رواية كبرياء صعيدي الفصل الثالث3 والرابع4 بقلم نورا عبد العزيز
الفصل الثالث (3) بعنــــــــــوان "جريمة نفس"
-هههه والله ضحكتني يا فؤاد ، مين دا اللى عايز مرته؟ مش مرته دي اللى جابها لحد عندِنا أهنا وجال أنها خاطية وهيطلجها... لا الواد مهوش عبيط هو جابها لحد هنا عشان يرميها لينا ونجتلها كيف ما جالها فى الطريج وكيف ما جالت حنة لكن لما جه أهنا الوضع أختلف ، لاجنا عائلة من كبار البلد وترجم طوالي أن أكيد الحفيدة دى هيكونلها وريث ومال فأحلوت فى عيني حتى لو كانت خاطية ...
كان "عبدالحكيم" يتحدث بأغتياظ وعقله يفهم كل شخص أمامه من خبرة الحياة والعمر الذي عاشه فقال "فؤاد" بتساؤل:-
-يعنى هنعمل أيه؟
تبسم "عبدالحكيم" بمكر وقال:-
-الناس اللى مش سلكة دى الخبيثة، اللى زيك يا ولدي مينفعش وياهم ... دهب بت يا دهب
جاءته "ذهب" من الخارج ليقول بمكر:-
-أبعتلي سيدك نصر
__________________________
ربتت "حنة" على ظهر "عطر" بهدوء وقالت:-
-أهدئي أمال يا عطر ليجرألك حاجة يا بنتي ، كل مشكلة وليها حل
لم تتوقف لحظة عن البكاء والتفكير فى هذا القدر، حتى الآن ما زالت زوجة "عاصم" ومع ذلك قرر جدها تزويجها من "نصر" هذا المختلف عقليًا، لقد وضع السلاح فى خصرها وضربها ضربًا مبرحً ويريدون منها أن تتزوجه كيف؟، تنهدت "فيروزة" بتعب وإشفاق على هذه الفتاة ثم قالت:-
-أهدي يا حبيبتي وأن شاء الله هتتحل
-أزاى بقي؟
قالتها "عطر" بيأس من التفكير فيما يحدث، تنهدت "فيروزة" بيأس من التفكير فى حل يمنع هذا الزواج القائم ليلًا فقالت:-
-معرفش بس أكيد هتتحل، ممكن نستني لما عيسي يجي من المحافظة
تأففت "عطر" بهدوء شديد وهى تجفف دموعها ثم قالت:-
-وهو عيسي هيعمل أيه؟ إذا كان عمي وجدي اللى هم المفروض يخافوا عليا هما اللى سيبني وبيعملوا فيا كدة ، ابن عمي بقي هيعمل أي
ضحكت "فيروزة" بفخر شديد كونها أخت لـهذا الرجل "عيسي" ووقفت من مكانها كى تجلس جوار "عطر" وربتت على يدها بحنان وتحدثت مُبتسمة:-
-لا دا عيسي، عذراكي لأنك متعرفهوش لكن فكري أكدة تسألي عن عيسي الدسوقي فأى ركن فى البلد، وأنتِ بس تعرفي وجتها أنتِ بتتكلمي عن مين؟ دا زين شباب البلد كلتها وألف شنب يعمله حسابه ، طب تعرفي نصر اللى خايفة منه دا ممكن يعملها على روحه جصاد عيسي ، هو بس يرجع جبل ما المأذون يجي ووالله ليحلها أنا واثقة فى أخويا المشكلة بس أن تليفونه مجفول من الصبح
نظرت "عطر" إلى "حنة" فتبسمت "حنة" إليها بطمأنينة وأن تتشبث بهذه القشة لتنجيها من الغرق، وتدعو أن يعود "عيسي" قبل أن يأتي المأذون خصيصًا بعد أن علمت أن لا عدة لها
____________________________
فى غرفة خلف المنزل كان "عاصم" مقيد من ذراعيه لأعلي وواقفًا على قدميه كالضحية ويكاد يفقد قوته وطاقته حتى فُتح الباب ودلف "عبدالحكيم" ومعه و"نصر" ، جلس "عبدالحكيم" على المقعد وقال:-
-متوقعتش دا وأنت جايبها وجاي مش أكدة
ضحك "عاصم" بسخرية ثم قال:-
-بصراحة أه، متوقعتش أن عم ضياء الكحيان اللى هربان من الديون اللى عليه اللى متساويش مليون جنيه يبقي عنده أطنان هنا
ضحك "عبدالحكيم" بمكر وفخر من عقله الذي فهم هذا العقرب وقال:-
-زين جوي، نتكلم على المكشوف ... تأخد كام وتطلجها؟
أنفعل "نصر" من هذا الحديث ثم أخرج مسدسه من عباءته وقال بمكر بعد ان مسك "عاصم" من قميصه قائلًا:-
-يأخد ايه؟ دا هيطلجها ورجله فوج رجبته ... طلجها
ضحك "عاصم" بلا خوف ثم رمق "نصر" بنظرة قوة وقال:-
-مش هطلق
سحبه "نصر" من مؤخرة رأسه وقال بمكر ولهجة تهديد صريحة مُرعبة:-
-طب أسمع بجي، أنت عملت دكر وجبتها أهنا عشان نجتلها ونغسل عارها، لما بجي نكشف عليها وتطلع البت شريفة يجي اللى داس على شرفها فى الطين وأتكلم عنيها بالباطل هو اللى تارنا معه ودا اللى هو جانبك ، وعندنا اهنا اللى يتكلم كلمة عن حريمنا بطلجه من الدنيا كلتها ... وأنت ياباشمهندس خابر زين أننا نعرفه نجتلك عادي كيف ما كنت خابر أننا هنجتلها ... ديتها رصاصة ، ها بجي هطلجها ولا أطلجك من الدنيا كلتها
أبتلع "عاصم" لعابه وهو يفكر فى حديث "نصر" ليقول "عبدالحكيم" بهدوء وحكمة:-
-همله يا نصر، عبدالجواد
دلف "عبدالجواد" إلى الغرفة حاملٍ حقيبة سوداء صغيرة ، وضعها أمام قدم "عبدالحكيم" ليقول بحدة:-
-دول 100 ألف جنيه وطلجها وتطلع من البلد دى على رجلك أم ههملك لنصر يعمل فيك اللى يعوزه
أبتلع "عاصم" لعابه بهدوء ثم أومأ إليه بنعم، تبسم "عبدالحكيم" وقال بمكر شيطاني:-
-دخل المأذون يا عبدالجواد بس فكه الأول
فك "عبدالجواد" ورجاله قيوده ودخل المأذون ليطلقها منه وكتب فى قسيمة الطلاق أنه لم يمس زوجته، تحدث "عبدالحكيم" بجدية صارمة دون أن يعارضه أحد وقال:-
-همله يا نصر لرجالة يوصله لأول البلد وهات الشيخ عشان يكتب عليك أنت وعطر دلوجت
خرج من الغرفة مُتكئ على عكازه الخشبي وسار مع المأذون و"نصر" ، أتسعت أعين الجميع حين دلف مع المأذون فى هذا الوقت من النهار لتقول "هدي" بقلق:-
-طب أستني لما فؤاد يعاود هو ولا عيسي يا حج
صرخ "عبدالحكيم" بها بأختناق قائلًا:-
-من أمتى وحد بيجولى أعمل أي ولا معملش أيه؟ أمشي يا دهب نادي على عطر
