أخر الاخبار

رواية صرخات انثى الفصل الخامس والاربعون 45بقلم ايه محمد رفعت

      

رواية صرخات انثى 

الفصل الخامس والاربعون 45

بقلم ايه محمد رفعت




‏(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلةَ حيلتي وهواني على الناسِ، يا أرحمُ الراحمين إلى من تكلني، إن لم تكن ساخطًا عليَّ فلا أبالي، غيرَ أن عافيتَك أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِك الكريمِ الذي أضاءت له السماواتُ والأرضُ وأشرقت له الظلماتُ وصَلَحَ عليه أمرُ الدنيا والآخرةِ، أن تُحِلَّ عليَّ غضبَك أو تُنزِلَ عليَّ سخطَك، ولك العُتْبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك ❤) 


تثاقلت رأسها بشكلٍ جعلها لم تحتمل الاستقامة بمقعد الطائرة، فمالت على ذراع آيوب الذي يتمعن بنافذة الطائرة، يروي حنينه لبلده وأهله، انتفض جسده بقشعريرة مسته جعلته مرتبكًا للغاية، لا يعلم أمازال ينفر منها أم أن عقله يحاول استيعاب بأنها زوجته وقبل أي شيء فهي "سدن" المسلمة ويإرادتها الآن باتت تعترف بما هي تنتمي إليه. 


انسدل خصلات شعرها الأصفر على وجهها بأكمله، فاقترب بأصابعه يبعده عن وجهها حتى لا يزعجها، وعينيه تتشرب من ملامحها دون ارادة منه، وحينما وعى لما يفعله تنهد بضيقٍ وهو يهمس: 

_وأخرة اللي إنت فيه ده أيه يابن الشيخ مهران!! 


أعاد رأسه لظهر المقعد، فأغلق عينيه بقوةٍ يحاول ترتيب أفكاره الثائرة حول تلك المواجهة المفاجئة بينه وبين أبيه، يحاول إيجاد حلًا عقلاني يخرجه من ذلك المأزق بأقل خسارة ممكنة فلم يجد الا تلك الفكرة التي روادته بتلك اللحظة،  فسحب هاتفه واختار احدى المحادثات المدونة بإسم "إيثان"! 

                           ******

ترك الطبق عن يده بضيقٍ من تصرفات أخيه الطفولية، هادرًا بنفاذ صبر: 

_وبعدين معاك بقى يا سيف!!  مش معقول ده أنا لو بتعامل مع طفل صغير مش هيغلبني بالشكل ده! 


أجابه من يوليه ظهره، يحتضن وسادته دافنًا رأسه بها: 

_قولتلك مش جعان يا يوسف.. سبني من فضلك. 


جلس جواره يخبره بنبرته الهادئة:

_طيب وأوديتك؟ 


ردد باختناقٍ تجلى بنبرته المحتقنة:

_هأخدها كمان شوية، أنا كويس يا يوسف روح إنت المركز متنساش إن دكتور علي سابه تحت اشرافك لحد ما يرجع. 


تمعن به وباستغرابٍ قال: 

_طيب ومديني ضهرك ليه؟ 


بتحفظٍ قال: 

_ عايز أنام مش أكتر. 


يظن كذبته تلك ستمر على من قام بتريبته، ذاك المعتوه يظن بأنه سيتمكن من خداع أبيه، جذب يوسف كتفه وهو يصر على أن يواجهه:

_بصلي وقولي مالك؟ 


تفاجئ ببقايا دموعه العالقة بأهدابه الكثيفة، فانقبض قلب أخيه وهدر بذهول: 

_إنت تعبان؟!


ورفع يديه يفتش بالشاش الملتف حول رأسه وذراعه بعنايةٍ، هاتفًا بلهفةٍ: 

_فيك أيه؟!!! 


وتابع بشكٍ: 

_من ساعة ما عمران مشي من عندنا وانت حابس نفسك ولا راضي تأكل ولا تشرب في أيه يا سيف اتكلم! 


انسدلت دمعة من عينيه التي تتهرب من لقاء أعينه، وصمته يضع يوسف بحالةٍ لا يحسد عليها، حتى قال بخفوتٍ: 

_أنا عايز أنزل مصر مع عمران يا يوسف.. أنا مش عايز أستقر هنا. 


جحظت عينيه في صدمة، فمرر يده يمسح وجهه بتوترٍ: 

_عايز تبعد عني يا سيف؟ 


أزاح الغطاء الأبيض عنه واعتدل بجلسته قبالة أخيه: 

_دي مش بلدنا يا يوسف ولا عمرها هتكون... لو كان على الشهادة فأنا خلاص امتحاناتي قربت تخلص وهكون اتخرجت بشكل رسمي فمش محتاج أقعد واشتغل هنا. 


ابتسامة ساخرة تشكلت على جانبي شفتيه: 

_مكنتش دي احلامك ولا طموحاتك قبل ما أبعتلك تذكرة السفر للندن! 


ارتبك أمامه فنهض ينزع عنه قميصه الأسود، متجهًا لخزانته يجذب منها منامة منزلية مريحة، ورد دون أن يتطلع للفراش القابع به أخيه: 

_عادي يا يوسف.. أنا حابب أجرب حظي هناك. 


اتسعت ابتسامته ونهض يقترب منه، فمال على باب خزانته يستند بذراعٍ ويده الاخرى تندث بجيب سروال بذلته السوداء، مرددًا ببطءٍ متألم: 

_عشان أيوب صح؟ 


ابتلع ريقه بتوترٍ ومازال يحمل التيشرت بيديه، فاستطرد يوسف: 

_لإنه مقرر يستقر في مصر بعد امتحاناته عشان كده عايز تتخلى عن أخوك وتفترق عنه. 


وخز قلبه عنفًا، فسقط عنه ما يحمله واتجه بخطواتٍ بطيئة لاخيه يحاول تبرير موقفه: 

_لا يا يوسف أنا آآ.. 


رفع كفه يوقفه عن الحديث قائلًا: 

_مش زعلان ولا هزعل اطمن... اللي أنت عايزه هعملهولك لإن راحتك تهمني وفي المقام الأول.. ده صاحبك الوحيد ومن حقك تكون معاه زي ما من حقك تخطط لمستقبلك وحياتك.


أغلق يوسف جاكيته الأسود واتجه ليغادر في محاولة للفرار من أمامه قائلًا بابتسامة اصطنعها بالكد:

_أنا اتاخرت ولازم أمشي  متنساش تأكل وتأخد أدويتك عشان الجرح... وأنا هبقى أكلمك كل ساعتين أطمن عليك.


وتركه وغادر، فاتجه سيف ليجلس على طرف الفراش يعتلي ملامحه الضيق الذي تسلل إليه فور رؤية الحزن المسيطر على وجه أخيه.. مهلًا أخيه!!!  هل سيُبدي الصداقة عن أخيه الوحيد الذي فعل كل ذلك لأجله!! 


هز رأسه بفتورٍ وانزعاج من فعلته، فأسرع بخطواتٍ سريعة للمصعد، قاصدًا الچراچ الخاص بالمبنى متناسيًا كونه عاري الصدر. 


اختلج قلبه بين أضلعه حينما وجد أخيه يتكئ بمقعده على الدريكسون ويبدو بأنه ليس على ما يرام. 


