندى مشوار مهم وهخلصه وهرجع على البيت أنا اتصلت أطمن عليك وأخبار بيرى إيه دلوقتى 

قال أدريانو بما يشبه الأمر:
– لسه زى ماهى و عايزك ترجع البيت وكمان تكلم حياء تيجى تشوفها أظن هى هتسمع ليها وتخرج من الحالة اللى فيها فاهمنى يا ديفيد

نفخ ديفيد بملل ورد قائلاً بإستياء :
– هى حياء شغالة دكتورة نفسية يا عمى ، بيرى لازم تتعالج نفسياً ودكتور نفسى يتابع حالتها أحسن ما تتجنن وتعمل فى نفسها حاجة ولا تموت نفسها

رد أدريانو عليه لم يكن سوى صراخ :
– أخرررس خاااالص ومش عايز أسمع منك كلمة تانية وتنفذ اللى قولتلك عليه فاهم

أنتهت المكالمة بعد صراخ عمه بوجهه ، فإن كان مدين لعمه بأنه أعتنى به بعد موت والديه ، فأوقات كثيرة يشعر بالضيق والإستياء منه ، كأنه بيدق بيده يريد تحريكه يميناً ويساراً ، دون أن يملك الحق بالقبول أو الرفض 

مرر يده على تلك المنضدة التى تراصت عليها كافة أنواع الأسلحة النارية ، وأخذ سلاح متوسط الحجم ، ورفعه بوضع الإستعداد كأنه بصدد إطلاق الرصاص منه 

وجد باب الشقة يفتح وتلج هى منه ، فأول ما قابلها هو وقفته المتأهبة كأنه بإنتظارها ليقتلها ، فأزدردت لعابها بخوف :
– إيه دى أنت بتعمل إيه ناوى تموتنى ولا إيه 

قهقه ديفيد على قولها ، فخفض يديه وهو يقول بدهاء :
– أقتلك إزاى بس يا حبيبتى ، دا أنا كنت بتمرن بس ، إن لو أنتى حبيتى تضحكى عليا أموتك بأى مسدس

أغلقت الباب خلفها بحدة ، وخطت بخطواتها للداخل ووقفت أمامه ، دفعته بصدره بقوة وهى تصيح به :

– وتقتلنى ليه أنا بنفذ اللى بتقولى عليه بالحرف الواحد عايزنى أعمل إيه أكتر من كده 

جذبها من شعرها وهو يكز على أسنانه بغضب :
– فين اللى نفذتيه ده ، مش شايف أى فايدة من وجودك فى قصر النعمانى لدلوقتى 

خلصت شعرها من يده وارتدت بخطواتها قليلاً للخلف وهى تقول بإمتعاض :
– يعنى كل الأخبار اللى بجبهالك عنهم دى مش كفاية أنا خلاص قربت أبقى مرات راسل النعمانى وهيبقالى وضعى فى القصر ، مع أنه صعبان عليا لأن هو ما يستاهلش أى حاجة وحشة دا راجل بجد مفيش منه ، وكفاية أنه منسيش أيام الطفولة وبيتعامل بكل أدب وذوق 

لم يتركها تعدد مناقب راسل ، إذا قبض على ذقنها بطريقة مؤلمة ، فسكنت إبتسامة هازئة شفتيه وهو يقول بثغر ملتوى ساخر :

– أنتى مبسوطة أنه بيتعامل معاكى زى أيام الطفولة وبيتعامل بذوق ، وياترى معاملته ليكى هتبقى إزاى لو عرف إنك مش "إيلين النعمانى " أصلاً ، وأن "إيلين النعمانى" الحقيقية لسه عايشة فى روسيا ومتجوزة وعندها أطفال


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close