أومأت إليه بنعم وصعدت للأعلي، كانت "عطر" جالسة على سجادة الصلاة وقد أنتهت للتو من صلاة العصر وتدعو الله أن يحل كربها، تحدثت "دهب" إلى "فيروزة" بهمس قائلة بتوتر:-
-أبويا الحج عايزاها ومعاه المأذون وسيدي نصر تحت
نظرت "فيروزة" إلى "عطر" بصدمة ألجمتها وقبل أن تتفوه بكلمة أنتفضت "عطر" من مكانها بأسدال الصلاة بعد أن وقع على مسمعها هذه الكلمات وقالت:-
-أنتِ قولتي أيه؟ أزاي ؟ لا أنا موافقتش أتجوزه ومش هتجوزه وهنزل أقول للمأذون أنى مش موافقة
نظرت "ذهب" إلى "فيروزة" بحزن شديد ثم غادرت الغرفة وقبل أن تغلق الباب ، ولجت "خضرة" بسعادة بعد قرار تزويج أبنها من الأبنه الوحيدة إلى "ضياء" وكانت مُرتدية عباءة أستقبال زرقاء جميل وتضع مساحيق التجميل تدل هيئتها على فرحتها وكأنها ذاهبة إلى حفل زفاف حقيقي وقالت:-
-وماله يا ضي عيني أنزل جولي اللى نفسك فيه، بس جبل ما تعملى أكدة أبجي أسألي صاحبتك ست الحُسن وست البنات كلتها إذا كان صوتك هيتسمع ولا لا
نظرت "عطر" بخوف إلى "فيروزة" التى ألتزمت الصمت وكأن صوتهما سيكبح بداخلها فى هذا المكان، ضحكت "خضرة" بسخرية وصوت قهقهتها تملأ المكان وخرجت، أسرعت "عطر" إلى "فيروزة" ومسكتها من ذراعها بخوف ثم قالت:-
-هى تقصد أيه؟ ها
جهشت باكية بأنهيار ليدخل عليهم "نصر" يحمل فستان زفاف وقال بحدة:-
-كنت خابر أنك ملبستش لسه؟ دقيقتين وتحصلي
ألقي بالفستان على الفراش لتجمع "عطر" شجاعتها ونظرت إليه أثناء مغادرته للغرفة وقالت:-
-أنا مش هتجوزك حتى لو كان على جثتي، أنا مستحيل أتجوزك
ألتف إليها بهدوء ما قبل العاصفة ثم نظر إلى "فيروزة" ورفع حاجبه من هذه الجراءة ثم قال:-
-وتبجي جثتك أنتِ ليه؟ ما نخليها لو منزلتيش تبجي جثة جنة؟ ولا مسألتش حالك هى فين؟
أتسعت عينيها على مصراعيها وقالت بتلعثم:-
-هي فين؟
أنهلت عليه ومسكته من وشاحه بقوة وغضب صارخة بوجهه:-
-عملت فيها أيه؟ حنة لو جرالها حاجة ......
أشاح يديها عنه ويقاطعها فى الحديث ببرود سافر قائلًا:-
-هى القطة بتعرف تخربش ولا أيه؟ أسمع يا بت أنتِ أنا مش فاضيلك خمس دجايج وتكوني تحت دا لو مش عاوزة تشوفها جثة جصادك
تركها وخرج من الغرفة لتنهار من البكاء فربتت "فيروزة" على كتفها بهدوء وقالت بقلق:-
-أهدي يا عطر، أهدي وهانت كلها ساعتين وعيسي يجي
صرخت "عطر" بانفعال من الأنتظار وهى لا تفكر فى شيء سوى سلامة "حنة" قائلة:-
-عيسي، عيسي عيسي هو في حد هنا بيرحم عشان عيسي يرحم
أخذت فستانها الذي جلبه ودلفت للمرحاض ترتديه ببكاء وحسرة بداخلها تمزجها لكن الخوف على "حنة" أكبر ، تحاول الصمود أمام القدر القاسي وبداخلها لا تلوم أحد سوى والدها التى تركها وحيدة حتى أتي القدر بها إلي هنا، حاولت "فيروزة" الأتصال بأخاها "عيسي" لكن هاتفه مُغلق، نظرت "فيروزة" بقلق إلى باب المرحاض حين سمعت صوته لتقف من مكانها بقلق ترمق "عطر" التى جففت دموعها وأرتدي فستانها الأبيض الذي أختاره "نصر" وهذه العائلة برجالها قد دمره لها مفهوم ليلة العمر وقد أصبحت أتعس ليلة فى حياتها وهذا الفستان كان أشبه بالكفن الذي يأخذها للموت ، خرجت "عطر" من الغرفة وترجلت للأسفل وكان الجميع فى فرحة تغمرها فيما عدا "فيروزة" ووالدتها "هدي"التى تشفق على حال هذه الفتاة الصغيرة التى تصغر أبنتها عمرًا ويتم تزويجها بهذه القسوة دون رحمة من أحد، رآها "عبدالحكيم" ليقول بجدية:-
-تعالي أمضي يا عروسة
تنهدت "عطر" بضيق نفس وتقدمت إليهم بقدمي ثقيلة لا تقوي على السير ووقعت على عقد الزواج أمامهم، رفعت نظرها إلى "نصر" بأنكسار وقالت:-
-فين حنة؟
تبسم بخبث على سذاجتها وأعطاها مفتاح ثم قال:-
-فى أوضتك فوج
صعدت إلى الأعلي ركضًا بأنكسار وفتحت باب الغرفة لتري "حنة" مُقيدة فى الفراش وفمها معصوم بالقماش ففكت قيدها وقالت ببكاء:-
-حقك عليا يا حنة؟ حقك عليا
رمقتها "حنة" من الرأس لأخمص القدم وفستانها ثم قالت بزمجرة:-
-أنتِ عملتي أيه؟
دلفت "فيروزة" لها بتعجل وقالت بحماس:-
-مش وجته ، يلا يا عطر هما دخله المنضرة والحريم جاعدين مع حريم البلد اللى عزمتهم مرت عمي ، أهربي
نظرت "عطر" إليها بقلق ثم إلى "حنة" لإأومأت إليها بنعم وقالت بقلق:-
-بس أنا بقيت مراته خلاص
أخذتها "فيروزة" من يدها بقوة وقالت بحماس وشجاعة ورثتها من والدها وأخاها:-
-أهربي دلوجت، ودا رجمي أبجي كلمينى وأنا هجيلك مع عيسي ونيجي نحلها، بس دلوجت تمشي من أهنا
أعطاها ورقة مدون بها رقم "فيروزة" الشخصي ثم أخذتها إلى باب المطبخ لتخرج منه وأعطتها مال يكفي وهربت وحدها من المنزل، رآها أحد الغفر وهى تسلل من البوابة وكان فستانها الأبيض بلؤلؤه الذي يتلألأ كافيًا لكي يلفت الأنظار لها، هرع إلى الداخل وأشار إلى "نصر" من بعيد فذهب إليه وقال:-
-عايز أيه يا بهيم أنت؟
-الست هانم الصغيرة
هز "نصر" رأسه بعدم فهم وقال:-
-ست هانم الصغيرة مين؟ فيروزة؟
-لا يا بيه العروسة خرجت من الدار وحديها
قالها بهمس خوفًا من أن يسمعه أحد ، أستشاط "نصر" غضبًا من هذه الفتاة المتمردة وكيف تكن زوجته وتفعل هذا؟ خرج معه غاضبًا متوعدًا إليها بالجحيم بسبب فعلتها.......
