أخر الاخبار

رواية لايليق بك الا العشق الفصل التاسع والثلاثون39 بقلم سماح نجيب


رواية لايليق بك الا العشق الفصل التاسع والثلاثون39 بقلم سماح نجيب
٣٩–" ليلة مدفوعة الأجر "

خروج أدريانو من القبو بعد تلقيه مكالمة هاتفية عاجلة ، كانت فرصة ذهبية لعمرو بأن يقترب من سهى ويجثو على ركبتيه بجانبها ، سحب قطعة القماش ، التى تكمم فمها ، فبعد صراخها وطلب العون والمساعدة ، أسرع أدريانو بتكميم فمها ثانية ، بل إنه كان قاب قوسين أو أدنى ، من أن يخرج سلاحه النارى ، ليطلق عليها الرصاص ، بعد إفراطها بالحركة وركلها بقدميها قدر إستطاعتها وهما موثوقتان 

تردد بادئ الأمر فى مد يده ، ولكن تلك الدموع التى راحت تنهمر من عينيها ، جعلته يحسم أمره بالأخير ، فبعد أن أزال ما يعيقها عن الحديث ، أسرع بوضع يده على فمها ، عندما رأها تهم بفعل ما فعلته منذ قليل من أمور النواح والصراخ 

فحتى لا تعاود صراخها ، وينكشف أمره أمام أدريانو ، كان عليه أن يحول بين وقوع الأمر ، بتكميم فمها بكف يده العريض، فربما عوضاً عن أن يساعدها ، سيجد نفسه بمأزق كبير ، وربما سينال حتفه هو الأخر 
فهمس قريباً من أذنها قائلاً بأمر لا يخلو من اللطف:

–أنا هشيل إيدى بس حسك عينك تفتحى بوقك وتصرخى لازم تتصرفى بهدوء فاهمة ، وإلا هنلاقى نفسنا إحنا الإتنين فى مشكلة كبيرة ، واحتمال كبير إن نموت ، متخافيش أنا عايز أساعدك 

هزت رأسها بعنف دليل على موافقتها لإتباع أوامره ، فسحب يده بحذر شديد ، كأنه لا يأمن وفائها بوعدها ، ولكنها كانت مثلما أراد هادئة مطيعة ، ولكن عينيها لم تكف عن ذرف الدموع 

خرج صوتها ضعيفاً ، كأنها منهكة القوى من أثر صراخها ودفاعها المستميت عن نفسها :

–أنا بعمل إيه هنا وأنتوا عايزين منى إيه

تلقائياً بعد إنتهاءها من قولها ، قبضت بيدها على ثوبها من الأعلى تضمه إليها، كأنها على دراية تامة بما سيحدث لها من أمور الإعتداء وماشابه

إلا أنه نظر إليها بتساؤل وفضول :
– قوليلى الأول إيه اللى جابك هنا جيتى هنا إزاى 

حكت سهى جانب رأسها تحاول أن تتذكر ما حدث ، قبل أن تفيق من إغماءها وتجد نفسها بهذا القبو القذر ، فقطبت حاجبيها وضيقت عينيها، كأنها تحاول إسترجاع تلك المشاهد من غياهب عقلها 

فقالت وكأنها تحدث نفسها :
– أنا كل اللى فكراه أن كنت خرجت من البيت علشان أشترى كتب خارجية علشان الدراسة وفجأة فى واحدة ست خبطت فيا وحسيت بحاجة غزتنى فى دراعى وبعد كده مش فاكرة أى حاجة إلا لما صحيت ولقيت نفسى هنا 

نظرت إليه ، كأنها تحاول معرفة رد فعله على ما أخبرته به ، ولكن ملامح وجهه هادئة ، لا تنم على شئ ، مما كانت بإنتظاره ، وهو أن يبدى تعجبه أو إستغرابه مما قالته 

فعاودت سؤالها الذى سبق وسألته إياه :

– أنا عايزة أعرف أنتوا عايزين منى إيه

فرك عمرو يديه وهو يقول هدوء :

– هو الصراحة كده شكلهم ناويين يبعوكى لحد فى إيطاليا بس أى نوع من البيع بقى دا اللى لسه معرفتوش بس هى حاجة من أتنين يا تتباعى أعضاء بشرية ، يا إما لشبكة أعمال منافية للأداب

فغرت سهى فاها ، وكاد يصل فكها للأرض ، فبتخيلها لمصيرها الأسود ، الذى تلاه عليها الآن ، جفت دماءها وشحب وجهها ، وأرتعدت أوصالها ، كمن تواجه عاصفة رعدية 

أرتطمت شفتيها ببعضهما البعض ، وخرجت الكلمات من بينهما بصوت يكاد لايسمع :

– ت تتببعونى ، أانت بتقول إيه 

حرك عمرو كتفيه ، دلالة على أنه لم يخبرها سوى الحقيقة ولا شئ غيرها ، حتى وإن كان أخبرها إياها مجردة من أى تزييف أو أن يضفى عليها شئ من الكذب ، فبتلك الحالة سواء علمت الضحية بالحقيقة ، أو ظلت على جهلها بها فالنتيجة واحدة 

رفعت سهى كفيها وأرادت لطم خديها ، فلم تصيب سوى الجزء الأسفل من وجهها ، أرادها أن تكف عن فعلتها ، فجذب يديها ، فأحكم قبضته عليهما 

فنفضت هى يده وهى تقول بحدة :

– متلمسنيش وشيل إيدك أنت أستحليت الموضوع ، مش كفاية قولتلى على المصايب اللى مستنيانى كأنك بتقولى النشرة الجوية ، مفيش أى إحساس ولا دم خالص بأن كلامك يخلينى أتقهر على نفسى 

رغب فى الضحك على قولها ، فصدحت صوت ضحكته بالقبو وهو يقول باسماً :

– تصدقى والله دمك خفيف فى المصيبة اللى أنتى فيها دى وبتهزرى

رفعت سهى شفتها العليا وهى تقول بإستنكار :

– بهزر إيه ! هو البعيد أعمى وكمان مبيفهمش ، أنت شايفى كده بهزر ، بس أقول إيه باين عليك معندكش دم ولا إحساس

جز عمرو على أنيابه من سيل الإهانات التى لا تنفك عن قولها كلما رأت وجهه ، فدفعها بشئ من القسوة ، وإستقام بوقفته وصاح بها :

– طب جزاء لقلة أدبك دى ولسانك الطويل شوفى مين يخلصك بقى وتصدقى هبقى مبسوط أوى وأنا بوصلك علشان تتباعى وساعتها بس مش هتتعلمى الأدب لاء دا أنتى هتكرهى حياتك ومش بعيد تنتحرى 

أراد عمرو الخروج من القبو ، بعدما عمل على تكميم فمها ، فظلت تتلوى بجسدها ثانية ، كأنما أرادت الإعتذار عما بدر منها ، ولكن كأن فرصتها السانحة أنتهت بعودة أدريانو ، فوجد عمرو يقف قريباً منها وهى مازالت ملقاة على الأرض ، تحاول الفكاك من وثاقها 

– خلاص يا عمرو شوفتها ، وعرفت المطلوب منك ، بس هنأجل سفرها أسبوعين ، لأن جالى تليفون طالبين كمان بنتين غيرها ، فعلى ما نجيبهم تكون أنت جهزت نفسك ، وحلاوة العملية دى هتبقى كبيرة أوى

