رواية فرط الحب الفصل التاسع9 والعاشر10 بقلم دينا ابراهيم
-يا ماما ما تدخليش في قراراتي ارجوكي!
-اتلهي على خيبتك انتي وقراراتك وخدي البطة دي من ايدي حطيها على السفرة وتعالي ورايا.
هتفت والدة وسام في تحذير وهي تمد ذراعها بما تحمله من طعام وعادت لشقتها المقابلة لشقة وسام تاركة الباب مفتوح قبل ان تعود وتطل من الباب مخبرة إياها:
-وسيبي الباب في كذا حاجه هنجيبها.
زفرت وسام في ضيق لكنها اتبعت والدتها في الأخير بعد ان وضعت الطعام على الطاولة وما ان وجدتها تخرج المزيد من الطعام قالت في حنق:
-ده مش عشا دي وليمة دي.
احتجت وسام وهي تنقل الاطباق من منزل والدتها إلى منزلها فردت عليها والدتها التابعة لها من الخلف:
-حطي الاكل وانتي ساكته خلي الراجل ياكل بقالك سنة منشفه ريقة بخصامك.
لوت وسام شفتيها باعتراض لتخبرها:
-الخصام مش معناه اني بجوعه يا ماما انا بعمل اكل وبهتم بهدومه وبغسلها وبنضف اوضته أول بأول.
-لا أصيلة يا بت اهتمي بكل حاجة لكن جوزك الغلبان سيبيه يولع.
قالت والدتها وهي تضع ما بيدها وتلكزها في انزعاج، فعقدت وسام المنزعجة ذراعيها في حقد هامسة:
-انتي امي ولا امه؟
-أنا مش أم حد يا ستي، وايه القرف اللي لبساه ده، ده ربنا نجده انك مخصماه اوعي يا شيخة كده من وشي اروح اصلي المغرب واتخمد!
قالت والدتها وهي تنظر لها من اسفلها لأعلاها باشمئزاز لتغمغم في طريقها:
-ياكش يتجوز عليكي عشان ترتاحي.
-بتقولي ايه يا ماما؟!
قالت وسام في انزعاج واضح من أفعال والدتها فهمست والدتها بأنف مرفوع قبل ان تغلق الباب خلفها:
-ما بقولش ادخلي استحمي كتك القرف!
زفرت "وسام" واستغفرت الله وقد ملائتها كلمات والدتها بالغيظ فنظرت لجلباب والدتها المنزلي الواسع متمتمه :
-ما انا حامل ومخصماه هعمله ايه يعني، نانسي عجرم؟!
وقفت امام المرآه تطالع هيئتها المهملة ووجها المرهق الخالي من الزينة وحركت اصابعها على الغرة القصيرة فوق جبينها الأسمر الشاحب ثم دبدبت في اعتراض وقد غرست والدتها القلق في اعماقها فقالت لنفسها:
-ايه يعني انا بهتم بنفسي لنفسي مش معنى اني مخصماه اسيب نفسي وحشه ده مالوش علاقة.
حركت رأسها باقتناع بانها لا تفعله من أجل إرضاء "بيجاد" ودلفت لأخذ حمام ساخن سريع، وبعد محاولات طويلة لايجاد ما يناسبها من ملابسها الطبيعية تنهدت في توتر وقد زاد وزنها بشكل ملحوظ واصبحت بطنها المنتفخة لا تتناسب مع ملابسها فقط ملابس والدتها مناسبة في ذلك الوقت:
-ماشي يا ماما احبطتيني ومشيتي، ربنا يسامحك.
وقعت عيناها على ملابس زوجها المعلقة والتمعت عيناها في مكر انثوي ليرتفع جانب وجهها بانتصار فالحاجة تبرر الوسيلة ام أنها الغاية ... أممم لا يهم المهم انه مبرر.
جذبت قميصه الرياضي الواسع ذو الماركة الممتازة ووقفت تبحث عن سرواله، وحين لم تجده اتسعت ابتسامتها متخليه عن فكرة السروال وارتدت القميص بمفرده وقد تأكدت انه يصل لمنتصف فخديها.
مشطت شعرها وغرتها المبللة قليلًا ثم وضعت احمر شفاه على وجنتيها تزيدها حمره قبل ان تمرر ابهامها فوق القلم لتمسح بطرفه فوق شفتاها برقة لتزداد ورديتهما بشكل شبة طبيعي كي لا تظهر مفرطة الزينة، فهي لا تريد اثارة انتباهه او ان يظنها تراضيه أليس كذلك؟
وقفت تتابع برضا جسدها، فالقميص الواسع يبتلع تكور بطنها ويعطيها دلال جذاب نوعًا ما، نظرت لسيقانها العارية ووجهها المتوهجة ثم همست في نبرة مرتبكة:
-ايه العبط اللي بعمله ده هي الهرمونات أثرت على دماغي ولا إيه؟
لم تفكر كثيرًا فقد قاطعها صوت شجار عالي نابع من أسفل، هرعت تقترب من النافذة وشهقت حين تأكدت ظنونها وسمعت صوت زوجها العالي، ركضت تبحث عن اسدالها وفتحت النافذة تبحث بعينيه عنه فتابعته يصرح في غضب:
-انا اللي احاسب طيب ايه رأيك لو شوفتك تاني هديك بالجزمة على دماغك عشان انت راجل قليل الأدب ومتربتش!
-عيب يا بيجاد ده راجل كبير بردو، هو مقصدش يخبطك.
قال أحد الرجال المحاولين دفع "بيجاد" عن رجل يبدو وكأنه في الأربعين من عمره سمين الهيئة وملامح الغضب شعت من وجهه عندما هدد زوجها:
-ده انا اللي هربيك يا تربية واطية.
-طيب تعالى ربيني لو راجل تعالى انا واقف مكاني اهوه.
