رواية فرط الحب الفصل الخامس5 والسادس6 بقلم دينا ابراهيم
ارتعش قلب "ليان" بين أضلعها وهي تقف بجوار باب الاستوديو التي تقيم فيه بإحدى الدول الخليجية تستمع إلي نوبة غضب زوجها السابق الذي عاد متحججًا باستعادة بعض أغراضه فهتفت في قوة تخالف الذعر المتملك لجسدها:
- لِم اللي إنت عايز تاخده بشويش بدل ما الجيران تسمع الازعاج ده ويجبولك الشرطة.
ابتلعت ريقها بصعوبة واشمئزاز وهي تستمع لبعض ألفاظه الخارجة بلا مبالاة ثم وجدت نفسها كعادتها عند التوتر ترفع هاتفها لإجراء الاتصال الذي صارت لا تتوقع منه الرد.
ترى ماذا سيكون رد فعله إذا علم بأنه بعد كل ما فعلته من أخطاء لتصل إلى ما تريد وتسعى إليه من أجل مستقبلها قد إنهار قبل شهرين تحت قدميها.
ثوان وانتهى رنين الهاتف بين أصابعها دون مُجيب ليتملكها إحباط وقهر، عضت ليان على شفاها السفلى لتكبح دموع ترغب في الهرب من مقلتيها بينما مشاعر مختلطة من القهر والندم يلتهمانها حية.
قطع رثائها صوت زوجها السابق الساخر وهو يرتدي حذائه دون النظر نحوها:
- لسه بتحاولي تتصلي بيه ؟
حقيقي كان نفسي يكون عندك كرامة أكتر من كده!
وقفت في حدة ترمي هاتفها بإهمال جوارها وقالت في صوت عنيف بما يحمله من اختناق مشاعرها:
- ممكن تخليك في نفسك ومتدخلش بيني وبين أخويا.
ضحك " نادر" في خبث وهو يعتدل ويتجه نحو الباب لكنه توقف قبل المغادرة ليلتفت إليها متهمًا بابتسامه أصبحت تمقتها:
- أنا ماشي وقدامك يومين والفلوس اللي طلبتها تجيلي ومتلعبيش معايا انا ممكن اردك لعصمتي في أي وقت.
زمجرت في تمرد وبغض:
- اعملها والمبلغ اللي اتفقنا عليه مش هتشوف منه مليم أحمر.
ضحك أكثر وهو يميل ليحمل في سهولة الصندوق الممتلئ ببقايا أغراضه قبل أن يقذفها بنظرة غامضة مخبرًا إياها في لهجة متهكمة:
- اه ومتنسيش تقنعي نفسك انك الضحية وان أنا كنت السبب
ما أنا عرفتك ضعيفة ومتقدريش تتحملي مسؤولية أفعالك!
أغلق الباب خلفه بعد أن تملكها حالة من الثوران فشعورها بالاشمئزاز والغثيان من لذاعه كلماته، أعاد خلق احساسها المرعب بالخواء ورغبتها في ان تختفي من فوق الأرض، هربت منها عبراتها في حسرة أخيرًا وقد نجح في اشعال كراهيتها لذاتها وله، فتتذكر من جديد عيون خضراء منكسرة تظللها رموش طويلة لولا جفائها لما رمت بذاتها في التهلكة.
*****
جلست وسام بغرفتها في منزل والديها المقابل لعش الزوجية، تداعب ورقات كتاب تقرأه عن الأطفال وتربيتهم ولكن رنين الباب قاطعها، لوت شفتيها وهي تنظر للساعة المشيرة الي الثالثة عصرًا وعرفت فورًا مَن الطارق.
"ألا يمكنها الهرب قليلًا من حِصاره العاطفي"
تأففت بينما انكمشت ملامحها في ضيق
أما غريزتها الانثوية فلم تمنعها من هندمه ملابسها ووضع ملمع شفاه وردي خفيف في هرولتها للخارج.
علا صوت الرنين مرة اخري بإصرار وهي على اعتابه فتوقفت في لحظه هرمونية بحته ثم أزالت احمر الشفاه بداخل طرف ثوبها كي لا يظنها تتألق من اجله ذلك البغيض الغاضب دومًا.
جذبت شهيق بحده ثم فتح الباب بوجه واجم لتجده يغطي المدخل بطوله الفارع واكتافه الثقيلة نظرت لابتسامته المستفزة وقالت :
- أفندم؟
- وحشتيني.
- مش عايزين شكرًا.
اجابته بسماجة وكادت تغلف الباب في وجهه الوسيم ذو البشرة السمراء بلمعه تميل للحمرة اضافتها اشعه الشمس لكنه منعها بقوة ذراعه العريضة التي اكتسبها من تدريباته الشاقة التي أعتاد عليها بحكم عمله كغطاس ومدرب بشكل مؤقت للملاكمة في صالات الألعاب الرياضية حتى أفتتح صالته الخاصة قاطع تفكيرها صوته الخشن :
- مش مهم انا عايز يا جميل.
- بيجاد اصطبح وقول يا صبح ، عايز ايه انا مش قعدالك في الطالعة والنازله تزاولني!
- فيه واحده تكلم جوزها كده وبعدين انا من حقي كزوج مصري اني ازاولك واحمدي ربنا انه ده ابسط حق بطالبك بيه.
احمر وجهها في خجل ولكنها رفعت حاجبها بتعنت لإزعاجه وقالت:
- زوج سابق قريب ان شاء الله لما ربنا يسهل وتخلصنا من الربطة دي.