طرق على نافذة السيارة مناديًا بهلعٍ:

_يوسف!!! 


رفع جسده للخلف وهو يتأمل من يقف أمامه بدهشةٍ، هبط من سيارته يندفع بتوتره وأسئلته: 

_في أيه؟  أيه اللي نزلك بالشكل ده؟  طيب حاسس بأي تعب؟!!   مرنتش عليا وأنا طلعتلك ليه؟!!! 


عينيه الحمراء فضحت سر مغادرته السريعة من أمامه، فانهمرت دموع سيف وضمه إليه، قائلًا ببكاءٍ طفل جرح أبيه دون قصدًا: 

_أنا آسف يا يوسف.. أنا بس اتعودت إن آيوب بيشاركني في كل حاجة، مش قادر أتخيل ان دي حالتي لانه مسافر كام يوم أمال لما ينزل بشكل نهائي بعد امتحاناته هعمل أيه؟   


ربت يوسف عليه بحنانٍ، فتابع الاخير بحزنٍ قاتل: 

_لو هو صاحبي فأنت أبويا وأخويا وصاحبي وكل حاجة في حياتي، أنا مش هسافر ولا هسيبك أنا هكون معاك هنا متزعلش مني بالله عليك.. 


وابتعد عنه يجذب رأسه ليحنيه قليلًا لفرق الطول بينهما، طابعًا قبلة احترام على أعلى رأسه: 

_حقك عليا.. أنا دبش والله. 


تخلى عن جموده وقال بصوتٍ حزين يستمع إليه سيف لأول مرة: 

_عايزني أحس بالغربة هنا من غيرك يا سيف! 


هز رأسه بعنف ينفي ما يقول وكأنه ليس هو نفس الشخص الذي أخبره بأنه سيغارد، فردد:

_لأ...لأ..مش همشي وأسيبك لوحدك يا يوسف أنا هكون معاك لإني عايز أكون أول واحد يشيل ابنك على ايدي...أنا مش همشي.


قال يوسف ببسمةٍ زرعها بالكد : 

_أنا مش هجبرك على حاجة.. شوف اللي هيريحك وأنا هكون معاك فيه. 


وضم وجهه بين يديه: 

_يالا إنت ابني اللي مخلفتوش، ولو ربنا كرمني بنص دستة عيال عمر ما واحد فيهم هيأخد مكانتك عندي.. انت ابني الكبير يا حمار! 


اتسعت ابتسامته وقبل أن يجيبه قطعه همسات أصوات من خلفهما، فاستدار سيف ليتأمل ما يحدث بينما أصبحت الرؤيا واضحة ليوسف بعد أن أفسح أخيه المجال عنه، فوجد ثلاث فتيات يتأملن سيف بأعجابٍ جعله يتعجب من أمرهن، فتطلع لما يتطلعوا إليه فتفاجئ بأنه لا يرتدي تيشرته الخاص. 


ضم سيف يديه لصدره بحركة درامية: 

_يا مصيبتشي اتفضحت وسط الخواجات! 


خلع يوسف جاكيت بذلته وألقاه إليه بغضبٍ: 

_استر نفسك يا زفت.. أقسم بالله لأوريك أيام سودة، نازل تستعرضلي نفسك!!  طيب ما كان من الأول يا حبيبي على الأقل كنت توقعلك عروسة لكن دلوقتي ميصحش إنت على وشك الارتباط بدكتورة زينب وأنا مقبلش بالكلام المايع ده سامع!! 


ما أن تلفظ بإسمها حتى تعلق به سيف بفرحة، وكأنه تناسى أمرها: 

_آه زينب يا يوسف جوزهاني.. أنا عايز أتجوز جوزهاني يا يوسف.. اتصل بعمران وقوله يجوزهاني.. أنا عايز أتجوز يا يوسف والله غرضي شريف ومحترم. 


برق بصدمة مما يستمع إليه، فدفعه للخلف حتى يتمكن بالوقوف بشكلٍ مستقيم: 

_هي الضربة قصرت عليك ولا أيه يا دكتور سيڤو!!   اطلع يا حبيبي كل وخد علاجك واقعد استناني لما أخلص شغلي وارجعلك. 


وأضاف وهو يقرص وجنته بسخرية: 

_أوعى تتشاقى عشان أجبلك حلويات وأنا راجع!! 


نزع يده بغضب:

_عيل صغير أنا!!  بقولك عايز أتجوز جوزهاني!!  


وتابع وهو يشير بأصبعه الذي كاد باختراق عين يوسف: 

_مالك في أيه؟  مش كنت هتموت وتجوزني أديني أهو بقولك جوزني!!!!! 


ضيق عينيه بمكرٍ، فانحنى لسيارته يفتح بابها، ومن ثم مال للخلف في محاولةٍ لجذب حقيبته الجلدية المربعة. 


انحنى خلفه سيف متسائلًا باهتمامٍ:

_بتعمل أيه يا يوسف؟ 


قال ومازال منحني: 

_أبدًا أصلي افتكرت معاد الحقنة المسكنة بتاعتك.. معرفش نسيتها ازاي!! 


ما أن انتصب بوقفته حتى وجده يركض للمصعد كالذي يفر من مصاص دماء يركض ليمتص دمائه الشهية. 


ترك يوسف الحقيبة بالخلف وانتصب يطرق كفًا بالاخر هامسًا بصدمة:

_لا حول ولا قوة الا بالله الولد اتجنن!!  


وهز رأسه بقلة حيلة، فأخرج القميص من سرواله ونسقه دون الحاجة لجاكيته الذي منحه لأخيه، وصعد سيارته مغادرًا للمركز الذي سيضم عمله الجديد برفقة دكتور "علي الغرباوي" 

                                   *****

هبط من سيارته تاركًا بابها للحارس الذي أسرع بالصعود محله ليصفها، بينما اتجه بخطاه الشامخة للداخل، جابت رماديته مجالس الضيوف السفلية، فوجد الجميع بالأسفل، وما لفت انتباهه زوجته تضم جوار زوجة أخيه الباكية. 


نزع عنه نظارته القاتمة واتجه يحيط حافة مقعدها بابتسامته المرحة: 

_مساء النكد. 


ومال ليتمكن من رؤية فاطمة التي تحاول مسح دموعها بحرجٍ، قائلًا بمرحٍ: 

_أيه يا فاطيما ده الراجل لسه طالع على باب الطيارة!  والحكاية كلها تلات أربع أيام مش مستاهلة كل ده! 


أخفض أحمد ساقيه عن الأخرى، ليتمكن من وضع قهوته على الطاولة الفخمة من أمامه، مردفًا بسخطٍ: 

_مالك بيها يا وقح!  البنت بتحب جوزها وزعلانه على سفره. 


وتابع وهو يتطلع جواره لفاتنه فؤاده، متعمدًا أن يخصها بحديث مقلتيه الجذابة: 

_في قلوب صعب تتفارق حتى لو ليوم واحد إسالني أنا. 


ردد بصوتٍ خافت سمعته الفتيات فقط: 

_بدأنا وصلة العشق الممنوع بدري أوي! 