كلما سمعت سهى كلمة من أدريانو ، تود لو تملأ الدنيا صراخًا وصياحًا ، فالفرصة كانت أمامها ، ولكن هى من اضاعتها بمبادرتها بإهانة عمرو ، فماذا تفعل هى الآن ؟ حاولت إستعطافه بنظراتها ، إلا أن أدريانو أخذه معه وخرجا من القبو ، فأوصد الحارس الباب ، ولم تعد ترى شئ سوى نور شاحب من المصباح الكهربائي المتدلى من السقف ، فحياتها ستصبح أشد سوادًا من ذلك الظلام ، الذى يكتنف المكان ، عدا تلك المساحة الصغيرة الجالسة بها 
______________
أصوات الصراخ والتكسير والتحطيم بالغرفة المجاورة،جعلتها تفيق من نومها بفزع ، فبعد أن ولجت الغرفة منذ ما يقرب من الساعتين وحاولت نيل قيلولة قصيرة ، إستيقظت على تلك الأصوات ، فأزاحت الغطاء الخفيف عنها ، وأنزلت قدميها أرضاً ، وأنتعلت خُفيها ووضعت حجابها على رأسها ، وخرجت تهرول من الغرفة ،كأن هزة أرضية ضربت المنزل ويجب عليها الفرار ، قبل أن يصيبها مكروه 

وقفت أمام تلك الغرفة الخاصة ببيرى ، ووجدت الحارس يقف أمام الغرفة كما رأته أثناء دخولها لغرفتها 

فنظرت إليه وقالت بخوف وقلق :
– هو فى إيه وإيه الأصوات دى كلها أوضة مين دى 

نظر الحارس يميناً ويساراً قبل أن يفصح لها عن من تكون مالكة الغرفة ، فهو يخشى مجئ سيده الآن ، إلا أنه أدنى برأسه قائلاً بصوت منخفض :

– دى أوضة بيرى هانم 

بذكره الإسم ، تذكرت أن ذاك الإسم خاص بإبنة عمها ، الذى لم تشعر تجاهه بإرتياح خاصة بعد مقابلته الأولى لها ، فهزت رأسها بحركات متتابعة 

وقالت بهدوء وهى تشير للحارس :
– طب إفتح الباب عايزة أدخلها وأشوف مالها بتعمل كده ليه 

رفع الحارس يديه يشير بالرفض وهو يقول بخوف :
– بلاش علشان لو باباها عرف أن فتحت الباب مش بعيد يقتلنى فيها 

أشارت حياء لنفسها وهى تقول بهدوء :
– أنا أبقى بنت عمها وبقولك أفتح الباب أشوف فى إيه مش جايز تأذى نفسها وهى كده

عندما لم تجد إستجابة من الحارس ، فتحت هى الباب بإصرار ، رغم محاولة الرجل منعها ، ولكنها إستطاعت أن تلج للغرفة وتغلق الباب خلفها بوجه الحارس

إستدارت حياء بعدما كان وجهها للباب ، فرأت الغرفة رأساً على عقب ، وفتاة تحمل بيدها مزهرية ، على وشك قذفها من يدها وشعرها مشعث يغطى وجهها ، كأنها خارجة لتوها من عراك عنيف 

فرفعت حياء يديها بإستسلام وهى تقول بحنان :
– إهدى إهدى خالص يا بيرى وملوش لازمة اللى بتعمليه ده إسمعينى ، أنتى عارفة أنا مين أنا بنت عمك وأخت ديفيد..حياء ، متخافيش أنا مش هأذيكى

أنزلت بيرى يدها وألقت المزهرية على الفراش ، ووضعت شعرها خلف أذنيها ، لتستطيع أن ترى حياء بوضوح ، فإبتسمت على ظن حياء بها من كونها فتاة مجنونة أو مختلة عقلياً

فعقدت ذراعيها وقالت وهى ترمق حياء بإبتسامة :
– متخافيش أنا مش مجنونة ولا حاجة أنا بس كنت بطلع غيظى فى أى حاجة علشان بابا مش عايزنى أسافر ولا أخرج من البيت ده 

وضعت حياء يدها على صدرها وزفرت براحة ، فهى كانت تخشى أن تقذفها بالمزهرية ، ولكنها علمت الآن أنها ليست فتاة مجنونة ، فبادلتها حياء الإبتسامة وهى تقترب منها :

– طب الحمد لله لأن الصراحة خفت لما صحيت مفزوعة من النوم على صوت التكسير ، دا أنا افتكرت فى زلزال حصل 

جلست بيرى على حافة النافذة العريضة ، ودعتها للجلوس بجانبها وهى تقول بلطف:

– تعالى أقعدى ، ومتخافيش منى ، أنا سمعت عنك وعرفت حكايتك من بابا وديفيد لما كان هنا أخر مرة ، دا كان ديفيد مبسوط أوى لما عرف أنك لسه عايشة

جلست حياء على الطرف المقابل لها ، فتنهدت حزناً على حالها :
– باين عليه أوى أنه مبسوط لدرجة أنه هدم حياتى ، وخلانى سيبت جوزى وبنتى وبيتى علشان أتحبس معاه فى أى مكان يروحه

زوت بيرى ما بين حاجبيها قائلة بغرابة:
– بنتك ! بس اللى أعرفه أنك مش مخلفة حتى أنتى مش متجوزة من مدة طويلة على ما أظن ، خلفتيها إمتى دى 

بتعبير الدهشة على وجه بيرى ، تبسمت حياء بألم، فقالت وهى تتذكر وجه سجود :
– هى تبقى بنت جوزى ، وأنا حبيتها وعشقتها زى ما أكون أنا أمها الحقيقية ، لو شوفتيها تحبيها من أول مرة ، بنوتة جميلة ، لاء مش جميلة بس دى فاتنة وبريئة وعفوية ومشاكسة ، تخليكى تبقى عايزة تأكليها من كتر حلاوتها ، زمانها زعلانة منى علشان محضرتش عيد ميلادها ، حتى الهدية اللى أشترتهالها معرفتش أبعتهالها ، ديفيد دايما كاتم على نفسى وبيعد عليا خطواتى وأنفاسى

شاركتها بيرى الحزن ، الذى بدا جلياً بصوتها ، فقالت هى الأخرى بأسى :
– أنا عارفة الإحساس ده كويس لأن عايشة فيه ومقدرة وجعك لأنك سيبتى جوزك اللى باين عليكى كده أنك بتحبيه أوى 

نكست حياء رأسها وهى تقول بغصة مريرة :
– لو وصفتلك وجعى مش هتصدقى يا بيرى 

ربتت بيرى على يد حياء ونظرت من النافذة قائلة بشجن :
– لاء هصدق وعارفة يعنى إيه واحدة تسيب اللى بتحبه وتبعد عنه لأن أنا كمان حبيت ومكانش ليا نصيب فى اللى بحبه 

رفعت حياء وجهها لها وتساءلت :
– مكنش ليكى نصيب ليه ، وهو راح فين ، على حسب ما فهمت كده أن باباكى بيحبك أوى وأكيد كل طلباتك عنده أوامر

أنفرجت شفتى بيرى بإبتسامة ساخرة :
– فعلاً كل طلباتى عنده أوامر إلا دى لأن حبيبى مكنش من ديانتنا لاء كان مسلم وعلشان كده بابا رفضه 

إستاءت حياء لعلمها بأن عمها رفض تزويج إبنته من حبيبها ، لمجرد أنه شاب مسلم ، فحال بيرى لا يفرق عن حالها ، فهى متيقنة من أن أدريانو ساهم بتحريض شقيقها ديفيد من أجل أن تترك زوجها ، وربما علمت الآن أن من بين تلك الأسباب ، هو إتباعه دين أخر غير دينهم 

