رواية فرط الحب الفصل التاسع عشر19 والعشرون20بقلم دينا ابراهيم
في اليوم التالي وقت تناول الفطور جلس ثلاثتهم على مائدة الطعام في سكون فتنحنح "ريان" وهو يقلب طعامه عارضًا على ريم وعمر:
-ايه رأيكم نخرج انهارده؟
لمعت عيون ريم قبل عمر ليجيب كلاهما في آن واحد:
-بجد، هنروح فين؟
ابتسم ريان سعيد برد فعلهم الحماسي ثم حرك كتفه يترك الامر مفتوحًا أثناء تناوله قطعة من الخبز في فمه مردفًا:
-انتوا عايزين تروحوا فين؟
-الملاهي!!
هتف كلاهما في سرعة خطفت ابتسامه من شفتيه المكتنزة، ليقفز عمر من مقعده مصفقًا في سعادة راكضًا كي يقبل والده هاتفًا :
-أنا بحبك أوي يا بابي ... مواه.
ضحك ريان ليخبره بابتسامته الجانبية الجذابة:
-وانا بحبك، يلا بطل دلع وافطر عشان نلحق ننزل.
تحرك عمر في سرعة فرفع ريان نظراته الشقية نحو ريم المبتسمة تلك الابتسامة المشعة كشروق الشمس ثم قال في نبرة مشاكسة:
-وبحب ريم كمان.
-وريم كمان بتحبني وبتحبك.
ضحكت ريم التي احمر وجهها في خجل لسرعة استجابته عمر واجابته عنها، فأعترض ريان في مرح:
-وليه مش بتحبني أنا الأول وبعدين بتحبك انت.
-عشان أنا ابنها طبعا لازم أكون الأول.
أجابه عمر في ثقة بكتفين مضمومين كأنه يؤكد كلماته، فضحك ريان ممسكًا بيد ريم مدافعًا عن مكانته داخل قلبها مردفًا في مشاغبة:
-ريم قولي لعمر انك بتحبيني أنا الأول!
ضغطت ريم على اسنانها في ابتسامه خجلة وكادت تخبره بالعكس لكنه اوقفها بهجومه على جانب جسدها مدغدغًا إياها محذرًا:
-أحسن لك تقوليله انك بتحبيني انا الأول.
صرخت ريم ضاحكة وحاولت الابتعاد عنه لكنه وقف يلاحقها راكضًا خلفها مستمر في هجومه بإصرار وابتسامته كبيرة مستمتعة:
-كفاية، بحبك انت.. ايوة ايوة بحبك انت كفاية هموت...
قالت ريم بنبرة متقطعة بين ضحكاتها، فصرخ عمر وهو يحاول إنقاذ ريم الغارقة في ضحكاتها من أصابع أبيه هاتفًا:
-أنت بتغش بتغش...مش محسوبة بتحبني أنا .... انت بتغش..
ترك ريان زوجته وجثا يلتقط عمر كي يدغدغ جانبيه حتى انفجر ضاحكًا هو الآخر لينتفض جسده الصغير بين أصابع أبيه القائل في زمجرة:
-داهيه لتكون بتحب ريم اكتر مني، قول ياض بتحبني انا الأول ولا ريم..
-بحبببك، بحببك اااه الحقيني يا ريم.
جثت ريم جوارهما تلتقط أنفاسها وسط ضحكاتها العالية ثم مدت ذراعيها تختطف عمر من ذراعيه لأحضانها.
لكن سرعان ما صرخ كلاهما في ذعر ومرح حين لمعت عيون ريان في عزم ومشاكسة قبل أن ينتفض على كلاهما يدغدغ الحياة من قلبيهما...
قطع مشاكساتهم رنين الباب فوقف ريان يلتقط أنفاسه أمرًا بابتسامه واسعة:
-ادخلوا غيروا هدومكم وأنا هشوف مين.
وقف كلًا من ريم وعمر يعدلان ملابسهم بأنفاس متقطعة ووجه أحمر، رمقته ريم بحنق طفولي فخرجت منه ضحكة خفيفة ليتحرك سريعًا مبتعدًا عن سحر عينيها عندما دق الباب من الجديد هاتفًا:
-أيوة ... ثواني...
فتح الباب فقابلته سيدة تبدو في اواخر الثلاثين من العمر ترتدي سروال من الجينز الضيق التي ترتفع ثنايا أطرافه لمنتصف ساقيها حرفيًا وترتدي بلوزة تميل من فوق كتفها وتكشف عن جزء من صدرها في وقاحه بمعنى أخر هي ترتدي ملابس لا تناسب عمرها او جسدها أبدًا، وجديًا هو لا يرغب في تفحص وجهها المطلي بأطنان من مواد الزينة، خرج من بؤرة فحصها على صوتها الرفيع المتسائل:
-هو مش ده بيت ريم؟
-ايوة هو، مين حضرتك؟
سأل وهو يعقد ذراعيه امامه لا يعجبه ابدًا أن زوجته على معرفة بتلك المرأة المريبة فأجابته في تعجب:
-أومال انت تبقى مين؟
-أنا ريان جوزها.
رمشت مرتين تطالعه من أعلاه لأسفله في صدمه وفم مفتوح لتخبره بلهجة مريبة يشوبها الرقة الحادة المصطنعة :
-ااوه أنت ريان طليق ريم.
ضاقت عينيه وشعر بمؤشر غضبه يرتفع فان تأكدت ظنونة سيجن جنونه على زوجته الحبيبة ولتريه كيف ستتمكن من الهروب من بين براثنه، جز "ريان" على أسنانه متسائلًا بشكل ساخر:
-العروسة مش كده؟
ارتفع حاجب المرأة منبهرة في إعجاب بصراحته ووضوحه ثم مدت أصابعها ترحب به قائلة:
-أسمي سونيا، ريم حكتلي عنك قبل كده،
بس مكنتش متخيلة اني هشوفك انهارده والا كنت جهزت نفسي أكتر من كده.