كبتت زينب ضحكاتها بشكلٍ استدعى شكوك أحمد بأكملها، فتساءل بضيقٍ: 

_كان بيقول أيه الولد ده يا زينب؟ 


أسبل إليها ببراءة ماكرة: 

_ما تقوليه يا دكتورة زينب.. قوليله أد أيه هو راجل قاسي وعديم القلب إنه يظلم إنسان بريء وطاهر زيي.. إحكيله أنا كنت بمجد فيه وفي حبه لفريدة هانم الغرباوي ازاي!!  اتكلمي ودافعي عن إنسان راقي خُلق ليُدرس أو يتشرح عادي جدًا! 


انحنت مايا لتستند بجبينها على يدها ورأسها يهتز بقلة حيلة، سحب أحمد رشفة من كوبه وتركه يستكمل جلسته الدفاعية الزائفة ببرودٍ وكأنه لا يهتز لحرفٍ يقال، فمال على فريدة يهمس لها: 

_ أيه رأيك نتمشى بره شوية؟ 


وجدها جامدة الملامح تتطلع أمامها بثباتٍ، فلم تستمع لحرفٍ واحدًا له، ناداها بقلقٍ ويده تهزها برفقٍ: 

_فريدة! 


أفاقت من شرودها على هزته الرقيقة فرددت بتوترٍ: 

_بتقول حاجة يا أحمد؟


يجوب برأسها ضوضاء صاخبة كازدحام اشارات المرور وقت الظهيرة، تجلس بجسدها أمامهم ظاهريًا، ولكنها غائبة الوعي والادراك، تقاوم كل أفكارًا سيئة تهاجمها، بعد التعاسة التي أحاطتها فور اجراء ذلك الاختبار، فتتمنى من صمام قلبها أن يكون مخطئ لذا عليها الذهاب للمشفى لاجراء تحليل تفصل به غوغائها. 


أفاقت على هزة يد زوجها، فأبعدت خصلاتها القصيرة عن زرقة عينيها متسائلة: 

_في حاجة يا أحمد! 


تلك المرآة غامضة كالبلور المتعرج، كلما ظن بأنه تماسك جيدًا تنفلت قدميه عنها، ما بالها صامتة، شاردة منذ حفل قران ابنتها، كان يعتقد بأنها حزينة لأبتعاد ابنتها الوحيدة عنها ولكن على ما يبدو بأنها تخفي أمرًا عنه. 


أجلى أحباله الصوتية متسائلًا باستغرابٍ: 

_ في أيه يا فريدة؟ 


مشطت شعرها بأصابعها برقةٍ: 

_سرحت شوية يا حبيبي.. ها كنت بتقول أيه؟ 


حل الحزن معالمه، فهو يعلم بأنها تخفي عنه أمرها، هي غامضة بشكلٍ يستدعي قلقه لطيلة صمتها، هو الوحيد الذي يعلم ما خلف هدوئها، تنهد بنزقٍ وبدون رغبة بخوض نقاش وهمي قال: 

_مكنتش بقول حاجة.. أنا بس قلقت من سكاتك. 


قاطع عمران الاحاديث حينما قال  لفاطمة: 

_بقالي ساعة بحاول أضحكك وانتي قافلة احساسك الفكاهي بقفل كمبيوتر!!  


وتابع بغمزته المشاكسة: 

_مكنتش أعرف إنك متعلقة بيه للدرجادي يا فاطيما... شكلي كده والعلم لله هغير من علاقتكم الفريدة من نوعها دي. 


رسمت ابتسامة صغيرة تخفي بها حزنها الشديد، فلف عمران يده حول رقبة زوجته هامسًا لها بصوتٍ مسموع: 

_أول ما علي ينزل من السفر هسافر على طول.. عارفة لو مجاليش رسايل يترجوني فيها أرجع عشان حالتك النفسية اتدهورت هرفع عليكي قضية خلع يا بيبي! 


منحته بسمة مستفزة وقالت: 

_جوزي حبيبي إعملها وسافر وهتكون خدمتني، لإني فحتاجة هدنة من وقاحتك! 


ودفعته بقوة وهي تمتم من بين اصطكاك أسنانها: 

_شيل ايدك عني وإبعد احنا مش قاعدين لوحدينا.. إنت بتتفنن ازاي تكسفني قدامهم! 


اعتدل بجلسته راسمًا ابتسامة واسعة يستقبل بها نظراتهم المندهشة لما يحدث بينهما، ومال عليها يهمس بمكرٍ: 

_طلعلك مخالب وبقيتي بتخربشي يا بيبي!  الله يرحم لما كنتي بتجري تتداري ورايا من نعمان الملزق! 


رفعت حدقتيها إليه تبتسم له فبادلها الابتسامة بعشقٍ هدمت لذاته حينما قالت: 

_أنا أشك إنك ورثت عنه بعض الجينات!  


صعق من سماع ما قالت، وأشار لنفسه باستنكارٍ: 

_أنا ملزق يا مايا؟ 


هزت رأسها عدة مرات مؤكدة له باستهداف نظرة تستشهد على التصاقه بها، فهمس بنبرة جعلها مغرية بخبرةٍ اكتسبها: 

_بيقولوا عليا إني تقيل وصعب حد يوقعني فخليني أديكي درس من دروس الطاووس الوقح، أوعدك بعده هتتمني قربي أو نظرة واحدة مني! 


منحته نظرة من امرأة واثقة، متعمدة الاعتدال بجلستها واضعة قدمًا فوق الاخرى بتعالٍ: 

_وريني يا سيادة الطاووس! 


ضحك بملئ ما فيه وردد باعجابٍ صريح: 

_أووه.. حبيب قلب جوزه بقى واثق من نفسه لدرجة هزمت عُمران سالم الغرباوي بذات نفسه! 


كادت أن تمنحه ضربة تستهدف جبهة حديثه ولكن قاطعهما صوت أحمد الساخط: 

_لو هتقضوها همسات ولمسات جانبية يُفضل تأخدها وتطلع فوق.. راعي إننا معانا سنجل وواحدة بتبكي على فراق جوزها وموجود كمان فريدة هانم فنحترم نفسنا ولا أيه يا بشمهندس؟ 


ضم شفتيه معًا بنزقٍ متحاذق: 

_واضح إننا هنبتدي نغير ونغني ونلحن على بعض وده سكته مقفولة معايا يا آآ... آنكل!! 


ألقت فريدة مجلة الأزياء العالمية هاتفة بحنقٍ: 

_وبعدين يا عمران!   


واتجهت لتغادر مرددة بضيقٍ: 

_انا هطلع أغير هدومي وأخرج.. حاسة إني مخنوقة ومحتاجة أشم شوية هوا نقي. 


استقام عمران بوقفته وأردف بعد تفكير: 

_طيب أيه رأي حضرتك لو خرجنا كلنا لل beach؟ 


جذب أحمد جاكيته المنحدر على جانبي الأريكة الجلدية، ليتبع مكان وقفتهما القريب من الدرج: 

_فكرة كويسة يا عمران على الأقل فاطيما وزينب يغيروا جو. 


منحه ابتسامة عذباء واستدار للفتيات مشيرًا لهن: 

_يلا بسرعة غيروا هدومكم وهستناكم بالحديقة. 