فقالت حياء بإنفعال ، لم تستطع أن تداريه :
– باباكى شكله متعصب أوى وفيها إيه يعنى لو كان مسلم ، باين عليه بيحب يتعس اللى حواليه علشان خاطر مزاجه ، بيفكر فى نفسه وبس

كأن حياء أنتبهت بوقت متأخر أنها تتحدث مع إبنته ، وربما تستاء من حديثها عن والدها ، فحاولت تقديم إعتذارها بكلمات الأسف ، إلا أن بيرى قاطعتها وهى تقول بتؤدة :

– ملوش لازمة كتر الإعتذار لأن أنتى تقريباً مقولتيش حاجة غلط ، بس من الأفضل يعنى وحفاظاً على حياتك بلاش يسمعك بتقولى الكلام ده لأن هو ميعرفش غير لغة واحدة بس وهى لغة القتل ، بيقتل كده زى ما بيقول صباح الخير

– هو باباكى ده بيشتغل إيه بالظبط 

قالت حياء بتساؤل ، فأنتظرت أن تجيبها بيرى ، فمرت لحظات صمت ، حتى سمعتها تقول وهى تشيح بوجهها عنها :

– بالنسبة للشغل الشرعى ، فهو بيشتغل فى التجارة وفى المينا وكذا حاجة ، أما بالنسبة للشغل الغير شرعى فهو زعيم مافيا وبيشتغل فى أى حاجة تخطر على بالك

جف حلق حياء بعد علمها بحقيقة عمها ، فهى ظنت أنه رجل ثرى صاحب نفوذ واسع كوالد زوجها ، ولكن أن تعلم بأمر أنه أحد زعماء المافيا ، فذلك مدعاة للخوف والرهبة من جانبها ، فإن كانت بالبداية خشيت على زوجها من بطش أخيها وعمها ، فهى الآن صارت ترتجف من الخوف 

شحوب وجه حياء ، جعل الشفقة تتسلل لقلب بيرى ، فعلى الرغم من إكتسابها الكثير من طباع أبيها الباردة ، إلا أنها مازالت محافظة على جزء من الطيبة، التى كانت تتحلى بها قبل فراقها عن حبيبها ، فجذبتها إليها وطوقتها بذراعيها ، كأنها تخبرها بأنها بجانبها ، فهما لم تتقابلا إلا منذ دقائق ، ولكن كأن كل منهما كانت تنتظر الأخرى لتبوح لها بما يؤلم ما تحمله بين أضلعها 

– أنتى خوفتى لما قولتلك على الحقيقة

نطقت بيرى بعبارتها ، فإستكانت حياء لضمتها مما أثارت تعجبها ، وهى من كانت تظن أنها ستنفر منها 

فأجابتها حياء بصدق:
– أنا مخوفتش على نفسى أنا خوفت على جوزى ، دلوقتى عرفت معنى تهديد ديفيد أن ممكن يأذى راسل ويحرمه من حبايبه واحد واحد ، لأن طلع عندهم القتل ملوش حساب وبيقتلوا بدم بارد

زفرت بيرى بقوة فقالت بروية :
– بس الحقيقة ديفيد مش زى بابا حتى مبيشتغلش معاه فى المافيا لاء هو ليه شغله الخاص ، بس هو زيى عارف بموضوع شغل بابا ومبيتكلمش ، حتى بابا عايزة يبقى هو الزعيم بعد منه وديفيد لا قبل ولا رفض مش عارفة فى إيه فى دماغه 

أنسلت حياء من بين ذراعى بيرى ، فنظرت لها بشك :

– أنتى متأكدة أن ديفيد ملوش علاقة بشغل المافيا 

حركت بيرى رأسها بالإيجاب ، فيما وجدتا الباب يفتح ويلج منه أدريانو ، طاف بنظراته بأرجاء الغرفة كافة ، حتى أستقر بنظره على هاتان الفتاتان الجالستان على حافة النافذة العريضة ، فتلك هى جلسة بيرى المفضلة بأى مكان بالمنزل 

كسا وجهه إبتسامة عريضة وهو يرى إبنته جالسة برفقة حياء ، ويبدو عليها الهدوء ، فربما حيلته بأن تقطن حياء هنا برفقتها أتت بالنتائج المرجوة ، فمن أجلها يستطيع فعل أى شئ ، مثلما سيفعل الآن ويظهر لطفه لإبنة شقيقه 

فعندما هم بالإقتراب منها وقبل أن يمسد على رأسها ، نأت هى بجسدها حتى كاد يختل توازنها وتسقط من النافذة ، لولا إسراع بيرى بإمساكها من ذراعها

عبس أدريانو وأعاد يده لجانبه وقال بضيق :
– فى إيه مالك هو أنا هاكلك دا أنا عمك 

أبتلعت حياء لعابها بصعوبة ، فوجدت عيناها تنظر ليديه ، كأنها ستراهما تقبضان على عنقها وتزهق أنفاسها ، فإن كانت لم تشعر بالراحة منذ أن وطأت قدميها المنزل ، فهى صارت الآن تشعر بأنها على وشك الإختناق والموت ، خاصة بعد حديثها مع بيرى وعلمها بتلك الحقائق التى لم يخبرها بها ديفيد ، فكم تتمنى هى لو تراه الآن وتقذفه بتلك المزهرية ، التى كانت ستحطمها بيرى ، فهو أخفى عنها حقيقة إتباعهم للديانة اليهودية ، وحقيقة عمل عمها كزعيم للمافيا ، وما خفى كان أعظم 

ولكن كأن أمنيتها برؤية ديفيد صارت الأن حقيقة ، فهى تراه يلج من الباب كعادته تاركاً جزعه العلوى عارياً ، يعيث بشعره فساداً ويتثائب كأنه إستيقظ لتوه من النوم 

وضع يده على فمه ليكتم صوت تثائبه المتكرر ، فقال بتساؤل :
– فى إيه مالكم والأوضة مالها مبهدلة ليه كده ، أنتى عملتى إيه يا بيرى 

خرج أدريانو من الغرفة ، ظناً منه أنهم سيتبعونه ليتناولوا طعامهم  ، ولكن ما أن أبتعد ، حتى تركت حياء مكانها ، وأقتربت من ديفيد ووكزته بشدة فى صدره 

فقالت بغيظ مكظوم :
– إيه قلة الأدب بتاعتك دى قولتلك ألبس هدومك وكمان داخل أوضة بنت عمك كده ، مفيش أدب ، وليه مقولتليش على موضوع الديانة وشغل عمك 

حك ديفيد فروة رأسه ، كأنه يحاول إستعاب قولها ،أو أن يجعل عقله يفيق من أثر النعاس :

– بقولك إيه يا حياء إستنى أفوق وأفهم بتقولى إيه 

عاد لتثائبه مرة أخرى ، ودفعته حياء لتخرجه من الغرفة ، مما أدى لسقوط حجابها من على رأسها ، فحاولت ضبطه لتخفى شعرها 

فضحك ديفيد قائلاً بمكر :
– خلاص شوفت شعرك ، بتخبيه ليه ما أنا أصلاً عارف لون شعرك إيه ، من العينة اللى أخدناها منك علشان تحليل DNA وهو زى لون شعر ماما كان شعرها طويل وناعم وكانت جميلة ، ما أنتى شوفتيها فى الصور

جال بخاطرها كل الوجوه ، التى رأتها بالصور الفوتوغرافية ، فوالدتها كان يبدو عليها الجمال والنعومة ، وأبيها كان وسيماً وديفيد يحمل الكثير من ملامحه وخاصة زرقاوتيه وشعره الأشقر ، أما أشقاءها الثلاثة الأخرين ، تراوح جمالهم ما بين والدهم ووالدتهم 