قالت سونيا بابتسامه متقطعة سخيفة مثلها، بينما كل ما يدور في عقل ريان هو ماذا كانت لتفعل ان علمت بوجوده أكثر من ذلك ولما بحق السماء تحضر له ريم سيدات مريبة بأخلاق أكثر ريبة فهو لن يتمكن حتى من النظر إليهم ناهيك عن الزواج بإحداهما، أو ربما هي تتعمد إحضارهم لأنها متأكدة من رفضة.
تلك المشاغبة الصغيرة الذي سيستمتع كثيرًا بصفع مؤخرتها كالأطفال....!
سعل بخفة عندما نظرت له سونيا متعجبة من وقوفه هكذا دون رد فعل فسأل يحاول استيعاب الموقف:
-ريم عزمتك مش كده؟
-مش اوي الحقيقة هي كلمتني من فترة وكنت بحاول اتواصل معاها بس تلفونها كان مقفول،
وبالصدفه كنت معديه لقتني تحت بيتها قولت أطمن عليها.
تغاضت عن إخباره بأنها ظلت منذ أسابيع متحمسة للتعرف على طليق ريم الذي ستوفق بينها وبينه بنفسها على حد قولها وقد علها الانتظار عندما انقطعت أخبار ريم فقررت الحضور بنفسها للاطمئنان.
وكم هي سعيدة لحضورها وأسعد لما تراه أمامها من رجل جذاب مثير، لمعت عيناه الحالمة قبل ان تسأله في غنج لا يليق بعمرها:
-احنا هنفضل على الباب كتير؟
أعاد ريان رأسه يحاول إخفاء اشمئزازه من طريقتها ونظراتها الوقحة لكنه تمتم:
-اتفضلي.
انزاح ريان من امامها بشفه مزمومه في غضب وتفكير، ربما عليه تمالك عضبه فتلك ال "سونيا" تخبره بأن زيارتها جاءت دون ميعاد ولكن فكرة اتفاق ريم معها منذ البداية يلعب على اوتار أعصابه وتزيده حنقًا.
سعل ثم التفت نحو سونيا التي وقفت تتفحص المكان حولها متسائلًا:
-هو انتي تعرفي ريم منين؟
-من المحل، زبونه عندهم بس حقيقي ريم كلها ذوق هي وأحمد.
انكمشت ملامحه في تقزز عندما سمع أسمع أحمد ولكن قاطعهم خروج ريم التي اتجهت للخارج عندما وصلها صوت أنثوي لتتسع عيناها وهي ترى سونيا تحادث ريان في انسيابيه.
-سونيا!!
-ريم قلبي، وحشاني يا صغننه.
تسمرت ريم في مكانها فتوجهت نحوها سونيا التي احتضنتها، دون ان تنتظر اجابتها، انتقلت نظرات ريم المتوجسة نحو ريان الذي وقف يحدق في وجهها الشاحب بجمود ليخبرها ساخرًا وهو يجز على أسنانه:
-واضح انك فرحانه أوي لدرجة مش قادرة تردي على صاحبتك.
-اه ... طبعا... وحشتيني بردو.
تابع اشارات ارتباكها كالصقر فعاد الأمل ينغرس في صدره ولمعت عيناه في فكره شيطانية خاصة عندما ضاقت عيون ريم في حده لمقوله سونيا الغير واعية عما يدور بينهما:
-شوفتي جيت في الوقت المناسب، عشان اقابل ريان ازاي دي أكيد اشارة من ربنا بالقبول...
قهقهت على مزحتها بينما قلبت ريم شفتيها في غيرة واضحة وشعر ريان بأنها ستدق عنق السيدة فأبتسم في تشفي مردفًا في سماجة مبالغ فيها:
-شوفتي سخرية القدر يا ريم، اشارات الرضا والحظ دلوقتي...
اشار بأصبعه للأعلى كناية عن ارتفاع اسهم كلاهما في سخرية فحدقته ريم بنظرة قاتلة متعجبة من الابتسامة المغيظة المرتسمة على وجهه لا تعلم انه ينوي أن يرد لها الصاع صاعين.
اقترب ريان من سونيا التي وقفت تتابعه بأعين سعيدة حالمة وكأنها ترتب اجراءات الزفاف في عقلها فقال في امتنان مخادع متحاملًا على نفسه:
-انا مبسوط أن ريم رشحتني لواحدة جمالها مبهج زيك كده.
لامست سونيا وجهها كناية عن خجلها الزائف لتضحك تلك الضحكة المستفزة والتي تجعله يرغب في فض طبلة أذنه بنفسه، فتجيبه بلهجة مسرورة راضية:
-ميرسيي لذوقك أوي انت مش بس جان في نفسك لا وجنتل كمان،
قدرتي تسبيه ازاي بس يا ريم؟
قلد ريان نفس ضحكتها وهو يضع اصبعه أسفل ذقنه متسائلًا في تسلية واستمتاع أكثر مما ينبغي:
-ايوه صح تسيبي واحد زيي ازاي يا ريم؟
جزت ريم على أسنانها وبدأ عنقها يميل للون الأحمر من الغضب فقالت في حدة:
-انا مسبتهوش!
نظرت لها سونيا بعيون واسعة لتسأل في حده:
-قصدك أيه؟
-قصدها ان أنا اللي سيبتها، محدش يقدر يسيبني عشان انا جان وجنتل.
قال ريان في ثقة بالغة قاطعًا حربهم النسائية فهتفت ريم دون شعور:
-وحياة أمك، لا بقى على فكرة ده جوزي.
-جوزك يعني ايه جوزك، انتي هتستعبطي ولا احلو في عينك دلوقتي!
هتفت سونيا مستنكرة وهي تلوي أصابعها امام عينيها في حركة شعبية بحته لتتسع أعين ريان قبل أن ينفجر ضاحكًا خاصة عندما ابتعدت ريم خطوتين للخلف في ذهول.
لكنه أعجب بشجاعتها حين أصرت على موقفها وهي تقترب من ريان تمسك ذراعه لتقربه منه مؤكدة حروفها في قوة:
-لا محلوش في عيني ولا حاجة هو اللي مقدرش يطلقني ولا يبعد عني.