                               ********

خطت الأقدام أرض مصر بعد ساعات طويلة من السفر الشاق، فاجتمعوا أمام البوابة الخارجية حيث تمكن آدهم من الانتهاء من مخالصة أوراق سيارته ليستلمها من صناديق الطائرة، فتحرك بها ليقابل مكان وقوفهم، فصعد آيوب جواره وبالخلف علي ولجواره شمس ومن جانبها آديرا التي تستكشف مصر لمرتها الأولى، وأكثر ما يلفت انتباهها الطقس الدافئ الذي استقبلها بدفءٍ وراحة غريبة بدأت تنبعث داخلها. 


وكأنها تشعر باقترابها من تحقيقٍ ارادة لشيء لا تعلمه، كل ما يتغمدها هي الراحة والسكينة، ارتياح يدغدغ مشاعرها التي خُلقت من العدم. 


أصر آدهم أن يصل آيوب وزوجته أولًا ليرى محل اقامته، وبعد طريقًا طويلًا وصل لزقاق الحارة الشعبية، فأشار آيوب له على منزله وطالبه بحرجٍ: 

_ده بيتي يا آدهم بس أنا هنزل قدام شوية عند العماره اللي على رأس الشارع دي، معلش تعبتك معايا. 


اتبع الوجهة المنشودة مرددًا: 

_عيب الكلام ده يا آيوب.. قولتلك ألف مرة احنا اخوات. 


ابتسم والحزن لفراقه يلمع بعينيه، فكأنما قرأ ما تنطق به مقلتيه فقال: 

_أنا متعمد أوصلك لبيتك عشان أعرف عنوانك.. متنساش أني وعدتك بهدية ولازم هوصلهالك بنفسي بس أوصل زوجتي والدكتور وأستقبلهم بنفسي وبعدين افضالك. 


انطلقت ضحكة علي لتشاركهما حديثهما المتبادل، هاتفًا بخبث: 

_ويا ترى بقى من حق دكتور علي إنه يعرف أيه المفاجأة المنتظرة ولا ممنوع يا سيادة الرائد. 


طالعه آدهم بالمرآة الأمامية وباحترامٍ كبيرًا قال: 

_ مفيش بينا أسرار يا دكتور.


وانجرف بنظراته لتلك الفتنة القاتلة التي تختلس النظرات إليه بحبٍ مغري، متابعًا بهيامٍ: 

_يعني إنت استئمنتني على أغلى جوهرة عندك مش هستئمنك على أسراري! 


ابتسمت وهي تخفض عينيها بخجلٍ، فابتسم علي قائلًا بمرحٍ: 

_أممم.. هنبتديها بقى رومانسيات من دلوقتي.. ما صدقت فارقت عُمران فعيارك على وشك إنه يفلت خد بالك! 


ضحك الجميع على جملته، فتوقفت السيارة أمام تلك العمارة حديثة البناء، فهبط آيوب أولًا ليلتقف من ينتظره بين أضلعه، والأخر يشدد من احتضانه وقد فقد سيطرته على دمعاته التي انهمرت تباعًا. 


راقب علي وآدهم ما يحدث بدهشةٍ، ها هو آيوب يحطم توقعاتهم عن شخصه للمرة التي لن يعلموا بعددها، يعانق شابًا غريبًا يحمل حول رقبته سلسال على شكل الصليب، ليؤكد لهما شكوكهما حينما لفظ بشوقٍ: 

_وحشتني أوي يا إيثان. 


ابتعد ذاك الشاب الوسيم عنه، واستدار يزيح دموعه مداعيًا ضيقه الشديد منه وقد منحه سببًا مبررًا: 

_لو كنت وحشتك زي ما بتقول كنت بعتلي تذكرة للندن أجي ازورك وأقعد أسليك ولا خلاص دكتور سيف بقى هو صاحبك وحبيبك.


وتابع مستنكرًا وهو يلتفت ليقابله بغضب: 

_من يوم ما عرفته وهو عامل عليك حجر.. لعلمك لو نزل مصر هكسرله رجله وأخد حقي منه، فاكر نفسه مين المتخلف ده!! 


انفجر ضاحكًا وهو يكاد لا يصدق ما يستمع إليه، ماله كلما صادق أحدًا يريد أن يكون صديقه الوحيد، وها هو صديق طفولته ورفيق الحارة الشعبية، الشريك الملتصق بذكرياته يتمرد معترضًا على سفره المفروض ويلقي تهمته على سيف الذي إن علم بوجوده سيكون مصيره هو القتل لامحالة. 


تنهد بقلة حيلة وهو يراقب ضحكات آدهم وعلي المكبوتة بصعوبة، وكلا منهما يستندان على جسد السيارة الأمامي باستمتاعٍ، إلى أن أشار له آدهم مازحًا: 

_أنا عايز أعرف احنا بنعمل أيه هنا عشان نكون في الصورة بس؟ 


التقطت أعين "إيثان" هذان الغريبان، فتنحنح علي بثباتٍ مضحك: 

_حضرتك احنا منعرفهوش، احنا لاقناه مرمي على الطريق وتقريبًا في حرامية مقلبينه وكان محتاج توصيلة مش كده يا آدهم؟ 


أجابه مؤكدًا وهو يلمح نظرات إيثان الغاضب: 

_هو ده اللي حصل بالظبط... وحالًا هترميله شنطه ومراته ونخلع. 


جحظت أعينه صدمة، وكأن احداهن ألقت على رأسه مياه الغسيل من الطابق العاشر كمعتداه، فأخذ يردد من خلفه بنبرة مهتزة: 

_مراته؟!!! 


واستطرد وصدره يتسع كأنه سيلتهم الاخير: 

_عشان كده طلبت مني أروقلك شقة في عمارتي!!  حققت كابوس أبوك وراجعاله بخواجيه يابن الشيخ مهران!


ضرب بكفه جبهته بقلة حيلة، وصاح مسرعًا: 

_اهدى وهفهمك فوق يا إيثان. 


صاح بصوتٍ جهوري: 

_تفهمني أيه بس... أنا كنت بعزك من معزة يونس صاحبي وأخويا.. بعد ما اتسجن ظلم وأنا وأبوك بندير محلاته على أمل إنه في يوم من الأيام خارج فيلاقي مشروعه واقف على رجليه، وكل ما الشيخ مهران يعرض عليا إنه يكلمك عشان تنزل وتساعدني في الادارة كنت بعارضه وبقوله يسيبك تركز في مذكرتك وتحقق حلمك في الاخر راجعلي بخواجاية يا شيخ آيوب!!  


وتابع وهو يلف يده من حول رقبته بعنف: 

_والرب أنا ما عايز أقل قيمتك قدام الناس المحترمة اللي جايبنك دول.. فاطلع معايا نكمل كلامنا فوق. 


طلت برأسها من نافذة السيارة فصعقت حينما وجدته يواجه شابًا يمتلك جسدًا كالمصارعين المتوحشين، لا تعلم لما خفق قلبها عنفًا مستطردًا ذكريات ما لاقوه معًا على يد رجال عمها، فانطلقت كالرصاصة القاتلة من باب السيارة إليه، تبعده بكل غضب عنه وهي تصيح بشراسةٍ تفاجئ بها الجميع: 

_ماذا تريد من زوجي أيها الحقير؟  


وتابعت وهي ترفع حذائها ذو الكعب الرفيع:

_ ابتعد من هنا الآن والا أبرحتك ضربًا.. ودعني أحذرك أنت لا تدري قوة الحذاء المستورد ففكر جيدًا قبل أن تقدم على فعل شيئًا أحمقًا مثلك! 