فقبل أن تنغمس أكثر بنهر أفكارها ، أخذت بيرى يدها وخرجتا من الغرفة ، فلحقتا بديفيد ، الذى سبقهما بمشيته ، حتى كاد يصل للمائدة ، ولكن حياء نهرته عن الجلوس معهما ، قبل أن يرتدى قميصه ، فنظر لها بغيظ ، إلا أنه ذهب لغرفته وارتدى ثيابه 

تابع أدريانو ما يحدث بصمت ، فتلك الفتاة التى من المفترض أنها إبنة شقيقه ، يبدو عليها أنها تتمتع بخاصية جذب الآخرين إليها ، فديفيد والذى يعلم طباعه عن ظهر قلب ، وأنه لا ينصاع لكلمة أحد ، يستمع لما تقوله ، بل يحاول إرضاءها بشتى السُبل ، فوجودها هنا يشكل خطراً حقيقياً ، خاصة بعد رؤيته كيف أن إبنته ، تخلت عن عنادها وتصلبها برأيها لترحل من المنزل ، بل وتجلس على المقعد المجاور لحياء ، تتجاذب أطراف الحديث معها ، ويبدو عليها الإستمتاع بكل ما تقصه حياء بشأن نشأتها بمنزل عرفان الطيب ، وكيف كانت تعيش بترف وثراء، ونشأتها على تعاليم الدين الإسلامي وتلك القيم والأخلاق التى أكتسبتها منذ نعومة أظافرها

فأغارت صدر أدريانو بحديثها ، فهتف بها بأمر :
– كفياكى كلام عن حياتك اللى فاتت وخليكى فى حياتك دلوقتى ، وبعد الأكل عايز أقعد معاكى نتكلم لوحدنا

أبتلعت حياء ما بجوفها ، فظلت صامتة الباقى من جلستها تتناول الطعام ولاترفع عينيها عن طبقها ، فحاولت التملص من تلك الجلسة التى ستجمعها بأدريانو ، ولكنه لم يتيح لها مجال للهرب 

فعندما وجدها تذهب مسرعة لغرفتها ، ناداها وأمرها أن تتبعه لغرفة مكتبه ، دلفت خلفه مكرهة ، وأرتعدت وهى تسمع صوت إغلاق الباب 

جلس خلف مكتبه يرمقها بهدوء ، فى حين أنها لم ترفع عينيها عن النظر لتلك السجادة أسفل قدميها

أخرج عدة صور وهاتف وألقاهما أمامه على المكتب وهو يقول ببرود:
– بصى للصور دى كويس وللفيديو اللى على الموبايل 

أخذت حياء الصور ونظرت بها الواحدة تلو الأخرى ، فهى صور خاصة بزوجها وسجود ووفاء ورياض وميس وزوجها وكل من يمت بصلة لراسل ، ولكن معظم الصور خاصة بالصغيرة والفيديو أيضاً 

فجحظت عيناها عندما رآت الصغيرة ، تلهو بباحة روضتها ، وبمبنى قريب من مبنى الروضة ، يقف رجل يشبه القناصين ، بسلاحه النارى ، يتخذ وضع التأهب لأى أمر ، حتى يطلق الرصاص على رأس الصغيرة 

فإبتسم أدريانو إبتسامته المختلة من تعابير الصدمة والدهشة على وجهها :

– أنا عارف أنك أتفقتى مع ديفيد أنه يسيب جوزك فى حاله هو وبنته مقابل أنه تسبيه أنتى نهائى ، أينعم إلاتفاق مش عاجبنى بس علشان خاطر ديفيد بس هوافق ، مع أن حسابى مع عيلة النعمانى والزناتى لسه مخلصش ، بس لو أنتى عقلك وسوسلك أنك تخدعينا وخصوصاً أنا ، فأنتى عارفة إيه هيكون مصيرهم ، فأنا عايزك تقفلى بوقك ده لو حابة تحافظى على حياتهم ، لأن فى لحظة واحدة ممكن أدمرهم ، حتى الجيش اللى عند رياض النعمانى مش هيوقفنى ، أنتى لسه متعرفنيش ولا تعرفى ممكن أعمل إيه لأن أنا ورايا ناس كتير أوى ، ويعملوا اللى ميخطرش على بالك يا بنت أخويا 

بإشارة من يده أمرها بالانصراف ، فجلستهما أقتصرت فقط على تهديده وإبراز مدى قوته وشراسته فى إيذاء زوجها وعائلته ، خرجت من غرفة المكتب ، وهى تتسأل ماذا فعلت بحياتها ، حتى يكون مصيرها التعاسة ؟ فلو كان ديفيد يعاملها برفق ، فعمها لن يكون مثله ، يكفى نظرة عيناه المخيفة ، التى ترسل الرعشات بأطرافها ، كأنها ترى أحد أعوان أو أبناء الشيطان 
______________
بعد حصولها على إسم وعنوان تلك المدرسة بالأقصر ، حزمت أمتعتها إستعداداً للرحيل ، فهى بعد علمها الحقيقة من فم ذلك الشاب ، لم تكن تخبر والديها أو كرم ، قبل أن تتيقن من الأمر مئة بالمئة ، كذهابها لتلك الطبيبة النسائية ، التى طلبت منها فحصها ، لتأتى النتيجة كما اخبرها الشاب ، بأنها مازالت فتاة عذراء ، فبهذا اليوم خرجت من غرفة الطبيبة ، تكاد تطير فرحاً ، وكأن قدميها لا تلامس الأرض ، بل تحلق بالفضاء 

ولجت والدتها الغرفة وإبتسامتها تزيين وجهها ، فهند أخبرتهما الحقيقة كاملة ، فكاد والديها لا يصدقان ما تقوله ، إلا أنها أقسمت لهما بأنها تقول الحقيقة ولا شئ غيرها 

وضعت والدتها يدها على كتفها ، وهى تقول باسمة :
– خلاص خلصتى تجهيز شنطتك يا هند 

إلتفتت إليها هند وأجابتها بسعادة :
– أيوة خلاص يا ماما، كده كل حاجة تمام 

ولكن أنطفأت سعادتها وإبتسامتها فجأة ، مما إسترعى إنتباه والدتها ، فربتت على وجنتها وقالت بقلق :
– مالك يا هند ، إبتسامتك وفرحتك راحوا فين 

أطلقت هند زفرة قوية ، كادت تشعر بتمزق قلبها وهى تفه بتلك الكلمات :
– خايفة لما أروح لكرم ما يقبلش أن أرجعله ، وساعتها مش هبقى خسرته بس لاء قلبى هيتكسر 

ضمتها والدتها لها ، كمحاولة لمواساتها ، ولكن قبل أن تقول شيئاً ، سمعتا صوت دقات متتالية على باب الغرفة ، وصوت الخادمة تقول بإحترام :
– ست هانم الأستاذ كرم موجود تحت وعايز يشوف حضراتكم 

ظنتا أنهما إستمعا خطأ للإسم ، إلا أن هند الجاحظة العينين ، بعد سماع إسم زوجها ، لم تمهل نفسها دقيقة واحدة ، فخرجت تركض من الغرفة ، لا تصدق أنه هو من عاد ، وهى التى كانت بنيتها السفر إليه الليلة 

هبطت الدرج بخطوات سريعة ، ورآها كرم الجالس بالصالة ، فترك مكانه وإستقام صلبه ، فصاحت هى بإسمه وهى تعبر المسافة الفاصلة بينهما :
– كرم

لم يكن يظن أن ترحيبها بوجوده ، سيكون بتلك الحميمية ، من إلقاء نفسها بين ذراعيه وتطويق عنقه ، مما أدى لتصلب جسده آثر مباغتتها له بفعلتها 

