أخر الاخبار

رواية لايليق بك الا العشق الفصل الاربعون40والحادي والاربعون41 بقلم سماح نجيب


رواية لايليق بك الا العشق الفصل الاربعون40والحادي والاربعون41 بقلم سماح نجيب
٤٠– " كفانى منكِ مراوغة "

وقف مشدوهاً وهو يراها تلقى برأسها على صدره ، تحيطه بذراعيها ، تتشبث بثيابه كمن تحتمى به من وحش ضارى يركض خلفها يريد النيل منها ، وما ذلك الوحش الضارى سوى فكرة رحيلها عنه إلى أجل غير مسمى ، فتلك المتاهة التى خطت بقدميها فيها ، ما تنفك تقذفها من عذاب لعذاب أشد وأقسى ، كالذى عاشته الليلة ، فهى كانت كمن تم ذبحها ببطئ ، وتم حرمانها من أن يصدر لها صوت ، تعبر به عن ألمها ، بل كان عليها أن تبتسم وتؤدى دورها ببراعة ، ليأتى هو بالختام ويزيد من شقاءها ، بأنه سيجعلها تحيا معه وبرفقة عروسه الجديدة 

مازالت دقات قلبه تهدر صاخبة بإسمها ، كأنها بين فينة وأخرى ، ستحطم ضلوعه من شدة خفقانها ، فكم يهوى هو بتلك اللحظة من أن يسكنها بين حنايا قلبه ، فربما سيأمن عدم فرارها منه ثانية ، فما تلك اللعنة التى أصابته ، تجعله كل مرة يقابلها ويريد أخذ ثأره منها ، يتراجع عن قراره ، بل يكون أقرب إلى التوسل بأن تمنح قلبه الراحة من ذلك العذاب الذى يفتك به 

ابتعدت عنه قليلاً ، لتمنح عيناها الدامعتان الفرصة بأن تراه بوضوح ، فما لبثت أن عادت ودفنت وجهها بكتفه ، فخرج صوتها ناعماً خافتاً مرتجفاً :
– عايز تتجوز واحدة تانية يا راسل وكمان عايزنى أعيش معاك أنت وهى ، هترضى لحبيبتك بالعذاب ده ، أن أشوفك أنت وهى قدام عينيا ، وهى بتاخد منك اللى أنا أخدته قبل كده

قبض على كتفيها وأرتد خطوة للخلف ، لكى يتسنى له التمعن بوجهها ، ليعلم مغزى حديثها المتناقض مع تصرفاتها 
فقطب حاجبيه قائلاً بغرابة ودهشة :
– أنا مبقتش فاهم تصرفاتك ولا فاهم كلامك ما تخليكى واضحة فى كلامك ، إحنا هنفضل نلعب لعبة القط والفار دى لحد إمتى 

أنتظر أن تجيبه على سؤاله ، فما كان منها سوى أن رفعت يديها وحلت رابطة عنقه الأنيقة ، وفتحت الزران الأولان من قميصه ، حتى تمنحه فرصة للتنفس  ، فإبتسمت قائلة وهى تلف رابطة عنقه على كف يدها :
– كنت حاسة أنك مخنوق منها ، عارفة أنك مبتحبش تلبس الجرافت بتتخنق منها بسرعة 

فمن أتى على ذكر رابطة العنق ؟ وما صلة ذلك بحديثهما الآن ؟ فلا معنى لأفعالها ، سوى أنها تريد تغيير دفة الحديث لصالحها كالعادة 

فصاح بها وهو يشد رأسها إليه :
– أنتى عايزة تجننينى أحنا بنتكلم فى إيه دلوقتى جرافت إيه وزفت إيه 

أجابته بهمس ووداعة :
– أنا غلطانة يعنى أن حسيت بخنقتك وحبيت أريحك منها يا حبيبى 

شد بأصابعه على مؤخرة عنقها وهو يقول من بين أسنانه :
– متقوليش يا حبيبى دى تانى يا حياء ، أنا لو كنت حبيبك مكنتيش عملتى فيا اللى عملتيه ده كله 

أسدلت جفنيها فردت قائلة بصوت مبحوح :
– ماهو علشان أنت حبيبى عملت ده كله 

– قصدك إيه بكلامك ده يا حياء قولى إيه اللى.....
منعته من أن يكمل حديثه ، إذ بترت الحديث بينهما ، بمبادرتها بعناقه ، فهى لا تريد أن يسترسلا بحديثهما ، وتكون نهايته مأساوية ، فيكفيها عذاباً بأنها تعلم بأن كل منهما سيأوى لمنزله بعيداً عن الأخر ، بل لا تأمن ما سيحدث له بغيابها 

إذا تم ضبطهما على هذا الوضع ، ستكون فضيحة تتغنى بها الألسن ، من أن عريس تلك الليلة بعد إنتهاء حفل خطبته ، أراد إتمام ليلته بمغازلة مصممة حفلة الخطبة ، فلا أحد من العاملين لديها أو الفندق ، يعلم بأمر أنها هى زوجته 

– راسل أرجوك أبعد حد يدخل هتبقى فضيحة 
 قالت حياء بتوسل ، فهى أرادت إبعاده عنها بشتى الطرق ولم تفلح ، فهى كمن أعطته الضوء الأخضر ، بأن ينقل إليها تلك النيران التى أحرقت قلبه ، ويريد أن يذيقها منها القليل 

فلم تكن إجابته على توسلها ، سوى جملة خرجت من بين شفتيه همساً بدون وعى :
– أنا ميهمنيش أى حد ثم أنتى مراتى 

ولكن رؤيتها مقبض باب القاعة الكبير يتحرك دلالة على أن أحد قادم ، كان ذلك أدعى بأن تشحذ قوتها كاملة ، لتستطيع أن تدفعه عنها ، فهو كان يلقى بثقله عليها ، وهو يحاصرها بينه وبين الجدار 

أنفتح الباب وولج ديفيد وهو يبتسم ويصيح :
– حياء كل ده مخلصتيش

وزع ديفيد نظراته بين حياء ، التى تقف مستندة على الجدار ، تطأطأ رأسها وهى واضعة يدها على صدرها ،تحاول إلتقاط أنفاسها ، كمن كانت بسباق للركض ، وبين راسل الذى يقف على مقربة منها وصدره يعلو ويهبط ، كمن خرج من عراك حامى 

– أنتى كنتى بتعملى إيه ده كله يا حياء 
 قال ديفيد بغيظ ، ولكن لم يكن هذا ما أثار حنقه فقط ، فهيئتهما المشعثة ، ورابطة العنق الملقاة على الأرض بجوارها ، وحجابها الذى كاد يسقط من على رأسها ، وقميص راسل المفتوح من الأعلى  ، كل هذا جعله يتيقن من أن شقيقته وزوجها كانا يتبادلان عناق العشاق ، وربما لولا مجيئه ، كان سيجدها برفقته بإحدى غرف الفندق 

خشيت حياء رفع وجهها ورؤية ديفيد ، ولكنها تذكرت أن ربما راسل سيعرف من يكون ، فديفيد أخبرها بأنه كان أحد الرجلان اللذان قاما بتعذيبه بالسجن فى إيطاليا

إتسعت عيناها بفزع ، عندما تذكرت كل هذا ، ولكنها لم ترى رد فعل من زوجها ، سوى أنه قام بإغلاق أزرار قميصه ، ونظر لديفيد متسائلاً:
– أنت مين أنت كمان 

سبقت حياء ديفيد القول ، فقالت وهى تزدرد لعابها بشئ من الخوف :
– دا دا بيشتغل معانا فى المكتب ، ده شريكنا التالت وهو الممول الرئيسي لينا

أقترب ديفيد منها وهو يجز على أسنانه قائلاً بإبتسامة صفراء :
– خلاص خلصتى يا شريكتى علشان نقعد نصفى حساب الليلة قبل ما نروح

فهمت هى مغزى حديثه ، فعندما أرادت أخذ ذكرى من راسل قبل رحليها ، أنتهى الأمر بمجئ ديفيد وربما فطن لما حدث بينهما ، ولا تأمن تصرفه تجاه زوجها 

أمرت قدميها بالحركة ، التى ظنت أنها مستحيلة ، بعد سريان تلك الرجفة ، الناتجة عن خوفها من مقابلة راسل وديفيد ، ولكن ما كادت تمر خطوة من جانب زوجها ، حتى التقط ذراعها ، وبنيته أن يأخذها معه على القصر 

فقال بلطف ولين:
– خلصى ويلا علشان نروح مع بعض هتيجى معايا على قصر النعمانى 

فألتفتت برأسها إليه وتوسلته عيناها بأن يتركها :
– أرجوك سيبنى أمشى دلوقتى ، وغلاوة سجود عندك سيبنى لأن مش هقدر أروح معاك على قصر النعمانى 

عادا لنقطة البداية ثانية ، فحل وثاق يده عن ذراعها ، وهى تعلم بأنها كل مرة تزيد من وقود النيران بقلبه ، حتى وإن كان حتى الآن لم يظهر لها سوى تلهفه إليها كلما أقتربت منه ، ولكن صارت بأفعالها كالثعلبة المراوغة ، فإلى متى سيظل يتقبل منها أفعالها ؟

أنحنى وأخذ رابطة عنقه وإستقام قائلاً بسخط على ضعفه :
– أنا مش لعبة فى إيدك تلعبى بيها وقت ما تحبى وترميها وقت ما تحبى ، أنا أساساً اللى غلطان أن لحد دلوقتى بتعامل معاكى بشكل متحضر ، قدامك خمس دقايق ميزدوش ثانية واحدة تكونى حاسبتى الناس اللى بتشتغلى معاها وتحصلينى على العربية قدام الفندق علشان نروح ومش عايز أسمع منك كلمة تانية مفهوم ، وإلا قسماً بربى الليلة دى ما هتعدى على خير 

خرج من القاعة كالإعصار ، بينما أقترب منها ديفيد وقبض على ذراعيها وهز جسدها بعنف وهو يصرخ بوجهها :
– كنتى بتعملى إيه أنتى وهو يا حياء ، أنطقى خلتيه يقربلك تانى ليه ، يعنى لو مكنتش جيت كان زمانك أنتى وهو مقضيين الليلة مع بعض 

نفضت حياء يديه عنها وهى صارخة بوجهه كهرة متوحشة :
– وفيها إيه ده جوزى فاهم يعنى إيه جوزى يعنى هو ليه حق فيا وأنا ليا حق فيه ، وأنتوا اللى عايزين تهدوا اللى بينى وبينه ، وأهو ناوى يتجوز عليا علشان ترتاحوا ، وأنا اللى كنت بغير عليه من فكرة أنه كان متجوز واحدة قبلى ، دلوقتى هعمل ايه لما يتجوز عليا وأشوف واحدة تانية بتاخده منى ، دا عذاب ، أنا قلبى بيتحرق يا ديفيد ، أنا بموت بموت 

أنهارت قدميها وسقطت جالسة على الأرض ، لتكمل بكاءها ونواحها ، فجثى ديفيد على ركبتيه بجانبها ، وضمها إليه وربت عليها ليجعلها تهدأ ، إلا أنها عادت لتستأنف حديثها المرير :
– عارف يعنى إيه لما أفضل أتخيل أنه هيبقى مع واحدة تانية ويبقى جوزها زى ما كان جوزى ، دى لوحدها تخلينى أتجنن أنا بحبه يا ديفيد بحبه ليه مش عايز تفهمنى 

– روحى معاه يا حياء والصبح أرجعى البيت ، وكويس أن عمك أدريانو مسافر ومش هنا وإلا مكنتش هقدر أخليكى تعملى كده
 نهض من مكانه ، فصدمت حياء من قوله ، هل هو أعطاها تصريحاً الآن بأن ترافق زوجها ، فتصرفاته محيرة ، تارة لينة وتارة قاسية ، ولكنها إستطاعت إستخلاص نتيجة واحدة ، وهى أن ديفيد ربما قلبه ليس بالفظ ولا بالغليظ مثل عمهما أدريانو ، فهو يشبه بيرى من حيث رقة قلبها التى تظهرها بعض الأحيان خلافاً لبرودها المعتاد معظم أوقاتها

أستقامت بوقفتها وأزالت عبراتها بظاهر يدها وهى تبتسم له ، ولكن قبل أن ترحل ، نظرت إليه وتساءلت :
– ديفيد هو إزاى راسل لما شافك معرفكش ، وأنت قولتلى أنك كنت واحد من الإتنين اللى عذبوه فى إيطاليا 

دلك ديفيد عنقه قائلاً كأنه يشعر بإرهاق شديد :
– علشان كانوا بيغموا عينيه قبل ما أدخله أنا ، هو ميعرفش غير شكل الرجل التانى وكمان كنت بكلمه إيطالى مش مصرى فممكن ميكنش كمان أخد باله من صوتى علشان كان متنرفز وشكله مش مركز وكده أحسن لأن كان فاضل دقيقة وأضربه بالنار لما دخلت ولقيتكم كده ، فهتمشى ولا أرجع فى كلامى 

تلك هى المرة الأولى ، التى تكون أكثر ليناً معه ، بأن أخذت كفيه وشدت عليهما بيديها الناعمتين ، بل لم تكتفى بذلك فأهدته إبتسامة صافية ممتنة وهى تقول بشعور صادق :
– شكراً يا ديفيد دلوقتى حسيت أنك فعلاً أخويا 

ربت على وجنتها بحنان قائلاً بمداعبة :
– طب يلا يا سندريلا علشان وقتك مبقاش فيه كتير وقولتلك لازم ترجعى الصبح أنا مضمنش عمى أدريانو ممكن يرجع فى أى لحظة ، بس برضه حاذرى يا حياء جوزك مش لازم يعرف حاجة إن كنت إتساهلت وهخليكى تروحى معاه فده علشان خاطرك أنتى مش علشان خاطر حاجة تانية 