زمجر "بيجاد" في نبرة غاضبة وهو يدفع رجلين من حوله ويرفع اصبعه في الهواء بتحذير يؤكد ثباته في مكانه ويحثه على الاقتراب ان كان يجرؤ.
دار الشجار بينهما قليلًا وكاد يشتعل أكثر لولا تدخل الأهالي وكبار المكان الذين نجحوا في استدراج الرجل الغريب للمغادرة وحثوا "بيجاد" على الصعود لمنزله وانهاء الشجار.
اخذت وسام خطوتين وكادت ترتمي على وجهها حين خطت فوق الاسدال الطويل فخلعته في عضب واتجهت نحو الباب تضع ذراعيها فوق خصرها ونيران الغضب تشعلها فوقفت منتظره إياه لتنفجر في وجهه.
فتح "بيجاد" الباب وهو يسب ويلعن وقاحة الناس هذه الأيام وتفاجئ بزوجته الشبه عارية تقف أمام الباب، فدخل بسرعه مغلقًا الباب خلفه وخرج صوته حاملًا مشاعره المتعجبة:
-وسام واقفة ليه كده؟
-انت يا بني آدم انت عايز تشلني، يعني كل اللي احنا فيه ده وحياتنا المتدمرة وبردو ماشي تتلكك للناس وتتعارك معاهم،
وكأن اللي بيحصل وبعادي عنك ولا فارق معاك من الأساس !
قذف المفاتيح بيده ارضًا معبرًا عن اهتياج غضبه بينما يخبرها من بين اسنانها:
-اتلكك للناس؟
انتي تعرفي ايه حصل اصلًا؟
-مش محتاجة اعرف يا بيجاد انا عارفة حاجة واحده بس انك اناني ومتعرفش تعدي حاجة على خير ابدًا.
-وايه كمان قولي متتكسفيش، ابوكي مكنش بيقول اني اناني بس.
قال في نبرة حادة ليضربها في مقتل فهي تردد تحذيرات والدها بالفعل، اتخذ خطوتين نحوها بينما يحرك يده يحثها في تهكم على الحديث، فوضعت يدها فوق رأسها تحاول لجم صداع حاد بدأ في مهاجمتها ثم أردفت:
-انا اسفه اني بتكلم معاك، انا من الأول كلامي كان واضح معاك واختيارك بردو كان واضح ان انا واللي في بطني مش فيه أكيد.
وبذلك اتجهت نحو غرفتها تغلقها في قوة زلزلت المكان وقفت خلف الباب تحاول تمالك عبراتها دون جدوي فانسابت بحرارة فوق وجهها.
بينما قبض "بيجاد" كفه بقوه وضرب بيده فوق رأسه في غضب وقلة حيله فكل ما حوله يدور ضده فقد كان في طريقه للمنزل وكل ما يسرق خلده هو رؤيتها قبل ان تختبئ منه في غرفتها وكان سيفعل ان لم يرتطم به ذلك الوقح المتكبر الذي امطره بوابل من الشتائم تلتها شتائم غير مبررة لشاب يمسك بضع أكياس يبدو انه يعمل لديه، فما كان من "بيجاد" الا وان باغته بصفعه مدوية وبكلمات أكثر دونية تعيده لرشده بأن البشر ليسوا عبيدًا لأحد.
مر من امام غرفتها فلمح الطاولة المليئة بالطعام وسب أكثر من بين انفاسه المضطربة متسائلًا:
هل كانت مشتاقة تنتظره هي الأخرى، هل افسد فرصة لم يعلم عنها شيء كعادته ؟
سعل بخفة يحاول استجماع افكاره وشجاعته ثم اتجه نحو الباب وانقبض قلبه حين وصلته همهماتها الباكية، كاد ينسحب في خجل ويبتعد ولكنه جذ على اسنانه بإصرار ورفع يده يدق بابها هامسًا في حنان:
-وسام تعالي اتعشي وبعدين نامي.
قابله الصمت لثواني قبل ان تجيبه بنبرة تحاول السيطرة عليها كي لا تظهر بكائها متعمدة احباط آماله:
-لا مش جعانة، الاكل ده ليك أنت ماما بعتهولك.
شعر بقلبه ينعصر لتفتت آماله بأن تكون مشتاقة له مثله وهمس في خفوت:
-أنا أكلت في الشغل، اطلعي انتي كلي عشان اللي في بطنك مالوش ذنب.
-لما اجوع هطلع متشكرة على اهتمامك.
ضرب رأسه بالجدار مرة في اهتياج غاضب وكاد يصيح في حده ولكنه تمالك اعصابه في اللحظة الأخيرة، ابتعد يشعل التلفاز الذي صدح بصوت السيدة أم كلثوم التي استرسلت وطالت في غناءها حتى هدئت ثورته رغمًا عنه وقلبه يترجم كلماتها فيبدأ في دقاته حتى وصلت للمقطع الواصف لحياته الحالية:
أهل الحب صحيح مساكين صحيح مساكين....
ياما الحب نده على قلبي....
ما ردش قلبي جواب...
ياما الشوق حاول يحايلني....
و أقول له روح يا عذاب...
-ولو جيت وخليته يرد وروحته؟
قال "بيجاد" مبتسمُا على مزحته الخاصة وقد انقلب مزاجه للمرح في لحظة وبكل تحدي وعناد توجه لباب غرفة وسام من جديد، كاد يطرق الباب لكنه توقف عندما لمعت عيناه بفكره وقد لمح دولاب الخزف المسمى ب "النيش" المركون بجوار غرفتها فارتفع وجهه في ابتسامه شيطانية وهو يتجه نحوه متعمد القول بصوت يصل إلى مسامعها:
-اما أدخل أعمل قهوة بقى بدل الزهق ده،
اوووه، أيه ده فناجين في النيش انا نقطة ضعفي الفناجين اللي في النيش.
