رواية كبرياء صعيدي الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم نورا عبد العزيز


 رواية كبرياء صعيدي الفصل الحادي والعشرون21 والثاني والعشرون22 بقلم نورا عبد العزيز


الفصل الواحد والعشرون (21) بعنــــــــــوان " لدغة عقارب "

كانت "عطر" جالسة على الفراش بغرفة "فيروزة" وتمسك طبق من الفاكهة تتناول منه الكثير و"فيروزة" تقف أمام المرآة ترتدي فستان أزرق اللون ثم أستدارت بفرحة تغمرها بسبب أقترب موعد زواجها وقالت:-
-ها أي رأيك فى دا؟

-أممم جميل ولونه عاجبني أوى
قالتها وهى تتناول الموز فتذمرت "فيروزة" على عدم اهتمام "عطر" وقالت بغيظ:-
-بطلى أكلي وركز ويايا شوية

أومأت إليها بنعم وحتى دق الباب بخفوت ثم دلف "عيسي" لتبتسم بسعادة من طلة زوجها، أتجه نحو زوجته مع حديثه الموجه إلى "فيروزة":-
-ايه الجمر دا؟ مش ناجصك حاجة 

تبسمت "فيروزة" بعفوية وسعادة تغمر قلبها فقالت بفرح:-
-لا تسلم يا أخويا 

أومأ إليها بنعم ثم أخذ يد "عطر" بلطف ويقول بعفوية:-
-تعالى يا عطر عاوزك

وقفت معه بحيرة من رغبته بها وخرجت معه ليقف أمام الغرفة معها يحدق فى وجهها، كانت فتاته جميلة رغم أثر الحمل على أنتفاخ وجهها قليلًا وبطنها الصغيرة التى بدأت تعلو شيئًا فشيء مع مرور الأيام، رفع يده إلى جبينها بحُب يداعب خصلات شعرها الناعم وقال:-
-مش محتاجة حاجة أخلى عبدالجواد جيبهالك

هزت رأسها بلا بعفوية وعينيها تحدق به باسمة الشفتين من دلاله لها، فقال بحب شديد:-
-أنا هطلع هبابة ومعاوجش خلى تليفونك وياكي وتردي عليا أول ما أرن فاهمة يا عطر 

أومأت إليه بنعم ويديها تهندم ملابسه من الصدر بحُب لتشعر بنبضات قلبه العاشق تحت يدها، نظر "عيسي" إلى يدها التى توقفت على صدره أو بالأحرى على قلبه فتمتمت بخفوت ونبرة لن يسمعها أحد غيرهما مهما أقترب منهما:-
-بيدق كدة عشاني؟

وضع يده فوق يدها الساكنة على قلبه ونظر بعينيها هائمًا بهذا العشق ثم قال بحب يغمره ونيرانه مُشتعلة بداخل قلبه:-
-ميعرفش يدج أكدة غير وياكي وعشانك يا عطري 

تبسمت بحب يغمرها من تراقص نبضات قلبه، حدقت بعينيه ونبرته الدافئة تلمس قلبها وعقلها لم يتوقف عن السؤال كيف لهذا الرجل الدافئ أن يكون وحشًا بالخارج لتدرك ما يقوى العشق على فعله، فالعشق وحده من يقوى على تحول حجوده إلى لين فقالت بدفء:-
-وأنا مش عايزة حاجة فى الدنيا تانى غير القلب دا

قبل يدها بلطف ثم تحدث بجدية:-
-خليكي مع فيروزة ولو أحتجتوا اى حاجة كلمني وهخلي عبدالجواد يجبهالكم

أومأت إليه بنعم ليبتسم بلطف ثم غادر المكان، عادت إلى غرفة "فيروزة" تكمل ترتيبات ليلة الحنة الخاصة بها
ترجل "عيسي" للأسفل وكانت والدته مُنشغلة بتجهيزات الطعام للضيوف مع "حِنة" و"سكينة" أختها ليغادر دون أن يقاطعهما، خرج وكان "مصطفي" واقفًا بأنتظاره فنزل الدرجات الأمامية للسرايا ليقف أمام "مصطفى" وقال بجدية ووجه عابس:-
-هى فين؟

أشار إليه على الغرفة المستقلة خلف السرايا، سار الأثنين معًا إلى الغرفة، دق الباب قبل أن يدخل ثم دلف للغرفة وكانت "رؤية" بداخلها وفور دخوله قالت بأنفعال:-
-أنت حابسني ليه؟ معتقلني حضرتك

تبسم "عيسي" بهدوء ثم سحب المقعد وجلس عليه وهو يقول بحدة:-
-أقعدي 

جلست "رؤية" على الفراش الحديدي الموجود بركن الغرفة وضربت يدها بالأخري ثم قالت:-
-أفندم 

حك رأس نبوته بأنامله بهدوء شديد وعينيه ترمق "رؤية" بنظرات ثاقبة مما أثار قلقها وزاد من توترها بصمته ثم بدأ بالحديث بنبرة جادة:-
-أسمعي يا بت الناس، أنا مجتش جارك ولا كنت أعرفك وأنتش اللى جتي حد عندى وحدك أكدة، طلبتي حمايتي وأساعدك تخلصي من خالد عشان خايفة على فى البطن، حجك تخافي!! لكن مش حجك تلعبي بيا وتستجلي بيا، أنا كنت راجل وياكي وأديك الآمان ودخلتك بيتى اللى مكنتش تحلمي أنك تعدي بس من جصاده

تنحنحت بحرج مع حديثه ليتابع "عيسي" حديثه قائلًا:-
-جيتيني ليه؟ وجبل ما تجاوبي نصيحة منى فكري زين فى الجواب جبل ما تجوليه عشان على أساسه هتحاسبي على مشاريبك 

رفع قدمه يضعها على الأخر وعينيه تحدق بها مُنتظر الجواب على سؤاله، يقتله الفضول لمعرفة سبب قدومها إليه، ألتزمت الصمت قليلًا تفكر فى حديثه وتهديد الأخير إليها وربما حرف واحد خطأ سيؤدي بحياتها فقالت بهدوء:-
-كنت خايفة فعلًا منه، لكن لما جيت هنا أكتشف أنك بتخوف أكتر منه وكأن الجبروت عرق ممدود فى عيلة الدسوقي

هز رأسه بالإيجاب موافقًا على حديثها فقال بثقة:-
-لا من ناحية الجبروت فعندك حج فعلًا ومن ناحية أنك اكتشفتي أنى بخوف أكتر برضو معاك حج، لكن تعرفي غلطي في حاجة خالد مبيخوفش معندوش جبروت وقوة عيلة الدسوقي 