-لا مش للدرجادي...
كاد يستكمل ريان اجاباته الساخرة لكنها قرصته في غضب هاتفة في نبرة محذرة عالية:
-ريان احترم نفسك متجننيش.
-هو في ايه بالظبط، انتي بتهددي عشان يبقى معاكي،
وبعدين مالك كده يا حبيبتي ولا أنتي مش متحمله المنافسة.
-نعم، منافسة ايه يا وليه يا قرشانه، ده انتي قد أمي!
رفع ريان كفه موقفًا لسان سونيا المتأهب للرد قائلًا في غيظ موجه نحو ريم:
-لا خليها عنك المرة دي.
التفت ريان نحو ريم يمسك أذنيها بين كفيه يمطهما في الخارج في غضب مردفًا بنبرة مستنكرة:
-ولما هي قرشانه وقد أمك بتجبيهالي ليه ما هي قرشانه وقد امك بتجبهالي ليييه!
-افندم انتوا بتهزروا، وديني وما أعبد ما انت راجعلها انت هتتجوزني يعني هتتجوزني...
زمجرت سونيا في صوت غليظ تظهر جانبها الحقيقي فانتفضت ريم تختبئ خلف كتفه تنظر نحوه في ذعر ليوبخها من بين اسنانه ناظرًا للخلف:
-عجبك التهزيق ده من عجل البحر، سونيا ازاي دي فهميني!
-عجل البحر وربنا ما هسيبكم.
انقضت تهاجمهم بحقيبتها فتفادى ريان ضرباتها بكفيه قائلًا في ذهول:
-استني، استني بس يا مدام سونيا هفهمك.
-أنسة يا خويا، أنسه، اتفضل فهمني!
-بصي اتفضلي حضرتك دي ريم معاكي ربع ساعة حاولوا تتفاهموا بهدوء سوا،
وانا هروح أغير هدومي عشان رايحين الملاهي.
جذب ريم المصدومة من خلفه ليضعها أمامها مباشرًا قبل ان يتحرك هاربًا، فصرخت ريم وهي تركض تلاحقه تختبئ في جسده، فامسكها يبعدها عن مرمى حقيبة سونيا التي كادت تتقابل مع رأس ريم، ليخبرها ريان في جدية:
-لا ده انتي ولية قليلة الأدب بقى،
وانا عمال اقول ست ومينفعش أمد إيدي على ستات بس شكلك كده مش هتتهدي غير لما تاخدي على دماغك.
-لا ونبي مد ايدك عليا عشان اقطعهالك.
-اما انتي وليه سئيلة بصحيح هو الجواز بالعافية مقالتلك بحبها ومتمسك بيها يلا امشي من هنا وورينا عرض كتافك قبل ما اروح فيكي في داهية.
دفعها ريان جسدها الممتلئ دفعًا نحو الباب قبل ان يدفعها بشكل نهائي للخارج مغلقًا اياه في حده بوجها قائلًا في غيظ وهو يتقدم من زوجته:
-دي ست دي، جيبالي حيزبونه اتجوزها.
وضعت ريم كفيها فوق فمها ورغم ما حدث إلا انها انفجرت ضاحكة، وضع ريان يده حول خصره في حزم ثم نظر لها في اتهام وغضب قبل ان يومأ رأسه بقلة حيله ويتنهد مشاركًا إياها ضحكاتها في استسلام خاصة وهما يستمعان إلى صوت سونيا المبتعد في اعتراض.
-بابي الست المجنونة مشيت؟
جاء صوت عمر الذي يمد رأسه من خلف باب غرفته ليحرك ريان رأسه متهمًا صغيره في خيبة أمل:
-ولما أنت عارف انها مجنونة سايبنا ومستخبي ليه يا ابن الكلب!
-الله، أنا طفل صغير مينفعش أتضرب معاكم.
أشار ريان نحو عمر مخبرًا ريم في انزعاج:
-شوفتي دلعك اهو طلع خرع يعني مش لمض وبس لا لمض وخرع.
-أحسن هو عنده حق، مش دي اللي انت سعيد اني رشحتك ليها!
قالت بشفاه مقلوبه ساخرة وهي تتجه بأنف مرفوع نحو عمر تحتضنه ليهز ريان رأسه في ذهول من غضبها قائلًا:
-انتي اللي جبتهالي مش انا انتي حولة !
-خلاص الموضوع انتهى ممكن نروح الملاهي بقى.
قال عمر وهو يفتح ذراعيه يفض شجار وهمي لتخبره ريم مقلده نبرات سونيا الضاحكة:
-هلبس أهوه وأكيد بابي معندوش مشاكل اني اتأخر لانه مش بس جان ده كمان جنتل.
تحركت في خطوات عسكرية نحو الباب ثم اطلقت سراح ابتسامتها ما ان اغلقت الباب خلفها ودقات قلبها تتراقص مستمعة بضحكاته المدوية التي تلاحقها.
*****
جلست والدة وسام في الردهة تنتظر وصول بيجاد من العمل فوقفت تحيه بنظرات معاتبة، اقترب منها يقبل رأسها قائلًا دون تأجيل:
-عارف وحقك، انا مقصدتش أزعلها هي اللي بتستنتج تخاريف من دماغها.
جلست والدة وسام في مكانها وقالت مؤكدة على تفهمها لموقفه:
-عارفة يا ضنايا ومقدرة بس دي حامل بردو ومش حمل البهدله دي كلها،
دي مكلتش لقمة من إمبارح.
رمى بيجاد بجسده على الأريكة جوارها يفرك رأسه الحليقة حديثًا ليسأل في حيرة:
-طيب أعمل أيه؟
انا بعمل اللي هي طلبته مني من البداية وهي بردو اللي مش مدياني فرصة أصفي ذهني.
-تصفي ذهنك من ايه بس يا حبيبي، ما انت ما شاء الله عليك زي الفل اهوه.
