أخر الاخبار

رواية لايليق بك الا العشق الفصل الثامن والثلاثون38 بقلم سماح نجيب


رواية لايليق بك الا العشق الفصل الثامن والثلاثون38 بقلم سماح نجيب
٣٨–" أحضان الندم والخوف "

تخبطها بين ذراعيه بوحشية ، جعله أكثر إحكاماً لساعديه حول كتفيها ، كأن بقوله أثار أنثى أسد جريحة ، كانت بإنتظار سماع أى كلمة لتنشب مخالبها به ، فأى قوة ساحقة تملكها ذات الجسد الضئيل والنحيف هذه ، لتستطيع أن تجعله وهو يفوقها ضخامة وقوة ، يكاد يختل توازنه من ضرباتها المتلاحقة على صدره ، وصراخها بوجهه ، كأنها على وشك إخراج حمم بركانية من فاها 

فهى لم يكد ينتهى من قول عبارته ، حتى أطاحت بقناعها الموضوع على وجهها ، وملأت الغرفة صياحاً إحتجاجاً على قوله ، فلو كان أقدم على قتلها ، لن تكون شرسة هكذا بإبراز دفاعها وهجومها المستميت بالحفاظ على سمعة زوجها ، فما عصف بذهنها أيضاً هو كيفية علمه بأمر أنها مازالت عذراء ظاهرياً على الرغم من كونها أنها كانت زوجة فعلية لراسل ، وتشاركا سوياً ليال حالمة من العشق والود والمحبة بين الزوجين ، ولكن أراد الله لها أن تكون على تلك الحالة كفتيات كثيرات 

– أاااااانت بتقول إاااااايه وإزاى تعمل كده وتتهم جوزى بحاجة زى دى فهمنى ، وإزاى أصلاً عرفت بموضوع العذرية ، أنطق قول رد عليا ، عملت فيا إيه بالظبط

صرخت حياء بكل ما أوتيت من قوة ، تكاد الدماء المحتقنة بوجهها تنفجر من شدة غضبها وإستياءها 

لم يعد أمامه حيلة أخرى لإخراسها ، حتى لا يستمع المدعوين بالأسفل لصوتها ، سوى أن يطلق سراحها ، ريثما يغلق الباب 

أوصد الباب وألتفت إليها قائلاً بصياح :

– بس أخرسى ووطى صوتك ده هتعمليلنا فضيحة كل ده علشان جوززززك يعنى عاملة نفسك أنك خلاص أتقبلتى حياتك الجديدة وأنتى أساساً كل تفكيرك فيه ، وأه عرفت كل حاجة لأن لما جبتك عندى وأنتى متخدرة خليت دكتورة فحصتك علشان أعرف إذا كنتى حامل ولا لاء قبل ما اخد أى خطوة معاكى وأعرفك الحقيقة ، وهى اللى قالتلى على حالتك 

دمعت عيناها وأقتربت منه وهى تجز على أسنانها ، كأنها تمنع فرار المزيد من دموعها ، فقالت بصدق لا يقبل الشك :

– أنا مش بفكر فى راسل بس ولا بحبه لاء دا أنا بتنفسه زى الهواء ، يعنى دلوقتى وهو بعيد عنى عايشة زى الجسد من غير روح ، لأن قلبى ده هو نبضه ، وأنت السبب اللى خلتنى أبعد عن جوزى وبنتى كنت عايشة مبسوطة جمبه ، دلوقتى خليتنى فى نظره قليلة الأصل سيبته فى محنته وأنا اللى كان نفسى قبل ما أسيبه وأسيب البيت أن أموت بين إيديه 

طار صوابه من كثرة وصفها لعشق زوجها ، فأى دماء لعينة يحملها بعروقه ، تتقاسمها هى وإياه ، يجعلها لا ترى سواه وتتقبل معيشة لا تريدها من أجله ، فأى سحر ألقاه عليها ، جعلها تغرم به لهذا الحد من الجنون 

فقطب ديفيد حاجبيه قائلاً بما يشبه الذهول:

– أنا نفسى أعرف هو عامل ليكى إيه مخليكى تحبيه الحب ده كله

فرت دمعة كبيرة من عينيها ، فمسحتها بطرف أناملها قائلة بصوت ملأه الحنين والفخر :

– قول معملش إيه ليا ، لما أبقى تايهة فى الدنيا ويبقى هو أول إيد تتمدلى ، لما أقع فى مشكلة وعلشان ياخدلى حقى اتحدى إبن عمه وردلى كرامتى ، لما ييجى عليا الوقت اللى أبقى فيه حيرانة وخايفة ، وهو يطبطب عليا وميخلنيش أفكر فى أى حاجة ، كان بيعاملنى كأنى بنته قبل ما أكون مراته ، لما يفتحلى قلبه وأشوفه على حقيقته غير الصورة اللى كل الناس شيفاها ، وقلبه زى قلب الطير مفيش فى حنيته ولا رقته ، عايزنى بعد كل ده محبوش وأعشقه

أسدلت جفنيها لتمنع أنسكاب المزيد من دموعها ، فعادت وتذكرت ما أخبرها به ، ففتحت عيناها على الفور ، كأن الهدوء الذى أكتسبته منذ برهة ، لم يعد له آثراً

فقبضت بيديها الصغيرتين على ياقة سترته ، تفح من بين أسنانها :

– لو مسحبتش دعوى الطلاق دى يا ديفيد أنا هروح المحكمة وهناك هقول على كل حاجة وعليا وعلى أعدائى 

مالذى يجعل يديه عاجزتان عن صفعها أو ضربها ؟ فلا إجابة لديه سوى أنها شقيقته ، تلك الصغيرة التى شعر والديه بالسعادة لمجيئها للعالم ووضعا خططهما عن كيف ستكون حياتها بالمستقبل ، وبأى مهنة ستعمل ، فهذا ما يلجمه ويردعه عنها ، حب والديه ، وهو من كان يعشقهما ، وشعر بالحزن لفراقهما هما وأشقاءه الثلاثة الأخرين 

بكفيه العريضين كان قابضاً على يديها ، لتحل وثاق سترته ، بهدوء غير معتاد عليه ، فقال بتهكم :

– متخافيش أوى كده أنا لا رفعت عليه قضية ولا عملت حاجة أنا قولت كده علشان أشوف رد فعلك ، وهل أنتى فعلاً بتحاولى تتأقلمى على وضعك الجديد ولا بتوهمينى وبتضحكى عليا 

سحبت يديها بسرعة ، تحاول إلتقاط أنفاسها ، التى أنهكها كثرة صراخها وصياحها وحركتها المفرطة ، فردت قائلة وهى ترفع رأسها بإيباء :

– كويس أنك معملتش كده لأن لو كان حصل ، مكنتش هسكتلك يا ديفيد 

– للدرجة دى يا حياء

نطق ديفيد وهو يضيق عينيه بتساؤل ، فهو حقاً يشعر بالحيرة من قوة تلك الرابطة التى تشعر بها تجاه زوجها 

فأجابته حياء ببرود وهى تنظر بالمرآة :

– وأكتر كمان لأن مش معنى أن سمعت كلامك وسيبته هسمحلك أنك تقرب منه تانى 

فألتفتت إليه مستطردة بتحذير :