لمحت شعاع جرح غطى شقاوة عيناه البنية ولكنه سرعان ما غير مجرى الحديث بقوله:
- وحبيب بابا عامل ايه؟
كتفت ذراعيه لتقول :
- حبيبة ماما كويسه ، تؤمر بحاجه تانية ؟
سألت وحاولت إغلاق الباب مرة أخري دون انتظار رده ليمنعها بشكل أقوى ، فكادت تصرخ في وجهه ولكن نظرته المرتبكة كالأطفال جعلتها تَسكن وتناظره متسائلة فتحدث بيجاد بنبرة منخفضة :
- انا جعان!
رمشت تحاول استعادة قسوتها ولكن حُبه المستوطن قلبها كان بالمرصد، فتنهدت وفتحت الباب قائلة:
- ادخل بس تاكل وتتكل على الله على طول .
تألقت ابتسامة رائعة فوق وجهه بانتصار ذلك الخبيث يعلم نقاط ضعفها ويستغلها للنهاية، دلف سريعًا مغلقا الباب خلفه ثم جذبها يطبع قبله على وجنتها رغم مقاومتها قائلًا:
- خليكي مقموصه العمر كله طالما كل يوم بتبقي أجمل من اللي قبله كده .
دفعته بخفه ووبخته بحاجبين معقودين:
- بيجاد متخلنيش ارجع في كلامي ،
ولعلمك شغل حلق حوش ده مش هينفع معايا ولسه عند كلامي يا تطلقني يا تروح تشوفلك صرفه في عصبيتك الزايده دي !
فرك خصلاته القصيرة وهو يتركها ويتوسط طاولة الطعام مشاكسًا إياها:
- اطلقك عشان تبقي نكته الموسم ،
زوجة تحصل على الطلاق عشان جوزها قفوش شوية زي الناس الطبيعية !
اقتربت منه واتهمت بحده ملوحة بكفها امامه:
- الناس الطبيعية مش بتعمل مشاكل مع ظباط شرطة يا بيجاد ومش بتمسك فيهم زي المنتحرين عشان تجربة وحشه مروا بيها.
رأت ملامحه الضاحكة تتحول لوجوم وتجمدت تقاسيمه قبل ان يبعد انظاره الحادة عنها الي الطاولة فزفرت بحده تكره أذيته ولكن ما باليد حيله.
استقام بيجاد مقررا الانسحاب بصمت فأسرعت قائلة بلهفة فرضها قلبها المزعج:
- متزعلش من كلام انا بموت بسببه كل لحظة لاني فعلًا ده اللي حاسه بيه،
خلينا ناكل وبعدين نكمل كلامنا انا كمان مش عارفه آكل من الصبح يمكن تتفتح نفسي لما اشوفك بتاكل.
تحركت إلي الداخل بارتباك وتأنيب ضمير كأم صفعت طفلها، فعاد بيجاد يجلس مكانه بابتسامته الخلابة مقررًا تقبل اهاناتها طالما سيسنح له الجلوس معها على مائدة واحده، يكفي أنها تتعمد الاختباء بغرفتها عند عودته لينتهي به الحال يجول داخل المنزل حول غرفتها كطفل تائه وحيد.
فرك عينيه بإرهاق لا يشعر بأي جوع إلا للنوم بعد خمس ساعات متتالية من التدريبات الرياضية ولكن شوق قلبه سار به إليها كطفل صغير، تنهد في تمني حقيقي لكي يكون بهذا الصبر والهدوء مع الجميع ولكن هذا الجانب حصري لها فقط وحقيقة لا يعلم لما تتذمر وهي لم ترى منه أي غضب نحوها.
دقائق وكانت الطاولة جاهزة بالطعام واثناء تناول الطعام تعمد بيجاد ملامستها كل بضع ثوان حتى كادت تقتله وسام بنظراتها الحادة ؛ فابتسم بغلاظة وهو يأخذ قطعة الخبز من يدها ليخبرها:
- مش كده، بتتاكل كده !
وضعها في فمها وقرص شفتيها بين ابهامه وسبابته وهو يغمز لها بوقاحة، فأبعدت وجهها عنه وهتفت بوجه محتقن بالدماء:
- مفيش فايدة عمرك ما هتتربى !
- الله ارسي على موقف .. ايه مشكلتك معايا العصبية ولا قلة الادب !
_ الاتنين ..
هتفت من بين اسنانها فضحك قائلًا:
- العصبية مقدور عليها لكن قلة الادب موعدكيش !
ضاقت عيونها بغضب لأنه يستطيع تحطيم جدرانها ببضع كلمات ولكنها لم تعد تلك الحمقاء التي ترضى بمبررات واهيه وستبقى صامدة امام عيون ذلك الوسيم اللامعة بعشقه لها كالماس.
*****
وقفت ريم أمام الباب الخشبي لغرفة الصغير تجذب بضع أنفاس عميقة حازمة قبل ان تتجه للمفترس الغاضب في الخارج لإنهاء الوضع بشكل تام.
تجاهلت وقفته المتأهبة وكأنه ملاكم يبحث عن منافس يخرج به وحشية مشاعره وقبل ان يصرخ في وجهها صرحت في جدية تامة:
- انا موافقة ومصدقة إني لسه على ذمتك بس ده ميمنعش اني رافضه ارتباطي بيك واني بطلب الطلاق ودلوقتي حالًا.
اختفى انعكاس وجهها من عينيه ما ان انغلقت جفونه لتحتد نظرته التي القاها بها بعد ثوان متهمًا إياها:
- للدرجة دي أحمد قدر ينسيكي حُبك ليا ولإبننا؟
ابتسمت في تهكم وأخفضت نظرها قبل ان تجيب بنبرة صادقة:
- الفضل كله حصري ليك يا باشمهندس ريان، كُتر الآسى بيعلم القاسية.
- انا قسيت عليكي يا ريم؟
ولا إنتِ اللي قسيتي علينا برفضك اني أصلح موقفي.