سحبت ذراعيها ببطئ من حول عنقه ، وهى تشعر بالحرج ، من إظهار عواطفها ، التى يبدو عليه أنه لا يريدها بتلك اللحظة من الجمود ، التى أكتنفته وجعلته يحدق بها بصمت 

فبادرت بالإعتذار عما بدر منها بصوت منخفض:
– أنا أسفة 

علام هى تقدم إعتذارها الآن ، على تلك النيران التى زرعتها به ، وهو من حاول طوال طريقه من الأقصر للإسكندرية ، ترويض نفسه على ألا يتأثر بها أو برؤيتها 

ولكن مجئ خالته ، هو من أنقذه ،إذ تقدمت منه ترحب بعودته بعد غيابه الذى لم يدوم وقتاً طويلاً:
– حبيبى حمد الله على السلامة

لاحظت هند أنه لم يفه بكلمة ، كأنه أصابه الخرس فجأة ، إلا أنه تخلى عن جموده ورد قائلاً بإبتسامة خص بها خالته :
– الله يسلمك يا خالتو ، أسف لو كنت جيت من غير ميعاد بس أنا جيت علشان فى موضوع مهم كنت عايز أكلمكم فيه ، هو عمى فين 

جلست خالته ودعته للجلوس ، بينما أتخذت هند مجلساً لها بعيداً عنه ، فردت خالته قائلة بإبتسامة حانية :
– كان عنده شغل ضرورى وكلموه فى الشركة ، بس شوية وهتلاقيه جاى دلوقتى ، بس خير موضوع إيه ده اللى كنت عايز تكلمنا فيه ، لأن إحنا كمان كنا عايزين نقولك على حاجة مهمة 

لم ينتبه كرم على الجزء الأخير من حديث خالته ، لكونه مشغول بترتيب ذلك الحديث ، الذى جاء من أجله ، ففرك يديه بقلق بالغ ، إلا أنه تظاهر بالثبات وهو يقول ما لديه ، الذى تلخص بتلك العبارات التى خرجت من فمه بتناسق :

– الحقيقة يا خالتو أنا قابلت بنت فى الأقصر ، هى عايشة هنا فى إسكندرية ، وهى محترمة ومؤدبة وكنت حابب أرتبط بيها ، أنا لسه مكلمتهاش فى الموضوع، بس جيت علشان أقولكم ، لأن أنتوا فى الأول والأخر أهلى ، وكمان أخلص إجراءات طلاقى أنا وهند ، بس حابب أنك وعمى متزعلوش منى 

أحتلت معالم الدهشة والصدمة ملامح وجه خالته ، فقالت وهى تنظر لإبنتها الجالسة وكأنها فقدت النطق والحياة فجأة :
– بس يا كرم دى هند .....

خرجت هند عن صمتها قبل أن تكمل والدتها قولها ، فقالت وهى تحاول إفتعال الابتسامة:
– ماما قصدها تقولك أن أنا أفرحلك أنك لقيت البنت اللى تستاهلك ومبروك يا كرم ، حتى لما تروح تخطب البنت اللى عجبتك إحنا هنيجى معاك لأن زى ما قولت إحنا أهلك 

حملقت بها والدتها بعدم فهم ، فما الذى تهذى به ؟ فهى كادت تطير فرحاً منذ دقائق ، لسفرها له وإخباره بالحقيقة كاملة 

نظر كرم لخالته ، كأنه ينتظر جوابها ، فلم تضن عليه بإبتسامة هادئة ، رغم ما تشعر به من ألم وسوء على حال إبنتها :
– مبروك يا حبيبى ألف مبروك أنت تستاهل كل خير يا كرم 

أخذ كرم يد خالته وقبلها ، فبالأخير هى شقيقة والدته ، التى لم يرى منها يوماً شيئاً يغضبه ، بل كانت دائماً تضعه بمثابة ولدها وتغدقه بحنانها قدر إستطاعتها 

فترك مكانه وهو يقول بحرج طفيف:
– طب عن إذنكم أنا لازم أمشى ، لأن أنا جاى إسكندرية كام يوم بس وهرجع الأقصر تانى ، فكنت حابب أخلص كل اللى جيت علشانه ، ولو أنتوا حبيتوا تيجوا معايا وأنا بخطب ده أكيد هيسعدنى حتى لو رفضتم مش هزعل 

خرج كرم بعد أن قال ما جعل هند تشعر بأنه تم ذبح قلبها بسكين بارد ، ظل ينخر به بدون شفقة أو رحمة ، عوضاً عن أنها مطالبة بأن تتقبل كل ما سمعته ، وأن تعلم أنها لم يعد لها مكان بقلبه أو بيته ، فهناك من تنتظر لتأخذ مكانها

إرتعاش ساقيها ، لم يمنعها من النهوض من مكانها والفرار من الصالة لتلوذ بغرفتها ، فصعدت الدرج ، وكادت تسقط على وجهها عدة مرات ، وهى لا ترى بوضوح من تلك الدموع التى ملأت مقلتيها ، وحرمتها أن تبصر ما أمامها ، فما كادت تصل لغرفتها ، حتى ولجت وأغلقت الباب خلفها وإسندت ظهرها له ، فأطلقت تلك الأهات الحارة التى أختزنتها ، فببطئ كان جسدها ينهار حتى جلست مكانها خلف الباب ، فضمت ركبتيها ودفنت وجهها بين ذراعيها وأجهشت بالبكاء ، ولسانها لا ينفك عن ذكر إسمه بلوعة ، فعلام يفيد بكاءها الآن ؟ فكل شئ قد أنتهى
______________
لم يكن له سلوان طوال يومه غير إبنته ، ولكنها بهذا الوقت بروضتها ، لذلك هو يجلس وحيداً بغرفته ، فهو لا يتركها إلا من أجل تناول طعامه ، أو من أجل تلك الأوقات التى يقضيها متسكعاً على الشاطئ المطل على القصر ، والذى يتمتع بخصوصية عالية ، نظراً لقربه الشديد من حدود القصر ، فلا أحد يقترب من تلك الحدود ، إلا إذا كان من ساكنى المنزل ، كأنه " شاطئ خاص "

تأرجح جسده للأمام وللخلف على المقعد الهزاز ، الذى يجلس عليه بالظلام قريباً من تلك النافذة ، التى لم يريد أن يزيح ستائرها الثقيلة لتنقشع تلك العتمة التى تملأ الغرفة 

نتيجة لتأرجحه ، شعر بالنعاس يداهم عيناه الغائرتان ، التى لم تذق للنوم طعماً سوى غفوات قصيرة ، لا تتعدى الساعة أو الساعتين ، فربما سيختل نظام جسده ، من إهماله الشديد بالإعتناء بصحته مثلما كان يفعل سابقاً ، ولكن ما كاد يغلق عيناه ويسترخى جسده ، حتى أنتفض من نومه كمن لدغته أفعى، عندما طاف بمخيلته صورها ، التى كانت ترسل إليه 

فكيف خرجت من الإسكندرية ؟ وكيف ذهبت لتلك الأماكن التى زارتها ؟ ومن ساعدها بكل هذا ؟

فكل تلك الأسئلة تدور بعقله وتكاد تصيبه بالجنون الحتمى ، فمن أجل من ولماذا هى تركته ؟ 

ولجت وفاء الغرفة ، تحمل بيدها قدح من الشاى ، تم مزجه بمجموعة من الأعشاب ، التى ستساعد على إسترخاءه ، فهى الوحيدة ، التى تعلم كيف يكون حاله ، إذا أصيب بحالة من الإكتئاب ، فهى أختبرت الأمر معه من قبل ، وهاهى تختبره للمرة الثانية 