صعق علي وآدهم، حتى شمس التي تتابع ما يحدث بمللٍ، والنصيب الأكبر لآيوب الذي يرى شراسة آديرا الصادمة، بينما تحرك لسان إيثان ناطقًا بسخريةٍ: 

_هي الخواجاية دي من بولاق يالا؟! 


انكمشت تعابيرها بدهشةٍ، فاستدارت لآيوب تتساءل بحيرةٍ ومازالت تحمل حذائها باستعداد وضعية الهجوم: 

_ماذا يقول؟    هل سبني هذا المصري للتو؟! 


تدارك الأمر بصعوبة، فهز رأسه نافيًا ومن ثم تقدم يسحب منها حذائها ووضعها أمامها مشيرًا لها بحدة: 

_بربك يا فتاة ما الذي تفعلينه؟  هيا ارتدي حذائك قبل أن يتجمع حولنا المارة! 


ارتدته ومازالت تقابل نظرات حادة لذلك الإيثان الذي يبادلها بنفس الحدة والغضب، فتركهما وانطلق للسيارة قائلًا: 

_هات الشنط واطلع إنت يا آدهم. 


تساءل علي باستغراب: 

_هو إنت هتقعد هنا؟ 


نفى سؤاله موضحًا بارتباكٍ: 

_لا.. أنا مش هينفع أخد آديرا معايا البيت والدي لو عرف بموضوعنا ممكن يجراله حاجة..عشان كده كلمت إيثان صاحب يونس وجارنا وطلبت منه يوضب شقة في العمارة بتاعته عشان آديرا.. لحد ما على الأقل أقدر أمهد لبابا الموضوع.. 


هز علي رأسه بتفهمٍ وشجعه بقراره: 

_كويس إنك عملت كده.


وضع آدهم الحقيبتين أمامه ورفع كفه يصافحه قائلًا بمحبة: 

_حمدلله على السلامة يا آيوب.. خلينا على اتصال لحد ما أقابلك. 


هز رأسه بابتسامة جذابة: 

_هستنى منك مكالمة بمعاد الزيارة وياريت يكون معاك دكتور علي. 


ابتسم علي وأجابه: 

_لو كنت فاضي مش هتأخر.. بس أنا يدوب التلات أيام دول هيكونوا كلهم جري وسباق من مكان لمكان عشان أقدر أخلص ونرجع على طول أنا وشمس. 


مال آدهم عليه يهمس له وعينيه تتابع شمس التي تتصفح هاتفها بالسيارة: 

_ما تسيب شمس وتسافر إنت يا دكتور! 


_طب وامتحاناتها يا سيادة الرائد! 


وتابع بخبثٍ مضحك: 

_شكلي بطيبتي مش هنتفق مع بعض فأيه رأيك أسافر أنا وأبعتلك الطاووس الوقح تتشاور معاه عن الأمر ده. 


ابتلع آدهم ريقه بصعوبة مداعيًا خوفه الشديد: 

_شنطها هتكون في المطار قبل شنطك يا دوك... مش بيقولك الشرطة في خدمة الشعب وأنا بقى تحت أمرك! 


ضحك ثلاثتهم ثم دعوا آيوب للمرة الاخيرة، وانطلقت سيارة آدهم لطريق منزله. 


حمل إيثان وآيوب الحقائب للأعلى ومن خلفهما صعدت آديرا، فاتجهت لاحد الغرف تنتظر آيوب كما أخبرها، بينما جلسا معًا في الصالون المجاور للشرفة الرئيسية، فأسرع إيثان بسؤاله المتلهف: 

_عملت كدليه يا آيوب؟ 


تراجع بظهره ليحصل على جلسة مريحة، مرددًا بتعبٍ إلتمسه صديقه: 

_حكاية طويلة أوي يا إيثان.. أرجع بس البيت أخد دوش وأريح ساعتين وبعدها هحكيلك كل حاجة. 


وتابع بصوتٍ مزقه الألم والحنين: 

_تعرف أول ما نزلت من العربية وشوفتك حسيت ان شوية وهشوف يونس.. لانكم مكنتوش بتفارقوا بعض أبدًا. 


وانهمرت دمعة من عينيه تقص وجعًا يخوضه منذ أن وطأت قدميه الحارة: 

_مش عارف هدخل بيتي ازاي وأنا مش شايفه فيه، أنا كنت شايل هم رجوعي عشان اللحظة دي يا إيثان.. هيجيلي نوم ازاي وأنا شايف سريره اللي قصادي فاضي.. هقدر أتحمل وأنا طالع البيت وشايف اسمه على يافطة المحل!! 


تربع الوجع وحل الوجوم على وجه الاخير، فأخبره بصوتٍ محتقن: 

_مش لوحدك يا آيوب.. محدش حاسس بالنار اللي قايدة جوايا.. طول السنين دي بحاول أوصله أنا والشيخ مهران ومش عارفين نوصل لحاجة.. أنا بقيت حاسس إني بدور على شيء وهمي مالوش وجود.. بقيت خايف أصدق حقيقة إنه ميت مش عايش.. 


وتابع ببسمة حملت معاني الألم من أوسع أبوابها: 

_يونس على الرغم من تدينه عمره في يوم ما حسسني إني مسيحي أو نفر مني.. كان بيتعامل معايا معاملة الأخ لأخوه وكل ما أنكشه يقولي المعاملة الحسنة اللي بينا أنا عمري ما هفرض عليك شيء.. كنت بحترمه وبحب طريقة تفكيره. 


واتسعت ابتسامته وهو يقص لآيوب بأعين بكت دماءًا: 

_من حبي فيه كنت بفضل طول رمضان أجهز واجبات وعصاير وننزل أنا وهو وقت الآذان نوزعها كلها، ولما يسبني وروح يصلي ورا الشيخ مهران في المسجد كنت بقعد قدام الباب أستناه عشان أديله وجبته وكان بيرفض يأكلها لوحده كنا بنتقاسم فيها مع بعض.. 


تهاوت دموع آيوب دون توقف، فرفع إيثان ذراعه يمسح عينيه وهو يستطرد: 

_أنا لسه بعمل كده لحد النهاردة يا آيوب بجهز واجبات وبوزعها وأنا بتمنى من قلبي إنه الثواب يروحله هو ويخرج من أزمته.. وكل رمضان بعلق الزينة بنفسي قدام محلاته زي ما كان بيعمل بعمل على أمل لما يرجع ميحسش بالتغيير مع إن في غيابه كل شيء اتغير!! 


دفع إيثان الطاولة من أمامه وانهار باكيًا، وهو يحيط وجهها بساعديه، هادرًا بانفعالٍ: 

_كل اللي حصله ده بسبب بنت ال***، اللي عملته معاه خلاني كرهت الحب والستات، مبقتش قادر أمن لواحدة ست، الغدر اللي شافه على ايدها بعد قصة الحب الاسطورية دي خلتني أخاف يا آيوب... كان عايش بيتمنى اليوم اللي هيتجوزها فيه.. مفرحش حتى بشقته اللي تعب فيها.. ١٥يوم بعد جوازه منه وابن عمها الحقير رتبله كل ده وحبسه وجيت هي وكملت عليه ورفعت قضية الخلع عشان تتجوز الكلب اللي اتجوزته.. 