- اعتقد انت فقدت الحق،
لما وقفت قدام الباب ده ورميت عليا اليمين من غير لحظة تفكير بإنك تديني فرصة أوضح سوء التفاهم اللي حصل.
قالت بنبرة محتقنه بمشاعر مختلطة وهي تشير لباب المنزل، لم تهتز ملامحه ولكن جملتها التالية اربكته بالكامل:
- ودلوقتي افتكرت انه ابننا مش ابنك لوحدك،
بعد قلبي ما اتكسر على فراقه أكتر من ما فراقك قدر يكسرني.
مسحت عبرات هربت من بين جفنيها بظهر كفها غاضبة لأنها أظهرت ضعف، فأجابها في صدق دون أن يبعد نظراته الثابتة عن عيناها الباكية:
- أنا انسان مش ملاك وبعترف اني غلطت وعايزك تسامحيني ونرجع زي الأول،
أنا شاري وإنتِ اللي بايعه.
- بعد إذنك ملوش لازمة الكلام ده انا قراري نهائي.
قالت في نبرة خافتة محبطه فعلت ضربات قلب ريان يستشعر انفلاتها من حياته فحاول الاقتراب منها لكنه قوبل بابتعادها خطوتين للخلف، أسبل جفنيه في غضب قبل ان يسأل بنبرة مهتزة:
- يعني ده آخر كلام عندك؟
- أيوة
- تمام، اديني فرصة أفكر.
انكمشت ملامحها بانزعاج وهتفت في رفض:
- تفكر في ايه؟
هو بمزاجك، الرفض في حد ذاته مرفوض.
غلبت عليه انفعالاته فصاح بها وهو يضرب على صدره:
- والله هو ده اللي عندي، قدّري صعوبة القرار ده !
علت ضحكتها المتهكمة وهي تخبره مؤكدة:
- صعب ليه .. القرار ده إنت أخدته في دقيقتين من سنة ايه اللي جد؟
ده انا قولت زمانك نسيت ياريتك كنت حبيت ولا اتجوزت بعدها وطلعتني من دماغك.
وقف يطالعها في صدمة، هل تتمنى أن يكون لامرأها غيرها بالفعل؟
- اه صح نسيت انت مبتعرفش تقول بحبِك.
نظرت له في جفاء واحتقار متذكرة كيف كانت تغدقه بالحب بينما هو يكتفي بأفعاله المعبرة عن الحب كما صورها لها وهي الساذجة كانت تصدق وتكتفي
- عايزه تقلبيها سخرية وعناد يبقى عز الطلب
قالها بلهجة يشوبها التهديد وصدره يعلو ويهبط بعنف فزمت شفتيها واندفعت لغرفتها قبل ان تعلن في صرامه:
- انا عندي شغل، اتمنى تاخد قرارك بسرعة واتمنى اكتر من كل قلبي اني ارجع البيت ومتكونش موجود فيه.
تنفس ريان من أنفه كي لا يثور كالبركان من خلفها لكنه حسم موقفه برده السريع:
- متأكدة ان ده آخر كلام عندك؟
سندت بكفها على اطار الباب والتفتت نصف التفاته مؤكدة:
- رديت سابق وقولت اه.
- بس انا محتاج أم لعُمر!
كادت تصرخ في وجهه لكنها تمالكت أعصابها وهمست:
- ربنا يوفقك وتلاقيله أم.
- كويس اننا متفقين على المبدأ.
- مش فاهمه؟
- انا مكنش في حسابي اننا مش هنكمل مع بعض ومعنديش بيت غير ده، أنا موافق ننفصل بس بشرط.
قال ببطء وتروي وهو يعقد ذراعيه امام صدره فسألت في تعجب:
- ايه هو الشرط ده؟
- تقريبًا هما اتنين، أنا وعُمر هنفضل عايشين هنا فترة الأجازة،
وقبل فترة الأجازة ما تخلص ... انا عايزك تختاريلي عروسة.
- نعم؟!..
لا ده انت أكيد اتجننت.
ابتسم في تحدي وهو يقترب منها حتى صارا وجهًا لوجه وأردف بينما انفاسه تتخبط بجانب وجهها:
- قرارك.
علت انفاس ريم ولمعت عيناها في حقد وهي تشعر بنيران الغضب تجتاح صدرها فهتفت في تمرد بين أسنان مضغوطة:
- دي مشكلتك انت مش مشكلتي.. انا مش خاطبة.
- إنتِ اللي عايزه تخلصي مني يبقى إنت اللي تساعديني!
- انا مش فاهمه جايب الجحود ده منين ؟
هزت رأسها مره قبل ان تمسك بنظراته تحاول حل لغز عيناه القاسية وتساءلت:
- انت ماسك في الشقه ليه ما انت معاك فلوس روح أجر اوضه في فندق ولا شقة!
- ويرضيكي اسيب عُمر لوحده.
قال بنبرة هادئة صادقة وهو يضيق عيناه في تحدي صامت، فانعقد لسانها في صراع بين الرفض والقبول حتى زفرت معلنه:
- ماشي يا ريان.
- ومتنسيش العروسة.
قالها بابتسامه باهته فجزت على أسنانها ودلفت إلى غرفتها قبل ان تنقض عليه وتمزق وجهه الوسيم.
اتسعت ابتسامة ريان فقد وقعت تمامًا حيث يريد ولتريه كيف ستخرجه من حياتها الآن.
أيًا كان ما سيحدث هو على أهبة الاستعداد لخوض المعركة فقلبه النازي لا يرضى سوى بالمحرقة سبيل.