وضعت وفاء القدح من يدها ، وربتت على كتفه ، لتجعله ينتبه على وجودها ، فتبسمت له وهى تقول بحنان :

– حبيبى عملتلك شاى بالأعشاب هيهدى أعصابك خالص ، عارفة أنك بتحب أعملهولك 

أماء برأسه دون أن يفه بكلمة ، فأقتربت هى من النافذة وأزاحت الستائر ، فوضع يديه أمام عيناه عندما سقط الضوء على وجهه ، فجلوسه بالظلام جعله لا يتقبل رؤية ضوء الشمس بسهولة 

فإستاء قليلاً وهو يرجوها :
– ماما أقفلى الستاير دى والشباك أرجوكى 

لم تستمع وفاء لما يقوله بل أنها أقتربت منه وجذبت ذراعه ،حتى إستقام بوقفته ، فهتفت به بصرامة :

– أنت وبعدين معاك ، عامل فى نفسك ليه كده ، يعنى هتموت نفسك بالبطئ ، طب أنا وبنتك ذنبنا إيه نشوفك كده ، ثم أنت طول عمرك بتستحمل اللى بيجرالك ، وبتطلع كل مرة أقوى من الأول ، ليه المرة دى عامل فى نفسك كده قولى 

دمعت عيناه وغمغم بصوت متحشرج :
– علشان أنا أتكسرت يا ماما 

أخذت كفيه بين يديها ، وحاولت أن تقف إرتجافهما ، إلا أنه تابع قوله من بين أسنانه ، لكى لا تسقط دموعه :

– ليه مش عارف أطلعها من قلبى وعقلى ، ليه كل ما أشوف صورها النار بتولع فى قلبى زيادة ، قوليلى أعمل إيه يا ماما قوليلى إيه العيب فيا ، إن كل مرة يحصلى كده 

رفعت وفاء يدها تمسح وجهه وتلك العبرات ، التى خانته وفرت من عيناه ، فتلك هى المرة الأولى التى تراه يبكى بها منذ زمن طويل ، فهو دائماً كان حريص على إخفاء دموعه وألمه ، حتى لا يراه أحد بأشد حالاته سوءًا

أخذته بين ذراعيها ، وحاولت بكل إستطاعتها أن تهون عليه مصائبه ، حتى وجدت مستكيناً بين ذراعيها ، فأبعدته عنها قليلاً وتبسمت فى وجهه وقالت بأمر ولطف :

– يلا  أشرب الشاى وروح خدلك شاور وروح هات بنتك من الحضانة دى هتفرح أوى ، بنتك زى ما تكون حاسة باللى بيحصل حواليها بس مش عارفة تعبر ، بلاش تخسرها هى كمان يا حبيبى

بذكر وفاء لحال سجود ، كان ذلك أدعى بأن يحاول التماسك من أجلها ، فأطاع أمر وفاء وأحتسى قدح الشاى وذهب للمرحاض ، نظر للمرأة وتحسس لحيته ، التى كثفت قليلاً ، مما أعطته مظهراً لم يعتاده ، فشذبها وأغتسل وخرج أرتدى ثياب ملائمة وخرج من الغرفة ، وهبط للطابق السفلى 

قابله رياض ، الذى يبدو عليه أنه أنتهى من إحدى جلساته مع عاصم بشأن متابعة خط سير العمل فسأله :

– رايح فين كده ؟

أجابه راسل بهدوء دون المحاولة منه أن ينظر لشئ سوى مفتاح سيارته الذى يحمله بيده :

– هروح أجيب سجود من الحضانة وأتمشى شوية

قفزت إيلين من مكانها وهتفت بحماس:
– أنا عايزة أجى معاك ممكن 

هز رأسه قائلاً بتهذيب غير معتاد :
– أه ممكن أتفضلى 

بعد مرور خمس دقائق ، كانت إيلين تجلس بالمقعد المجاور له بسيارته ، فأنطلق بها فى طريق الذهاب للروضة ، ظلت إيلين تتحدث معه طوال الطريق ، فيجيبها تارة على ما تسأله ، ويبتسم تارة أخرى على إحدى الدعابات التى تقصها عليه 

فأمام مبنى الروضة ، كانت بيرى تصف سيارتها بعدما إصطحبت حياء معها متذرعة بأنهما ستذهبان للتسوق ، ولكن إستطاعت خداع حرس أبيها وفرت هاربة برفقتها ، لتحقق لها إحدى أمنياتها برؤية سجود وإعطاءها ذلك الثوب الذى أشترته من أجلها 

إلتفتت بيرى لحياء وهى تقول باسمة ، خلاف عادتها القديمة ، بإتباع الهدوء ونمط الحزن والكآبة:

– أدينا وصلنا أهو للحضانة غطى وشك كويس و أنزلى بقى بس خلصى بسرعة لأن بابا لو عرف اللى عملناه مش بعيد منشوفش الشارع تانى وهيحبسنا فى البيت 

رد حياء عليها ، كانت قبلة وضعتها على وجنتها ، فهى وإن كانت تكره معيشتها ببيت عمها بالوقت الحالى ، إلا أن العلاقة بينها وبين بيرى توطدت لحد كبير خلال أيام معدودة ، وعلاقتها بشقيقها أخذت بالتحسن قليلاً ، ولكن الوحيد ، الذى لم تستطع تقبل وجوده قريباً منها هو عمها أدريانو

– شكراً يا بيرى

قالت حياء وهى تترجل من السيارة ، فولجت للروضة حتى وصلت لمكان وجود سجود ، فطارت الصغيرة فرحاً برؤياها فصاحت بسعادة :

– ماااامى 

تلقتها حياء بين ذراعيها ، فضمتها إليها بقوة وحملتها عن الأرض ، فظلت تقبلها بنهم وعيناها تنهمر منهما الدموع ، فأستأذنت معلمتها ، وأخذتها وخرجت للحديقة الصغيرة التابعة للروضة 

فتعلقت سجود بعنق حياء ووضعت رأسها على كتفها وهى تقول بعتاب طفولى :

– مامى أنتى سافرتى تانى وسبتينى ليه وكمان مجتيش عيد ميلادى ومش جبتيلى هدية أنا زعلت 

قبلت حياء رأس الصغيرة ، فنظرت للحقيبة وهى تحاول إسترضاءها :

– أنا أسفة يا روحى بس دى هديتك أهى 

مدت حياء يدها لتأخذ الحقيبة الموضوع بها الثوب ، لتناولها لسجود فسمعتها تصيح بسعادة :

– بابى 

وكأن حياتها توقفت فجأة على تلك الصيحة ، التى بعثت بها الأمل واليأس ، الأمان والخوف ، السعادة والشقاء ، فكل شئ ونقيضه أجتمع لديها الآن ، فحتى تصنمها وخشيتها من أن تستدير برأسها وتراه ، لم يكن يردعها عن أن تبحث بعيناها عنه ، لتنعم برؤيته التى إشتاقتها ، والتى إصطدمت بالبدء بساقيه الطويلتين ، كأن سيلزمها مزيد من الوقت والشجاعة ، حتى تصل لوجهه وتصبح وجها لوجه معه 

ولكن حدث ما كانت تخشاه ، فالأن المواجهة بينهما حتمية ولا مفر منها ، ابتلعت لعابها وتلك الغصة التى سدت مجرى الهواء عنها فجأة ، فخرج إسمه من بين شفتيها بإرتجافة وهمس :

– راسل 

ولكن لاحظت أنه لم يكن بمفرده ، بل يصطحب معه فتاة لم تراها من قبل ، ولكن سمعته يهتف بها بهدوء :