رفعت طرف ثوبها وركضت خارج القاعة حتى وصلت أمام الفندق ، وجدت راسل يقف ويميل بجسده مستنداً على سيارته ، فتقدمت منه بحذر وببطئ ، كأنها ممزقة بين إطاعة رغبتها فى أن تقضى الليلة برفقته ، وبين حزنها على أنها ستكون مجبرة على تركه عندما يحين الصباح ، فوقتها محسوب بعدة ساعات ، ربما بعد إنقضاءها ستزداد الهوة والفجوة بينهما أكثر ، ولكنه لم يمهلها وقتاً للتفكير ، إذ أخذها من ذراعها بجفاء ، وجعلها تجلس بالمقعد المجاور له ، ودار حول السيارة ، وأنطلق بها بطريقه صوب قصر النعمانى وهو ينتوى أن يقوم بتصفية الحساب بينهما ، فإن كانت أخذت لينه ورفقه بالتعامل معها كحق مكتسب ، فلا مانع أن يذيقها من قسوته قليلاً لعلها تكف عما تفعله ، وتعلم أن مخزون صبره قد أوشك على النفاذ 
________________
ظنه بأن يستطيع إختراق ذلك المنزل ، الذى كان كالحصن المنيع ، كان به شئ من السخافة والرعونة ، ولكن ذلك لم يمنعه من أن يحاول مرة أخرى ، فبالأيام الماضية حاول أكثر من مرة وأنتهى الأمر بالفشل كالعادة ، ولكن الليلة إصطحب معه رجال أشداء كعوناً له على ذلك الهجوم ، الذى سيشنه على منزل أدريانو من أجل أخذ سهى ، وإنقاذ الفتاتان اللتان تحدث عنهما أدريانو سابقاً ، قبل أن تنتهى تلك المهلة المحددة لهن بالسفر لإيطاليا ، ويصبح من المحال مساعدتهن

فعلمه بأن أدريانو غادر البلاد وأصطحب معه معظم رجالة ، تاركاً حرساً كافياً للمنزل ، كان ذلك أدعى للتفكير بأن ربما الحرب التى ستقام الآن ، ستكون أقل خسائر للأرواح ، فالرجال الذين إصطحبهم معه ، كانوا مدربين ومؤهلين لخوض تلك المعركة ، فهم بالأساس كانوا رجال أبيه المخلصين ، والذين صاروا يتبعوا إمرته بعد حمله لواء العمل بعد موت أبيه 

أخرج عمرو سلاحه النارى ، الذى أصبح اشد مهارة بإستخدامه خلاف لتلك المرة الأولى التى حمله بها ، فنظر لرجاله قائلاً بصوت منخفض :
– مش عايز غلطة واحدة وإلا هتبقى كارثة ، أكيد أنتوا عارفين رجالة أدريانو مبيتفاهموش ، بس كويس أن مفيش فى البيت حد دلوقتى غير ٦ حراس بس ، بس برضه مش عايزكم تقتلوا حد منهم ، أنا عايز أخد البنات ونمشى من غير خساير مفهوم

أظهروا طاعتهم لقوله ، بأن أماء كل رجل منه برأسه ، بينما بدأو التسلل بحذر للداخل ، فكل رجل يقابله حارس ، كانت تدور المناوشات بينهما حامية الوطيس ، حتى تنتهى بإغماء الحارس  ، حتى صارت الحديقة خالية من الحماية ، بعد أن أصبح الحرس الموجودين بها نائمون كالجثث 

فتح عمرو القبو بطلقة نارية من سلاحه الكاتم للصوت ، وركل الباب بقدمه ، فولج وجد سهى نائمة على الأرضية المتسخة ، وحولها طعام فاحت منه رائحة العفن والعطب ، ويبدو عليها أنها رفضت تناوله ، ففتش بالقبو فلم يجد أحد غيرها ، فيبدو أن أدريانو لم يعثر على الفتاتان حتى الآن 

أقترب منها وأنحنى إليها وربت على وجهها منادياً :
– أنتى أنتى أصحى فوقى سمعانى 

ولكن لم يأتيه رداً منها ، لم يجد مفر من حملها للخروج من القبو ،فحملها كالمتاع مغمغماً:
– ربنا يستر ومروحش فى داهية بسببك 

خرج بها عمرو من القبو ، يركض بها وينظر حوله ليأمن أن الطريق ممهد للخروج حتى يصل بها لسيارته ، ولكن أتته طلقة نارية أصابت كتفه من الخلف ، مما أدى لإرتخاء يديه وسقطت سهى على الأرض

طفرت الدماء من كتفه ، فإستدار خلفه وجد حارس ملقى على الأرض ، ويبدو عليه أنه أفاق من إغماءه بصعوبة ، ويهم  بإطلاق رصاصة أخرى ، فكان هو الأسرع بإطلاق عيار نارى إستقر بجبهته ، فأرتطم بالأرض صريعاً

جحظت عيناه وهو ينظر للحارس ، فهو لم يقتل أحداً من قبل ، بل لم يكن لديه الشجاعة الكافية برد تلك الأفعال الواقعة عليه من زوج والدته 

لم تنتهى صدمته مما فعله ، إلا بإقتراب رجاله ، وواحداً منهم حمل سهى ، والأخرون عملوا على جذبه ليسرعوا بالخروج من المنزل ، فبسيارة عمرو كانت سهى ملقاة على المقعد الخلفى ، وعمرو جالساً بجوار أحد الرجال ، الذى سيقوم بقيادة السيارة عوضاً عنه

رفع عمرو يده وضغط على جرحه متألماً :
– أنا لازم أروح المستشفى ، أنا أخدت طلقة فى كتفى 

فرد الرجل قائلاً بهدوء :
– مش هينفع تروح المستشفى وإلا هنروح فى س و ج وهيسألوا أنت أنضربت بالرصاصة إزاى 

أعتصر عينيه من الألم ، وأنحنى للأمام من شعوره المتزايد بتدفق دماءه :
– طب هنعمل ايه دلوقتى 

قاد الرجل السيارة مسرعاً ، وحاول طمأنته :
– متقلقش هجبلك الدكتور لحد البيت ، إحنا كنا متعودين على كده 

إسترخى عمرو بمقعده، كأنه على وشك فقدان وعيه ، فأخر ما رآه بمرآة السيارة تلك الفتاة فاقدة الوعى ، فلم يعد يرى شيئاً بعدما أسلم نفسه لتلك الهوة السوداء التى عملت على جذبه لها وأسقطته بحالة من الإغماء 

فى المنزل وبالأخص بإحدى الغرف ، التى تحولت كأنها غرفة جراحة ، كان ذلك الطبيب ، يعمل على إخراج تلك الرصاصة التى كان مستقرها بكتفه ، وأمر الرجل بإحضار أكياس الدم اللازمة لعمرو وتطابق زمرة دمه ، فتلك الغرفة خصصها أبيه سابقاً للحالات الطارئة ، إذا أصيب أحد رجاله بإحدى عمليات التسليم الغير مشروعة 

أنتهى الطبيب من إخراج الرصاصة بنجاح وقطب جرحه ، فنظر للرجل المرافق له بالغرفة قائلاً ببرود معتاد :
– أنا خلاص خرجتله الرصاصة و عملتله اللازم كله وبكرة هجى أشوفه 

أخرج الرجل من جيبة النقود وأعطاها للطبيب وأمره بالإنصراف قائلاً بتحذير وتهديد :
– أنت طبعاً عارف لو كلمة طلعت كده ولا كده مش هتعرف هيجرالك إيه يا دكتور 

وضع الطبيب النقود بجيبه وهو يبتسم بسخرية :
– ومن أمتى بتكلم دا على أساس أنها أول مرة يعنى ما ياما عملتها قبل كده من أيام شغل فواز بيه الله يرحمه سلام 

خرج الطبيب من الغرفة ، بينما كان عمرو مستلقياً على بطنه على ذاك السرير الخاص بالجراحة ، فنظر له الرجل وزفر بقلة حيلة وتركه وخرج ليرى تلك الفتاة ، فهو نسى أمرها ، بعدما جاء بسيده الجديد للمنزل وهو بتلك الحالة 

فقبل أن يرحل الطبيب ناداه :
– يا دكتور استنى فى بنت عايزك تكشف عليها قبل ما تمشى 

تبعه الطبيب لإحدى الغرف ، ليرى من تكون تلك الفتاة التى يريده منه أن يفحصها ، فوجد سهى تفتح عيناها بصعوبة وتعيد وتغلقهما ثانية ، وتحرك شفتيها كأنها تقول شيئاً بصوت هامس

فأقترب منها الطبيب وفحصها فنظر للرجل وقطب حاجبيه قائلاً بمهنية :
– دى شكلها بقالها كام يوم مبتاكلش لازم يتعلق ليها محاليل بسرعة 

أخرج من حقيبته ورقة بيضاء ودون بها كل ما يلزمه من الصيدلية ، فقال وهو يناولها للرجل :
– الحاجات دى تيجى من الصيدلية بسرعة 

أخذ منه الرجل الورقة وخرج أمر أحد الرجال الأخرين ، بأن يبتاع كل ما هو مدون بالورقة ، ويأتى به على وجه السرعة ، لم يمر وقت طويل ، حتى عاد الحارس يحمل معه كل ما طلبه الطبيب 

بدأ بتوصيل المحلول المغذى لها ، وشعرت بوخز الإبرة بيدها ، ولم تقوى على إصدار رد فعل سوى همهمات متألمة ، فلو كانت بكامل وعيها لملأت الدنيا صراخًا ، فهى تخشى وتخاف من وخز الإبر المحقنة منذ أن كانت طفلة صغيرة ، شعرت بحرق طفيف بحلقها ، وهى تحاول أن تتلفظ بأى كلمة ، فعندما يأست من إنتزاع الكلمات من حنجرتها ، أغلقت فمها وعينيها ، تاركة نفسها لحالة الإسترخاء ، التى بدأت تشعر بها من سريان مفعول المحلول المغذى بجسدها 
____________
صف سيارته بمرآب السيارات داخل القصر ، وترجل منها ، ولكن كانت هى الأسرع بفتح الباب من جانبها ، حتى لا يقترب هو ويفتحه وتراه يعاملها بقسوة وجفاء ، مثل تلك التى عاملها بها ، أثناء جعله لها تستقل السيارة ، وطأت قدميها الأرض بثبات ، خلافاً لذلك الإرتجاف الذى عصف بكيانها بأكمله ، تخشى أن تلج للداخل وترى أحد من قاطنى القصر وتستمع للتقريع والتأنيب 

أطالت الوقوف بمكانها ، حتى وجدته يهتف بها ببرود :
– هتفضلى واقفة عندك كده كتير يلا خلينا ندخل 

تبع حديثه بمد يده وقبض على رسغها وجرها خلفه ، ولجا لداخل القصر ، فرآى إيلين تركض إليه بإبتسامة سرعان ما أختفت برؤيتها لحياء تأتى خلفه 

فوزعت نظراتها بينهما وهى تقول بضيق :
– راسل أنت كنت فين ده كله 

غلت الدماء بعروق حياء بعد رؤيتها لإيلين ، فرفعت يدها تشير لها وهى تقول بنزق :
– هى بتعمل إيه دى هنا هى عايشة هنا فى القصر من دلوقتى 

عقدت إيلين ذراعيها وقالت بدلال مستفز :
– عندك مانع يعنى إن أكون عايشة هنا ما قريب أوى هيكون بيت جوزى

أطاحت إيلين بعقل حياء من تلفظها بتلك الصفة التى سيصبح عليها راسل بالنسبة لها ، فنفضت يده عنها بقسوة :
– أنا ماشية ومش هقعد هنا دقيقة واحدة 

دارت على عقبيها وهمت بالمغادرة ، فعاد راسل وأحكم قبضته على رسغها ، أمراً إياها بصوت أجش :
– راحة فين أنتى دلوقتى ، هو خلاص مبقتيش تسمعيلى كلمة

فعاد وألتفت برأسه لإيلين مستأنفاً حديثه بهدوء :
– إيلين أتفضلى روحى على أوضتك ثم أنتى عارفة أن متجوز وطبيعى حياء هتعيش معانا ، أنتوا الإتنين زى بعض ولا تحبى أعيد كلامى تانى 

ردت إيلين بخنوع :
– تمام يا حبيبى تصبح على خير 

أرتقت إيلين الدرج ، حتى وصلت لغرفتها ، فعينى حياء لم تحيد عنها ، إلا بعدما وجدتها تغلق باب تلك الغرفة التى دلفت إليها ، أتسعت طاقتى أنفها وهى تشخص ببصرها لزوجها ، وبجنون مطبق تلبسها ، حاولت الفرار من قبضة يده المحكمة حول رسغها 

 فقالت وهى تدفعه بيدها الحرة :
– سيب إيدى وخلينى أمشى 

بإفراطها فى الحركة للخلاص منه ، شعرت بأنها صارت منهكة القوى ، فى حين أنه لم يستخدم قوته كاملة للسيطرة على جنونها المفاجئ ، فزاد جنونها أكثر بتذكرها لأفعال إيلين أثناء حفل الخطبة من أمور الدلال الأنثوية 

ففجأة إنتابها دوار قوى ، وكفت عن الحركة ، ظلت تفتح عيناها وتغلقهما بشكل مستمر ، لتعيد لجسدها توازنه المفقود ، ولكن كأنه إستنفذ طاقته ، ولن يعود بالإمكان الحفاظ على ثباته 

ترنحت بوقفتها وسرعان ما أرتطم رأسها بصدره وهى فاقدة الوعى ، فتلقاها بين ذراعيه ، قبل أن تسقط أرضاً ، حملها وصعد بها الدرج حتى وصل غرفته ، فالقصر أصبح ساكناً بعد ذهاب إيلين إلى غرفتها 