*****
وقفت ريم أمام المرأة كالبلهاء لا تصدق قساوة الرجل الذي أحبته ولا تزال تعشقه حد الجنون، ازدردت طعم العلقم في حلقها فهو لم يخبرها فقط بأن تبحث له عن عروس بديل بل اعلن صراحةً إن سبب زواجهم منذ البداية كان من أجل صغيرُه، ذلك الوقح متحجر القلب وعديم المشاعر.
كيف أحبته يومًا؟!
تساءلت في غل وعقلها يعود بها إلى قبلتها الأولى التي اختطفها منها بسهولة، ارتعشت شفاها بقهر صدق من قال بأن الخطأ ينتهي بخطأ أكبر، ابتسمت بسوداوية وربما هذا هو سبب تخلي ريان عنها بكل سهولة فهي من البداية لم ترفع من شأنها أمام رجل شرقي كتحجر العقلية والمشاعر.
تنفست بعمق تعلم انها أفكار تواسي بها ذاتها لكنها أخطأت أمام الله، أبعدت الشعور بالذنب الذي اجبره فراقه على التولد داخلها والرسوخ.
خلعت ملابسها لترتدي ملابس أكثر اريحيه للذهاب إلى العمل ضغطت على وجنتيها في تعب فأحمد بالتأكيد سيمطرها بوابل من الاسئلة وكيف عساها تخبره بأنها لاتزال زوجة لريان وان خطبتهما صارت منهيه حتى ينتهي الأمر بينها وبين ذلك الحقير ... مفترس الفرص.
اللعنة لقد كانت على بعد خطوة واحدة من الاقتناع التام بأنها لا تحتاجه في حياتها وان أفضل قرار في حياتها كانت موافقتها بالارتباط من صديقها ورفيق العمر المسكين، على الاقل ستكون المحبة والامتنان سمه علاقتهما فهي لا تحتاج لعلاقة حميمية كي تتأكد من مشاعر أحمد نحوها فلطالما كان خير أخ وونيس لها منذ اقتحمت مكان العمل تطالبه بمنحها وظيفة وقد قبل وسط صدمتها فحين تصبح وحيدًا بلا سند يتفنن الجانب المظلم من الحياة في اظهار أنيابه حتى تنطفئ داخلك شموع الأمل.
لن تنسى مهما حدث انه الوحيد الذي اشعرها بالأمان والراحة دون مقابل وهي على ثقة بأنه سيضع مشاعرها ورغباتها في قمة اولوياته كما إنها تثق أكثر بأنه لن يتخلى عنها مهما حدث.
ابتسمت في تهكم ومن يحتاج إلى شهوة الجسد والقلب محطم كحطام سفينة لاحت عليها طرقات المحيط، بل كيف تحتاجها وذلك الجسد اللعين لا يرغب سوى بكاسر القلبِ منعدم الضمير.
اخفضت جفونها تكره اعترافها المخجل لكنها تعلم بأنها تقبلت زواجها من أحمد لأنها متأكدة بأنها لن ترغب او تسمح برجل أخر بعد ريان أن يلامسها أو يقترب منها، لقد افسدها ذلك الغبي للأخرين.
- مش فاهمة ازاي الانسان مننا مهزأ ومن غير كرامة ويهون عليه نفسه أوي كده.
همست في اتهام لصورتها المنعكسة في المرآة ثم انكمشت ملامحها في سخرية كارهة المذاق المر الذي يتركه هذا الاعتراف وقد كانت تظن ان حظ أحمد هو التعس.
*****
توجه ريان إلى غرفة صغيره مناديًا:
- عُمر تعالى.
ترك الصغير العابه واتجه نحو والده في تساؤل فجثا ريان وهو يضغط على كتف صغيره ويقول:
- إنت بتحب ريم صح؟
هز عمر رأسه في تأكيد سريع فأكمل ريان في جدية لا تتناسب مع صغر طفله لكنه استوعبها:
- إنت راجل دلوقتي ولازم اعرف هقدر اعتمد عليك ولا لا.
- أيوه يا بابي أنا راجل.
قال الصغير في حماسه وفخر، فأكمل ريان وهو يمسك بعيون صغيره:
- أنا محتاج مساعدتك عشان ريم تفضل معانا يا اما الحيوان اللي جه من شوية هياخدها مننا.
- لا يا بابي عشان خاطري متخلهوش يعمل كده، أنا هساعدك ومحدش هياخدها مننا.
أجابه عُمر سريعًا وهو يرفع قبضته في الهواء باستعداد وغضب كسر جدية الموقف، فابتسم ريان وهو يهمس:
- أهم حاجة ريم متعرفش أي حاجة عن الموضوع ده، اتفقنا؟
- اتفقنا.
أنهي عمر الاتفاق بشفه مزمومه ويد ممدودة التقتها والده يتمم اتفاقهم السري الغريب من نوعه.. ثم أكمل ريان في تأني:
- حلو يبقى تسمعني وتفهم هنعمل ايه بالظبط.
- حاضر يا بابي.
- هات التابلت الأول.
راقبه ريان وهو يركض لجانب فراشه ويركض نحوه في لهفه وترقب، تنهد ريان ثم مال يقبل رأس طفله يواسيه لأنه يعلم تمامًا مذاق الألم واللهفة والذعر اللذان يتملكانه خوفًا من فقدان ريم.
الفصل السادس:
دخل ريان إلى الشرفة وتابع في صمت وانتصار خروج ريم مع صغيره عمر من المبني، فقد نجح الصغير المحتال في اتمام مهمته على أكمل وجه بتمسكه بالخروج مع ريم والتحجج باشتياقه إليها وتأكيده بأن البقاء مع ابيه يقتله من الملل.
جز على أسنانه فقرار تركها تذهب للعمل في وجود ذلك الحقير يفور الدماء في عروقه ولكن الوقت ليس مناسب لفرض سيطرته عليها وشيء داخله يؤكد له بأنها لن تقبل.