______________________
كان "عيسي" يقود سيارته السوداء فى الطريق الهادئ الخالي من البشر وفصل هاتفه عن الشاحن ثم فتحه ويده الأخري تمسك بالمقودة ووجد رسائل كثيرة تأتيه على الواتس أب من أخته "فيروزة" فتحتها وكانت جميعها رسائل صوتية له وبدأ يسمعها وكانت تقصي له ما حدث وأحدى الرسائل كانت بصوت "عطر" بنفسها تقول:-
-بالله عليك أعتبري زى أختك فيروزة لو تقدر تساعدني متتأخرش عليا ، أنا ماليش حد فى الدنيا دى وكلهم أتخلوا عني ، أعتبريني زى فيروزة ولو ترضي اللى بيحصلي دا يحصل لأختك أنا راضية ، بس بحلفك بالله لو مترضهوش على أختك متسبنيش وساعدني يا عيسي
نظر إلى الهاتف مُصطولًا بعد أن سمع صوتها والبكاء يحتله نبرتها الواهنة وقبل أن يفكر بشيء ظهر شخص من العدم أمام سيارته ليضغط على المكابح بصدمة وفزع ........
ظلت تركض إلى العدم دون أن تدرك مكانها، تائهة بهذا المكان وهذه البلد لكن كل ما يجتاحها بهذه اللحظة الخوف من هذا الزواج وما يحتل عقلها هو الفكر الناتج من قسوة هؤلاء البشر، قلبها قبل أسبوع كان غارقًا بعشق "عاصم" خطيبها وحبيبها كما يقال عنه (ابن الجيران الذي خطفت قلب الصبية البريئة)، تحمل فستانها بيديها للأعلي لتتمكن من الركض فى الأرض ووعرتها، الليل مُخيف بشوارع البلد الهادئة والبيوت البعيدة عن بعضهم، فستانها الأبيض أصبح متسخًا بطين الأرض ودموعها بللت وجنتيها تمامًا وكحلها الأسود لوث عينيها الباكيتين، لا تعلم أى قدر كُتب لها ولا تتمكن من الفرار منه لتكره هذه اللحظة التى خُلقت بها ابن لرجل عاق تركها ورحل كالعارية بلا مأوي وسند يبيعها الجميع كسلعة بسبب أفعاله، التفت للوراء بعد أن سمعت صوت الرجال ومعهم "نصر"، صدمتها سيارة بعد ظهورها من العدم على الطريق، ترجل" عيسي" من سيارته فزعًا بعد أن دهس أحدهما بسيارته ليُصدم أكثر حين رآها بفستان الزفاف وخمارها الأبيض، رفع جسدها عن الأرض بذعر خوفًا أن تكن توفيت ففتحت عينيها لتراه أمامها فتشبثت بعباءته وقالت:-
-متسبنيش.... أرجوك
أبتلع لعابه بتوتر من هذه الفتاة وتشبثها به دون أن تدرك قساوته ووحشيته التى جعلت جميع فتيات البلد ترفضه للزواج، كل نساء البلد يفضلون "نصر" عنه أما هذه الفتاة فهربت ذعرًا مُرعبة من "نصر" وتتشبث به وحده، حملها على ذراعيه ووضعها بسيارته ثم أغلق الباب ليصل "نصر" بهذه اللحظة وتأفف غيظًا من "عيسي" ثم أشار إلى الرجال وقال:-
-هاتوها
اقترب الرجال فى صمت ليرفع "عيسي" نظره بهم وكانت نظرته كفيلة بأن تشل أقدامهم محلها ولم يجرأ أحدهم على تخطي خطوة واحدة للأمام فأقترب "نصر" بنفسه وقال:-
-قولتلك مدخلش نفسك بيننا
مسك مقبض السيارة بيده وقبل أن يفتحه أوقفه "عيسي" بنبرة هادئة مُرعبة:-
-حذاري تفتح الباب
أزدرد "نصر" لعابه بخوف واضح فى ملامحه ونظر إلى "عيسي" الذي يقف جواره وقال بإرتباك:-
-دى مرتي، وكتبت عليها يعنى ميحجلكش تتدخل فى حياتها لأنك مش والى عليها.... دى حجي أنا وبس
تبسم "عيسي" بسخرية من حديثه وكأنه لا يبالي بهذا الزواج ثم قال بنبرة تهديدية واضحة:-
-مرتك وكتبت عليها وبرضو بجولك لو فتحت الباب أو لمستها، أنت خابر زين أنا هعمل اي احتمال أرملها!!
استشاط "نصر" غيظًا من هذا الحديث ونظر إلى "عطر" الغائبة عن الوعي داخل السيارة وحالتها يرثي لها من هول صدمة زواجها بالإكراه من رجل ترتعب منه، تبسم "عيسي" بسخرية من تشنج "نصر" وصعد بسيارته لينطلق بها تاركًا الجميع خلفه فنظر إلى وجهها الملاكي وتمتم بخفوت هامسًا لعقله الجنوني:-
-فوج يا عيسي أنت هتعلن الحرب على بيتك عشان بت، فوج دى هتبجي بحور دم يا كبير.......