ولج الغرفة ووضعها بالفراش ، وبحث عما يمكنه من جعلها تستعيد وعيها المسلوب ، فبعد أن أتى بقنينة عطره ، وهم بنثر العطر على يده ، نظر إليها نظرة مطولة ، فهى جميلة هادئة ناعمة ، تفتنه وجنتيها الحمراوتين ، ولا يراها سوى فاتنة بعينيه ، على الرغم أنه رآى من أشد منها جمالاً وفتنة ، ولكن قلبه يراها أجمل نساء الدنيا ، فتاته الصغيرة ، التى مازالت بمقتبل عمرها الزاهى ، بريئة كنسمة صباح لم تختلط بها الأنفاس فظلت طاهرة نقية ، وهو رجل عارك الحياة بحلوها ومرها ، ولكن نصيبه الأكبر منها كان المُر ، ولكن هى حلواه 

– لاء خليكى كده نايمة هادية يا حياء ، لأن وانتى صاحية بقيتى مزعجة 

تبسم على قوله ، ولا يعلم سر رغبته المجنونة ، بأن يتركها هكذا لينعم بتلك اللحظات من الهدوء ، فحالتها لا تتعدى حالة عادية من الإغماء ، التى بإمكانه كطبيب أن يجعلها تفيق منها بسرعة 

ترك الفراش وذهب لغرفة الثياب لتبديل ثيابه والعودة إليها ، ولكن هى إستعادت وعيها المسلوب وظلت تنظر حولها ، لتعلم أين كان مستقرها بعد إغماءها ، فرأته قادماً ، وسريعاً عملت على إدعاء النوم ، لتعلم ماذا سيفعل معها ؟

إستلقى بجانبها وجذبها إليه ، فسحب حجابها بهدوء ، لتنام براحة ، ولكن أنفاسها المضطربة ، أنبأته بأنها لم تكن غافية كما تدعى ، فلم يريد إفساد خطتها ، وجعلها تتوهم بأنه مازال يظن أنها غائبة عن الوعى 

بدا عاشقاً متلهفاً يحترق بنيران الهجر وهو يقول بدهاء :
– حبيبة قلبي يا حياء أه لو تعرفى أنتى وحشانى قد ايه يا حبيبتى ، كده تعملى فى جوزك وحبيبك كده وعلشان إيه ، أنا مش مصدق كلامك أنك بتقولى سبتينى علشان الفلوس بس معقولة تكونى كرهتينى ومش عايزة تعيشى معايا ، فعلشان كده عملتى الفلوس حجتك علشان تسبينى 

وجد يدها تزحف ببطئ حتى أحاطت عنقه وهى تجيبه بصوت هامس :
– أنت متتكرهش يا حبيبى ، وزى ما قولت قبل كده أنت مفيش حاجة تليق بيك غير العشق وبس 

بادلها الهمس بعتاب المحبين :
– طب طالما شيفانى كده بتعملى عمايلك دى ليه قولى اثبتيلى كلامك ده يا حياء

تلك الساعة المعلقة على الجدار ، جعلتها تعلم أن وقتها يتناقص ، فالصباح سيأتى سريعاً ، وهى لا تملك سوى سويعات قليلة ، فأرادت إغلاق باب النقاش بعبارة واحدة:
– أنت وحشتنى أوى يا حبيبى

انهارت حصونه ، وانصهر قلبه لصوتها الناعم الرقيق ، تلك الروائح الزكية التى ملأت الغرفة ، محمولة على تلك النسمات القادمة من النافذة ، تتبختر اوراق الأشجار وتتمايل بدلال بمداعبة نسمات الهواء لها ، فهى لن تنسى تلك الليلة بعمرها ، التى أمتزج بها العشق بروائح وعطور الياسمين القادمة من حديقة القصر 

صب كل ما بقلبه العاشق ، وتقبلته هى بترحيب حار ، كإثنان ضلوا الطريق ، ووجدا وجهتهما أخيراً ، سابقاً كان ينجح بجعلها تنسى ما تريد السؤال عنه ، أما الآن صارت هى تتبع ذلك المنهج ، وكلما أراد معرفة أسبابها الحقيقة لأفعالها ، تعود وتجعله ينغمس بنهر الحب ثانياً ، حتى يدركه الغرق 

ها هو يعود من جديد ، عاشقاً ، راغباً ، خاضعاً لتلك القوى السحرية والخفية التى تجذبه إليها ، فعندما يقطع عهداً بأن يذيقها ويلات قلبه ، يجد عيناها تجرده من قوته ، فيصبح عاجزاً عن أن يكمل ثأره ، فمن يراه الآن ، وهو مستلقياً وهى تتخذ من صدره متكأ لرأسها الجميل ، لم يكن يصدق أنه منذ بضع ساعات كان يرغب بحرقها حية ، ليكى ينهى ألمه برؤياها 

–راسل
همهمت بإسمه وهى مغمضة العينين ، وتحرك رأسها على صدره ، كأنها تعدل من وضعية غفوتها ، التى إستطاعت سرقتها من الزمن 

– عيونه وقلبه أنتى يا حياء
 قال همساً وهو يمرر يده على وجهها بحنان بالغ ، وملمس وجنتها يكاد يذهب بالبقية الباقية من عقله ، فقبل جبينها بحنو كأنه يخشى أن يفرط فى لمس شفتيه لمنبت شعرها ويجدها تفزع من نومها 

أرادها له وقتاً أطول ، فكأنما حرم عيناه أن تغفو أو ترف جفونه ، فظل مسهدًا بعد لقاء كان مشوقاً وعاصفاً ، فكل شئ ذهب أدراج الرياح ، منذ سقوطها فاقدة الوعى بين ذراعيه ، وكأن قلبه هو من سقط بين أضلعه ، ولكن كما يقال النوم سلطان ، إذ غرق بسبات عميق وهو يتأمل وداعتها وهى غافية بحصنه الأمين

ولكن حان وقت ذهابها ، كسندريلا التى وجدت أن تعويذتها السحرية قد أنتهى مفعولها ويجب عليها العودة لعالمها ، فحلت ذراعيه من حولها بحرص ، مما جعله يتململ برأسه على الوسادة ، فعادت تترك أثار شفتيها على وجنته ، لتوهمه أنها ستظل معه ، فحيلتها جاءت بالفائدة المنتظرة منها ، إذ رأته يبتسم وهو نائماً كطفل ادركه النعاس بعد تناوله وجبة دسمة 

بعد إستعدادها للذهاب ، نظرت للفراش وهى تقول بأسف :
– أنا أسفة يا راسل ، عارفة أن لما تقوم ومش هتلاقينى هتكرهنى ، بس لسه الحساب منتهاش ، ولسه موصلناش لأخر الطريق ، لأن مش هسيب حق أهلى يروح بالساهل ، فمتزعلش منى 

أقتربت من الفراش وركعت بجانبه ، تمعن النظر بوجهه ، فبظاهر يدها كانت تتلمس لحيته بحنان ، وعادت تمرر أناملها على أثار تلك الندوب بصدره وأكملت حديثها ووعدها بهمس :
– ولا هنسى بتارك أنت كمان يا حبيبى ، وكل لحظة وجع وألم مريت بيها لازم أجبلك حقك 

أنحنت وقبلت وجنته  ، رأته ينظر لها بنعاس باسماً ، فتبسمت بوجهه ، جذبها إليها وجعلها تستكين على صدره وعاد لنومه ثانية ، فبعد إطمئنانها أنه نائم ، أنسلت من بين ذراعيه وخرجت من الغرفة ، فالوقت مازال باكراً على إستيقاظ ساكنى القصر ، فهى يجب أن تذهب من هنا بسرعة ، ولكن معضلتها الوحيدة ، فى كيفية خروجها من بوابة القصر ، ولكن تذكرت أن الحارس يعلم بشأن أنها زوجة راسل ، وكان لها ما أرادت ، فهى الآن بالشارع بعد فتح الحارس لها البوابة الكبيرة ، أخرجت هاتفها من حقيبتها وأسرعت الخطى وهى تهاتف ديفيد ليأتى ويقلها لمنزل عمها أدريانو ، أو إذا صح قولها إلى " الجحيم" 
_______________
فاتنة ، ساحرة ، جذابة ، هكذا كان حالها تماماً بتلك اللحظة ، التى أنتهت بها من تصفيف شعرها بأحد صالونات التجميل ، التى لا يرتادها سوى صفوة نساء المجتمع المخملى ، فهى أرادت مفاجئته اليوم ، بإقامة حفل خاص بهما من أجل الإحتفال بيوم مولده ، ولكن بالحقيقة ، لن يقتصر هذا الحفل على تلك المناسبة وحسب ، بل هى لديها شئ أخر ستخبره به ، مثل ذلك التصريح ، الذى أحرق جوفها ، تريد البوح به 

 كأن قلبها لم يعد لديه متسع من تحمل تدفق تلك المشاعر به ، ويريدها أن تتقاسمها معه ، يريدها أن تزرع بقلبه شئ من تلك النيران ، التى باتت تحرقها ،حتى وإن كانت برفقته ، ولم يبخل عليها بمودته ورحمته ، التى جعلها الله بين الزوجين ، ولكنها كأنها صارت غير قنوعة بتلك الأوقات وتريد المزيد ، فهو لم يترك لها مجالاً للتفكير بشئ أخر ، فمستقلبها الذى وضعت له خطط لتحقيق ذاتها كطبيبة ، أصبح الأن ينحصر بجعل عمران يغرم بها كما أصبحت هى مغرمة به إلى حد كبير ، فمتى وكيف جعلها وهى المتمردة والأبية ومدللة عائلة النعمانى ، بأن تصير له زوجة مطيعة ؟ ولكن تتلخص إجابة كل تلك الأسئلة بأن العشق قادر على جعل القلوب تلين ، وتصير أكثر دفئاً 

عادت للمنزل فقابلت ولاء ، التى راحت تصفر إعجاباً بمظهرها الخلاب :
– واوووو إيه الجمال ده كله راحة مسابقة ملكة جمال ولا إيه 

ضحكت ميس وهى تقول بتفكه :
– لاء تقريباً راحة أعمل مصيبة فى عمران 

قهقهت ولاء على قول ميس ، ولكن أثناء ضحكها ، أنتابتها حالة قوية من الغثيان ، حاولت تمرير الأمر ، ولكن وصلت للحد الذى لم يعد بإمكانها تجاهل الأمر ،فهى تريد التقيؤ على وجه السرعة 

فركضت للمرحاض وتبعتها ميس ، فأفرغت ما بجوفها حتى أنهكها كثرة تقيؤها ، فقالت ميس بقلق :
– مالك يا ولاء فى إيه 

وضعت ولاء يدها على بطنها وقالت بألم طفيف :
– مش عارفة لقيت مرة واحدة بطنى قلبت شكلى عكيت فى الفطار 

ولكن ميس تبسمت بهدوء وقالت ببشاشة :
– أو ممكن تكونى حامل يا ولاء وولى العهد لمعتصم جاى فى السكة 

إبتسمت ولاء إبتسامة أقرب للبلاهة وقالت بحالمية:
– معقولة أجيب بيبى لمعتصم ويبقى فى شبه منه دا مش بعيد يسميه قيصر بتاع كيلوباترا ده 

هز ميس رأسها بحركات متتابعة وهى تبتسم على قول ولاء ، فنصحتها بالذهاب لطبيبة نسائية ، أو إجراء إختبار حمل منزلى للتأكد من الأمر ، صعدت للغرفة وهى تمنى نفسها بلية عشق أخرى تقضيها برفقة زوجها ، وتتمنى لو يأتى يوماً وتخبره أنها تحمل بأحشاءها طفلاً منه 

نظرت بساعة معصمها الثمينة ، وجدت الوقت مازال باكراً لعودته ، ففكرت بالذهاب لمنزل جدها ، لرؤية عائلتها وتستأنس بالحديث معهم لحين عودة زوجها 

وصلت ميس لمنزل جدها ، وولجت وجدت المنزل بحالة من الهرج والمرج ، فانتفض قلبها رعباً خشية أن يكون أصاب جدها مكروه 

فركضت حيت إجتماعهم وهى تصيح بتساؤل :
– فى إيه مالكم جدو مالك 

نظر لها رياض ولا يعرف ماذا يبرر لها تلك الحالة من الفوضى والصياح التى تسبب بها عمها راسل ، رفع عصاه يشير لراسل قائلاً بقلة حيلة:
– عمك من ساعة ما قام من النوم عمال يزعق ومبهدل الدنيا حتى مش فاهمين البيه المحترم بيعمل ليه كده 

نفخ راسل بضيق فقال صارخاً بهم :
– محدش ليه دعوة بيه فاهمين 

إستقام رياض بوقفته وأقترب منه ، فدفعه بطرف عصاه بقوة ، حتى سقط راسل جالساً على المقعد خلفه ، دب رياض الأرض بعصاه عدة مرات قبل أن يقول برصانة :
– طالما عايزنا ملناش دعوة بيك واجع دماغنا ليه بزعيق وصوتك اللى تقريباً الناس فى الشارع برا القصر سمعوه ، وأوضتك اللى بهدلتها وعامل زى التور الهايج ومش عارفين نلمك 

إستاء راسل من نعت أبيه له ، ولكنه التزم الصمت ، فإيلين هى من أرادت إخبار الجميع عن سبب إهتياجه الغير معتاد ، فقالت بهدوء :
– ممكن علشان كانت حياء معاه وسابته ومشيت 

إلتفت لها رياض عاقداً حاجبيه الأشيبين متسائلاً:
– وهى حياء جت هنا أمتى ؟

أجابته إيلين وهى تنظر لراسل بحذر :
– رجعت مع راسل إمبارح باليل وبعد كده مشوفتهاش ، فقولت جايز تعصيبه بسبب كده 

عند هذا الحد ، وأنفجر راسل بحديثه الحاد:
– إستغفلتنى زى العادة ، رجعت معايا وقومت من نومى ملقتهاش ، كلكم قولتولى محدش يخلى الواحدة تغير على جوزها غير لما تشوف واحدة غيرها هتاخده ، وعملنا كلنا مع بعض تمثلية الخطوبة علشان نعرف هى ليه بتعمل كده ، او ليه قاعدة فى بيت أدريانو إسكندر حتى لو بنته شريكتها فى الشغل بتاعها ، حتى لو إفتراض غزل صح وأنها ممكن تكون بنت أخو ادريانو ، ليه مخبية وانت قولت أن أدريانو وأخوه كانوا أصحاب وجدى ، هى مثلاً خايفة تقولى أن أهلها يهود ، طب أنا مالى بده كله المهم هى عندى ، لكن إزاى المدام شكلها بقت مبسوطة بعمايلها وأنها عملانى فى إيدها زى اللعبة 