ارتفع جانب فمه في فخر فعلى الأقل سينعم بالراحة والسلام لوجود طفله بينها وبين البغيض في مكان العمل.
خرج من افكاره على رنين هاتفه وانكمشت ملامحه في بُغض وهو يرى اسم شقيقته يتوهج من الشاشة الصغيرة كعادتها كل صباح منذ علم بكذبتها التي قلبت حياته رأسًا على عقب فبعد ثلاث أشهر أجبرتها معاناته ومعاناة صغيره على الاعتراف بفعلتها لتترجاه ان يغفر جنونها وأنها شعرت بالخوف ان يتركها مع بيجاد الغاضب دوما والفاقد للسيطرة على افعاله في حال سفره وانه لم يكن سيحتاجها بوجود ريم في حياته ترعاه وترعى صغيرة.
وقد كان ريان كالقنبلة الموقوتة لكنه لم يستطع ان يفعل معها شيء سوى التعجل في إتمام زواجها من نادر جارة في المبني والتي اخفت شقيقته علاقة حبهما عنه ليتوج مخططها بالنجاح، شعر بغصة مريرة لا يزال غير قادر على مسامحة الأنانية البحتة التي تملكتها وجعلتها تدمر أسرته الصغيرة وتذيق طفله طعم اليُتم مرتين، خيانة لم يتوقعها يومًا من أقرب الاقربون.
لكن حين يتحدث المستقبل والمال تذوب الاربطة وتتحول الدماء إلى ماء، ابتسم بغل ألم يكن هذا مبررها انها خشت على مستقبلها وأحلامها بالاستقرار في الخارج.
هز رأسه باستنكار يكره التفكير في الأمر ثم رفع هاتفه مقررًا اجراء محادثة دولية هامة فأتته الإجابة في الرنة الثانية بترحاب:
-اهلًا ريان عاش من سمع صوتك يا راجل.
-اهلا يا بهاء، انا اسف اني بتصل بيك وانت أكيد في شغلك بس في موضوع مهم عايز اتكلم معاك فيه.
قال ريان في صدق وهو يحوم حول نفسه في الردهة في حيرة وتوتر ليخبره بهاء وهو يتجه لزاوية هادئة بعيدًا عن صخب موقع العمل:
-معاك يا صاحبي، خير؟
-فاكر الظرف اللي بعته معاك لمراتي، كنت عايز أعرف أنت فتحته ؟
-عيب عليك لا طبعا الظرف وصلها مقفول.
اخبره بهاء دون تفكير ليؤكد ريان في جدية:
-انت متأكد يا بهاء الموضوع مهم بالنسبه ليا.
سعل بهاء في خفة ليخبره بخجل طفيف:
-الظرف وصل مقفول ده أكيد،
بس في نقطة صغيرة انا كان معايا علاء صاحبنا بتاع الجامعة فاكره؟
-اللي كان عايز يسافر كندا؟
-عليك نور وسافر فعلًا من أسبوع.
قال بهاء في نبرة متوترة فهتف ريان في قلة صبر:
-ايوة ماله، احكي متقطعش انا مش ناقص وعلى أخري الله يرضى عليك.
-طيب اهدى، اليوم ده كنت متأخر أوي وهو كان معايا ووصلت لحد منطقة بيتك بس كان لازم امشي بسرعة عشان كان عندي معاد تجديد فيزه السفر بسبب شغلي الجديد وانت عارف المشاوير الحكومية ورخامتها فهو عرض عليا يطلعه بدالي.
-تقصد ان علاء فتح الظرف؟
قال ريان في سخط وغضب على صديقه لأنه ائتمن غيره ما ائتمنه بنفسه عليه فقال بهاء في نبرة مرتبكة مؤكدًا:
-لا طبعًا وانا متأكد من ده لأني أكدت عليه ان الظرف يوصل زي ما هو.
ضغط ريان على قبضته وهو يصك على اسنانه كي لا يمطره بوابل من التوبيخ واكتفى بقوله المقتضب:
-طيب لو سمحت يا بهاء اتصل اتأكد منه تاني.
-مينفعش للأسف هو سافر من اسبوع والمفروض انه اول ما يستقر هيتواصل معانا دلوقتي مش معايا اي طريقة للتواصل معاه.
-لما يبقى يتواصل معاك اسأله، في ايه يا بهاء متجننيش يا أخي انت كمان وتقفلها في وشي.
-اهدي يا ريان ايه اللي حصلك، انا بتكلم معاك عادي، على العموم أنا اسف لأني عارف انك زعلت لما اديته الظرف بدالي بس صدقني كان غصب عني.
قرص ريان فوق انفه ثم تنفس بهدوء فصديقه لم يكن مجبر على خدمته من الأساس، فتنهد قبل ان يقول في لهجة ساكنة:
-حصل خير يا بهاء، بس بعد اذنك الموضوع مهم وياريت متنساش تسأله اول ما يكلمك.
-هيحصل ان شاء الله، انت خلاص نقلت شغلك في فرع الشركة اللي في مصر وهتستقر عندك بجد؟
-ايوة يا بهاء وهبدأ بعد شهر الأجازة ما يخلص ان شاء الله.
قال ريان في وجوم فأجابه بهاء بصدق:
-ربنا يرزقك الخير ان شاء الله ويوفقك.
-تسلم، مش هعطلك اكتر من كده مع السلامة.
اغلق ريان الهاتف ما ان ألقى عليه صديقه السلام وانعقد حاجبيه في حنق فكل الامور تتعقد امامه وكأن القدر يعانده، زمجر في غضب كارهًا ان يبقى هكذا حائرًا غير ممسك بزمام الأمور في حياته.