ابتسم بيجاد ثم ربت فوق يدها الممسكة بقبضته معترفًا في صدق:
-لا يا خالتي مش زي الفل، بما أوصل اني امد ايدي على مراتي الحامل ابقى مش زي الفل.
-ما هي بردو...
رفع بيجاد كفه يقاطع مبرراتها متمتمًا في خجل:
-ملهاش مبررات يا خالتي كان ممكن ارمي عليها يمين الطلاق وامشي وساعتها كنت هبقى مرتاح،
مكنتش هحس ان في جبل من الذنوب على كتافي بسببها.
زمت شفتيها مشفقة عليه قبل ان تقترح:
-طيب ما تقعد معاها وتقولها الكلمتين دول وطلعوا كل اللي في قلبكم.
ارتفع جانب وجهه في سخرية وهو يستقيم معللًا:
-للاسف يا خالتي مينقعش اللي في قلبي صعب أوي وكتير،
ومش هعرف اترجمه من غير ما اجرحها او اراعي شعورها.
-طيب بص ادخل اقنعها تاكل ومش لازم تصالحها.
هز رأسه بالموافقة بعد تفكير ليسأل:
-هي فين؟
-في اوضتكم.
-طيب معلش لو هتعبك ممكن تجبلها الأكل وأنا هتصرف.
حرك كتفيه في حركة إحماءيه قبل ان يندفع في مرونة وهدوء إلى الغرفة، اعتدلت وسام من جلستها فوق الفراش لتسند جسدها للخلف قبل ان تتفحصه بحاجب مرفوع في غموض يفوح برائحة الشك.
وقف يبادلها نظراتها الحادة قبل ان يرفع نفس الحاجب في تحدي ويبدأ في خلع ملابسه مكانه دون ان يتجنبها كما دأب في الأيام السابقة.
ارتبكت وسام بسبب نظراته الغريبة الغامضة التي يطالعها بها أثناء خلعه لقميصه، لمعت عيناها وهي تتابع عضلات جسده الرائعة ليقطع جموح أفكارها المخجلة طرقات الباب.
فتح بيجاد في هدوء مستلمًا صينيه الطعام من والدتها ثم أغلق الباب بعد أن شكرها متجهًا في صمت نحو وسام التي تتابعه بحاجب لا يزال مرفوع في تعجب خاصة حين جلس على طرف الفراش بجوارها كاسرًا قواعد التجاهل خاصته واضعًا الصنية فوق فخديها لتخبره في اعتراض ضعيف:
-أنا مش جعانه!
لم يعيرها أي اهتمام وبدأ يتناول الطعام في نهم وكأنها غير موجودة انفرج فمها في ذهول ليباغتها بدس قطعة من الطعام في فمها.
تريد الاعتراض والرفض والتمسك بغضبها متذمرة ولكن طبول قاعات الأفراح التي يطلقها قلبها مسحت المتبقي من كرامتها، مضغت الطعام في صمت دون اعتراض فهي متلهفة للشعور بقربه حتى وان كان يدس الطعام في فمها في سكون مبررة قبولها بخانة الهرمونات فهي تستحق التدليل حتى وان كان بالإجبار.
-عايزة ملوخية.
همست في دلال تحاول كبح حمرة الخجل فاتجهت اصابعه في لهفة يقطع الخبز ويغمسه في الحساء الأخضر قبل ان يرفعها أمام فمهما لتلتقطه في رضا ودون أي تذمر منه.
في الحقيقة لقد كانت تستمتع بلمساته أكثر مما ينبغي والاكثر باهتمامه بها فهي تعلم داخلها انه يهتم ولا يزال يعشقها كما تفعل هي ولكنه يكابر في غباء.
تمامًا كما كانت تفعل هي سابقًا حتى انتهى بها الحال مضيعة أفضل أيام عمرهما في الخصام والتكهنات المتشائمة سارقة منهم فرصة العيش في هناء متناسية عن عمد بأن كل ما يحدث في الحياة سيتم بمشيئة الله ودعواتهم.
تعلقت عيونها في عتاب عيونه الجامدة ولكنها طمئنت قلبها وهي ترى لمعة الحب التي يختصها بها داخلها فمهما حاول إخفاءها فهي لن تخطأ في تفسيرها والتعرف عليها أبدًا.
"فرط الحب"
الفصل العشرين
بعد عدة أيام أصر ريان على تجميع أسرته مخصصًا يومًا أسبوعيًا يجتمع فيه الأخوة الثلاث بشركاء حياتهم متأثرًا بخطاب شقيقه الذي لفت انتباهه إلي التقصير الأسري المحاط بدائرتهم وسلبية وجودهم في حياة بعضهم البعض فقط وقت الضيق والمصائب.
فقرر أن يصلح الأوضاع بصفته الأخ الأكبر الذي يقع على عاتقه الاهتمام بترابطهم وقت الفرح قبل الشدة، وقد وضع خطة لتصويب أخطاءه نحوهم بإمساك لجام المسئولية في حياتهم والتعويض عن واجب أهمله عندما تخلى عنهم بسفره في أنانية بحتة باحثًا عن ذاته بعيدًا عنهما.
نعم كان يرسل لهم الأموال التي يحتجانها ولكن ما فائدة الأموال وقد أُرهقت القلوب بالوحدة والأحزان؟
ابتسمت "ريم" وهي تتذكر انفعاله أثناء حديثة عن "بيجاد" الذي يهمل زوجته ويدفعها بغبائه لأن تتركه، وقتها ودت "ريم" لو تخبره بانه لا يقل غباءً عن أخيه لكنها قررت الصمت راضية بالتغيير الطارئ على شخصيته القاسية في خطوة تترجمها في قاموسها بأنها خطوة طيبة كريمة لشخص أناني كان يبخل في الاعتراف حتى بمشاعره نحو أحبائه.