– يعنى أنت معرفتش تخليها تقولك اى حاجة خالص يا راسل
 قالت غزل ونظرت إليه بحيرة ، فهى بعد أن إستطاعت تجميع بعض الخيوط ببعضها ، وأخبرتهم بشكوكها بأن ربما حياء إبنة دانيال مستندة بذلك لتلك الشامة ، وإخبار رياض لهم بأن تحيا بتلك الاونة بمنزل أدريانو إسكندر ، أرادوا جعلها تبوح بسر إخفاءها الأمر عنهم ، فأفتعلوا أمر تلك الخطبة المزيفة 

 قال راسل وهو يجز على أنيابه بغيظ :
– معرفتش أخد منها حق ولا باطل 

فبعد مقابلة راسل لها وعلمه بعودتها للإسكندرية ، لم يكن يمرر الأمر مرور الكرام ، فبعد أن صرف غضبه الذى كان يعميه ، أخبر والده بأن يجعل رجاله يتتبعوها لمعرفة أين تسكن حالياً بعد علمه أنها لم تعود لشقتها أو لمربيتها 

ولكن كبرياءه الثائر جعله يستأنف حديثه بتصميم :
– بس طالما هى بتعمل كده يبقى خلاص والخطوبة المزيفة هتبقى حقيقية وهتجوز إيلين وكمان هخليها ترجع البيت هنا غصب عنها الظاهر الأدب والذوق مش نافع معها يبقى مفيش مانع أوريها قلة أدبى 

حدق به الجميع بفم مفتوح خاصة إيلين ، فهى لم تبخل بمساعدته ، حين أخبرها بشأن ما يحدث ، على الرغم من شعورها بالحزن ، بأن قلبه أصبحت تملكه أخرى ، فهى لم تنسى أيام طفولتهما ، ولم تنسى دلاله لها ومحاولات إسترضاءه لها عندما كان تنتابها حالة من الحزن أو الضيق ، فهو صديق طفولتها ، الذى وضعته بمكانه لا يستطيع أحد غيره أخذها ، فلم سمحت لقلبها بأن يشعر بتلك السعادة وهو يعلنها صريحة بأنها سيتزوجها حقاً ولن يقتصر الأمر على مجرد خدعة الخطبة ،
بعد إنتهاء جلستها بمنزل جدها ، عادت لمنزل زوجها ، فما كادت تطأ غرفة نومها ، حتى وجدته يتبعها ويطوقها بذراعيه هامساً بأذنها :
– كنتى فين يا ماسة 

تبسم ثغرها الفاتن وردت قائلة بشوق مختلج بصوتها :
– كنت فى بيت جدو ولسه راجعة طب لما رجعت مرنيتش عليها ليه 

أطلق سراحها فإستدارت إليه ، فداعب أطراف شعرها :
– أنا لسه راجع دلوقتى وشوفتك وأنتى داخلة البيت وطلعت وراكى 

أقتربت منه ووضعت ذراعيها حول عنقه وهمست قائلة بحب :
– كل سنة وأنت طيب يا حبيبى 

نفض رأسه وظن أنه إستمع لتلك الكلمة بالخطأ ، فحدق بها قائلاً بدهشة :
– حبيبى ! ميس أنتى قولتى الكلمة دى بجد 

هزت رأسها بالإيجاب وأعادتها على مسامعه ثانية :
– أيوة قولتها يا حبيبى لأنك بقيت فعلاً حبيبى 

عناق أبلغ من أى كلمات ستقال بتلك اللحظة ، فراح يردد على مسامعها عبارات الحب والغزل ، فوجدتها فرصة سانحة من أن يفتح لها قلبه ويخبرها بكل ما تريد معرفته 

وضعت رأسها على كتفه وغمغمت بخفوت :
– قولى بقى ليه بتقولى يا ماسة وإيه حكاية أنك تعرفنى من وأنا صغيرة 

لم يجد مفر من إخبارها بالحقيقة كاملة ، فأخذها من يدها وأجلسها على طرف الفراش ، بينما ركع هو أمامها على إحدى ركبتيه قائلاً بهدوء ، ولكنه يخشى أن تثور بعد علمها بأمر حقيقة زواجه منها :
– أنا عيلتى وعيلتك من زمان أصحاب وقرايب وباباكى ووالدى كانوا أعز أصحاب وأنا من ساعة ما شوفتك بعد ما أتولدتى وقالوا إسمك ميس قولتلهم لاء دى ماسة وهتبقى بتاعتى ، بس زمان غزل وأنا ومعتصم سافرنا اليونان ولما رجعنا وشوفتك أول مرة فى المطعم وعرفتى إنتى مين قلبى رجع يدق تانى بس المرة دى مكانش حب طفل لطفلة ، لاء دا حب راجل لبنت ، عرفت أنك كنتى عايزة تتجوزى اللى إسمه نادر ده فبوظت الجوازة علشان أتجوزك أنا ومحدش تانى ياخدك منى 

لم يقوى على إخبارها الحقيقة كاملة ، فأكتفى بذكر حبه لها وأنه السبب الأساسى ، الذى دفعه ليتزوجها ، فهو لا يريد إفساد سعادتهما بأن يخبرها أنه أرادها من أجل الإنتقام من عائلتها 

أرادت إتمام الليلة مثلما رسمتها بمخيلتها ، فالأن لا يوجد ما يمنعها من إظهار حبها له ، خاصة بعد إعترافه هو الأخر بحقيقة حبه لها منذ نعومة أظافرها ، فكانت ليلتهما عامرة بخفقات القلوب المشتاقة ، وتلاوة العديد من العهود والنذور ، التى أقسم كل منهما أن يبر ويفى بها ، خاصة ذلك العهد الذى أخذه عليها بعدم تركها له حتى وإن إشتد عواصف ورياح الشدائد ، التى يعلم بأنها لابد ستمر بحياتهما 
_____________
عاد للبيت مخمور ، تفوح منه رائحة الخمر والنساء ، فلو أقترب أحد منه سيتقيأ لا محالة ، فتلك الروائح التى تفوح منه تثير الغثيان ، ولكن لم يقتصر الأمر على رائحته وحسب ، بل تلك المرأة التى جلبها معه وتسير بجواره تترنح بمشيتها من آثر الخمور ، يبدو عليها أنها ستساهم بإتمام ليلته الماجنة ، فلم يكتفى بأن يكون سكير ولكنه عربيد وماجن 

جلجلت ضحكة خرجت من فم المرأة وهى تراه على وشك السقوط ، فوضع ديفيد يده على فمه قائلاً بتحذير :
– هششش أسكتى ووطى صوتك لحد من البيت يصحى 

وضعت المرأة يدها على فمها ، وحركت رأسها الثقيل مراراً ، تعبيراً عن كونها ستسمع لقوله ، فجذبها من يدها ، وصعدا الدرج بحذر ، فعلى الرغم من أن عمه لا يمانع أفعاله ، بل أحياناً كثيرة يشجعه عليها ، بأن يجلب له النساء حتى باب غرفته 

غمغم بإرتباك وعيناه تدور بكل مكان :
– اتمنى تكون حياء وبيرى ناموا وإلا حياء مش هتسكت

 فشقيقته الصغرى لن تمرر له الأمر ، وهى من صارت تتابع تصرفاته عن قرب وتأمره بفعل هذا وترك هذا ، ويتركها تفعل ما تفعله من أجل أن تظل تحيا برفقته ، حتى عندما ترجته أن تعود لشقتها القديمة لتقيم بها بشكل مؤقت لحين عودة أدريانو من سفره ، فهى لم تتحمل البقاء هناك ، لذلك عادت لذلك الحى الفقير تصطحبه معها هو وبيرى ، التى فرحت كثيراً بتركها المنزل هى الأخرى  ، فهو لن يتركها تعود لزوجها بشكل نهائى ، وينسى ثأره من تلك العائلة بسهولة 

فتح الباب بالمفتاح الذى حصل عليه من حياء ، من أجل دخوله وخروجه بدون أن يسبب إزعاجها هى أو بيرى ، فوجد الصالة غارقة بالظلام و السكون يغلف المكان 

ففرك يديه بحماس وهو يهمس للمرأة :
– شكلهم ناموا تعالى معايا 

ولجا لتلك الغرفة التى يسكنها بتلك الشقة ، وأوصد الباب عليهما ، وما كاد يخلع عنه قميصه ، حتى وجد حياء تقتحم الغرفة وهى تصيح بصوت عالى :
– إيه اللى أنت بتعمله ده يا ديفيد جاى ت ن ج س البيت الطاهر كاتك القرف برا خدها واخرج براااااااا

ضيقت المرأة عيناها ونظرت لحياء بتشويش وقالت وهى تترنح بوقفتها :
– هى تبقى مين دى أنت متجوز ولا إيه 

إبتسم ديفيد ببلاهة قائلاً وهو يشير لحياء :
– لاء دى مش مراتى دى أختى بس تقدرى تقولى أنها مرات أبويا اللى مش مهنيانى على حاجة ، وواقفة ليا على الواحدة 

جذبته حياء من ذراعه حتى إستقام بوقفته ، فدفعته وحثته على الخروج من الغرفة وهى تقول بإنزعاج :
– أتفضل خدها وأخرج برا الشقة يا ديفيد فاهمنى 

تثائب ديفيد وأخرج من جيبه نقود وناولها لحياء قائلاً :
– خدى الفلوس دى حاسبيها علشان عايز أنام 

أرتمى بالفعل على الفراش ، وتركها واقفة تنظر للمرأة ،التى مازالت تترنح بوقفتها ، فوضعت النقود بيدها وسحبتها خلفها حتى وصلت لباب الشقة

هتفت بها حياء بضيق من تلك الأفعال المشينة التى تفعلها :
– يلا أتفضلى روحى بيتكم وربنا يهديكى ويصلح حالك 

خرجت المرأة وظلت حياء واقفة بأعلى الدرج لتضمن خروجها نهائياً من المبنى ، فعادت وولجت الشقة ودلفت لتلك الغرفة التى تتقاسمها مع بيرى 

قالت بيرى وهى تجلس بالفراش :
– هو فى إيه ديفيد ماله 

ردت حياء ودماءها تغلى بعروقها :
– جايب واحدة معاه عامل فيها شهريار وجايب ستات البيت مش كفاية القرف اللى شاربه لاء جايبها يتم بيها ليلته المقرفة وأنا اللى أفتكرته محترم 

رفعت بيرى يدها وكممت فمها لتكتم صوت ضحكتها على قول حياء ، فقالت بضحكة صاخبة :
– ديفيد محترم ! دا هو والسفالة أخوات توينز كده ، أنا كنت مستغربة أن الكام يوم اللى فاتوا كان مؤدب ومبيعملش عمايله دى

فغرت حياء فاها من قول بيرى ، فكل يوم تكتشف أمر جديد يخص تلك العائلة ،التى من المفترض أنها عائلتها ، فيبدو أن شقيقها بحاجة لمعجزة إلهية لتقويم سلوكه 

ولكن نفضت كل هذا عن ذهنها ، وأوت للفراش تفكر بحال راسل بعد تركها له ، فكم تمنى لو يأتى سعياً للبحث عنها ، فهى إشتاقته أكثر من ذى قبل ، وكأن تلك الليلة ماهى إلا وقود زاد من لهيب شوقها وحنينها إليه 

إتسعت إبتسامتها وهى تتذكر تفاصيل تلك الليلة الحالمة ، فهمست بإسمه وهى تغلق عيناها لتستدعيه بأحلامها ، فمرت ساعات الليل مسرعة وحل الصباح بنوره ، الذى ملأ الدنيا ضياءاً 

يوم جميل ومناسب للذهاب للشاطئ ، فاليوم ليس لديها ما يمنعها من قضاء يومها برفقة بيرى على أحد الشواطئ ولتسبح قليلاً ، علها تلقى بهموها بالبحر وتجرفها الأمواج بعيداً

بعد إنتهاءها من وضع كل ما سيحتاجونه بالحقيبة ، ناداها ديفيد قائلاً بإعتذار :
– حياء أنا أسف على اللى حصل إمبارح أوعدك مش هتتكرر هنا تانى

– ولا فى أى مكان يا ديفيد
قالت حياء وعقدت ذراعيها بتصميم ، فمنذ اليوم لن تتركه بحاله ، حتى يتخلص من تلك العادات السيئة

سمعوا صوت جرس الباب ، ففتحت بيرى ورأت رجل يقف على الباب ، فنظر لها قائلاً بفتور :
– أنتى السيدة حياء عرفان الطيب

سمعت حياء إسمها فأقترب بخطاها منهما وتساءلت :
– أنا حياء مين حضرتك وعايز إيه 

نظر الرجل بعدة أوراق بيده وعاد ينظر إليها قائلاً بلهجة رسمية :
– لو أنتى السيدة حياء عرفان الطيب زوجة السيد راسل رياض النعمانى ، فأنا جاى علشان أخدك لبيت جوزك هو طالبك فى بيت الطاعة 


٤١–" عائدة إلى عرينه "

ألزمها وقت كافِ لتعى دلالة تلك الجملة ، التى تفوه بها هذا الرجل بتعبير جاف ، كأن لا يعنيه إذا وافقت أو أبدت إعتراضها على قوله ، فلا يهمه سوى أن يخبرها بما لديه وينتهى الأمر سريعاً ، ودلائل نفاذ صبره ، برزت جلية بزفراته الخانقة ، ولم يزداد الأمر سوءًا ، إلا بتدخل ديفيد وصياحه بوجهه ، على الرغم من أنه لم يعى ما معنى قوله ، ولكن ما أطاح بصوابه ، هو أنه علم أن شقيقته لابد لها من الذهاب لمنزل زوجها سواء شاءت بذلك أم أبت 