كان عليه ارسال الظرف مع شقيقه والسماح له بتهشيم رأس أحمد قبل ان يفكر الأبلة في اختطاف ريم منه فربما وقتها كان قلبه سيبقى ساكنًا بين اضلعه لا يتلوى بنار البعد والغيرة.
*****
وقف أحمد من مقعده خلف المكتب ما ان دلفت ريم وسرعان ما انعقد حاجبيه وهو يتابع عمر يتبعها من الخلف بهدوء، توجه نحوها ولم يعطها فرصة للحديث متهمًا في حده :
-ممكن اعرف انتي ازاي سمحتي انه يرجعلك تاني؟
رفعت كفها توقف حديثه قبل ان تحادث عمر في حنو زائد:
-روح اقعد هناك يا عمر والعب بالتابلت لحد ما اتكلم مع عمو أحمد.
زم الصغير شفتيه باعتراض صامت ولكنه تزحزح ببطء حين ربتت ريم على كتفه تبعده نحو الركن البعيد وعيناه الشبيهة بعينا والده السوداء تبوح بشراسة رفضة بالابتعاد عن سارق والدته.
نظرت ريم إلي احمد المشتعل بغضبه ما ان ابتعد عمر ورأته يعبث بجهازه الالكتروني لمشاهدة برامجه الكرتونية كالعادة ثم قالت في خفوت:
-اكيد طبعا مش هسمحله يرجعلي من تاني بس في حاجات اكتشفتها قلبت الموازين.
ابتسم في تهكم وعيناه تلتهمها باتهام من اسفلها إلي اعلاها ليردف في نبرة ساخرة:
-قصدك قلبت الموازين في قلبك، رجعتي تحني لريان من تاني بعد كل اللي عمله فيكي،
ازاي رجعتي لضعفك واستسلمتي بالسهولة دي؟
شعرت ريم بغصة تتملكها فوضعت يدها على صدرها في دفاعيه وهمست في حزن:
-أحمد لو سمحت متقلبش عليا المواجع، وأتأكد كويس اوي اني مش ضعيفة واني عمري ما هنسى اللي عمله فيا.
زفر أحمد يلعن انفلات مشاعره وغضبه عليها دون سبب فهو يفكر ويخطط ثم يذهب كالأبلة في الاتجاه المعاكس لإفساد فرصته معها، تنهد قبل ان يخبرها في لهجة يتخللها الهدوء:
-انا متأسف يا ريم مقصدتش اجرحك،
انا بس خايف تنسي وتوقعي نفسك مع الراجل ده تاني صدقيني هو ميستاهلكيش، قوليلي حاجة وحده عملها يثبتلك بيها انه بيحبك؟
صمتت ريم في حزن واخفضت وجهها لأسفل لا تجد ما تجيبه به، قاطعتهم صوت عمر:
-ماما انا عايز اشرب.
تصلبت ريم وكلمة "ماما" تخترق مسامعها من عمر الذي وقف يناظرها بكل براءة وتوتر وكأنه اخطأ ويتوقع منها التوبيخ الذي اتاه بالفعل.
-دي مش امك متقولش ماما.
صرخ أحمد في حدة فارتعش الصغير وكاد يبكي في مكانه فهتفت ريم في رفض وقد ناشدت دموعه مشاعر امومتها:
-أحمد انت اتجننت، تعالى يا عمر يا حبيبي.
-ريم اللي بتعملي غلط انتي لازم توقفي الواد وابوه عند حدهم.
نظرت له ريم وكأنه فقد صوابه بينما تميل لحمل عمر بين ذراعيها رغم ثقل وزنه وزمجرت في نبرة معترضة:
-ولد أيه اللي اوقفه عند حده ده طفل وزي ابني، انت جرالك ايه ولا هما كل الرجالة اللي في حياتي اتجننوا فعلًا.
-زي ابنك لكن مش ابنك، متنسيش ان ابوه حكم عليكي ما تخلفيش غير لما ابنه يكبر يعني كان بيستغلك يا هانم عايزك دادة لابنه.
شعرت ريم بالتيه وقد اصطدمت كلماتها الواقعية الحادة بقلبها، التفتت تبحث عن حقيبتها التي القتها على الطاولة الجانبية ما ان دلفت فأخرج عمر لسانه في تشفي نحو أحمد الذي اندفع يحاول امساكها كي لا تذهب قائلًا:
-انا اسف يا ريم بس أرجوكي متخليش عيل صغير يضحك على عقلك ده أكيد تفكير أبوه.
ابعدت يده عن ذراعها ووضعت عمر ارضًا تغطي أذنيه قبل ان توبخ احمد من بين اسنانها:
-واضح ان ريان ايده كانت تقيله شويه وخلى مخك هنج، ده طفل خمس سنين عيب عليك.
ابتعدت خطوتين قبل ان تلتفت اليه وهي تتنفس بهدوء لتمالك أعصابها ثم أخبرته:
- انا كنت جايه أقولك ان ريان رجعني لذمته من غير ما اعرف صحيح احنا اتفقنا على الطلاق قريب،
لكن لحد ما يحصل ماينفعش نفضل مخطوبين احنا لازم نأجل الموضوع ده شويه.
ظهر الارتباك جليًا على وجه أحمد لكنه ابتسم في حزن ليذكرها:
-وشرط أبويا ولا نسيتيني أنا كمان ؟
-انت لسه قدامك ست شهور ان شاء الله هيكون الموضوع اتحل، عشان خاطري يا احمد بلاش تضغط عليا أكتر الدنيا ضغطاني خلقه.
اسبلت عيونها في خجل لا تصدق انها في ذلك الموقف فاستطردت في أسف:
-انا متأسفة بس انا مغلوبة على أمري ومقدرش أعمل حاجة.