رمقته فى حالة من الصمت ليقول بجدية مُبتسمًا:-
-أنا بجي دورت! ما هو أنا مش مغفل عشان أصدج أى واحدة تخبط بابي أكدة، أنا دورت وراكي وعرفت أنك هربانة من أهلك وأنهم بيدوروا عليكي لا وكمان حامل من المحروس وهو لو عرف هيجطع خبرك فأنا طلعت جدع وياكي الصراحة وبعت له رسالة أنك حامل وبتحاولي تهربي منه عشان تأمني مستجبلك بالواد دا وأتصلت بأهلك وخبرتهم أنك حدانا وههملك تروحي لحالك وأنتِ ونصيبك اللى يوصلك الأول يجتلك، يا أمام خالد اللى أنتِ خونتيه وعرفتني مكان شجته وبسبب خيانتك له أتجبض عليه وكمان حملتي من وراءه يا أما أهلك اللى دخلوا البلد من نص ساعة وخلال دجايج هيكون جصاد باب السرايا 

أتسعت عينيها على مصراعيها بصدمة الجمتها ووقفت من محلها تصرخ بفزع من الأثنين:-
-أنت بتجول أي؟

تبسم "عيسي" بمكر ثم وقف من مكانه وقال:-
-هملها لحالها يا مصطفي

غادر الغرفة مُبتسمًا ليأخذها "مصطفى" إلى باب السرايا وتركها أمامه ثم أغلق الباب لتنظر "رؤية" حولها بفزع وبدأت تركض بعيدًا، سيقتلها "خالد" حتما بعد خيانتها له وتسليمها لأسرار زوجها إلى عدوه وحملها أم أهلها، الأحتمالان أفزع من بعض ومرعوبين لها، بدأت فى السير وحدها على الطرقات فقابلتها سيارة "خالد" قادمة نحوها مما جعلها تنتفض فزعًا وألتفت لتعبر الطريق من الفزع مما جعلها تخطأ ولم تنظر إلى الطريق فصدمتها سيارة مارة وسقط جسدها على الأرض تنتفض من قوة الاصطدام وبدأت الدماء فى بركتها تكبر، مر "خالد" بسيارته من جوار جثمانها والجميع حولها، نظر جواره على تجمع الناس فرأها مما صُدمه وجعله يضغط على المكابح فجأة وترجل من سيارته، تسلل بين الناس ليرى "رؤية" غارقة فى دماءها فأقترب أكثر بصدمة وجسدها تشنج من هول الصدمة والناس حولها يضربون كفوفهم ببعض من الشفقة على شبابها وقد فارقت روحها هذا الجسد، ظل واقفًا لم يقوى على الاقتراب منها، تسلل أحد الرجال من بين الجميع وغادر وهو يتصل بـ "مصطفى" وقال بجدية:-
-ماتت، عربية خبطتها على الطريق ي مصطفي بيه

أومأ "مصطفي" له بنعم وأغلق الخط ليخبر "عيسي" بالخبر و"عبد الجواد" يقود" السيارة بيهم ليقول "عيسي" بجدية صارمة:-
-خدت جزاءها، أنا رحمتها بس خوفها جتلها  

نظر "مصطفى" للخلف حيث يجلس "عيسي" وقال بهدوء:-
-بالحج تليفون أستاذ عامر لسه مجفول ومعاودش من إسكندرية لحد دلوجت

رفع "عيسي" نظره عن التابلت الموجود فى يده بدهشة ونظر إلى ساعة يده وكانت الخامسة عصرًا فقال بأستغراب:-
-فرحه بكرة ولسه معاودش، أتصل بالمكتب اللى شغال فيه يا مصطفي ما دام تليفونه مجفول ولما يرد عليك جوله ميعوجش هناك الفرح بكرة ولا هو ناوي يجى من السفر لساعات على الفرح يعنى 
أومأ "مصطفى" بنعم فتابع "عيسي" الحديث بنبرة قوية:-
-توصلني يا مصطفى وترجع على السرايا تقف على الدبيح بنفسك ومتنسش الأربع عجول بتوع الغلابة دول توزعهم الأول وتأخد الحجة الكبيرة وياك هى خابرة هتدي مين والعجول بتاعت المعازيم لوحدها 

هز "مصطفى" رأسه بنعم، وصلوا إلى مقر الشركة المبني الزجاجى من الخارج وسط المحافظة، ترجل من سيارته يهندم عباءته ودلف إلى الشركة بتعجل لأجتماع مجلس الإدارة....

_________________________________ 

خرجت "هدى" من المطبخ تحمل فى يدها طبق حساء الدجاج وترتدي عباءة أستقبال سوداء فضفاضة وصوت أساور يديها الذهبية يرن بالمكان كلما حركتهم وتلف حجابها الاسود، أعطت الطبق إلى "عطر" وقالت:-
-كُلي يا بنيتي أنتِ حامل لازمك تغذية تقويك وبعدها تطلعي تلبسي وتجهزي حالك مع فيروزة ومتنزلوش لحد ما أرجع عشان النسوان اللى هيجيوا 

أخذت منها الطبق وقالت بفضول:-
-هو حضرتك خارجك ي مرات عمي

أومأت إليها بنعم وقالت بهدوء:-
-اه خارجة هوزع اللحم اللى ادبحت دى مهعاوجش برا، جبل ما الضيوف يجوا هكون هنا مسافة ساعة زمن

خرجت من السرايا فجلست "عطر" على السفرة تتناول الطعام واحضرت "حِنة" لها بقية الطعام لتتغذى جيدًا من أجل جنينها وصعدت للأعلي وحدها، تناولت الطعام بلطف ويدها الأخرى تنظر فى الهاتف بملل حتى قاطعها مللها جلوس "فيروزة" على المقعد المجاور لها لتفزع "عطر" من ظهورها من العدم لتقول بغضب:-
-طب كحي حتى ؟!

تأففت "فيروزة" بضيق شديد ووجهها عابس وتقول بنبرة يائسة:-
-عامر تليفونه لسه مجفول يا عطر، أنا بدأت أجلج

تركت "عطر" الهاتف من يدها وحدقت بوجه "فيروزة" وقالت:-
-اي يا فيروزة؟ الموضوع مش مستاهل القلق دا كله، اى يعنى تليفونه مقفول تلاقيه خلص شحن عادي ، متأفوريش الموضوع وتكبريه، روقي كدة وأطلعي أجهزى 

أومأت إليها بنعم وصعدت "فيروزة" للأعلي وقلبها تؤلمه غصته التى لا تدرك سببها وأختفاء "عامر" يرعبها لكنها أيقنت أن "عطر" تتحدث بالعقل حتما سيتصل قريبًا

________________________________________ 

تأففت "خضرة" بضيق شديد وهى جالسة على المقعد وتضع قدم على الأخري وتتحدث فى الهاتف مع "حامد"، سمعت حديثه لتقول بحدة صارمة:-
-وعرف عيسي منين أنى جيتك؟ 

صرخ "حامد" بها بأغتياظ شديد قائلًا :-
-مخابرش شوفي أنتِ هيعرف منين؟ ومين اللى بيوصلوا أخبارك

تحدثت "خضرة" بنبرة حادة غاضبة من حديثه:-
-لا عندك يا حامد بيه، أنا محدش يعرف أنى جيتك ولا حتى البت اللى شغالة عندي، لكن أنت كل اللى شغالين عندك فى الفيلا شوفني عندك، وبعدين أنت خايف من اى؟ ما تجوله انى جيتك أطمن على بنتى اللى كان خاطفها، هو مش أنت جوز بتك برضو ولا أنا غلطانة، يعنى انا حماتك وعادي أجيلك البيت 