فراسل لم يمهلها فرصة لرفض القرار ، على الرغم من كونها لابد من أنها تاخذ وقتها كاملاً ، قبل موافقتها أو إعتراضها ، بأن يرسل لها بالبدء إنذاراً ، ولكن إستطاع زوجها ونفوذ والده ، بأن يجعل الأمر كأنه تم إنذارها من قبل ، وحان وقت التنفيذ للحكم الصادر بحقها 

أزدردت حياء لعابها بصعوبة بالغة فتلعثمت حروفها:
– ببيت الطاعة إززاى يعنى ، أنا معرفش حاجة عن الموضوع مش المفروض يكون فى إنذار الأول ويا أقبل تنفيذ القرار أو أشوف وضعى القانونى إيه 

ضم الرجل كفيه قائلاً بنفاذ صبر :
– يا مدام الورق اللى معايا بيقول أن لازم تنفذى حكم الطاعة ، وأن تم أخطارك بالانذار وانتى منفذتيش ، الورق اللى معايا بيقول كده 

إستطاع ديفيد تخليص ذراعه من يدى بيرى القابضتان عليه بحزم ، حتى لا يزداد تهوره ، فأمسك الرجل من تلابيب ثيابه صارخاً بوجهه:
– أنت بتقول إيه أنت وإنذار إيه هى لا إستلمت حاجة ولا تعرف حاجة عن الموضوع ، الورق ده كله مزور وهوديكم فى ستين داهية 

نفض الرجل يد ديفيد عنه ، ورفع سبابته يشير له بتهديد:
– اللى أنت عملته ده تعدى على موظف أثناء تأدية وظيفته وأنا ممكن أوديك فى ستين داهية فاهم 

تأهب ديفيد لبدء عراك مع الرجل ، مستخدماً لياقته البدنية ، إلا أن حياء حالت بين وقوع الأمر ، بأن صاحت بوجه شقيقها :
– ديفيد إسكت بقى خلينا نفهم اللى بيحصل ، حضرتك أتفضل أتدخل على ما أحضر شنطتى ، وأنتى يا بيرى معلش أعمليله حاجة يشربها 

لان الرجل للطف حياء ، ودلف الشقة وعيناه لا تنفك عن إرسال النظرات الكارهة لديفيد :
– شكراً يا مدام بس ياريت حضرتك تخلصى بسرعة 

أماءت حياء برأسها ، وذهبت لغرفتها ، سحبت حقيبة ثيابها وبدأت بلم أغراضها وثيابها ، وهى تفكر لما أقدم زوجها على فعل ذلك ، فكل شئ صار على المحك الأن ، ولكن هذا هو زوجها ، إن لم يفعل ما يطرأ على رأسه لن يكون مسماه " راسل "

ولكن على الرغم من أن وسيلته لإعادتها لمنزله بها شئ من السخافة وربما الإهانة ، إلا أن قلبها إزداد معدل خفقانه ، لعلمها أن بعد دقائق ستراه ثانية ، بعد تلك الليلة الساحرة ، التى مازال عبق عشقها عالقاً بقلبها وعقلها 

وضعت أخر قطعة من ثيابها ، وأغلقت سحاب الحقيبة ، ولكن وجدت ديفيد يقتحم الغرفة دون أن يطرق الباب ، مما أدى لإفزاعها ، وهو يلج الغرفة كالإعصار صائحاً بصوت غليظ :
– أنتى راحة فين يا حياء هتروحى بيت جوزك بجد 

أنزلت حياء الحقيبة أرضاً ، وهى تقول بقلة حيلة:
– دا حكم قانونى ولازم أنفذه يا ديفيد ، لأن شكلنا إستفزينا راسل بما فيه الكفاية دا جوزى وأنا عرفاه ، ودلوقتى كمان عايش مع باباه وأكيد سمعت عن نفوذ وسلطة رياض النعمانى ، ولو أنا ما سمعتش الكلام كل حاجة هتنكشف ومش ضامنة ردود الأفعال هتبقى إيه ، بس اللى متأكدة منه أن هيبقى فى بحور دم ، وأتخيل أنت لو راسل عرف أنك أنت كنت بتعذبه فى إيطاليا ، دا مجرد السيرة بس كانت بتخليه فى قمة عصبيته ونرفزته ، ومتنساش أنك أخويا وهو جوزى وأنا مش عايزة أبقى واقفة بين نارين فسيبنى أروح وأحل الموضوع معاه

تركها حتى أنتهت من حديثها كاملاً ، ولم يشأ مقاطعتها ، فهو أراد معرفة رد فعلها عما يحدث ، وجاءت النتيجة مثلما فكر بها ، فالسعادة المتألقة بعينى شقيقته ، دليلاً واضحاً على أنها تريد الذهاب لمنزل زوجها من أجل أن تعيش بجوار من تحب بالمقام الأول ، فتلك الترهات التى قالتها ، لم تكن مقنعة له على الإطلاق 

إلا أنه بدا قنوعاً بقولها وهو يومئ برأسه قائلاً بهدوء :
– ماشى يا حياء أعملى اللى شيفاه صح وأنا هشوف محامى وأحل الموضوع 

خرجت منها صيحة محتجة ، جعلتها تدرك رعونة إندفاعها ، فعادت تبرر رفضها وهى تقول بإرتباك :
– لاء خلينى أنا أحل معاه الموضوع بشكل ودى ، علشان متحصلش مشاكل أكبر 

ثغره الملتوى بإبتسامة العالم بحقيقة الأمور ، أضفت عليه مظهراً شيطانياً ساخراً:
– أمم مشاكل أكبر ! على العموم عمى أدريانو لما يرجع أكيد هيعرف يحل الموضوع ببساطة 

ذكره لإسم عمها كان كافياً لبث الرعب بقلبها ، فديفيد متمرساً بذلك الأمر ، عندما يجدها تحيد عن ذلك الطريق الذى رسمه لها ، فكأن إسم أدريانو صار يرتبط بشعور الخوف والرهبة لديها 

إلا أنها حاولت إخفاء كل ما يعتريها ، خلف إبتسامة هادئة ، كأنها غير عابئة بما قاله :
– ماهو لو إنت يا ديفيد محاولتش تلم الموضوع وتفهم عمك أن لازم أعمل كده ، هتبقى الأيام الجاية سواد على الكل ، راسل بقى مجروح منى وعلى أخره ، يعنى هو مستنى هفوة منى كمان ومش بعيد يطربق الدنيا ، وراسل لما بيتعصب مبيشوفش قدامه ، أسألنى أنا على عصبيته 

رفع ديفيد حاجبه قائلاً بسخرية :
– وهو أنتى مش خايفة من عصبيته دى المفروض أنتى أول واحدة تخاف 

مالت حياء بجزعها العلوى لتجر الحقيبة ، فتبسم ثغرها بإبتسامة وهى تقول بثقة :
– ماهى كانت عصبيته ونرفزته بس معايا بيقى الموضوع مختلف علشان كده بقولك سيبنى أحل الموضوع وأنت لما عمك يرجع حاول تهديه على ما أشوف هعمل إيه 

جرت الحقيبة خلفها وخرجت من الغرفة للصالة ، بينما ركل ديفيد الباب بقوة كأنه على وشك كسره ، فاللعبة تغيرت قواعدها ، ولن يعود بإمكانه أن يديرها كيفما يشاء 

وضع الرجل كوب المشروب المرطب من يده بعد رؤيته لحياء قادمة إليه ، فنهض قائلاً برسمية ومهنية :
– يلا بينا يا مدام 

تلمست حياء يد بيرى وقالت بحنان :
– خلى بالك من نفسك يا بيرى والأفضل ترجعى بيت باباكى دلوقتى 

أحتضنتها بيرى وهمست بأذنها بمكر :
– تصدقى دى أحسن حاجة عملها جوزك ولو أنى مش فاهمة يعنى إيه القانون ده ، المهم أنك تروحيله ، ياريت أنا كمان أشوف حبيبى من تانى 

ربتت حياء على ظهرها وهى تهمس الأخرى :
– إن شاء الله تقابليه يا بيرى هبقى أكلمك على التليفون

لم يظهر لها ديفيد نيته بوداعها ، فملامح وجهه المكفهرة ، جعلتها تفضل الإنسحاب من مشادة أخرى ، ربما سيكون عواقبها وخيمة ، ولكن أرسلت له بعض النظرات الوديعة من عينيها ، جعلته يشيح بوجهه عنها ، حتى لا يجد نفسه يعترض طريقها ولا يجعلها تذهب 

طوال طريقها من الشقة لقصر النعمانى ، كانت تفكر بإستقبال عائلة زوجها لها ، فكيف سيكون شعورهم حيالها بعد ما فعلته بزوجها ، وربما الآن صاروا يعلمون بشأن تلك الليلة التى قضتها برفقة زوجها بالقصر وذهابها قبيل الفجر قبل أن يراها أحد منهم ، ولكن كل هذا بكفة ورد فعل زوجها لرؤيتها بكفة أخرى ، لم تستبعد من تخيلاتها ، أنه سيعمل على سحق عظامها لفعلتها ، فأن تكون معه وتجعله يقضى ليلة كتلك واهمة إياه بوعود وعهود لم تفى بأحد منها ، فذلك أدعى لأن يصب عليها جام غضبه ونقمه

لم تخرج من تلك الحالة من الشرود ، إلا بعد علمها أنها الآن داخل القصر ، ولن تمر ثوانى معدودة حتى ترى ساكنيه وبالأخص فارسها المغوار ، الذى إن مرر لها أفعالها السابقة ، لم يمرر لها فعلتها الأخيرة 

– إسترها يارب
قالتها حياء همساً وهى تلج للداخل ، فبأعلى الدرج وأمام غرفته كان مائلاً بجزعه العلوى ، على السياج الخشبى ، فمن مكانه إستطاع رؤيتها بوضوح وهى تلج للقصر ، وتجر خلفها حقيبة ثيابها ،ومن خلفها يأتى ذلك الرجل المكلف بإصطحابها من شقتها حتى منزل الزوجية ، المفترض أن تنفذ به حكم الطاعة الصادر بحقها من جانب زوجها 

تشابك كفيه ببعضهما وهو يصدح بصوته الساخر :
– أهلا وسهلا يا مدام راسل شرفتى ونورتى البيت 

صمت وعاد شهق بأسف مستأنفاً:
– أووه قصدى بيت الطاعة 

لولا تلك العيون التى ترصدها ، لكانت أرتقت الدرج الآن وتشاجرت معه ، ولكن حاولت الحفاظ على تهذيبها قدر إمكانها وهى تجارى سخريته :
– قصدك قصر الطاعة ، لو كل بيوت الطاعة كده ، كان زمان كل الستات طلبت أن أجوازهم يطلبوهم فى بيت الطاعة 

تركت الحقيبة من يدها وعقدت ذراعيها أمام صدرها بتحدى ، فكم يهوى هو النزول إليها وتحطيم عظامها ، بقولها ووقفتها المتحدية ، جعلت أكثر تركيزاً على إختيار العقاب الملائم 

– علشان تعرفى مقامك عندى يا مدام حياء
قالها راسل وهو يهبط الدرج بتؤدة ، ولا تعلم سر تلك الرهبة ، التى جعلتها تجفل ،وهى تراه يهبط الدرج كالمارد أو أسد خرج من عرينه للصيد ، وستكون هى فريسته ، التى حاولت الهرب منه ، لتجد نفسها بالنهاية بوسط عرينه ، وربما تخرج ممزقة المشاعر برؤيتها لأنثى أخرى ستشاركها به 

فما أتت على ذكر تلك التى ستجعلها تقبض بيدها على النجوم ، ولا تجعلها تقربه ، حتى وجدتها تلج وهى تحمل سجود ، التى صرخت فرحاً برؤية حياء وجعلتها تفلتها 

– مااااامى جيتى من السفر 
قالت سجود ورفعت ذراعيها لتحملها ، فرفعتها حياء بين ذراعيها وهى تقبل وجنتها وعيناها تتمعن النظرات بوجه إيلين 

فقالت حياء بإبتسامة ماكرة :
– أه يا روحى رجعت علشان كل واحد يلزم مكانه ويعرف مقامه

راقبت حياء بوضوح تغير ملامح وجه إيلين وإتساع طاقتى أنفها وأنقباضها دلالة على أنها تشعر بالضيق والغيظ الشديد ، فبعد أن أنهى زوجها الأمر مع الرجل الذى إصطحبها إليه ، وخرج بعد أن أدى مهمته 

وجدته يقف بجوار إيلين قائلاً ببرود :
– فعلاً صدقتى فى كلامك يا حياء 

فأهدى إحدى إبتساماته الجذابة لإيلين وأكمل حديثه :
– إيلين يلا جهزى نفسك علشان نخرج ربع ساعة وهكون مستنيكى فى عربيتى 

بادلته إيلين الإبتسام وهى تقول بحماس شديد:
– أوك يا حبيبى ثوانى وأكون جاهزة 

كل هذا يحدث على مرئ ومسمع من رياض ووفاء وسوزانا وغزل وعاصم ، فجميعهم جالسون كأنهم يشاهدون عرض مسرحى لرجل ونساءه ، ولا أحد منهم يبدو أن بنيته التدخل بالأمر

ولكن خرج رياض عن صمته وهو يقول برصانة :
– خد مراتك الأول وصلها الأوضة قبل ما تخرج يا راسل 

رفع يده يشير لها بأن تسبقه فى إرتقاء الدرج ، فحملت الصغيرة وصعدت أمامه بهدوء كاد يطيح بعقله ، وصلت أمام غرفته وقبل أن تدير مقبض الباب وجدته قائلاً بتساؤل :
– أنتى راحة فين