لم يشعر بحاله ألا وهو يوقف سيارته جانبًا ويقترب من وجهها البرئ ليدخل بسبابته خصلة شعرها إلى خمارها وأنتهي المطاف بيده تحتضن يدها كأنه يطمئنها أنه أخذ هذه اليد الصغيرة ينتشلها من بئر الحياة المُظلم وقد تناسي أمر زواجها من ابن عمه المتغطرس، وكأن قلبه ترك كل نساء الكون وفتح أبوابه لفتاة متزوجة، عاد بها إلى المنزل ثم ترجل من السيارة ليرى سيارة "نصر" خلف سيارته ، فتح الباب المجاور له بهدوء وكانت شبه فاقدة للوعي وقدميها مجروحة من الركض حافية فحملها على ذراعيه مما أغضب "نصر" أكثر ودلف بها إلى المنزل مما أدهش الجميع وخصيصًا جده ، صعد ليضعها بغرفة "فيروزة" وعاد للأسفل ثم قال:-
-كيف تعمل أكدة يا جدي؟ ، عيلة صغيرة وأتحامي فيك من نطع طعن فى شرفها تديها لنطع غيره
تحدث "نصر" بغضب سافر قائلًا:-
-أتكلم زين يا نصر أنا ماسك نفسي عنك بالعافية
تحدث "عبدالحكيم" بجدية صارمة وعينيه ترمق أحفاده:-
-من ميتي وأنت بتعصي كلامي يا عيسي ولا بتناجشنش فى حاجة
تحدث "عيسي" بغضب سافر ونبرته سمعها الجميع حتى النساء اللاتي يقفن خارج غرفة المكتب قائلًا:-
-لما تكون بتعمل حاجة غلط وتغضب ربنا لازم أعارضك
رمقه "فؤاد" بذهول من أحوال ابنه التى تغيرات وأصبح تحدي الجميع ويعارض جده ووالده بجراءة ، قال بذهول:-
-عيسي، أنت جنت ؟
طاح "عيسي" بوالده صارخًا دون أن يتهم لشيء وضميره الذي تربي على الحق والعدل يمزجه من رؤية هذا الظلم الذي تتعرض له فتاة بلا سند ضعيفة ووحيدة:-
-واللي بتعمله دا يخلي الواحد يفكر بعجل برضو، هو أنتوا يا كبار البلد ياللي بتروح تحكم بينا الناس بالحج والعدل متعرفوش أن الجواز قبول ولازم البت تكون موافجة ، كيف جوزتوها غصب عنيها، ليه يا أبويا مرضتهاش على فيروزة مع أن أتجدم لها زينة الشباب وأحسن وأغنى من عامر ، ليه مجبرتش بتك كيف ما جبرت بت أخوك اللى مالهاش غيرك؟ كيف عملتها ؟
صمت "فؤاد" عاجزًا عن الرد على حديث ابنه وشعر بأنه على صواب فكيف سيجادله أو يقنعه ليتحدث "عبدالحكيم" بحدة صارمة:-
-بكفايك عاد يا عيسي، جولتلك مالكش صالح
ضرب يديه ببعضهما من عناد جده وقال بغضب مكبوح بداخله:-
-كيف، كيف ي جدي تجوزها واحد هى بتترعب منه، ذنبها اي البنية دى، دا واحد أول حاجة عملها ليها رفع سلاحه عليها
أقترب "فؤاد" من أبنه المتمرد بقوته وقسوته التى ورثها من جده ومسك ذراعه غاضبًا وأخذه إلى زواية الغرفة يتحدثه بهدوء بعيدٍ عن أذن "نصر" وعبدالحكيم" ثم قال بتهديد:-
-اسمع ي عيسي لاخر مرة بجولك ...مالكش صالح بعطر، وكيف ما جولت اهى اتجوز وبجيت مرت نصر، متتدخلش بينهم حتى لو شوفته بيقتلها سامع ي عيسي، وأنت مش والي عليهم ولو ليها والى بعد أبوها اللى رماها يبجي جدك ... لا أنا ولا أنت يا ولدي فاهم
أبعد يد والده عنه بقسوة ورمقه فى عينيه مباشرة وقال بتأنيب ضمير وغضب من الظلم الذي يراه:-
-بالله عليك ي ابويا دا يرضي ربنا ، عيلة لسه مخلصتش تعليم وأصغر من بتك تستنجد بيكم اهلها ومالهاش غيركم تعملوا فيها اكدة
تأفف "فؤاد" بضيق شديد وحرك ذراعيه أمامه غيظًا من عناد ابنه وكأنه لم يصمت اليوم وقال:-
-وبعدها لك عاد يا عيسي اشمعني دى يا ولدي اللى نطقت عشانها وكمان بتتحداني وترفع صوتك عليا عشانها ... بلاش تجرب منها ي عيسي لاحسن تفتح على نفسك وعلي العائلة دى نار جنهم، العيلة اللى بتتكلم عنها دى ست متجوزة ومتجوزة ابن عمك لو فتحت بوجك عليها أسهل ما عليه هيجول أنك بتبص لمراته ودا مجنون وسلاحه أسرع من عجله يديك رصاصة ويحرمني منك ويضيع شبابك
تأفف "عيسي" غضبًا مما سمعه وقال:-
-وأنا مبخافش من الموت على الأجل لما أجابل ربي هجوله أنى أتجتل عشان بدفع عن بنت ربنا ورسوله وصانا عليها ومدوستش عليها كيف ما كل الشنبات دى عملت
ذهب إلى "نصر" الذي يجلس أمام "عبدالحكيم" على المكتب وقال بتهديد صريح وواضح:-
-قسمًا بربي لو أذيتها ولا لو عرفت أنك كاسرها لأعملك جاعدة حج فى وسط البلد وأطلجها منك ودا لو مسكت نفسي عنك ومدخلتش فيك السجن يا نصر
رفع "نصر" قدمه ليضعها على الأخر بفخر وغرور سافر ثم قال:-
-وماله يا ولد عمي، نعمل جاعدة حج وأشهد كل الرجالة أنك لمست مرتي وديتها رصاصة فى صدرك يا كبير
ضرب "عبدالحكيم" المكتب بقبضته وقال:-
-وبعدها لكم عاد، متدخلش يا عيسي بين ولد عمك ومرته وحذاري عينك تترفع فيهم والله أرميك برا الدار فاهم
-محدش بيموت من الجوع يا كبير
قالها وخرج من الغرفة غاضبًا ليرى "خضرة" واقفة وتبتسم بأنتصار إليه فتحاشي النظر إليها بمكر....
___________________________
فتحت "عطر" عينيها بتعب وبطيء شديد لكنها فزعت حين رأت أمامها وجه "نصر" وكانت بغرفة مُختلفة لم تراها من قبل فقالت بفزع:-
-أنت...
تبسم لها بمكر شديد ويديه تلمس وجهها الناعم ، يهتف قائلًا:-
-نورت بيتك يا عروسة
ضربت يده بقوة وهربت من الفراش ليبتسم بمكر وألتف إليها فرآها تمسك سكينة الفاكهة وتقول بغضب:-
-والله لو قربت مني لأقتلك؟
ضحك أكثر وهو يلقي بوشحه على الأريكة وقال:-
-وماله تعالي جربي
أقترب أكثر وأكثر كأنه لا يهاب هذا السكين فسرعان ما ترجمت أنه لا يخاف شيء وسيحصل عليها فوضعت السكين على معصمها وقالت بدموع تسيل على وجنتيها:-
-أنا ممكن معرفش أقتلك لكن أعرف أقتل نفسي وأنا وعدتك أنه على جثتي
توقفت قدمه للحظة ورمقها فكاد أن يقترب خطوة ليري دماء تخرج من شرايين يدها وهى لا تخشي الموت كما هو لا يخشاها، أبتلع لعابه بخوف وقال:-
-أنتِ أتجننتي خلاص سيبي السكين
ضحكت بهستيرية وقالت بضعف وعينيها ترمقه:-
-أنت فاكر أنكم تقدروا تعمله فيا اللى عايزينه ومطلوب منى أني أتظلم وأسكت لا، أنا موتي أرحم بكتير من أنى أعيش مع ناس شياطين زيكم
أنهت كلماتها وسحبت السكين بقوة على معصم لتصرخ من الألم وسالت الدماء بغزارة وهي تسقط على ركبتيها ودماءها تلوث فستانها الأبيض، هرع "نصر" إليها بذعر وخوف ثم أخذها بين ذراعيها بخوف فبدأت رؤيتها تتشوش من كثرة الدماء التى تخرج منها فقال بذعر:-
-يا مجنونة ، والله ما كنت هأذاكي يا بت
تمتمت بضعف وهى تصارع أنفاسها المتقطعة:-
-كلكم أذيتوني وأنا خصيمتكم عند ربنا ومش مسامحكم .......