-ياسلاااام

تحدثت بضيق أكثر من سخريته فى الرد قائلة:-
-أنت مكبر الموضوع لي يا حامد بيه، وبعدين جمد جلبك أكدة؟ متحسسنيش أن عيسي كان سامع أتفجنا، وهملك من حديده اللى فى الهواء دا وخلينا فى أتفقنا ي جناب البيه 

قالت كلمتها الأخيرة بسخرية وعينيها ترمق "فادية" وهى تضع لها مكعبات الفحم على النارجيلة فتمتمت "فادية" بنبرة خافتة:-
-تأمرينى بحاجة تانية يا ست الناس؟

هز رأسها بلا مُتابعة الحديث مع "حامد" بنبرة جادة وقالت:-
-أنا مهستلمش البضاعة ألا بعد ما ترمل يا حامد، وعجل بجي فى الموضوع دا، شد حيلك معايا امال عايزة أحصل على لجب أرملة بدرى بدري

دلفت "فادية" إلى المطبخ ووقفت خلف الحائط تسترق السمع لها حتى سمعت خطتها كاملة فأخرجت هاتفها وأرسلت رسالة بمخططها إلى أحدهما ثم مسحت الرسالة من هاتفها، أغلقت "خضرة" الهاتف معه وبدأت تنفث دخان سيجارتها بضيق وشاردة الذهن تفكر فى فشل مخططاتها، لم تنجح خطتها فى إجهاض "عطر" والآن قتل "ناجي" مما يُثير غضبها أكثر وأكثر ويجعلها تكاد تفقد أعصابها .....

________________________________________ 

دق باب مكتب "عيسي" ودلف "مصطفي" إليه مُرتدي عباءته الكحلية ويلف عمامته يحمل فى يده الهاتف، نظر "عيسي" إلى وجه "مصطفى" وكانت ملامحه تُثير الشك والقلق فقال بجدية:-
-خلاص نكمل بعدين

خرج المهندسين والمؤظفين من غرفة الأجتماعات المُتصلة بمكتبه ليقف "عيسي" من مقعده ودلف إلى مكتبه مُحدثًا "مصطفى:-
-ها يا مصطفى عملت أيه؟

-وصلت الحجة للسرايا وترتيبات الحنة جهزت كلها كيف ما أمرت لكن..

جلس "عيسي" على مقعده خلف المكتب بقلق وحدق بوجه صديقه وقال:-
-لكن أي؟

-أتصلنا بالمكتب فى إسكندرية وجالوا أن عامر مراحش المكتب النهارد ولا أمبارح والساعة داخلة على 8 أهى ولسه تليفونه مجفول والخالة سكينة متعرفش عنه حاجة ومعارفش هى كمان توصله 

نظر "عيسي" إلى وجه "مصطفى" بقلق أكبر من أختفاء "عامر" هكذا وبليلة زفافه، تنهد بصعوبة بالغة ثم قال بنبرة جادة:- 
-جهز العربية هنسافر على إسكندرية

وقف من مقعده وهو يأخذ قفطانه وتليفونه من فوق المكتب بضيق من هذا التصرف، مُتابع الحديث بضيق:-
-أنا هطلع على السرايا أغير هدومي وأتسبح ونتؤكل على إسكندرية عايزين نلحق نعاود قبل الصبح 

أومأ "مصطفى" إليه بنعم ثم أنطلقا الأثنين معًا و""مصطفى" يتابع الحديث معه فى الرواق:-
-فى حاجة عايزك تشوفها 

أعطاه الهاتف لينظر به، دلف "عيسي" إلى المصعد وهو يتنظر بالهاتف ويقرأ الرسالة فأعاد الهاتف إلى "مصطفى" وهو يقول بجدية ماكرًا:-
-أنا هقولك تعمل أي بالضبط وتعمله وتنفذه أول ما نوصل بكرة من إسكندرية 

خرج من الشركة وأنطلق إلى السرايا، دلف وكانت السيدات يجلسون فى الصالون والأغاني تهلل فى المكان ويصفقون و"فيروزة" ترقص مع الفتيات، صعد للأعلى لتراه "عطر" فتسللت من بين النساء وصعدت خلفه، دلفت للغرفة لتراه يخرج من غرفة الملابس يحمل فى يده سترته بدلته الرمادية مُرتدي قميصه الأسود ووقف أمام المرآة يصفف شعره ، سألته بدهشة من تعجله قائلة:-
-بتعمل أى يا عيسي؟ أنت خارج؟

أومأ إليها بنعم بتعجل ويرتدي حذاءه جالسًا على المقعد:-
-اه رايح إسكندرية أشوف سي عامر اللى فرحه الصبح ومعارفنيش نوصله ولسه مجاش

هزت رأسها بقلق وأحضرت زجاج العطر، وقف من مقعده لتضع له عطره قرب عنقه وتتحدث بنبرة هادئة:-
-فيروزة قلقانة برضو من أمبارح مش عارفة توصله وتليفونه مقفول، أنا بدأت أقلق

أرتدت سترته بجدية ويحمل بداخله غضب سافر من تصرف "عامر" ثم قال بنبرة غليظ:-
-أطمن بس عليه وميكنش جراله حاجة ويبجى حسابنا بعدين، أنا رايح إسكندرية هجيبه من جفاه فى يدي ومتخلهمش يحسوا بحاجة يا عطر معاوزش فيروزة تجلج أكتر 

أومأت إليه بنعم فقبل جبينها بحُب شديد وقال بنبرة دافئة كأن حاله تبدل لشخص أخر أمامها:-
-خلي بالك من نفسك من اللى فى بطنك، هى ليلة ومهتأخرش مسافة الطريج يا حبيبتي

هزت رأسها بنعم وقالت بقلق وعينيها ترمق عينيه مباشرة:-
-خلى بالك أنت من نفسك وأنت سايق على الطريق ومتزودش السرعة يا عيسي 

تبسم "عيسى" وأخذ قفطانه فى يده وغادر الغرفة وهي معه، وصل للأسفل وهى فى يده ليقف أمام الدرج ثم ترك قبلة فى قلب يدها وغادر لتبتسم بقلق طرق باب قلبها من أختفاء "عامر" وخصيصًا حينما حسم "عيسي" أمره بالسفر إلى الإسكندرية فورًا مما يدل على حجم الكارثة التى حركت ساكنه للتو...