– وعايزاك تعرف أنا لا ضعيفة ولا قليلة الحيلة ، كل الموضوع أن مش حباه يتأذى بسببى أو أكون أنا السبب فى حرمانه من بنته اللى هى عنده أغلى من نور عيونه وبالنسبة ليا أنا كمان بنتى وحبيبتى حتى لو مش أنا أمها الحقيقية ولا خلفتها بس كفاية عليها أنها حتة منه وشايلة دمه ، مكنتش عيزاه ييجى فى يوم ويلومنى أن أتسببت فى أذاه هو وسجود ، لأن أنا ممكن يعوضنى لكن بنته مش هيقدر يعوضها 

وخزة مؤلمة وخزتها بقلبها من مجرد تخيلها ، أن تأتى أنثى أخرى لتحل محلها بقلبه ، فهى تتمنى الموت قبل أن يأتى هذا اليوم وترى إمرأة أخرى تأخذ منه ما أخذته هى سابقاً ، وأن يكون لها زوج وحبيب ، فراسل صاحب بيع وصيت بطرق وسُبل الغرام ، فمنذ أن أصبحت له زوجة ، وعلمها خفايا وأسرار العشق ، وهى باتت عاشقة له ، ولا تستطيع التخيل أن يهمس لأنثى أخرى بتلك الكلمة السحرية " بحبك " بصوته العميق والدافئ ، الذى كان يرسل تيارات عارمة من الإشتياق والحنين بخلاياها 

ألتقط ديفيد قناعها الذى أطاحت به ، وناوله لها أمراً إياها بلطف ولين :

– طب إلبسى قناعك ويلا ننزل تحت زمان المدعويين مستغربين أن اللى عازمهم مظهرش لحد دلوقتى 

أخذت منه القناع ، ووضعته على وجهها ، مد يده لها وأخذ يدها وجعلها تتأبط ذراعه ، كإجراء إحترازى ليضمن هدوءها ، حتى لا تفتعل شجاراً كالذى حدث بينهما منذ قليل ، فكلما حاولت سحب يدها ، يعود ويشد عليها بتحذير 

– إهدى يا حياء وبطلى عمايلك دى

هبطا الدرج سوياً ، فسمعت حياء صوت التصفيق الحار من المدعويين ، الذين لم تستبين ملامح أحد منهم ، بل جميعهم يرتدون الأقنعة والملابس الأنيقة ، فلو كان زمام الأمور بيدها ، لكانت فرت هاربة لغرفتها الآن ، وهى ترى الجميع ينظرون لها بتعجب ، من كونها فتاة محجبة وتتأبط ذراع ديفيد 

أقترب أحد الرجال منهما رغبة فى مصافحتها ، فلم تمد يدها له ، وأدنت برأسها من ديفيد قائلة بضيق :

– قوله أن مبسلمش على رجالة وهو عمال يضحك كده 

تمددت شفتى ديفيد بتعبير الجهل وهو يقول بتساؤل :

– مبتسلميش على رجالة ليه عندك مرض معدى

قلبت حياء عينيها بملل وهى تقول بنزق :

– معنديش مرض معدى ولا حاجة بس أنا مبحبش اسلم على رجالة مش من محارمى ولا بحب حد غريب يلمسنى 

– يعنى إيه محارمك دى يا حياء ، ساعات مش بفهم كلامك ولا تصرفاتك يا حياء 

قال ديفيد بفضول ، فكثيراً لا يفهم ما تقوله ، أو ما تعنيه بحديثها 

ربتت على ذراعه وهى تقول بلين على غير عادتها معه :

– هفهمك كل حاجة بعدين يا ديفيد ولو حابب أكلمك عن الدين الإسلامي وإيه معنى تصرفاتى دى  معنديش مانع 

تغضن جبين ديفيد على الفور  :

– مش عايز نتكلم عن حاجة وخلينا نستمتع بالحفلة يا حياء 

توافد الحضور عليهما للترحيب بها ، مكتفية هى بإيماءة خفيفة من رأسها ، وإبتسامة متصنعة ، تشعر بأنها تشد عليها حتى لا تنفجر صارخة بوجه أحد منهم ، فما كاد ديفيد يبتعد عنها للترحيب بقدوم أحد المدعويين ، حتى فرت هاربة إلى أحد زوايا الصالة الواسعة المكتظة بالحضور ، بدأت الموسيقى تصدح بالمكان وبدأ المدعويين بالرقص على أنغامها 

أغمضت عينيها وتذكرت تلك الليلة التى قضتها بين ذراعى راسل يراقصها على أنغام موسيقى الفالس الناعمة ، فكأنها تشعر بدفء ذراعيه حولها الآن وهى واضعة ذراعيها حول جسدها ، ودقات قلبه الهادرة ،وهى واضعة رأسها على صدره ، التى كانت تتناغم مع دقات قلبها تارة هادئة وتارة صاخبة ، فلو ظل الحال هكذا ستصاب بالجنون لا محالة ، فيكفى تلك الأيام التى لم تراه بها ، فهى لا طاقة لها على المزيد 
_______________
لم تجمعهما مائدة طعام واحدة ، منذ أن كان بالرابعة عشر من عمره ، ولكنه الآن جالساً على رأس المائدة الطويلة بالطرف الآخر ، فالمسافة بينهما لا تقتصر على طول المائدة ، بل على سنوات من الجفاء ، فهو بالأساس لا يلومه على جحوده ، بل يلوم نفسه على أنه همش دوره بحياته ، كأنه لم يكن يعنيه أنه ولده من صلبه ويحمل دماءه ، معززاً الأمر بأن والدته هى المخطئة بالبداية ، ولكن بالاساس هو المخطأ ولا أحد غيره ، فهو تبع نزوته ، حتى وصل به الأمر إلى هذا الحال ، من كونه يرغب مسامحة ولده بأى ثمن ، ولكن راسل لم يكن يمنحه الغفران بسهولة كما يظن 

كسر الصمت الذى حل على رؤوسهم وهم جالسين يتناولون طعام العشاء ، صيحة سجود العفوية وهى تقول بإلحاح :

– بابى هى مامى أتأخرت ليه ، عيد ميلادى بكرة آنا وفاء قالتلى 

أبتلع راسل ما بجوفه يرافقه غصة خانقة ، إلا أنه إستطاع القول بثبات ظاهرى :

– هتيجى يا حبيبتى بس كملى أكلك يا سيجو 

تركت سجود مقعدها ، وعوضاً عن ذهابها إليه ، ذهبت لرياض وهى تمط شفتيها تمهيداً لبكاءها :

– جدو قوله يجيبلى مامى 

– خلاااااااااص بقى ياسجود أسكتى

خرجت تلك العبارة من فم راسل بصوت مدوى ، فأجفل الجالسين من صراخه ، فأنكمشت الصغيرة بين ذراعى رياض وهى تبكى من صراخ أبيها 

أخذت يد رياض تربت على جسد الصغيرة ، لعلها تهدأ من نوبة البكاء التى أصابتها ، فعند هذا الحد نظر لراسل بعين الغضب قائلاً بصوت عميق :

– متصرخش فى وش بنتك كده تانى وأنا قاعد فاهم 

وضع راسل السكين والشوكة من يده على طرف الطبق الخزفى بحدة ، حتى كاد يقسم الطبق لنصفين ، فهب واقفاً مكانه قائلاً بسخرية :