فقدت الوعي بين ذراعيه ليحملها على ذراعيها بفزع وخرج بها من شقته كالمجنون لتصرخ "حنة" حين قابلته على الدرج و"عطر" غارقة فى دماءها وفستانها أصبح به بركة دماء حمراء ليخرج الجميع من غرفهم على صوت صرختها لأجل فتاة صغيرة دهسها القدر وأخترت الموت على الحياة فى هذا العالم القاسية الذي مزق برائتها ولم يرحم ضعفها ...........
كبرياء صعيدي
الفصل الرابــــــع (4) بعنــــــــــوان " امرأة كالقش ورجلًا كالسيف"
أجتمع رجال العائلة أمام سرير الطوارئ ينتظروا إلى الطبيب الذي يعالج حرج يدها وبجوارها "حنة" نظر "فؤاد" إلى والده "عبدالحكيم" هذا العجوز وقال بهمس:-
-وبعدين يا حج البت دى شكلها مش هتجبها لبرا وهتروح مننا
حدق "عبدالحكيم" فى وجهها الملاكي وما زال لا يستوعب ما حدث وكيف بليلة زفافها تمزق شرايينها مُتمنية الموت، شعر بوخزة فى قلبه كأنه يفقد ابنه مرة أخرى فتذكر كل لحظة مرت عليه هو وزوجته فى عناء من فقد "ضياء" وشوقهما له ، أنهي الطبيب ما يفعله فأقترب "نصر" منها ينظر إلى وجهها فقالت "حنة" بصوت جاد رغم بكاءها من الخوف على طفلتها:-
-متستوقاش عليها دى بنت ضعيفة، ربنا مقالش تستقوي عليها دا قال رفقًا بالقوارير ، ارحم ضعفها ومتذلهاش بها
تحدث "نصر" بضيق مما حدث وقال:-
-أنا رايح ادفع الحساب عشان نمشي
غادر من امامهما وشعر بوخرة فى عقله وقلبه فرغم احتياجه للمرأة وترحيبه بوجود مرأة فى حياته ألا أن كلهن يخشاه، تذكر حديثه مع "عيسي" الذي رفضته نساء البلد كلهن بسبب قوته وللحظة شعر بأنه مثله فى قناع أخر، هو أيضا خسر زوجته الأولى والآن "عطر" تأبي وجوده، دفع تكاليف المستشفي ثم عاد إليهما ليراها تفتح عينيها بتعب وتشهق بصعوبة، نظرت "عطر" حولها فى صمت ولم تصدق أنها أخترت الموت لكنه لم يختارها، تحدث "فؤاد" بنبرة لطيفة قائلًا:-
-حمدالله على سلامتك يا عطر، أكدة يا بتى تفزعينا عليكي
لم تجيب عليه، بل نظرت إلى "حنة" بصعوبة وقالت:-
-روحيني يا حنة
أعتدلت فى جلستها ليأخذ "نصر" يدها لكنها سحبت يدها منه بقوة وقالت:-
-أسندينى يا حنة
نظرت "حنة" إلى "نصر" الذي أستشاط غضبًا مما حدث وأحراجها له أمام الجميع، أخذتها "حنة" إلى السيارة الخاصة بـ "نصر" وصعد "عبدالحكيم" مع "فؤاد" فى سيارته فى الخلف، أنطلق "نصر" بسيارته أولًا فى المقدمة وكانت "حنة" فى الخلف تضمها بين ذراعيها وسمعوا اذان الفجر ليوقف "نصر" السيارة وقال:-
-تعالي أجعدي أهنا
نظرت "حنة" إليه بهدوء وصمت لم تلفظ بكلمة واحدة، وعبرت سيارة "عبدالحكيم" سيارته لتكون بالمقدمة عوضًا عنه، غضب "نصر" من صمتها أكثر وصرخ بها قائلًا:-
-جولتلك تعالي أترزعي جاري أنا مش سواجك جابهولك أبوكي......
قاطعه صوت أنقلاب شيء فصرخت "حنة" وعطر" من الفزع ونظروا للأمام ليروا سيارة نقل أصطدمت بسيارة "عبدالحكيم" ، بلا بالأحري دهستها بعد أن أنقلبت لمرات متتالية وأصبحت كالخردة ،صرخ "نصر" بذعر وترجل من سيارته بأنهيار وصدمة ألجمته وهكذا "عطر" الذي لم تتحمل المنظر الذي تراه، هربت سيارة النقل الضخمة بعد فعلتها، حاول "نصر" فتح الباب بصراخ وغضب وهو يقول:-
-جدي ... عمي فؤاد .... عمي
كسر الزجاج بيده وفتح الباب من الداخل ليسحب "عبدالحكيم" أولًا بعيدًا وقبل أن يتركه أنفجرت السيارة بـ "فؤاد " مما أسقط جسد "نصر" من قوة الأنفجار، نظرت "حنة" إليه وضمت "عطر" المرتجفة من الخوف ولم تتخيل ما حدث وأن "فؤاد" داخل هذه النيران....