_________________________________ 

خرجت "خديجة" من غرفته مُرتدية بيجامة حرير سوداء اللون وشعرها مسدول على ظهرها فترجلت للأسفل لترى "كارما" جالسة فى الصالون فجلست هى الأخرى على الأريكة المقابلة لها ونادت على الخادمة تقول:-
-غادة 

جئتها "غادة" لتقول بغرور:-
-أعمليلى كوباية كاكاو 

نظرت "كارما" لها بغرور شديد وضحكت بسخرية ثم أغلقت الكتاب الذي تحمله فى يديها لتقول:-
-الشحات لما ربنا يدي له 

رفعت "خديجة" حاجبها بضيق من كلماتها لتقول:-
-أتكلمى ويايا زين يا بت أنتِ، شحات مين يا معفنة أنت فاكرنى تربية شجة إيجار فى مصر ولا أي، دا أنا مولودة فى سرايات وعشت واتربيت فى سرايات وأمر ويكون أمرى مُطاع 

وقفت "كارما" من مقعدها غاضبة من حديث "خديجة" وقالت:-
-معفنة !! يا تربية زبالة، تربية سرايات اي أكيد سرايات بير السلم، وحياة أبويا اللى دخلك هنا وعملك هانم يا عرة الستات ما أنتِ دايمة فيها طول ما أنا هنام ومبقاش بنت حامد الشبل لو خرجتك منها بفضيحة وسط البلد

ضحكت "خديجة" بسخرية من جراءة "كارما" هذه الفتاة التى لا تعلم شيء عنها، وقفت من مكانها لتقترب منها بخطوات ثابتة ثم قالت بمكر ونبرة هامسة:-
-بلاش، بلاش ي بنت الغالى تتحدينى أنا مش بنت الزمالك كيف ما بتجول عندكم ولا فرفورة هخاف وأكش من دا الوش، لا .. دا أنا نابي مفيش أزرق منه، أنا حية سموية مبتلدغش غير فى الوش ولدغتها بالجبر متستحملش بسكوتاية كيف

رفعت "كارما" يدها للأعلي لتصفعها وقبل أن تفعل صرخت "خديجة" بأعلى صوت لديها تصطنع الألم لتُصدم "كارما" من تصرفها وخصيصًا بعد أن خرجت "غادة" من المطبخ على صوت الصراخ لتري "خديجة" تدفع يد "كارما" بعيدًا وتركض للأعلي باكية بأنهيار، نظرت "كارما" إلى "غادة" بصدمة وهى لم تفهم شيء لتقول "غادة" بضيق:-
-ليه أكدة يا ست كارما، البيه الكبير هيزعل جوا لما الهانم تحكيله، دى عنده فرخة بكشك، مكنش ليكي حج أبدًا تمدي يدك عليها 

فهمت "كارما" الآن سبب صرختها ومسك يدها، هذه الفتاة الماكرة صنعت شاهدة لها أمام والدها من اللاشيء، أصبح لديها شاهدة دون جريمة ......

___________________________________________ 

وصل "عيسي" فى السادسة صباحًا إلى شقة "عامر" وطرق الباب كثيرًا ولم يجد جواب فترجل مع "مصطفى" الذي دق على باب شقة البواب فى الطابق الأرضي ليخرج له، سأله بجدية قائلًا:-
-هو أستاذ عامر مش موجود فى شجته؟

-لا ، أنت مين؟

ألتف "مصطفى" دون أن يُجيب عليه فأستوقفه صوت البواب يقول:-
-أنت عيسي بيه

ألتف "مصطفى" إليه بدهشة من معرفة باسم "عيسى" فتحدث "عيسى" بضيق شدية قائلًا:-
-أنا عيسي 

دلف البواب للداخل قليلًا ثم عاد يحمل فى يده ظرف وأعطاه إلى "عيسي" فتحه "عيسي فى طريق خروجه من البناية وصُدم عندما وجد بداخل الظرف قسيمة طلاق "فيروزة" أخته التى عُقد قرانها من أسبوع واحد، حين غادر البلد كان خائفًا أن يكون أصاب "عامر" شيء لكنه لم يتوقع أن يغدر به كهذا ولماذا؟ ماذا حدث ليطلقها دون أن يخبر أحد؟ وحتى لم يجرأ على ألغاء الزواج... أغمض "عيسي" عينيه من هول الصدمة حين تذكر الزواج، زواج أخته اليوم والبلد بأكملها تعلم هذا الشيء ومدعو الصغير والكبير لهذا الزفاف...
أقترب "مصطفى" منه حين رأى وجهه الصدمة التى شلت قدميه عن السير ليُصدم هو الأخر حين رأى قسيمة الطلاق وقال:-
-كيف دا؟ حصل أي؟

تحدث "عيسي" بغضب سافر يجتاحه الآن بفضل هذا الخائن:-
-أنا فى حصل اى؟ ولا فى اللى هيحصل؟ الفرح اللى بعد ساعات والبيه اللى أختفي حتى مموجودش أنى أتكلم وياه يحضر الفرح

توقف عن الحديث بصدمة ألجمته ثم قال:-
-لا، عامر لازم يظهر يا مصطفى، حتى لو هدفعه تمن عملته لازم يرجع ويحضر الفرح ويمنع الفضيحة اللى هتحصل لفيروزة بسببه 

تحدث "مصطفى" بجدية رغم قلقه من غضب "عيسي" فى هذه اللحظة:-
-أعذرني فى كلامي، بس دا واحد خطط أنه يطلج ويهرب يوم الفرح، فضيحة أي اللى يمنعها، إذا كان هو اللى خطط للفضيحة دى

نظر "عيسي" إلى وجه "مصطفى" بغضب ناري وهو مُقتنع بحديث "مصطفى" وهو لديه كل الحق فى كلماته التى ستقتل "فيروزة" الآن إذا علمت بخيانة محبوبه؟ هذا الرجل الذي أحبته وأخترته عن الجميع، خذلها الآن وأمام الجميع؟ ليقول:-
-هروح أجولها أي؟ فيروزة هيجرالها حاجة؟ لا يا مصطفى حتى لو خطط لدا أنا هدمرله كل خططه، أنا خيتى مهتتفضحش وسط الناس

-معاش ولا كان اللى يفضح أنسة فيروزة ي عيسي، أنا هجلب إسكندرية عليه حتى لو أضطرت أنى أجلب كل محافظات مصر هجيبه من تحت الأرض 
قالها "مصطفى" بجدية وغضب من تصرف هذا الرجل وألتف لكى يصعد بمقعد السائق ليستوقفه سؤال "عيسي" قائلًا:-
-تتجوز فيروزة يا مصطفى؟

ألتف "مصطفى" بصدمة ألجمته من السؤال حادقٍ بـ "عيسي" فى صمت ليقول "عيسي" :-
-مش وجت صدمات ولا مفاجأت يا مصطفى، خيتي هتتفضح بسبب حيوان نجس... تتجوزها؟! 
 