– لو إحنا مضايقينك يا رياض باشا معلش إستحمل بقى ماهو مبقاش ليا مكان تانى ولا تحب أقعد فى الشارع زى المتشردين 

وضع رياض سجود أرضاً وهو ينظر لوفاء قائلاً بهدوء :

– لو سمحتى يا ست وفاء خدى سجود 

فعاد ونظر لإيلين وسوزانا مستأنفاً حديثه :

– وإنتى كمان يا سوزانا أنتى و إيلين أتفضلوا على أوضكم علشان عايز أتكلم مع إبنى المحترم شوية ومش عايز حد حاضر فى الدور الأرضى نهائى 

إستمعن لقوله ، فأخذت وفاء سجود ، وذهبت سوزانا وإيلين كل منهما لغرفتها ، فيما كان راسل ما زال واقفاً عند رأس المائدة على الطرف الآخر ، فإستقام رياض بوقفته ، وأشار إليه بأن يتبعه :

– تعال ورايا يا محترم ومش عايز قلة أدب زى عوايدك مفهوم 

إن كان من قبل يتحداه بكل كلمة يقولها ، فالأن لا طاقة له على الجدال أو الشجار معه ، فتبعه بصمت لغرفة المعيشة ، رآه يجلس بمكانه المعتاد ، كأن تلك السنوات الطويلة لم تمر ، ومازال يجلس جلسته المعتادة ، التى كان يتلصص عليها وهو صغير ، فدائماً هالة القوة والسلطان تحيط به ، وكره هو كثيراً ذلك السلطان ، الذى تسبب بتصدع العلاقة بينهما ، وأصبحت علاقة شبه منعدمة بين الإبن وأباه 

– أقعد يا راسل 

جاءه هذا الأمر من والده ، فبأقصى مقعد كان جالساً ، واضعاً مرفقيه على ذراعى المقعد ، طال تحديق كل منهما بالأخر ، حتى ظنا أن تلك الجلسة ستنتهى بالصمت مثلما بدأت 

ولكن تخلى رياض عن هذا الصمت وهو يقول بعدما زفر بقوة :

– أنا كنت عايز أقولك أن بخصوص البيت أنا ساويت مشكلة البنك ودفعتلك ديونك ، والبيت لسه ملكك وكمان المستشفى خليت المحامى يتابع الموضوع وإن شاء الله ممكن ترجعلك قريب وأنت ترجع تزاول مهنتك عادى

ظن أن بعد قوله ، سيرى بوادر السعادة والفرح على وجهه ، ولكن ظل كما هو بملامح وجه مبهمة ، لا تنم على شئ ، كأنه لم يستمع لما أخبره به 

بلل راسل شفتيه الجافتين بطرف لسانه وأجابه بصوت مرهق :

– أنا لا عايز أرجع البيت ولا عايز أرجع شغلى حالياً ، بمعنى أصح مش عايز أعمل أى حاجة فى حياتى دلوقتى 

أسند راسل رأسه لطرف مقعده محملقاً فى السقف وهو يقول كأنه يحدث نفسه :

– حاسس أن معنديش طاقة حتى أتكلم مش أشتغل ، حتى الهوا اللى بتنفسه بقيت أحس أنه بيضايقنى ، محدش حاسس بيا ولا باللى أنا فيه ، أنا زى اللى واقف فى وسط النار ومطلوب منه أنه يتحرق بس من غير ما يتكلم ولا يطلع ليه صوت ، زى اللى متعلق فى حبل المشنقة ومطلوب منه يضحك وهو بيتعدم

شعر بيد أبيه على كتفه، فأعاد رأسه المائل لوضعه الطبيعى ، فهو لم يكن يعلم أنه ترك مكانه ، إلا بعدما وجده يقف بجانبه ، رفع راسل وجهه إليه بصمت ، فلو يعلم كم هى حاجته له الآن ، فلن يصدق رياض نفسه ، فرغم ذلك الجفاء والبرود بعلاقتهما ، إلا أن مازال ذلك الجزء الصغير بغياهب عقله وقلبه ، يتمنى لو كان له الأب الذى يريد 

كأن تلك الرسالة المختزنة بعيناه وترفض شفتاه البوح بها ، وصلت لرياض وإستطاع قراءتها بوضوح ، فسحبه من مرفقه ، حتى إستقام بوقفته أمامه ، فبدون أى مقدمات بغير فائدة ، كان رياض يحتضنه بحنان قائلاً بندم حقيقى :

– سامحنى يا إبنى على اللى حصل منى زمان ، أنا عارف أن وجعتك كتير وبدل ما أكون ليك أب بقيت ولا كأن واحد عدوك ، سامحنى يا راسل ولو الباقى من عمرى فضلت أطلب منك السماح مش هزهق لحد ما تسامحنى سامحنى 

غص رياض بكلمته الأخبرة ، نتيجة لتجمع الدموع بعيناه ، إلا أنه لم يحاول إخفاء ندمه والتظاهر بالصلابة والجمود ، بل ترك عيناه على سجيتها تذرف دموع الندم ، لعل ولده يصدق أنه نادماً حقاً 

همهم راسل بصوت متقطع ، كأنه يخشى بكاءه هو الآخر:

– ممش عا عارف أقولك إيه ، بس صدقنى جه عليا أوقات كتير كان نفسى تيجى وتاخدنى فى حضنك ، لما كنت أشوفك بتحضن وجدى ولا عاصم ، كنت بحس بالوجع وأنت حتى مش عايز تبص فى وشى ، زى ما أكون عار وعايز تخلص منه ، سواء أمى غلطت أو أنت أنا مكنش ليا ذنب مكنش ليا ذنب ، عيشت يتيم الأب وأنت لسه على قيد الحياة ولولا صفى الدين جوز ماما وفاء كان ممكن اكون بنى أدم مش سوى كان ممكن أكون ضايع أو أكون زى الغريق ، اللى شايف الكل واقف على البر وهو اللى بيغرق ، كنت أنت أول طعم للوجع والألم فى حياتى 

تركه يتحدث طويلاً ، أراده أن يقول كل ما يعتمل بقلبه من أوجاع وندوب ، مكتفياً بالبدء أن يربت على ظهره بحنان وحب ، فبالحقيقة لم يكن رياض يكره راسل ، ولكن كان يكره كونه أنه لم يعد لديه الدليل والحجة على أنه مازال محباً ووفياً لزوجته الأولى ، التى كان يزعم أنها هى الوحيدة التى أحبها ولن يستطيع مس أو لمس إمرأة غيرها ، ليأتى راسل هادماً لمعتقده 

– أنا أسف يا إبنى على كل اللى عملته فيك أسف

نطق بها رياض بسهولة ، فظن راسل أنه سمع كلمة الأسف سهوا منه إلا أنه أعادها مراراً وتكراراً ، فمن يرى رياض النعمانى الآن ، لن يصدق أنه يقدم إعتذاره وأسفه بتلك السهولة ، ولكن كأن أسفه كان مُرضياً لراسل 

فأجابه بهدوء:

– كفاية إعتذار وإن كان على أن أسامحك أو لاء فإحنا عايشين مع بعض والأيام كفيلة تصلح اللى أتكسر بينا

حتى وإن كان تعبيره عن مسامحته له تم بطريقة مبهمة ، إلا أن ذلك كان كافياً لأن يجعله يشعر بالراحة والهدوء ، فبعد أن أبتعد راسل عنه ، إبتسم له وهو يقول برجاء:

– طب خليك أنت وبنتك هنا على طول ومتمشيش ، يعنى مش تقعد فترة وتمشى ، لاء عايزك تفضل هنا على طول فى قصر النعمانى ، ولو عايز هدورلك على مراتك وأرجعهالك

عند عرضه الأخير له ، أغلق راسل عيناه متمتماً بألم :
– مش عايزك تدور عليها ولا ترجعها ، حتى إختارت وخلاص ، وبالنسبة لوجودى هنا 

حرك راسل رأسه بالإيجاب ، فرد مستطرداً بالموافقة :

– متخافش خلاص مبقتش حابب أمشى من هنا وأرجع البيت هناك علشان ....