ولطم صدره مستهدفًا موضع قلبه: 

_قلبي كان بيتحرق عليه... أنا عارف إنه قوي وصبور بس بعد ضربتها دي فأنا متأكد إن يونس مات في اليوم اللي عرف فيه باللي عملته. 


واستدار بوجهه لآيوب المستند برأسه للخلف بانكسارٍ، يخبره بفرحةٍ وشماتة: 

_اللي مهونها عليا اللي بيحصلها. 


ضيق عينيه بعدم فهم، فاستكمل إيثان بايضاح:

_كل يوم والتاني بتيجي لامها غضبانه.. الكلب جوزها بيضربها وبيهنها.. بيخلص حق يونس منها، بتيجي تقعد اسبوع والتاني وبيرجعها بردو بعلقة قدام الحارة كلها. 


جز على أسنانه بغيظٍ وهو يقول: 

_بس اللي قهرني إن مفيش حد بيتدخل بينهم وبيحل الا أبوك.. الشيخ مهران!!  كأنه نسى الأذية اللي قدمتها لابنه الكبير.. مبقتش استغرب منه لإني عاشرته وعارف إنه رباكم على عدم رد الأذية بالأذية.. بحاول أفهمه إنها متستحقش المعروف بس مش سامع كلامي. 


تحرر آيوب من صمته أخيرًا، فربت على ساقه بحنانٍ وأمل يوُلد داخله: 

_انسى اللي فات وفكر في بكره.. أنا واثق أن فرج يونس جاي وقريب أوي كمان. 


واستقام بوقفته يتابع: 

_خد شنطتي واستناني تحت وأنا خمس دقايق وهحصلك. 


حرك رأسه بخفة وحملها واتجه للاسفل، وولج آيوب للداخل طارقًا باب الغرفة، وما أن استمع لصوتها يسمح له بالدخول، عرج للداخل فوجدها تتمدد على الفراش بارهاقٍ.


منحته ابتسامة كانت غامضة إليه، لا يعلم ماذا أصابها منذ أن أعتنقت الاسلام على يد عُمران، طال صمته مما دفعها لتتساءل:

_أأبرحك ذاك المزعج ضربًا؟ 


فشل بكبت ضحكة تمردت على وجهه الوسيم، فحك أنفه وهو يردد: 

_آديرا إيثان صديقي وما حدث بالأسفل لم تكن مشاجرة بيننا إنما هو عناقًا رجوليًا، ولنقل أننا نحن المصريين حينما نشتاق للقاء أحدًا نعبر بطريقة مختلفة عنكم. 


هزت رأسها بعدم اقتناع ورددت بعربية مضحكة: 

_آيوب أنا عاوز أهرج (أخرج) وشوف مصر.. من زمان نفسي شوفه. 


رمش بعدم تصديق، وردد: 

_منذ متى وأنتِ تتحدثين العربية؟ 


ضحكت وهي تخبره بمزحٍ: 

_أنا لا أتحدثها ولكني كنت أحيانًا أتلصص على حديثك أنت وأصدقائك بالأخص ذلك المتوحش اللطيف! 


ضحك بملئ ما فيه، فراقبت وجهه الضاحك بهيامٍ وكأنه بدأ يلقي سحره عليها، سيطر على ضحكته وقال وهو يدعي ثباته: 

_حاضر يا ستي عيوني.. هفرجك على مصر وهعمل معاكي الواجب كله بس أنا في حاجة عايز أقولك عليها. 


انزعجت تعابيرها بعدم فهم لحديثه، فزم شفتيه ساخطًا على حماقته وصاح: 

_أعدك بأنني سأخذك برحلة فريدة من نوعها ولكن علي إخبارك بأمرٍ هام. 


هزت رأسها تصرح له الحديث، فقال: 

_عائلتي لا تعلم شيئًا بخصوص زواجنا، فلا أريد أن أفاجئهم بأمرنا الا بعد أن أتحدث إليهم أولًا لذا أريدك أن تبقي هنا حتى أصرح لهم  بذلك. 


تجهمت معالمها حزنًا، ورددت بحسرةٍ: 

_ولكنني كنت أتلهف للقاء والدك.. لقد أخبرني المتوحش بأنه من سيمسك يدي لأول طريق الإسلام..وأنا أود ذلك... كنت أتأمل أن ألقاه فيخبرني عن دينكم. 


تأثر لما استمع إليه لدرجة جعلته يبتسم بحبٍ تراه بمقلتيه لأول مرة، فرفع يده ببادرة جديدة عليه وضم جانب وجهها قائلًا برفقٍ: 

_أعدك بلقاءٍ قريبًا به..ولكن دعيني أمهد له الأمر أولًا. 


هزت رأسها بخفة وابتسامتها تقص سعادتها باقترابه منها لهذا الحد، سحب كفه متنحنحًا بتوترٍ،  ونهض مسترسلًا: 

_سأغادر الآن.. وربما أعود الغد. 


وتركها وغادر على الفور، ليذهب برفقة إيثان للقاء والده "الشيخ مهران"

                                 *******

طاولة خشبية بيضاء تلتف من حولها المقاعد الفخمة، وضعت خصيصًا على الجسر الخشبي المتصل لمسافةٍ كبيرةٍ من البحر، والخضرة والأشجار تحيط من حولهم. 


هنا حيث تجلس فاطمة جوار زينب تتبادلان الأحاديث بمرحٍ وسعادة ويتعمق الحديث بينهما لأول مرة، ومن قبالتهما مايا وفريدة وعلى رأس الطاولة أحمد الذي يتابع جهاز البورصة العالمية، بينما بالابتعاد عنهم قليلًا، وبالأخص بمنتصف البحر يقف عُمران على اللوح الطائر (الفلايبورد)  ، يتصل بخرطوم يصل لذاك السائق الذي يترك التحكم لعمران المستمتع بمغامرته المفضلة. 


يتطاير باللوح أعلى المياه ومن ثم يصل علو الارتفاع لمسافة كبيرة، وينحني فجأة ليصل مرة أخرى للمياه. 


تابعته الفتيات بخوفٍ، فكانت زينب أول من رددت: 

_هو مش خايف البتاع ده يغطس في الميه؟ 


ابتسمت فريدة وتركت مجلتها، ثم أجابتها: 

_متخافيش عُمران شاطر جدًا وبيعرف يتحكم فيه.


خطفت نظرة سريعة لزوجها وقالت: 

_أنا كمان بحب أركبه جدًا، بحس إني زي الطير اللي في السما وبجرب احساسه وهو بيقرب من المية. 


تعانقت نظراتهما بحبٍ، والصمت يتلاعب بينهما إلى أن تساءلت مايا باهتمامٍ: 

_بجد يا فريدة هانم ركبتيه قبل كده؟ 


ابتسمت وهي تلتقط كوبها من الشاي الأخضر، هاجسها الاكبر للحفاظ على وزنها المثالي: 

_أيوه ركبته مرتين قبل كده مع عمران بس من زمان أوي كنت صغيرة عن كده أكيد. 


مال أحمد إليها يحتضن كفها برقةٍ أذابتها كقطعة شوكولا تستجيب للنيران: 

_ومين قالك إنك كبرتي يا حبيبتي، إنتِ لسه زي ما انتي بالعكس أنا حاسس إنك بتصغري عن الأول.. 