كبح ضحكه كادت تغادر صدره حين وصله صوت ضربات قدماها الصغيرة ولمعت عيناه في مكر وهو يلمح ظلها من أسفل الباب، ليتمتم:
-جيتي في ملعبي يا قطتي!
التفت حوله يبحث عما يساعده والتقت عيناه بالمملحة فوق الطاولة ليجذبها ويتجه نحو الدولاب يفتح ابوابه قائلًا في مشاكسة:
-الله حلو الفنجان ده متطعم بماية الدهب ده ولا إيه يا ترى.
عض على شفاه السفلى ثم رمى المملحة ارضًا لترتد فوق البلاط محدثة اصواتًا مدوية، سمع شهقتها قبل أن يرى الباب يُفتح فتندفع "وسام" مهرولة نحوه صارخة:
-كسرت ايه، كسرت إيه؟
رفع "بيجاد" ذراعيه باستسلام قائلًا ببراءة الذئب:
-مكسرتش حاجة دي الملاحة وقعت!
التفت وسام حول المكان تتأكد بنفسها ثم تنهدت في راحه عندما تأكدت من صدقه لكنها اتجهت نحوه تصفع كتفه في غصب محذرة إياه:
-ملكش دعوة بالنيش بتاعي تاني، انت سامع أوعى تلمس حاجتي.
-على ما اذكر النيش نفسه انا اللي جايبه يعني من حقي كزوج اني اشرب في الحاجة اللي تريحني.
قال بيجاد بفم ملتوي يتعمد اغاظتها فصرخت وهي تجذب خصلاتها:
-أموت نفسي عشان ترتاح، اسمع كلامي بقى.
اقترب منها عنوة يقتحم مساحتها سارقًا أنفاسها بالتصاقه بها ثم قال في لهجة خفيضة تحمل داخلها الكثير:
-ولو مسمعتش هتعملي ايه؟
لمعت عيناها بفطنه لما ينوي عليه وكادت تبتعد ولكنه كان سريعًا وهو يحاوطها بين ذراعيه فهمست بحلق جاف:
-انت بتعمل ايه؟
لم تكمل جملتها وخرجت منها صرخة خفيفة معترضة حين حملها بين ذراعيه ليقول:
-مفيش اصل ابني وحشني أوي وعايز اقعد معاه شويه.
-بيجاد انت بتستفزني ليه؟
قالت وهي تدفع كفيها في جسده الصلب الكبير فحرك ذراعيه باضطراب مستطردً في تهديد ساخر:
-اوعى تقعى عشان بطنك.
عقدت ذراعيها بقوة حول عنقه كادت تقطع عنه الهواء لكنها قابلها بضحكاته رغم ذلك فصاحت في غضب:
-حقيقي إنسان مستفز.
-وانتي انسانه باردة بس مش شيفاني بشتكي!
كادت تنفجر به لكنه وضع كفه فوق فمها وقال في هدوء وكأنه يحادث طفلة:
-بطلي نكد خمس دقايق وسبيني اقعد مع ابني شويه، بطلي انانية.
استلقى على الأريكة واستقر بها داخل احضانه فقالت متهكمة وهي تشعر به يحاوطها بجسده الضخم:
-كده انت قاعد مع ابنك؟
-اه بحب اخده في حضني، معلش استحملي ابن وابوه، بس انتي اللي حاشرة نفسك في النص مضطر احضنك عشان اوصله.
خرج الهواء من صدره حين لكمته في معدته بغضب واتبعتها ضحكاته التي هزت المكان وهو يحكم قبضته حولها حتى اصبح كلاهما على جانبه فوق الأريكة وظهرها يلاصق صدره القوي.
تركها "بيجاد" تقاومه مده حتى خارت قواها وبدون تعليق من كلاهما سكنت وسام بين ذراعيه تلتقط انفاسها فمال يقبل جانب رأسها هامسًا عند أذنها:
-بحبك وبموت في حضنك يا أرق مجنونة.
ابتسمت دون اردتها ورفعت رأسها تناظره بطرف عينيها ثم أجابته في مكر:
-الله وحضن أبنك؟
-ابني مين ابن الكلب ده، المهم حضنك انت يا حلو يا متختخ.
اختفى المرح من عيناها وانقلب مزاجها مائة وثمانون درجة فانتهي بها الحال هاتفة في وجهه:
-تقصد اني تخينه وبقيت وحشه ونفسك تتجوزك عليا عشان كده مش عايز تحسن من نفسك طبعا جتلك على الطبطاب،
ما تتكلم وياترى عرفت مين عليا من ور.....
كبح "بيجاد" المنذهل جماح تخيلاتها بأن ألقى بفمه فوق شفتيها ينهى سيناريو مجنون نسجته لتوها.
ويسألون لما يصعب فهم النساء؟
كان هذا أخر تفكير في عقله قبل ان تُسكره ملمس شفاها وأنفاسهما المختلطة فيندفع معها في معركة ضارية تسحره فيها وتجذبه في بحور غرامها، فيهاجم هو بكل ما يملك من مكنونات هوجاء تتغنى باسمها ..
معركة قوية متعطشة للخضوع لن تنفض سوى بالتلاحم، معركة لا تعرف الفوز فكلاهما خاسر...
وما ألذ الخسارة حين تكون بين أحضان الحبيب ...
*****
جلس "ريان" أمام الحاسوب المتنقل يصطنع الانشغال بأمر هام بينما هو في الحقيقة يتلوى بنيرانه وكل ما يشغله هي ضحكات ريم وعمر المنسجمان بلعبة ما على جهازه الإلكتروني.