– معلش يا إيلين خدى سجود وروحى البيت ، كلمى أى حد من الحرس ييجى ياخدكم ، ولا أقولك خدوا تاكسى وروحوا

إيلين ...فهى لم تنسى هذا الإسم عندما أخبرها مرة من أنه كان لتلك الفتاة التى كانت حبه الأول وحب طفولته ، فكأن بذكره لإسمها ، أوقد نيران الغيرة بقلبها ، فأيلين جميلة وفاتنة وتفوقها جمال وجاذبية  

إحتجت سجود على قوله ، فعادت لحياء وتعلقت بعنقها وهى تقول برفض :
– أنا عايزة مامى تيجى معايا 

موقف لا يحتمل ، ولا يعرف كيف يقف هو هكذا ساكناً ، فى حين أن دماءه ربما وصلت لدرجة الغليان ؟ فهاهى أمامه لا يفصله عنها سوى خطوة أو أثنين ، ولكنه عاجز عن الإقتراب ، فالمكان ليس ملائماً للحديث ، الذى ربما سيكون كالحرب الضارية بينهما سواء من مشادات كلامية وشجارات أو من محاولته إطفاء لهيب قلبه منها 

بجهد لا يذكر وحيلة بسيطة ، كان كعادته يجعل سجود تنصاع لأمره ، فأخذتها إيلين وصارا بمفردهما ، فنظرت حياء حولها كأنها تنشد العون والمساعدة من أى أحد لينقذها من براثن زوجها ، الذى يبدو عليه أنه على وشك تحطيم جسدها ، بقبضته التى كورها وبرزت عروقها جلية بها ، فما زالت كما هى تخافه وترهبه بحالات غضبه ، مع تيقنها من أنه لا يستطيع المساس بها 

كأحد الوحوش الضارية ، التى تتربص لإحدى فرائسها ، بأن تظهر لها اللين بالبداية ، قبل أن تنقض عليها ، كان هكذا حاله بتلك اللحظة 

فقال بهدوء ظن أنه لم يعد يملك منه شيئاً ولكنه أمتزج بالسخرية :

– حمد الله على السلامة يا مدام حياء ، مش كنتى تقولى أنك رجعتى على الأقل يكون عندى خبر أن المدام بتاعتى رجعت ، بعد ما أنبسطت وأتفسحت ، وجوزها معندوش علم هى كانت فين ، لاء بجد مكنش يصح تعملى كده ، على الأقل كنتى إبعتيلى رسالة على الواتس ، زى ما كانت صورك بتوصلنى ، ولا الفسحة كانت حلوة لدرجة أن مبقاش عندك عقل تفكرى بيه 

غرس أصابه بلحم ذراعها وهو يجذبها ، حتى صارت تقف أمامه ، ولكنه لم يكتفى بذلك بل جرها خلفه ، فالمكان ليس ملائماً لحديثهما ، خرجا من مبنى الروضة ، ووصلا للسيارة ، فتح الباب بجانب المقعد المجاور لمقعد السائق ، فجعلها تجلس مكرهة ، بينما هو أخذ مكانه خلف المقود وأنطلق بالسيارة بسرعة قصوى ، فخرجت بيرى من سيارتها تناديها ، ولكن لا فائدة من ندائها 

أرتعبت بشدة من جنونه بقيادة السيارة ،حتى ظنت أنهما سيلقيان حتفهما لا محالة ، فأخفت وجهها بكفيها حتى لاترى السيارة وهى تقطع الطريق ، كإحدى سيارات السباق 

أزاحت يديها بعدما أوقف السيارة ، فنظرت حولها وجدت نفسها أمام منزله ، فقبل أن تفه بكلمة ، ترجل من السيارة ،ودار حولها وفتح الباب بجانبها ، فجذبها من ذراعها بقسوة ، حتى كادت تسقط على وجهها ، ففتح باب المنزل وولج يجرها خلفه ، وهى تحاول سحب ذراعها القابض عليه 

فقالت برجاء :
– راسل أرجوك سيبنى مينفعش كده 

هز جسدها حتى أصطكت أسنانها ، فصرخ بوجهها :
– هو إيه اللى مينفعش يا مدام ، خرجتى من بيتى وسافرتى معرفش روحتى فين وعايشة حياتك تتفسحى ومبسوطة ناسية أنك لسه على ذمتى ، كنتى مع مين أنطقى ، أنتى مفكرانى هعديلك الموضوع بالساهل 

أتخذت الصمت ملاذ لها ، ولكن لم تستطع منع الدموع أن تملأ مقلتيها وهى تسمعه يكمل حديثه ، رغبة منه فى إثارة إنفعالها :

– كنتى حاسة بإيه لما شوفتى واحدة تانية معايا النهاردة وأنتى اللى دايما كنتى بتقولى أنك بتغيرى عليا من أى واحدة تكلمنى ، قوليلى إيه رأيك فى إيلين ، فكراها ؟ أنا متأكد أنك فاكرة أنا قولتلك إيه عنها ، إحساسك إيه لو قولتلك أنها هتحل محلك

رفعت عيناها الدامعتان إليه وهى تقول بدون أن تعى ما تتفوه به:
–حسيت أن بموت بالبطئ يا راسل بوجع قلبى مش قادر يتحمله ، كان أهون عليها تقتلنى ومشوفش واحدة تانية بتأخدك منى وقدام عينيا 

فإن كانت تشعر بكل هذا السوء والألم ، فلما فعلت ما فعلته به ، لما أخبرته إياها صريحة ، أنها لم تعد تريده ، لما جعلت جدار الفراق يعلو بينهما أكثر وأكثر ، فهو بحيرة من أمره من أقوالها وأفعالها ، أم مازالت تمارس عليه خداعها

– ليه مش قادر أكدب عينيكى 

خرجت عبارته من بين شفتيه همساً ،فدائماً عيناها كانت تصدقه القول ، هاتان العينان الرائعتان الغير قادرتان على الكذب ، ولكن قادرتان فقط على سلب قلبه وعقله ، حتى وهو يشعر بالحقد تجاه ما فعلته معه ، لايريد سوى أن تحيى قلبه بعناق ، يشبه عناقاتهما السابقة ، التى كانت كزاد تتلهف إليه النفس الجائعة والمتعطشة للحب 

أجابته بهمس جميل ، مترافق مع خفقات قلبها الملتاع :
–علشان أنت صورتك محفورة جواهم 

علقت الدموع برموشها ، تبللها كالقطرات الأولى من مطر أُختزن ماءه وقتاً طويلاً، وربما حان الوقت لتفريغه ، مرر إبهاميه على أهدابها ، مما جعلها تغمض عيناها ، فشعر برطوبة عبراتها على إصبعيه ، فهى كانت على وشك البكاء ، ولكنه لايريد أن يراها تبكى 

فأسند جبينه لجبينها وهو يحثها على قول المزيد بصوت حمل بين طياته الكثير من الرجاء :
– وايه تانى يا حياء ، قوليلى ليه بتعملى في نفسك وفيا كده وعلشان إيه قوليلى وريحينى لأن دى أخر فرصة ، صدقينى أنا لحد دلوقتى لسه عامل خاطر لكل لحظة حلوة عشناها سوا ، بلاش تخرجى الوحش اللى فيا ، لأن هتكونى أول واحدة هتتأذى 

إحتواء وجهها بين كفيه ، بعث بها الأمل ثانية ، فهدوءه وحنانه الذى تشعر به ، مثلما كان يفعل معها سابقاً ، جعلها تبتسم من بين دموعها رغماً عنها ، فبتردد رفعت ذراعيها ، وأستندت بكفيها على صدره ، فالأمر محسوم وماعليها سوى أن تخطو خطوتها التالية ، ولكن عادت صور عمها وشقيقها تداهم عقلها ، فلو تفوهت بكلمة لن يكون مصيرهما سوى التعاسة 