كبرياء صعيدي
الفصل الثاني والعشرون (22) بعنــــــــــوان " نفوس البشر "

هندمت "عطر" فستان زفاف "فيروزة" وهى تقف أمام المرآة بعد أن أرتدت فستانها الأبيض المرصع باللؤلؤ، له ذيل طويل ولفت حجابها الذي أظهر جزءًا من شعرها الأسود من الأمام، أقتربت "عطر" منها تضع الحلق المصنوع من الألماس فى أذنها بدلال وبسمة "عطر" لا تفارق وجهها، أرتجفت "فيروزة" من شدة فرحتها وقالت بحماس يغمرها كفرحتها:-
-شكلى حلو يا عطر صح؟

أومأت "عطر" بسعادة إليها ويدها ترتب طرحة فستانها الطويلة للخلف وقالت:-
-زى القمر يا فيروزة

جلست "فيروزة" على فراشها بعد أن أنتهت من تجهيزات زواجها، دلفت "هدى" بعفوية والفرحة تغمر قلبها تقول بحُب:-
-الناس بدأوا يهلوا وأنا كلمت عيسي قالى أنه وصل على أول البلد

رن هاتف "عطر" باسم زوجها يقاطع حديث والدته فأخذت الهاتف وخرجت من الغرفة تُجيب عليه قائلة:-
-أى يا حبيبي؟

تحدث "عيسي" بهدوء شديد يكمن بداخله الغضب قائلًا:-
-أنتِ وحدك يا عطر؟

أومأت "عطر" إليه وهى تفتح باب غرفتها وتدخل به، فقال بجدية:-
-أسمعى يا عطر، أنا بكلمك عشان خابر زين أنك عاجلة حتى لو سنك صغير بس عاجلة وحكيمة وخابرة زين كيف تتصرفي فى الحياة بدليل أنك عرفتي تجفى جصاد التجار عشان أبوكي

سمعت حديثه الذى أثار قلقها فجلست على المقعد بحيرة من هذه المقدمة التى بدأ بها الحديث ثم سألت والفضول يقتلها:-
-فى أى يا عيسي؟ قلقتني بكلامك دا

-عامر طلج فيروزة

شهقت بفزع من هول الصدمة ووضعت يدها على فمها مما تسمعه وقالت بتلعثم:-
-أي؟ ليه؟ أنت أتخنقت معاه ولا حصل اى؟ أزاى تسيبه يعمل كدة

أخذ تنهيدة قوية من بين ضلوعه ثم تابع الحديث:-
-أنا مشوفتهوش أصلًا، البيه سابلى ورجة الطلاج مع البواب وهمل الشجة اللى كان جاعد فيها وطلع مأجرها مش ملكه، المهم دلوجت عاوز منك متفارجيش فيروزة وتفضلى جارها عشان مهتحملش الصدمة

-حاضر متقلقش، بس هنعمل أى فى الناس اللى تحت والرجالة اللى قاعدين فى الجنينة وعمالين يسألوا عنك وعن العريس
سألت بقلق شديد مما هو قادم فقال بجدية:-
-متجلجيش يا عطر الفرح هيتم بس خليكي جار فيروزة بس 

أومأت إليه بنعم رغم دموعها التى ذرفت من عينيها على ما حدث خصيصًا أن "فيروزة" فتاة رقيقة وجميلة لن تتحمل الخذلان التى تحملته "عطر" من قبل، شعرت أن الماضي يعيد نفسه من جديد وهذا الرجل ترك زوجته يوم زفافهما كما تركها "عاصم" بل جلبها إلى هنا حتى تُقتل على يد أهلها بعد أن طعن بشرفها وعرضها ، جففت دموعها وخرجت من الغرفة سريعًا مع سماع صوت سيارة "عيسي" الجميع يهللون بحضوره، دلفت إلى غرفة "فيروزة" التى كانت تقف فى الشرفة تنظر منها باحثة بعينيها عن زوجها ولم تجد له أثر فقالت بحيرة بعد أن ألتفت لهم:-
-عامر مجاش؟؟!!

نظرت "عطر" بأرتباك إلى "هدى" التى لم تفهم شيء كأبنتها، شعرت بغصة فى قلبها مما سيحدث الآن وكيف ستقتل بسمة "فيروزة" حين تعلم بالحقيقة وفرحتها ستُسرق منها بفضل رجل تخلى عنها بيوم هكذا أمام الجميع ، ألتزمت "عطر" الصمت وهى تضع يديها على قلبها من الخوف حتى دلفت "ذهب" إلى الغرفة تقول بأستغراب شديد كالبقية:-
-عيسي بيه عاوزة بطاجتك يا أنسة فيروزة

نظرت "حِنة" بدهشة لها وللجميع خصيصًا أن "فيروزة" تم عقد قرآنها فقالت بأستغراب:-
-بطاقة!!

سألتها "فيروزة" بفضول وعدم فهم لما حدث:-
-ليه؟

-مخابراش بس هو ويايا المأذون
قالتها بحيرة وأدركت "عطر" سبب طلبه لبطاقتها الشخصية لكنها تسائلت عن العريس الذي سيعقد قرآنه على "فيروزة"، خرجت "فيروزة" بغضب يقتلها كفضولها وهى تمسك بطاقتها فى يدها خائفة من قدوم المأذون فإذا جاء مرة للعقد فهل الآن سيطلق، أرتعب مما يحدث بينما هرعت "عطر" خلفها تناديها حتى وصلت للدرج وقبل أن تنزل رأت "عيسي" يجلس مع المأذون بالأسفل مع "مصطفى" ورجلين أخرين من رجاله، أخذت "عطر" البطاقة وأعطتها إلى "ذهب" ووقفت مع "فيروزة"، دلفوا إلى غرفة المكتب وبعد دقائق معدودة خرج الجميع وصعد "عيسي" إلى الأعلى حيث أسرته وبدأت النساء بالأسفل يطلقون الزغاريد فى السرايا ويصفقون بحرارة، وصل للأعلى ليرى اخته الجميلة بفستان زفافها مما زاد من غضبه أكثر من "عامر"، كانت أخته جميلة جدًا ورغم جمالها ألا أن عينيها بهذه اللحظة كانت على وشك البكاء، سألت "هدى" بقلق:-
-فى أي يا عيسي؟ عامر فين؟ مشيفهوش

أخذهما إلى غرفة والدته الأقرب لهما وكانت "فيروزة" و"عطر" ووالدته فقال بجدية:-
-أنا طول الوجت ومن يوم ما دخل البيت دا عشان يطلب يدها وأنا كنت ضد الجوازة دى، أفتكري يا أمى أنى وجفت جصاد جدى وأبويا الله يرحمهم وجولت أنه ميناسبهاش لكن أنتِ أتحمقتى جوى عشان خيتك الخالة سكينة وجولتى محدش هيحافظ على بتى جد خيتى

نظر إلى "فيروزة" التى لم تفهم شيء من هذا الحديث وقال بجدية صارمة:-
-وأنتِ جولتى لا، أنا رايدة عامر وموافجة عليه عشان بس كان كيف الصيع بيجيكى على المدرسة والكلية وجولتى لا أنا بحبه يا أبويا وهو بيحبني ومحدش هيصونى ويخاف عليا غيره 

-فى أي يا عيسي لزومه اي الكلام دا دلوجت
قالتها "هدى" بضيق شديد ليصرخ بهما غاضبًا من هذا الموقف الذي حل بهم:-
-في أن اللى بيحبك يا ست البنات سابك وخلع ورمالك ورجة طلاجك عند البواب ولو مكنتش روحت إسكندرية بليل كان زماننا جاعدين نضرب كف على كف ونجول ياترى هو فين؟