حتى الصغير صار يتجاهله منذ عدة أيام وصار يحذوا حذوها في عقابها، ذلك الصغير الماكر يتصيدها كلها لنفسه ويتمرغ بين احضانها مستمتعًا بحنانها بينما هو يتلوى بنار الوحدة والشوق.
نظر لريم التي استقامت واتجهت لصنع الفشار فانتهز الفرصة واتجه يجثو بجوار عمر ثم جذب الصغير من قميصه ليقف امامه ويهتف به من بين اسنانه:
-بتبعني يا عمر وبتنفضلي هو ده اتفاقي معاك!
عقدت عمر ذراعيه واجابه بشفاه مزمومه في حنق طفولي:
-مش بنفضلك، انت اللي مش بتعمل حاجة وسايبني اصالحها لوحدي.
لطمه ريان خلف رأسه في انزعاج وقال مستنكرًا وهو يلقي نظرة خلف ظهره متوجسًا عودتها:
-اصالحها ازاي يا روح أمك وأنت واخد كل وقتها، طيب قولها نقعد مع بابا شوية، او اعمل اني واحشك يا راجل.
-انت مقولتليش!
اعترض عمر وهو يلوي ملامحه فدفع "ريان" رأس "عمر" بخفه نحوه محذرًا:
-هتعمل عيل عليا دلوقتي، بقولك ايه ياض تكونش فاكر هتعيش معاها وانا هغور في داهية،
لا فوق ده هو باكدج واحد انا وانت يا مفيش وابقى خلي الانانية تنفعك ساعتها.
-يوه دي ما بقتش عيشه، ما انت اللي فاشل اعملك ايه.
-فاشل، ايه فاشل دي يا ابن الكلب؟
ما انت لو محترم تعمل بلقمتك وتساعد ابوك، أقولك ... اعمل تعبان يا اخي بليل وقولها عايز بابا ينام معانا وسيبني انا هتصرف.
تركه "ريان" حين أحس باقتراب "ريم" فتحرك لمقعده سريعًا يتصنع الانشغال بالحاسوب، وضعت "ريم" الوعاء المليء بالفشار أمام عمر الواجم فسألته:
-مالك يا عمورتي؟
هز عمر رأسه بالنفي وأعاد تشغيل جهازه ليندمج كلاهما، هربت منه نظرة نحو والده الذي يحدق به بعيون ضيقه واتسعت عيناه بخوف حين مرر اباه اصابعه امام عيناه نحوه في تهديد مباشر بالمراقبة، فمط شفتيه في ضيق واخذ عقله الصغير يفكر في حل يساعده به كي يتجنب سخطه الذي سيتحول لغباء لا محالة مستهدفًا به ريم، ليتمتم في قلة حيلة:
-مش معقول انا اللي لازم أعمل كل حاجة!
رن هاتف "ريم" واشتعل صدر "ريان" عندما دلفت للحجرة بعيدًا عنهما، فلم يقدر على الثبات واتجه خلفها يحاول استراق السمع في غفلة عن صغيره المنشغل بألعابه.
-مفيش أرخم من قعدت الرجالة في البيت، انا مش فاهمة قاعدلي ليه ده.
-يا بنت الجزمة.
همس ريان من بين اسنانه بتوعد متسائلًا عن هوية المتحدث التي تتذمر معه بشأن وجوده، دوت ضحكتها لتنهش الغيرة في قلبه وسمعها تقول في غنج:
-لابسه بيجامة برموده وتي شيرت عادي.
خرج منه لفظ اعتراضي تلاه لفظ بذئ ثم اندفع للغرفة بدون تفكير هاتفًا:
-انتي بتكلمي مين؟
التفت ريم المرتعبة نحوه وقالت في شبه هستيرية:
-حد يخض حد كده يا بني آدم، صفيت دمي.
-ده انا هصفي دمك كله لو مقولتيش بتكلمي مين وبتوصفيله لبسك.
نست ريم من يحادثها على الخط وتخصرت في اعتراض قائلة في نبرة مستهجنه:
-أنت كمان بتتصنت عليا.
اتجه نحوها عازم النية على جذب الهاتف منها فركضت حول طاولة صغيرة بمنتصف الغرفة وقالت في حده:
-متقربش مني واطلع برا اوض...اااه..
صرخت حين اندفع يجذب الهاتف في قوة من بين اصابعها وزمجر في السماعة:
-مين معايا؟
-أنا وسام...هو في حاجة؟
انعقدت ملامح ريان في بلاهه وهو يستمع لنبرة وسام المتوترة ثم طالع ريم التي تقتله بنظراتها قبل ان تميل لتجذب الهاتف منه مرة أهرى قائلة في تهكم:
-ارتحت، ممكن تطلع برا ومتدخلش في حياتي!
رمقته بحقد جعل الدماء تتدفق في وجنتيه فيبرز الحرج الذي تلبسه فغمغم بشكل غير واضح:
-طالع.
وبذلك وضع قدم خلف الأخرى في وتيرة سريعة يتسابق للخروج من أمامها وقد جعلته كالثور الابله.
لمعت عيون "ريم" في انتصار وارتفع جانب وجهها في ابتسامه ماكرة، اهلًا بك مُعذبي في صرح كيدي العظيم، اختر رقمًا وانتظر بكل كبرياء فرصيدك هناك على وشك النفاذ.
"فرط الحب"
الفصل العاشر:
- يخربيت دماغك جننتي الراجل.
أبرتها وسام في ذهول فابتسمت ريم في رضا مؤكده:
- هو لسه شاف جنان، ده يا ويله مني!
- يلا مش خسارة فيه عشان يتربى ويعرف ان الله حق بعد كده، بس خدي بالك احسن ينفجر في وشك انا عارفة المجانين اللي عندنا.
انهت وسام جملتها محذرة فردت "ريم" في سرعة:
- لا إنتِ فاهمه غلط مفيش بعد كده، انا بربيه بس لحد ما يطلقني.