ورغم قساوة الوضع إلا إن هناك جزء مظلم داخلها سعيد بانه لم يقتصرها وحدها بهذا البخل العاطفي حتى أشقائه لم يسلما منه، ويمنحها هذا الشعور مبرر لمسامحته أكثر وأكثر، ارتبكت عندما سعلت وسام لتعيدها للواقع بعيدًا عن سارق أفكارها فقالت في توتر منتبهة للصمت الحاد بينهم:
-هجبلكم الفشار لحد ما ريان يوصل بالغدا.
تحركت في خفة فضربت وسام مرفقها بجسد ليان التي تعطيها ظهرها وتلاعب عمر، هامسة بفم مقلوب في عدم رضا:
-انتي بتهببي ايه، انتي كده بتحرجيها مش بتحسني الوضع بينكم.
-انا عملت أيه ؟
أنا سيباكم براحتكم وبلعب مع عمر.
ضربت وسام يدها على رأسها بنفاذ صبر لتخبرها:
-أكيد ريان لما عزمنا، مكنش عشان تلعبي مع عمر،
حقيقي انا بدأت أشك في ذكاءك خصوصًا بعد اللي عملتي مع أحمد.
وضعت ليان يدها فوق فمها بوجه شاحب تطلب منها الصمت لتوبخها:
-وسام بلاش تندميني اني حكيت عن حاجة، وانتي عارفة كويس اني مقصدتش اللي قولته لأحمد.
زفرت وسام في حنق وهي تعتدل على الاريكة تطالع الركن البعيد تتأكد من غياب ريم لتستكمل:
-يا مزغودة انا مش قصدي أضايقك بس أنتي تصرفاتك بتطلع عكس مشاعرك ودي مشكلة كبيرة يا ليان.
-خلاص بلاش كلام هنا أرجوكي.
توسلت ليان وهي تضغط فوق عينيها في حرج فأكملت وسام:
-ماشي بس حاولي تندمجي معانا أكتر، وأحمدي ربنا ان ريم بتتعامل مع الموقف كده، عارفه ده معناه أيه؟
-أيه؟
تحركت أعين ليان داخل مقلتيها بتفكير قبل أن تسألها في غباء، فضربت وسام أعلى رأسها مزمجره من بين أسنانها بنبرة خافتة:
-صبرني يارب، معناه انها بتديكي فرصة عشان الحياة ترجع طبيعية،
فحتى لو مرجعتوش زي الأول بس على الأقل هي عايزة تتعايش مع الموقف عشان خاطر أخوكي ولازم تظهري امتنانك مش تفضلي قاعدة زي اللوح كده.
صمت كلاهما في ارتباك عندما خرجت ريم التي عكست ارتباكهما بسبب صمتهم المفاجئ الذي يفشي بأنها كانت محور حديثهما، قاطعت وسام التوتر الذي ملء المكان بين ثلاثتهم قائلة:
-تسلم إيدك، ااه صحيح مكملتيش الست عملت ايه لما ريان طردها.
جلست ريم جوارها محاولة تفادي النظر إلي ليان ثم ابتسمت بخفة متذكرة تهليل سونيا الذي عقب طردها من المنزل مجيبة:
-ولا حاجة مشيت وبعدها خرجنا قضينا اليوم عادي.
-مجنونة مش مصدقة انك عرضتي عليه عروسة فعلًا بعد ما كنتوا خلاص.
قالت وسام وهي تضرب كف فوق الأخر، فبررت ريم في سرعة بابتسامة منتصرة:
-لا والله ما حصل، أنا آه كلمتها بس كان من فترة لما هو استفزني وقالي عايز عروسة،
بس هي اللي مجنونة وطبت علينا زي القضا المستعجل.
-أحسن عشان يحرم يضايقك تاني!
تدخلت ليان بابتسامة مترددة وقد عزمت على المحاولة والاندماج بينهما، فأرسلت لها ريم في أدب وهي تومأ رأسها بالموافقة.
-أنا هكلم ريان أشوفه اتأخر ليه؟
-قوليله اوعى ينسى يعدي على بيجاد يجيبوا معاه.
قالت وسام في لهجة سريعة متلهفة فضحكت ريم محركة رأسها بالموافقة.
******
وضع ريان الطعام داخل السيارة ثم تنفس الصعداء سعيد بتلقي طلبيته بعد أن تأخر المطعم كثيرًا في تسليمه، الهاهُ عن تذمره رنين الهاتف ليجيب سريعًا:
-عارف اتأخرت بس المطعم كان زحمة، اديني نص ساعة وهكون عندكم انا استلمت الأكل خلاص.
ابتسم وهو يتحرك بالسيارة قائلًا في صوت مُسكر ببحته الرجولية:
-طيب مش عايزة تقوليلي حاجة تانية؟
سقطت ملامح وجهه وهو يستمع لها ليخبرها في نبرة غليظة:
-بيجاد أيه دلوقتي، حاضر يا ستي مش هنساه!
صمت وارتفع طرف فمه في ابتسامه مسلية مستكملًا:
-براحتك يا ريم اتقلي عليا كمان، أنا سايبك بس عشان بحبك.
عض ريان شفتيه يعلم انه يعكس نفس حركتها فبرغم انه لا يراها لكن انفاسها المضطربة تصله وتؤكد له بأنه ان اغمض عينيه سيتمكن من تصور وجنتها الحمراء الخجلة واسنانها الصغيرة كاللؤلؤ تقبض على شفتيها تمنع كلماتها الحلوة عقابًا له، أخرجه صوتها الناعم من جنة خيالاته ليجيبها بنبرة تعكس الحرارة داخله لكنها نجحت في مداعبة قلبها:
-مش هتأخر يا ام قلب حنين.
ضحك عندما خرج أسمه من لسانها موبخًا في دلال طفولي قبل ان يغلقا الهاتف، كم يعشقها ويود لو يمحي الحياة وكل ذكرياتها ولا يبقى فيها سواهما ومشاعر حبهما.
-ايه السنترال ده!
