أخر الاخبار

رواية صرخات انثى الفصل الواحد والاربعون 41 بقلم ايه محمد رفعت

 

        

رواية صرخات انثى

 الفصل الواحد والاربعون 41

 بقلم ايه محمد رفعت


سرت البرودة لجسدها تدريجيًا، لدرجة جعلتها متصلبة لا تحتمل الحركة، بينما الأخر مازال يقترب بخطواته البطيئة، وكل خطوة يرنو بها إليها كأنه يزف هلاك موتها البطيء. 


رأسها تهتز بجنون غير قابلة لتصديق رؤيتها له، ولكن عقلها يفسر ما يراه بسرعة كبيرة، نفس نظراته المحتقنة المخيفة، نفس رائحة البرفيوم المقززة تتسلل لأنفها كلما اقترب إليها، فحيحه السام يصل إليها: 

_أيه يا زينب كنتِ متخيلة إني هسيبك؟  


حجزها الحائط لتواجهه رغمًا عنها، فرفع ذراعيه يحتجزها هو الأخر هاتفًا ببطءٍ قاتلٍ: 

_قولتلك إني مستحيل أتخلى عن حاجة تخصني وإنتِ تخصيني!  


واستطرد بوجومٍ مفزع: 

_كل مرة كنت بحاول أخليكِ ملكي كنت بتراجع علشان ثقتك فيا متنكسرش... كنت بحذر على قد ما أقدر علشان ما تخافيش مني بس دلوقتي مفيش قوة في الكون هتمنعني عنك! 


هزت رأسها تعترض على ما يلقيه عليها، فزاد من وتيرته: 

_متفكريش إن العيال اللي إنتي قاعدة عندهم دول هيحموكي مني، الكلب اللي هددني كانت ديته رصاصة واحدة صحيح نفد منها بس الجايات أكتر من اللي راح.


مشط الطرقة من حوله بنظرة ساخرة وعاد يتمعن بها هاتفًا بغضب: 

_الدور كان على الحقير اللي مرمي جوه ده بس حد سبقني ووجب معاه.


واستطرد بحدة: 

_ولو قام منها هقتله أنا بنفسي. 


صرح لها بأنه سيتخلص من سيف، فاحتد بكائها وازداد خوفًا، بصعوبة بالغة رددت: 

_لأ... حرام عليك سيبه في حاله هو مالوش ذنب!! 


ازدادت ابتسامته وتلاشت فجاة بشكل أرعبها، ظلت صامته ولم تهتز لأي من تهديداته وحينما ذكره أسرعت بالحديث، غمس أظافر يده الطويلة بمرفقها فصرخت ألمًا كلما جذبها إليه، متسائلًا بغضبٍ مخيف: 

_حبتيه؟؟ 


بكت وهي تتأوه بصراخ، متوسلة: 

_أبعد عني بقى... لسه عايز مني أيه تاني؟


تجاهل كل ما تتفوه به وجذبها بشراسة تناهز ما فعله: 

_ردي عليا حبيتي الكلب ده؟. 


وشملها بنظرةٍ جريئة جعلتها تضم جسدها بخوفٍ: 

_سلمتي نفسك ليه؟؟   


برقت بصدمةٍ لاتهامه المهين لها، ومع ذلك رفعت يديها تدفع صدره بعيدًا عنها وهي تصرخ بجنون: 

_أه حبيته ومش هكون غير ليه هو واللي عندك اعمله... عايز تقتلني اتفضل أنا قدامك ريحني من إني أشوف خلقتك.


وجدت الألم ينتقل منها إليه، رأته يهز رأسه ولسانه يهمس بكلمات غير مسموعه فتابعت بكل قوة: 

_أنا بكرهك وبقرف منك يا يمان.. أنت أكبر غلطة في حياتي... خدعتني وخلتني أحب إنسان مريض ومجرم.. لو فاكر إنك لما هتتخلص من سيف ده هيخليني أرجع أحبك تبقى غلطان لإن الكره اللي جوايا أقوى من إنك تتغلب عليه فاستسلم وإبعد وسبني في حالي. 


ظنت أنها أحرزت انتصارًا عليه مع تجمد ملامحه وسكونه عن الحركة والحديث، فانهار عالمها فجأة حينما تعالت ضحكاته تباعًا ومازال أظافره تنحر لحم ذراعها بحقدٍ، ودفع جسدها فجأة لأحد الغرف المجاورة لجناح العمليات، أغلقه بالمفتاح القابع خلفه ورفع يده إليها يزيح حجابها بغضبٍ فصرخت به مجفلة من فعلته، وما زادها صدمة محاولته للاعتداء عليها بقلب المشفى، فصرخت تستنجد بأي أحدًا ولكنه كان الأسرع منها حينما دفع محقن غريب بعرق رقبتها، فارتخى جسدها كالهلام بين يديه. 