بتر حديثه على الفور ، فهو لن يستطيع العودة لمنزله القديم ، حتى لا يقيم بمكان كانت هى متواجدة به ، وتظل الذكريات تؤلمة وتجلده بسوط الهجران والأسى ، فهناك كل ركن بالمنزل ، كان شاهداً على عشقه لها ، فكيف يضع جنبه على فراشهما ، وهى ليست جواره ؟ فبالقصر هنا لم يتشاركا شئ سوياً ، لم تقيم معه تحت سقف ذلك القصر ، ولم تشاركه فراشه الجديد ، فهنا لن يجد بصمتها على كل ما يحيط به 

فحتى إن حاول الهروب من أثرها ، فكيف يمحو أثارها بقلبه ، فتلك الشجاعة المزيفة ، التى يزعم أنه يملكها ، وأنه قادراً على تخطى الصعاب ، دليلاً واضحاً على أنه واهم إذا ظن أنه سيستطيع أن يتأقلم على غيابها عنه ، فإن كان تجاوز الأمر بعد زواجه الأول ، فهو متيقن من أنه لا يستطيع فعل ذلك الآن ، فعشقه لها فريد من نوعه ، فحتى الآن ، لا أحد يعلم بأمر تسلله من القصر ليلاً للبحث عنها ، لعلها تكون عادت للإسكندرية ثانية ، ويعود مع أول ظهور خيوط النهار ، فلم يترك مكان من تلك الأماكن ، التى كانت ترتادها دائماً ، إلا وبحث عنها ، فعلى الرغم من علمه بأنها خارج البلاد ، إلا أنه يخرج بأمل من أنها لم تتحمل الفراق وعادت سريعاً ، ولكن صورها التى ترسل إليه ، كانت كافية لجعله يأنب نفسه على الانجراف خلف أوهامه 
_______________
لم يكن الأذن الممنوح له من الطبيب برؤية أبيه عن قرب بغرفة العناية الفائقة ، لا يتعدى الإطمئنان عليه فيما لا يزيد عن خمس دقائق ، فالطبيب يراه يأتى يومياً لزيارة أبيه وتفقد أحواله الصحية ، التى لم تنبأ بخير ، سوى أنها تؤول من سيئ لأسوء ، فعمرو كأنه لا يعى حتى الآن ، كيف بمشادة كلامية بينهما أظهر بها حقيقته ، تجعل أبيه يرقد بالمشفى بين الحياة والموت ، فكل يوم يأتى ويأمل أن يخبره الطبيب بأن أحواله أخذة بطور التحسن ، ولكن لا يسمع سوى أن الوضع لا يبشر بالخير ، بل يجب عليه أن يتهيأ للأسوء

جر مقعد حديدى خاص بالمشفى وجلس بجوار الفراش ، بتردد أخذ يد والده ، فتلامسهما سوياً والذى أسفر عن شعور عمرو ببرودة تنطلق بسائر جسده ، جعله يعيد يد أبيه بجانبه مرة أخرى 

دقق عمرو النظر بوجه أبيه وهو يقول كأن صوته لم يعد به حياة أو شعور :

– طولت أوى يا بابا ، حتى لما رجعتلك بعد السنين دى كلها ، هربت منى برضه ، كأننا مش هنتقابل أبداً كأب وإبنه ، تعرف إن أستنيتك كتير علشان تيجى تاخدنى ، أو حتى تبين أن أنا إبنك وأنك حابب أن أعيش معاك ، بس أنت ما صدقت وسبتنى، سبتنى لواحد قذر هو اللى يربينى ، ودلوقتى أنا اللى سيبت نفسى للشيطان ، بقيت ماشى على خطاك ، مش بتقولوا من شابه أباه فما ظلم ، أهو أنا كمان أبتديت فى طريق الظلم ، فوق قوم وقولى إيه رأيك فى اللى عملته قوووم 

صرخ عمرو بصوت عالى ، ودمعت عيناه ، فإنكفأ باكياً ورأسه منحنى على طرف الفراش ، ولكن شعر بملمس أصابع على ذراعه ، فرفع رأسه بسرعة ونظر لأبيه 

فأتسعت مقلتيه وهو يرى أبيه يحاول فتح عيناه ببطئ ، فكلما حاول فتحها ، عاد وأغلقها ثانية ، فظن عمرو بالبداية ،من أنه يتوهم أن أبيه فتح عيناه ، ولكن صوت همهمة خافتة تسللت لمسامعه من فم أبيه وهو يناديه بعدما سحب قناع الأكسجين الموضوع على أنفه وفمه :

– عمرو 

أقترب عمرو بوجهه من وجه أبيه قائلاً بدهشة :

– بابا أنت فوقت خلاص هنادى للدكتور

عندما حاول عمرو الابتعاد ، شد فواز على يده قدر قوته الواهنة من رقوده بالمشفى ، فخرج صوته ضعيفاً :

– إسمعنى يا عمرو دلوقتى ، لازم تبعد عن الطريق اللى أنت ماشى فيه مش لازم تكمل فيه لأنه هيقضى عليك يا إبنى ، أنا زمان سلمت نفسى للشيطان وعضيت الإيد اللى أتمدتلى ، وأتسببت فى خراب بيت بأكمله 

زوى عمرو حاجبيه متسائلاً:

– خراب بيت! مش فاهم تقصد ايه ، قصدك أنك طلقت ماما وسيبتى أنا كمان 

هز فواز رأسه بضعف فقال بألم :

– مش أنتوا بس ، لاء الراجل اللى كنت شغال عنده ووقعت فى غرام بنته وكنت عارف أن من المستحيل أنها تكون ليا وخصوصاً أنها مخطوبة وبتحب خطيبها ، النار ولعت فى قلبى زيادة ، حاولت أفرقهم ، شككتها فيه وخليتها تشوف بعينها أنه بيخونها مع واحدة تانية ، وهو فى الأساس مكنش واعى للى بيعمله وأنا اللى زقيت عليه الست اللى كانت معاه علشان خطيبته تشوفه وتكرهه ومتتجوزوش 

أزدرد لعابه بصعوبة وعاد مستأنفاً حديثه:

وشرى موقفش لحد كده ، لاء دا كمان أتفقت مع أدريانو وسهلتله دخول البيت وأنه يقتل كل اللى موجودين فيه ما عداها هى ، قولت جايز لما تبقى لوحدها مش هتلاقى حد غيرى وساعتها هبقى فزت بيها ، بس هى هربت سنين طويلة ورجعت وبرضه كانت من نصيب اللى حبيته وحبها ، فعلشان كده أبعد عن طريق الشر يا عمرو ، حاول تصلح اللى باقى من حياتك وسامحنى على أن كنت السبب فى اللى أنت فيه ، صدقنى لو كان بإيدى الزمن يرجع لورا كنت صلحت غلطى ومعملتش اللى عملته ده كله ، بس هو البنى أدم كده مبيفتكرش يصلح أخطاءه إلا وهو خلاص مفارق الدنيا 

حالة من نقصان الهواء برئتيه ، جعلته يفتح فمه ، كأنه يحاول إلتقاط أنفاسه ، فصوت تلك الحشرجة ، التى تخللت صوته الذى ينازع للحصول على قدر كاف من الهواء ، جعل عمرو يسرع بوضع جهاز التنفس الصناعي على وجهه 

فأرتجف صوته وهو يقول بخوف حقيقى :

– بابا أنا هناديلك الدكتور بسرعة حالاً

ولكن ما كاد يبتعد إنشاً واحداً عن الفراش ، حتى سمع صوت صفير عالى للأجهزة الطبية المتصلة بجسد أبيه ، دلالة على أن والده قد فارق الحياة

تصنم بوقفته وهو يشخص ببصره لأبيه ، الذى كان منذ برهة واحدة يتحدث معه ، وأصبح الآن فى تعداد الأموات ، ولكن تلك النزعة الإنسانية بقلب بنو أدم ، من أنه ربما يتوهم ما حدث، ومازال أبيه على قيد الحياة 

فركض خارج الغرفة يصيح بصوته :

– دكتور دكتور حد ييجى يشوف بابا

هرول إليه الطبيب المختص بالإشراف على أبيه ، فولج الغرفة تتبعه ممرضة ، قام بالكشف عليه وفحصه وعمل كافة ما يمكن أن يفعله طبيب بتلك الحالة ، ولكن كانت النتيجة حاسمة منذ البداية ، فهو أسلم روحه لله وأنتهى أمره 

فسحب الطبيب الغطاء الأبيض المتدثر به فواز ، حتى غطى وجهه ونظر لعمرو قائلاً بأسف :

– البقاء لله يا أستاذ عمرو شد حيلك 

لم يعى عمرو دلالة تلك الجملة التى تفوه بها الطبيب ، إلا عندما سحبه من ذراعه ليخرجه من الغرفة ، ريثما يعمل على إنهاء الإجراءات اللازمة ، لإستلام عمرو جثمان أبيه إستعداداً لدفنه ، كأن تم فصل عقله نهائياً كجهاز إلكترونى ، نفذت طاقته ، فاللموت رهبة تشيب لها الرؤوس ، فليس من السهل أن يكون بلحظة يتحدث معه وباللحظة التالية يجده قد فارق الحياة ، فحتى أمله بأن تتصلح الأمور بينهما ، لم يعد له وجود أو فائدة ، فأبيه قد قُضى أمره ، وأنتهت حياته بحلوها ومرها
______________
الجلسة بينهن ربما طالت كثيراً ، كأنهن يبحثن عن أسباب مقنعة لعقولهن لما يحدث بتلك الأونة ، فحديقة قصر النعمانى التى جمعت فريقان من نساء ورجال العائلة ، يجلس كل منهم بجانب بعيد عن الآخر ، ليكونوا أكثر حرية بالحديث ، كانت ميس وولاء تطالع كل منهما زوجها على طاولة الرجال ، فكأن كل منهما أوصته بضرورة مأزرة راسل بتلك المحنة التي يمر بها، فولاء تبعث  بعيناها إشارات صامتة لمعتصم ، حتى وجدت سجود ، تدير وجهها لها ، لتجعلها تنتبه لما ستقوله ، فتبسمت لها ولاء ووضعتها على ساقيها وهى تقبلها على وجنتها 

فسألتها سجود بعفوية :

– ولاء هى ماما راحت فين ، النهاردة عيد ميلادى ومجتش ومجبتليش هدية ، وكلهم قاعدين زعلانين

ضمتها ولاء إليها ، فعلى الرغم من إجتماعهم جميعاً اليوم ، بحجة حضور ذلك الحفل العائلى المقام إحتفالاً بيو مولد سجود ، إلا أن لا أحد من الجالسين يبدو على وجهه معالم الفرح أو السعادة ، وخاصة أبيها ، الذى يحاول إفتعال الابتسامة من حين لأخر 

فغصت ولاء وهى تقول بإبتسامة أرتعشت على شفتيها :

– لاء يا قلبى كلنا فرحانين بعيد ميلادك مش كلنا جبنا ليكى هدايا وشوية هنقطع التورتة و....

قبل أن تكمل ولاء حديثها ، كانت إيلين تخرج للحديقة تتبعها الخادمة تحمل قالب الحلوى الكبير الموضوع بأوسطه صورة سجود ، علاوة على صوت الألعاب النارية والمفرقعات ، التى راح يدوى صوتها عالياً ، وأطفال كثيرون من مختلف الأعمار توافدوا على الحفل وهم يصيحون 

فالجو الصامت بالحديقة ، صار يشتعل بالحماس ، عندما تبدل الحال وأصبحت الجلسة أكثر بهجة بضحكات الصغيرة ، التى أبتهجت بكل ما تراه ، فأشخاص يرتدون ثياب شخصيات كرتونية مشهورة ، عملوا على اللهو واللعب مع الأطفال 

فلا أحد منهم كان يعلم بشأن كل ما فعلته إيلين ، كأنها أرادت مفاجئة الجميع ، فراسل أقترب منها عاقداً حاجبيه قائلاً بغرابة:

– أنتى لحقتى تعملى كل ده إمتى يا إيلين 

تبسمت إيلين ضاحكة وقالت بزهو مصطنع :

– دا أقل حاجة عندى قولت أفرح سجود واخلى الطاقة السلبية اللى ساكنة القصر تنتهى ، فوصيت على تورتة كبيرة وكمان كلمت منظم حفلات أعياد ميلاد وعزمت كل أطفال الجيران وجبت كل حاجة معايا وجيت بس بذمتك مش كده أحسن من جو الكأبة اللى أنتوا عايشينه

فكأن زادت البهجة والسعادة ، بعودة عاصم وغزل ، فهما لم يخبرا أحد بشأن عودتهما ، كان عمران ومعتصم أول المرحبين بعودة غزل ، فظلوا ثلاثتهم وقتاً طويلاً يتحدثون ويمزحون ، ولكن رؤية عاصم لراسل بالقصر هو وإبنته ووفاء ولم يرى حياء ، جعلته يشعر بالقلق ، فأقترب من عمه وجلس هو وإياه منفردان ، وأخبره رياض بكل ما حدث بالأيام الماضية ، فظن عاصم أنه يتوهم ماحدث لراسل

فحك ذقنه بخفة وهو يقول بدهشة:

– يا خبر أبيض كل ده حصل ، طب عرفتوا حياء راحت فين 

صمت رياض بالبداية ، إلا أنه قال بهدوء :

– راسل رفض يخلينى أدورله عليها ، بس بينى وبينك حياء لو رجعتله دلوقتى هبقى خايف عليها منه ، راسل عامل زى الوحش المجروح ، ولو حد لمسه هيفترسه ، ميغركش سكوته وهدوءه ده ، دا زى ما يكون مستنى بس أنه يلمحها ، وساعتها مش هنبقى ضامنين ممكن يعمل فيها إيه 