وصل الخبر بسرعة البرق إلى البلد بأكملها فجاء "عيسي" مُتلهفًا على والده وجده، رأي "نصر" على الأرض بجوار جثة والده "فؤاد" المتفحمة ويضع يديه على رأسه بصدمة والدماء جفت على يده من الجرح ، جاء "خالد" بعده ونقل الجثث إلى المستشفي وكان "عبدالحكيم" فى حالة حرجة بعد أجراء جراحتين فى القلب دخل للعناية المركزة، كانت "عطر" مع "حنة" تشاهد أنهيار وأنكسار الجميع ورغم صدمة "نصر" وبكاء "خالد" على ما حدث ألا أن "عيسي" كان صامدًا كالجبل وكأنه لم يتلقي خبر وفأة والده للتو ، تعجبت "حنة" من بكاء "عطر" على هؤلاء فقالت بهمس:-
-أنتِ زعلانة عليهم
تمتمت "حنة" بخفوت ونبرة خافتة:-
-كنت بقول هيبقالي أهل أتسند عليهم يا حنة
أقترب "عيسي" من أحد رجاله ومساعديه الأقرب وقال بخفوت :-
-منصور ... خدهم روحهم
نظر "منصور" إلي "حنة" و"عطر" وأومأ إليه بنعم، وقف "نصر" من مكانه بأغتياظ وانفعال ثم قال:-
-مالكش صالح مرتي أنا هروحها
رمقه "عيسي" من الرأس لأخمص القدم بأشمئزاز وقال:-
-هتسيبنا فى بلاءنا وتروح تروح مرتك... روح يا نصر أصلًا وجودك زى عدمه
عاد "عيسي" إلى المستشفي لينهي أوراق الدفن من أجل والده، استلم الجثة مع أذان المغرب وذهب مع الرجال للدفن وكانت "هدي" و"فيروزة" فى حالة من الأنهيار والصراخ وسط النساء، أوقف طريقهم فى المقابر ظهور "ناجي" من العدم ويقول بصدمة مُلتعثمًا:-
-أستنوا ، أفتحولي الخشبة أشوف أخويا
مسك يده "عيسي" بغضب سافر من فعلته وقال بضيق:-
-أكرام الميت دفنه يا عمي ، بعد يدك النجسة عن أبويا
أشاحه من طريقه بطريقة مقززة وأكمل الطريق إلى المقابر، بين النساء كانت "فيروزة" لم تتحمل خبر وفأة والدها فسقطت من الجميع فاقدة للوعي لتسندها "عطر" بحزن على صديقتها وهى أقرب من لها فى هذه البلد ولم تبالي لجرح معصمها الذي نزف من ثقل "فيروزة" وظلت بجوارها حتى عادوا للمنزل وظلت بجوارها فى الفراش حتى جاءت "حنة" إليها وقالت:-
-نصر عاوزك
تأففت "عطر" بضيق من هذا الرجل الذي أصبحت زوجته وخرجت من الغرفة بفستانها الأسود وقالت بضيق:-
-أفندم
رأته واقفًا أمام الباب بعباءته ونزع عمامته عن رأسه فقال بنبرة خافتة:-
-تعالي يا عطر أنا عاوز أجعد وياكي وأبكي فى حضنك
أبتلعت لعابها بضيق من كلماته وقالت بغضب منه:-
-ما تكسف على دمك وتراعي اللى إحنا فيه دا ، ومتتعشمش أوي كدة وتفكر أن مرتك بجد دا على جثتي ولا تحب أوريهالك تاني
أشار إليها بيديه بأختناق من تذمرها ونظر إلى يدها المجروحة وقال:-
-خلاص .. خلاص غوري
صعد إلى الطابق العلوي حيث شقته فنزلت للأسفل حيث المطبخ ورات "ذهب" تقف مع امراة ثلاثينية لم تراها من قبل فى قالت:-
-دهب جهزتي الأكل عشان فيروزة تأخد العلاج
أومأت إليها بنعم، ألتفت إليها المرأة بتكبر وغضب سافر من هذه الفتاة فرمقتها من القدم للرأس تتفحص "عطر" جيدًا ثم قالت بضيق وهى لا تبالي للموقف والحزن الموجود فى المنزل:-
-دي بجي المصراوية يا دهب اللى لبسوها لأخويا
نظرت "عطر" بضيق من طريقة حديث هذه المرأة، عينيها البنية مع خط الكحل العريض جعل الرعب والشر يتطاير منهما وشعرها الأسود المموج مسدول على ظهرها وتحيط رأسها بنصف حجاب أسود يظهر مقدمة رأسها بشعرها وكعب عالي أسود بعباءتها الضيقة التى تجسم جسدها الممشوق وبشرتها البيضاء ، تحدثت "ذهب" بحزن مُنهكة من البكاء على ما حدث أكثر من هذه المرأة :-
-اه يا ست خيرية دى عطر هانم مرت أخوكي ، دى الست خيرية أخت سيدي نصر
رفعت "عطر" حاجبها بضيق مصطنعة الغرور أمام هذه المرأة وقالت:-
-أهلا... جهزي الأكل يا دهب أى حاجة عشان تأخد العلاج بس
ألتفت لكي تخرج مما أثار غضب "خيرية" أكثر خصيصًا تجاهل "عطر" لها، لكن فى حقيقة الأمر أن "خيرية" خلقت بخصلة سيئة فهى تغار وتكره كل فتاة تراها جميلة وأجمل منها، وجمال "عطر" كان كفيل بأن يمزجها ويشعل غيرتها كاللهب، تركت الكوب من يديها وخرجت للخارج بأغتياظ وقالت بضيق صارخة فى "عطر":-
-يا ست الحسن أتكلمي وي زينة أشحال أنك جايلنا بعيبك وشرفك اللى مهروس فى الطين
توقفت "عطر" عن الصعود بمنتصف الدرج وألتفت إليها ترمقها من الأعلي ببرود، وقفوا النساء من الصالون على صوتها العالي فتحدثت "عطر" ببرود أكثر يستفزها:-
-أنا مش هنزل بمستوي لمستوى واحدة جاهلة زيك، ولو على الشرف فأنا أشرف منك ومن بلدك وبلاش المظاهر تخدعك وتقولك دى عيلة وغلبانة، أنا أبويا سابنيى لوحدي عشان عارف أني بنت بألف راجل وأعرف أشيل اللى رجالة بلدك كلها تشيله
تحدثت "خضرة" بأغتياظ من رد "عطر" وقالت:-
-حجيجي جليلة الرباية ، كيف بتردي وتعلي صوتك على عمتك الكبيرة يا بهيمة أنتِ
صعدت الدرج إلى الأعلي وسحبت "عطر" من ذراعها للأسفل لتتألم منها وقالت:-
-بس أنا بجي اللى هربيكي وأعملك كيف تتحدي ويانا
صاحت "عطر" بانفعال بهما وكأنهم أنتظروا اللحظة الذي سيسقط بها جدها ليمزقوها لإشلاء ، قائلة:-
-أنا متربية غصب عنكم
رمقتهما "هدي" من مجلسها فى حزنها على فقد حبيبها وزوجها والوجع يمزقها لأشلاء ودموعها لم تتوقف لحظة، جاءت فتاة أخري فى عمر "فيروزة" ذات العيون العسلية وبشرة متوسطة البياض تجملها نقاط بنية فى وجنتيها "نمش" ذات الـ24 عام وشعرها الأسود متوسط الطول مسدول على الجانبين بفرق فى منتصف رأسها بنعومته قالت:-
-صحيح متربتيش
نظرت "عطر" لها لتدرك أنها "خديجة" الأخت الثانية لـ "نصر"، نزل "نصر" إلى الأسفل بعد أن سمع صوتهما وصراخهم فرأى "عطر" بالمنتصف وثلاثتهما يحيطون بها فقال:-
-فى أي؟
-في جلة أدب ورباية، مكفهاش انك عامل فيها جميل وستر عليها لا كمان بتبجح
قالتها "خيرية" بضيق فنظرت "عطر" إلى زوجها بأشمئزاز من الأعلي للأسفل على صمته وقالت بتذمر وضيق:-
-لو أنا ناقصني رباية يبقي أخوكي ناقصه رجولة لأنه سامح لواحدة زيك تهين مراته وهو واقف
لطمها بقوة على كلمتها فكتمت صرختها من الألم والحسرة ثم رفعت نظرها فى عينيه بتحدي وقوة فقالت بضيق:-
-مش بقولك ناقص رجولة
رفع يده ليصفعها من جديد فقاطعته بنبرة الغليظة ودموعها تجمعت فى عينيها رغمٍ عنها تقول:-
-أضرب، مش هتفرق كتير أنا كدة كدة كارهك وقرفانة منك، مش هتفرق كتير لما الكره دا يزيد شوية كمان
نظرتها كانت تمزقه وتقتله مع دموعها التى تجمعت بأسر جفونها، قاطع شجارهما صوت "عيسي" يقول:-
-أضربها !!