حملها وألقى بها على الفراش بعنفٍ ألم جسدها، ومال عليها يتطلع بعينيها قائلًا: 

_كنت عايز أحترمك وأخدك وانتي مراتي على سنة الله ورسوله.. بس مدام بتكرهيني فكره بكره أخد اللي أنا عايزه ومن غير جواز. 


وانحنى لأذنيها يهمس بفحيحه المقزز: 

_هخليكي عاهرة ليا ولنزواتي يا زينب! 


انهمر الدمع من عينيها كالشلال، وبكلمات تحجرت بحلقها رددت: 

_ل.. أ... أ.. ر.. ج.. و... ك (لأ... أرجوك!!) 


رجائها، انهزام روحها أمامه، دمعاتها المتدفقة، استسلام جسدها، بعثت البهجة بروحه المريضة، أسقط رأسه لرقبتها ينهشها كالذئب المفترس، ومازالت تعافر لأن تحرك أي جزء من جسدها لتدافع عن ذاتها، حتى صوتها احتبس داخلها وكأنه يضع داخل فمها حجرًا ثقيلًا.. 


جوارها ببضعة أمتار كان ينازع للحياة وهي تنازع لحماية عرضها، تخشى أن يُدنسها ذلك الحقير، رفعت رأسها للأعلى تدعو بكل انكسار أن ينقذها ربها مما سقطت هي به، فأتاتها استجابة سريعة تربت على روحها المكلومة حينما انكسر باب الغرفة ليطل من أمامها "عُمران" و"آدهم" وأخرهما كان "علي" الذي ترك أمره لأخيه ولزوج شقيقته وهرول إليها ينزع جاكيته ليخفي جسدها عن الأعين بغضبٍ وغيرة على عرضه وكأن من أمامه هي "شمس ". 


انحنى إليها يضع ذراعيها بجاكيته وهو يناديها بفزعٍ: 

_زينب... سمعاني! 


تقابلت عينيها الباكية به، تشكو له ما تعرضت له بكلماتٍ غير متزنة: 

_ع... ل... ي...(علي!!!) 


انحنى يجذب حجابها الملقي أرضًا وعينيه تبعد عن رؤيتها، فوضعه باهمالٍ واتجهت نظراته لذاك الحقير صارخًا بعصبية بالغة: 

_جيت لقدرك يا حقيــر! 


أشار له عمران بأن يظل محله، مرددًا وعينيه تخترق عين من يتأمله: 

_أهلًا بدكر البط... أخيرًا اتقابلنا وش لوش... فاكر لما قولتلك هتزعل لما تشوفني.. وإنت شكلك كنت مُطيع وخوفت تطلعلي.. بس قدرك بقى وقعك مع سيادة الرائد" عمر الرشيدي" جابنا لحد عندك في ظرف ساعتين زمن. 


وتابع وهو يخلع جاكيت بذلته الانيق: 

_صحيح اتفاجئنا بوجود زينب معاك بس كويس أهي تكون شاهدة على تأديبك. 


ضحك مستهزأ مما قبالته، وردد: 

_مين ده اللي، هيأدبني؟ 


أجابه بلكمةٍ قاسية نالت من فمه فأسكبته دماءًا، وصوت عُمران يصل إليه: 

_مش مالي عينك أنا بروح أمك!! 


وجذبه من ياقة قميصه المفتوح: 

_بدل ما تتشطر على واحدة ست لاعب راجل يعرفك اللي فاتك في دروس الرجولة يا****. 


وانهال عليه عُمران بكل قوته، بينما يراقبه آدهم باستمتاعٍ وجسده يستند على باب الغرفة، حاول يمان مجابهة عُمران ولكنه كان شرسًا، سريعًا بخطواته، جسده العريض الممتد بعضلاته أوحت له مدى تيقنه لفنون القتال والرياضة الشاقة أمدته بجسدٍ قويًا لا يستطيع أن يتمكن من التغلب عليه، فدث يده بجيب سرواله وضغط على زر يحمله بريموت. 


سدد له عمران ركلات أسفل بطنه وهو يصرخ بوقاحة: 

_أنا هديك درس يخليك تحرم تخاف تقرب لأي واحدة ست طول حياتك.. 


وتابع وهو يدفع وجهه بالخزانة الزجاجية فانطلق الزجاج داخل وجهه فصرخ مستغيثًا كالنساء، يينما يصيح عمران بعصبية بالغة: 

_ما تدافع عن نفسك يا دكر!!!!  فين قوتك اللي فارض بيها نفسك  يا ابن ال****  مستقوي برجالتك وباعتهم يقتلوني! 