تسلل شعور بالشفقة لقلب عاصم على حال إبن عمه ، على الرغم من توتر علاقتهما دائماً ، ولكن برؤيته لتلك الفتاة التى تتحدث معه ، عقد حاجبيه متسائلاً:

– بس هى مين اللى واقفة معاه دى أنا مشوفتهاش قبل كده

نظر رياض حيث أشار عاصم فقال باسماً:

– معقول مش فاكر إيلين النعمانى حفيدة شوكت النعمانى إبن عمى 

فتح عاصم فمه بدهشة وقال متبسماً :

– معقولة ورجعت إسكندرية إمتى وليه ، دى سافرت مع أهلها وهى صغيرة بس بسم الله ماشاء الله بقت جميلة أوى  

رآى رياض سجود تقترب منه ، فقفزت على ساقه بحماس وسعادة ، وقبلها على رأسها وهو يتابع حديثه مع عاصم :

– أنا أتفاجئت بيها لما جت القصر قبل راسل ما ييجى بكام يوم ، جاية وناوية تستقر هنا فى إسكندرية ، فعرضت عليها أن تقعد هنا لحد ما تظبط أمورها ، مع أنها رفضت فى البداية ، بس أصريت أنها تقعد هنا وبعدها راسل جه وحصل اللى حصل 

رحبت إيلين بعودة غزل ، التى تفاجأت بها بادئ الأمر ، ولكن سرعان ما اندمجتا بالحديث سوياً ، ولكن لاحظت غزل أن سوزانا تجلس شاردة بمكان هادئ نسبياً ، فأعتذرت من إيلين وذهبت إليها 

جلست على مقعد مجاور لها متسائلة :

– مالك يا سوزانا قاعدة كده وباين عليكى زعلانة 

حاولت سوزانا الابتسام وهى تقول بنهدة قوية :

– لاء أبداً مفيش بس إفتكرت وجدى وخصوصاً أن السنوية بتاعته كمان ٣ أيام 

انهمرت دموعها رغماً عنها لفقدانها زوجها ، الذى أقتصر زواجهما على بضعة سنوات فقط ، فهو لم يكن إبن عمها وحسب ، بل أنه كان حبيب عمرها وطفولتها ، ومن عشقته منذ نعومة أظافرها ، وعزفت عن رؤية أى رجل أخر يكون زوجاً لها غيره 

لم تجد غزل ما تواسيها به ، فاكتفت بالربت على يدها ، إلا أنها لم تمنع نفسها من سؤالها :

– سوزانا أنتى كنتى تعرفى إيه سبب الخلاف بين وجدى ومراد اللى خلاهم زى الأعداء 

تتابعت أنفاس سوزانا فخرج صوتها حاداً رغما عنها وهى تقول بإنفعال :

– أخوكى مراد هو اللى بدأ الموضوع لما أتهم وجدى أن عينه من مراته تصدقى أنتى أن وجدى ممكن يبص لمرات صاحبه وأخوه لكن أخوكى زى ما يكون بقى أعمى ومش مصدق أن وجدى برئ من تهمة قذرة زى دى

فغرت غزل فاها وهى تستمع لما تقوله سوزانا ، فهى بحديثها مع عاصم ظنت أن الأمر أقتصر على خلافهما سوياً بشأن وفاة صديقهما دانيال ، ولكن زادت دهشتها أكتر وهى تستمع لباقى حديثها :

– أيوة متستغربيش يا غزل وجدى الله يرحمه حكالى على سبب الخلاف بينهم وكان زعلان من أخوكى أنه شك فيه واتهمه بحاجة زى دى ومحدش عرف الموضوع ده غيرى حتى مقولتش لعمى وعاصم على حاجة ، لأن وجدى أصر عليا مجبش سيرة لأى حد ، وأنه هيحاول يخلى مراد يفهم الحقيقية وأنه برئ من كل الكلام ده ، بس للأسف وجدى مات وساعتها فكرت أخوكى اللى عملها بسبب أفكاره وشكه فى وجدى وكرهته وكرهتكم كلكم أن جوزى وحبيبى راح فى غمضة عين حتى ملحقش يربى بنتنا 

أجهشت سوزانا بالبكاء المرير ، ولكن برؤيتها إقتراب ميس منهما ، هبت واقفة تسرع بخطواتها للداخل ، فجلست ميس وهى تسأل غزل بقلق :

– غزل هو فى إيه ماما بتعيط ليه 

أبتلعت غزل لعابها وردت قائلة بتوتر:

– أبدا يا ميس مفيش حاجة هى بس أفتكرت باباكى بس مقولتيش عاملة إيه مع عمران 

عبست ميس ومطت شفتيها وقالت بإحباط :

– إبن اخوكى ده عامل زى اللغز ومش عارفة أفهمه دا بيتبدل فى ثوانى ، لو بالنظام ده هيجننى 

– بعد الشر عليكى يا حبيبتى ، ماهو لو تبطلى فضول حياتنا هتبقى حلوة والله 

قال عمران بعدما أقترب منهما وقبل رأس زوجته بعد سماعه ما قالته ، فرفعت وجهها تنظر له نظرات لا تخلو من غيظها ، فهو حتى الآن لم يخبرها بشئ يريح عقلها ، فهو لا يفعل سوى أن يثير شوقها إليه ، متمرساً بذلك الأمر ، فهى من كانت تظن أنها لن تشعر بأى عاطفة نحوه ، أصبحت الآن لا تعلم كيف صارت تطيعه وترغب بوده وقربه ، ذلك العمران الذى لن تستطيع سبر أغوراه ، إلا إذا سمح لها بذلك  
_____________
تلك أغرب مكالمة هاتفية وردتها منذ عودتها لمنزل أبيها ، وليس من أى أحد ، سوى ذلك الشاب ، الذى ساهم بهدم حياتها منذ أن تم التعارف بينهما بالنادى الرياضى ، فهى لم ترى له وجه منذ تلك المرة التى قام فيها بطردها من منزله ، بعدما أكتشفت خسته ودناءته معها ، فهى ظنت بالبداية أنه لم يعاود الإتصال بها إلا من أجل إبتزازها أو ما شابه ، ولكن كان صوته خافتاً كأنه بالنزع الأخير ويريد رؤيتها على وجه السرعة قبل موته 

ركضت من غرفتها إلى الطابق السفلى ، ومنه للمرآب ، وأخذت سيارتها ، وقادتها بطريقها لتلك المشفى التى أخبرها بعنوانها وبرقم تلك الغرفة المتواجد يها ، صفت السيارة أمام المشفى وهرولت للداخل 

أقتربت من عاملة الإستقبال وهى تقول بعجالة :

– لو سمحتى عايزة أشوف المريض اللى فى أوضة ٩ 

أشارت لها عاملة الإستقبال لأحد الأروقة وهى تقول بإبتسامة مهنية :

– هتلاقيها أخر الممر ده 

ذهبت هند حيث أشارت ، حتى وصلت أمام الغرفة ودقت بابها ، ففتح شاب لا يتعدى عمره العشرون عاماً الباب ، وملامح الحزن تملأ وجهه 

فنظرت إليه وقالت بصوت مرتجف :

– أنا أبقى هند الصاوى وهو طلب يشوفني

رد الشاب قائلاً وهو يشير لها بالدخول :