نظر الجميع عليه وهو يقف أمام باب غرفة المكتب يحدق بهما بأشمئزاز ثم تابع حديثه:-
-يلا أضرب وخلصنا، لكن قسمًا بالله لو سمعت حس حد فيكم فى الدار لأطخه عيارين وأخلص منه، ما تخلوا عندكم دم إحنا فى عزاء ومنعرفش لسه جدكم هيجراله أيه
ألتزمت "خضرة" الصمت خوفًا من "عيسي" رغم وجود ابنها وعودة "ناجي" زوجها لكن من يجرأ على التحدث أمام هذا الشبل الذي جاء من ظهر جده "عبدالحكيم" وابوه "فؤاد"، تحدثت "خديجة" بنرة هادئة مُصطنعة الحزن أمامه والأنكسار هاتفة:-
-والله جولت لهم عيب
رمقتها "عطر" بدهشة من تحولها وكذبها أمام "عيسي"، سحبها "نصر" من يدها للأعلي بضيق وفور دخولهم إلى الشقة نفضت ذراعها منه وقالت بغيظ منه:-
-إياك تلمسني مرة تانية وقسمًا بربي لو أيدك اتمدت عليا تاني لأكون قاطعها لك، أنت فاكرني أيه الجارية اللى اشتراهالك أبوك
كز على أسنانه بغيظ أمامها وأقترب أكثر منها حتى ألتصق جسده بجسدها وقال بخفوت:-
-متستفزنيش أنا مانع نفسي عنك بالعافية
تبسمت "عطر" بسخرية وقالت :-
-ما قولتلك مش فارقة أنا كدة كدة كارهك، أنت ليه محسسني أنى ميتة فى دباديبك وهتأثر ولا بقطع شرايين عليك ما تفوق كدة يا سيد الرجالة دا أنا قاطعة شراييني من كرهي ليك
صمت كليًا أمامها فذهبت من أمامه إلى غرفة أخري وأغلقت الباب بالمفتاح من الداخل .....
_________________________
كان "عيسي" جالسًا مع "منصور" أمام غرفة الرعاية فى اليوم التالي منتظر خروج الطبيب وقال بهمس شاردًا بتفكيره:-
-تفتكر مين اللى عملها يا منصور؟، أنا مقتنعتش أنها قضاء وقدر
نظر "منصور" إلى ملامح وجهه مُطولًا ثم قال بحيرة:-
-مين اللى هيعوز يجتل أبا الحج ، دا خيره على البلد كلها وبيتجي ربنا فى كل الناس
ألتف "عيسي" إليه بقلق وقال:-
-معرفش بس لو كانت قضاء وقدر كان اللى علمها وجف يا منصور هيهرب ليه ؟
-مش يمكن خاف من اللى هيجابله دا كبير البلد
قالها "منصور" بتردد وعقله لا يصدق كلماته، هز "عيسي" رأسه وقال:-
-يعنى عرف ان اللى فى العربية هو عبدالحكيم الدسوقي وهمله ومشي، دا كلام ميدخلش العجل
قاطع تفكيرهما خروج الطبيب فوقف "عيسي" من مقعده وهرع إلى الطبيب يقول:-
-طمني يا دكتور
-أدعيله بالرحمة، هو عايزك جوا بس متتعبهوش فى الكلام عشان صحته
قالها الطبيب بهدوء ثم ربت على كتف "عيسي" ليغادر، تنهد "عيسي" بهدوء ثم دخل إلى الغرفة بأنفاس ثقيلة ليرى جده فى حالة يُرثي لها فدمعت عينيه بأنكسار لكنه جفف هذه الدمعة سريعًا، جلس جوار "عبدالحكيم" وقال:-
-جدي
فتح "عبدالحكيم" عينيها بتعب وتحدث بتلعثم وصوت مبحوح أسفل قناع التنفس:-
-عيسي... يا ولدي
ربت "عيسي" على كتفه بهدوء وهمس بلطف:-
-متتعبش حالك ي حج
دمعت عيني "عبدالحكيم" حزنًا وقال بقلق:-
-أبوك فين؟ سألت عنه كتير
جمع "عيسي" شجاعته وأخفي أوجاعه بداخله ثم قال:-
-زين يا حج، هو بس يجف على رجله وأجبهولك
جهش "عبدالحكيم" فى البكاء بتعب وقال بضيق:-
-ولدي مات يا عيسي، هتخبي عني وهو ميت جصاد عيني ..... اه يا ولدي
مسح "عيسي" دموع جده بحزن وقلبه بالداخل يصرخ على موت والده وقال بلطف:-
-أهدي ي جدي
تنفس "عبدالحكيم" بصعوبة وقال:-
-خلى بالك يا عيسي من الأمانة اللى هملتهالك، خلي بالك يا ولدي العيلة دى مالهش حد بعدي غيرك ، وعطر العيلة الصغيرة ... أنا حاسس أن ربنا عمل فيا أكدة ذنبها ، حطها فى عينيك يا ولدي أنت سندها وظهرها وولي أمرها بعدي، أوعاك تخلي نصر يأذيها، لما جيت عليها ربنا مجبلش بظلمي ليها أوعي تظلمها يا ولدي
أومأ "عيسي" له بنعم ليقول "عبدالحكيم" بحزم رغم تعبه:-
-أوعدني يا عيسي متفرطش فى الأمانة اللى هملتهالك ، وأنا وصيتك وصيتين يا ولدي أولهم عطر و..... و....