اقترب منها يحاول ملامستها وجزء كبير داخله يرتجف بخوف من خسارتها فقال مستعطفًا إياها:
-انا اللي متأسف ورحمة امك ما تزعلي مني، انا أحمد اخوكي مهما حصل ومش مهم اي حاجة في الدنيا.
ابتسمت له في امتنان ليقابلها بابتسامه مجبرة قبل ان يقطع لحظتهما عمر وهو يتذمر شاعرًا بالتهديد من كلمات أحمد:
-عايزة اروح يا ماما يلا بينا أنا تعبان.
ابتسمت ريم لعمر منهيه بذلك لقائها وهي تعبث بخصلاته قبل ان تلقي السلام على أحمد وتجذب الصغير للخارج ولكن لم يفت أحمد همسها الامومي الحاني:
-حاضر يا عيون ماما.
اسودت عينا أحمد في حقد وألم داخلي لأسباب مختلفة بينما هناك عينان أشد سوادًا تتابع في تشفي وانتصار ما يحدث من بعيد.
*****
بعد المغرب صعد ريان إلى المنزل بعد ان ذهب لشراء بضع المشتريات، تنفس الصعداء ونبض قلبه في اضطراب حين دلف إلى المنزل وسمع ضحكات ريم من الداخل تلتها ضحكات عمر الموسيقية، وتساءل كيف تخلى عنها بسهولة؟
سؤال صعب لا يدري إجابته كيف اعماه غروره وظن انه سيستطيع تخطيها والابتعاد عنها، ركضت ريم للخارج وتوقفت ضحكاتها حينما وجدته امامها، انتقلت عيناها إلى الأكياس بيديه ولكنها سرعان ما التفتت نحو الصغير الذي اصطدم بها يمسكها وسط ضحكاته قائلًا:
-مسكتك مش هتهربي مني ابدًا ابدًا.
وضع ريان الأكياس ببطء فوق الأرض وهو يتابع بمشاعر ثائرة وحدهما عمر وريم قادران على دسها داخله، ابتسمت ريم وهي تبعثر خصلاته وعادت تناظر ريان لكنها شهقت في انزعاج وأعين متسعة حين لاحظت الماء المنساب على سجادها فهتفت:
-شيل الكيس ده بسرعة، حرام عليك انت مش بتتغير.
-اسف نسيت.
همس ريان بحرج لكنه يتقبل ملامحها المنزعجة عن الأخرى التي تصرخ ببغضها له، اتجهت للمطبخ تحضر منشفه صغيرة وخبطتها بعنف في صدر ريان وعنفته بحده:
-نضفها أنت، انا مش شغالة عندك!
رمش ريان وهو يزم شفتيه يحاول تمالك أعصابه قبل ان يتقبل المنشفة من يدها بهدوء متعمدًا ملامسة اصابعها الرقيقة فابتعدت عنه بملامح معقودة بانزعاج، ليقول بابتسامه جافة تظهر أسنانه:
-من عينيه، تؤمريني بحاجة تانية؟
ارتعش قلب ريم وعضت شفتيها بحقد على الذات لأنه يستطيع هز حصونها بابتسامه ساخرة، عقدت حاجبيها ولم تجيب ثم التفتت نحو عمر قائلة:
-يلا عشان تاخد شاور.
جثى ريان بنصف جسده يجفف الأرض وعيناه تلمع بترقب بينما يتابع اختفاءهما، ما ان انغلق الباب حتى رمى المنشفة واتجه بخطوات صارمة لغرفة عمر يبحث عن جهازه الالكتروني، جذبه حين وجده ملقى على الفراش واتجه لغرفة النوم الخاصة به وبريم يغلقها خلفه بعنايه قبل ان يعبث بشاشة الجهاز ويصل إلى مبتغاه لينبعث صوت خافت مسجل وتوالت الاصوات والخربشات حيث ظل يجري بمؤقت التطبيق حتى انتهت به الأصوات لصوت ريم وأحمد.
وضع سماعات الأذن ودأب يسمع بحرص ما دار بينهما، اسودت عيناه بغضب وهو يستمع لتحذيرات أحمد المقيتة ومحاولاته من أجل ابعادها عنه، جز على أسنانه يحاول التركيز فالأصوات بعيدة بالكاد يسمعها لكنه يفعل لأن الغبي يصرخ في ريم، زاد عضبه حين سمع سؤال أحمد:
-قوليلي حاجة وحدها عملها يثبتلك بيها انه بيحبك؟
انعقدت ملامحه وعلت انفاسه منتظر الإجابة ولكنه تلاقى بالصمت من جهة ريم، مر الحوار سريعًا لتدخل أبنه وشعر بغضب وغل حين سمع اتهام أحمد له بانه لم يرغب بطفل منها يومًا.
حاول تمالك أعصابه حتى انتهى الموقف فاغلق الجهاز واتجه بانفعال يشعل إحدى سجائره، أحمد على حق بشأن الإنجاب فالذنب الوحيد الذي يندم عليه هو انه لم يمنحها طفل من صلبه يخرج من احشائها ويربطها به والا لما كان من السهل عليها التخلي عنه من أجل أحد.
نبهته أصواتهما بالخارج بأنهم انتهيا لكنه لم يكن في حالة تسمح له بالخروج وإكمال خططه، جذب دخان السيجارة وابتلعه داخل صدره يتمنى لو يذيب تلك الكتلة المشتعلة بمشاعره المتأججة داخل صدره.