تذمر في حنق عندما عاد رنين هاتفه من جديد لكنه تفاجئ برقم صديقه "بهاء" تعجب لكنه فكر بانه يريد في الاطمئنان عليه وعلى شقيقته بعد عودتهما وقد كان حاضرًا معهما في الخارج خلال أزمة شقيقته فأجابه في ترحيب:
-اهلا يا بهاء، أخبارك إيه؟
-الحمدلله بخير يا حبيبي، وأنت أخبارك إيه انت وأختك؟
-الحمدلله كل حاجة تمام.
-يارب دايمًا، أنا آسف لو بكلمك في وقت مش مناسب،
بس علاء لسه متواصل معايا وسألته عن الظرف بتاعك وقالي ان اللي استلم الظرف هو أخو مراتك.
انعقد حاجبا ريان في تعجب هامسًا:
-أخوها؟
بس ريم معندهاش أخوات!
-مش عارف هو قالي ان أخوها اللي استلمه منه.
قبض ريان على عجلة القيادة في قوة وعقله يصور له من يمكن أن يكون ذلك الأخ فسأل في حدة يحاول التحكم في غضبه المشحون:
-ممكن ابعتلك صورة تبعتها لعلاء وتقوله هو ده اللي استلمها منه ولا لا؟
-اه ممكن بس ابعت على طول قبل ما يقفل النت.
-على طول اهوه متقفلش.
ركن ريان سيارته على جانب الطريق في عجلة غير مبالي بأصوات السيارات المعترضة من حوله، عبث بهاتفه بضع لحظات طويلة حتى وصل لصورة من زفافه هو وريم يظهر في خلفيتها "أحمد" فأرسلها بأصابع مهزوزة وكأنه يخشى الإجابة قائلًا بصوت خشن:
-بعتهالك.
-تمام انا بكلمه اهوه هو لسه فاتح هبعتله الصورة حالًا، خليك معايا.
ساد الصمت وزاد التوتر والغضب مع كل ثانية تمر حتى صدح صوت بهاء القائل في نبرة مؤكدة:
-أيوة هو ده.
جز ريان على أسنانه في غضب وظهرت ملامح الازدراء على طرفي فمه المثني للأسفل في مواكبه مع أفكاره المجنونة التي بدأت تتملكه.
-ريان انت لسه معايا؟
سأل بهاء في حيرة فأجابه ريان بصوت أجش محمول بالكثير من المعاناة:
-متشكر يا بهاء، تعبتك معايا.
-لا ابدًا تعبك راحة، انت كويس؟
قال بهاء متعجبًا من التحول الذي طرأ على نبرة صديقه فأجابه ريان مطمئنًا إياه:
-ايوة انا كويس بس مضطر أقفل عشان اتأخرت وهرجع اكلمك من تاني.
-ماشي يا صاحبي، مع السلامة.
-مع السلامة.
أغلق ريان الهاتف ثم هبط من السيارة يجذب أنافس عميقة لتهدئه النيران المتصاعدة داخل صدره يحاول التحكم في تلك الذبذبات التي تحاول السيطرة على عضلات جسده المشنج.
كان يحاول السيطرة على الوضع داخله ولكن التصورات التي تتلاحق داخل كنف رأسه عن سبب وجود أحمد مع ريم ذلك اليوم...
أفكار بشعة بغيضة تجعله ثائر...
ثائر كثور حليم يتفادى ضربات إنسان خسيس يرغب في غرس السيوف في بدنه...
لكنه لا يجد مفر سوى بالغضب والاستسلام لرغبة غريزية مصوبة نحو تمزيق جسد ذلك الخسيس الجبان.
ضرب ريان قبضته بمقدمة السيارة ثم اتجه يركب سياته في حده مشغلًا المحرك في رتمٍ واحد مع الغضب داخله لينطفئ سراج العقل ويزمجر في توعد مرعب:
-أنت اللي فتحت على نفسك طاقة جهنم وريني ازاي هتلاعب الشياطين.
*****
وقف أحمد بوجه واجم يضغط أزار ماكينة الكاشير قبل ان يعطي زبائنه الباقي تاركًا "دعاء" ترافقهم للخارج، نظر لعقارب الساعة في بغض شديد كارهًا بطء حركة عقاربه واليوم الذي يطول وتطول معه جبروت هلوساته القاتمة.
زمجرة محرك سيارة بالخارج لفتت أنظاره ثم اتسعت عيناه وهو يطالع ريان الغاضب يترجل ويقطع الطريق في حزم بعيون تضيق كالصقر.
ارتفعت شفتيه في حقد تعميه طاقة سوداء من الكره مجسده نحوه متأكدًا ان قدومه ليس خيرًا فتلك النظرة التي يحدقه بها تعني انتهاء كل شيء فاندفع هو الأخر لمقابلته في منتصف الطريق بعيدًا عن الغوغاء داخل متجره.
وقف الرجلان وجهًا لوجه ومن يمر بينهما يشعر بالطاقة الهمجية التي تمتلك جوارحهم، كان ريان هو البادئ قاطعًا الصمت بصوته الرخيم الذي يعكس الوعيد في أعماقه:
-أسوأ حاجة في الدنيا ان الجبان يفتكر ان الرجولة لعب على الحبال.
جحظت عيون أحمد وعض فمه من الداخل ولذاعه كلماته تضرب وتر حساس دون قصد:
-لو هنتكلم عن الرجولة، فمش هسمعها من واحد ضاحك على واحدة ويقول بحبها عشان تربيله ابنه.
مد ريان ذراعه يمسك بتلابيبه قبل ان يدفعه إلى شارع جانبي ملاصق للمتجر دافعًا بجسده في عنف نحو الحائط هاتفًا من بين أسنانه:
-لو اتجوزتها عشان تربي ابني من غير ما احبها مكنتش استحملت وجودك ووشك النحس ده في حياتي!
-أنت اللي اقتحمت حياتنا، من البداية أنا وريم نصيبنا لبعض وأنا أحق بيها منك.
لا يدري كيف أتته تلك الشجاعة الوليدة ليتمكن بصراخ تلك الكلمات في وجه زوجها ولكنه يشعر كقنبلة موقوتة من التمرد والرغبة في إثبات الذات.