- شوف إزاي، بتضحكي عليا ولا بتضحكي على نفسك؟
سألت "وسام" في هدوء ماكر، فعضت ريم شفتيها وهي تجيبها في عناد:
- قصدك إيه؟
اجابتها وسام في ثقة وسرعة:
- قصدي انك بتحبي ريان ومش هتقدري تبعدي عنه لا هو ولا عُمر، صح ولا لا؟
- بس هو قدر يا وسام، خلاص حتى لو صح معدش ينفع ابقى معاه.
غامت عيون ريم في حزن ما ان انهت جملتها فتنهدت "وسام" مردفه بشكل صريح:
- اقولك الصراحة متزعليش مني؟
هزت ريم رأسها انها لن تراها وهمست:
- مش هزعل قولي.
- إنتِ اللي غلطانه.
- انا اللي غلطانه؟ بعد الحب اللي حبتهوله ده كله وانا اللي غلطانة يا وسام.
- يا بنتي افهمي .. الرجاله دول كائنات متوحده معندهاش قدرة على الاستيعاب وفكرهم ان الحياة دايمًا عادي وسهل،
وإنتِ كنتي بتحبي ريان بدون اي مقابل وده في حد ذاته غلط لأنك كده بتبوظي الراجل بفرط تدليلك زيه زي العيل الصغير بالضبط مهما كانت طبيعة الراجل اللي معاكي دي ايه.
رمشت ريم عدة مرات واعتدلت في جلستها تحاول استيعاب ما تخبره به وسام:
- تقصدي إيه، اني حبيته بزياده وهو مش بيحبني؟
- لا يا غبية، الفكرة انك اديتي ومستنتيش مقابل، خلاص حُبك بقى شئ مضمون وتلقائي هو متوقعه منك ومش حاسس بتهديد او انه لازم يعافر عشان يحافظ عليه،
لعلمك ريان بيحبك وبيموت فيكي كمان لانه لو مش بيحب مش هيسمح انك تبيعي وتشتري فيه كده.
تنهدت ريم تخرج مكنونات صدرها في قهر متسائلة:
- وسام اوعي تكوني بتلعبي بعقلي عشان خاطر ريان.
- يووه عيب عليكي مكنتش هاجي واقولك من الأول ان ريان هيتجنن واصالحكم،
طيب فكري فيها كده إنتِ شوفتي ريان سكت لحد على حقه قبل كده؟
اه مش بيجيبه بدراعه بس بردو بيلف يلف وبيرجع يجيب حقه صح ولا ايه؟
حركت ريم رأسها برفض وقالت بنرة خفيضة:
- انا مش عايزه أعيد غلطتي تاني يا وسام حتى لو بحبه، انا واخده قراري اني هكمل مع احمد.
- بس إنتِ كده هتظلمي أحمد معاكي لان قلبك مع ريان!.
- احمد عارف ومعندوش اي مشكلة.
اخبرتها ريم وهي تستقيم تحاول السيطرة على ثوران قلبها المتدفق داخل صدرها مطالب اياها بالمسامحة فهتفت وسام في حده:
- أفندم؟
ارتبكت ريم لكنها أجابت في جدية:
- بصي الموضوع صعب تفهميه، بس انا واحمد أقلمنا نفسنا ده غير انه محتاجني ومقدرش اتخلى عنه.
ضحكت وسام في تحكم وقالت ساخرة:
- احنا هنخيب ولا ايه؟
ريم مش معقول هتخسري نفسك وجوزك عشان أحمد ومش هقول حرام تفكيرك ده اصلًا لأن الظروف اللي وصلتك لكده بس اللي يرضى يتجوز واحده وعارف ان قلبها مش معاه يبقى لامؤاخذه مش راجل.
- وسام قفلي على موضوع أحمد لو سمحتي.
تنهدت وسام لكنها قالت مؤكده:
- انا مش هضغط عليكي، بس نصيحتي ليكي متدمريش حياتك عشان ظرف وعدى الانسان كله اخطاء،
هما مش بيقولوا بردو العبرة في النهاية بصي نهاية ريان فين بعد الظرف ده وفكري في كلامي كويس.
اغمضت ريم جفونها وهمست في نبرة متوجعة:
- وجعتي قلبي تاني يا وسام حرام عليكي.
- سلامة قلبك يا حبيبتي، انا مش بتمنى غير انك تعيشي سعيده وسعادتك مع ريان وعُمر مهما حاولتي تهربي منها، اسيبك بقى قبل ما تقفلي في وشي مع السلامة.
أنهت وسام جملتها بضحكه خفيفة صادقة تخفف صدى كلماتها في روح صديقتها فأجابتها ريم في نبرة محبطة:
- مع السلامة.
تنهدت ريم في حرارة، لما لا تعيش كباقي الخلق دون اي أحداث دراماتيكية او تعقيد، فمن جانب تحارب لنسيان ريان الذي يعبث في دواخلها دون هوادة ومن جانب آخر ضميرها معلق بأحمد الذي قدم لها الكثير ويستحق منها الكثير والكثير.
أغمضت عيونها بإصرار فعليها الثبات مهما اهتزت الأشياء من حولها فما تفعله الان سواء عادت ام لم تعد يصب في حق ذاتها،
فكلمات وسام حقيقية لقد اهملت حقها في الحصول على ما امتلكته وتنازلت عن رؤية لوعته تجاهها وقتها، ولكن لا مزيد من ذلك فقد حان وقت المحاربة كي تعتز بذاتها، لتقف في يوم من الأيام تصرخ بأنها روح مقاتلة وصلت وحدها لأقصى درجات الثقة.
*****
بعد منتصف الليل وقف ريان أمام باب غرفة عُمر الذي ينعم بالنوم مع زوجته يصارع ذاته كي لا يقتحمها في جنون ويدخل كلاهما في حالة من السرع يستحقانها بشدة لما يفعلاه به.