إلتفتت إليه برأسها وهى تقول :
– هكون راحة فين يعنى داخلة الأوضة مش هقعد معاك فى أوضتك 

تشدق بضحكته الساخرة قائلاً:
– ومين قالك أنك هتقعدى معايا فى أوضتى ، تعالى ورايا وأنتى يا سيجو روحى لأنا وفاء خليها تلبسك هدومك علشان تيجى معايا يا روحى هوديكى الملاهى 

أطاعت الصغيرة أمره ، بينما تبعته حياء لغرفة أخرى تبعد كثيراً عن غرفته ، ففتح الباب ودعاها للدخول ، تجولت بعيناها فى الغرفة فهى لم تطأها من قبل ، ولكنها غرفة مرتبة ونظيفة بها كل وسائل الراحة والرفاهية 
 بعد أن أنتهت من التجول بعينيها فى أرجاء الغرفة ، عادت ونظرت إليه من جديد ، وجدته يمعن النظر بها بشرار يتطاير من سوداوتيه ، ولم يكتفى بذلك بل أغلق الباب وعاد إليها ، كأنه لا يريد أن يستمع أحد للحوار الذى سيدور بينهما ،فعلى الرغم من شعوره بالضيق منها ، إلا أنه لن يجعل أحد يتطلع على حياتهما الشخصية 

أنتظرت خطوته التالية ، ولكنه أكتفى بالوقوف على مقربة منها دون المحاولة منه بالإقتراب أكثر أو أن يلمسها ، فأصبح الصمت ثقيلاً وجو الغرفة خانقاً على الرغم من تيار الهواء المنعش القادم من النافذة 

سأمت من وضعهما الصامت فبادرت بسؤالها :
– هو أنت بتبصلى كده ليه ؟ وليه جبتنى هنا ومخلتنيش قعدت معاك فى أوضتك ؟

كأنه كان بإنتظارها أن تفتح فمها وتقول أى كلمة ، ليكون لديه الحجة الكافية لينزل بها عقابه الذى بدأ بهدير صوته الناقم :
– وعايزة تقعدى معايا فى أوضتى ليه ، علشان تكملى عمايلك وتبقى فخورة أوى بنفسك وأنتى بتضحكى عليا 

لم يكتفى بصياحه ، فقبضتاه الممسكتان بذراعيها ، كأنهما على وشك كسر عظامها ، جعلتها تجفل من شعورها بالألم وهو يكمل حديثه:
– بقى تكونى معايا وفى حضنى وأنتى مخططة أنك تسبينى وتمشى أستغفلتينى وإستغليتى ضعفى من ناحيتك وعملتى عملتك ومشيتى وكأن اللى سبتيه ده ملوش لازمة ولا أى قيمة غير أنك تلعبى بمشاعره كل شوية ، هى مشاعرى ملهاش تمن عندك للدرجة دى ، متخيلتيش إحساسى لما أقوم من نومى وأدور عليكى ألاقيكى مشيتى 

دمعت عيناها من شعورها بالألم وقالت برجاء :
– راسل أنتى قربت تكسر دراعى حرام عليك 

ضغط أكثر بأصابعه على ذراعيها ، جاعلاً شعورها بالألم مضاعفاً ، فجز على أنيابه قائلاً بدون إكتراث :
– ده ميجيش حاجة جمب اللى لسه هعمله فيكى يا حياء لأن أنتى اللى وصلتى علاقتنا لكده 

تركهابجفاء فرفعت يديها تدلك ذراعيها ، وعيناها تتحداه أن يكون صادقاً بتنفيذ قوله ، فضمت شفتيها وعادت تنفرجان بشبح إبتسامة وهى تقول بتحدى سافر :
– حبيبى مش هتقدر تعمل فيا حاجة لأن عارفة أنك بتحبنى صح 

أرادت ختام حديثها وإثبات صحة قولها ، وأن تجعله يدرك حقيقة الأمر بينهما ، بأن وقفت على أطراف أصابعها وأشرأبت بعنقها ولفت ذراعيها حول عنقه ، ودعته بدهاء لإحدى جولات العناق ، فلم تحسب حساباً لأن يدير الدفة لصالحه وأن يجعل السحر ينقلب على الساحر ، فمن ظنته سيخوض العناق ويجعلها تشعر بمدى سيطرتها على قلبه ووجدانه ، جعلها هى من تتلهف لأن يهبها العناق

فأحكم سيطرته على مشاعرها الثائرة ، وجعلها تتلمس منه الحنان والدفء ، فتمرغت بوجهها فى كتفه وصدره ، كهرة صغيرة وديعة ، تريد من صاحبها أن يلاطفها 

فهمس بأذنها قائلاً بدفء:
– وحشتك ؟

هزت رأسها مراراً قائلة بلهفة وشوق:
– أوى أوى يا حبيبى 

رفعت وجهها إليه وأغمضت عينيها ، فضربت أنفاسه وجهها تكاد تحرق بشرتها البضة ، ولم يعد يفصلهما سوى إنش واحد ، فسمعته يقول بصوت كالصقيع :
– بس أنتى مش وحشانى يا حياء ، وأنا دلوقتى خارج مع سجود وإيلين ، فياريت أرجع ألاقيكى ملتزمة بأوضتك ومكانك

تركها فجأة ، ففتحت عيناها على الفور ، وجدته يبتعد عنها قبل أن يكمل العناق بينهما ، بل بدا متفاخراً بصده لها ، وجعلها تشعر بتلك الإهانة التى سبق وأذاقته منها ، خرج من الغرفة وسمعت صوت إدارة المفتاح بمقبض الباب ، ويبدو أنه سيجعلها سجينة غرفتها ، فإجتاحها شعور عارم بالسخط ، وهى تفكر بمعنى قوله أن سيتركها ويذهب مع أخرى ويصطحب الصغيرة معهما ، فهى لن تجعل أحد يشاركها به أو بالصغيرة مهما كلفها الأمر فهما عائدان لها بالأساس 
_____________
أنتظرها لما يقرب من النصف ساعة خارج إستديو التصوير الفوتوغرافي الخاص بها ، يحدوه الأمل بأن تنتهى سريعاً ، ليخبرها بما لديه ، قبل أن يفقد شجاعته ، التى حاول غرسها بنفسه الضعيفة المتعلقة بآمال زائفة ، يود لو يبرأ منها بالقريب العاجل ، ففى البداية كان ينتظرها بغرفة جانبية صغيرة ، ولكن عندما أصابه السأم والملل من الإنتظار ، قرر الخروج من الإستديو ليستنشق بعض الهواء ، لحين إنتهاءها ، ظل يراقب مرور السيارات وقراءة اللافتات المعلقة على البنايات السكنية ، تخص أطباء أو مهندسين أو محامين ، حتى حفظها عن ظهر قلب ويستطيع الادلاء بكل ما تم كتابته على اللافتة 

نفخ بضيق ومسح وجهه مغمغماً:
– وبعدين بقى فى القاعدة دى 

سمع صوتها يأتى من خلفه قائلة بإعتذار :
– كرم بجد أسفة أن أتأخرت عليك ، بس النهاردة الشغل فى الاستديو كان كتير

إستدار إليها كرم يبتسم بإبتسامة هادئة ، خلافاً لذلك الصخب الذى يعتمل بقلبه جاعلاً إياه ينبض نبضات خائفة ، وربما تسرب ذلك الخوف بخلاياها ، حتى شعر بألم بمعدته ، كمن ذاهباً لأداء إمتحان صعب ، ويخشى الإخفاق به 

فقال بتوتر حاول أن يداريه خلف إبتسامته الجذابة :
– ولا يهمك يا نورهان أنا كنت جاى علشان كنت عايز أتكلم معاكى فى موضوع مهم

قالت نورهان وهى تبتسم بأمل :
– خير موضوع إيه ده

نظر كرم حوله لتقييم المكان ، هل هو صالحاً للحديث أم لا ؟ ولكن وجد أن وقفتهما هكذا لن تصلح بأن يتحدثا بهذا الأمر الذى سيتعلق عليه مصير ثلاثة أشخاص ، هو وهى وهند ، فكان من المفترض أن هذا الأمر ينتهى منذ بضعة أيام ، ولكنه أفتقر للشجاعة التى تجعله يخوض بالأمر ، فإجازته القصيرة التى جاء بها للإسكندرية ، إستطاع مدها لوقت أخر ، لكى يمنح نفسه الوقت الكافى بوزن الأمور 

وضع يديه بجيبى بنطاله ، ليخفى إرتجافهما وهو يقول بهدوء ظاهرى :
– ممكن نقعد فى أى مكان علشان نعرف نتكلم 

حركت رأسها بالإيجاب وهى تقول باسمة :
– أه طبعاً فى كافيه قريب من هنا بس ثوانى أجيب شنطتى وكمان أكلم البنت اللى بتشتغل معايا أقولها تخلى بالها من الإستديو على ما أرجع 

انتظرها حتى عادت ثانية ، وعبرا الطريق للجهة الأخرى ، حتى وصلا للمقهى ، فبعد أن أوصى بالمشروبات وجاءتهما على وجه السرعة ، رفع كرم قدح القهوة ، الذى اراد أن يمنحنه شئ من الشجاعة والقوة ليقول ما لديه 

وضع القدح من يده وهو يقول بإرتباك :
– هو الموضوع يا نورهان أن أنا كنت حابة أقابل باباكى ومامتك علشان أخطبك بس الصراحة فى حاجة كنت عايزك تعرفيها 

تألقت عيناها ببريق البهجة والسعادة لعلمها بنواياه ، إلا أنها فضلت تركه يكمل حديثه ، فعاد مكملاً لحديثه وهو يجفف وجهه بمحرمة ورقية ، كأنه يشعر بالحر الشديد أو أن وجهه غارق بالعرق ، على الرغم من أن الجو داخل المقهى مائل للبرودة قليلاً بسبب مبرد الهواء
– هو اللى كنت عايزك تعرفيه أن أنا متجوز بنت خالتى وهى حالياً لسه على ذمتى بس هننفصل قريب جداً

بصقت ما بفمها بعد سماع تصريحه بأنه متزوج ، نظرت حولها تخشى أن يكون رآها أحد وهى هكذا ، فمسحت فمها وهى تقول بإستنكار :
– يعنى متجوز وجاى عايز تخطبنى إزاى يعنى 

أخذ كرم نفساً عميقاً وزفرة براحة وهو يحاول شرح ما قاله :
– أنا كنت متجوز بنت خالتى لأسباب تقدرى تقولى عائلية بس كان جواز على الورق بس يعنى إحنا معشناش مع بعض زى أى اتنين متجوزين ، وقررنا ننفصل قبل ما سافر الأقصر وبعد كده قابلتك 

– أنت بتحبها يا كرم
قالتها نورهان فجأة ، وأزدرد كرم لعابه ، خشية تصريحة بصحة قولها ، فظل صامتاً وتبسمت هى بهدوء وقالت برصانة :
– شكلك بتحبها يا كرم ، ولو ده حقيقى يبقى حرام تروح تظلم واحدة تانية معاك وأنت قلبك مع واحدة تانية ، يبقى كده بتحطم ٣ قلوب قلبك وقلبى وقلبها ، أنا مش هنكر وهقولك فعلاً من ساعة ما شوفتك فى القطر وأنا أعجبتك بيك وكمان مكنتش أعرف بموضوع جوازك ، لكن دلوقتى مقدرش أن أوافق على علاقة عارفة أنها هتبقى خسرانة ، لأن باين عليك أنك بتحبها فلو كده خليك معاها

– بس دى عملت معايا كتير وعملت غلطة متتغفرش
قالها كرم وهو يشيح بوجه عنها ، فنظرت إليه مطولاً ، وأخذت كوب الماء ترتشف منه ، لعلها تهدأ من شعورها بخيبة أملها 

ولكن ذلك لم يمنعها من أن تقول بثقة :
– ربنا غفور رحيم ، وكل بنى أدم بيغلط ربنا بيديه الفرصة ويسامحه ليه أنت مش عايز تسامح ، عارفة ان إحنا بنى أدمين ومش ملايكة علشان ننسى الإهانة بسهولة بس برضة ربنا خلق فى قلوبنا رحمة ، يعنى يبقى ربنا فاتح بابه لكل عبد بيغلط ونيجى إحنا نسدها فى وشه ، فعلشان كده حاول تديها وتدى نفسك فرصة تانية ، ومتحاولش تداوى علاقة مكسورة بجرح تانى هتسببه لواحدة تانية وخصوصاً لما تعرف أن قلبك لواحدة تانية صدقنى دى تبقى إهانة ووجع ليها ، فعلشان كده بقولك أسفة يا كرم على أن أقبل أن أتخطبلك أو اتجوزك ، بس سعيدة أن قابلتك وأتعرفت عليك سلام 

نهضت نورهان من مكانها ، وراقب رحيلها من المقهى ، فحديثها جعله يدرك أى حماقة كان سيرتكبها الآن ، فهى محقة بشأن ذاك الظلم الذى كان سيقع عليها ، إذا تمت خطبتهما وعلمت بشأن حبه لإبنة خالته ، ولكن عودته لهند ، كأنها السهل الممتنع ، إذا أطاع رغبة قلبه ، فكبرياءه جريح من أفعالها وأقوالها السابقة بحقه ، فماذا يفعل حتى ينهى تلك الحيرة الغارق بها ؟ فظنه بأنه سيخوض علاقة جديدة ، تجعله ينسى ما لقاه بحبه الأول ، ذهب أدراج الرياح 
________________
لطالما سمعت عن تلك العبارة " كل شئ مباح بالحرب والحب" ، ففكرت لما لا تجيد إستخدامها لكى تعيده إليها ، فعقابه وغضبه منها مؤلماً ومؤذياً لقلبها، ولكن ماذا كانت تظن  ستكون حالته بعد عودتها ؟ فهل ظنت أنها ستجده فاتحاً لها ذراعيه ، لتغوص بينهما وتبدى أسفها ويخبرها بأن كل شيء سيكون على ما يرام ، فهى حقاً ساذجة القلب والعقل ، فما حطمته بيديها لا تستطيع جبره بسهولة ، فكم من مرة أخبرها بأنه إذا تعرض للخداع ، فلن يقوى على تحمل ذلك ، بل سيصبح بلا قلب ، وهكذا كان حاله معها الآن