سحب يمان المزهرية الموجوده على سطح المكتب فكانت الغرفة تخص أحد أطباء الأسنان، وقبل أن يلقفها فوق رأسه أبعدها عمران عنه وهو يهدر من بين اصطكاك أسنانه: 

_متخلقش لسه على وش الدنيا اللي يعلم على عُمران سالم الغرباوي! 


لف يده حول رقبته بشكل مقبض، فاندفع تجاهه آدهم يبعده هاتفًا بحزم: 

_كفايا يا عمران... هيموت كده في ايدك!! 


حاول عُمران دفعه للخلف: 

_اابعد يا آدهم.. هقتله واللي يحصل يحصل... خاطفها في المستشفى ومفضي الدور كله  فاكرها سيبه بروح أمه!! 


استخدم آدهم قوته ولكم عُمران بشراسة جعلت جسده يرتد للخلف بعيدًا عن ذاك الذي سقط أرضًا يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة كالجراد المدعوس. 


التقطت أذن آدهم الخطوات القادمة،فدفع عُمران خلفه وسحب سلاحه استعدادًا للقادم. 


ملأت الغرفة بعدد من الرجال المسلحين، يصوبون تجاه آدهم الذي استغل كاتم الصوت الذي يضعه وأطلق مستهدفًا أيديهم فسقط عنهم الاسلحة، وحينها تواجهوا مع عمران وعلي الذي أسقط اثنان منهما بحركة تشل الجسد مؤقتًا تعلمها جيدًا.


استغلوا انشغالهم وسحب اثنان منهما رئيسهم الذي ينازع للبقاء حيًا، بينما غطى الباقية ظهورهم بالاسلحة حتى هرولوا جميعًا للخارج. 


أعاد آدهم سلاحه فاندفع عمران للخارج هاتفًا بشراسة: 

_هنسيبهم يمشوا بالبساطة دي. 


أوقفه آدهم قائلًا: 

_مينفعش نخرج وراهم يا عُمران.. متنساش احنا فين! 


تهدلت ملامح علي بحزن وضيق: 

_يعني لو مكناش هجمنا على المكان اللي وصل لآدهم اشارته كان اعتدى عليها! 


غلت الدماء بعروق عمران، فاتجهت نظراته للفراش يخطتف نظرة سريعة عليها، وعاد ببصره لأخيه يسأله: 

_أذاها؟ 


سكن الوجوم تعابيره ورفع كتفيه بقلة حيلة:

_مش عارف... لما تفوق من مفعول المخدر هنعرف. 


خطف آدهم نظرة إليها وحينما وجد عينيها مفتوحة ودموعها تنهمر دون توقف علم نوعية المخدر المندث بأوردتها فردد بغيظٍ: 

_المخدر ده محرم دوليًا إزاي قدر يوصله الحقير!! 


تنهد عُمران بيأسٍ فمرر عينيه للاسفل ليبحث عن جاكيته، اندهش لوهلة حينما تعلقت نظراته بقميصٍ ملطخ بالدماء ولجواره محفظة جلدية، التقطها وفتحها فجحظت عينيه بصدمة حينما وجد هوايته فقال وهو يرفعها نصب أعينهما قائلًا: 

_دي محفظة سيف، أيه اللي جابها هنا؟ 


التقط منه آدهم القميص الملطخ بالدماء فتوترت الأجواء بينهم خاصة حينما قال علي: 

_وجود زينب هنا أصلًا غريب... مش معقول إن الكلب ده هيخطفها في مستشفى عام زي دي الا لو كانت هي هنا وهو اللي ظهرلها ومقدرش يتحكم في نفسه فدخلها هنا. 


تساءل عمران باستغراب: 

_وأيه اللي هيجيب زينب هنا؟  ومحفظة سيف وقميصه آآ.. 

ابتلع باقي جملته بوجعٍ هاجمه حينما حلل مغزى الاحداث، فهرول لغرفة العمليات وهو يصرخ: 

_لأ...... مستحيل!! 


اتبعه علي وآدهم للخارج، فوجدوه يقترب من أحدى الممرضات يتساءل بتوتر وهو يضع هوية سيف أمامها: 

_عذرًا سيدتي هل من بالداخل هو هذا الشاب؟ 


تمعنت الفتاة الانجليزية بما يحمل وأومأت برأسها مؤكدة: 

_نعم.. لقد أعطيت أغراضه الخاصة للفتاة التي حضرت برفقته.


وتابعت تنقل له وضعه: 

_اصابة الرأس قوية مازال الأطباء يجاهدون لانقاذه.. 


ونهت حديثها القصير قائلة بلطفٍ: 

_استسمحك عذرًا سيدي. 