- ماشي يا عُمر نام.
الندم .. شعور قاسي متحجر لم يعهده من قبل وأكثر ما يندم عليه هو انه حرم نفسه بأفعاله من حقه في التبرير، فينتهى به الحال غير قادر على الدخول في حوار مباشر معها دون ان تتصدى له متعمدة ايلامه، بل أحقر من ذلك فقد انتهى به الحال يقف على باب غرفة طفل لم يبلغ الخامسة من العمر بعد منتظر اشارة ومصيره شبة ملقى تحت رحمته.
استدار للمغادرة وقد هاجمته تداعيات الإحباط والقهر حين استوقفه صوت أنين صغيره المتألم للحظة كاد ينسى اتفاقهما ويقتحم الغرفة في هلع لكنه تدارك الموقف وهرول عائدًا إلى غرفته كي يتصنع الغرق في النوم.
وكما ظن دقيقة وشعر بالباب يُفتح وبضربات قدمها الصغيرة تقترب من غرفته، اخفى ابتسامه وحاول تمالك دقات قلبه حين اشغلت الضوء واقتربت تهز جسده في قلق قابله بوضوح على وجهها ما ان فتح عينيه يطالعها ولكن مناداتها البسيطة تؤكد له بأنها تخشى ان تفزعه على صغيره...
طفلته رقيقة القلب، كم يهواها...
رمش عيناه ببطء وهمس في صوت اجش يرافقه عندما يصحو فبرع في تأديته:
- مالك يا ريم.
- متتوترش بس عُمر بطنه وجعاه وعايزك تروحله.
اتسعت عيناه وهو يرسم ملامح الهلع قائلًا:
- ايه ... عُمر ابني حبيبي تعبان!
هتف بنبرة مرتعبة ثم قذف الغطاء وركض خلفها ككتله مشتعلة تتناثر بالسعادة الخفية والترقب، جلس بجوار طفله الممسك ببطنه قائلًا:
- مالك يا عُمر يا حبيب بابا؟
ضيق عُمر عيناه وهمس في نبرة متعبة:
- بطني بتوجعني يا بابي وعايزك تفضل جنبي.
- طيب عشان خاطري خد الحقنة دي وهتبقى زي الفل.
قاطعت ريم المشهد الأسري ذا الطابع المسرحي المميز وهي تمد اصابعها بحقنة ممتلئة بدواء للمعدة فلكز عُمر المرتعب والده الذي تشدق في ارتباك:
- لا استني.. اصل... اه هو انتي متعرفيش ؟
الحقنة دي عُمر عنده حساسيه منها وبيني وبينك بلاش، دوا افضل عشان يكتسب مناعة دلوقتي هيخف لوحده.
قال ريان في سرعة وهو ينظر إلى اسم العلبة المرمية فوق الطاولة بجدية فنظرت لهما ريم ببلاهة ثم نظرت للإبرة المدببة قبل ان تجيب بإصرار:
- حساسية ايه يا ريان ما انا طول عمري بدهاله.
- حساسية جديده جاتله لما سافرنا اخر مره.
وضعت ريم الدوا جانبًا ورفعت ذراعيها في الهواء موبخه في انزعاج:
- طيب اتفضل اتصرف انزل هات للولد دوا بطنه بتوجعه أوي.
- لا انا حاسس ان الوجع خف شويه صح يبابي؟
- صح طبعا، شوفتي اهو صح اهوه.
استطردت ريان وهو يحرك كتفيه ورأسه بتعجب فانكمشت ملامح ريم في استنكار ومالت بجوار الصغير من الناحية الموازية لوالده سائلة:
- عُمر إنت متأكد انك خفيت شويه إنت كنت موجوع جامد من شويه؟
- اه انا بس عايز بابا ينام جنبي انهارده.
شعرت ريم بشعره غيرة تتملكها لكنها ابعدتها سريعًا وهي ترمق ريان بطرف عيناها قائلة في نبرة هادئة حنونه :
- ماشي يا حبيبي لو احتجتت حاجة ناديني.
استقامت للمغادرة فنفض ريان صغيره الجلوس يحثه بعينيه على الحديث فأطاعه الصغير الذي هتف في نبرة عالية نسبيًا:
- متسبنيش... اقصد خليكي انتي كمان جنبي.
أنهى جملته بنبره اخف حده ممسكًا معدته بينما يناظرها بكل براءة وألم، شعرت ريم بالاضطراب وتوقفت تجذب عده أنفاس فقطع صوت ريان عجلة افكارها:
- حرام لما بيتعب بيبقى عايزك جانبه.
حدقته ريم بنظرة مريبه وهي تنقل نظراتها بين ريان وعُمر تشعر بأمر غريب لكنها استسلمت وهي تتجه نحو الفراش ليستقر عُمر في أحضانها يمسك بخصرها بينما يحاول ريان البقاء على الطرف البعيد محاولًا الظهور أقل تهديدًا بجسده الضخم مستحضرًا كامل سكونه في براءة رعناء.
كان يشعر بتصلب عضلات جسدها الرقيق من مكانه، وقف من مكانه فانتفضت نصف جالسة تطالعه بعيون متسعة وكأنها تتوقع انقضاضه عليها، لكنه تجاهلها متعمدًا عدم النظر نحوها واتجه بهدوء يغلق الضوء ويعود لمكانه من جديد مستكملًا حيلته التمثيلية.
احمرت وجنتيها وعادت تستلقي بجوار عُمر الذي يطالعها بتساؤل صامت فربتت على رأسه وضمته أكثر، رمشت في الظلام تحاول رسم خطوط جسد ريان وعيونه من بعيد في توجس وفضول وحين فشلت حاولت الاستسلام للنوم متخليه عن شعورها الحارق بأن حدقتاه السوداء تمر فوق جسدها كالحمم البركانية.