 وقوفها بالشرفة الملحقة بغرفتها ورؤيتها له يمتطى جواداً وعروسه المدللة تمتطى جواد أخر ، ويتنزهان سوياً بتلك الحديقة الشاسعة ، جعلا من الصعب عليها إعلان هزيمتها بسهولة ، حتى لو سلط على عنقها السيف ، فما عليها سوى أن تتبع نهج أخر 

– صبرك عليا يا راسل أنت والغندورة إيلين بتاعتك دى 
خرجت من الغرفة وهى لا تلوى على شئ ، حتى وجدت نفسها بحديقة القصر ، بمنتصف تلك الرقعة الخضراء ، القريبة من حظيرة الخيول ، وقفت مكانها ورأته قادماً بجواده ، دار حولها بحركة دائرية ، وهى تتبعه برأسها ، حتى كاد يصيبها بالدوار من فعلته 

– نازلة الجنينة تعملى إيه يا حياء مش قولتلك متخرجيش برا أوضتك إلا لما أقولك
قال راسل ببرود وخشونة ، وهو يمسك لجام الجواد بحزم ليجعله يكف عن الحركة ، ولكن ربما ثار الجواد من فعلته فشب على قوائمه الخلفية ، فصرخت حياء وسقطت أرضاً ظناً منها أن الجواد سيدعسها بأقدامه

– حياء مالك فى إيه ، أنتى خوفتى
نطق راسل عبارته بقلق ودقات قلبه تهدر بخوف ، خاصة بعد سماعه صوت صيحتها الخائفة ،فحركت حياء رأسها بالإيجاب ، وعيناها دامعتان ، ترك راسل الجواد على الفور وخر راكعاً بجانبها ليعلم هل أصابها مكروه نتج عن سقوطها على الأرض ؟

 تقدمت إيلين بجوادها فقالت ببرود وعيناها ترمق حياء:
– مالك يا حياء خوفتى من إيه مش شايفة يعنى الحصان جه جمبك ولا حاجة ، شكلك بتدلعى

صوتها الناعم المفعم بالبرود والسخرية ، كان مدعاة لأن تصير حياء أكثر جرأة خاصة الآن وهى تتضع ذراعيها حول عنقه وتقول بهمس متألم :
– أنا خوفت أوى يا راسل لدرجة حسيت لما وقعت رجلى أتجزعت ومش قادرة أقف عليها

وضع راسل ذراع أسفل ساقيها وذراع خلف ظهرها ، فرفعها عن الأرض بخفة ، ليذهب بها إلى غرفتها ، كتمت إبتسامة بكتفه وهى تراه يحملها بحنان ، عادت تنظر لإيلين من خلف كتفه ، فأخرجت لها لسانها لتغيظها ، كمن تريد إيصال رسالة إليها ، من أنها مازالت تملك تأثيراً على وجدانه

وصل بها للغرفة ووضعها بمنتصف الفراش ، جلس بجانب قدميها وأولاها ظهره ، فرفع قدمها الذى أشارت إليه بأنها تشعر بألم به ، فتحسسه بيده وهو يقول بجدية :
– حاسة أنها بتوجعك أوى كده

أماءت برأسها دلالة على أنها تشعر بالألم ، فمطت شفتيها كأنها ستبكى :
– أه حاسة أنها بتوجعنى أوى تفتكر نكلم دكتور ييجى يشوف رجلى 

أجابها راسل ، وهو منهمك بفحص قدمها قائلاً بتهكم :
– دا على أساس أنك متجوزة سباك ، اومال أنا إيه مش دكتور برضه 

لم تستطع أن تكتم نهدة قوية وعميقة ، أنسلت من بين شفتيها ، تعبيراً عن تلك النيران التى شبت بقلبها ، فكل لمسة منه جعلت دماءها تسير حارة بعروقها ، فزاد بإنهماكه بفحص قدمها ، حتى وجدها تستريح برأسها على ظهره المنحنى 

فقالت بهمس ناعم والشوق يختلج بصوتها :
– بحبك أوى ووحشتينى أوى يا حبيبى ، لسه مش عايز تسامحنى

كف راسل عن كل حركة يفعلها ، فتصلب جسده لبرهة ، فببطئ غير من وضعية جلوسه وأصبح مواجهاً لها يحدق فى وجهها بصمت ، فلم تكتفى بقولها ، إذا أخذت أناملها تسير على لحيته ببطئ ، كأنها تعزف نغمة هادئة من تراتيل العشق 

أنتظرت أن يقول شيئاً ، ولكن ظل صامتاً يحدق بوجهها بتعبير مبهم ، ولكنها تفاجأت به يشدها لصدره ، فأحست بمشاعرها تبعث حية وهى بين ذراعيه ، ولكن تلك الكلمات التى صبها بأذنيها لم تمت لتلك الحالة من الهيام التى ظنت أنها تلبسته فجأة ، إذ شعرت بالمهانة من حديثه القاسى 

فجز على أنيابه قائلاً بحقد على نقطة الضعف ليه :
– مفكرانى لما تعملى عمايلك دى هصدقك ، أنا عارف أن رجلك كويسة ومتجزعتش وأن لما وقعتى محصلكيش حاجة ، بقيتى شاطرة أوى فى الضحك عليا زى ما كنتى بتعرفى تأثرى عليا  ، لكن دلوقتى نجوم السما أقربلك من أن أنا أرجعلك زى ما كنت يا حياء 

صمت لهنيهة فعاد مستطرداً بإبتسامة ساخرة ماكرة :
 –بس لو حاسة أنك مشتاقة ليا أوى كده معنديش مانع أقضى معاكى الليلة دى ومش هزعلك، وأهى هتبقى ليلة زى اللى مروا ، وهحاول أعمل نفسى أن مبسوط أن إحنا مع بعض

دفعته عنها فهى لن تتحمل سماع إهانة أخرى منه ، ولكن لم تكن دفعتها قوية حتى يبتعد ، إذ أحكم ساعديه حولها ، فراحت تتخبط بين ذراعيه ، وتضربه بقبضتيها على صدره ، فكان النصيب الأكثر من ضرباتها المتلاحقة بموضع قلبه 

فقال ببرود رغم ما يشعر به من ألم :
– أضربى فى قلبى كمان يا حياء لأن يستاهل أنه خان عهده معايا ورجع يدق من تانى وحبك 

كفت عما تفعله بعد سماع قوله ، فرمقته بعينان دامعتان وهى تقول بندم :
– عارفة أن وجعتك بس غصب عني يا حبيبى غصب عنى 

– وإيه اللى غصبك يا حياء علشان عرفتى مين أهلك ؟ ولا علشان أهلك طلع اصلهم يهود ، ولا علشان الشاب اللى قولتيلى أنه شريكم فى المكتب المفروض أنه أخوكى ولا علشان إيه قوليلى
قالها راسل بهدوء ، فأنتفضت من مكانها بفزع ، كيف علم هو بكل هذا ؟ وماذا يعلم عنها أيضاً

فجحظت عيناها وهى تقول بدهشة :
– أنت عرفت كل ده إزاى ومنين وإزاى عرفت المعلومات دى

ضم كفيها بين يديه ، محاولاً التحدث بروية قدر ما سمحت له أعصابه الثائرة :
– لما قابلتك وخرجتى من البيت خرجت وراكى لقيت ركبتى عربية مع واحدة عرفت بعد كده أنها بنت أدريانو ، لقيتك رجعتى معاها على بيتها ، فالأول افتكرت أنها ممكن تكون صاحبتك أو تعرفيها ، بس الموضوع مدخلش دماغى ، رجعت على القصر وقولت لوالدى على أنك موجودة فى بيت أدريانو ، خلى رجالته يراقبوكى ، وكمان غزل قالت أن الشامة اللى على إيدك زى الشامة اللى كانت على إيد أخو ادريانو ، وأن ممكن يكون فى رابط بينك وبينهم وده اللى عرفناه أن ديفيد دانيال إسكندر رجع إسكندرية وهو أساساً مقضى معظم حياته فى صقلية وأنه على طول ملازمك ، فأستنيتك تقولى أى حاجة بس فضلتى ساكتة وجه توقيت معرفتك لأهلك مع توقيت أنك سبتينى بحجة أنك مش عايزة تعيشى معايا بعد اللى حصلى ، فلو ده صح خبيتى عليا ليه وإحنا مفيش عداوة بينا وبين أهلك ومكنش يهمنى هم اصلهم إيه اللى كان يهمنى أنتى وبس ، بس لقيت مكملة فى عمايلك فقوليلى يا حياء فى إيه بالظبط علشان حاسس أن فى حاجة مش مظبوطة

سحبت يديها من بين كفيه ، وتركت الفراش ووقفت أمام النافذة وأولته ظهرها قائلة بنهدة عميقة :
– لا فى حاجة ولا غيره ، مفيش غير اللى أنت قولت عليه ، أن خوفت أنك تعرف أن أهلى أصلهم يهود ومعاملتك تتغير معايا فقولت أسيبك أنا قبل ما تسيبنى

ترك مكانه هو الآخر وجذب ذراعها ، ليجعلها تستدير إليه ، فصاح بوجهها قائلاً بنفاذ صبر :
– أنتى ليه مصرة تستخفى بيا وبعقلى يا حياء ، أنا خلاص مبقاش عندي صبر ليكى تانى

زفرت حياء بخفوت فقالت وهى تربت على وجهه :
– ممكن تقفل باب النقاش فى الموضوع ده ولو عايز تتقبل عذرى اللى قولته تمام ، هترفض يبقى متحاولش تسألنى تانى علشان معنديش حاجة تانية أقولها 

ترك ذراعها وخرج من الغرفة ، وجد إيلين قادمة عبر الرواق الطويل ، فسألته عن وجهته :
– رايح فين يا راسل 

وضع يديه بجيبى بنطاله قائلاً:
– هنزل ألعب إسكواش تيجى تلعبى معايا 

حركت رأسها بالإيجاب قائلة بإبتسامة :
– تمام بس أدينى ربع ساعة وهحصلك على الملعب تحت 

أماء راسل برأسه ، فيما رآى صورة حياء منعكسة بإحدى المرايا ، فإن كانت ستظل على صمتها ، لا يحق لها معاتبته على ما سيفعله، ذهبت إيلين إلى غرفتها لترتدى ثياب رياضية ملائمة ، وذهب هو لغرفته ، وبعد إنتهاءه سبقها إلى ذلك الملعب الذى كان له منذ صغره 

بدأ اللعب بتسلية لحين مجئ إيلين ، فعندما هم برفع يده بالمضرب وجد من تحكم يدها حول معصمه ، حدق بوجهها وانتظر أن تقول ما لديها ، وعندما لم يجد لديها النية للحديث

سألها ببرود :
– عايزة إيه يا حياء وماسكة فى إيدى ليه كده

أخذت المضرب من يده وأطاحت به من يدها وهى تقول بغيرة قاتلة :
– كمان جاى تلعب معاها إسكواش دا أنت حتى مفيش مرة عرضت عليا أن ألعب معاك اللعبة دى 

إبتسم راسل قائلاً بتسلية :
– عايزة تلعبى معايا يا روحى بس كده عيونى بس لازم أعلمك إزاى تلعبيها

أخذ مضرب ووضعه بيدها اليمنى ، فى حين أنه وقف خلفها وأحكم سيطرته عليها ، فوضع رأسه على كتفها وقال من بين أسنانه :
خليكى إيدك مشدودة على المضرب ولازم يبقى عندك مهارة فى تسديد الضربات كده 

بدأ برمى الطابة ، يحركها هى معه يميناً ويساراً لصد الكرة ، حتى كاد يشعرها بالدوار من كثرة عنفه وفرطه بالحركة ، كأنه لا يحسب حساباً كونها محكومة بين ساعديه وقدميها تكاد لا تلامس الأرض

فصرخت به بالنهاية :
– كفاية حرام عليك دماغى لفت مفكرنى عروسة لعبة بتلعب بيها 

أفلتها من بين ذراعيه ، فألتقطت أنفاسها وسعلت عدة مرات ، كأنها تشعر بالإختناق ، وضع المضرب على كتفه وهو يقول بغرور :
– مش أنتى اللى عايزة تتعلمى لعبة الإسكواش كنت بعلمك غلطت 

– وهو ده إسمه تعليم 
قالتها حياء وهى تضع يدها على صدرها ، فلو إستمر الحال هكذا ، سيقتلها بالغيرة قبل أفعاله معها ، وجدت إيلين قادمة ترتدى زى رياضى بتنورة قصيرة ، فشهقت بعد رؤيتها وعادت تنظر لزوجها ، الذى يبدو عليه أنه غير مهتم بدهشتها أو صدمتها ، بل كانت الطامة الكبرى ، بأن بدأ اللعب سوياً وجلست هى تشاهد ما يفعلانه ، وكلما أرتفعت تنورة إيلين،تكاد تصاب بالجنون ، فما يحدث عذاب لا يضاهيه عذاب أخر ، فقلبها يحترق بنيران اللوعة والغيرة ، ولكنها غير قادرة على أن تقول شيئاً  
_____________
إستردت سهى صحتها وعافيتها ، التى كانت بحالة مزرية بالأيام الماضية ، فالعناية الشديدة التى تلقتها من الخادمات ، كانت أقرب للإعتناء بملكة سيتم تتويجها على عرش الحكم قريباً ، وكلما حاولت إبداء كفايتها من إعتناءهما المبالغ به ، لا يأتيها رداً منهما ، سوى أنهما تفعلان ذلك بأمر من سيدهما ، ففكرت من يكون هذا السيد ، الذى إستطاع تخليصها من ذلك القبو القذر ، بعدما كانت على شفير الموت ، فهى امتنعت عن الطعام والشراب ، حتى ينتهى أجلها أفضل من ذلك المصير الأسود والمجهول ، الذى كان ينتظرها 