ضم عُمران المحفظة إليه وجلس على الأريكة من خلفه بصدمة، ومن جواره علي يحتضن رأسه بين يديه في محاولةٍ لفهم كل تلك الألغاز، فحللها ذو العقل المدبر لخبرته بعمله بالمخابرات لخمسة أعوام قائلًا: 

_سيف اتهاجم وزينب جت معاه هنا علشان كده الكلب ده ظهرلها...


وتابع بغيومٍ قاتمة: 

_بس أيه خلاه يجي وراها لحد هنا لما كان يقدر يخطفها من نفس المكان اللي قدر يسيطر فيه رجالته على سيف!!!  


وجلس بمنتصف مجلسهما مستطردًا:

_الموضوع ده فيه حاجة غلط... علي حاول تفوق زينب حالًا... هي الوحيدة اللي عندها اجابات الاسئلة دي. 


دمس رأسه بين ساقيه بحزنٍ جعل صوته يحتقن: 

_المخدر اللي ادهولها قوي مستحيل تفوق منه الا بعد خمسة وعشرين دقيقة كحد أقصى. 


واستدار بجلسته لعمران يضم كتفه بيده، ويهاتفه بحزن: 

_كلم يوسف يجي... لازم يكون جنب أخوه يا عُمران. 


لمعت عينه بدمعة خائنة فأزاحها سريعًا ومال على أخيه يخبره بصوته المتحشرج: 

_هقوله أيه يا علي؟  مش هقدر!! 


ربت على كتفه بحنانٍ مضاعف وقال: 

_ابعتله رسالة وخليه يجي بدون ما تقوله تفاصيل. 


أومأ برأسه وسحب هاتفه يرسل ليوسف، بينما نهض علي وولج للداخل يتابع حالة زينب بعدما نادى على أحد الطبيبات لتتفحصها، وتساعدها على استرداد وعيها سريعًا. 

                          ******

رسالة مختصرة أخبره بها بأنه ينتظره بالمشفى التي أرسل إليه عنوانها، فأسرع يوسف بسيارته للموقع المرسل إليه وبداخله نغزة تكاد تخترق صدره وغيظًا يفور داخله لتجاهل عُمران رسائله ومكالماته ليطمئن عليه. 


صف سيارته وهرول للمصعد متمتمًا بخفوت: 

_استر يا رب! 


فور توقف المصعد رأى يوسف عُمران يجلس أمام غرفة العمليات ولجواره يقف آدهم، فهرول تجاههما يناديه بقلقٍ: 

_عُمران.. في أيه ؟ 


رفع عينيه صوبه وهو لا يعلم ماذا سيخبره، ارتبك لسانه عن تردد ما سيقول، فوزع يوسف نظراته الحائرة بينه وبين آدهم: 

_ما ترد يا ابني قلقتني! 


صمته وتوتر ملامحه أمامه زرع القلق في نفس يوسف، فرفع عينيه لآدهم يسأله: 

_في أيه يا آدهم.. جايبني المستشفى هنا وساكتين كده ليه؟ 


خرج علي من غرفة زينب فور سماعه صوت يوسف، فضيق الاخير عينيه بدهشةٍ: 

_وإنت كمان هنا يا علي! 


وبنفاذ صبر صاح: 

_ما تفهموني في أيه!! 


سحب عُمران نفسًا ثقيلًا واستدار تجاهه يقول بحزنٍ: 

_يوسف من فضلك حاول تكون هادي وآآ.. 


_سيف جراله حاجة!! 


نطق بها بمقلتيه القاتمة بعد أن ترسخ داخله تحليل لوجوم ملامحهم واستدعائه إلى هنا، أسرع علي يجيبه: 

_هيبقى كويس يا يوسف.. إن شاء الله اصابته تكون سطحية جدًا. 


اتسعت مقلتيه بصدمة، كان يتمنى أن ينفي ذلك ويخبره بأنه فهم ما يودون قوله بطريقة خاطئة، انتفضت عروقه بشكلٍ جعل العرق يتصبب على جبينه كالأمطار الغزيرة، وبدى كالتائه لا يعلم إلى أي طريق سيسلك الآن! 


استعاد اتزانه بصعوبة واتجه لغرفة العمليات ولسانه يردد بخفوتٍ مؤلم: 

_سيف أخويا جوه!!  


واستدار إليهم يهتف بتشتتٍ: 

_اتصاب ازاي؟   مين اللي عمل فيه كده؟     طب طب هو كويس يعني؟  طيب مخرجش ليه!!  وبعدين ليه مكلمنيش!!!  أأ... أنا كنت عنده الصبح ومجهزله الفطار بايدي لا.... لأ ده هزار سخيف منك يا عُمران. 


وسحبه من تلباب قميصه بغضب كالجحيم: 

_الا سيف يا عُمران متهزرش في شيء يخصه... أوعى تفول على أخويا بالسوء أقسم بالله هتكون النهاية بيني وبينك وتغور صداقتنا بعدها.... سامعني يا عُمران الا أخويــا!!! 