وتابع وهو ينحني بقبلة على أصابعها: 

_هتفضلي في نظري أجمل ست شافتها عنيا واتمناها قلبي. 


ضحكت الفتيات وكلا منهن تميل بحلمية، افتقادًا لمذاق الحب المميز كحبهما، فاقت فريدة من شرودها بعينيه الرومادية، فسحبت كفها بخجلٍ. 


اتسعت ابتسامة أحمد وتابع وهو يلتقط قطعة من الكعك: 

_مش حابة تعيدي التجربة للمرة التالتة؟ 


رمقته بذهولٍ، وتسلل لها ابتسامة فرحة، ممتنة لوجود ذلك الرجل الذي يشجعها دومًا على فعل ما يجعلها سعيدة، محطمًا عوائقها التي تصنعها وتضعها أمام نفسها. 


رددت وهي تنحني تنزع حذائها المرتفع: 

_حابة جدًا. 


انهت كلماتها وهي تبعد مقعدها وتسرع لأخر الجسر الخشبي حافية، تشير بيديها وهي تنادي متلهفة: 

_عُمــران! 


انتبه لها فاتسعت ابتسامته وهو يلبي ندائها، أسرع إليها يخطف يدها لتضع قدميها أمام قدميه، ويده تحيط خصرها، ارتفع بها عاليًا وهي تفرد ذراعيها وتغلق عينيها بقوةٍ، تاركة الهواء يحرك خصلاتها السوداء بدلالٍ. 


تركت ذاتها لخوض تلك التجربة التي كانت بحاجة لها، راقبها الفتيات بصدمة وأخر ما يتوقعوه رؤيتها تشارك عمران اللوح الطائر المائي، وابتسامتها الواسعة تلك تجعلهم بحيرة من أمرها. 


مالت فاطمة على زينب تهمس لها: 

_مستحيل دي تكون فريدة هانم!!  حاسة إني مع الوقت بكتشفها من أول وجديد! 


ابتسمت زينب وقالت وهي تراقبهما: 

_تعرفي إني بحب علاقتها بعمران ده أوي... بحسه إنه بيتعامل معاها معاملة خاصة كده.. مش معاملة الابن لأمه أبدًا.. بيتعامل معاها كأنها أخته الصغيرة وده مخليني مستغرباه جدًا!! 


أجابتها وهي تسحب هاتفها لتراقب بلهفة رقم علي عساه أرسل برسالة دون أن ترآها: 

_دي شخصية عمران.. صعب تكون مفهومة.. بس المؤكد بالأمر إني برتاحله وبثق فيه جدًا... ويمكن ده اللي خلاني بحب شغلي! 


ضمت مايا رأسها بتعبٍ، لا تعلم لما عاد لها هذا الصداع الصباحي والنفور المتكرر من الطعام، حاولت أن تستمد طاقتها من كأس البرتقال الموضوع من أمامها، فشعرت بأنها تحسنت قليلًا. 


انتبهت لصوت عمران يناديها، فتطلعت تجاه الجسر الخشبي فوجدته يعاون فريدة على الهبوط ويشير لها قائلًا بخبث لم تلاحظه بنظراته الماكرة  : 

_مايا لو سمحتي اديني موبيلي. 


انساقت وراء خديعته، فانطلقت حاملة الهاتف تقدمه له، فوجدته يقبض على كفها الحامل للهاتف ويقربها لنهاية الجسر، انقبض صدرها وجحظت عينيها بفزعٍ، فصرخت به وهي تتراجع للخلف بخوفٍ: 

_عُمــــــــران   لأ.. انت عارف اني بخاف!!  


ضحك وهو يراقبها، تكاد تتمدد أرضًا لتفلت من يده، فردد لها بخبث: 

_معقول معندكيش ثقة فيا يا بيبي!! 


جذبت يدها وهي تستجديه بعشقه: 

_لو بتحبني سبني أنا خايفة بالله عليك!  


وتابعت وهي تتأمل انغراس قدميه بالمياه: 

_آآ.. انا أساسًا دايخة من الصبح.. سبني! 


ضيق رماديته الساحرة ومازال يراقبها باستمتاعٍ، فرفعها بسهولةٍ إليه وتابع بهمسٍ أربكها: 

_حبيب قلبي خايف وهو في حضني؟! 


وأشار لها وهو يسحبها إليه كالمسحورة بتعويذة قوية: 

_حطي رجلك هنا وأنا همسكك متخافيش يا بيبي! 


اتبعته وعينيها لا تفارق خاصته فابتسم بحبٍ لها، حتى ارتفع بها للأعلى فاستعادت وعيها تدريجيًا، فانطلق صراخها يجلل من فوق المياه هاتفة بتوسلٍ: 

_نزلني يا عُمرااان... نزلني لأااا... يا فريدة هانم الحقيني قوليله ينزلني... لااااا... يا خالتووووووو.... يا أنكل أحمد اتكلم بالله عليك!


تعالت ضحكاتهم جميعًا، ونهض أحمد يتجه لحافة الجسر يشير له: 

_هاتها يا عُمران.


أشار له بالرفض وصاح بصوتٍ مرتفعًا ليصل إليه: 

_مينفعش مراتي تكون جبانة! 


صرخ الاخير وهو يتطلع للاعلى حيث المياه المتدفقة من اللوح: 

_حرام عليك البنت خايفة! 


تعلقت مايا برقبته فجعلته يقهقه ضاحكًا، وكل ما تردده: 

_نزلنـــــــــــــي... نزلنـــــــي!! 


تمسكت به بقوةٍ واستدارت لتقابله، فانحنى ووضع يديه أسفل ساقيها ورفعها إليه وفستانها ينحدر من خلفها. 


مالت على صدره مغلقة العينين هامسة برجاءٍ: 

_نزلني يا عُمران أنا خايفة. 


أجابها ساخرًا: 

_خايفة من أيه وأنا شايلك على قلبي؟  تحبي تطلعي فوق كتفي أضمن؟ 


تمسكت بالحبل الرفيع الخاص بالفانِلّة التي يرتديها وبتعبٍ هاجمها فجأة قالت: 

_عُمران أنا دايخه أوي حاسة إني آآه........ 


مال رأسها على صدره مستجيبًا لأغمائها، ساحبة قلبه من خلفها، ظنها تخدعه ليهبط بها، فأخفض ساقيه واتجه للجسر الخشبي. 


وضعها برفقٍ ونزع عنه الاربطة ليلحق بها على الفور، رفعها إليه وهو يناديها بفزعٍ: 

_خلاص يا حبيبتي نزلنا.. افتحي عينك يا مايا أنا آسف والله ما كنت متخيل إنك بتخافي للدرجادي. 


نثر المياع على وجهها ولكنها لم تستجيب إليه، فصرخ برهبةٍ جعلت العائلة تنتبه إليه: 

_مايـــــــــــا!! 

                          **********

صف آدهم سيارته بالجراج الخاص بمنزله، فهبط مسرعًا يفتح الباب الخلفي مرددًا بنبرة حملت رسالة حبه المبطنة: 

_شمس هانم. 