كان مغمور في اكتشافاته الداخلية المعقدة لدرجة لم يرى قبضة ريان التي التقت بقوة بفمه لتتناثر الدماء من شفتيه في لحظتها.
والألم الحاد الواثب في رأسه المرتطم بقوة في الحائط من خلفه منعه من رد القتال بشكل لائق لكنه حاول دفع "ريان" عنه دون جدوي فالأخير عاود بإمساك مقدمة ملابسة في قوة مزمجرًا في تحذير مباشر:
-إياك تجيب سيرة مراتي على لسانك يا جبان بعد ما خدعتها.
دوت ضحكة أحمد ليزيد ريان من خنقة في غل، قبل أن يخبره أحمد بخساسة حديثة العهد لم يعهدها داخله ابدًا:
-ومين قالك أني خدعتها وانه مش بمزاجها...امم؟
نقل ريان معصمه لعنق أحمد يمنع عنه الهواء في حركة هوجاء باصقًا حروفه في غضب :
-والمفروض أني أصدقك مش كده فاكرني مغفل عشان أصدق واحد فاكر ان من الرجولة انه يخوض في عرض واحدة ست.
ضحك ريان في سخرية مظلمة وهو يومأ رأسه خائبًا الرجا ممسكًا بعيون أحمد الغامضة مردفًا في خفوت كالفحيح:
-كان جوايا ليك شويه احترام لوقفتك مع ريم لكن بعد ما عرفت انك اللي فتحت الظرف وخدت الجواب عشان ريم متعرفش اني ردتها لعصمتي فتقدر تروح انت وتخطبها،
بقيت شايفك على طبيعتك ... مجرد انسان مريض نفسي .... قابل على نفسه إنه يتجوز واحدة وهي على ذمة راجل غيره يا عديم الرجولة!
استشاط أحمد غضبًا عند سماعه لكلمات ريان المحتقرة وقد أثبتت له حروفه بأنه يعلم عن تفاصيله الكثير، شعر بالخيانة والغضب ورغبة قبيحة بالانتقام من ريم أخذت تكسو معالم نفسه، فضحك في غموض متوقفًا تمامًا عن المقاومة ممسكًا بعيون ريان في جمود ساخر ليدفعه ريان في حدة من جديد نحو الخائط يفرغ غضبه المشحون، متجاهلًا تساؤلات بعض العيون المارة بالطريق الرئيسي والمتعجبة من وضعهما المريب داخل الأزقة ثم قال في حدة:
-وليك عين تضحك يا مريض...
-مريض وماله....طالما ده اللي هيريحك وتقبل بوجودي في حياة ريم...
-تقصد إيه؟
سأل ريان الذي ابتلع شكوكه رافضًا الاعتراف بتلميحاته ولكن أحمد استغل انشغاله بالتفكير ودفعه عنه قليلًا قبل ان يعدل ملابسه رافعًا وجهها في نصف ابتسامة بغيضة متلاعبًا بعقلة:
-مش غريبة ان كل اللي بتفكر فيه اني أخدت الجواب في حين ان السؤال الأهم أنا كنت بعمل أيه في بيتك ومع مراتك ؟
صمت "أحمد" قبل أن تتسع ابتسامته المقيتة وهو يميل برأسه لليمين متابعًا جسد "ريان" المتحجر وعيونه الواسعة هامسًا في سعادة مرضية:
-يا مغفل !
انقض ريان نحوه كالحيوان البري الباحث عن مذاق الدماء ليتشابك الاثنان في عراك قاسي بالأيدي كأنهم يخوضون حرب شوارع ضارية.
انتهى بريان فوق جسد أحمد أرضًا يلكمه دون توقف بينما أحمد مستمرًا بركل ركبته في جانب جسد ريان في قوة حتى التم حولهما المارة في هلع وتم تفريقهم بنجاح فهتف ريان في صوت مخيف من بين أنفاسه اللاهثة:
-أبعد عني وعن بيتي وإلا يمين بالله ما هيكفيني فيك موتك ... أنت سامعني ...!
نفض أحمد أيادي من حوله ومرر لسانه على طرف فمه يتذوق دماءه قبل ان يخبره في تحدي:
-مش هتقدر تبعدني عنها لأني مش هسيبها ولو على موتي.
كاد يندلع الشجار من جديد ولكن مرور رجل من الشرطة وتدخله اجبرهم على التراجع وتم اقناعهم بالتفرق الودي.
ابتعد ريان نحو سيارته وكل جسده ينتفض في جنون مرعب من كلمات أحمد الحارقة نعم لا يرغب في أن يتملكه الشك من جديد ولكنه رجل من لحم ودم ووجود أحمد داخل منزله مع زوجته في سفره ليس أمرًا طبيعيًا.
انطلق بالسيارة غير مهتم بزئير المحرك الذي يحاكي الزئير الصامت داخل صدره وكل ما يرغبه هو مواجهة زوجته حتى تجد رجولته المجروحة بضعًا من السكينة ويرتاح قلبه.
*****
تعجب "بيجاد" عندما رفض شقيقه الكثير من اتصالاته وعندما تأخر تملكه القلق والتوجس فتوجه بمفرده إلى منزل ريان، ترجل من سيارته البسيطة يحكم إغلاقها قبل ان ينتبه لسيارة أخيه التي تدلف للشارع في سرعة جنونية غير عابئ بالأخطار.
ركض نحوه وهو يترجم التشنج المسيطر على لغة جسده وجفونه الضيقة التي تكاد تتقابل في غضب هاتفًا:
-ريان، في أيه؟
نجح في ايقافه ثانية واحدة قبل ان يتجاهله ريان ويبدأ في رحلته للمبنى فلحق به راكضًا يجذب ذراعه يمنع تقدمه في تساؤل قلق:
-في أيه يا ابني مالك زي المجنون ليه كده؟
-أحمد هو اللي فتح الظرف وخد الجواب عشان ريم متعرفش اني ردتها لعصمتي.