انهمر الدمع عن مُقلتيه تأثرًا بصديقه، هو الوحيد الذي يعلم محبة يوسف الكبيرة لأخيه وكأنه صغيره الذي لم يُنجبه بعد. 


رمش يوسف بصدمة، وحرر يديه عن عنق عمران فور أن تأكد من ملامحه بأنه لا يفتعل مزاح سخيفًا كهذا، فتراجع للخلف وعينيه تتجه تلقائيًا لباب غرفة العمليات. 


هرع إليها وبعد أن قدم للاطباء هويته وتأكدوا بأنه طبيبًا ويقرب للحالة سمحوا له بالتواجد بالداخل. 


دنى يوسف من الفراش القابع به أخيه بمنتصف غرفة الجراحه، يلتف من حوله عدد من الاطباء يحاولون بشتى الطرق انقاذه، مرددين بخطورة اصابته واحتمالية وجود نزيف داخلي. 


انهمرت دمعاته تباعًا وهو يحدق بوجه أخيه الممتليء بالكدمات المؤلمة، فاختص مكان من وسط الاطباء ومال على أذنيه يترجاه ببكاء: 

_أنا جنبك يا سيف! 


وتابع وصوت بكائه يتخلل الغرفة: 

_ألف مليون سلامة عليك يا حبيب قلب أخوك..والله ما هرحم اللي عمل فيك كده هقطعلك ايده..


وأزاح دموعها خاطفًا نظرة لمؤشرات الاجهزة من حوله، انتابته حالة من الفزع حينما ساء نبضات قلبه بشكل ملحوظ فمال عليه يصرخ به: 

_متسبنيش يا سيف... خليك معايا علشان خاطري متبعدنيش عنك يا سيف هموت والله العظيم لو جرالك حاجة.


وأشار على صدره ودموعه تغرق وجهه: 

_أهون عليك تعذبني يا سيف... يهون عليك وجعي؟ 


رفع جفنيه الثقيل ليحاول التأكد من سماع ذلك الصوت المألوف، ظن أنه يهلوس من أثر الجراحة والمخدر فبدأت صورته المشوسة تبدو واضحة، فتحركت شفتيه من بين قناع الاكسجين: 

_ي.. و.. س.. ف  (يوسف!)  


أمسك يده المنغمسة بالمحلول وهو يردد بابتسامة تعاكس بكائه: 

_أنا هنا جنبك يا سيف..


أغلق عينيه مجددًا ولسانه يردد من بين أبخرة الجهاز:

_زينب! 

                         *******

بالخارج. 

أشار علي لعمران أن يأتي لغرفة زينب، فما أن دنى إليه حتى همس له: 

_كلم مايا تجيب لزينب لبس وتيجي.. مش هينفع ترجع البيت بلبسها المقطع ده فاطمة لو شافتها أو عرفت بحاجة هتدمر ومجهودي معاها كله هيروح في الفاضي. 


هز رأسه بتفهمٍ وربت على كتفه: 

_متقلقش هنبه على مايا متعرفهاش حاجة.. اطمن! 


منحه ابتسامة صغيرة، بينما سحب عُمران هاتفه واتجه لأحد الأركان ينتظر سماع مهلكة فؤاده فأتته تجيبه بصوتها الناعس: 

_عُمران! 


ابتسامة مشرقة تجلت على ملامحه الجذابة فتهف بصوته الهامس المغري: 

_حبيب قلبه وعيونه... صحيتك من النوم يا بيبي؟ 


أتاها ردها مرهقًا، كسولًا: 

_أممم... مش عارفة مالي بنام بالنهار كتير ليه. 


وتابعت تهاجمه بخبث الأنثى: 

_يمكن علشان بقضى الليل كله بستناك لما ترجع من سهراتك الكتيرة مش بعرف أنام من كتر قلقي عليك! 


ضحك وهو يردف بخبث: 

_لا يا بيبي مش قلق.. ده علشان مبتعرفيش تنامي بعيد عن حضن جوزك حبيبي.. مش كده ولا أيه يا حبيب قلب جوزه؟ 


يكاد يحزم بأنه يستمع لصوت احتباس ضحكتها، فنجح بتهيئتها لما يود قوله: 

_حبيب قلب جوزه ينفع يعتمد عليه في طلب؟ 


أتاه صوتها الجادي: 

_طبعًا..قول! 


أخبرها بنبرة هادئة: 

_عايزك تدخلي أوضة زينب تجيبي منها لبس خروج كويس وتجيني على اللوكيشن اللي هبعتهولك بس بدون ما فاطمة تحس بشيء، هتقدري؟ 


اعتدلت بفراشها وتساءلت بجدية: 

_ليه هي زينب مالها؟ 


أسرع بالرد عليها: 

_كويسة جدًا متقلقيش ولما تيجي هتعرفي كل حاجة.. المهم خليكي عاقلة ومتلفتيش نظر فاطمة ليكي.. ولما تطلعي من البيت كلميني علشان أقف استناكي.. 