ازدردت ريقها وزادت في ضم عُمر إليها مذكره نفسها بوعد القوة انتقلت اصابعها فوق معدته تدلكها بخفه دون شعور ترغب في منحه راحه تلقائية وبعد وقت طويل من اندماج الواقع بالخيال سرقها النوم لتبدأ دوامة من الأحلام بطلها ذلك المستلقي في الركن البعيد،
لقد انتهى الواقع فلماذا لا ينتهي الشعور؟
لم يتحرك "ريان" إنشًا من مكانه لكنه لم يستطع منع عيناه عن التعلق بظلالها المرتسمة في الظلام أمامه فحواسه تتحدى بعضها في الشعور بها بين انفاسها المرتاحه بعمق ثباتها وحركة جسدها الخفيفة بين الحين والآخر.
يشعر بحماسة تتملكه ولأول مرة منذ انفصالهما يجمعهم فراش واحد قد يبدو تفكير سخيف لكنه دافئ للغاية يغذي روحه المشتاقة، حرك جسده يقترب قليلًا منهما حتى التصق بصغيره ثم مد أصابعه بخفه يلامس جسد صغيره ويمررها لتستقر فوق خصرها انغلقت قبضته ثوان أشد من اللازم لكنه بسطها سريعًا كي لا يوقظها وشعور شبه كامل بدأ يتملكه ويخطفه في ثبات عميق، فعليه النوم جيدًا فالخطة على وشك التنفيذ.
*****
في مكان أخر تقلّب أحمد في فراشه يتوسل للنوم دون جدوى نظر لعلبة دواءه من جديد في حيرة لقد تناول ضعف الكمية اليوم دون جدوى فعقله منشغل يرفض التوقف عن التفكير، نظر لهاتفه مرة أخرى وجزء منه يدفعه للاتصال ولكنه يخجل ويخشى عليها.
والجزء الآخر يقنعه بأن لا يخشى وأن يعجّل بتخريب علاقتها بريان، حرك رأسه في رفض فالعلاقة بينهما منتهيه لا محال فقط يعطيها الوقت لتقرر وقلبه يؤكد له بأنها لن تتخلى عنه على الأقل هو لن يسقط دون مقاومة فلا داعي لكشف جميع أوراقه الآن.
تقابلت عيناه بالدواء مرة أخرى ثم زفر يمد أصابعه متذكرًا تحذيرات صديقه منذ زمن طويل حين اقترح عليه ذلك المهدأ كي يتغلب على وساوسه ويتمكن من النوم قرير الأعين كطفل، خرجت منه ضحكة قويه على الجملة التي خرجت من صديقه صاحب الثامنة عشر من العمر
صحيح لم يكن صديقًا مقربًا لكنه كان قريبًا له من ناحية أخرى فكلاهما له شياطينه المؤرقة لحياتهما وكلاهما عاجز عن الحياة والتأقلم الطبيعي بين البشر.
ارتفع جانب وجهه ساخرًا من سذاجته في سن السابعة عشر من العمر فقد انبهر وقتها وصدّق بأن الدواء سيعالجه ويقدم إليه سبيل للهروب والراحة، لن ينكر انه منحه سْكون غريب مؤقت لكنه بمرور الوقت تراجع حتى يكاد ينهار.
حتى انه لجأ للمقولة القائلة بأن استخدام ذات العلاج لأكثر من فترة يُكسب الجسد مناعة واتجه لصيدلي فاسق كاد يقنعه بتركه والاتجاه للمخدر، إلا انه لم يفقد عقله لهذا الحد واقنعه بان يعطيه البديل، ولسخرية القدر لم يفلح معه شيء فبعد شهر دام من العذاب عاد لعلاجه الأول.
وهكذا كلما شعر بجهازه العصبي ينهار يتجه لتغيير العلاج فترة يتحمل قسوتها ثم يعود لعلاجه الأساسي فترضى نفسه وكأنه إدمان من نوع ما لا يجد الراحة في سواه.
- راحة وماله.
همس في الهواء متهكمًا فهو لا يحتاج لهذا النوع من الألم والعذاب اليوم فهو بحاجه لكامل قواه العقلية كي لا يخسر معركته المصيرية لقد ظل خاضعًا طويلًا وحان وقت المحاربة للحصول على ما يريده مرة في حياته، صبرًا صبرًا وسترضى ...
طمئن نفسه قبل ان يتناول جرعة ثالثة فداخله يقف ساخرًا أي حياة تخاف عليها فالموت أفضل وأهدأ بكثير.
*****
اقترب أكثر يلحق بدفئها فوصلته ضحكاتها المغردة وهي تنطلق راكضه تلاعبه من بعيد تتحداه للاقتراب، علت أنفاسه وساقه الطويله غير كافيه لكي يمسك بها فكلما اقترب انسابت أكثر كالهواء من بين أصابعه، ركض خلفها في لهفة دون ان يصل إليها فقد كان كالمطرود من الجنة.
دقات قلبه تزداد فصار يسمعها في جسده وليس أذنه فقط، ضربات خفيفة متتالية تزداد فوق صدره، تحركت جفونه قبل أن يرمش مرتين ليستوعب أين هو ولماذا طفله يحملق به ملصقًا رأسه في رأسه؟
رفع رأسه مرة واحده فوضع عُمر إصبعه الصغير فوق فمه ليلزم الصمت، عقد "ريان" حاجبيه في حيرة متسائلًا في همس منخفض:
- فيه ايه ؟
- هو ايه اللي فيه ايه؟
إنت جاي تنام ولا إنت عايز تشلني.
خطف نظرة نحو ريم النائمه ومال يخبر صغيره في صوت يغلب عليه النعاس:
- ما هي نايمة لسه؟
- بابي انا تعبت منك واعتبر اتفاقنا ملغي، انا كنت هاخد حقنة بسببك وإنت بتهرج.