قذف ريان كلماته في اشمئزاز واستدار متابعًا تقدمه مستجيبًا لكل خلية تنتظر تبرير زوجته فأمسكه "بيجاد" من جديد داخل المبني:
-ممكن أفهم انت ناوي على ايه وليه متعصب كده ما أنت عارف إنه سبب المصايب!
دفع ريان جسد بيجاد من امامه في غضب ولكنه تمسك بموقفه دون ان يتزحزح هاتفًا من بين أسنانه:
-قولتلك مية مرة متطلعنيش من حياتك وقولي الحوار من البداية خليني أساعدك.
تحرك ريان نحو اليمين واليسار غير قادر على السكون والتوقف في مكانه وهو يشدق كلماته في سرعة وحده النصل:
-اللي حصل اني روحت واجهته منكرش بالعكس ده وقف في وشي يضحك ويتبجح بانه كان في بيتي ويا عالم كان بيهبب ايه فيه.
اتسعت أعين بيجاد مصدوم من التدني الذي وصل به أحمد، تابع حركة أخيه الجنونية وعذره فمن يسمع تلك الكلمات ويبقى هاديًا ولكنه أستطرد في نبرة متأنية:
-ريان أنت لازم تهدا عشان بتسرعك ده من غير تفكير هتعيد نفس غلطتك الأولى وترجع للخانة صفر في علاقتك مع ريم،
لازم يكون عندك ثقة في مراتك ولو مش عندك يبقى تبعد عنها نهائي وتريحها وترتاح.
أمسك ريان برأسه يعصر الآلام داخلها قبل ان يخبر شقيقه في حده:
-أنا مش ههدى قبل ما اتكلم معاها وافهم ايه اللي حصل بالظبط،
اطلع خد البنات وعمر وروحوا، وسيبني معاها شوية.
-طيب والجثة؟
سأل بيجاد ساخرًا فرمقه ريان في تحذير قائلًا من بين أسنانه:
-لو في جثة هتبقى جثتك لو مبطلتش استخفاف!
ابتعد "بيجاد" خطوتين رافعًا يديه في استسلام لينطلق ريان راكضًا على الدرج كمن تلاحقه النيران، سب بيجاد حياتهم التي لا تخلوا من الأعباء وركض خلفه يتبعه وينفذ ما طلبه منه.
فتح ريان باب المنزل في صعوبة بأصابع متصلبة في غضب ثم دخل يبحث عن ريم، انتبهت "وسام" لحضوره اولًا فاستقامت مبتسمة بترحيب ولكن تلك الابتسامة اهتزت وهي ترى نظراته السوداوية وسمعت صوته الرخيم:
-فين ريم؟
-في المطبخ..
وقفت ليان تنظر إلي وسام في تساؤل متعجبة شقيقها الراكض نحو المطبخ دون أن ينتظر نهاية حروفها وشعر كلاهما بالخوف والتوتر خاصة عندما اندفع "بيجاد" خلفه بشفاه مضغوطة في خط رفيع وعيون قلقة قائلًا:
-هاتي عمر ويلا بينا دلوقتي.
*****
-ريم....
كادت تسقط الصحون التي تجهزها ريم للغداء من يدها عندما علا صوت ريان الغاضب من خلفها فاستدارت نحوه هامسة في خوف كغزال عالق وسط الزحام:
-نعم، في أيه؟
تجاهل ريان رعشة الخوف التي مرت بأطرافها قبل أن يلف أصابعه القوية فوق معصمها الصغير قائلًا من بين أسنانه:
-تعالي معايا ..
-ريان جَررني على فين والناس برا.
لم يجيبها وانطلق للخارج ليوقفه بيجاد في محاولة أخيرة قائلًا:
-براحة عشان هتندم.
-برا كلكم دلوقتي حالًا وسيبوني لوحدي مع مراتي.
شعرت ريم ان ساقيها على وشك خيانتها وتركها للسقوط، نظرت بتيه نحو "بيجاد" تريد ان تفهم ماذا يدور وفي ماذا أخطأت حتى يعود زوجها لطريقته البرية الهوجاء.
لم ينتظر ريان خروجهم وجذبها خلفه يدفعها نحو غرفتهم قبل ان يحكم إغلاقه بالمفتاح.
اندفعت ريم بضع خطوات للداخل وكاد يختل توازنها من عنف دفعته لكنها حافظت على توازنها والتفتت تنظر نحوه بوجه شاحب وقلب يدق في عنفوان ولسان ألجمه الخوف فصار لا يقدر على الاعتراض أو حتى السؤال.
-أحمد كان بيجيلك البيت وأنا مسافر؟
رمشت أكثر من مرة تحاول استيعاب كلماته داخل عقلها قبل ان تتحرك عينيها بتفكير داخل مقلتيها موشية عن الحقيقة لعينيه المتفحصة لأدق تفاصيلها دون أن تنطق، فأقترب ريان منها رغم إصرارها على التراجع من امامه هامسًا في نبرة هادئة:
-كان بيجي ليه همم؟
أبعدت نظراتها عن عيناه السوداء التي تخيفها كثيرًا في تلك اللحظة بنظراتها الحارقة وتلعثمت قائلة:
-كان بيجي عشان أرضى أنزل.
اقترب منها ريان وعندما مل من تراجعها المستمر مد ذراعه يجذبها نحوه في قسوة كاسبًا شهقة مرتعبة من بين شفتيها، أحكم ذراعه في قوة ألمتها حول خصرها مثبتًا إياها في أحضانه لكنها أصرت على ابعاد وجهها عن مرمى عينيه المتهمة لها بجريمة لا تعلم ما هي.
شعرت ب "ريان" يرفع إصبعه يلفه حول إحدى خصلاتها المتمردة قبل يميل يستنشق عطرها مستشعرًا كأن الجنون قد تلبسه مشجعًا إياها على الاستكمال بصوته الغريب الهادئ بطريقه أثارت رعبها وهزت أطرافها أكثر وأكثر:
-كملي، كان بيراضيكي ازاي وانتوا لوحدكم في بيتي..!