_حاضر. 

_خدي بالك من نفسك  وسوقي على مهلك. 

_تمام يا حبيبي اطمن. 

_قلب حبيبك ونور عيونه إنتِ يا مايا! 


وبمجرد أن أغلق هاتفه تلاشت عنه ابتسامته وفترته المؤقتة بالحديث مع من أراحت قلبه. 


عاد عُمران ينضم لمجلس آدهم وعلي، فاستمع آدهم يردد: 

_اول ما نطمن على سيف لازم نوحد أقوالنا كلنا إن اللي عمل كده هو يمان... حظه الاسود وقعه إن عمل عملته في المستشفى والكاميرات مالية المقر، أكيد لما يعرف إنه اتهم باللي حصل لسيف ومهاجمته زينب هيهرب من انجلترا فترى مؤقتة نقدر فيها نرتبله على مزاج..


ووزع نظراته بينهما مستطردًا: 

_عيبنا الوحيد إننا مش في دولتنا وحرفيًا هنا بيتلككوا على الوحدة لينا، فمحتاجين نتخلص منه بتخطيط تقيل أوي ميوقعش حد فينا في مشاكل!


هز علي رأسه بتفهمٍ فصاح عُمران ساخرًا: 

_اطمن بعد العلقة المحترمة اللي أكلها هينام شهرين في السرير! 


ابتسم آدهم بخبثٍ، وفور أن خرج يوسف اليهم التفوا من حوله، فسأله علي باهتمام: 

_طمنا يا يوسف سيف بقى كويس؟ 


جلس على المقعد بعدما فقد القدرة على الوقوف وأجابهم بصوتٍ متحشرج: 

_الحمد لله الدكاترة بيفوقه جوه وهينقلوه على أوضة عادية. 


ورفع رأسه لعمران يسأله بحدة: 

_أيه اللي حصل يا عُمران؟  ومين اللي عمل في أخويا كده؟ 


أجابه علي نيابة عنه: 

_يمان ظهر هنا لزينب وكان هيتعدي عليها لولا إننا اتبعنا اشارة تليفونه ووصلناله هنا. 


ضيق حاجبيه بصدمة: 

_يعني هو اللي عمل فيه كده؟ 


نفى آدهم ذلك هاتفًا: 

_صدقوني مستحيل يكون هو.. والا مكنش ساب زينب تيجي معاه هنا الموضوع غامض واجابة سؤالنا عند زينب. 


والتفت لعلي يخبره: 

_دكتور علي زينب لازم تفوق وحالًا. 


                          *****

تحررت  يدها أخيرًا وانصاع لها باقي أجزاء جسدها، ربما تغيب جسدها بالكامل عن الوعي الا عقلها وعينيها، تمنت لو تمكن منها المخدر وتسلل لرأسها فأفتك به هو الاخر. 


ضرب جسدها برودة وبالرغم من احتفاظها بجاكيت علي الثقيل الا أنها كانت ترتجف بقوة جعلت أسنانها تصطك ببعضها البعض دون توقف، وبكائها لم يتوقف بعد. 


استندت بجذعها على الفراش واعتدلت تضم الجاكيت من حولها بخوفٍ، أنكست رأسها باستسلامٍ لانهيار جسدها الهزيل. 


تسلل لها صوت صرير الباب ومن ثم ولج علي وعمران الداخل ومن خلفهما يوسف وآدهم، رفعت كفها تزيح دموعها سريعًا وبداخلها تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها حرجًا لما تعرضت له بوجودهم. 


جذب علي المقعد المعدني وقربه من فراشها قائلًا بابتسامة عذباء: 

_حمدلله على سلامتك يا زينب..


أجابته بصوتها المتقطع من فرط البكاء:

_الله يسلمك يا علي.


مال عليها يسألها بهمسٍ منخفض:

_الكلب ده أذاكي؟  


علمت مقصده الصريح فهزت رأسها نافية ذلك مما جعله يستقر بمقعده براحةٍ، فأشار له آدهم بحدة أن يتابع بسؤاله الهام،  فتنحنح مردفًا: 

_زينب أنا مقدر حالتك وعارف إنك مش قادرة تتكلمي ولا تشوفي حد  بس سيف حياته كده في خطر لازم نعرف منك اللي حصل بالظبط عشان نعرف مين  اللي ورا الموضوع. 


رد عليه يوسف بانفعال: 

_مش محتاجة تفكير يا دكتور علي أكيد يمان الكلب ده اللي عمل فيه كده. 