هل فعلًا لم يفعل أمر يثبت لريم إنه يحبها؟
لم يفكر يومًا في الأمر كان اعتيادي فزواجهم كان غريب وسريع ولم يتخيل ان صمته عن كلمات الحب قد يؤلمها أو يؤثر فيها فمن تجربته السابقة مع زوجته رحمها الله لم يختبرا تلك المشاعر ولم تكن زوجته تطالب بها او تعلن عنها حتى، لقد كان زواج عقلانيًا مخطط بلا حب ولا روح فيه.
زواج عكس زواجه من ريم التي كانت كالطفلة المراهقة تتنقل حوله كالفراشة تغرد بعشقها وحبها له وتبتسم حين يحتضنها، بل انه تعمد تقبيلها كلما اخبرته بحبها الأمر الذي كان يتطور لأكثر من قبله بكثير، ألا يعد ذلك اعتراف بالحب من وجهة نظرها؟
ضرب بيده فوق ساقه يكره عملية تحليل المشاعر تلك خاصة حين تتعلق بامرأة فهم مختلفون ومتمردون وسريعون التقلب في المزاج.
-بص للجانب الإيجابي هي اختارت أبنك على أحمد، ده في حد ذاته حب حتى لو هي فاكره انها مبقتش بتحبك.
قال وهو هز رأسه يحاول اقناع قلبه بتلك الكلمات، فكر في الاتصال ببيجاد لكنه يكره الظهور بالضعف أمام أخيه الذي سيتفنن بدعك اخطاءه في وجهه دون خجل، فهو معترف بأنه أخطأ ويعلم ان كل أفعاله الغاضبة خاطئة فريم تحملت الكثير والكثير لكن هذه هي طبيعته في الأزمات تهتاج مشاعره حين تنفلت منه الأمور ويكره ان يسيقه أحد أو أمر ما.
كما ان ريم لا تعطيه فرصة لتصليح اخطاءه وتصر على الانفلات من بين اصابعه، الأمر الذي يفقده صوابه ويجعله غاضب وتخرج تصرفاته بشكل أسوأ وأسوأ فرك عيناه ثم حرك كتفيه ورقبته يحاول الاسترخاء فعليه الاسراع والتفكير كي لا يفقدها بشكل نهائي.
ساد الصمت فخرج يبحث عنها دون ان يصل لبداية الخيط في علاقتهما ليجدها تمشط شعر عمر وأحس بقلبه ينقبض وينبسط بين أضلعه دون هوادة، اقترب منها وحمد الله انها لم تنتبه لوجوده بعد فيتسنى له سد شوق يتملكه ليقترب منها.
-انا آسف.
خرج صوته منخفض بدون أدنى سيطرة منه على ما يخرج من فمه، فتسمرت ريم في مقعدها وتوقفت عن تمشيط شعر الصغير وساد الصمت بينهم فقط عيون عمر الحائرة تنتقل بين والده وريم.
-اطلع برا يا عمر، شويه وهندهك.
قبض عمر على طرف ملابس ريم وهمس في تردد وبعد تفكير:
-لا.
-لا؟
قال ريان في تعجب فانعقدت ملامح عمر وهو يحتضن جانب جسد ريم ويعلن في استنكار طفولي:
-اه انت هتقولي امشي يا عمر و بعدين تقول حاجات وريم تفضل تعيط بعدها.
-عمر!
احمرت وجنتي ريم وهي تقول مؤكده:
-مكنتش بعيط قولت عيني كانت ملتهبه انا مش بعيط غير على الناس اللي تهمني.
انتقلت انظار عمر بغضب نحو والده وكأنه يعاتبه على فشله فزفر ريان وقال في حده:
-هنتكلم بعدين يا عمر، اطلع دلوقتي وخليك مؤدب.
قلده الصغير وهو يزفر واتجه نحوه يشير له للهبوط لمستواه ففعل ليهمس الصغير في اذنه:
-لو هتخليها تعيط مش هكلمك وابوسك ابدًا ابدًا.
رفع ريان عيونه للصغير قبل ان يبتسم ويقبل رأسه مؤكًدا.
-ما تقلقش.
خرج عمر فأستكمل ريان قبل ان يتحول من رزانته لغضبه الذي لا أصبح عاجز عن السيطرة عليه:
-احنا محتاجين نتكلم زي الناس.
ابتسمت ريم في سخريه وهي تنهض وتخبره:
-ونتكلم زي الناس ليه انت عيان؟
عض على لسانه كي لا يقول ما يغضبها أكثر وتجاهل كلماتها بقوله:
-انا مقصدتش اني اتعصب عليكي، انا عارف اني غلطان وغلطي كبير بس....
قاطعته ريم وهي تتجه لتتخطاه في حده:
-انا اللي اسفة حقيقي مش عايزة اسمع منك كلمة واحدة.
امسك ذراعها يمنعها من الخروج وقال من بين اسنانه:
-حقك، بس على العموم مكنتش بعتذر على اللي عملته سابق، انا بعتذر على الكلام اللي قولته الصبح وبتمنى انك تنسيه.
ابعدت ذراعها بحده واستطردت وهي تبعد خصلاتها للخلف:
-وانساه ليه؟
بالعكس الكلام مناسب اوي مع حالتنا.
ابتعدت نحو الباب لكنها توقفت والتفت نحوه تدرس حالته ووقفته المشنجة تعلم جيدًا انها تتراقص على حبال غضبه، ولكنها تتصيد الانتقام لكسر غروره للآلاف من القطع، رفعت انفها بشموخ وهي تلتقط نظراته وقالت في جفاء:
-على العموم قبل الأجازة ما تخلص... العروسة هتبقى عندك.
وبذلك تركته وخرجت، صك ريان على أسنانه وقبض على يديه كي لا يخرج خلفها ويندلع الجحيم وظل يذكر نفسه بأنه المخطئ وان الطريق لازال في بدايته وعليه التحمل أكثر من ذلك بكثر إذا أراد استعادتها.