- بهرّج!!
اعادها ريان على لسانه يستطعم التعجب فيها ثم انكمشت ملامحه في انزعاج موبخًا له:
- ماتهددنيش واحسن لك احترمني، انا اللي أبوك هنا.
- طيب يا بابي ممكن اعرف حضرتك هتعمل ايه دلوقتي، اديني دخلتك الاوضه اهو ممكن تصالحها بقى.
- دلوقتي بقيت حضرتك، ياااه فعًلا،
قوم اتفضل اطلع برا وانا هتصرف.
- يعني هتعمل ايه؟
سأل الصغير في اصرار واضعًا يداه حول خصره بانزعاج فجز ريان على أسنانه قائلًا :
- ملكش دعوة، خد التابلت واقعد في الصالة وسيبني هتصرف واياك تدخل.
- بابي متندمنيش اني ساعدتك.
اخبره الصغير في جدية وهو يرفع إصبعه في وجهه فدفع ريان يده في غيظ قائلًا في نبرة خافته يسكنها الحنق والغضب:
- اتكلم لحد ما تصحيها يا عُمر ومش لازم اصالحها النهارده.
زفر الصغير مغمغمًا بعض كلمات لم يفهمها ريان ولكنه لن يوقفه ويسأله بالتأكيد، وقف في هدوء يتابع خروج صغيره من الباب فامسك المقبض محذرًا إياه:
- متتحركش من قدام التلفزيون واوعى تدخل المطبخ او البلك...
قاطعه عُمر محركًا يديه في لا مبالاة مستكملًا في نفاذ صبر:
- عارف عارف مش هتحرك من مكاني، ممكن تخلصنا إنت بقى.
- هخلصك يا ابن الكلب حاضر.
همس ريان لنفسه متسائلًا متى صار عقل الصغير لاذعًا إلى هذا الحد وكأنه رجل صغير، ارتفع جانب وجهه في شبه ابتسامه وهو يحكم اغلاق الباب بالمفتاح لكنها سرعان ما اختفت حين استدار نحو النائمة كالملائكة في سلام.
لعق شفتيه في ترقب واقترب من الفراش بخطوات هادئة يحاول السيطرة على الطبول المشتعلة بين ثنايا صدره.
-شوفتي وصلتيني لايه؟
همس بها في نبرة يملئها اللوم والعتاب ثم خلع نصف بيجامته العلوي وعدل من خصلاته قليلًا فهو يعلم جاذبيته كرجل ولن يخجل في استخدامها فهي سلاحه الوحيد الذي لا يمتلكه غريمه ومركز تفوقه وسيحرص على تفعيله واستغلاله أشد استغلال.
شكر في سره نصيحة بيجاد بأن يفرغ الغصب الذي تملكه السنة الماضيه في الصالة الرياضيه لتزداد بنيته وتصبح هيئته أكثر رياضيه تلهث خلفها الحسناوات ولكن جسده وقلبه كانا منغلقان لا يرغبان سوى بطفلة الريم ذات الشعر المشعث.
عض شفتيه وهو يعود للفراش ويقترب منها أكثر وأكثر حتى صار جسداهما قريبان ووجهيهما متقابلان للغاية فان تحرك شعره سيلاصقها تمامًا أغمض عيناه بينما يجذب الهواء المحمل بعطرها في انفاسه مرات متتاليه.
انفتحت عيناه كي يراقب ملامحها عن قرب، جميلة هادئة مثيرة للسلام بل مثيرة لجميع المشاعر المهلكه، حرك عيناه فوق جسدها في شوق حارق.
خرجت انفاسه من صدره لتلاطم وجنتها فتنهدت وكأنها تستشعر قربه بل أفضل وكأنها تتمنى ذلك القرب، نفخ بخفه فوق وجهها بدون سبب أو مبرر ولكن قلبه يرغب بأن تتنفس هوائه مثلما يرغب هو في غمرها داخل روحه.
-ازاي مقولتش بحبك وجوايا كل دقيقة بقولها؟
همس مصرحًا فتحركت ريم ليتسمر مكانه ولكنه تفاجأ بها تقترب نحو جسده تلتصق به ثم تستقر بأناملها الصغيرة فوق خصره تقربه منها، توقفت دقات قلبه لثواني وظل متأهب في صدمة للمستها التي أججت نيرانه وتلاعبت على أوتار رجولته.
اهدأ كي لا تنهار مخططاتك حاول ان تستجمع افكارك ..
يا إلهي ماذا كانت الخطة من الأساس؟
تبخرت الافكار حين تحركت تتطلب دفئه أكثر وأكثر دون وعي منها فانتهت بوجهها فوق صدره ، عض على شفتيه يحتفظ بشعور ملمس شفتاها فوق قلبه المجنون الساخط، فقط هي تستطيع تحويله لمراهق أبله.
كاد يوقظه هذا التفكير ولكن همسة خفيفة تكاد تكون غير مسموعة انطلقت كالسهام تطيح بعقله وقلبه مفجره شوق عظيم وحنين كالحنين للماء في الصحاري القاحلة.
- ريان.
خرج اسمه اكثر تطلبًا وكأنه استغاثة من بين ثغرها المنفرج قليلًا فلم يشعر بذاته الا وهو يميل ليلثمها بفمه الكبير يلبي نداء يحرق فيه بشغفه الخوف والانكسار ... ويبثها بالأمان وال...عشق...
قبله ايقظت داخله بركان من المشاعر المغلقة فصار كالغريق يبحث عن طوق النجاة داخل جوفها يبتلع آهات اجتازت خلاياه لتستقر في جوف صدره، فكلاهما سيسقط من على حافة الهاوية بدون الآخر