اعترضت حديثه قائلة بصوتٍ مجهد: 

_لأ... الناس اللي هجمت سيف مكنوش تبع يمان. 


دنى إليها آدهم يسألها بتركيزٍ واهتمام: 

_وأيه خلاكي متأكدة كده يا دكتورة زينب؟ 


قالت وهي تعدل حجابها وتحكم الجاكيت حول كنزتها الممزقة: 

_لإني كنت موجودة معاه ومحاولوش يأذوني أو يقربولي كانوا مستهدفينه هو. 


تابع آدهم بسؤاله القادم وقد بدأ حلقه يجف كالصحراء لمجرد توارد إليه مقصد ما حدث: 

_دكتورة زينب أرجوكي حاولي تساعديني بأي شيء يدلنا على طرف الخيط... ملحظتيش شيء غريب مثلًا فيهم أو حصل حاجة لفتت نظرك. 


صمتت قليلًا تفكر بالأمر وحينما وصل إليها لقطات تُعاد إليها قالت:

_آآه...لما ضربوه على رأسه ووقع على الأرض قرب واحد منهم وفتش جيوبه،افتكرت انهم حرامية وعايزين اللي معاه بس الغريب انهم مخدوش غير موبيله بس ومحفظته زي ما هي! 


صدمة وقعت على عاتقهم، فوزعوا النظرات بينهم بفزعٍ، وخاصة حينما ردد آدهم بوجعٍ مقبض احتل صدره: 

_مش سيف المقصود. 


انتصب عمران بوقفته وصاح بهلعٍ: 

_آيــــــــــــــــوب!!!!!! 

                                *****

تنعم بحمامٍ دافئ بعد يومًا مهلكًا بالعمل، خاصة مع غياب عُمران الملحوظ، فوجد حسام سكرتيره الخاص يطالبه بالهاتف الخاص بمكتب الاستاذ ممدوح يطالبه بالصعود ليكون محله اليوم. 


ارتدى "آيوب" بنطاله الجينس وخرج من حمامه يتجه للغرفة الخاصة به، وما أن ولج حتى تفاجئ بها تجلس أمام خزانته وتحمل بيدها الكتاب الذي يحمل الدفتر السري، وبيدها صورة فوتوغرافية كان يخفيها بمنتصف الدفتر. 


ترك المنشفة من يده وهرع إليها يجذب الدفتر والصورة هاتفًا بعصبية لم تشاهدها منه قط: 

_من سمح لكِ بالعبث بين أغراضي؟ 


منحته نظرة حادة، وبعدها ألقت إليه ثورتها المقتادة: 

_من تلك المرآة؟  ولماذا قد تجمع الصورة أخي معها؟  


وتابعت قبل أن يتحدث: 

_الصورة تخص أخي وهو بالحادية عشر عامًا من عمره... أخبرني الآن من تلك المرآة؟ 


وضع آيوب الدفتر بالحقيبة وأجابها بضيقٍ: 

_لا تحاولي العبث معي يا فتاة!   ثم أنني ألم أخبرك ألا تقتحمين غرفتي هكذا؟! 


تغاضت عن حديثه وصاحت باندفاع: 

_لم تجيبني على سؤالي آيوب.. من تلك المرآة؟  وماذا يوجد بالدفتر؟  

واستطردت بجنون يعتليها: 

_ما الذي تحاول فعله أيها الإرهابي!! 


تجاهل حديثها وأغلق خزانته جيدًا ثم استقام بوقفته قبالتها، فرمشت بارتباكٍ ملحوظ، أشار لها أيوب بغلظة: 

_أنا متعب وأريد أن أحصل على بعض الهدوء هنا.. فلتخرجي الآن. 


وجدها تتطلع به كالبلهاء،  نظراتها جريئة مجردة من الحياء المعهود من الفتيات، فانتبه بأنه يقف دون ملابسه العلوية، لذا انحنى يجذب قميصه الأسود يرتديه وهو يصيح بعصبيةٍ: 

_أغيثني يا الله!! 


وتابع بنفورٍ ينتابه: 

_ألا يمكنني البقاء بمفردي ؟! 


انتبهت إليه فأماءت برأسها بخفةٍ واستدارت لتغادر غرفته فأوقفه قوله الصارم: 

_سيأتي صديقي بعد قليل لا تغادري غرفتك في وجوده. 


هزت رأسها بخفة واتجهت للمغادرة بينما جذب آيوب هاتفه يرسل برسالة لسيف: 

_«انت فين يا ابني كل ده في الطريق؟!  فين من ساعة ما طلبت مني اللوكيشن انت توهت ولا أيه يا دكتور سيفو!» 