أتسعت أعين الجميع من هول الصدمة ولم تقوى "فيروزة" على تحمل هذا الحديث وأقتربت خطوة واحدة من أخيها بعدم تصديق ولا تستوعب هذا الغدر الذي لحق بها فقالت بتلعثم:-
-لا أنت أكيد بتكذب، أنت كذاب وبتكذب عليا عشان مبتحبش عامر 

رفع يده للأعلى لكي يصفعها لكن أستوقف "عطر" التى وقفت بينهما بسرعة البرق تمنعه من ضرب أختها وهمست إليه بذعر:-
-عيسي، قدر شعورها وموقفها

نظر إليها بغيظ شديد يكبح غضبه بداخله متوعدًا بالأنتقام من "عامر" على ما فعله، قال بهدوء شديد:-
-أنا كتبت كتابك على مصطفى عشان فضيحتنا جصاد الناس 

-أي أنا ....
كادت "فيروزة" تعترض من صدمتها التالية ليصرخ بنبرة مُرعبة أفزعت الجميع قائلًا:-
-أنتِ تخرسي خالص وإياك أسمع كلمة، أيجى أطلجي منه بعدين يا ست البنات، وكتر خيره جوايا انه سترنا جصاد الناس

خرج من الغرفة غاضبًا فألتفت "عطر" إلى "فيروزة" التى جهشت فى البكاء وهى تُتمتم بهدوء:-
-لا عامر ميعملش كدة، هيعمل كدة ليه؟ أنا أخر مرة كلمته كنا سمنة على العسل، لا عامر ميعملش أكدة

خرجت من الغرفة بفزع وهرعت إلى غرفتها حيث هاتفها، أتصلت عليه كثيرًا والهاتف مغلقة أرسلت له الكثير من الرسائل لكنه وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به مغلقة تمامًا، لم تفهم سبب ما حدث، دلفت "ذهب" إلى الغرفة ومعها دفتر المأذون لترفض "فيروزة" الإمضاء فربتت "عطر" على كتف "فيروزة" بعينى باكية على هذه العروس، وقعت "فيروزة" على الأوراق ودموعها تنهمر على وجنتيها بحسرة وألم يمزق قلبها مع عقلها الذى شَل مكانه ولا يصدق ما حدث ....

_____________________________________ 

وقف "عيسي" أمام الدرج ينتظر مع "مصطفى" لتأتي إليه "ذهب" وقالت بحرج:-
-الست سكينة مش جوا 

تأفف بضيق شديد من هروب "سكينة" وقال بضيق:-
-طبعًا بعد اللى عمله ابنها خلعت، تعال يا مصطفى

خرج الأثنين من السرايا معًا فهمس "مصطفى" فى أذنيه بنبرة هادئة:-
-عاوزك فى موضوع كدة

نظر "عيسى" له وربت على كتفه بهدوء ثم قال بنبرة خشنة مُستشاط غيظًا مما يحدث:-
-بعدين يا مصطفى، بكرة الصبح نتكلم

رحل الجميع ويصافح "عيسي" الرجال حتى أغلقت أبواب السرايا ودلف "عيسي" بصحبة "مصطفى" ووجد والدته و"حِنة" يجلسون وحدهما و "عطر" تنزل من الأعلى مُحدثة "هدى":-
-قافلة على نفسها برضو مش راضية تفتح لي

نظر "عيسي" إلى زوجته التى أبتلعت كلماتها فور رؤيتها لوجه زوجها الغاضب، أقتربت "هدى" بعيني باكية إلى "مصطفى" وقالت بحرج:-
-الله يسترك يا بنى زى ما سترت بنيتى 

تنحنح "مصطفى" بحرج من هذا الحديث وما زال عقله لا يستوعب أنه تزوج "فيروزة" مُدللة هذه العائلة وأجمل جميلات البلد بأكملها، "فيروزة" الفتاة التى حَلم بها كل شاب في هذه البلد، لم يجرأ "مصطفى" يومًا على رفع نظره بها أو أختلاس النظر إلى ظلها، لطالما دللها "عبدالحكيم" ووالدها وأخاها، تحدث بنبرة دافئة:-
-متجوليش أكدة يا ست الحجة، معاش ولا كان اللى يجيب سيرة أنسة فيروزة على لسانه بكلمة واحدة

أومأت إليه بنعم ووجهها حزينًا وعابسًا، تحدث "عيسي" بجدية:-
-أوضتها أول أوضة على الشمال، أطلع 

نظر "مصطفى" إليه بدهشة وهكذا "هدى" التى كادت أن تتحدث فقال بحدة:-
-أيه، يطلع برا مع الرجالة يوم فرحه، ناجصني كلمتين يدوروا بين الرجالة مش أكدة، دى حاجة تجصف العمر 

صعد الدرج أولًا مُستشاطًا غضبًا وغيظًا من "عامر" وهذه الليلة فصعدت "عطر" خلفه حتى وصلت إلى الغرفة ودلفت خلفه، رأته يقف فى الشرفة وينفث دخان سيجارته من الغضب فجلست على الأريكة بتعب من هذا اليوم خصيصًا مع حملها، بد
أت تنزع دبابيس خمارها ونزعته عن رأسها بصمت، لا تقوى على التفوه بكلمة واحدة الآن امام غضبه، خرج "عيسي" من الشرفة يتأفف ويفك أزرار قميصه من الخنقة التى تجتاحه فرآها جالسة أمامه مُنهكة من التعب ورغم ملامحها الشاحبة لكنها تلتزم الصمت لأجل أعصابه، تأفف بضيق شديد وذهب إليها وجلس على الأريكة قربها ثم مدد جسده ووضع رأسه على قدميها، رفعت يدها تضع خصلات شعرها خلف أذنيها وتبسمت بسمتها المُبهجة ربما تزيل الكثير من همومه، وضعت يدها على رأسه وبدأت تمسح على خصلات شعره الناعم بُحب ليقول:-
-تعبتك النهار دا يا عطر

أجابته ببسمتها الدافئة:-
-تعبك راحة ي حبيبي، أنت اللى تعبت النهار دا بس كنت عصبي شوية 

لم يُجيب عليها فأغمض عينيه بعد أن احتضن يدها الأخرى قرب قلبه، دمعت عيني "عطر" من الحزن وكل ما حدث الأمس واليوم يذكرها بماضيها وقساوة ما عاشته وتخلى والدها عنها وربما هذا كان الأكثر وجعًا أما "فيروزة" تملك "عيسي" أخ لم يتخلى عنها ولم يسمح لأحد بالتفوه بكلمة واحدة لأجلها، شقطت دمعتها طريقها إلى وجنتها ثم سقطت على وجنته تغلغل بين شعيرات لحيته ليشعر "عيسي" بها مما جعله يفتح عينيه، حدق بوجهها ليرى دموعها لوثت عينيها الزرقاء وأحمرت وجنتيها بشدة رغم أنه لم يشعر ببكاءها قبل شعوره بدمعتها، أعتدل فى جلوسه أمامها وأخذ رأسها بين كفيه فقال بقلق:-
-ما لك يا عطر؟ ليه البكي دا يا حبيبة جلبي