– أه أتفضلى هو كان منتظرك 

ولجت هند الغرفة ، فخرج الشاب مغلقاً الباب خلفه ، لم تقوى على النظر لذلك الشاب المستلقى على الفراش والحروق تملأ وجهه وجسده ، المغطى بشاش أبيض ، وكأن تم نزع جلده ولحمه يكاد يتساقط، كأنه جثة أحترقت وتفحت ولم يبقى منها سوى عينان تنظر لها بندم 

بأقدام مرتجفة ، كانت هند تجلس على مقعد قريب من سرير المشفى ، فصوته خافت ولا تستطيع سماعه إلا إذا كانت قريبة منه للحد الكافى ، الذى يمكنها من سماع ما يقوله 

فأبتلع الشاب لعابه ، كأن جوفه ما زال متقد به النيران التى شبت بجسده وأحرقته بالكامل ، فقال بصوت جاهد على أن يخرج من بين شفتيه المحترقتين :

– هند أنا طلبت تيجى هنا علشان كنت عايز اشوفك ضرورى فى حاجة مهمة لازم تعرفيها 

على الرغم مما فعله بها ، إلا أنها لم تشعر سوى بالشفقة على الحالة التى ألمت به ، فحاولت جعله يكف عن الكلام :

– متتعبش نفس وأرتاح بلاش كلام لو كان الكلام هيتعبك 

رفض الشاب قولها وقال بإصرار :

– مفيش وقت يا هند ولازم أقولك اللى عندى، بالنسبة للفيديو بتاعك ، أنا ملمستكيش يا هند ولا عملت فيكى حاجة واللى كانت معايا واحدة تانية مش أنتى

انفغر فاها على الفور ، فربما هو يهذى ، فهى رآت الفيديو وكانت مخمورة وترقص وحدث ما حدث بينهما ، إلا أنها نفضت رأسها وقالت بعدم فهم :

– واحدة تانية إزاى يعنى وأنا شوفت الفيديو واللى كانت موجودة أنا وكنت سكرانة ولما قومت الصبح وكنت فى بيتك

أخذ الشاب نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ:

– أنتى فعلاً اللى كنتى فى أول الفيديو وبترقصى وأنتى سكرانة ، بس بعد كده أنتى أغمى عليكى وكانت فى بنت تانية متفق معاها تعمل معايا الفيديو على أنها أنتى ، فأخدت هدومك ولبستها وبعدين عملنا الفيديو ، بحيث اللى يشوف الفيديو هيشوفك فى أوله بترقصى ولما يكمل هيشوف بنت بنفس لبسك هى اللى عملت كده وهيفتكرها أنتى ، ولما الصبح صحيتى ولقيتى نفسك كده ، ضحكت عليكى ، لأن كنت واخد فلوس علشان أعمل كده بس من غير ما أحاول ألمسك ، واللى اتفق معايا المنافس بتاع باباكى علشان يبتزه ، أنا طلبت تيجى علشان أقولك على الحقيقة وأقولك سسامحينى ييا هند 

خرجت حروفه الأخيرة بهمس متقطع ، فهى حتى لم يكن لديها الوقت الكافى بالرد عليه ، إذ وجدته لفظ أنفاسه الأخيرة بالحال ، مما جعلها تهب واقفة تحاول أن ترتد بخطواتها للخلف ، فإصطدمت بالمقعد ، الذى سقط وأحدث صوتاً جعلها تنتبه على وضعها ، وعلى حديثه الذى قاله قبل موته ،ركضت خارج الغرفة وهى تجهش بالبكاء ، فرآها ذلك الشاب الاخر الذى كان يرافقه وولج الغرفة على الفور 

وصلت هند لسيارتها وأستندت عليها وهى واضعة يدها على فمها لتكتم صوت بكاءها ، فهى تعرضت للخداع من أجل لعبة قذرة ، فهى مازالت بكر وعذراء ، فلا أحد لمسها غير زوجها كرم أثناء تلك العناقات القليلة التى كانت تحدث بينهما ، فمن وسط بكاءها وشهقاتها أشرقت بسمة على شفتيها ، من علمها بحقيقة أمرها ، فكيف سيكون الحال بعد علم والديها و زوجها ؟
_____________
أمر أدريانو الحارس الواقف أمام غرفة إبنته ،أن يكون أكثر إنتباهاً وحذراً وحرصاً عليها ، ولا يدعها تخرج من غرفتها ، حتى يبت بأمرها الجنونى وعزمها الأكيد تلك المرة أن تترك المنزل بغير عودة ، ففكر أن بمجئ أبناء عمها ، ستصير أكثر هدوءًا خاصة أن حياء بمثل عمرها تقريباً ، فبعد أن أبلغته بقرارها ، هاتف ديفيد وأمره بالعودة سريعاً إلى الإسكندرية ، فحتى وإن كان مخططه بالبدء أن تبتعد حياء عن مكان وجود زوجها وعائلته ، إلا أن التفكير بأمر إبنته الوحيدة ، جعله يكسر حاجز التفكير السليم 

– حضرتك الضيوف وصلوا 

قال أحد الحراس وهو يهرول إليه ليخبره بإحترام وطاعة وشئ من اللهفة بعودة سيدهم الصغير ، الذى كان كثيراً من الأحيان ، يمتاز بالرفق واللين عن عمه صعب المراس ، فالمدة القصيرة التى كان يعود بها للإسكندرية ، كزيارات متقطعة ،كان يظهر بها بعض اللين لهم ، لذلك ربما أصبح رجال عمه أكثر وفاءاً له عن سيدهم الكبير المتعصب 

– تمام تمام أنا جاى وراك

مسح أدريانو وجهه ، يتهيأ لمقابلة إبنه أخيه ، فعلى الرغم من أنه هو من علم بشأن أنها مازالت على قيد الحياة وأخبر ديفيد بالأمر ، إلا أنه لم يقابلها وجهها لوجه حتى الآن ، لذلك خطى خطواته تجاه غرفة المعيشة الكبيرة ، التى يقبع بداخلها ديفيد برفقة شقيقته 

ولج أدريانو وهو يصيح بترحيب :

– ديفيد 

هب ديفيد من مكانه مقترباً منه ، لتتم المصافحة والترحيب بينهما كأب يرحب بعودة إبنه الغائب ، على الرغم من أن ديفيد لم يغيب كثيراً ، ولكن وضع أدريانو له بمنزلة ولى العهد وخليفته بتجارته ، جعله يكون أكثر وداً خلاف عادته دائماً مع الأخرين 

– أزيك يا إينچيل

هتف بها أدريانو وهو يقترب من حياء ، التى راحت تنظر حولها ، لتعلم من تلك التى يحدثها ، فهى لم تسمع هذا الإسم سوى مرة واحدة من ديفيد ، وأصرت هى على أن يناديها بإسمها الذى إعتادته دائماً

عبست ملامحها الرقيقة وهى تجيبه :

– إسمى حياء مش إينجيل 

ضم أدريانو شفتيه بتعبير مبهم ، فهى يبدو عليها أنها عنيدة بعض الشئ ، ولن تجعل أمر تعاملهما سوياً سهلاً ، فرغم معرفته بأنها تربت ونشأت على تعاليم الدين الإسلامي ، كان يظن أنه فيما بعد سيجعلها تتخلى عنها وتتبع عقيدتهما الأصلية 