فتبسمت وهى تدفعه برفق وتقول بكذب متقن :
– أحلى حاجة فيك يا راسل أنك بتصدقنى بسرعة ،يعنى مجرد ما قولت كلمتين صدقتنى 

صُدم راسل مما سمعه منها ، فإلى متى ستظل تخدعه هكذا ، ويجبن قلبه أمامها ويتلمس لها الأعذار 
لا أحد سينقذها من بطشه بها ، فالمنزل خاوياً ، ولا تسمع به صوت سوى صوت أنفاسه الغاضبة ، والتى تعلو شيئاً فشيئاً

فجالت ببصرها بكل مكان عدا وجهه وقالت بسخافة متصنعة اللامبالاة ، محاولة تخفيف وطأة تلك الضغوط التى تشعر بها :
– هو البيت مش إتباع فى المزاد ؟ هو أنت روحت لباباك ودفعلك ديونك ولا إيه ، بس تصدق كده أحسن ، ما أنت كده كده وريثه هتسيب الفلوس دى كلها لمين ، كده هتخلينى أغير رأيى فى موضوع الطلاق 

فأقتربت منه ووضعت يدها على صدره وإبتسمت بوقاحة :
– إيه رأيك تحب نرجع لبعض بس المرة دى تدينى نص ورثك من باباك قولت إيه على الأقل أضمن مستقبلى معاك

أجادت دورها ببراعة ، وهى تؤدى دور الزوجة الطماعة والجشعة ، والتى تركض خلف المال ، ولكن لم تكن تعلم أن رد فعله سيكون بتلك القوة ، فهو قبض على حجابها وأحنى رأسها للخلف ، وقبض بيده الأخرى على ذقنها بطريقة مؤلمة 

ففح بوجهها من بين أسنانه بغيظ ووعيد :
– للدرجة دى كنت أعمى ومخدوع فيكى ، بتساومينى يا حياء ، بس أحب أقولك أن هسيبك كده لا طايلة سما ولا طايلة أرض ، حموت كل حاجة حلوة جواكى ، أنا قبل كده حذرتك بس أنتى اللى أختارتى فلازم تستحملى كل اللى هيجرالك منى 

دفعته عنها فالألم لا يطاق ، فأرادت تأدية دوها حتى النهاية ، فتبسمت بعدم إكتراث ، رغم دموعها التى تلح عليها :
–أعلى ما فى خيلك أركبه يا حبيبى ، بس حاسب لتقع من عليه ، وكويس أن حبك القديم رجعت تانى أهى تطفى نار قلبك شوية ، مش بيقولوا التالتة تابتة ، على الأقل هى هتفهمك ، لكن جايز فرق السن بينا إحنا الإتنين مكناش واخدين بالنا منه ، وأن كل واحد فينا محتاج حد قريب منه فى السن علشان يفهمه ، أنا لسه صغيرة وكل ما هكبر أنت هتكبر لحد ما هييجى الوقت اللى هتكون أنت كبرت فيه وأنا هكون لسه فى عز شبابى 

حديثها السخيف عن الفارق بالعمر بينهما ، لم يكن مقنعاً لأحد ، ولكنها تبحث عن أى شئ تزيد به رصيدها السيئ لديه ، فربما يقرر إطلاق سراحها ، ولا يعد يفكر بها ، ولكنها لا تعلم بأن حديثها سيكون ذا مردود عكسى ،فإلى إحدى الغرف كان يجرها خلفه ، ودفعها حتى سقطت على الفراش 

فألتوى ثغره قائلاً بسخرية :
– بما أنك كده بتحبى الفلوس مفيش مانع نقضى وقت حلو مع بعض وهدفعلك أجرتك 

فالقتل كان أهون عليها من تلك المهانة التى تشعر بها ، فشقت صرختها ذلك السكون الذى يحيط بهما عندما وجدت أن الأمر واقع لا محالة ، توسلته وإستعطفته  بالبداية ليتركها ، وهى تقول بإستجداء وهى تحت رحمته:
– علشان خاطرى يا راسل بلااااش دا أنا حياء حبيبتك

فصاح هو بوجهها قائلاً بألم :
– خاطر إيه اللى بتتكلمى عنه بعد اللى عملتيه فيا يا حياء 

ظل الشد والجذب بينهما قائماً ، فهى لا تريد تحطيم ما تبقى بينهما ، إلا أنها وجدته يتركها فجأة قبل أن يلمسها ، ويزداد تهوره أكثر ، فصرخ بها :

– قومى أمشى يا حياء قووومى ومش عايز أشوف وشك تانى 

لم تنتظر أن يقولها ثانية ، فأخذت حجابها ، الذى سقط من على رأسها وفرت هاربة من الغرفة وهى تبكى ، بينما هو أرتمى على الفراش وصدره يعلو ويهبط بوتيرة سريعة ، فأى قوة ردعته عنها قبل أن يأخذ منها مآربه ، فتلك هى قوة العشق اللعين الذى ما زال يسكن فؤاده ، وجعله عاجز عن إيذاءها وهى التى كانت ينتظر وقوعها بين يديه ، ولكنه يعلم خير العلم إنهما إذا تقابلا ثانية ، فالأمر لن يقتصر عن إظهار ضعفه تجاهها بعد مرور ثلاثة أيام ، كان وضعها يزداد سوءًا ، وهى جالسة بغرفتها حبيسة جدرانها ، بعد تلك المقابلة والمواجهة بينها وبين زوجها ، فكلما تتذكر أنه كان على وشك الإعتداء عليها ، تنهمر دموعها أكثر ، فهى لم تخبر أحد بشأن مقابلتها لزوجها ، ومن ستخبر شقيقها أم عمها ، اللذان إذا علما بأمرها ، سيحاولان إيذاء راسل ، فبيرى حاولت مراراً أن تعلم ما صار معها ، فهى الوحيدة التى تعلم بشأن رؤيتها لزوجها وخروجها معه ، فبعد أن لحقت بهما ، وجدت حياء تخرج من المنزل راكضة ، فأستقلت السيارة بدون أن تتفوه بكلمة حتى الآن

ولجت بيرى الغرفة فوجدتها تنكمش على نفسها بوسط فراشها ، فجلست بجانبها وهى تحثها على الكلام :

– مش عايزة تقولى إيه اللى حصل بينك وبين جوزك ، طب لو مش عايزة تتكلمى هتفضلى حابسة نفسك كده فى أوضتك دا انا جيت أفرحك وأقولك أن نعمل مشروع مع بعض نتسلى بيه بدل ما إحنا قاعدين فى البيت مبنعملش حاجة 

نظرت لها حياء وتساءلت :
– مشروع إيه ده اللى هنعمله وهو باباكى ولا ديفيد هيسمحولنا بكده

إبتسمت بيرى وهى تقول بفخر :
– من الناحية دى متقلقيش بابا زى ما أنتى عارفة مبيرفضش ليا طلب وهو لو عرف أن أعمل المشروع قصاد أن ما اسافرش هيوافق ، وديفيد مش هيرفض أنك تشتغلى ، وبالنسبة للمشروع ، فهنفتح مكتب لتنظيم حفلات الأعراس وأعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية ، أنا فكرت فى المشروع ده من زمان بس مكنش عندى حماس أعمله بس طالما أنتى معايا فهتبقى فرصة حلوة إيه رأيك ، وأنا فعلاً لقيت المكتب وهبدأ أعمل له دعاية لو أنتى وافقتى

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close