-متقساش على فيروزة يا عيسي، اللى هى فيه بيوجع أوى.. اسألني أنا عن الخيانة والغدر من حد انت وثقت فيه وامنته على نفسك وعلى قلبك
قالتها بحزن شديد مما جعله "عيسي" يشعر بغضب أكثر لكن هذه المرة من الغيرة التى أشعلت نيرانها فى صدره وهى تُحدثه عن رجل أخر خذلها وتخلى عنها وعن حُبها له، سحب يديه من فوق وجنتيها لتتمسك "عطر" بهما وقالت:-
-أنا بحبك أوى يا عيسي وفرحانة بوجودك معايا وأن ربنا عوضني بيك، عارف أنا النهار دا كنت حاسة بأيه

نظر "عيسي" إليها بهدوء ملتزم الصمت لتستكمل بقية الحديث الذى أشعل غضبه للتو، تابعت "عطر" الحديث بنبرة خافتة:-
-كنت حاسة بإحساسين عكس بعض، الأول زعلانة أوى من بابا لأنه سابنى لوحدي أواجه الحياة والثاني حلو أوى أن كل اللى حصلي دا كان نهايته أنت، أنت عندي متساويش كنوز الدنيا كلها يا عيسي

أومأ إليها بنعم لتقف بحماس أمامه وقالت بعفوية:-
-ها ، أي رأيك بقي فى فستاني؟ مقولتليش رأيك خالص

تطلع بفستانها الذهبي المرصع بالأحجار اللؤلؤية الذهبية من الصدر وفضفاض جدًا من الأسفل كفستان الزفاف وبأكمام مرصعة باللؤلؤ، دارت "عطر" حول نفسها كثيرًا لتشبه الفراشة الجميلة وشعرها يتطاير مع حركاتها الدائرية حتى كادت ان تسقط بسبب دورانها الكثيرة، وقف "عيسي" مُسرعًا يتشبث بها ويديه تحيط خصرها فسقط مُجددًا على الأريكة وهى على قدميه، أتكأت برأسها على كتفه من التعب وتلتقط أنفاسها بصعوبة فعرت بيديه يدلك بطنها كأنه يربت على طفله الموجود فى أحشائها حتى يهدأ ويكفى عن أليم زوجته الصغيرة، تمتمت "عطر" بنبرة خافتة:-
-متزعلش يا عيسي

وقف من مكانه يحملها على ذراعيه حتى أخذها إلى فراشها ووضعها برفق، ذهب إلى غرفة الملابس وأختر بيجامة لأجلها ولا يعلم كيف لها أن تبدل حاله وتمتص غضبه هكذا، من الأمس وهو لا يحمل شيء على صدره والحرف والواحد من أى شخص يُثير جنونه وغضبه، أم الآن تحول الغضب إلى قلق على زوجته ليدرك ما يقوى العشق على فعله بالقلب، وضع البيجامة بجوارها على الفراش وقال:-
-أنا نازل وجاي

خرج من الغرفة يبعثر خصلات شعره مُنهكًا من السفر ليلًا إلى الإسكندرية وعودته ليرى "مصطفى" جالسًا على الأريكة فى الصالون فأقترب منه مُندهشًا وقال:-
-جاعد كدة ليه؟

-محبتش أخرج برا والرجالة تتساءل
قالها "مصطفى" بحرج، أومأ "عيسي" له بنعم ودلف إلى المطبخ وصنع كوبين من الشاى الساخن وخرج إلى "مصطفى" جلس قربه وقال:-
-أشرب الشاى وبعدها تطلع لمرتك، أتكلم وياها 

-أتكلم وي أنسة فيروزة، لا العين متعلاش على الحاجب يا عيسي بيه

تنحنح "عيسي" بلطف وأرتشف القليل من كوبه ثم قال بجدية:-
-أسمع يا مصطفى، أنا مسميش عيسي بيه، أنت صاحب عمرى وبعد ما تكون صاحب عمرى أنت دلوجت جوز أختى، مسمعش منك كلمة بيه تانى واصل.. دا أولًا أما ثانيًا فهى أسمها فيروزة مبجتش أنسة دى بجت مدام مصطفي أبو الجبل، ودلوجت شرعًا ودينًا وجانونًا محدش له كلمة عليها غيرك، مبجتش الأميرة اللى ملكش ترفع عينيك فيها، لا بجت أميرتك أنت وحدك وأنت وحدك اللى ليك تدلعها وتكون سندها جبل مني كمان، وأنا لو ليا كلام معاك عنها فأنا هجولك اللى لازم يتجال، تحط فيروزة فى عينيك وأوعاك تزعلها أو تبكيها، تصونها وتحفظها ولما تحب تطلجها مهمنعكش لا هجولك تسلم وكتر ألف خيرك على وجفتك جاري النهار دا

نظر "مصطفى" إلى صديقه ولا يستوعب أنها حقًا باتت أميرته وحده ثم قال:-
-حاضر يا عيسي 

تبسم "عيسي" بعفوية ثم قال:-
-عن أذنك أنا طالع لمرتي وأنت كمان جوم أطلع لمرتك ومتتحدش وياها فى أى حاجة تخص عامر ولو سألتك على حاجة متجاوبهاش

خرجت "ذهب" إليه من المطبخ بصينية الطعام فأخذها "عيسي" منها بهدوء وقال:-
-أنا هأخدها يا ذهب روحي نامي أنتِ 

صعد بصينية الطعام ليترك "مصطفى" كوب الشاى من يده على الطاولة وصعد إلى الأعلى مُحرجًا لكن يجب أن يفعل، طرق باب الغرفة قبل أن يدخل ثم دلف إليها ليرى "فيروزة" أميرة هذه السرايا أمامه جالسة فى ركن بغرفتها على الأرض ولم تبدل فستانها حتى الآن ووجهها أحمر متورمًا من شدة البكاء ومنكمشة فى ذاتها ما زالت الدموع تنهمر على وجنتيها، طرحة فستانها الدانتيل ممزوقة على الأرض وجزءًا منها ما زال عالقًا برأسها مع حجابها، أعطاها ظهره بحرج حتى تكمل البكاء كما تريد، حدقت "فيروزة" به ولا تستوعب أن "مصطفى" بات زوجها الآن وأحلامها الجميلة عن هذه الليلة سقطت أرضًا ودهسها الجميع بأقدامهم بفضل "عامر" الذي تخلى عنها، لم تملك ذرة كره لـ "مصطفى" من قبل ولا الآن فتمتم بهدوء شديد ونبرة خافتة:-
-أنا هنام جارك على الكنبة هنا لحد ما الشمس تطلع وهنزل للرجالة