زوى حاجبيه دهشة حينما وجده يقرأ رسائله دون ردًا،  وأكثر ما يثير دهشته طلبه المفاجئ لموقع المنزل ورغبته المقلقة بالقدوم إليه، حتى طريقة كتابته للرسالة كانت بايجاز لا ينطبق على شخصية سيف ومع ذلك جلس ينتظره ليعلم ما به. 


اتجهت آديرا لغرفتها ولكنها توقفت فجأة حينما انطلق صوت همسات خافتة من أمام شقتها، ووجدت فتحة الباب تستجيب لمفتاح غريبًا من الخارج.


كبتت صرخاتها بصعوبة وتراجعت لغرفة آيوب بحذرٍ، فما أن ولجت للداخل حتى همست له برعب:

_هناك من يحاول فتح باب المنزل! 


وما كادت باستكمال حديثها حتى تسللت إليهم أصوات أقدام تتقدم منهما وصوت سحب زناد الاسلحة يوضح لهم كناية الحاضرين،  ارتعبت آديرا وتراجعت للخلف، فأعادها آيوب خلف ظهره وخرج يراقب ما يحدث بالخارج، فما أن رأي رجال ملثمين يقتحمون الشقة حتى أسرع إليها يحمل السرير الحديدي ليظهر تجوفه الداخلي مشيرًا لها بلهفة: 

_اختبيء واحرصي الا تصدرين صوتًا. 


تمددت آديرا بباطن الفراش المجوف وهي تهز رأسها إليه بينما كف يدها تكبت به شهقاتها المنفلتة عن فمها. 


اعاد أيوب الفراش سريعًا ورتبه بشكلٍ منظم حتى لا يثير الشكوك إليه،  متخذًا قراره المسبق بأنه سيحميها لأخر قطرة من دمائه. 


أغلق الضوء بحذر واختبئ خلف باب الغرفة، فما أن انفتح بابها حتى هوى على رأس من ولج بالمشجب الخشبي الخاص بتعليق الملابس، تليه ذاك الذي أسرع من خلفه. 


تأوه الرجلين حينما تغلب عليهما آيوب، فسحب أصواتهما انتباه باقي الرجال المنفردين بالشقة بأكملها يحاول العثور عليهم. 


امتلأت الغرفة بأربعة منهم يحاولون السيطرة عليه وتقيده بالأساور الحديدية فرئيسهم يريده حيًا. 


كان التغلب عليه مرهقًا للغاية، لتمرينه الدائم بدورات الملاكمة التي تلاقها برفقة سيف بالفترة الأخيرة، فسحب احدهم سلاحه ومال بطرفه على جبين أيوب فاختل توازنه جراء ذاك الدوار الذي هاجمه فجأة، ومع ذلك بقى صامدًا قبالتهم فاجتمعوا اللعناء الأخِسَّةٌ من حوله ينهشونه حتى يضمنون تبلد قوته الظاهرة على جسده الرياضي الممشق. 


يلتفون ببذلتهم السوداء وتسريحة رأسهم المجتمعة بجديلة تشبه النساء، كان بمفرده يقاوم ضرباتهم، عاجزًا عن صد ضرباتهم الدنيئة التي لا تستهدف الا ظهره، ترى إن كان أصدقائه العرب لجواره هل كان سيتلقى كل تلك الضربات؟ 


إن اجتمع الشباب لجواره لكانت نهاية هؤلاء الخَنَازِيرُ الموت لا محالة، يحتمون بأسلحتهم وبوجودهم ببلاد متحررة تنصفهم ويقومون من قوتهم المصطنعة، إنما هم الا جُرْذَان حقيرة تدعس أسفل الأقدام، وما يثير السخرية إنهم يدركون قوة ذلك الشاب الذي إن اجتمع بصديقه الأخر لذا أول ما فعلوه هجموا عليهما منفردين ليضمنوا أنهم سيعيقوا دفاعهما. 


مال آيوب أرضًا مستسلمًا لتلك الضربة القوية، فحملوه للسيارة بالأسفل ومشطوا الشقة بأكملها ليتمكنوا من ايجاد آديرا، وبالنهاية اختبئ أحدهم بحمام الغرفة وتصنعوا مغادرتهم، فرفعت حافة الفراش وصعدت لتلتقط أنفاسها ففوجئت بهم يحيطونها بكلبشٍ حديدي ودفعوها للسيارة جوار آيوب الفاقد للوعي وتحركوا بهما للقاء عمها الآرعن ليواجه ذاك المسلم الذي استكمل مسيرة أبادها منذ ثلاثة وعشرون عامًا فأتى ليوقظ الماضي الذي يذكره بنكسة انهزامه التي تشبه انتكاسة دولته العاهرة عام 1973، ولكن ترى هل سينتصر على ذاك الشاب التقي أم أن هناك انتكاسة أخرى ستنال من ذاك اللعين؟!. 


                الفصل الثاني والاربعون من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close