ربت "عيسي" على يده بفزع من صعوبته فى التنفس وقال:-
-أهدي يا جدي ومتتكلمش
تشنج جسده بقوة ليفزع "عيسي" وخرج ليطلب الطبيب فجاء طاقم الأطباء مُسرعًا وتركه "عيسي" فى الخارج ولم يطل الأمر حتى خرجوا من الداخل والحزن على وجوههم والأستسلام ليدرك ما حدث قبل أن يتفوه الطبيب بكلماته القليل قرب أذن "عيسي" قائلًا:-
-البقاء لله
__________________________
أنهت "عطر" لف خمارها الأسود مع فستان أسود فضفاض وخرجت من الغرفة لتراه جالسًا على السفرة يتناول فطاره فتجاهلته وصارت نحو باب الشقة ليقول:-
-عطر
توقفت بتأفف شديد وأستدارت إليه بزمجرة وقالت:-
-نعم
تنحنح بلطف ومسح فمه بالمنديل ثم وقف من مكانه وقال:-
-تعالي عاوز اوريكي حاجة
تأففت بصوت مسموع وصل لأذنيه لكنه تجاهل الأمر، سارت خلفه حتى وصلت إلى باب غرفته فنظرت مُطولًا للغرفة ليقول:-
-جولتلك هوريكي حاجة
دلفت إلى الغرفة ورأت حقيبة سفرة صغيرة على الفراش مع مجموعة من الفساتين كثيرة لتقول:-
-اي دا؟
وضع يديه فى جيوب عباءته وقال بهدوء:-
-أفتحي الشنطة
تنحنحت بقلق مُترددة من فتح الحقيبة وتصرفه الغير معتاد فقالت بخنق:-
-لما نشوف أخرتها
فتحت الحقيبة لتُصدم من كم الذهب الذي رأته ولأول مرة ترى هذا الكم من عقود وسلاسل وأساور وحلقان بأشكال مختلفة وعلبة صغيرة وردية فتحتها لتري بها دبلة زواج، خرجت من الغرفة سريعًا وعقلها لا يتسوعب ما تراه فخرج خلفها بتساؤل وقال:-
-مالك
ألتفت إليه فى منتصف البهو وقالت بتلعثم من هول الدهشة التى أصابتها:-
-اي دا؟
أجابها "نصر" بنبرة هادئة لطيفة على غير المعتاد من هذا العصبي قائلًا:-
-دا ذهبك، شبكتك!!
نظرت لكمية الذهب التى تراها أمامها وقالت بأندهاش:-
-كل دا شبكتي
تبسم إليها بوجه حماسي وتعابير دافئة ثم قال:-
-ولو عايزة أكتر هجبلك، كمان جبتلك كل العبايات والفساتين دى، شوفي عاوزة اي وأنا أجبهولك اطلبي وأتمنى أنتِ بس يا عطر
رمقته بتعجب من هدوءه ولطافته الغير معتادة وكل ما جلبه لأجلها منذ أن عادت من المستشفي ثم قالت بحدة غليظة:-
-أنا مش عايزة منك حاجة، وأحب أريحك وأوفر عليك أنك مش هتعرف تشتريني بفلوسك وذهبك، أنا عمري ما هكون لك بمزاجي وهفضل كل ما أشوفك اقولك كلمة واحدة بس.. طلقني وخلى عندك دم وكرامة ولا هتفضل عايش مع واحدة مش طايقة حتى صوت نفسك ومجبرة عليك
لم يتمالك أعصابه أمام قساوتها وتحجر قلبها خصيصًا بعد أن قابلت لطفه ببرود وقسوة ولطم وجهها بقوة فصرخت بألم بعد أن مسك شعرها بقوة وجذبها إليه ليقول بحدة غليظة:-
-أنتِ فاكرة أنى مجدرش أجبرك دا أسهل ما عليا، لكن أنا سيبك بمزاجي فمبتجيش مستفزة بجى وترجعي تلومنى على ضربي وذلي ليكي
دفعته بقوة بعيدًا وهى تقول بعناد وزمجرة:-
-أبعد عنى يا حيوان أنت، أنت فاكر نفسك اي؟
-حيوان!! طب والله لأوريكي السلوك الحيواني بيكون كيف؟
سحبها من ذراعها بقوة تجاه غرفة نومهما لتفزع وتبدأ تصرخ بخوف أكبر منه وتقول:-
-سيبني.... طب أنا أسفة والله بس بلاش الله يخليك
لم يبالى لها حتى وصل للغرفة ودخل بها ليغلق الباب بقوة أرعبتها وخلعت قلبها من ضلوعها....
وصل خبر وفأة "عبدالحكيم" للعائلة فأنتفض الجميع ليرن هاتف "نصر" كثيرًا على الكمودينو قرب الفراش والهدوء يعم المكان ليس سوى صوت بكاء ووجع، إنكسار وحسرة تمزقها لإشلاء وهى تخفي جسدها الضئيل أسفل الفراش وترتجف من الصدمة ولا تقوي على تحرك أناملها، خرج "نصر" من المرحاض بجسده المبلل بعد الأستحمام وأخذ الهاتف وهو يقول:-
-جومي ألبس خلجاتك
أجاب على الهاتف ليسمع خبر وفأة جده فهرع للخارج مصدومًا ومع خروجه صرخت "عطر" من الألم والقسوة التى تعرضت لها بعد أن تعدي عليها بالأكراه وظلت تنتفض من مكانها وتتألم بوجع كلما حرجت جسدها .....
__________________________
صرخت "هدي" بحزن وسط النساء قائلة:-
-يارب مالناش غيرك، أجرنا فى مصايبنا يارب
تمتمت "خضرة" بسعادة تغمرها واضحة فى ملامحها:-
-الله يرحمه هو التاني
كانت السعادة تغمرها بعد وفأة "عبدالحكيم" و"فؤاد" فالوريث الوحيد لأملاك "عبدالحكيم" هو زوجها "ناجي" وسيكون الكبير رغمًا عن الجميع، رات "ذهب" ذاهبة إلى المطبخ فقالت:-
-أنتِ يابت أعمليلي فنجان قهوة
أومأت "ذهب" بحزن يملأ قلبها على وفأة "عبدالحكيم" وقالت:-
-حاضر بس هعمل الشاي الأول للرجالة
وقفت "خضرة" من مكانها بدهشة وقالت:-
-هو فى حد فى المكتب؟
أجابتها بنعم وقالت:-
-أيوة سيدي ناجي ومعه نصر بيه وخالد بيه كمان ووياهم سيدي عيسي والمحامي والمحاسب كمان
تبسمت "خضرة" بحماس وأدركت أن لحظة النصر جاءت إليها وسيرث زوجها كل شيء وستكون سيدة هذه السراية وحدها فقالت:-
-خلاص روحي متعمليش حاجة
فى غرفة المكتب، جلس الجميع فى صمت ليقول المحامي:-
-الوصية دي خاصة بفؤاد بيه وطبعًا هو كتب كل أملاكه باسم ولده عيسي لكن ال10 فدان اللى فى أخر البلد باسم الأنسة فيروزة وطبعًا من المال هيطلع حق الزوجة الست هدي
لم يبالي أحد بشيء وهم مُدركين لهذا الأمر جيدًا، فتح ظرف أخر أمام الجميع وقال بجدية:-
-أما دي بجي وصية الحج عبدالحكيم
نظر إلى الورقة مُطولًا ثم تنحنح بهدوء مما سيقوله وهتف بحزم لما يقوله:-
-الحج عبدالحكيم كتب كل ما يملك لحفيده عيسي بيه ....
فزع الجميع وأولهم "ناجي" و"نصر" بينما "عيسي" رمق المحامي فى حالة من الصدمة وقد فهم كلمات جده الأخيرة والوصية التى تركها له وأوصاه ألا يتخلي عنها الأولي كانت "عطر" والتانية هى المُلاك.........