منحته بسمة رقيقة جعلته يشعر بانتعاشة قلبه، حملت طرف فستانها الأزرق وهبطت بخفة تتبعه للباب الجانبي ومن خلفه علي الذي يردد باحراجٍ: 

_مكنش له داعي  يا آدهم أنا حجزت سويت ليا أنا وشمس في فندق قريب هنا. 


احتج لما يبرر له، وصاح باصرارٍ: 

_فندق أيه اللي عايز تنزل فيه يا علي.. هو إنت مش مديني ثقتك ولا خايف لمنقدرش نقوم بواجب الضيافة  يا دكتور! 


تعمق بالتطلع إليه وبيأسٍ واستسلامًا أردف: 

_إنت عنيد. 


أكد له بإيماءة من رأسه وابتسامة واثقة، وأشار له لباب الدخول: 

_اتفضل يا دكتور. 


باغته بنظرة تجابهه وبنفس اشارته قال: 

_من بعدك سيادة الرائد. 


تقدمه آدهم واتبعه علي بعدما لف ذراعه على كتف شقيقته بحنانٍ، صعدوا الطابق الأول من المنزل، حيث كان عبارة عن ثلاث طوابق، وحديقة متوسطة الحجم، وعلى الرغم من أنها سكنت بڤيلا وقصرًا ضخمًا عن ذلك المنزل الا أن ذوقه الراقي جذبها منذ أن وطأت قدميها عتبة المنزل. 


اتجهوا للصالون الجانبي حيث كان مصطفى والده بانتظارهم على مقعده المتحرك، فما أن رأهم حتى فتح ذراعيه وهو يردد بصوتٍ متحشرج: 

_عمر.. ابني! 


ترك الحقائب من يديه وهرع ينحني بقامته الطويلة ليكون على نفس مسافة أبيه يضمه بقوةٍ، والاخر يتشبث به وكأنه عناقهما الأخير، يعاتبه بدمعٍ أبي: 

_كده هان عليك أبوك تسيبه كل المدة دي.


ابتعد عنه يرفع يديه يقبلهما معًا ومن ثم يعلو ليطبع قبلة على منبت شعره الأبيض: 

_حقك عليا يا صاصا.. ما أنت عارف إن المهمة دي كانت بالنسبالي حياة أو موت... حق ماما الله يرحمها كان دين في رقبتي ومكنتش هرتاح الا لما أخده.. ناري مبردتش غير وأنا شايفهم سايحين في دمهم. 


يعلم أنه عنيدًا لا يرضخ سوى للصائب من وجهة نظره، ولكنه بالنهاية سعيد لعودة حق زوجته الغالية، فربت عليه بحنان وقال: 

_المهم انك رجعتلي يا حبيبي... كنت خايف أموت من قبل ما أشوفك. 


أحاط وجهه بلهفة وألم: 

_بعد الشر عليك متقولش كده.. أنا مبقاش ليا غيرك يا بابا. 


واستطرد بمزحٍ وهو يدفعه بخفة: 

_وبعدين بقى معاك يا لئيم جايبني من أخر الدنيا عشان تفاتحني عن جوازك وقصة حبك اللي معرفهاش يا شقي ودلوقتي بترسم عليا حوار الأب اللي طالب ابنه يبلغه الوصية.. عليا يا صاصا؟! 


لكزه وصوت ضحكاته يطربه ويطرب سماع علي وشمس المتابعان لما يحدث بحبٍ تاركين لهما مساحة خاصة، إلى ان انتبه مصطفى لهما فقال بفرحة وعينيه تطوف زوجة ابنه: 

_بسم الله ما شاء الله... دي أكيد شمس صح؟ 


أكد له آدهم ونهض يجذبها لتقترب منه: 

_شمس ده بابا..تقدري تناديه بصاصا هيحبك أوي! 


ضحكت برقةٍ ومدت يدها إليه قائلة على استحياء: 

_اتشرفت بحضرتك يا عمي. 


امتنع بوضع كفه بكفها وردد بحزن مضحك: 

_ده سلام بين الأب وبنته بذمتك!  


ولكز آدهم بعنف وهو يتابع: 

_اشمعنا الواد ده يتأخد بالاحضان وأنا لأ!  أين المساواة؟  أين العدل؟  أين الحكومة؟ 


ضحك آدهم وقال: 

_الحكومة مرة واحدة!  ميمشيش معاك الأمن القومي!  


ارتبكت بوقفتها، لم تختبر يومًا شعورها بوجود أبًا يضمها لصدره، فاستدارت تجاه علي الذي حرك رأسه لها، فانحنت تحتضنه بتوترٍ. 


ربت على ظهرها بفرحةٍ وقال: 

_نورتي بيتك يا بنتي. 


ابتعدت تجيبه على استحياء: 

_منور بوجود حضرتك يا عمي. 


سألها بمرحٍ وهو يتمعن بها: 

_انتِ جاية مع الواد ده لوحدك؟ 


اقترب علي ليظهر بالصورة المنتقصة يصافحه بابتسامة جذابة وعلى نفس وتيرته المرحة قال: 

_معندناش بنات تسافر لوحدها وبالذات مع ظابط خطير زي سيادة الرائد. 


ضحك بعلو صوته وقال بفرحة كأنه أحرز هدفًا على ابنه: 

_والله باشا... أبويا زمان علمني مثقش في اتنين لا في الحرامي ولا الظباط ومتسألنيش ليه! 


ضحك علي وسأله: 

_طيب أثق في مين طيب؟ 


قال من وسط ضحكاته: 

_جدد ثقتك في الظباط لو ابني عرفك على نفسه وهو بإسمه اللي مستعر منه  لكن لو دخلك من صيغة الاسم التاني فاهدر كل ثقتك بالجيش والحكومة وبابني قبلهم!! 


ضحكت شمس بصخب فتلقت اشارة آدهم بالصمت والا تبوح بسره، ولكن على ما بدى بأن أبيه اكتسبها لصفه فقالت: 

_خلاص يا عمي أنا كده فقدت الثقة في ابنك للأبد! 


مال برأسه للخلف ليتمكن من رؤية آدهم، فمنحه نظرة اجتهد ليجعلها حازمة: 

_كده يابن مصطفى الرشيدي بتستعر من اسمك ورايح تشبك الموزة بإسم أمك!


ورفع يديه للسماء سريعًا كأنه ملقن لاستكمال حملته كلما ذُكر إسمها:

_ رحمة الله عليكي يا زبيدة!. 


واستدار يستكمل: 

_ابقى خلي أمك تنفعك يالا!  


ورفع يديه يردد: 

_رحمة الله عليكي يا زبيدة.. سامحيني يام عمر الواد ده مستفز! 


سقطت شمس على أخيها من فرط الضحك وآدهم يفور غيظًا، فأشار بيديه على الخادمة وهو يجاهد لاغتصاب ابتسامة هادئة: 

_اتفضل يا دكتور... مارينا خدي الدكتور والهانم لغرفهم أكيد تعبانين من السفر واتأكدي ان مش ناقصهم حاجة. 


أشارت له باحترام واصطحبتهما للأعلى، فبقى آدهم بصحبة أبيه بمفردهما، سحب آدهم مقعدًا ووضعه أمام أبيه يطالعه بكل حبًا، والدفء يتسلل لنبرته الرخيمة: 

_ها يا حبيبي أيه الموضوع الخطير اللي باعت تجبني من لندن عشانه؟ 


        الفصل السادس والاربعون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close