جلست إحدى الخادمات تمشط لها شعرها ، ضمن أمور الدلال التى تم توصيتها بأن تفعلها من أجلها ، على الرغم من إعتراض سهى ، وأنها أصبحت قادرة على الإعتناء بنفسها ، ولكن كالعادة جاءها الرفض الصارم منها 

بعد أن أنتهت الخادمة ، قالت بإبتسامة هادئة:
– كده خلصنا هجبلك حاجة تاكليها 

صاحت سهى بإعتراض :
– لاء أرجوكى كفاية أنا لسه واكلة من نص ساعة ، أنتوا تقريباً بتزغطونى مش بتأكلونى ، أنتوا ناويين تدبحونى على العيد ولا إيه

قهقهت الخادمة وردت قائلة :
– لاء بس البيه قال ناخد بالنا منك كويس لحد ما تقومى بخير 

إلتفتت لها سهى وهى تقول بإلحاح :
– مين البيه ده وليه محدش فيكم راضى يقولى هو مين أنا عايزة أشوفه علشان أشكره 

لم يكن لدى الخادمة التصريح بأن تفصح عن هوية مضيفها ، لذلك تركت مكانها وقالت وهى تتجه صوب الباب :
– معنديش أوامر أقولك هو مين ، أنا بس كل الأوامر اللى عندى أن أخد بالى منك 

خرجت الخادمة وعادت سهى تستلقى على سريرها ، وزاد فضولها لرؤية منقذها ، وأن تعلم هويته ومن يكون ؟ لذلك نهضت من على الفراش وأخذت ثوب من تلك الأثواب التى جاءتها ، فأرتدته ووضعت حجابها وخرجت من الغرفة بحذر وحرص، ظلت تلتفت حولها لترى أى أحد ، ولكن كأن البيت مهجور ، فأين الخادمتان اللتان كانتا تعملان على رعايتها ؟ وأين هو ذاك السيد الذى تحدثتا عنه ؟

فبالحديقة وبمكان جعله عمرو كخلوة خاصة ، كان جالساً بتأفف ، فكتفه المصاب جعله يشعر بالألم بذراعه ، فنصحه الطبيب بتعليق تلك الذراع بعنقه ،حتى يلتئم جرحه بصورة تامة ، ولكن كان ذلك عائقاً ،لعدم أخذ حريته بوضع مسحوق الهيروين أمامه وتنظيمه ، لأخذ جرعة كافية منه لتسكن تلك الآلام التي يشعر بها

تبسم أخيراً بنجاحه فى تنظيم تلك الصفوف من المخدر ، ولكن ما كاد يهم بإستنشاقه ، حتى وجد الورقة تطيح من أمامه ويتناثر المسحوق الأبيض على الأرض

رفع وجهه ونظر بعينان عاصفتان لسهى صارخاً بها :
– إيه اللى عملتيه ده أنتى مجنونة

نظرت إليه سهى بغضب ، فهل هو من أنقذها ؟ فتلك ليست مفاجأة سارة على الإطلاق ، فدمدمت بسخط :
– هو أنت اللى أنقذتنى وكمان مدمن مخدرات ، وأنا اللى عمالة أدور عليك علشان أشكرك ، بتعمل فى نفسك ليه كده مش عارف أن الحاجات دى ممكن تدمرلك صحتك حرام عليك 

هب عمرو واقفاً وصاح بأحد الحراس :
– أنت تعال خدها خليها تروح بيتها وأنتى متعمليش فيها بتاعة مواعظ ومصلحة إجتماعية اتفضلى روحى بيتكم وياريت مشوفش وشك تانى 

– واحد قليل الأدب والذوق
غمغمت سهى بعبارتها همساً ، ورأت الحارس يشير لها بأن تتقدمه ليعيدها لمنزلها ، رفضت بالبداية أن تتحرك من مكانها ، فعلى الرغم من جفاءه وأسلوبه الغير مهذب ، إلا أنها ممتنة له لإنقاذها من مصير مجهول ، ولكن من سينقذه هو من تلك الحالة من الضياع ، التى يبدو أنه يعانى منها 

سارت بجوار الحارس ولكن ظلت تلتفت خلفها من وقت لأخر ، وبأخر مرة وجدته ترك مكانه وربما عاد للداخل ، ففكرت بما ستقوله لأباها وزوجته عن إختفاءها بالأيام الماضية ، ومن سيصدق أنه تم إختطافها وهى بتلك الحالة الآن من ثياب أنيقة ومهندمة ، ولايبدو عليها أى أثر لما حدث ، فمهمتها صعبة للغاية فى إقناع أهلها ، ولكنها لم تنسى أن إقناع عمرو بالاقلاع عن تعاطى المخدرات سيكون أشد صعوبة  
_______________
ملأت الغرفة أصوات الصيحات والصرخات الصادرة من الحراس ، الذين تم نجاتهم من الهجوم على المنزل ، لينتهى بهم المطاف بغرفة التعذيب ، التى أعدها أدريانو من أجل معاقبة من يعصى أوامره ، أو أن يحيد عن شريعته ، فتلك المرة لم يوكل أحد من رجالة ببمارسة أساليب التعذيب البشعة ، بل هو من قام بتعذيبهم الواحد تلو الأخر ، يساعده بعض رجاله فى مناولته الأدوات الصلبة والقاسية ، التى ما أن يشعر أحد بأثارها على جسده ، تكاد تنتزع روحه من جوفه قسراً 

بعصا غليظة كان يبرح أحد الحراس ضرباً وهو يصرخ ملأ جوفه :
– إزاى حد يتجرأ ويدخل بيتى وياخد البنت وأنتوا موجودين ولو بنتى كان جرالها حاجة فى الوقت ده كنت هقطعكم حتت وخلى الكلاب تاكلها ، أنطق قول مين اللى عمل كده وإزاى قدروا يدخلوا

طفرت الدماء من فم الحارس ، شأنها شأن ما ملأ جسده من آثارها ، فجاهد على أن يخرج تلك الكلمات من بين شفتيه الداميتان :
– والله العظيم حاولنا نرد الهجوم على قد ما قدرنا ، بس منعرفش مين اللى عمل كده كانوا مغطيين وشهم وإستغلوا قلة عددنا فى البيت ، بس الظاهر مكونش عايزين حاجة من هنا إلا البنت اللى كانت هنا 

صمت الحارس ليلتقط أنفاسه ، فعاد صارخاً بألم من تلك الضربة التى تلقاها على صدره ، وربما تسببت بكسر أحد ضلوعه ، ولم يقوى على التحمل ، فتدلى رأسه بحالة من الإغماء وهو منتصب القامة موثوق القدمين واليدين لأحد الجدران

ألقى أدريانو العصا من يده ، وهو يسب ويلعن بصوت مسموع ، وخرج من الغرفة ، وهو يفكر بما قاله الحارس ، حاول التفكير بكل أعداءه ومن يمكن أن يكون فعل ذلك ؟

فأعداءه لا حصر لهم ، ولكن يعلم أن لا أحد منهم قادر على إقتحام منزله ، فإن كان قانون الإجرام يحكمهم ، فهناك بعض القواعد التى لا يستطيعون خرقها ، كأن يشن أحدهم هجوم على الأخر بعقر داره ، حفاظاً على أرواح ساكنيه ، فالقتال والعراك يكون بساحات العمل ، والأسر الخاصة بهم ، خارج نتاج التصفية ، ولكن أحياناً يكون خرق تلك القواعد متعة لديهم ، فأولاً وأخيراً هم مجرمون من الطراز الأول وليسوا من الهواة 

ولج لداخل المنزل ، وقابل ديفيد الذى يبدو عليه يتأهب للخروج ، فنظر إليه غاضباً من جعل كل الأمور بغيابه تخرج عن السيطرة ، كالهجوم على المنزل ، وترك شقيقته تعود لمنزل زوجها وهو يقف مكتوف الأيدى 

نظر إليه من رأسه لأخمص قدميه قائلاً بغضب شديد:
– بسلامتك رايح فين دلوقتى يا ديفيد بيه 

زاغ ديفيد بنظره عن وجه عمه ، ورفع يديه يغلق أزرار سترته وهو يقول بفتور وبرود :
– خارج يا عمى كنت عايز منى حاجة ولا إيه 

طار صواب أدريانو من برود إبن شقيقه ،فما كان منه سوى أن أقترب منه ودفعه ناحية الجدار ، واضعاً ذراعه أسفل عنق ديفيد كأنه على وشك خنقه 

فصرخ بوجهه قائلاً بحدة:
– إيه البرود اللى أنت فيه ده كله مش واخد بالك من المصايب اللى حصلت وحضرتك حاطط إيدك فى الماية الباردة

زرقاوتيه المتسعتان أثر ضغط ذراع عمه على عنقه ، كانت أشبه ببحر هاجت أمواجه ، فدفعة جافة من يديه ، إستطاع بها رد ذلك الهجوم المفاجئ من عمه 

فأجابه والشياطين كلها تلبسته دفعة واحدة:
– عايزنى أعمل إيه قولتلك ساعة اللى حصل فى البيت مكنتش هنا ، وبخصوص حياء فكان حكم قانونى ولازم تنفذه ، وأنت عارف مليش فى أمور شغلك علشان أحاسب حد من الحرس بتوعك، فياريت متحاسبنيش ، وأنت لو فكرت فى موضوع حياء هتلاقى فيه فايدة ، يعنى لو هم عرفوا إن إحنا أهلها هيبقى لينا حجة ندخل ونخرج من قصر النعمانى يا عمى ، وأنت قولت أن رياض النعمانى كان فى صداقة بينه وبين جدى وأنت وبابا كنتوا أصحاب إبنه وجدى ، يعنى مش هيمانع أن يكون فى صلة بنا وبين حياء وإن كان عليها هى هتخاف تقولهم على الحقيقة ، فبكده تعرف توجع عدوك فين ، مش أنت دايما تقول خلى صديقك قريب وعدوك أقرب 

رآى أدريانو أن ديفيد محق بقوله وتفكيره ، لأنه سيصبح بينهما وبين عائلة النعمانى مصاهرة ، وربما سيتحقق أنتقامه كاملاً ، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها

فما فعله بديفيد منذ برهة ، أراد محوه بأن ربت على كتفه بإستحسان لتفكيره :
– دا أنت طلعت داهية فعلاً يا ديفيد 

إبتسم ديفيد قائلاً بزهو وتفاخر :
– تربيتك يا عمى وعن إذنك عندى مشوار مهم 

خرج ديفيد من المنزل ، فرآى أدريانو بيرى يبدو عليها أنها بصدد الخروج هى الأخرى ، فنظر إليها متسائلاً:
– أنتى راحة فين يا بيرى

أجابته بيرى بفتور :
– عندى حفلة خطوبة النهاردة ، ويادوب ألحق أراجع على كل التجهيزات باى 

لم تنسى طبع قبلة على وجنته ، فخرجت من المنزل وهى تشعر بالحزن والكأبة بعد عودة حياء لزوجها ، ولكنها سعيدة من أجلها وتتمنى لها الحظ السعيد ، وأن لا تعانى من سوء الحظ مثلها 

وصلت لتلك القاعة التى سيقام بها حفل الخطبة ، فقابلت العروسان وبدأ الحفل مثلما تم ترتيبه ، ولكن بلمحة خاطفة منها بوجوه المدعوين ، سقط كوب المشروبات من يدها ، فأغلقت عيناها وفتحتها لتتأكد أن من تراه جالساً حول تلك الطاولة بأخر القاعة هو حبيبها " عبد الرحمن" ذلك الحبيب الغائب والذى لم تراه منذ سنوات وجدته جالساً برفقة فتاة يمزح معها ، يرتدى قميص أبيض وهذا لونه المفضل ، ويضع سترة باللون الرمادى على كتفه الأيسر فقط ، فهى تعلم أنه لا يهوى إرتداء السترات بشكل كامل 

 فهل هو متزوج الآن ؟ 
هل تركها من أجل فتاة أخرى ؟

 وجدت قدميها تسير بخطى ثابتة حتى وصلت لتلك الطاولة، فنادته بصوت مرتجف :
– عبد الرحمن 

سمع إسمه ورفع وجهه ليرى من تلك التى تناديه ؟ فتصنمت ملامحه بعد رؤيتها ، وظلت عظمة نحره تجرى صعوداً وهبوطاً ، دلالة على أن يبتلع لعابه بتوتر شديد 

ولكن قبل أن تفه بكلمة أخرى ، كان تاركاً مكانه بسرعة ، وخرج من القاعة مهرولاً ، تعجبت من صنيعه وركضت خلفه ، فقبل أن يختفى عن عينيها بصورة نهائية ، كانت قابضة على ذراعه الأيمن 

إلتفت إليها ورأى بعينيها إتهام صريح عبرت به بكلماتها التى تحوى ألماً وحزناً:
– دلوقتى عرفت أنت أختفيت ليه علشان أتجوزت صح نسيت وعودك ليا بسرعة ولقيت واحدة تانية تحبها مش كده

إنزلقت دمعة من إحدى عينيه وهو يقول بجمود :
– أيوة صح كده يا بيرى

بدون وعى منها ضربته بقبضتيها على صدره ، فهى قضت أوقاتها حزينة بإنتظار سماع أى خبر عنه ، وهو لم يكن عابئاً بها ، أمسكته من تلابيب ثيابه ، فأنزلقت سترته التى كان يضعها على كتفه الأيسر 

شهقة ألم خرجت من حنجرته ، عندما انكشف أمره ، ففغرت فاها وتحسست مكان ذراعه الأيسر المبتور حتى أعلى مرفقه 

فعادت تنظر إليه وقالت بصدمة ودهشة :
– إ ايه ده دراعك إيه اللى حصله 

ضم شفتيه بألم وعاد قائلاً بغصة مريرة:
– أبقى أسألى باباكى يا بيرى على اللى عمله 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close