فإبتسم إبتسامة جانبية وهو يحك جبهته:

– بس أنتى فى الحقيقة إينجيل مش حياء يا بنت أخويا فاهمة كده ولازم تتقبلى واقع أن أهلك الأصليين يهود 

صعقت حياء من سماع كلمة " يهود " فهى وإن علمت بشأنهما ،كانت تظن أنهما يتبعان الدين المسيحى ، ولكن أنهم يعتنقون اليهودية ، لم تضع هذا ببالها لحظة واحدة ، فهى لم ترى ديفيد يمارس أى شعائر من شعائر دينهم ، بل أنه لم يخبرها بحقيقة ديانتهم 

فركت يديها ببعضهما البعض ، بعد شعورها بالتعرق بهما ، فردت قائلة وصوتها يشوبه الإرتجاف :

– يهود ! يهود إزاى يعنى ، وإزاى يا ديفيد متقوليش حاجة زى دى 

فتح ديفيد فمه ليجيبها ، فسبقه أدريانو القول بحزم:

– وأنتى يفرق معاكى إيه إذا كنا يهود ولا مسيحيين ولا مسلمين ، المهم إن إحنا أهلك ولازم تكونى تابعة لدينا

– دا مستحيل يحصل 

قالت حياء بإصرار ، وهى تنظر  فى وجه أدريانو بتحدى ، فإن نجحا هو وديفيد بجعلها تترك زوجها مكرهة ، فهى لن تستمع لأمر اخر منهما ، كالذى يريد منها الآن ، فهى لن تتخلى عن عقيدتها ولو كان إخر يوم بحياتها 

– إهدى يا حياء وإحنا يا عمى عايزين نرتاح شوية علشان حياء تقابل بيرى 

أراد ديفيد فض ذلك النقاش ، الذى ربما يصل إلا ما لا يحمد عقباه ، فمعرفته القصيرة بشقيقته ، جعلته أكثر وعياً وإدراكاً لردود أفعالها ، كتلك التى كانت تصدر منها أثناء حديثهما ، وهو خير من يعلم طباع عمه جيداً ، فعوضاً عن سعادته بإيجاد شقيقته ، ربما سيجدها تخر صريعة على الفور من رصاصة غادرة يطلقها أدريانو بدون أن يرف له جفن 

أماء أدريانو برأسه قائلاً وهو يحدق بوجه حياء :

– ماشى روحوا أرتاحوا بس لينا كلام تانى مع بعض يا إنجيل قصدى يا ..حياء 

لم تشعر بالراحة لمقابلة من يزعم أنه عمها ، فهى لم تجد الترحيب منه ، كالذى وجدته من شقيقها ديفيد على الرغم من أن ديفيد كاد يفقدها صوابها أحياناً بحديثه المستمر عن زوجها وضرورة إقلاعها عن حبه ، وأن تسرع بالتخلص من رابط الزواج بينهما 

جرت حياء قدميها لتتبع تلك الخادمة التى جاءت على وجه السرعة بعد إستدعاء أدريانو لها لترافقها لغرفتها ، فبعد خروجها عاد أدريانو ببصره لديفيد ، الجالس قريباً من النافذة ، ويحتسى كأس من النبيذ سكبه لنفسه من تلك الزجاجة الموضوعة على المنضدة الصغيرة 

– أختك دى باين عليها دماغها ناشفة وهتتعبنا معاها ، هتتصرف أنت معاها ولا أتصرف أنا بطريقتى، لأن مبحبش الدماغ الناشفة ياديفيد وأنت عارفنى 

وضع ديفيد الكأس من يده بشئ من الحدة ، بعدما تجرع ما به دفعة واحدة ، فقال مغمغماً بضيق :

– عمى الموضوع ميتحلش بالطريقة دى ، مش هتيجى لوحدة أتربت ٢٢ سنة على عقيدة ودين معين وتيجى فى كام يوم تقولها اتبعى ديانة تانية علشان دى ديانة أهلك ، مش منطق ده

وضع أدريانو يده بجيبه ونظر لديفيد قائلاً بسخرية :

– أنا شايف أن قلبك مال ليها بسرعة حتى بقيت بتدافع عنها

ترك ديفيد مقعده ، وحاول إنهاء الحديث بينهما بقوله :

– عن إذنك يا عمى علشان عايز أرتاح أنا كمان 

خرج ديفيد من غرفة المعيشة ، بينما ظل أدريانو مكانه ، يسكب من زجاجة النبيذ بالكأس ويتجرعه تباعاً حتى كاد ينهى الزجاجة بأكملها ، إلا أن قدوم أحد رجاله يخبره بمجئ عمرو ، الذى أصر عليهما أن يأتوا به من أجل أنه يريده بأمر هام 

أشار له أدريانو بالسماح له بالدخول ، فولج عمرو الغرفة وملامح وجهه ساخطة ، فهو لم يكن يريد المجئ بهذا الوقت ، خاصة أنه بفترة حداد على أبيه ، فأدريانو لم يكلف نفسه المجئ لمواساته 

– خير كنت عايزنى فى إيه 

قال عمرو وهو يضم كفيه ويقف متصلب بوقفته 

فأبتسم أدريانو إبتسامة سخيفة وهو يقول ببرود :

– معلش هقطع فترة حدادك على أبوك أصل عندنا شغل مهم ، غير موضوع تجارة المخدرات في شغل تانى عايزك فيه 

قطب عمرو حاجبيه متسائلاً:

– شغل إيه ده 

أقترب منه أدريانو ، ووضع ذراعه حول كتفيه ، كأنه بذلك يضمن وجوده تحت سيطرته ، فسارا سوياً حتى وصلا إلى القبو التابع للمنزل 

قال أدريانو وهو يشير للحارس بفتح الباب:

– ده الشغل اللى كان بيعمله نصر السلمانى بس مات والصراحة مش لاقى حد غيرك يقوم بالشغلانة دى ، فى بنت هنا الرجالة جابوها الصبح ، فأنت مهمتك توصل البنت دى لرجالتنا فى إيطاليا 

زاد سريان الخوف والقلق بعروق عمرو ، فهو وإن كان طلب منه أن يعمل معه بديلاً لأبيه ، فليس معنى هذا أنه سيكون متمرساً بذلك الأمر الذي يريده منه 

ولكن بفتح الحارس باب القبو ورؤية عمرو لتلك الفتاة الجالسة على الأرض وقدميها موثوقتان بالحبال ، وكذلك الحال بيديها وموضوع على فمها قطعة من القماش لكتم صوت صراخها ، جحظت عيناه وكأن ضربته صاعقة كهربائية 

فخرج صوته خافتاً ومصدوماً :
– معقولة أنتى 

دمعت عينى سهى وهى تحاول فك وثاقها ، فخرج صوتها مكتوماً وهى تحاول أن تصرخ به ، فهى لم تضع ببالها أن تراه هنا وخاصة بهذا الوقت ، أنحنى إليها أدريانو وسحب قطعة القماش من على فمها 

فنظر لعمرو وإبتسم بخبث :
– بس إيه رأيك فى البنت دى حلوة مش كده وهيدفع فيها مبلغ حلو أوى

فصرخت سهى وهى تنادى بصوت عالى  :
– ألحقوووووووونى 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close