أومأت إليه بنعم دون أن تتفوه بكلمة واحدة، تقدم "مصطفى" بخطواته نحو الأريكة ووجد عليها صور "عامر" ممزوق لألف الأجزاء وبالأرض الهدايا التى جلبها لـ "فيروزة" كسرت منها ما يمكن تكسيره، أبعد الصور بهدوء ثم جلس فى صمت لأكثر من نصف ساعة مغمض العينين يستمع لبكاءها وقهرتها حتى أنه سمع صوت ضربها إلى قلبها بقبضتها تدل على قدر الألم الذي تحمله بداخلها، فتح عينيه حين سمع صوتها المبحوح تقول:-
-ممكن تساعدني

نظر إليها ليراها تقف أمامه بفستانها فظل يحدق بها بعدم فهم، لا يدرك ماذا تريد منه؟ فقال بهدوء:-
-أؤمرينى يا أنسة فيروزة؟

ضحكت بسخرية على كلماته وقالت بحسرة:-
-أنسة فيروزة؟!! ممكن تساعدني أفك الدبابيس دى

أومأ إليها بنعم مُحرجًا من ضحكتها الساخرة لتجلس على الأرض أمامه فأخذ يدها بذعر وهو يقول:-
-لا يا ست البنات مش مجامك تجعدى فى الأرض، أجعدى على الكرسي وأنا هجفلك

وقفت بحزن شديد يتملكها من "عامر" الذي أهانها أمام الجميع وهذا الرجل يعززها كجوهرة، ذرفت دموعها من جديد فى صمت قاتل وبدأ "مصطفى" ينزع لها الدبابيس واحدًا تلو الأخر ويشعر بأنتفاضة جسدها من البكاء وهى تطأطأ رأسها للأسفل من الوجع حتى تخفى دموعها وإنكسارها عنه، أدرك سبب تقطيعها لطرحة الفستان بعد أن عجزت عن فكها، رفع عن رأسها الحجاب وبدأ يفك لها دبابيس الشعر حتى أنسدل شعرها الأسود على ظهرها فوق يديه فوقفت من مكانها أمامه وقالت:-
-شكرًا

سارت بصعوبة تحمل فستانها إلى المرحاض وهو يتابعها بنظره رغم البكاء وحالتها الباهتة ألا أنها جميلة جدًا بفستانها وشعرها الأسود زاد من جمالها، شعر كأنه لأول مرة يراها بعيني الإعجاب، لا يعلم كيف لمُختل كـ "عامر" أن يترك فتاة كـ "فيروزة" من يده وهى تملك له كل هذا الحُب، أستقلى على الأريكة فى صمت وأستدار يعطيها ظهره حتى أنه شعر بخطواتها عندما خرجت من المرحاض وصعدت إلى فراشها، بدأت نوبة من البكاء من جديد وتكتم شهقاتها بالوسادة حتى غاصت فى نومها فجرًا من التعب، تسلل من الغرفة مع أذان الفجر وذهب إلى صلاة الفجر فى الجامع ومنها إلى رجاله الجالسين أمام السرايا حتى أشرقت الشمس وأستيقظ الجميع، دلف إلى غرفة المكتب وكان "عيسي" بها يجمع الأوراق الخاصة به فقال:-
-صباح الخير

-صباح النور يا مصطفى، ها عملت اي؟

جلس "مصطفى" أمامه وبدأ يتحدث بنبرة قوية جادة:-
-عرفت صاحب الرجم اللى خدنا من مرات السواج، طلع رجم عز اللى شغال عند حامد الشبل

أتسعت عيني "عيسي" على مصراعيها بصدمة ألجمته عندما علم أن قتل والده وجده له علاقة بـ "حامد" فصمت قليلًا يفكر فى الحديث وكيف ينتقم ليقول:-
-أسمع يا مصطفى، أبعت حد لفادية وتجيب منها التسجيل وتأخد منه نسخة توصلها لـ ناجي بيه اللى مراته بتخطط لجتله ومعه تبعت فى نفس الظرف صور لخضرة هانم مع حامد وهو هيأخد خطوته، إحنا بس يا مصطفي هنعرفهم قذارة بعض وأهو يبجى ضربنا عصفورين بحجر أى كان الخطوة اللى هيأخدها ناجى سوا الضرب فى خضرة أو حامد فهو هيخلصنا من واحد منهم والتاني يبجى من نصيبي ودا اللى نصيبه أسود 

أومأ إليه بنعم موافقًا على حديثه ليتابع "عيسي" الحديث بجدية صارمة:-
-أنا مسمعش حاجة عن نصر، أوعى عينيك تغيب عنه لأنه مكار، وكلم المعلم فى إسكندرية يمسحها مسح لحد ما يجيبلى عامر لأنها مخلصتش على كدة وهو هيظهر ما دام ليلة أمبارح وما دام سكينة مشيت كيف الحرامي يبجى عارفة بمصيبة ابنها... سيب كل حاجة يا مصطفى وراك وتجبلى عامر ، الدنيا كلتها كوم ومجيبك لعامر كوم تاني

تذكر "مصطفى" نوبة بكاءها وإنكسارها وكيف جلست على الأرض أمام قدميه من كسرتها وأحباطها، ليتواعد بالأنتقام من "عامر" لأجل دموعها فقال بحزم شديد ونظرة الشر تتطاير من عينيه:-
-أكيد، هجيبه .. هجيبه من تحت الأرض والله لو فى بطن الحوت لأجيبه تحت رجلها 

أومأ إليه بنعم ثم خرج من الغرفة ومنها إلى خارج السرايا.....

____________________________________ 

تسللت "فادية" إلى خارج المنزل بقلق شديد أن يراها أحد وأعطت التسجيل إلى "ذهب" التى تقف متخفية بملابسها حتى لا يراها أحد وذهبت مُسرعة إلى الشارع العمومي حيث سيارة "مصطفى" المصفوفة جانبًا أعطته المُسجل من النافذة لينطلق بسيارته الجيب الضخمة إلى أحد الرجالة وأعطته الظرف الذي أوصله الرجل إلى الفندق المُقيم به "ناجي"، دق باب الغرفة ليفتح "ناجي" ووجد مؤظف الفندق وأعطاه الظرف، أخذه "ناجي" بدهشة من هذا الشيء وقال:-
-شكرًا

عاد إلى غرفته وجلس على الأريكة وهو يحدق بالظرف ، خرجت له الفتاة من الداخل وجلست قربه فوضعت يديها على رأسه تداعب شعره بدلال وتقول:-
-مين يا حبيبي

لم يجيب عليها وفتح الظرف ليجد صور "خضرة" مع "حامد" وإيصال المبلغ الذي سحبته من البنك بنفس التوقيت، ضغط على زر المسجل ليُصدم من حديثها حين سمع مكالمتها مع "حامد" وهي تخطط لقتله والحصول على لقب أرملة بما أنه لم يطلقها رسمي، أستشاط غضبًا من مكرها وإتفاق "حامد" معها رغم ما حدث ليأخذ سترته من فوق الفراش وخرج من الغرفة مُسرعًا .......

يتبع 

           الفصل الثالث والعشرون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا





تعليقات